• البداية
  • السابق
  • 334 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20207 / تحميل: 6360
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام ، وقد قام معاوية بضيافتهم والإحسان إليهم.

مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة :

وعقدت وفود الأقطار الإسلاميّة مؤتمراً في البلاط الاُموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد ، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام ، ولزوم طاعة ولاة الاُمور ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعمله بالسّياسة ، ودعاهم لبيعته.

المؤيّدون للبيعة :

وانبرت كوكبة مِنْ أقطاب الحزب الاُموي فأيّدوا معاوية ، وحثّوه على الإسراع للبيعة ، وهم :

1 ـ الضحّاك بن قيس

2 ـ عبد الرحمن بن عثمان

3 ـ ثور بن معن السلمي

4 ـ عبد الله بن عصام

5 ـ عبد الله بن مسعدة

وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده ، والردّ على المعارضين له.

٢٠١

خطابُ الأحنف بن قيس :

وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيّد تميم الأحنف بن قيس ، الذي تقول فيه ميسون اُمّ يزيد : لو لمْ يكن في العراق إلاّ هذا لكفاهم(1) . وتقدّم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ التفت إلى معاوية قائلاً :

أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّ الناس في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين ، فاعرف مَنْ تسند إليه الأمر مِنْ بعدك ثمّ اعصِ أمر مَنْ يأمرك ، ولا يغررك مَنْ يُشير عليك ولا ينظر لك ، وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً.

وأثار خطاب الأحنف موجةً مِن الغضب والاستياء عند الحزب الاُموي ، فاندفع الضحّاك بن قيس مندِّداً به ، وشتم أهلَ العراق ، وقدح بالإمام الحسن (عليه السّلام) ، ودعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه. ولمْ يعن به الأحنف ، فقام ثانياً فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مِنْ تسليم الأمر إلى الحسن (عليه السّلام) مِنْ بعده ؛ حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة مِنْ بعده إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما أنّه هدّد معاوية بإعلان الحرب إذا لمْ يفِ بذلك.

__________________

(1) تذكرة ابن حمدون / 81.

٢٠٢

فشلُ المؤتمر :

وفشلَ المؤتمر فشلاً ذريعاً بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس ، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاُموي ، وانبرى يزيد بن المقفّع فهدّد المعارضين باستعمال القوّة قائلاً : أمير المؤمنين هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإنْ هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ، ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى السيف ـ.

فاستحسن معاوية قوله ، وراح يقول له : اجلس فأنت سيّد الخطباء وأكرمهم.

ولمْ يعن به الأحنف بن قيس ، فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد ، وأنْ لا يُقدّمَ أحداً على الحسن والحسين (عليهما السّلام). وأعرض عنه معاوية ، وبقي مصرّاً على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ المؤتمر لمْ يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية ؛ فقد استبان له أنّ بعض الوفود الإسلاميّة لا تُقِرّه على هذه البيعة ولا ترضى به.

سفرُ معاوية ليثرب :

وقرّر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محطّ أنظار المسلمين ، وفيها أبناء الصحابة الذين يُمثّلون الجبهة المعارضة للبيعة ؛ فقد كانوا لا يرون يزيداً نِدّاً لهم ، وإنّ أخذ البيعة له خروجٌ على إرادة الأُمّة ، وانحراف عن الشريعة الإسلاميّة التي لا تُبيح ليزيد أنْ يتولّى شؤون المسلمين ؛ لما عُرِفَ به مِن الاستهتار وتفسّخ الأخلاق.

٢٠٣

وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية ، وتحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلاميّة إلى مُلْكٍ عضوض ، لا ظل فيه للحقّ والعدل.

اجتماعٌ مغلق :

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً ، ولمْ يُحضر معهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ لأنّه قد عاهد الحسن (عليه السّلام) أنْ تكون الخلافة له مِنْ بعده ، فكيف يجتمع به؟ وماذا يقول له؟ وقد أمر حاجبه أنْ لا يسمح لأي أحدٍ بالدخول عليه حتّى ينتهي حديثه معهم.

كلمةُ معاوية :

وابتدأ معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه ، وصلّى على نبيّه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد كبر سنّي ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أنْ اُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أنْ استخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا. وأنتم عبادلة قريش وخيارهم وأبناء خيارهم ، ولمْ يمنعني أنْ أُحضِرَ حسناً وحُسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما علي ، على حُسنِ رأي فيهما ، وشدّة محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً رحمكم الله.

ولم يستعمل معهم الشدّة والإرهاب ؛ استجلاباً لعواطفهم ، ولمْ يخفَ عليهم ذلك ، فانبروا جميعاً إلى الإنكار عليه.

٢٠٤

كلمةُ عبد الله بن عباس :

وأوّل مَنْ كلّمه عبد الله بن عباس ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس مَنْ تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها إذا اختاره الله له ؛ فإنّه إنّما اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم.

وكانت دعوة ابن عباس صريحةً في إرجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمسّهم به رحماً ؛ فإنّ الخلافة إنّما هي امتداد لمركز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأهل بيته أحقّ بمقامه وأولى بمكانته.

كلمةُ عبد الله بن جعفر :

وانبرى عبد الله بن جعفر ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخذ فيها بالقرآن فاُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاُولوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر مِنْ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وأيمُ الله ، لو ولّوها بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ؛ لحقّه وصدقه ، ولأُطيع الرحمن وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الأُمّة سيفان ، فاتقِ الله يا معاوية ، فإنّك قد صرت راعياً ونحن رعيّة ، فانظر لرعيتك فإنّك مسؤول عنها غداً ،

٢٠٥

وأمّا ما ذكرت مِن ابنَي عمّي وتركك أنْ تحضرهم ، فوالله ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز ذلك إلاّ بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقل أو دع ، واستغفر الله لي ولكم.

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحقّ ، والإخلاص للأُمّة ، فقد رشّح أهل البيت (عليهم السّلام) للخلافة وقيادة الأُمّة ، وحذّره مِنْ صرفها عنهم كما فعل غيره مِن الخلفاء ، فكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ مُنِيَتِ الأُمّة بالأزمات والنّكسات ، وعانت أعنف المشاكل وأقسى الحوادث.

كلمةُ عبد الله بن الزبير :

وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصة ، نتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتّقِ الله يا معاوية وأنصف نفسك ؛ فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي خلّف حسناً وحُسيناً ، وأنت تعلم مَنْ هما وما هما؟ فاتّقِ الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وقد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية وإفساد مهمّته.

٢٠٦

كلمةُ عبد الله بن عمر :

واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.

ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.

كلمةُ معاوية :

وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد

٢٠٧

أخرجك الله يابن الزبير ، وأنت يابن عمر منه ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين مِن الرأي إنْ شاء الله(1) .

وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة ، وقد أخفق فيه إخفاقاً ذريعاً ؛ فقد استبان له أنّ القوم مصمّمون على رفض بيعة يزيد. وعلى إثر ذلك غادر يثرب ، ولمْ تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد أهملت ذلك ، وأكبر الظن أنّه لمْ يجتمع بهما.

فزعُ المسلمين :

وذُعِرَ المسلمون حينما وافتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم ، وكان مِنْ أشدّ المسلمين خوفاً المدنيون والكوفيون ، فقد عرفوا واقع يزيد ، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام.

يقول توماس آرنولد : كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألِفوا البيعة والشورى ، والنُّظم الاُولى في الإسلام ، وهم بعدُ قريبون منها ؛ ولهذا أحسّوا ـ وخاصة في مكّة والمدينة ، حيث كانوا يتمسّكون بالأحاديث والسّنن النّبوية الاُولى ـ أنّ الاُمويِّين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية ، مطبوع بالعظمة وحبّ الذات بدلاً مِنْ أنْ يحتفظوا بتقوى النّبي وبساطته(2) .

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكماً على المسلمين تحوّلاً خطيراً في حياة المسلمين الذين لمْ يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فُرِضَ عليهم بقوّة السّلاح.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

(2) الخلافة ـ لتوماس / 10.

٢٠٨

الجبهةُ المعارضة :

وأعلن الأحرار والمصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد ، ولمْ يرضوا به حاكماً على المسلمين ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد كان يحتقر يزيد ويكره طباعه الذميمة ، ووصفه بأنّه صاحب شراب وقنص ، وأنّه قد لزم طاعة الشيطان وترك طاعة الرحمن ، وأظهر الفساد ، وعطّل الحدود ، واستأثر بالفيء ، وأحلّ حرام الله وحرّم حلاله(1) . وإذا كان بهذه الضِعة ، فكيف يبايعه ويقرّه حاكماً على المسلمين؟!

ولمّا دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النّفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الأُسرة النّبوية تبعاً لزعيمهم العظيم ، ولمْ يشذّوا عنه.

الحرمان الاقتصادي :

وقابل معاوية الأسرة النّبوية بحرمان اقتصادي ؛ عقوبةً لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد ، فقد حبس عنهم العطاء سنةً كاملة(2) ، ولكنّ ذلك لمْ يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200.

٢٠٩

2 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

ومِن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد وسمها بأنّها هرقلية ، كلّما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر(1) . وأرسل إليه معاوية مئة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى ، وقال : لا أبيع ديني(2) .

3 ـ عبد الله بن الزبير :

ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد ، ووصفه بقوله : يزيد الفجور ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات(3) . ولمّا أجبرته السّلطة المحلّية في يثرب على البيعة فرّ منها إلى مكّة.

4 ـ المنذر بن الزبير :

وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد وشجبها ، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة ، فقال : إنّه قد أجازني بمئة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أنْ أخبركم خبره. والله ، إنّه ليشرب الخمر. والله ، إنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة(4) .

5 ـ عبد الرحمن بن سعيد :

وامتنع عبد الرحمن بن سعيد مِن البيعة ليزيد ، وقال في هجائه :

__________________

(1) الاستيعاب.

(2) الاستيعاب ، البداية والنهاية 8 / 89.

(3) أنساب الأشراف 4 / 30.

(4) الطبري 4 / 368.

٢١٠

لستَ منّا وليس خالُك منّا

يا مضيعَ الصلاةِ للشهواتِ(1)

6 ـ عابس بن سعيد :

ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : أنا أعرَفُ به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك(2) .

7 ـ عبد الله بن حنظلة :

وكان عبد الله بن حنظلة مِن أشدّ الناقمين على البيعة ليزيد ، وكان مِن الخارجين عليه في وقعة الحرّة ، وقد خاطب أهل المدينة ، فقال لهم : فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحِجارة مِن السّماء.

حياة الإمام الحُسين

إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لمْ يكن معي أحدٌ مِن الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً(3) .

وكان يرتجز في تلك الواقعة :

بعداً لمَنْ رام الفساد وطغى

وجانب الحقّ وآيات الهدى

لا يبعد الرحمنُ إلاّ مَنْ عصى(4)

__________________

(1) الحُسين بن علي (عليه السّلام) 2 / 6.

(2) القضاة ـ للكندي / 310.

(3) طبقات ابن سعد.

(4) تاريخ الطبري 7 / 12.

٢١١

موقفُ الأُسرة الاُمويّة :

ونقمت الأُسرة الاُمويّة على معاوية في عقده البيعة ليزيد ، ولكن لمْ تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي ، وإنّما كانت مِنْ أجل مصالحهم الشخصية الخاصة ؛ لأنّ معاوية قلّد ابنه الخلافة وحرمهم منها ، وفيما يلي بعض الناقمين :

1 ـ سعيد بن عثمان :

وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية ، وقد رفع عقيرته قائلاً : علامَ جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك؟! فوالله لأبي خير مِنْ أبيه ، وأُمّي خير مِنْ أُمّه ، وأنا خيرٌ مِنه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت!

فراوغ معاوية وقال له : أمّا قولك إنّ أباك خير مِنْ أبيه فقد صدقت ، لعمر الله إنّ عثمان لخير مِنّي ؛ وأمّا قولك إنّ أُمّك خير مِنْ أُمّه فحسب المرأة أنْ تكون في بيت قومِها ، وأنْ يرضاها بعلها ، ويُنجب ولدها ؛ وأمّا قولك إنّك خير مِنْ يزيد ، فوالله ما يسرّني أنّ لي بيزيد ملء الغوطة ذهباً مثلك ؛ وأمّا قولك إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني إنّما ولاّني مَنْ هو خير مِنكم عمر بن الخطاب فأقررتموني.

وما كنت بئس الوالي لكم ؛ لقد قمت بثأركم ، وقتلتُ قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم ...

٢١٢

وكلّمه يزيد فأرضاه ، وجعله والياً على خراسان(1) .

2 ـ مروان بن الحكم :

وشجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد وتقديمه عليه ، فقد كان شيخ الاُمويِّين وزعيمهم ، فقال له : أقم يابن أبي سفيان ، واهدأ مِنْ تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نُظراء ، وأنّ لهم على مناوئتك وزراً.

فخادعه معاوية ، وقال له : أنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شدّة عضده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وإنّا مجيرو وفدك ، ومحسنو وفدك(2) .

وقال مروان لمعاوية : جئتم بها هرقلية ، تُبايعون لأبنائكم!(3) .

3 ـ زياد بن أبيه :

وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده ؛ وذلك لما عرف به مِن الاستهتار والخلاعة والمجون.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد ، وإنّه ليس أولى مِن المغيرة بن شعبة. فلمّا قرأ كتابه دعا برجل مِنْ أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحداً غيره ، فقال له : إنّي اُريد أنْ ائتمنك على ما لم ائتمن على بطون الصحائف ؛ ائت معاوية وقل له : يا أمير المؤمنين ، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا ، فماذا يقول

__________________

(1) وفيات الأعيان 5 / 389 ـ 390.

(2) الإمامة والسّياسة 1 / 128.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 395.

٢١٣

الناس إنْ دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمسي على الدفوف ، ويحضرهم ـ أي الناس ـ الحُسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟! ولكن تأمره أنْ يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين ، فعسانا أنْ نموه على الناس. وسار الرسول إلى معاوية فأدّى إليه رسالة زياد ، فاستشاط غضباً ، وراح يتهدّده ويقول :

ويلي على ابن عُبيد! لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد. والله ، لأردّنه إلى أُمّه سُميّة وإلى أبيه عُبيد(1) .

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية مِن الأُسرة الاُمويّة وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاعُ الخلاف بين الاُمويِّين :

واتّبع معاوية سياسة التفريق بين الاُمويِّين حتّى يصفو الأمر لولده يزيد ؛ فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مكانه مروان بن الحكم ، ثمّ عزل مروان واستعمل سعيداً مكانه ، وأمره بهدم داره ومصادرة أمواله ، فأبى سعيد مِنْ تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله وولّى مكانه مروان ، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره ، فلمّا همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شأنه ، فامتنع مروان مِن القيام بما أمره معاوية.

وكتب سعيد إلى معاوية رسالة يندّد فيها بعمله ، وقد جاء فيها : العجب ممّا صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له ، أنْ يضغن بعضنا

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.

٢١٤

على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره مِن الأخبثين ، وعفوه وإدخاله القطيعة بنا والشحناء ، وتوارث الأولاد ذلك!(1) .

وعلّق عمر أبو النّصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع أُسرته بقوله : إنّ سبب هذه السّياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد مِنْ بعده ، فكان يضرب بعضهم ببعضٍ حتّى يظلّوا بحاجة إلى عطفه وعنايته(2) .

تجميدُ البيعة :

وجمّد معاوية رسمياً البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتّى يتمّ له إزالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه. ويقول المؤرّخون : إنّه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب ، واطّلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه ، أوقف كلّ نشاط سياسي في ذلك ، وأرجأ العمل إلى وقت آخر(3) .

اغتيالُ الشخصيات الإسلاميّة :

ورأى معاوية أنّه لا يمكن بأي حالٍ تحقيق ما يصبوا إليه مِنْ تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتّع باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، فعزم على القيام باغتيالهم ؛ ليصفو له الجو ، فلا يبقى أمامه أي مزاحم ،

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 18.

(2) السياسة عند العرب ـ عمر أبو النّصر / 98.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 182.

٢١٥

وقد قام باغتيال الذوات التالية :

1 ـ سعد بن أبي وقاص :

ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين مِن المسلمين ، فهو أحد أعضاء الشورى ، وفاتح العراق ، وقد ثقل مركزه على معاوية فدسّ إليه سُمّاً فمات منه(1) .

2 ـ عبد الرحمن بن خالد :

وأخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وأحبّوه كثيراً ، وقد شاورهم معاوية فيمَنْ يعقد له البيعة بعد وفاته ، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد ، فشقّ ذلك عليه ، وأسرّها في نفسه.

ومرض عبد الرحمن ، فأمر معاوية طبيباً يهودياً كان مكيناً عنده أنْ يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله ، فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك(2) .

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

وكان عبد الرحمن بن أبي بكر مِنْ أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده ، وقد أنكر عليه ذلك ، وبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم فردّها عليه ، وقال : لا أبيع ديني بدنياي. ولمْ يلبث أنْ مات فجأة بمكة(3) .

وتعزو المصادر سبب وفاته إلى أنّ معاوية دسّ إليه سُمّاً فقتله.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 29.

(2) الاستيعاب.

(3) المصدر نفسه.

٢١٦

4 ـ الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة وإثم في الإسلام ، فقد عمد إلى اغتيال سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي عاهده بأنْ يكون الخليفة مِنْ بعده.

ولم يتحرّج الطاغية مِنْ هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة اُمويّة تنتقل بالوارثة إلى أبنائه وأعقابه ، وقد وصفه (الميجر اُوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال مِنْ كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب مِنْ الإقدام على أيّة جريمة مِنْ أجل أنْ يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص مِنْ مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة(1) .

وقد استعرض الطاغية السفّاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يرَ أحداً خليقاً بارتكاب الجريمة سوى جُعيدة بنت الأشعث ؛ فإنّها مِنْ بيت قد جُبِلَ على المكر ، وطُبِعَ على الغدر والخيانة ، فأرسل إلى مروان بن الحكم سُمّاً فاتكاً كان قد جلبه مِنْ مَلكِ الروم ، وأمره بأنْ يُغري جُعيدة بالأموال وزواج ولده يزيد إذا استجابت له ، وفاوضها مروان سرّاً ففرحت ، فأخذت مِنه السُّمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت ملتهب مِن شدّة الحرّ ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، والتفت إلى الخبيثة فقال لها : «قتلتيني قتلك الله. والله لا تصيبنَّ مِنّي خَلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر مِنك ، يخزيك الله ويخزيه».

وأخذ حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني الآلام الموجعة مِنْ شدّة السُّمّ ،

__________________

(1) روح الإسلام / 295.

٢١٧

وقد ذبلت نضارته ، واصفرّ لونه حتّى وافاه الأجل المحتوم. وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها مِن الأحداث في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

إعلانُ البيعة رسميّاً :

وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، فقد قضى على مَنْ كان يحذر منه ، وقد استتبت له الاُمور ، وخلت السّاحة مِنْ أقوى المعارضين له ، وكتب إلى جميع عمّاله أنْ يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد ، ويُرغموا المسلمين على قبولها. وأسرع الولاة في أخذ البيعة مِن الناس ، ومَنْ تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب :

وامتنعت يثرب مِنْ البيعة ليزيد ، وأعلن زعماؤهم وعلى رأسهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضهم القاطع للبيعة ، ورفعت السّلطة المحلّية ذلك إلى معاوية ، فرأى أنْ يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فإنْ أبوا أجبرهم على ذلك. واتّجه معاوية إلى يثرب في موكب رسميّ تحوطه قوّة هائلة مِن الجيش ، ولمّا انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهدّدهم.

وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وإلى عبد الله بن عباس ، فلمّا مَثُلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة ، وأخذ يسأل الحُسين (عليه السّلام) عن أبناء أخيه والإمامُ (عليه السّلام) يُجيبه ، ثمّ خطب معاوية فأشاد بالنّبي (صلّى الله عليه وآله) وأثنى عليه ، وعرض إلى بيعة يزيد ، ومنح ابنه الألقاب الفخمة ، والنعوت الكريمة ، ودعاهما إلى بيعته.

٢١٨

خطابُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وانبرى أبيّ الضيم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإنْ أطنب في صفة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مِنْ جميع جزءاً ، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السُّرج ، ولقد فضلّتَ حتّى أفرطت ، واستأثرتَ حتّى أجحفت ، ومنعتَ حتّى بخلت ، وجُرْتَ حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقٍّ مِنْ اسمٍ حقّه مِنْ نصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد مِن اكتماله ، وسياسته لأُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ تريد أنْ توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد مِنْ نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به مِن استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحَمام السبق لأترابهنَّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصراً ، ودع عنك ما تحاول ؛ فما أغناك أنْ تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتُقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولعمر الله أورثنا الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائمَ عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان

٢١٩

ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية مِنْ طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتّى أنِفَ القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : لا جرم يا معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتجّ بالمنسوخ مِنْ فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه مِن الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً وحولك مَنْ لا يُؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أنْ تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟! إنّ هذا لهو الخسران المبين! واستغفر الله لي ولكم».

وفنّد الإمام (عليه السّلام) في خطابه جميع شبهات معاوية ، وسدّ عليه جميع الطرق والنوافذ ، وحمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه مِنْ إرغام المسلمين على البيعة لولده. كما عرض للخلافة وما منيت به مِن الانحراف عمّا أرادها الله مِنْ أنْ تكون في العترة الطاهرة (عليهم السّلام) ، إلاّ أنّ القوم زووها عنهم ، وحرفوها عن معدنها الأصيل.

وذُهل معاوية مِنْ خطاب الإمام (عليه السّلام) ، وضاقت عليه جميع السّبل ، فقال لابن عباس : ما هذا يابن عباس؟!

ـ لعمر الله إنّها لذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأحد أصحاب الكساء ، ومِن البيت المطهّر ، فاله عمّا تريد ؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً حتّى يحكم الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ونقول:

إن لنا مع ما تقدم وقفات عديدة، نكتفي منها بما يلي:

علي (عليه‌السلام ) لم يسأل الزهراء (عليها‌السلام ) عن حاجتها:

جاء في الرواية المتقدمة: أن علياً (عليه‌السلام ) تعهد بقضاء حاجة فاطمة، دون أن يسألها عنها، وما ذلك إلا لثقته (عليه الصلاة والسلام) بأنها (صلوات الله عليها) لا تطلب إلا ما هو خير وصلاح، ومشروع ومقدور ويرضى الله، ويقربها إلى الله؛ لأنها مطهرة، ومعصومة؛ ولأنها من حجج الله تبارك وتعالى..

أعداؤها وأعداء الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وقد صرّحت الرواية المتقدمة: بأنها (عليها‌السلام ) تعتبر ظالميها أعداءً لها، وأعداءً لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. رغم أن أبا بكر قد تظاهر لها بالكثير من المحبة والتودد في كلماته المعسولة حين جاء هو وعمر لعيادتها واسترضائها، وكذلك حين خطبت خطبتها المعروفة في المسجد في قصة فدك، التي بيّنت فيها عظيم ظلمهم لها، وعدوانهم على حقوقها.

وهذا يدل على: أنها (عليها‌السلام ) تعتبر أن ما يظهره أبو بكر من كلام ودود ليس له حقيقة، بل هو يدخل في سياق السياسة، والتمويه على

٣٠١

الناس لامتصاص حالة التشنج، والتخفيف من وقع ما ارتكبه في حقها.

فمثله كمثل الذي كان يعاني من مرض في عينيه، التي لا يزال يسيل الدمع منها، فصاد عصفوراً، وهو مشغول بذبحه ودموعه تسيل، فرآه عصفوران كانا على الشجرة، فقال أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الصياد ما أرق قلبه، فهو يبكي رقة ورحمة للعصفور.

فقال له رفيقه: لا تنظر إلى دموع عينيه، بل انظر إلى فعل يديه.

وبذلك يقول أحد الشعراء:

فلا تنظري ليلى إلى العين وانظري إلى الكف ماذا بالعصافير تصنعُ

والخلاصة: إن الزهراء (عليها‌السلام ) تعرف أن عمر قد قال لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مرض موته: إن النبي ليهجر، ولم تنس بعد هجوم هؤلاء الناس على بيتها، وضربها، وإسقاط جنينها، وإضرام النار على بابها. إلى آخر ما هنالك مما يدل على عداوتهم لها، وعدم رعايتهم أية حرمة لأبيها.. فكيف تصدّق أنهم يحبونها وهم لم يغيروا شيئاً مما صنعوه، ولا أعادوا الحق الذي اغتصبوه؟! ولا.. ولا.

يا سكينة.. يا فضة:

وتقدم: أن علياً (عليه‌السلام )، نادى قبل أن يعقد الرداء بنات وأبناء الزهراء (عليها‌السلام )، بالإضافة إلى فضة: أن هلموا فتزودوا من أمكم..

ونريد نحن هنا أن نشير إلى عدة نقاط:

الأولى: ذكر سكينة في جملة البنات اللواتي ناداهن.. يشير إلى وجود

٣٠٢

بنت للزهراء (عليها‌السلام ) بهذا الإسم أيضاً..

وقد ذكرنا ما يدل على ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب حين ذكرنا أولاده (عليه‌السلام ). فليراجع.

الثانية: ذكر فضة في جملة البنات اللواتي ناداهن، مع أنها لم تكن من بناتها (عليها‌السلام ).. يؤكد نظرة الإسلام الأصيل إلى الموالي، وأنه يراهن بمثابة الأخوة والأبناء..

الثالثة: يلاحظ هنا: أنه (عليه‌السلام ) قد صرح بأسماء الجميع، مع أنه كان يمكنه أن يناديهم بواسطة عنوان جامع، كأن يقول: يا أهل البيت، أو: أيها الحاضرون، هلموا إلى التزود من أمكم..

ولكنه (عليه‌السلام ) أراد أن لا يتوهم متوهم: أنه أطلق الكلام على نحو التغليب، فانطباق الوصف على فضة مثلاً قد لا يكون على نحو الحقيقة. فإذا صرح بالأسماء يكون قد أشعرهم جميعاً، بما فيهم فضة بالإعزاز، والمحبة، بصورة مباشرة، وغير قابلة للتأويل..

ويزيد في تأكيد هذا المعنى: التنصيص على أمومة الزهراء لهم جميعاً، وبلا تمييز..

الرابعة: إنه (عليه‌السلام ) قد نادى البنات أولاً، ثم نادى الحسنين (عليهما‌السلام )، وهي لفتة رائعة وسديدة، جاءت منسجمة مع الموقف العاطفي، في أكثر اللحظات إثارة، وهي لحظة الفراق للأم، التي يكون شعور بناتها بالحاجة إليها، وبعمق العلاقة معها أشد من شعور غيرهن.. وهكذا كان..

٣٠٣

حنّت، وأنّت، ومدت يديها:

ونحن لا نستطيع أن نغفل الإشارة إلى أن ما ذكر في بعض الروايات من أنها (عليها‌السلام ) حنّت وأنّت.. ليس بالأمر الباطل، ولا المستجهن على أولياء الله سبحانه، ولا هو بعيد عن قدرة الله، اذ لا تستلزم نسبته إليه تعالى محذوراً عقلياً، يجعل الإعتقاد به في دائرة الباطل، علماً بأن علاقة الروح بالجسد، وإن كانت قد ضعفت بالموت بصورة كبيرة، ولكنها لم تنقطع بصورة نهائية وتامة.

يدلنا على ذلك: وجود حساب القبر.. واستحباب زيارة القبور، وقراءة القرآن عندها وغير ذلك..

فلا مانع من أن يكون لبعض الأمور تأثير في زيادة العلاقة، وتقويتها لدى الأنبياء والأصفياء، أو بطلب منهم..

ولذلك نلاحظ: أن بعض الأموات يرجعون إلى الحياة بسبب طلب نبي، وبعضهم يتكلمون، أو يجيبون على بعض الأسئلة التي توجه إليهم من قبل نبي أو وصي نبي.

وقصة بقرة بني إسرائيل التي ذبحوها، وضربوا ببعضها ذلك الميت فأحياه الله، وأخبرهم بما سألوه عنه، معروفة، ومصرح بها في القرآن.

قال تعالى:( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ) (١) .

____________

١- الآية ٧٣ من سورة البقرة.

٣٠٤

هل هذه الرواية مكذوبة؟!:

عن ورقة بن عبد الله الأزدي، عن فضة (رحمها الله) (التي كانت عند السيدة الزهراء (عليها‌السلام )) قالت في رواية مطولة: (فأقبل الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وهما يناديان: وا حسرتاه، لا تنطفئ أبداً.. فقدنا جدنا محمداً المصطفى، وأمنا فاطمة الزهراء، يا أم الحسن، يا أم الحسين، إذا لقيت جدنا المصطفى فاقرئيه منا السلام، وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا..

فقال أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ): إني أُشهِد الله أنها قد حنَّت وأنَّت، ومدت يديها، وضمتهما إلى صدرها ملياً. وإذا بهاتف من السماء ينادي:

يا أبا الحسن، ارفعهما عنها، فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب.

قال: فرفعتهما عن صدرها، وجعلت أعقد الرداء..)(١) .

وقريب من ذلك ما روي عن أسماء بنت عميس..(٢) أيضاً.

وهذه الرواية، وإن كانت لا تملك سنداً صحيحاً، ومعتبراً، لكن ذلك

____________

١- بحار الأنوار ج٤٣ ص١٧٤ ـ ١٨٠ واللمعة البيضاء ص٨٥٤ ـ ٧٦١ والأنوار العلوية ص٣٠٢ ـ ٣٠٦ ومجمع النورين ص١٥١ ـ ١٥٤.

٢- راجع: الزهراء بهجة قلب المصطفى ص٥٧٩.

٣٠٥

لا يعني لزوم ردها، والحكم ببطلانها، فإنه ليس بالضرورة أن يكون الحديث الضعيف مكذوباً..

وإنما تردُّ الرواية بصورة قاطعة.. إذا اشتملت على ما يخالف القرآن، أو المسلَّمات الدينية بصورة عامة، أو ما يخالف ما تحكم به العقول.. أو ما يخالف الواقع العيني الخارجي.

وليس الأمر في الرواية المشار إليها كذلك.. بل هي قد تضمنت أمراً يتصل بالغيب، وبالكرامة الإلهية للمصطفين من عباده الأكرمين..

وأمثال هذه الأمور مما تجوِّز العقول وقوعها، ولا تحيلها..

غاية الأمر: أن إثبات حصولها يحتاج إلى الدليل المقنع والمعتبر، وحيث لا يوجد مثل هذا الدليل، فلا يصح ردها بصورة قاطعة، بل توضع في بقعة الإمكان، حتى يذود عنها قاطع البرهان..

ما أرانا إلا سنصبح:

وقد اجاب علي (عليه‌السلام ) أبا بكر وعمر حين طلبا منه إخراج الزهراء (عليها‌السلام ) ليصليا عليها: (ما أرانا إلا سنصبح).

وهذا من مفردات التورية البديعة، فإنه إنما أخبرهم عن ميله إلى الإعتقاد ببقائه حياً حتى الصباح. ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى ما سيفعله في موضوع دفن الزهراء، والصلاة عليها، وأين سيكون ذلك، ومتى.

كما أن كلمة أبي ذر لا تدل على أن تأخير التشييع سيستمر إلى اليوم

٣٠٦

الثاني؛ لأنه إنما ذكر لهم: أن تشييعها سيتأخر في تلك العشية. ولم يحدد مقدار هذا التأخير.

علي (عليه‌السلام ) يلمح لعمر باستحقاقه للقتل:

بالنسبة لقول علي (عليه‌السلام ) لعمر: لقد فررت يوم خبير وفي مواطن، ثم لم ينزل الله لك توبة حتى الساعة.

نقول: إنه تضمن تلميحاً أو تلويحاً بما أزعج عمر وأبا بكر بشدة، فهو يشير:

أولاً: إلى جبن عمر، وضعفه البالغ..

وثانياً: إن عدم إنزال الله له توبة يعني: أن الله تعالى لم يرض على عمر لأجل ذلك، ولأنه لم يفعل ما يستحق به التوبة عليه..

وثالثاً: لعله يشير إلى أن ذلك يسوِّغ مواجهته بما يستحقه من عقوبة الفارين من الزحف..

الذين شيعوا جنازة فاطمة:

وقد ذكرت إحدى الروايات المتقدمة الزبير في جملة الذين حضروا دفن فاطمة.. وربما يكون ذلك من اضافات الرواة، فإنها أوصته أن يدفنها سراً، ولا ندري إن كان الزبير يؤتمن على سر. وتقدم عن دلائل الإمامة وغيره: أنه لم يعلم بها، ولا حضر وفاتها، ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيره..

٣٠٧

إتخاذ النعش:

وقد أوصت الزهراء (عليها‌السلام ): علياً (عليه‌السلام ) بأن يتخذ لها نعشاً صوَّرته لها الملائكة، ووصفته له، فاتخذه لها(١) .

وهي أول من جُعل لها النعش، كما رُوي عن الإمام الصادق (عليه‌السلام )(٢) .

____________

١- مناقب آل أبي طالب ج٣ ص٣٦٢ و (ط المطبعة الحيدرية) ج٣ ص١٣٧ واللمعة البيضاء ص٨٦١ و ٨٦٨ و ٨٧٥ وروضة الواعظين ص١٥١ وعلل الشرائع ج١ ص١٨٨ وبحار الأنوار ج٤٣ ص١٨٢ و ١٩٢ و ٢٠٤ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٩٦ والأنوار العلوية ص٣٠٣ ومجمع النورين ص١٥٠ والأسرار الفاطمية للمسعودي ص٣٣٣.

٢- الكافي ج٣ ص٢٥١ وتهذيب الأحكام ج١ ص٤٦٩ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٣ ص٢٢٠ و (ط دار الإسلامية) ج٢ ص٨٧٦ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٣٦٤ و (ط المطبعة الحيدرية) ج٣ ص١٣٨ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢١٢ عن التهذيب، وج٧٨ ص٢٤٩ عن فقه الرضا، وراجع ص٢٥٠ و ٢٨٢ وجامع أحاديث الشيعة ج٣ ص٣٦٧ وراجع ص١٦٢ و ٢٠٨ و ٢٧١ و ٢٩١ و ٣٥٦. وفقه الرضا ص١٨٩ ومن لا يحضره الفقيه ج١ ص١٩٤ وراجع: دعائم الإسلام ج١ ص٢٣٣ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٩٦ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٦٢ وعون المعبود للعظيم آبادي ج٨ ص٣٣٨ والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص١٥٣ وناسخ الحديث ومنسوخه ص٥٨٨ والطبقات الكبرى لابن = = سعد ج٨ ص٢٨ والأعلام للزركلي ج٥ ص١٣٢ والمنتخب من ذيل المذيل ص٩١ واللمعة البيضاء ص٨٦٥ وشرح إحقاق الحق ج١٠ ص٤٧١ و ٤٧٥ وج١٩ ص١٧٧ وج٢٥ ص١٤ و ٥٤٨ وج٣٣ ص٣٨٢.

٣٠٨

ورُوي أنها قالت لأسماء: استريني سترك الله من النار، يعني بالنعش(١) .

ولكن ثمة من يدَّعي: أن أسماء هي التي أشارت على الزهراء (عليها‌السلام ) باتخاذ النعش، وأنها قد رأته في بلاد الحبشة.

وروُي ذلك عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) أيضاً(٢) .

غير أن ذلك قد اقترن بطلب الزهراء (عليها‌السلام ) منها: أن لا تحملها على سرير ظاهر.

فقالت أسماء: لا، لعمري ولكن أصنع نعشاً كما رأيت يصنع بالحبشة.

____________

١- مناقب آل أبي طالب ج٣ ص٣٦٤ و (المطبعة الحيدرية) ج٣ ص١٣٨ والحدائق الناضرة ج٤ ص٨٩ ومستدركات علم رجال الحديث ج٨ ص٥٤٨ وبيت الأحزان ص١٧٣ وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٠ ص٤٧٥ وج٢٥ ص٥٤٩.

٢- تهذيب الأحكام ج١ ص٤٦٩ وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٣ ص٢٢٠ و (ط دار الإسلامية) ج٢ ص٨٧٦ ومستدرك الوسائل ج٢ ص٣٦٠ واللمعة البيضاء ص٨٨٣ و ٨٨٤ و ٨٦٥ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢١٢ وج٧٨ ص٢٥٥ وجامع أحاديث الشيعة ج٣ ص٣٦٧ و ٣٦٩ وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام ) للنجفي ج٨ ص٢٥٣.

٣٠٩

فقالت: أرنيه.

فأرتها إياه(١) .

وسبب طلب الزهراء، هذا هو: أنها (استقبحت ما يُصنع بالنساء: أنه يطرح على المرأة الثوب، فيصفها لمن رأى)(٢) .

مفارقة تحتاج إلى تفسير:

وفي حديث إصرار أبي بكر وعمر على الصلاة على فاطمة (عليها‌السلام ) مفارقة تحتاج إلى تفسير، وهي: أنه إذا قورن موقفهم هذا بموقفهم من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين استشهاده، حيث غابوا عن جنازته، وأوكلوا أمر غسله، وتكفينه، والصلاة عليه ودفنه إلى أهله، وانصرفوا إلى العمل على الفوز بالخلافة، مغتنمين فرصة انشغال علي (عليه‌السلام ) بجنازة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

ولكن موقفهم في وفاة الصدّيقة اختلف إلى حدّ التناقض، حيث كانوا يريدون نبش القبور، واستخراج جسد الزهراء (عليها‌السلام )، رغم ما

____________

١- راجع: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٣ ص٢٢٠ و (ط دار الإسلامية) ج٢ ص٨٧٦ وج٤٣ ص١٨٩ وج٧٨ ص٢٥٠ وتاريخ اليعقوبي ج٢ ص١١٥ واللمعة البيضاء ص٨٦٥ عن كشف الغمة ج٢ ص١٢٦ والذرية الطاهرة ص١٥٢ وجامع أحاديث الشيعة ج٣ ص٣٦٨ وتاريخ المدينة لابن شبة ج١ ص١٠٨.

٢- راجع الهامش السابق.

٣١٠

يتضمنه ذلك من هتك لحرمتها (صلوات الله وسلامه عليها).

إن هذا يجعلنا ندرك: أن السياسة هي التي أملت عليهم هذا الموقف وذاك على حد سواء، فقضت بتجاهل جنازة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هناك، ونبش قبر الزهراء (عليها‌السلام ) هنا، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك.

الناس يلوم بعضهم بعضاً:

ولا ندري لماذا يتلهّف الناس على ما فاتهم من الصلاة على البنت الوحيدة لنبيهم، وهم الذين خذلوها بالأمس، ولم ينصروها على من هاجمها، وضربها وحاول احراق بيتها عليها وعلى زوجها وابنائها، وخالفوا بذلك وصية أبيها فيها؟!

وماذا ينفع هذا التظاهر بالإعزاز والمحبة للزهراء (عليها‌السلام )، وكيف نفسره من أناس كانوا هم الذين آذوها، وقتلوها.. أو سكتوا عما يجري عليها..

فما أحرى هؤلاء بقول عبيد بن الأبرص:

لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي(١)

____________

١- راجع: خزانة الأدب للبغدادي ج١١ ص٢٧٣ ودرر السمط في خبر السبط لابن الأبار ص٨٣ وتنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ص٣٦٧ والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج١ ص١٦٥ و (تحقيق الشيري) ج١ ص٢١٥.

٣١١

ولاة الأمر ونبش قبر الزهراء (عليها‌السلام )؟!:

ثم إننا لم نجد أي اندفاع أو حتى تفكير لدى عامة الناس في نبش قبر الزهراء (عليها‌السلام )، للصلاة عليها، ولم نجدهم شجعوا عمر على موقفه.. بل اكتفوا بإظهار الأسف لعدم تمكنهم من حضور جنازتها، ولام بعضهم بعضاً.

بل جاءت الفكرة من قبل ولاة الأمر أنفسهم، حيث ظهر اندفاعهم الشديد لتنفيذ هذا الأمر، لولا أن سيف ذي الفقار حال بينهم وبين ذلك.

ومن حقنا أن نفهم سبب هذا الاندفاع القوي نحو هذا الأمر القبيح، الذي لا يرضاه أي ملتزم بالشرع، أو من يحترم نفسه، وإنسانيته..

ولعل الإجابة الأقرب للاعتبار هي: أنهم أدركوا، أن ما جرى سوف يسجله التاريخ.

ليكون إدانة صريحة لهم، ووصمة لا مجال لمحوها، ولا للتشكيك فيها. ولن يتضاءل تأثيرها مهما طال الزمن.

وأدركوا أيضاً: أنه لن يكون لهم في ظل هذه الإدانة أية قداسة، أو احترام، أو مقبولية لهم، أو ارتياح وجداني لدى الكثيرين ممن يطلعون على ما جرى، سواء أكانوا من المسلمين أو من غيرهم، من عقلاء الناس.. وإلى يوم القيامة..

تهافت في بعض الخصوصيات:

وقد يلمح الباحث تهافتاً في بعض الخصوصيات في الروايات، حيث

٣١٢

ذكر بعضها: أن المسلمين وجدوا في البقيع أربعين قبراً جدداً(١) . ولم يرش قبرها(٢) ، فأشكل عليهم الأمر، ولم يعرفوا قبر الزهراء (عليها‌السلام ).

مع أن بعضها الآخر يقول: إنه (عليه‌السلام ) خط برجله سبعة قبور فقط(٣) . إلا أن يكون قد خط أولاً سبعة، ثم أكملها إلى أربعين.

ولعل المسلمين قد وجدوا أولاً أربعين، ثم ذهبت علامات أكثرها

____________

١- راجع: دلائل الإمامة ص١٣٦ واللمعة البيضاء ص٨٣٦ و ٨٥٢ و ٨٨٧ و ٨٦٤ وبحار الأنوار ج٢٩ ص٣٩٠ ج٣٠ ص٣٤٩ وج٤٣ ص١٧١ و ١٨٣ و ٢١٢ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٦ ص٢٨١ ومجمع النورين ص١٤٧ والهداية الكبرى ص١٧٩ وعيون المعجزات لابن عبد الوهاب ص٤٧ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٣٨ وقاموس الرجال للتستري ج١٢ ص٣٢٤ والشافي في الإمامة ج٤ ص١١٥ وبيت الأحزان ص١٨٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٩ ص١٧٠ والأسرار الفاطمية للمسعودي ص٣٣٧ و ٤٦٧.

٢- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٦ ص٢٨١ وبحار الأنوار ج٢٩ ص٣٩٠ وقاموس الرجال للتستري ج١٢ ص٣٢٤ واللمعة البيضاء ص٨٣٦ والشافي في الإمامة ج٤ ص١١٥ والأسرار الفاطمية للمسعودي ص٤٦٧.

٣- اللمعة البيضاء ص٨٨٧ و ٨٦٤ و ٨٦٩ وبحار الأنوار ج٤٣ ص١٨٣ و ١٩٣وروضة الواعظين ص١٥٢ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٣٨ والأنوار البهية ص٦٣ والأنوار العلوية ص٣٠٤ ومجمع النورين للمرندي ص١٥١ وبيت الأحزان ص١٨٣ والأسرار الفاطمية للمسعودي ص٣٣٧.

٣١٣

بسبب كثرة المترددين، وبقي أثر سبعة، فجاءت جماعة السلطة، فوجدت هذه البقية، فأشكل الأمر عليها.

غضب علي (عليه‌السلام ):

وأما غضب علي (عليه‌السلام ) في محاولة نبش قبر الزهراء (عليها‌السلام )، فإنما كان غضباً لله تعالى.. لأنه يريد أن يمنعهم من هتك حرمة سيدة نساء العالمين (عليها‌السلام ).

ولو أنهم أصروا على ذلك، وحدث الأسوأ من الإحتمالات، فإن كل الناس سوف يتفهمون صوابية موقف علي (عليه‌السلام )، إذ لا مبرر لنبش قبر، واستخراج شخص من قبره لمجرد أن فلاناً من الناس يريد الصلاة على ذلك الميت.. لا سيما إذا كان الميت امرأة، لها مقامها العظيم عند الله تعالى، وفي نبش قبرها هتك لحرمتها.. مع عدم وجود أي داعٍ لهذا الأمر، بعد أن دُفنت وفق أحكام الشرع الشريف، وأجريت جميع المراسم المطلوبة لذلك..

فكيف إذا كانت تلك المرأة المتوفاة لا ترضى بحضورهم جنازتها، ولا بالصلاة عليها، وقد تم استبعادهم بطلبٍ منها. لا سيما مع سوابقهم في توجيه الإساءات الخطيرة إليها، التي بلغت حد ضربها، وإسقاط جنينها، وكون موتها بسبب ذلك الضرب بالذات.. وما يمثل ذلك من إساءة للدين تتجاوز كل حدّ.

وبذلك يتضح الفرق بين هذه الحالة التي لا يأبى فيها علي (عليه‌السلام ) من المبادرة إلى أي تصرف رادع لمن يريد الإساءة للزهراء (عليها‌السلام ) في قبرها.. وبين ما نشهده من وقوفه الصارم عند حدود لا

٣١٤

يتجاوزها في موضوع التصدي لغاصبي مقام الخلافة.

وذلك لكي لا يعرّض الدين للخطر. ويكتفي بمجرد الإحتجاج، ويتحمل جميع أنواع الأذى لأجل حفظ الدين..

إن منعهم من نبش قبر الصديقة الزهراء (عليها‌السلام )، هو عين الصواب حتى لو تفاقمت الأمور وبلغت إلى ما لا تحمد عقباه.

ويدل على ذلك: ما رُوي عن الإمام الباقر (عليه‌السلام )، من أنه قال: (إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر، لم يمنع أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) من أن يدعو إلى نفسه إلا نظراً للناس، وتخوفاً عليهم أن يرتدوا عن الإسلام، فيعبدوا الأوثان، ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

وكان الأحب إليه أن يقرّهم على ما صنعوا من أن يرتدوا عن الإسلام، وإنما هلك الذين ركبوا ما ركبوا.

فأما من لم يصنع ذلك، ودخل فيما دخل فيه الناس، على غير علم ولا عداء لأمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فإن ذلك لا يكفره، ولا يخرجه من الإسلام.

فلذلك كتم علي (عليه‌السلام ) أمره، وبايع مكرهاً، حيث لم يجد أعواناً)(١) .

____________

١- الكافي ج٨ ص٢٩٥ وبحار الأنوار ج٢٨ ص٢٥٥ و ٥٥ وج٢٩ ص٤٦٨ وج٣٣ ص١٥٤ وج٤٤ ص٢٣ وج٦٩ ص١٥٦ ومستـدرك الوسائـل ج١١ = = ص٧٥ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج٣ ص٧ وج٤ ص٢٣٨ وكتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري) ص١٣٧ و ٢١٥ و ٣٠٥ و ٤٥٩ والإحتجاج ج٢ ص٨ وحلية الأبرار ج٢ ص٦٥ وشرح أصول الكافي ج١٢ ص٤١٢ وجامع أحاديث الشيعة ج١٣ ص٤١ ومجمع النورين للمرندي ص٩٠ وغاية المرام ج٢ ص١٠٥ وج٥ ص١٩٧ وج٦ ص١٧ و ٢٥.

٣١٥

٣١٦

الفصل الرابع: خارج أجواء السياسة..

٣١٧

٣١٨

زمان وفاة الزهراء (عليها‌السلام ):

وكانت وفاتها (عليها‌السلام ) في السنة الحادية عشرة(١) .

____________

١- مصباح المتهجد ص٧٩٣ ودلائل الإمامة ص٧٩ و ١٣٤ وذخائر العقبى ص٥٢ وتاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٢٤٠ وبحار الأنوار ج١٦ ص٧٨ وج٤٣ ص٩ و ١٨٨ و ٢١٥ وج٩٥ ص١٩٦ والأنوار البهية ص٥٨ وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام ) للنجفي ج٨ ص٢٥٣ وج٩ ص١٩٧ ومجمع الزوائد ج٩ ص٢١١ وفتح الباري ج٧ ص٨١ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص٢٥٠ والآحاد والمثاني ج٥ ص٣٦٦ والذرية الطاهرة النبوية ص١٥٢ والمعجم الكبير للطبراني ج٢٢ ص٤٠٠ والإستيعاب ج٤ ص١٨٩٩ وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص٤٩٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٨ ص٢٨ وتاريخ مدينة دمشق ج٣ ص١٦٢وج١٤ ص٢٥٦ وتهذيب الكمال ج٣٥ ص٢٥٢ والإصابة ج٨ ص٢٦٨ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص١٨ وترجمة الإمام الحسين (عليه‌السلام ) لابن عساكر ص٤٤١ والعدد القوية ص٢٢٠ والفصول المهمة في معرفة الأئمة لابن الصباغ ج١ ص٦٦٦ وسبل الهدى والرشاد ج١١ ص٤٩ ومجمع النورين للمرندي ص٥١ وبيت الأحزان ص١٨٩ وشرح إحقاق الحق = (الملحقات) ج١٠ ص٤٥٥ وج١٩ ص١٧٥ و ١٧٦ وج٢٥ ص٥٥٦ و ٥٥٩ و ٥٦١ و ٥٦٢ ونظم درر السمطين ص١٨١.

٣١٩

وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه‌السلام ): أنها توفيت في السنة العاشرة(١) .

وقد اختلفت الروايات أيضاً في تحديد تاريخ ذلك ومقدار بقائها بعد أبيها على أقوال، هي:

١ ـ أربعون يوماً(٢) .

٢ ـ شهران (ستون يوماً)(٣) .

____________

١- اللمعة البيضاء ص٨٨٤ و ٨٨٥ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢١٥ ح٤٥ وعن مقاتل الطالبيين ص٥٩.

٢- مقاتل الطالبيين (ط المكتبة الحيدرية) ص٣١ وبحار الأنوار ج٢٨ ص٣٩٧ وج٤٣ ص٧ و ٢١٥ واللمعة البيضاء ص٨٨٥ ومجمع النورين للمرندي ص١٥٥ و ١٥٧ وعيون المعجزات ص٤٧ وتاريخ الأئمة (المجموعة) لابن خشاب البغدادي ص١٠ ونظم درر السمطين ص١٨١ وبيت الأحزان ص١٨٩.

٣- مجمع النورين للمرندي ص١٥٧ومستدرك الوسائل ج٢ ص١٣٤ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢١٧ وج٧٨ ص٢٣٣ جامع أحاديث الشيعة ج٣ ص١٣٤ وفتح الباري ج٧ ص٣٧٨ وعمدة القاري ج١٧ ص٢٥٨ ومجمع النورين ص١٤٨ و ١٥٥ و ١٥٧ وبيت الأحزان ص١٦٩.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334