• البداية
  • السابق
  • 334 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17488 / تحميل: 4914
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 10

مؤلف:
العربية

والرشيد..(1) والرشيد تولى الخلافة في سنة 170 للهجرة، فابن سنان إذن قد مات بعد ابتداء خلافة الرشيد أي بعد سنة 170 هـ..

وإذا كان الإمام الصادق (عليه‌السلام ) قد استشهد في سنة 148 للهجرة، فلماذا لم يرو عن الإمام الكاظم (عليه‌السلام ) مع أنه قد عاصره هذه السنين الطويلة؟!

هل لأنه كان (عليه‌السلام ) في المدينة، وهو كان في بغداد مع الخلفاء، يعمل لهم خازناً، ولا يستطيع أن يلتقي بالإمام بسبب ذلك؟!.. أم أن السبب غير ذلك؟!..

2 ـ ومن جهة أخرى، فقد عد الشيخ في رجاله: ابن مسكان من أصحاب الإمام الصادق (عليه‌السلام )، وعدَّه المفيد من فقهاء أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما‌السلام )..(2) وعدّوه من أحداث أصحاب الإمام الصادق (عليه‌السلام ) أيضاً..

فابن مسكان قد عاصر الإمامين الصادق والكاظم (عليهما‌السلام )، على حد سواء، ولكنه لم يرو ـ كما يقولون ـ عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) سوى حديث واحد، هو: من أدرك المشعر، فقد أدرك الحج..

____________

1- راجع: بهجة الآمال ج5 ص238 عن النجاشي، والخلاصة، وابن داود. وجامع الرواة للأردبيلي ج1 ص487.

2- راجع: تنقيح المقال ج2 ص216. وراجع: قاموس الرجال للتستري ج11 ص126.

٢٨١

مع أنه كان من أروى أصحاب أبي عبد الله (عليه‌السلام )..

ويذكرون في سبب ذلك: أنه كان لا يدخل على أبي عبد الله (عليه‌السلام ) شفقة من أن لا يوفيه حق إجلاله، وكان يسمع من أصحابه، ويأبى أن يدخل عليه إجلالاً وإعظاماً له..(1) .

وابن مسكان أيضاً قد مات في زمن الإمام موسى الكاظم (عليه‌السلام ) قبل الحادثة..(2) .

والظاهر: أن المقصود بالحادثة هو نكبة البرامكة التي حصلت في سنة 186 للهجرة.

____________

1- راجع: بهجة الآمال ج5 ص285 و 286 عن الكشي، وأبي داود، والخلاصة. وإختيار معرفة الرجال للطوسي ج2 ص680 والإختصاص ص207 وخلاصة الأقوال للعلامة الحلي ص194 والرواشح السماوية ص110 وبحار الأنوار ج47 ص394 وخاتمة المستدرك ج4 ص430 والحبل المتين (ط.ق) للبهائي العاملي ص35 وجواهر الكلام ج13 ص53 والتحرير الطاووسي ص336 وجامع الرواة ج1 ص507 والرسائل الرجالية لأبي المعالي الكلباسي ج2 ص43 و 410 وج4 ص231 ومستدركات علم رجال الحديث ج5 ص108 والكنى والألقاب ج1 ص408.

2- رجال النجاشي ص215 وبهجة الآمال ج5 ص285 عنه، ورجال ابن داود ص124 والفوائد الرجالية للكجوري الشيرازي ص165وتوضيح المقال للملا على كني ص164 والرسائل الرجالية لأبي المعالي الكلباسي ج2 ص53 و 283.

٢٨٢

لكن المامقاني قال: أراد حادثة حمل الإمام من الحجاز عن طريق البصرة وحبسه، أو وقوع الوقف بعد موته..(1) .

وما ذكرناه لعله الأقرب..

3 ـ مما تقدم يظهر: أن ابن سنان، وابن مسكان، كانا متعاصرين. وأنهما قد عاصرا الإمامين الصادق والكاظم (عليهما‌السلام )، وكانا في خلافة الرشيد، قبل استشهاد الإمام الكاظم (عليه‌السلام )، على قيد الحياة..

وقد صرحت الروايات بموت ابن مسكان قبل استشهاد الإمام الكاظم (عليه‌السلام ) ولم تصرح بذلك عن ابن سنان..

ولكن رغم هذه المعاصرة، فإن ابن سنان لم يرو عن الإمام الكاظم (عليه‌السلام )، وابن مسكان لم يرو عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) مباشرة..

وقد صرحت بعض النصوص بأن سبب عدم رواية ابن مسكان عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) هو تهيبه من الدخول عليه، خوفاً من أن لا يوفيه حقه، ولكنها لم تصرح بشيء بالنسبة لسبب عدم رواية ابن سنان، عن الإمام الكاظم (عليه‌السلام )..

4 ـ إن ملاحظة أسماء الذين يروون عن ابن سنان، وعن ابن مسكان، تعطي أن عدداً منهم يروي عن هذا تارة، وعن ذاك أخرى..

5 ـ إن مراجعة كلمات الذين يذكرون من يروي عن هذا أو عن ذاك،

____________

1- راجع: تنقيح المقال ج2 ص216.

٢٨٣

تعطينا أيضاً: أن الإحصائيات التي يوردونها ناظرة غالباً إلى خصوص الكتب الأربعة: الكافي، والتهذيب، والإستبصار، ومن لا يحضره الفقيه..(1) .

6 ـ إحصائياتهم المشار إليها لا تمتع بالدقة في التتبع، فيقعون في الخطأ أحياناً.. وقد وقعوا في الخطأ حتى في نفس هذا المورد الذي نحن بصدده.

فقد قالوا: إن ابن مسكان لم يرو عن الإمام الصادق (عليه‌السلام )، إلا حديث: من أدرك المشعر فقد أدرك الحج..

مع أن ابن مسكان قد روى عن الإمام الصادق (عليه‌السلام )(2) في نفس الكتب الأربعة. وقد جاء حديثه بلفظ: سمعت أبا عبد الله يقول.. فراجع الكافي، باب طلب الرياسة..

وبلفظ: سألت أبا عبد الله في باب السعي بين الصفا والمروة في كتاب التهذيب..

وبلفظ: عن أبي عبد الله.

وبلفظ: قال أبو عبد الله، كثير في الكافي والتهذيب..

وقال الوحيد البهبهاني في التعليقات:

قال جدي في شرح الفقيه: قد تقدم قريباً من ثلاثين حديثاً من الكتب الأربعة وغيرها عنه، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ).

إلا أن يقال: إن ذلك كله ليس صريحاً في روايته وسماعه المباشر من

____________

1- راجع كتاب: معجم رجال الحديث.

2- دلائل الإمامة ص284.

٢٨٤

الإمام الصادق (عليه‌السلام )..(1) .

ولكن هذا مرفوض بعد تصريحه بالسماع منه (عليه‌السلام ) في الكافي في باب طلب الرياسة، وتصريحه بسؤاله الإمام (عليه‌السلام ) في باب السعي بين الصفا والمروة، كما في كتاب التهذيب..

والقول بوقوع الاشتباه من قبل العلماء في هذا الأمر هو الأولى بالقبول والاعتماد..

هذا على الرغم من أن هذا النفي يحتاج إلى إثبات تتبعهم التام للأحاديث، وأن تتبعهم يشمل حتى غير الكتب الأربعة.. وهو موضع شك أكيد..

7 ـ إن العلماء حين يذكرون من يروي عن ابن سنان، وعن ابن مسكان، أو من يرويان عنه يُتْبِعُون كلامهم بكلمة: وغيرهم..(2) .

8 ـ قال المامقاني وهو يعدد من يروي عن عبد الله بن مسكان: (والحسن بن الجهم، وابنه محمد بن عبد الله بن مسكان، وعبد الله بن سنان، وعلي بن رئاب، ومحمد بن علي، وغيرهم عنه..)(3) .

وقال المولى أحمد الأردبيلي وهو يتحدث عن عبد الله بن مسكان: (عنه

____________

1- راجع في ما تقدم: بهجة الآمال ج5 ص287 وتنقيح المقال ج2 ص216 و 217 وتعليقة على منهج المقال للوحيد البهبهاني ص231.

2- راجع: تنقيح المقال ج2 ص186 و 217.

3- راجع: تنقيح المقال ج2 ص186 و 217.

٢٨٥

عبد الله بن سنان في باب من اشترط في حال الإحرام الخ..)(1) .

9 ـ ما المانع من أن يروي عبد الله بن سنان عن ابن مسكان خصوص هذه الرواية، حتى لو لم يرو عنه أية رواية أخرى..

بل حتى لو كان عبد الله بن سنان في مرتبة الشيخ بالنسبة لابن مسكان، فإن رواية الأكابر عن الأصاغر ليست بالأمر المستهجن..

10 ـ يلاحظ أن الطبري قد أورد هذه الرواية بنفس هذا السند في كتابه في موردين أحدهما ص79 فقال:

(.. وحدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: روى أحمد بن محمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام )(2) .

والآخر في صفحة 134، قال: (حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبو علي محمد بن همام بن سهيل، قال: روى أحمد بن محمد بن البرقي، عن أحمد بن محمد الأشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه‌السلام )، قال:

____________

1- جامع الرواة ج1 ص510.

2- دلائل الإمامة ص79.

٢٨٦

الخ..)(1) .

فذكره للرواية في الموردين بطريقين إلى محمد بن همام، ثم بسند واحد إلى أبي بصير يؤكد: أنه متعمد للتصريح بالاسم، وأنه لا يوجد اشتباه في السند..

وقد نقلها في البحار عنه، لكنه اختصر السند كعادته، وتصرف فيه، فقال: عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبيه، عن محمد بن همام، عن أحمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير..(2) .

ونقل الحديث الأول متصرفاً فيه، ومختصراً له أيضاً فقال: عن أبي المفضل الشيباني، عن محمد بن همام، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير..(3) .

11 ـ وبعد.. فإنهم حين يقولون: ابن سنان، فالمتبادر هو عبد الله، إلا إذا دلت قرينة على أن المراد به محمد بن سنان. ويشير إلى ذلك: اختصار البحار لكلمة عبد الله بن سنان، وابن مسكان، في الموردين بقوله: ابن سنان، وابن مسكان..

____________

1- دلائل الإمامة ص134.

2- راجع: بحار الأنوار ج43 ص170.

3- بحار الأنوار ج43 ص9.

٢٨٧

وقد وردت رواية ابن سنان عن ابن مسكان، من دون تصريح في الكافي..(1) .

وَحمْلُها على أن المراد هو محمد بن سنان، لا عبد الله، مجرد استحسان، إذ إن الرجلين كانا متعاصرين، ولا مانع من رواية كل منهما عن الآخر.. والعدول عما شاع بين العلماء ليس له ما يبرره، إلا إذا دل دليل قاطع على عدم رواية عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان أصلاً..

ومجرد كثرة رواية محمد عن ابن مسكان، لا ترجح كونه هو المراد، ولا توجب العدول عما هو شائع في طريقة تعبيرهم.

على أن رواية محمد عن ابن مسكان ليست بهذه الكثرة التي تمنع من إرادة غيره..

12 ـ إننا نعود فنكرر ونلخص: أنه حتى لو لم يرو عبد الله بن سنان عن ابن مسكان إلا هذه الرواية، فإنه يؤخذ بها مع هذا التصريح المتعمد بالاسم في موردين من موارد النقل، الأمر الذي يبعِّد احتمال الخلط، والاشتباه في الأسماء.. لأن رواية الأكابر عن الأصاغر هي بطبيعتها مبنية على الندرة والقلة، وذلك حين يلفت نظره أمر لم يصل إليه عن غير هذا الطريق، فيبادر إلى نقله عمن لا يضارعه في السن، ولا في المقام والمرتبة، ولا يعد من أقرانه..

____________

1- راجع الكافي ج1 ص26 باب: الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه وج5 ص84 باب: كراهية النوم والفراغ.

٢٨٨

فكيف إذا كان لم يثبت ذلك، بل كانت القرائن تشير إلى أنه من أقرانه، كما تقدم!! وقد عدُّوه من أصحاب الإمام الصادق (عليه‌السلام )..

وأما الإشكال على الرواية بعدم إمكان رواية البرقي، وهو من أصحاب الإمام الرضا (عليه‌السلام )، عن ابن سنان، وهو من أصحاب الإمام الصادق (عليه‌السلام )..

فهو مردود.. لأن ابن سنان كان خازناً للرشيد، فهو من أصحاب الإمام الكاظم (عليه‌السلام )، وقد روى البرقي عن أصحاب الإمام الكاظم (عليه‌السلام ) كثيراً..

وفي جميع الأحوال نقول:

إن الروايات لا تنحصر في الكتب الأربعة، فحتى لو لم يرد في الكتب الأربعة أية رواية لابن سنان، عن ابن مسكان، فإن ذلك لا يدفع رواية دلائل الإمامة، ولا يسقطها عن درجة الاعتبار..

٢٨٩

٢٩٠

الفصل الثالث: إستشهاد الزهراء (عليها‌السلام ) أحداث وتفاصيل

٢٩١

٢٩٢

يا سيدتي ما يبكيك؟!

عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليه‌السلام )، قال: لما حضرت فاطمة الوفاة بكت؛ فقال لها أمير المؤمنين: يا سيدتي ما يبكيك؟!

قالت: أبكي لما تَلقَى من بعدي.

فقال لها: لا تبكي، فوالله، إن ذلك لصغير عندي في ذات الله(1) .

وفي هذا النص إشارة إلى العديد من الأمور الهامة، نقتصر منها على الأمرين التاليين:

يا سيدتي:

إن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يخاطب الزهراء بـ (يا سيدتي) وهذا أعلى درجات الإحترام والتقدير، من إنسان هو الغاية في الكمال وهو معدن الفهم، والعلم والمعرفة. ولديه وعنده، وإليه ترجع المعايير والقيم، التي على أساسها، ومن خلالها يكون الاحترام للناس، أو لا يكون.

____________

1- بحار الأنوار ج43 ص218 عن مصباح الأنوار ص262 واللمعة البيضاء ص890 والأنوار البهية ص60 ومجمع النورين للمرندي ص148 وبيت الأحزان ص27 و 177 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص330.

٢٩٣

وهو يعيش مع الزهراء (عليها‌السلام ) لسنوات عديدة تكفي لأن تكشف ما يسعى الناس للتستر عليه عادة.. وليست حياته معها قشرية وظاهرية، بل هي نافذة إلى الأعماق، تعطيه القدرة على الإطلاع على جميع الجهات والأحوال والأوضاع، وليس من المفروض أن تقف عند حد بعينه، سوى ما حدده الشرع الشريف..

وهي زوجته التي يعتاد عليها، وتسقط الكلفة معها، ولا يبقى فيها مجال للمجاملة، أو التظاهر بخلاف الواقع. وحاشاه وحاشاه!!

فإذا ظهر أن هذا الرجل بالذات يصل به الأمر في احترام امرأته إلى حد يخاطبها بـ: (يا سيدتي)، مع أنه قد عاشرها طيلة هذه السنوات كزوجة، ورآها في صحتها، وفي مرضها، وفي حزنها وفرحها، وفي جميع أحوالها.

إن هذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على عظمة تلك المرأة من جهة، وأنها قد فرضت عليه احترامها إلى هذا المستوى..

ويدل أيضاً: على تقوى وورع هذا الرجل، وعلى ما يتمتع به من كريم المزايا، وحميد الخصال..

أبكي لما تلقى بعدي:

وليس من المستهجن على أي كان من الناس إذا حضره الموت، أن يبكي لهول المطلع، ورهبة الموقف، أو خوفاً من أن يكون قد قصر في الإعداد والإستعداد لهذا الأمر..

ولكن الأهم والأعظم قيمة، والأكثر دلالة على استحقاق سيدتنا

٢٩٤

الزهراء (عليها‌السلام ) لأن يخاطبها سيد الأوصياء بـ (يا سيدتي): هو أنها لم تكن تبكي عند حضور أجلها من أجل نفسها، بل كانت تبكي لأجل سيدها وإمامها (صلوات الله وسلامه عليه وعليها).

وذلك إن دلّ على شيء، فهو يدل أيضاً على معرفتها بحقيقة علي (عليه‌السلام )، كفر، وكأمة، وكإمام!! ويشير إلى عمق ثقتها به، ويدلل أيضاً على معرفتها بزمانها، وبأهله وبأطماعهم، وبأساليبهم، ومدى بعدهم عن الإلتزام بأحكام الله، وشرائعه.

ثم هو يدل على وقوفها على حجم التحديات التي ستواجهه (عليه‌السلام )، كفرد، وكأمة، وكإمام!! وعلى مستويات التحمل التي يحتاج إليها في تصدىه لها..

ويدل أيضاً: على رهافة حسها، وطبيعة اهتماماتها، وسمو أهدافها.

ويدل أخيراً: على أنها واثقة بما أعد الله لها من نعيم مقيم، ومن روح وريحان وجنة نعيم.. فهي كزوجها لو كشف لها الغطاء ما ازدادت يقيناً.

وجاء جوابه (عليه‌السلام ) بلسماً لجراحها، وسكينة على قلبها، ورضاً لروحها، حين طمأنها بقوله: (إن ذلك لصغير عندي في ذات الله)(1) .

____________

1- بحار الأنوار ج43 ص218 عن مصباح الأنوار ص262 واللمعة البيضاء ص890 والأنوار البهية ص60 ومجمع النورين للمرندي ص148 وبيت الأحزان ص27 و 177 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص330.

٢٩٥

تجهيز الزهراء ( عليها‌السلام ) ودفنها:

1 ـ رُوي: أن فاطمة الزهراء (عليه‌السلام ) قالت لعلي (عليه‌السلام ): إن لي إليك حاجة يا أبا الحسن!

قال: تقضى يا بنت سول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فقالت: نشدتك بالله، وبحق محمد رسول الله أن لا يصلي علي أبو بكر وعمر؛ فإني لا كتمتك حديثاً، قال لي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): يا فاطمة! إنك أول من يلحق بي من أهل بيتي، فكنت أكره أن أسوءك.

قال: فلما قبضت أتاه أبو بكر وعمر، وقالا: لم لا تخرجها حتى نصلي عليها؟!

فقال: ما أرانا إلا سنصبح.

ثم دفنها ليلاً. ثم صور برجله حولها سبعة أقبر.

قال: فلما أصبحوا أتوه، فقالا: يا أبا الحسن! ما حملك على أن تدفن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولم نحضرها؟!

قال: ذلك عهدها إليّ..

قال: فسكت أبو بكر، فقال عمر: هذا والله شيء في جوفك!

فثار إليه أمير المؤمنين، فأخذ بتلابيبه، ثم جذبه، فاسترخى في يده، ثم قال: والله، لولا كتاب سبق وقول من الله!!

والله لقد فررت يوم خيبر، وفي مواطن، ثم لم ينزل الله لك توبة حتى الساعة.

٢٩٦

فأخذه أبو بكر، وجذبه، وقال: قد نهيتك عنه(1) .

2 ـ وذكر نص آخر: أنها (عليها‌السلام ) أوصت علياً (عليه‌السلام ) بما أهمها من أمر أولادها، وغسلها، ونعشها، وغيرها من الأمور الخاصة، ثم أوصت بأن لا يشهد أحد جنازتها من الذين ظلموها، فإنهم عدوُّها وعدوُّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأن لا يصلي عليها أحد منهم، ولا من أتباعهم، وأن يدفنها بالليل، إذا هدأت العيون، ونامت الأبصار.

فلما توفيت (عليها‌السلام ) صاح أهل المدينة صيحة واحدة، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخن صرخة واحدة، وكادت أن تتزعزع المدينة من صراخهن.

واجتمع الناس.

وخرج أبو ذر، وقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أُخر إخراجها في هذه العشية.

فقام الناس وانصرفوا.

فدفنها (عليه‌السلام ) في الليل، وحضرها وصلى عليها: علي، والحسنان (عليهم‌السلام )، وعمار، والمقداد، وعقيل، والزبير، وأبوذر، وسلمان، وبريدة، ونفر من بني هاشم.

وسوَّى علي (عليه‌السلام ) حوالي قبرها قبوراً مزورة سبعة، حتى لا

____________

1- مصباح الأنوار ص259 و 260 وبحار الأنوار ج29 ص112 و 113 و اللمعة البيضاء ص862 وراجع: كتاب سليم بن قيس ج2 ص870 و 871.

٢٩٧

يعرف قبرها(1) .

3 ـ وفي نص آخر: أخرجها إلى البقيع، ومعه الحسن والحسين (عليهم‌السلام )، وصلى عليها(2) .

4 ـ ويقال: أصبح في البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جدداً، وإن المسلمين جاؤوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور.

(فضج الناس، ولام بعضهم بعضاً، وقالوا: لم يخلِّف نبيكم فيكم إلا بنتاً واحدة، تموت وتدفن، ولم تحضروا وفاتها، والصلاة عليها، ولا تعرفون موضع قبرها)؟!.

وقد حاول ولاة الأمر منهم أن يأتوا بنساء لنبش قبر الزهراء، والصلاة عليها، (ورؤية أو) وزيارة قبرها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) فخرج مغضباً، وقد احمرت عيناه، ودرت أوداجه، وعليه قباؤه الأصفر، الذي كان يلبسه في كل كريهة،

____________

1- اللمعة البيضاء ص868 و 869 وروضة الواعظين ص151 و 152 وبحار الأنوار ج43 ص192 و الأنوار البهية ص62 والأنوار العلوية ص304 ومجمع النورين للمرندي ص150 وبيت الأحزان ص181 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص336.

2- دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص136 وبحار الأنوار ج43 ص171 واللمعة البيضاء ص852.

٢٩٨

وهو متوكئ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع، وهو يقسم بالله: لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخِر..

فلما بلغهم خبر مجيئه على هذا الحال، تلقاه عمر، ومن معه من أصحابه، وقال له: ما لك يا أبا الحسن! والله لننبشن قبرها.

فضرب علي (عليه‌السلام ) بيده إلى جوامع ثوبه، ثم ضرب به الأرض، وقال له: يا بن السوداء، أما حقي فقد تركته، مخافة أن يرتد الناس عن دينهم. وأما قبر فاطمة، فوالذي نفس علي بيده، لئن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم. فإن شئت فأعرض يا عمر.

فتلقاه أبو بكر، فقال: يا أبا الحسن، بحق رسول الله، وبحق من فوق العرش إلا ما خليت عنه، فإنَّا غير فاعلين شيئاً تكرهه.

قال: فخلى عنه، وتفرق الناس، ولم يعودوا إلى ذلك(1) .

5 ـ وفي دلائل الإمامة: دفنها في الروضة، وحضر دفنها الحسنان، وزينب، وأم كلثوم، وفضة، وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلى البقيع وصلى عليها، ولم يعلم بها ولا حضر وفاتها، ولا صلى عليها أحد من سائر

____________

1- راجع: بحار الأنوار ج43 ص171 و 172 وراجع ص212 ودلائل الإمامة ص136 و 137 واللمعة البيضاء ص852 و 853 والأنوار العلوية ص305 و 306 ومجمع النورين للمرندي ص157 و 158 وبيت الأحزان ص186 و 187 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج19 ص171. وراجع: علل الشرايع ج1 ص186 باب 149.

٢٩٩

الناس غيره(1) .

6 ـ عن علي (عليه‌السلام ): أنه أخذ في أمرها، وغسلها في قميصها، ثم حنطها من فضلة حنوط رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكفنها.

قال: فلما هممت أن أعقد الرداء، ناديت: يا أم كلثوم، يا زينب، يا سكينة، يا فضة، يا حسن، يا حسين. هلموا تزودوا من أمكم، فهذا الفراق، واللقاء في الجنة.

فلما أقبل الحسنان (عليهما‌السلام )، وكلماها، يقول أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): إني أشهد الله أنها قد حنَّت، وأنَّت، ومدَّت يديها، وضمتهما إلى صدرها ملياً. وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن، ارفعهما عنها، فلقد أبكيا ـ والله ـ ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب.

قال: فرفعتهما عن صدرها.

ثم ذكر (عليه‌السلام ): أنه عقد الرداء، ثم حملها على يده، وأقبل بها إلى قبر أبيها.

ثم عدل بها إلى الروضة، فصلى عليها في أهله ومواليه، وأصحابه، وأحبائه، وطائفة من المهاجرين والأنصار. ثم واراها، وألحدها في لحدها(2) .

____________

1- دلائل الإمامة ص136 وراجع: بحار الأنوار ج43 ص171 والهداية الكبرى ص178 واللمعة البيضاء ص852 ومجمع النورين للمرندي ص146.

2- بحار الأنوار ج43 ص179 ـ 180 باختصار، واللمعة البيضاء ص859 و 860 = = وراجع: الأنوار البهية ص62 وعن العوالم ج6 ص261 والأنوار العلوية ص305 ومجمع النورين للمرندي ص153 وبيت الأحزان ص182.

٣٠٠