الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١٠

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
لها بتقبل الحوالة، ودفع المبلغ إلى الجهة التي يأمر بها المحيل، فيجوز لها تقاضي عمولة خاصة إزاء ذلك.
وأما حينما يكون البنك مديناً للمحيل فلا شك أن البنك غير ملزم بدفع المبلغ المؤشر إليه في الحوالة إلى غير المحيل نفسه - صاحب الحق - ولا يجب عليها الدفع إلى الجهة التي يريدها المحيل. فيجوز لها تقاضي عمولة خاصة على ذلك.
وليست هذه العمولة من الربا المحرم في شيء.
٤ - فتح الاعتماد:
وجه آخر من وجوه النشاط المصرفي المشروع، والفضل الذي يأخذه المصرف عمولة مشروعة للمصرف لقيامه بالوساطة في تعريف المؤسسة التجارية المستوردة للشركات المصدرة وضمانته لوصول الثمن إليها حين وصول البضاعة.
ولا بأس من الناحية الشرعية بهذا الوجه من وجوه النشاط المصرفي، بقدر ما يتعلق بعمولة المصرف فيما بذله من جهد في هذا المجال، وأما ما يتقاضاه المصرف كفائدة عن المال الذي يدفعه إلى الشركات المصدرة، بعد وصول البضاعة، وذلك عند عدم وجود رصيد للمشتري فهو من الربا المحرم.
ذلك، بصورة إجمالية، صورة عن النشاط المصرفي المشروع
في المجتمع الإسلامي.
وقد رأينا أن التشريع الإسلامي لا يضيق صدراً بهذه المؤسسة المالية، وإنما يقوم بتعديل هذه المؤسسة إلى الصورة الصحيحة التي تلائم شكل المجتمع الإسلامي، ولا تؤدي إلى حصول تضخم مالي لصالح المؤسسات المالية وبورصات المال، وعلى حسلاب الطبقة الفقيرة والعاملة من المجتمع.
هذا وللتفصيل في هذا البحث مجال آخر من الكتب الفقهية وقد حاولنا في هذه الدراسة إعطاء ملامح عن النشاط المصرفي المشروع، تاركين التفصيل للكتب الفقهية المعدة لهذا الموضوع.
أنحاء التداول في الفقه
ذكرنا فيما تقدم أن التداول يتقوم بطرفين هما: المعوض والعوض.
وحددنا (المعوض) بما يطلب لقيمته الاستعمالية.
وحددنا (العوض) بما يطلب لقيمته التبادلية.
وبغض النظر عن نوعية العوض يمكن تصنيف التداول والمعاملة في الفقه الإسلامي حسب انواع المعوض.
فقد تقدم أن المعوض في التداول يعم أعيان البضاعة والعقار والحقوق المالية والخدمات البشرية.
ويمكن تصنيفه إلى الأقسام الأربعة التالية:
١ - فقد يكون المعوض عيناً سلعياً قابلاً للتنقل كالسجاد.
٢ - وقد يكون عقاراً غير قابل للتنقل كدار للسكنى.
٣ - وقد يكون حقاً مالياً كحق الاختصاص في الأرض.
٤ - وقد يكون خدمة بشرية أو سلعية.
وتكون المعاملة بيعاً أو (صلحاً(١) ) في الحالات الثلاثة الأولى.
____________________
(١) فيما إذا تعلقت المعاملة بالحقوق المالية، بناء على رأي بعض الفقهاء. حيث لا يجوزون وقوع (الحق) طرفاً في التداول.
وتكون (إجارة) أو (جعالة) في الحالة الرابعة أي عندما يتعلق العقد بالخدمة، سواء كانت الخدمة بشرية أم سلعية.
وفي هذه الأحوال جميعاً... قد يقوم بالتداول والمعاملة مجموع من الأفراد، على صورة جمعية وذلك كما لو اشترك جماعة في تملك رأس مال معين ومارسوا فيه مختلف وجوه النشاط من بيع وإجارة وغير ذلك من وجوه النشاط التجاري... فيطلق عليهم عنوان (الشركة)، وقد يقوم به فرد واحد.
وفيما يأتي نتحدث عن مواضيع ثلاثة على نحو الإجمال.
١ - البيع
٢ - الإجارة
٣ – الشركة
١ - البيع
(أ) تعريفه:
هو العقد الدال على تمليك عين(١) بعوض معلوم.
(ب) أقسامه:
يقسم البيع باعتبار تعجيل الثمن والمبيع وتأجيلهما إلى أقسام أربعة:
١ - بيع النقد: وهو أن يعجل بالثمن والمبيع معاً.
٢ - بيع النسيئة: وهو أن يعجل بالمبيع ويؤجل الثمن.
٣ - بيع السلف (السلفة): وهو أن يعجل بالثمن ويؤجل المبيع.
٤ - بيع الكالئ بالكالئ: وهو أن يؤجل الثمن والمبيع معاً.
والأقسام الثلاثة الأولى مشروعة... بينما لا ينعقد القسم الرابع من الناحية الشرعية.
(ج) شروطه ووسائله:
يشترط في العاقدين العقل والاختيار والقصد، فلا يقع البيع
____________________
(١) ويختلف الفقهاء في صلاحية وقوع (الحق) في قبال المال في البيع.
من المجنون أو المجبر أو الهازل.. كما يشترط فيها الملك أو النيابة عن المالك أو الولاية عليه.
فلو باع الإنسان ما لا يملكه فضولياً، توقفت صحة العقد على إجازة المالك، ويختلف الفقهاء في الإجازة تقع كاشفة عن صحته من حين العقد أم ناقلة من حين الإجازة.
ويشترط في العوض:
١ - أن يكون مما يملكه الإنسان. فلا ينعقد بيع الحر، والأشياء التافهة كالفضلات والحشرات.. إلاّ أن يكون فيها منفعة محللة عادية كدودة القز والنحل وغير ذلك.
٢ - أن يقدر على تسليمه. فلا يصح بيع السمك في البحر والطير في السماء.
٣ - أن يكون مقدراً من حيث الجنس والوصف والمقدار، إما بالوصف أو بالمشاهدة، وأن يكون مقدراً من حيث الأجل في المؤجل.
(د) الخيارات ومسائلها:
الخيار هو ثبوت الاختيار للمتبايعين أو أحدهما في استرجاع العين بعد العقد، وهو حق يورث كسائر الحقوق الشرعية. وأهمه هو:
١ - خيار المجلس:
وهو ثابت للمتبايعين ما لم يفترقا عن المجلس.
٢ - خيار الحيوان:
ويثبت للمشتري خاصة إلى ثلاثة أيام في شراء الحيوان.
٣ - خيار الشرط:
ويثبت لهما أو لأحدهما لمدة تطول أو تقصر في حدود الشرط.
وشرعية الخيار بهذا الشكل، تدل على مرونة المعاملة وتداول الثروة في التشريع الإسلامي.
وفيما إذا لم يجد أحدهما منفذاً للخيار يستقيل صاحبه. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الإقالة، مما لا نريد أن نتعرض لها في هذا المجال.
(ه) البيوع المحرمة:
من سمات التشريع الإسلامي، أنه شريعة متكاملة، يرتبط بعضها ببعض، ويتصل الجانب الأخلاقي منه بالجانب التشريعي والجانب التشريعي منه بالجانب العقائدي.
والبيع كأية ظاهرة اقتصادية، اجتماعية لا يمكن أن ينفصل عن المسائل الأخرى في التشريع الإسلامي، ولا يمكن أن يعالج مسائل البيع بمعزل عن مسائل الحياة الاُخرى.
فهو دين متكامل ينظر إلى مسائل الحياة بنظرة كلية، ويرفض أي لون من الوان التجزيء والتفكيك في القضايا المتعلقة بالإنسان
وانطلاقاً من هذه النظرة الكلية في هذا الدين في مسائل التشريع والحياة يمنع الإسلام وقوع البيع في الأُمور التالية:
١ - الأعيان النجسة، التي تضر الإنسان من ناحية صحية، أو تحمل معها جراثيم ضارة، كالمايع والدهن النجسين، والفضلات، والميتة، وأرواث وأبوال الحيوانات غير المأكول لحمها، والخنزيز، والكلب...
٢ - الأشياء التي تنافي الأخلاق وتؤدي إلى شيوع الفساد والاستهتار والخلاعة، كآلات اللهو، من الدف والمزمار والناي والبيانو، وآلات القمار كالنرد، والشطرنج، والمسكرات، والصور الخليعة، والمجلات التي تحمل هذه الصور، والقصص الغرامية والبوليسية، والأفلام السينمائية الخليعة..
٣ - الأشياء التي تؤدي إلى الإضرار بعقيدة الأمة او إشاعة الإلحاد وإثارة الشكوك في أذهان الناشئة.
ويدخل في ذلك: بيع ونشر الكتب والمجلات والنشرات التي تكتبها وتصدرها جهات أجنبية، تدس فيها توجيهات ومفاهيم انحرافية تتوخى منها تسميم أذهان المثقفين من الناشئة بصورة خاصة، وإثارة الشكوك في نفوسهم.
ويصطلح الفقهاء على تسمية هذه الكتب ب «كتب الضلال».
ولكن ينبغي أن نعلم أن هذا النهي لا يشتمل العلم والثقافة والفكر الذي يردنا من خارج حدود العالم الإسلامي، فلم يحظر
الإسلام على المسلمين أن يطلعوا على هذا العلم، ويقرأوا منه، وإنما يقصد هذه الكتب المدسوسة التي تدس الإنحراف إلى أفكار المسلمين.
كما ينبغي ان يعلم أن اقتناء هذه الكتب وقراءتها لغرض مكافحتها لا بأس به من الناحية الشرعية، بل لابد أن يتهيأ نفر من المسلمين لمكافحة الإتجاهات الانحرافية الداخلية لحماية أفكار المسلمين وعقائدهم.
٤ - بيع الأسلحة والعتاد إلى العدو وما شاكل ذلك مما يسبب خطراً على الكيان الإسلامي وعلى سلامة البلاد وامنه من الداخل والخارج(١) .
____________________
(١) راجع الروايات الواردة في ذلك في كتاب وسائل الشيعة ٦ / ٧٠ ط دار الاحياء.
٢ - الإجارة
(أ) تعريفها:
هي - كما يقول الفقهاء -: «تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم»(١) .
أو هي - كما حددناها - تقديم الخدمات بعوض معلوم.
(ب) أقسامها:
والخدمات على ثلاثة أنواع:
١ - خدمات بشرية: كخدمات العامل، والطبيب، والمحامي والموظف.
٢ - خدمات سلعية: كخدمات السيارة، والدراجة، والحيوان.
٣ - خدمات عقارية: كخدمات دور السكنى، والبنايات، والبساتين(٢) .
ولكل من هذه الأقسام تفاصيل في الفقه الإسلامي.. لا يسعنا الحديث عنه.
____________________
(١) المختصر النافع: ١٥٢.
(٢) ويمكن دمج القسمين الأخيرين معاً واعتبارهما شيئاً واحداً.
(ج) شروطها ومسائلها:
يشترط في المتعاقدين: العقل، والاختيار، والملك أو الوكالة أو الولاية على المالك.
ويشترط في الأُجرة: أن تكون مقدرة، وتكفي بالمشاهدة.
ويشترط في المنفعة: أن تكون مما يملكها المؤجر.
ويجوز للمستأجر أن يؤجر العين لغيره إلاّ أن يشترط عليه المؤجر أن يستوفي المنفعة بنفسه.
وأن تبقى العين مع استيفاء المنفعة.
وأن تكون المنفعة مباحة.
ويستحب أن يوفي الأجير أجره عند الفراغ من عمله.
(د) الخدمات التي منع الإسلام تداولها:
وانطلاقاً من النظرة الإسلامية الكلية في معالجة مسائل الحياة - كما أشرنا إليه من قبل - نجد أن الفقه الإسلامي يحظر على المسلمين تداول الخدمات التي تؤدي إلى الإضرار بالمسلمين.
ومن استعراض هذه الخدمات التي يحرم تداولها، يستطيع الباحث أن يلمح حدود وأُصول النظرة الإسلامية في ترابط مسائل الحياة وعدم إمكان التفكك بينها.
وفيما يلي نستعرض أهم الخدمات التي منع الإسلام من تداولها:
١ - الخدمات التي يقصد منها الوصول إلى نتائج غير مشروعة:
وذلك كاستئجار وإيجار محل لاستيراد الخمور أو لصنعها، أو إيجار واستئجار محل لبيع الصحف والنشرات الفاسدة، أو استئجار سيارة أو إيجارها لأغراض غير مشروعة يضر بالصالح الإجتماعي العام.
٢ - نحت التماثيل المجسمة:
وحرم الإسلام هذا اللون من الخدمات البشرية ذات الطابع الفني، لما ترمز إليه من وثنية جاهلية قضى عليها الإسلام.
ومهما يقال في هذه الصورة من صور الفن الجاهلي، فهي تشير إلى رواسب جاهلية من الخضوع لغير الله - تعالى -.
والعناية بتماثيل من الحجر أو الجبس لأشخاص من نوع الإنسان ونصبها في الشوارع والميادين... ترمز إلى صورة من الاحترام للأحجار... لا يليق بالإنسان المسلم، الذي ينحني لله - تعالى - وحده.
وفي ذلك يذهب الإسلام إلى تنزيه الفن من شائبة الشرك في العقيدة، كما يدلل أيضاً على هذا الترابط الوثيق القائم بين مسائل الفن ومسائل العقيدة ومسائل الحياة الأُخرى.
٣ - رسم صور ذوات الأرواح:
وهو صورة أُخرى من صور الفن الجاهلي تتضمن معنى في تحدي الخالق - تعالى - والتشبه به في صنع صورة من أشرف وأكمل ما خلق الله - سبحانه وتعالى - إلاّ أن ذلك لا يعني تحريم التصوير الفوتوغرافي.
فالصورة الفوتوغرافية لقطة، وليست برسم.. كما أن عملية التصوير لا تخرج من حدود «الإلتقاط».
ولذلك يختلف التصوير عن الرسم في الحرمة والجواز.
وقبل أن أترك الحديث عن هاتين الصورتين من الفن الجاهلي، أرغب أن أُشير إلى أن الفن الإسلامي لا يتوخى السلامة فقط في الأهداف، وإنما يتوخى قبل ذلك النظافة في الوسائل أيضاً.
والظواهر الفنية التي ترمز إلى لون من ألوان التفكير الجاهلي، أو تتضمن محتوى لا إسلامياً يلغيها الإسلام.
٤ - الصناعات غير المشروعة:
وذلك كصناعة الصلبان والأوثان، وآلات القمار واللهو، وصناعة الأفلام السينمائية المنافية للأخلاق، وما يدخل في ذلك(١) .
يقول الإمام الصادقعليهالسلام فيما يروى عنه: «إنما حرم الله
____________________
(١) راجع كتاب «المكاسب» للشيخ الأنصاري.
الصناعة التي حرام هي كلها، التي يجيء منها الفساد محضاً؛ نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكل ملهوّ به، والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة حرام، وما يكون منه وفيه الفساد محضاً، ولا يكون فيه ولا منه شيء من وجوه الصلاح، حرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه وجميع التقلب فيه»(١) .
٥ - خدمات صالات التجميل:
ومن الخدمات المحرمة تداولها، الخدمات التي تقدمها صالات التجميل في الوقت الحاضر في تزييف مظاهر الجمال وتشويه الملامح الطبيعية لجمال المرأة.. بما تلقي على وجهها من أصباغ، وتصطنع لها من ماكياج، فتظهرها بغير وجهها الطبيعي.
فعن «معاني الأخبار» عن جعفر بن محمدعليهالسلام : «لعن رسول الله (ص) النامصة والمنتمصة، والواشرة والموشرة، والواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة»(٢) .
وفي الوقت الحاضر تقوم بهذه العملية دور جاهزة، وصالات كبيرة، وتصرف النساء على هذه المؤسسات في كل سنة، الملايين
____________________
(١) تحف العقول: ٣٣٦.
(٢) المكاسب: ١ / ٣١. قال الصدوقرحمهالله : «النامصة هي التي تنتف الشعر، والمنتمصة التي يفعل بها ذلك. والواشرة التي تشر أسنان المرأة، والموشرة التي يفعل بها ذلك. والواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر غيرها. والواشمة التي تشم في يد امرأة».
الطائلة من الأموال، ويقضين في هذه الصالات ساعات طويلة من الوقت.
ولا يحتاج إلى إيضاح أن الإسلام لا يمنع عن الزينة والجمال:( قل من حرَّم زينة الله التي أخرجها لعباده.. ) (١) ، وعن أبي عبد الله الصادقعليهالسلام قال: «إن الله يحب الجمال والتجمل، ويكره البؤس والتباؤس، وإن الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى عليه أثر نعمه»(٢) . ولا يمنع من أن يظهر المسلم نفسه بحظ وافر من الزينة في المجالس والمجامع والنوادي:( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) (٣) .. ولكن الإسلام يمنع من أن يصطنع الإنسان هذا الجمال، ويزيف هذه الزينة، ويتخذ ذلك حرفة له، ويأسر نفسه أمام المرآة، ويجلس على كرسي الحلاقة ساعات طويلة بين يدي الحلاق ليلعب بملامحه ويشوه من شكله.
ويدخل في هذا الحساب دور الأزياء ومعارضها في الأسواق والدعاية للمودلات الجديدة من الملابس، والتأنق في العرض بالشكل الخليع والرخيص الذي يمارسه أصحاب دور الأزياء في الوقت الحاضر في أوروبا وأميركا وفي الشرق عندنا.
والإسلام على عنايته البالغة بالجمال والزينة، يحبِّب للرجل المسلم أن يظهر بمظهر الرجولة والقوة والخشونة، أكثر مما يظهر
____________________
(١) سورة الأعراف: ٣٠.
(٢) إرشاد القلوب للديلمي ص ٣٢٣، ط المكتبة المحمدية: قم.
(٣) سورة الأعراف: ٢٩.
بمظهر التخنث والميوعة.
وكان رسول الله (ص) يأمر الرجال من المسلمين أن يخشوشنوا دائماً، ويعوّدوا أنفسهم على الخشونة في الحياة.
قال (ص): «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء»(١) .
وكان (ص) يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء، وينهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها(٢) .
٦ - السحر والشعبذة والتنجيم:
وقد منع منه الإسلام نظراً لما في تقديم هذه الخدمات من أضرار على ذهنية الأمة وحياتها الاجتماعية.
فالأمة التي تؤمن بخرافات المنجمين والسحرة والمشعوذين، وتربط مصيرها بهذه التماتم والأوراد والطلسمات التي يقدمها هؤلاء المشعوذون.. لا تستطيع أن تشق لنفسها طريقاً في الحياة، ولا تسطيع أن تغالب الأحداث والصعوبات التي تعرقل مسيِرة الإنسان في الحياة.
فالجهد المثمر، والعزم الصادق، والإيمان بالله، هي التي تقرر مصير الأُمم وليس الإيمان بنبوءات المنجمين، وتمتمات المشعوذين.
____________________
(١) المكاسب: ١ / ٢٣.
(٢) نفس المصدر.
والأُمة الناجحة هي التي تعرف كيف تسبق أقرانها في مجالات الحياة وفي العمل والجهد البناء والتصميم، وتعرف كيف تتغلب على العقبات... أما الأُمة التي تقبع في زاوية من زوايا الحياة لتنتظر - بفارغ الصبر - خروج العقرب عن القمر وتقابل النيِّرين، أو تتمتم على عود تحرقه في مجمرة! فهي أُمة لا تليق بالحياة ولا يحق لها أن تعيش... تلك وثنية في العقيدة، وعاجزة عن مواجهة مشاكل الحياة ومعالجتها.
ولذلك كله وقف الإسلام في وجه هذه الخرافات والأفكار الوثنية، ومنع من إشاعتها وقرنها بالجاهلية والوثنية والكفر.
وورد عن النبي (ص): «من صدق منجماً أو كافراً فقد كفر بما أنزل الله على محمد»(١) .
وورد عن الإمامعليهالسلام «إن المنجم ملعون والكاهن ملعون والساحر ملعون»(٢) .
ولما أراد أمير المؤمنينعليهالسلام أن يسير إلى بعض أسفاره، قال بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين! إن سرت في هذا الوقت خشيت ألاّ تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.
فقالعليهالسلام له: «أتزعم أنك تهتدي إلى ساعة من سار فيها انصرفت عنه السوءة، وتخوِّف من الساعة التي من سار فيها
____________________
(١) المكاسب: ١ / ٢٥ - ووسائل الشيعة ٦ / ١٠٤ ط دار الاحياء.
(٢) المكاسب: ١ / ٢٥.
حاق به الضرر..؟ فمن صدقك بهذا القول كذب القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله»(١) .
٧ - الغناء:
وهو ما يتعارف في مجالس اللهو، من ترجيعة الصوت بشكل يبعث على الطرب واللهو.
وقد منع الإسلام من تعاطي الغناء واستخدام المغنين والاستماع إليه.. نظراً لما يترتب على الغناة من مفاسد فردية واجتماعية.
وقد أكد الفقه الإسلامي في تحريم الغناء والموسيقى على جانب اللهو فيهما خاصة.
ويعني باللهو: الانشغال عن واقع الحياة وفقدان الشعور بالمسؤولية، وهو من أهم خصائص الغناء والموسيقى.. كما أنه من أسباب إقبال الناس عليهما.
والإسلام ينهج نهج الجدّ في الحياة، ويطلب من المسلم أن يواجه مسائل الحياة بجدّية وصرامة وقوة ولذلك فالتربية الإسلامية تعنى بجانب القوة والجدية والصرامة في شخصية الإنسان المسلم، وتعوّد المسلم على أن يأخذ مسائل الحياة مأخذ الجد، وأن يتجنب التميع والضعف.
____________________
(١) المكاسب: ١ / ٢٥.
فالحياة في نظر الإسلام عقيدة وجهاد، تتطلب الصمود والتضحية، بصورة مستمرة دائمة. ونظرة إلى الحياة من هذا القبيل... تتطلب من معتنقيها تربية صارمة جادّة تضع شخصية المسلم بهذا المستوى من الجدية والقوة.
والموسيقى والغناء، وكل لهو من هذا القبيل يفقد الإنسان هذه القوّة والجدية، ويبعث في نفس الإنسان التحلل والتميع والرخاوة.
وينشئ الإنسان نشأة رخوة متميعة، ويخدّر النفس، ويسلب الإنسان الشعور بالمسؤولية.
وهو عامل هام في ذوبان الشخصية وتمييعها.
والذين يعتادون الاستماع الى البرامج الموسيقية والغنائية، يفقدون - في الغالب - صلابة الشخصية، وقوة الإرداة، والسيطرة على النفس، فتهتز أعطافهم مع أمواج الموسيقى الصارخة، التي تمغطس نفوسهم، وتفعل فيهم فعل السحر.
وطبيعي أن منهجاً جاداً في الحياة كالإسلام، يقع على طرف النقيض من هذا اللهو، ولا يرضى لمعتنقيه مثل هذا الإسفاف والتحلل بحال من الأحوال.
والذين يجدون في الغناء ترويحاً للنفس، وتلطيفاً لأجواء الحياة المتعبة المزدحمة بالمتاعب، وإنعاشاً للشعور والحس، ومتعة
تخلد إليها النفس... يخطأون كثيراً، ويضعون الأشياء في غير نصابها.
فكم من فرق بين أن يستريح الإنسان إلى شيء وينعم به، وينعش به حاسة الجمال والتذوق الفني في نفسه، وبين أن يخلد إلى لهو من اللهو لينسيه نفسه، ويغفله عن واقعه، ويبعث في نفسه التحلل والتميع.
وقد ذكرنا قريباً أن الإسلام يطلب من (الفن)، السلامة في الغاية والطريق معاً، ولا يكفي أن يكون الفن سليماً في أهدافه وغاياته فقط.
٣ ـ سبعون يوماً(١) .
٤ ـ اثنان وسبعون يوماً(٢) .
٥ ـ خمسة وسبعون يوماً(٣) .
____________
١- مناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص٢٣٢ ودعائم الإسلام ج١ ص٢٣٢ ومستدرك الوسائل ج٢ ص٣٦١ وبحار الأنوار ج٧٨ ص٢٨٢ جامع أحاديث الشيعة ج٣ ص٣٦٨ ومستدرك سفينة البحار ج٨ ص٢٥٢ وعمدة القاري ج١٧ ص٢٥٨ والإستيعاب ج٤ ص١٨٩٤و ١٨٩٩ وتاريخ خليفة بن خياط ص٥٩ وأسد الغابة ج٥ ص٥٢٤ والتنبيه والإشراف ص٢٤٩ وإمتاع الأسماع ج٥ ص٣٥.
٢- السيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٦١١ ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص٢٣٢ ومجمع النورين ص١٥٧.
٣- تاج المواليد (المجموعة) للشيخ الطبرسي ص٢٢ ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص٢٣٤ وتاريخ الأئمة (المجموعة) لابن خشاب البغدادي ص١٠ وتاريخ الأئمة (المجموعة) للكاتب البغدادي ص٦ وعيون المعجزات ص٤٧ والخرائج والجرائح ج٢ ص٥٢٥ و ٥٢٦ والمحتضر ص٥٨ وإمتاع الأسماع ج٥ ص٣٥ وينابيع المعاجز ص١٣١ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٥٤٥ وج٢٦ ص٤١ وج٣٦ ص٣٠٨ وج٤٣ ص٧ و ٧٩ و ١٥٦ و ١٩٥ و ٢١٢ وج٧٨ ص٢٥٤ وج٩٧ ص٢١٦ وبصائر الدرجات ص١٧٣ والكافي ج١ ص٢٤١ و ٤٥٨ وج٣ ص٢٢٨ وج٤ ص٥٦١ وشرح أصـول الكـافي ج٥ = = ص٣٤١ وج٧ ص٢١٣ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٣ ص٢٢٤ وج١٤ ص٣٥٦ و (ط دار الإسلامية) ج٢ ص٨٧٩ وج١٠ ص٢٧٩ ومستدرك الوسائل ج٢ ص٣٠٤ وجامع أحاديث الشيعة ج١ ص٩ و ١٣٥ وج٣ ص٣٥٣ و ٥٣١ ومستدرك سفينة البحار ج٦ ص٢٠٥ وج٨ ص٢٤٢ ومسند الإمام الرضا ج١ ص١٣٩ وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهمالسلام ) للنجفي ج٢ ص٣٧٥ وج٨ ص٢٤٩ وج١٠ ص٣٠١ وفتح الباري ج٧ ص٣٧٨ ومنتقى الجمان ج١ ص٣٠٨ وقاموس الرجال للتستري ج١٢ ص٣٣١ والخصائص الفاطمية ج٢ ص٣٦٢ واللمعة البيضاء ص١٩٧ ومجمع النورين ص١٦ و ١٥٦ و ١٥٧ ومجمع البحرين ج٢ ص٥٨٨ وج٣ ص٤١٤ وبيت الأحزان ص١٦٨.
٦ ـ خمسة وتسعون يوماً (ليلة)(١) .
٧ ـ مئة يوم(٢) .
٨ ـ ثلاثة أشهر(٣) .
____________
١- السيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٦١١ وكشف الغمة ج٢ ص١٢٥وراجع: كفاية الأثر ص٦٥ ونظم درر السمطين ص١٨١ وبيت الأحزان ص١٨٩.
٢- بحار الأنوار ج٤٣ ص١٨٩ وكشف الغمة ج٢ ص١٢٥ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص٦٦٩.
٣- مقاتل الطالبيين (ط المكتبة الحيدرية) ص٣١ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢١٥ و١٨٨ واللمعة البيضاء ص٨٨٥ ومجمع النورين للمرندي ص١٥٥ و ١٥٧ = = وعيون الأثر ج٢ ص٣٦٥ ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص٢٣٢ وكشف الغمة ج٢ ص١٢٥ وسبل الهدى والرشاد ج١١ ص٤٩ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص٦٦٨ وفتح الباري ج٧ ص٣٧٨ وعمدة القاري ج١٧ ص٢٥٨ وأسد الغابة ج٥ ص٥٢٤ والتنبيه والإشراف ص٢٤٩ وإمتاع الأسماع ج٥ ص٣٥.
٩ ـ أربعة أشهر(١) .
١٠ ـ ستة أشهر(٢) .
____________
١- السيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٦١١ وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص٤١ وإعلام الورى ج١ ص٢٩٠.
٢- السيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٣٨٥ وج٤ ص٥٦٧ و ٦١١ وعيون الأثر ج٢ ص٣٦٥ وبحار الأنوار ج٢٨ ص٣١٢ و ٣٥٣ و ٣٩٧ و ٣٩١ وج٢٩ ص١١٢ و ٢٠٢ و ٣٣٠ و ٣٨٩ و ٣٩١ وج٤٣ ص١٨٣ و ١٨٩ و ٢٠٠ وج١٠٠ ص١٨٤ ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص٢٣٢ و ٢٣٤ و ٤١٢ والنص والإجتهاد ص٥١ و ٥٩ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٣٧ والعمدة لابن البطريق ص٣٩٠ و ٣٩١ وكشف الغمة ج٢ ص١٠٣ و ١٢٥ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص٦٦٩ ومجمع النورين للمرندي ص١٥٧ والطرائف للسيد ابن طاووس ص٢٣٨ و ٢٥٨ وكشف المحجة لابن طاووس ص٧٧ وذخائر العقبى ص٥٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص١٥٠ و ٥٢٢ والغدير ج٧ ص٢٢٦ و ٢٢٧ وموسوعة أحاديـث أهـل البيت (عليهم = = السلام) للنجفي ج٨ ص٢٥٥ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٢٥٥ وسبل الهدى والرشاد ج١١ ص٤٩ و ٣٧١ واللمعة البيضاء ص٧٥٦ و ٧٧٦ و ٨٣٥ و ٨٣٧ وجامع أحاديث الشيعة ج٣ ص١٤١ وج١٩ ص١٠٥ والإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) للهمداني ص٧٤٠ والسيرة الحلبية ج٣ ص٤٨٨ و ٤٨٩ وفتح الباري ج٧ ص٣٧٨ وعمدة القاري ج١٧ ص٢٥٨ وتاريخ خليفة بن خياط ص٥٩ وأسد الغابة ج٥ ص٥٢٤ والتنبيه والإشراف ص٢٤٩ وإمتاع الأسماع ج٥ ص٣٥ وبيت الأحزان ص١٨٩.
١١ ـ ثمانية أشهر(١) .
ونحن هنا نستميح القارئ عذراً عن الخوض في بحث تحديد أي واحد منها، ما دام أن هذا الإبهام أيضاً من موجبات تجديد ذكراها مرات عديدة في كل عام، ومن ثم تعريف الناس بمظلوميتها، واستفادة الدروس والعبر منها.
____________
١- السيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٦١١ ومقاتل الطالبيين (ط المكتبة الحيدرية) ص٣١ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢١٥ واللمعة البيضاء ص٨٨٥ ومجمع النورين للمرندي ص١٥٥ وعيون الأثر ج٢ ص٣٦٥ ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص٢٣٢ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص٦٦٨ وذخائر العقبى ص٥٢ وفتح الباري ج٧ ص٣٧٨ وعمدة القاري ج١٧ ص٢٥٨ والإستيعاب ج٤ ص١٨٩٤ و ١٨٩٩ وتاريخ خليفة بن خياط ص٥٩ وإمتاع الأسماع ج٥ ص٣٥.
مكان دفن الزهراء ( عليهاالسلام ):
اختلفت الرويات أيضاً في تحديد مكان دفن الزهراء (عليهاالسلام )، هل هو في البقيع؟! أو في الروضة؟! أو في بيتها؟!
ونحن وإن كنا نرجح أنها قد دفنت في بيتها، ولكننا نزيد على ذلك: أن الظاهر هو أنها قد دفنت مع النبي (صلىاللهعليهوآله ) في قبره فإن النبي مدفون في بيتها كما هو معلوم.
ونستند في هذا الترجيح إلى ثلاثة أمور، هي:
١ ـ إن ذلك أبعد عن احتمالات القوم، الذين سوف يصرون على معرفة مكان دفنها.. لأنهم يرون أن بقاءه مخفياً، يضر بهالة القداسة التي يريدونها لأنفسهم، بل هو يثبت ضدها، من حيث إنه يذكر الناس بمظلوميتها، واغتصابهم حقها، وعدوانهم عليها..
٢ ـ أشارت بعض الروايات إلى: أن علياً (عليهالسلام ) حين صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولتها، وانصرف(١) .
٣ ـ إن كلمات أمير المؤمنين (عليهالسلام ) التي خاطب بها رسول الله في تلك اللحظات تضمنت إشارة إلى ذلك، فهي تقول:
____________
١- راجع: مناقب آل أبي طالب ج٣ ص٣٦٥ و (ط دار النعمان) ج٣ ص١٣٩ وبحار الأنوار ج٤٣ ص١٨٤ واللمعة البيضاء ص٨٦٤ ومجمع النورين للمرندي ص١٥٦ و ١٥٨.
(السلام عليك يا رسول الله عني. والسلام عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك)(١) .
٤ ـ سئل الإمام الهادي (عليهالسلام ): أهي في طيبة؟! أو كما يقول الناس في البقيع؟!
فقال (عليهالسلام ): هي مع جدي رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(٢) .
____________
١- دلائل الإمامة ص١٣٧ و ١٣٨ والأمالي للمفيد ص٢٨١ والأمالي للطوسي ج١ ص١٠٩ واللمعة البيضاء ص٨٦٠ وبحار الأنوار ج٤٣ ص١٩٣ ومستدرك سفينة البحار ج٦ ص٤٣٢ والكافي ج١ ص٤٥٨ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج٢ ص٢١٥ والإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) للهمداني ص٧١٣ وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهالسلام ) للنجفي ج٨ ص٢٥٠ وج١١ ص١٣ وج١٢ ص١٣٧ ونور الثقلين ج١ ص٣٣٧ وج٤ ص٢٥٦ وشرح أصول الكافي ج٧ ص٢١٣ وكنز الدقائق ج٢ ص٨٥ وقاموس الرجال للتستري ج١٢ ص٣٢٤ وبشارة المصطفى ص٣٩٦ ومجمع النورين للمرندي ص١٥١ و ١٥٦ وبيت الأحزان ص١٨٣ والأسرار الفاطمية للمسعودي ص٣٣٧.
٢- إقبال الأعمال لابن طاووس ج٣ ص١٦١ وبهج الصباغة ج٥ ص٣٠٣ عنه، ومستدرك الوسائل ج٢ ص١٩٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٢١٠ وبحار الأنوار ج٩٧ ص١٩٨ وجامع أحاديث الشيعة ج١٢ ص٢٦٢.
وأما بالنسبة للقبور التي خطها الإمام (عليهالسلام ) في البقيع، فلعله ليصرف أوهام القوم إلى أنها قد دُفنت في ذلك المكان.
وإنما نذكر ذلك كله على سبيل الإحتمال والترجيح، لا على سبيل الجزم والتصحيح.. ولا نرى داعياً لتجريد البحث في هذا الموضوع، ما دام أنها هي التي أرادت أن يبقى قبرها مخفياً، ليكون ذلك شاهد صدق على محنتها، وما جرى عليها، وسبيل رشاد، ومنار هداية. عبر الأيام والشهور، والأحقاب والدهور.
علي (عليهالسلام ) في وداع الزهراء (عليهاالسلام ):
و عن الإمام الحسين (عليهالسلام ) قال: مرضت فاطمة (عليهاالسلام ) ووصت إلى علي (عليهالسلام ) أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك. وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس، على استسرار بذلك كما وصت به.
فلما قبضت فاطمة (عليهاالسلام ) دفنها أمير المؤمنين (عليهالسلام )، وعفى على موضع قبرها، ثم قام وحول وجهه إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فقال:
(السلام عليك يا رسول الله..
إلى أن قال: (قد استرجعت الوديعة، وأٌخذت الرهينة، وأُخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء!
يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، وهمّ لا يبرح من
قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم.
كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو.
وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها؛ فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً. وستقول، ويحكم الله، وهو خير الحاكمين.
سلام مودع، لا قالٍ ولا سَئِمٍ، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.
واه، واها، والصبر أيمن وأجمل.
ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.
فبعين الله تدفن ابنتك سراً؟! وتهضم حقها، وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يُخْلِق منك الذكر؟!
وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، وصلى الله عليك، وعليهاالسلام والرضوان)(١) .
____________
١- راجع المصادر التالية: نهج البلاغة (بشرح عبده) الخطبة رقم ٢٠٠ و (ط مطبعة النهضة ـ قم سنة١٤١٢) ج٢ ص١٨٢ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٠ ص٢٦٥، والكافي ج١ ص٤٥٨ ودلائل الإمامة ص١٣٧ و ١٣٨ والمناقب لابن شهرآشوب ج٣ ص٣٦٤ و ٣٦٥ والأمالي للشيخ الطوسي ج١ ص١٠٧ و ١٠٨ و١٠٩وروضة الواعظين ص١٥٢ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج٢ = = ص٢١٥ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٣٩ والأمالي للمفيد ص٢٨١ و ٢٨٣ والأنوار البهية ص٦٤ والغدير ج٩ ص٣٧٣ والإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) للهمداني ص٧١٣ وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهمالسلام ) للنجفي ج٣ ص١٣٦ و ٢٥٠ وج١١ ص١٣ وج١٢ ص٣٧ وقاموس الرجال للتستري ج١٢ ص٣٢٤ وبشارة المصطفى ص٣٩٧ وكشف الغمة للإربلي ج٢ ص١٢٧ والأنوار العلوية ص٣٠٤ ومجمع النورين للمرندي ص١٥١ وبيت الأحزان ص١٨٤ والمجالس الفاخرة للسيد شرف الدين ص١٥٤ ونهج السعادة ج١ ص٧١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٠ ص٤٨١ وج٢٥ ص٥٥٠ وج٣٣ ص٣٨٥ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢١١ و ١٩٣ و ١٨٤ عن أمالي الشيخ، وعن الكافي، وعن الأحكام الشرعية للحسن الخزاز القمي، وتذكرة الخواص، وكشف الغمة، والوافي ج٣ ص٧٤٨ وغير ذلك.
غليل لم تجد إلى بثه سبيلاً:
وقد تضمنت كلمات أمير المؤمنين (عليهالسلام ) هذه في مخاطبة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، الكثير مما يحتاج إلى الوقوف عنده، واستفادة العبر والعظات والدروس منه. ولأن ذلك غير متيسر لنا الآن.. فقد آثرنا الإكتفاء بتذكير القارئ بأمر هام أشار إليه (صلوات الله وسلامه عليه) في كلماته تلك، حيث قال:
(فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً).
فما هي هذه المفردات سبب كثرة الغليل في صدرها، والتي لم تجد
الفرصة أو السبيل إلى بثه، والإفصاح عنه؟!.
إن من يقرأ النصوص المتوفرة يخيَّل إليه: أنه (عليهالسلام )قد تحدث أو أشار بالتخصيص أو التعميم إلى جميع الأحداث التي واجهتها، ووصلت إلينا أنباؤها. وإن ثمة ما لم تتمكن من بثه واظهاره.
إن هذا الأمر يستحق الوقوف عنده، والبحث عنه، والتماس السبل إليه..
هل ماتت الزهراء (عليهاالسلام ) بلا إمام؟!:
وصرحت الروايات: بأن الزهراء (عليهاالسلام ) أوصت أن تدفن سراً، وأن لا يحضر جنازتها أبو بكر، ولا عمر، ولا غيرهما ممن ظلموها، وأن يُعَفِّي علي (عليهالسلام ) موضع قبرها.
كما أنها لم تأذن لهما بعيادتها.. وإنما دخلا عليها بعد ذلك لأن أمير المؤمنين (عليهالسلام ) هو الذي أدخلهما بيته. وقد صرحت لهما حينئذ: بأنها غاضبة عليهما.. وصرحت الروايات أيضاً: بأنها (عليهاالسلام ) قد ماتت واجدة عليهما..
من هو إمام الزهراء (عليهاالسلام ):
وهنا سؤال يحتاج إلى جواب، وهو: من كان إمام الزهراء (عليهاالسلام ) بعد وفاة أبيها؟! إذ لا شك في أنها لم تعترف لأبي بكر بالإمامة، بل كانت تراه ظالماً لها، معتدياً على حرمات الله تعالى!! وماتت واجدة عليه، هاجرة له، تدعو عليه بعد كل صلاة و...
أم يعقل أن تكون قد ماتت بغير إمام؟! مع أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) يقول: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.. أو نحو ذلك!!(١) .
____________
١- راجع: مسند أحمد ج٤ ص٩٦ وج٣ ص٤٤٦ ومجمع الزوائد ج٥ ص٢١٨ و ٢٢٣ و ٢١٩ و ٢٢٤ و ٢٢٥ وشرح المقاصد ج٢ ص٢٧٥ وشرح التفتازاني لعقائد النسفي (ط سنة ١٣٠٢ هـ) وسنن البيهقي ج٨ ص١٥٦ وتيسير الوصول ج٢ ص٤٧ وعن صحيح مسلم ج٤ ص١٢٦ و ١٢٤ و ١٢٥ وشرح السير الكبير ج١ ص١١٣ والعثمانية ص٢٩ و (ط دار الكتاب العربي ـ مصر) ص٣٠١ والمحلى ج٩ ص٣٥٩ والوافي بالوفيات ج٩ ص٦٣ و ١١٠ والمعيار والموازنة ص٢٤ وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص٤٨٩ وصحيح ابن حبان ج١٠ ص٤٣٤ و ٤٣٥ والمعجم الأوسط للطبراني ج٣ ص٣٦١ وج٦ ص٧٠ والمعجم الكبير للطبراني ج١٠ ص٢٨٩ وج١٢ ص٣٣٧ وج١٩ ص٣٣٨ ومسند الشاميين للطبراني ج٢ ص٤٣٨ وج٣ ص٢٦٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٩ ص١٥٥ وج١٣ ص٢٤٢ وكنز العمال ج١ ص١٠٣ و ٢٠٧ و ٢٠٨ وج٦ ص٦٥ ومسند أبي يعلى ج١٣ ص٣٦٦ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج١ ص٥١٧ وإزالة الخفاء ج١ ص٣ والمستدرك للحاكم ج١ ص٧٧ و ١١٧ ومسند أبي داود الطيالسي ص٢٥٩ وراجع: المحاسن للبرقي ج١ ص٩٢ والكافي ج١ ص٣٧٧ وج٢ ص٢٠ و ٢١ ودعائم الإسلام ج١ ص٢٥ و ٢٧ وثـواب الأعـمال للصدوق ص٢٠٥ ووسائـل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) = = ج٢٨ ص٣٥٣ و (ط دار الإسلامية) ج١٨ ص٥٦٧ ومستدرك الوسائل ج١٨ ص١٨٣ وكتاب الغيبة للنعماني ص١٢٩ والإفصاح للمفيد ص٢٨ والفصول المختارة للمرتضى ص٣٢٥ والثاقب في المناقب ص٤٩٥ ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٢١٢ وبحار الأنوار ج٨ ص٣٦٢ و ٣٦٨ وج٢٣ ص٧٦ و ٧٧ و ٧٨ و ٨٥ و ٨٩ و ٩٤ وج٢٧ ص٢٠١ وج٣٢ ص٣٣١ وج٣٧ ص٢٧ وج٤٩ ص٣٤١ وج٦٥ ص٣٣٧ و ٣٣٩ و ٣٨٧ وكتاب الأربعين للماحوزي ص٢٢٣ و ٢٢٦ و ٤٠١ ونور الثقلين ج١ ص٥٠٣ و ٥٠٤ والميزان ج٣ ص٣٨١ وتفسير أبي حمزة الثمالي ص٨٠ وتفسير العياشي ج١ ص٢٥٢ وينابيع المودة لذوي القربى ج١ ص٣٥١ وج٣ ص٤٥٦.
المراد بالميتة الجاهلية:
وقد يسأل سائل هنا فيقول:
فقد فسرت الروايات ميتة الجاهلية بميتة الضلال..
فقد روي عن ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله (عليهالسلام ) عن قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): (من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية).
قال: قلت: ميتة كفر!
قال: ميتة ضلال الخ(١) ..
____________
١- الكافي ج١ ص٣٧٦ و ٣٧٧ وإلزام الناصب ج١ ص١٢ وشرح أصول الكافي ج٦ ص٣٥٤.
فلماذا عدل الإمام (عليهالسلام ) عن ميتة الكفر إلى ميتة الضلال، مع أن أهل الجاهلية يموتون على الكفر؟!
ونجيب بما قاله المجلسي (رحمهالله ): (لعله (عليهالسلام ) عدل عن تصديق كفرهم إلى إثبات الضلال لهم، لأن السائل توهم أنه يجري عليهم أحكام الكفر في الدنيا كالنجاسة، ونفي التناكح، والتوارث وأشباه ذلك، فنفى ذلك، وأثبت لهم الضلال عن الحق في الدنيا، وعن الجنة في الآخرة، فلا ينافي كونهم في الآخرة ملحقين بالكفار، مخلدين بالنار، كما دلت عليه سائر الأخبار.
ويحتمل أن يكون التوقف عن إثبات الكفر، لشموله من ليس له إمام من المستضعفين؛ إذ فيهم احتمال النجاة من العذاب الخ..)(١) .
____________
١- مرآة العقول ج٤ ص٢٢٠.
الفهرس
الصحيح من سيرة الإمام عليّ ( عليهالسلام ) ١
الفصل السادس: ٥
الفصل السابع: ٢٩
الباب الثاني: ٦٥
الفصل الأول: ٦٧
الفصل الثاني: ١١٧
الفصل الثالث: ١٥٥
الفصل الرابع: ١٨٧
الفصل الخامس: ٢١٣
الباب الثالث: ٢٣٩
الفصل الأول: ٢٤١
الفصل الثاني: ٢٦٩
الفصل الثالث: ٢٩١
الفصل الرابع: ٣١٧
الفهرس ٣٣٤