الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٣

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 364
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 364
أو لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر(١) .
وفي بعض الروايات أنه قال ذلك في مرضه الذي مات فيه(٢) .
____________
١- راجع: صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٤ ص٢٥٤ وصحيح مسلم (ط دار الفكـر) ج٧ ص١٠٨ والجامـع لأحكام القـرآن ج٥ ص٢٠٨ وتاريخ مدينة = = دمشق ج٣٠ ص٢٤٦ وج٥٢ ص١٥٣ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٤٣٥ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٣ ص١٠٩ والوافي بالوفيات ج١٧ ص١٦٥ والنزاع والتخاصم ص١١٣ وإمتاع الأسماع ج١٤ ص٤٢٥ وإحقاق الحق (الأصل) ص٢١١ وخلاصة عبقات الأنوار ج٩ ص٢٣١ والغدير ج٣ ص١٩٦ وسنن الترمذي ج٥ ص٢٧٠ وفضائل الصحابة للنسائي ص٣ وشرح مسلم للنووي ج١٥ ص١٥١ وفتح الباري ج٢ ص٤١٧ وعمدة القاري ج١٧ ص٣٩ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٠١ و ١١٢ وتركة النبي "صلىاللهعليهوآله " لابن زيد البغدادي ص٥١ والسنن الكـبرى للنسائي ج٥ ص٣٥ وصحيح ابن حبـان ج١٤ ص٥٥٩ وج١٥ ص٢٧٧ والمعجم الكبير للطبراني ج١١ ص٢٦٨ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج٣ ص٩٦٧ والتمهيد لابن عبد البر ج٢٠ ص١١٢ وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج١١ ص٥٤٤.
٢- راجع: فتح الباري ج٧ ص١٠ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٠٠ والغدير ج٣ ص١٩٦ ومسند أحمد ج١ ص٢٧٠ ومسند أبي يعلى ج٤ ص٤٥٧ وصحيح ابن حبان ج١٥ ص٢٧٥ وتاريخ مدينة دمشق ج٣٠ ص٢٤٢.
وعند مسلم، عن جندب: قبل أن يموت بخمس ليال(١) .
وعند الطبراني، وأبي يعلى بإسناد حسن عن معاوية وعائشة: أن ذلك بعد أن صب عليه "صلىاللهعليهوآله " من سبع قرب من آبار شتى(٢) .
وقد استدلوا بذلك على استحقاق أبي بكر للخلافة، لا سيما وأنه قد ثبت أن ذلك كان في أواخر حياته "صلىاللهعليهوآله "(٣) .
ونقول:
١ـ إن قال عمر بن الخطاب في مرض النبي "صلىاللهعليهوآله ": إن النبي ليهجر، لا بد أن يحرج هؤلا، لأنه يسقط أي تصرف له "صلىاللهعليهوآله "عن درجة الصلاحية للإستدلال به.
٢ـ بل لو كان النبي "صلىاللهعليهوآله " قد أمر بسد الأبواب إلا باب
____________
١- راجع: فتح الباري ج٧ ص١٠ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٠٠ وصحيح ابن حبان ج١٤ ص٣٣٤ والغدير ج٨ ص٣٤ ومجمع الزوائد ج٤ ص٢٣٧ وج٩ ص٤٥ وكنز العمال ج١٢ ص٥٠١ وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج٣٠ ص٢٤٨.
٢- راجع: سنن الدارمي ج١ ص٣٨ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٤٣٧ والبداية والنهاية ج٥ ص٢٤٩ وإمتاع الأسماع ج١٤ ص٤٤٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٤٥٣ وسبل الهدى والرشاد ج١٢ ص٢٤٠.
٣- وفاء الوفاء ج٢ ص٤٧٢ و ٤٧٣ وفتح الباري ج٧ ص١٢ وإرشاد الساري ج٦ ص٨٤ وراجع: القول المسدد ص٢٤ والبداية والنهاية ج٥ ص٢٣٠.
أو خوخة إبي بكر لما احتاج عمر لأن يقول عن النبي "صلىاللهعليهوآله ": أنه يهجر أو عليه الوجع.
٣ ـ بعد أن ثبت صحة حديث: سدوا الأبواب إلا باب علي؛ وبعد أن اتضح: أنه لم يكن حين مرض موته "صلىاللهعليهوآله " أي باب مفتوحاً إلا باب علي، فلا معنى لأن يأمرهم "صلىاللهعليهوآله " بسد هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر(١) ، بعد أن لم يسمح النبي "صلىاللهعليهوآله " لذلك الرجل!! بكوة، ولو بقدر ما يخرج رأسه، حتى ولو بقدر رأس الإبرة!!(٢) .
وبهذا يتضح عدم صحة قولهم في وجه الجمع: إنهم بعد أن سد النبي "صلىاللهعليهوآله " أبوابهم، استحدثوا خوخاً يستقربون منها الدخول إلى المسجد(٣) .
____________
١- الغدير ج٣ ص٢١٣ ودلائل الصدق ج٢ ص٢٦١.
٢- وفاء الوفاء ج٢ ص٤٧٧ وراجع: فرائد السمطين ج١ ص٢٠٦ عن أبي نعيم، واللآلي المصنوعة ج١ ص٣٤٩ و ٣٥١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٥٥٦ وج١٦ ص٣٤٢.
٣- فتح الباري ج٧ ص١٣ والقول المسدد ص٢٥ والغدير ج٣ ص٢١٠ و ٢١٣ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١١٣ وغاية المرام ج٦ ص٢٥٠ ووفاء الوفاء ج٢ ص٤٧٧ عن الطحاوي في مشكل الآثار، والكلاباذي في معاني الأخبار.
٤ ـ إن الحديث ذكر أن أبا بكر كان يمنُّ على النبي "صلىاللهعليهوآله " بصحبته له، وقد قلنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآله " في حديث الغار: أن ذلك لا يصح إلا على معنى فيه ذم لأبي بكر.
٥ ـ كما أنه قد تضمن حديث خلة أبي بكر للنبي "صلىاللهعليهوآله ".
وقلنا في حديث المؤاخاة: أنه لا يمكن أن يصح أيضاً.
٦ ـ إن البعض يذكر: أن بيت أبي بكر كان بالسنح، ويشك كثيراً، بل على حد تعبير التوربشتي: لم يصح أن يكون له بيت قرب المسجد(١) .
وأجيب: بأنه لا يلزم من ذلك أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، واستدل على ذلك بأنه قد كان لأبي بكر أزواج متعددة كأسماء بنت عميس، وغيرها، وبأن ابن شبة يذكر: أنه كان له في زقاق البقيع دار قبالة دار عثمان الصغرى، واتخذ منزلاً آخر عند المسجد، في غربيه(٢) .
ولكن ذلك لا يثبت ما يريدون إثباته؛ فإن تعدد أزواجه لا يلزم منه أن يكون له بيت ملاصق للمسجد، ثم لماذا لا يسكن أزواجه مع تعددهن في بيت واحد ذي حجر متعددة، كغيره من أهل المدينة، ومنهم النبي "صلىاللهعليهوآله "
____________
١- فتح الباري ج٧ ص١٢ وإرشاد الساري ج٦ ص٨٤ ووفاء الوفاء ج٢ ص٤٧٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج٩ ص٢٣٢ وعن المرقاة في شرح المشكاة ج٥ ص٥٢٤.
٢- راجع المصادر المتقدمة.
نفسه.
ولعل هؤلاء قد اعتمدوا في ذكرهم بيتاً لأبي بكر عند المسجد على هذا الحديث بالذات. أو أنهم أرادوا بذكرهم بيتاً له كذلك أن يمدوا يد العون لهذا الحديث الذي توالت عليه العلل والأسقام، تماماً كما جعلوا ـ إلى يومنا هذا ـ خوخة في المسجد من أجل تصحيح ذلك.
ولكنهم لم يجعلوا باباً لعلي "عليهالسلام "، وهو الذي ثبت أن النبي "صلىاللهعليهوآله " قد أبقى بابه مفتوحاً، وسد كل باب في المسجد سواه.
٧ ـ لقد اعترف ابن عمر وأبوه، فقالا: إن علياً "عليهالسلام " قد أوتي ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله "صلىاللهعليهوآله " ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر(١) .
____________
١- راجع: مسند أحمد ج٢ ص٢٦ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٢٥ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢٠ والصواعق المحرقة الفصل٣ باب٩ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٣٧ والمصنف لابن أبي شيبة ج٧ ص٥٠٠ ومسند أبي يعلى ج٩ ص٤٥٣ ونظم درر السمطين ص١٢٩ والعمدة لابن البطريق ص١٧٦ وفتح الباري ج٧ ص١٣ وبحار الأنوار ج٣٩ ص٢٨ و ٣١ وكتاب الأربعين ص٤٤٥ والمراجعات ص٢١٨ والسقيفة للمظفر ص٦٤.
وراجع: الغدير ج٣ ص٢٠٣ وج١٠ ص٦٨ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٣٩ والقول المسدد ص٣٣ وراجع: وذخائر العقبى ص٧٧ وكنز العمال ج١٣ ص١١٠ وتفسير جوامع الجامع ج٣ ص٥٢٥ وج٩ ص٤١٧ وخصائص الوحي المبين ص١٦٤ وتفسير الثعلبي ج٩ ص٢٦٢ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٢١ و ١٢٢ والمناقب للخوارزمي ص٢٧٧ و ٣٣٢ ومطالب السؤول ص١٧٤ وكشف الغمة ج١ ص٣٣٨ ونهج الإيمان ص٤٤٢ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج١ ص١٨٧ وينابيع المودة ج٢ ص١٧٠.
فهذه الرواية صريحة في أنه "عليهالسلام " قد اختص بذلك، كما اختص بالراية يوم خيبر، وبتزوجه فاطمة "عليهاالسلام "، وولادتها له.
ويا ليت عمر أشار إلى أن النبي "صلىاللهعليهوآله " كان قد أعطى الراية لعمر، ولكنه عاد مهزوماً يجبِّن أصحابه ويجبِّنونه!! وفي جميع الأحوال نقول:
لو كان لأبي بكر فضل هنا وامتياز، لم يسمح عمر ولا ولده لنفسيهما بالتصريح باختصاصه "عليهالسلام " بهذا الوسام.
وامتيازه "عليهالسلام " في قضية سد الأبواب كامتيازه في قضية الراية يوم خيبر، حيث إن أخذ أبي بكر وعمر لها ليس فقط لم يكن امتيازاً لهما، بل كان وبالاً عليهما، كما هو معلوم.
٨ ـ لو أنه "صلىاللهعليهوآله " قد أمر بسد الأبواب إلا باب إبي بكر، لاحتج أبو بكر بذلك على أهل السقيفة أو احتج به عمر فيها لمصالح إبي
بكر.
٩ ـ وأخيراً، فقد قال المعتزلي عن البكرية التي أرادت مقابلة الأحاديث في فضل علي: إنها "وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: "لو كنت متخذاً خليلاً"، فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو سد الأبواب، فإنه كان لعلي "عليهالسلام "؛ فقلبته البكرية إلى أبي بكر"(١) .
وقد ذكر اللمعاني: أن قضية سد باب أبي بكر، وفتح باب علي "عليهالسلام " كانت من أسباب حقد عائشة على أمير المؤمنين "عليهالسلام "، فراجع(٢) .
وما أجمل ما قاله الكميت في هذه المناسبة:
عـلـي أمـيـر المـؤمـنـين وحـقـه |
من الله مفـروض عـلى كـل مسلم |
|
وزوجـه صـديـقـة لـم يكـن لهـا |
معـادلـة غـيـر الـبـتـولـة مـريم |
|
وردم أبـواب الـذيـن بـنـى لهـم |
بـيـوتـاً سـوى أبـوابـه لـم يـردم |
وقال السيد الحميري:
وخـبـر الـمـسـجـد إذ خـصـه |
مـجـلـلاً مـن عـرصـة الـدار |
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١١ ص٤٩ وراجع: سفينة النجاة للتنكابني ص٢٩٦.
٢- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٩ ص١٩٥ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٦١٩.
إن جـنـبـاً كـان وإن طـاهـراً(١) |
فـي كـل إعــلان وإســرار |
|
وأخـرج الـبـاقـيـن منـه معـاً |
بـالـوحـي مـن إنـزال جـبـار |
وقال الصاحب بن عباد:
ولم يـك محتـاجـاً إلى عـلـم غـيره |
إذا احتـاج قـوم في قضـايـا تبلدوا |
ولا سـد عـن خـير المسـاجد بابه وأبـوابـهـم إذ ذاك عـنــه تسـدد
ابن البطريق وحديث سد الأبواب:
ولابن بطريق كلام هنا نلخصه على النحو التالي:
إن الله تعالى قد أظهر الفرق بين أمير المؤمنين "عليهالسلام "، وبين غيره. وإذا كان الحرام على غيره قد حل له، فإن ذلك يعني: أنه يمتاز على ذلك الغير. والنبي "صلىاللهعليهوآله " قد فتح أبواب الجميع على ظاهر الحال من الصلاح والخير، والنبي "صلىاللهعليهوآله " لا يعلم إلا هذا الظاهر إلا أن يطلعه الله على الباطن.
وعليه، فإن كان تعالى قد سد أبوابهم على ظاهر الحال، فقد بينا: أنها كانت صالحة عند الكل؛ ولذلك فتح أبوابهم أولاً، فلم يبق إلا أنه قد سد أبوابهم، من أجل شيء يرجع إلى الباطن، وفتح بابه لأنه قد انفرد بصلاح الباطن دونهم، (أو فقل: انفرد في كونه القمة في الصلاح الباطني) بالإضافة
____________
١- هو "عليهالسلام " طاهر على كل حال.
إلى مشاركته لهم في صلاح الظاهر.
وبذلك امتاز "صلوات الله وسلامه عليه" عليهم.
ثم إن منعهم من الجواز في المسجد وإباحته له، إما أن يكون بلا سبب، وهو عبث لا يصدر من حكيم، وإما أن يكون له سبب، وذلك يدل على انفراده "عليهالسلام " بما لا يشركه فيه غيره.
وأقواله "صلىاللهعليهوآله " تعضد هذا التخصص، وتدل على صلاح باطنه، كقوله "صلىاللهعليهوآله ": "علي مني، وأنا منه".
وقوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى".
وقوله: "أنت أخي في الدنيا والآخرة".
وقوله: "صلت الملائكة عليَّ وعلى علي سبع سنين قبل الناس".
وقوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
وقوله تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .
وغير ذلك من مناقبه ومآثره ومزاياه؛ فلولا ثبوت هذه المزايا له على غيره، لما أنزله من نفسه بهذه المنازل، ولما أقامه من نفسه في شيء من ذلك، ولا
____________
١- الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.
أذن الله له بتخصيصه وتمييزه عن أمثاله وأضرابه الخ..(١) . إنتهى ملخصاً.
كلام العلامة المظفر:
ويقول العلامة الشيخ محمد حسن المظفر "رحمهالله " ما ملخصه:
إن هذه القضية تكشف عن طهارة علي، وأنه في المحل الأعلى منها، فلا تنتقض هذه الطهارة بأي حدث حتى لو كان من موجبات الغسل، فيحل له البقاء في المسجد في جميع الأحوال، ولا يكره له النوم فيه، تماماً كما كان ذلك لرسول الله "صلىاللهعليهوآله ". فإن عمدة الغرض من سد الأبواب هو تنزيه المسجد عن الأدناس، وإبعاده عن المكروهات. وكان علي "عليهالسلام " كالنبي "صلىاللهعليهوآله " طاهراً مطهراً، ولا تؤثر فيه الجنابة دنساً معنوياً، وكان بيت الله كبيته بكونه حبيبه القريب منه.
وأبو بكر لم يكن ممن أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً؛ ليحسن دخوله للمسجد جنباً، ولا هو منه بمنزلة هارون من موسى؛ ليمكن إلحاقه به.
هذا كله، عدا عن ضعف خبر باب أو خوخة أبي بكر بفليح بن سليمان(٢) ، وبإسماعيل بن عبد الله الكذاب الوضاع(٣) .
____________
١- راجع: العمدة لابن البطريق ص١٨٠ ـ ١٨٥ وكشف الغمة للأربلي ج١ ص٣٣٣ و ٣٣٤ و (ط دار الأضواء) ج١ ص٢٤١ ـ ٢٤٣.
٢- راجع كتابنا: الصحيح من سـيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج١٢ ص٦١ و (الطبعة الخامسة) ج١٣ ص٦٣ وكتاب حديث الإفك ص٦٠ و ٦١.
٣- راجع من دلائل الصدق ج١ ص٢١ و ٢٢.
إشـارة:
قلنا: إنه "عليهالسلام " مطهر من كل رجس، فلا تعرض الجنابة، ولكن اطلاق هذا النوع من التعابير على سبيل التساهل وجرياً على ما هو المتعارف منها في مرحلة الظاهر، وكانت لا تتحقق في واقع الأمر.
أبواب المهاجرين فقط:
ثم إن البيوت التي كانت أبوابها شارعة في المسجد إنما هي بيوت المهاجرين؛ ويؤيد ذلك ما روي في حديث مناشدة علي "عليهالسلام " لأهل الشورى، حيث يقول: "أكان أحد مطهراً في كتاب الله غيري، حين سد النبي "صلىاللهعليهوآله " أبواب المهاجرين، وفتح بابي؟!(١) .
بيت علي (عليهالسلام ) أم النبي (صلىاللهعليهوآله )؟! :
وقد حاول فضل بن روزبهان الإيهام بأن البيت كان للنبي "صلىاللهعليهوآله "، وكان علي "عليهالسلام " ساكناً في بيت النبي "صلىاللهعليهوآله "،
____________
١- اللآلي المصنوعة ج١ ص٣٦٢ وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج٥ ص٧٢٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٣١ ص٣٢٤ وضعفاء العقيلي ج١ ص٢١١.
أي أن الباب الذي أبقاه النبي "صلىاللهعليهوآله " مفتوحاً ليس باب بيت علي "عليهالسلام "، بل هو بيت النبي "صلىاللهعليهوآله " نفسه، فنسبته إلى علي أتت على سبيل التوسع والمجاز، فلا يبقى لعلي فضل.
قال ابن روزبهان: "كان المسجد في عهد رسول الله "صلىاللهعليهوآله "، وكان علي ساكناً بيت رسول الله "صلىاللهعليهوآله "، لمكان ابنته الخ..".
ونقول له:
إن الأخبار قد صرحت: بأن الباب لعلي، حتى تكلم الناس في استثناء بابه. ولو كان الباب للنبي "صلىاللهعليهوآله " لما كان ثمة مجال لكلامهم، واعتراضهم، وحسدهم(١) .
بل لا مجال لاستثناء هذا الباب أصلاً، لأن النبي "صلىاللهعليهوآله " أمرهم بسد أبوابهم، أما الباب الذي له فهو يعرف وظيفته، وتكليفه فيه.
أضف إلى ما تقدم: أن علياً "عليهالسلام " قد بنى بفاطمة في بيت حارثة بن النعمان(٢) ، وحارثة هذا كان قد أعطى للرسول "صلىاللهعليهوآله "
____________
١- راجع: دلائل الصدق ج٢ ص٢٦١ ـ ٢٦٧.
٢- بحار الأنوار ج١٩ ص١١٣ وإعلام الورى ص٧١ و (ط مؤسسة آل البيت) = = ج١ ص١٦١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢٥ ص٤٤٩ عن أخبار الموفقيات (ط بغداد) ص٣٧٥.
بيوتاً أخرى ليسكن بها أزواجه(١) .
خصوصية علي (عليهالسلام ) عند الجصاص:
وقال الجصاص: "ما ذكر من خصوصية علي "عليهالسلام " فهو صحيح، وقول الراوي: لأنه كان بيته في المسجد، ظن منه؛ لأن النبي "صلىاللهعليهوآله " أمر في الحديث الأول بتوجيه البيوت الشارعة إلى غيره، ولم يبح لهم المرور لأجل كون بيوتهم في المسجد؛ وإنما كانت الخصوصية فيه لعلي "عليهالسلام " دون غيره، كما خص جعفر بأن له جناحين في الجنة، دون سائر الشهداء الخ.."(٢) .
____________
١- بحار الأنوار ج١٩ ص١١٣ وإعلام الورى ص٧١ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص١٦١ والطبقات الكبرى ج٣ ص٤٨٨ وسير أعلام النبلاء ج٢ ص٣٨٠ وراجع: الوفاء لابن الجوزي ج١ ص٢٥٧ وتاريخ الخميس ج١ ص٣٦٦ ودلائل النبوة ج٥ ص١٣١ ووفاء الوفاء ج٢ ص٤٦٢ والسيرة الحلبية ج١ ص٣٣٦.
٢- أحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٢٠٤ و (ط دار الكتب العلمية) ج٢ ص٢٥٦ والغدير ج٣ ص٢١٣.
الباب الرابع :
حرب أحد.. وحتى الخندق..
الفصل الأول :
الألوية.. والرايات..
بـدايـة:
تلقت قريش في بدر ضربة هائلة لم تكن تتوقعها، وكان من المفترض: أن تعي أن ما حصل لم يكن ليحصل لو لم تكن ثمة رعاية إلهية لهذا الدين وأهله.. وأن يدفعها ذلك إلى التخلي عن عنادها، وجحودها، وأن تعترف بما تستيقنه في قرارة نفسها.
ولكن ذلك لم يحصل، بل سول لها الشيطان أنها سوف تنتصر، وجمعت جموعها، واتصلت باليهود والمنافقين، واتصلوا بها، وجاءت إلى حرب أحد تقود الألوف من المقاتلين، فخورة بعدتها وعددها، وبلغ النبي "صلىاللهعليهوآله " ذلك، فخرج بالمسلمين لملاقاتها، وكانت المعركة عند جبل أحد، وقد كان لعلي "عليهالسلام " في هذه الحرب القدح المعلى الخ..
علي (عليهالسلام ) يطيع ولا يقترح:
وقد آثر النبي "صلىاللهعليهوآله " في حرب أُحد أن يشاور أصحابه في أمر الحرب، لأنهم هم المكلفون بمواجهة الأعداء. وجهاد أهل البغي والباطل، وعلى صحة نواياهم يتوقف صحة جهادهم، ونيلهم لمقام الكرامة والشهادة، حين يتعرض أي واحد منهم لها..
وبدون إخلاص نواياهم لله تعالى، سيكونون مجرد مقاتلين لا مجاهدين، وسيكونون قتلى أو ضحايا لا شهداء، ومن منطلق الرفق بهم والمحبة لهم، وتهيئتهم لنيل مقام الطاعة والإنقياد كان "صلىاللهعليهوآله " يطرح عليهم قضية الحرب والسلم، ويطلب منهم أن يظهروا ما أضمروا، وأن يعلنوا ما أبطنوا..
وكنا نجد فيهم المخذل للناس، والمبهور بقوة العدو، المشير بتحاشي الدخول مع الأعداء في حرب، ومن يفضل ذل الإستسلام والخضوع والخنوع على الطاعة لله، ونيل مقام الكرامة والزلفى..
فليراجع القارئ ما جرى في مشورة بدر، وفي أحد(1) ، ليجد مصداق ما نقول..
غير أن ما هو جدير بالملاحظة هنا: أننا لا نجد لعلي "عليهالسلام " في هذه المواقع صوتاً أو مبادرة.. بل لا نجد أي حضور في أي من مواقع الإعتراض والإقتراح على رسول الله "صلىاللهعليهوآله ".. وكأنه غير موجود إلا في موقع التسليم له "صلىاللهعليهوآله "، والرضا بما يرضاه، والطاعة لما يأمر، والتصديق لما يقول..
وأما الآخرون من الصحابة، وخصوصاً المناوئين لعلي "عليهالسلام ".. فنجدهم يقترحون ويعترضون، ويجادلون، ويصرون، ويرضون ويغضبون، وربما ترتفع أصواتهم، وربما يتركون رسول الله، وينصرفون عنه، ليفعلوا ما
____________
1- حديث استشارة النبي "صلىاللهعليهوآله " للمسلمين في هاتين الواقعتين.
يحلو لهم.. وقد يهجرون مجلسه، ويمتنعون عن الدخول عليه، حتى يعاتبهم..
وتنزل الآيات القرآنية في تعليمهم تارة، وفي لومهم أخرى، وفي تقريعهم ثالثة، وتهديدهم رابعة.. و.. وإلخ.. فراجع تاريخهم مع النبي "صلىاللهعليهوآله "، وتاريخ النبي معهم، فإنه مليء بالغرائب، حافل بالمفاجآت لمن أحسن قراءتها، وتفهّم معانيها ومراميها..
اللواء مع علي (عليهالسلام ) في أحد:
لقد كان لواء أو راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله " في حروبه مع علي "عليهالسلام "، في بدر، و أحد، وفي المشاهد كلها.
وقد ذكرنا طائفة من النصوص الدالة على ذلك في الجزء السابع من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي "صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الخامسة).
فنحن نأخذ منه الفقرة المرتبطة بهذا الموضوع بعين لفظها. فنقول:
قالوا: إن رسول الله "صلىاللهعليهوآله " أعطى الراية (أو اللواء) إلى أمير المؤمنين "عليهالسلام " في أحد، كما نص عليه البعض(1) .
____________
1- الأوائل لأبي هلال ج1 ص183. والثقات لابن حبان ج1 ص224 و 225 وراجع: بحار الأنوار ج20 ص49 وتفسير القمي ج1 ص112 ومجمع البيان ج2 ص377 والصافي ج1 ص375 ونور الثقلين ج1 ص385 وكنز الدقائق ج2 ص213 والميزان ج4 ص11 وشرح إحقاق الحق ج32 ص341 وشرح الأخبار ج1 ص269 وج7 ص166 وأعيان الشيعة ج1 ص253 وكشف الغمة ج1 ص191 وعيون الأثر ج1 ص410 و 412.
ويقول البعض: إن لواء المهاجرين كان مع علي(1) .
وقيل: مع مصعب بن عمير(2) .
____________
1- الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص38 ومغازي الواقدي ج1 ص215 وتاريخ الخميس ج1 ص422 والإرشاد للمفيد ج1 ص80 وبحار الأنوار ج20 ص80 و 81 ومجمع الزوائد ج6 ص114 وشرح نهج البلاغة ج14 ص226 وتاريخ خليفة بن خياط ص38 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص74 وإمتاع الأسماع ج1 ص135 وج7 ص166 وعيون الأثر ج1 ص413 والدر النظيم ص157.
2- الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص38 و 40 و 42 ومغازي الواقدي ج1 ص215 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص227 و 232 و 235 و 247 وج15 ص10 و 19 وكنز العمال ج10 ص432 وتاريخ الخميس ج1 ص422 وتاريخ خليفة بن خياط ص38 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص74 وج55 ص267 وج60 ص345 و 347 وأسد الغابة ج4 ص16 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص193 والكامل في التاريخ ج2 ص152 والبداية والنهاية ج4 ص17 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص25 وإمتاع الأسماع ج1 ص135 وبحار الأنوار ج20 ص80 و 137 و 143 والدرر لابن عبد البر ص147 وجامع البيان ج4 ص167 والتفسير الكبير للرازي ج8 ص224 والجامع لحكام القرآن ج8 ص226 والدر المنثور ج2 ص83 وتفسير الآلوسي ج4 ص42 وإعلام الورى ج1 ص376.
ويقال: إنه اللواء الأعظم(1) .
وقيل: إنه "صلىاللهعليهوآله " سأل عمن يحمل لواء المشركين، فقيل له: طلحة بن أبي طلحة، فأخذ اللواء من علي ودفعه إلى مصعب بن عمير، لأنه من بني عبد الدار، وهم أصحاب اللواء في الجاهلية(2) .
وكان لواء الأوس مع أسيد بن حضير، ولواء الخزرج مع حباب بن المنذر.
وقيل: مع سعد بن عبادة.
اللواء مع علي (عليهالسلام ) فقط:
ونقول:
إنه لا صحة لما ادعوه من أن اللواء كان مع مصعب بن عمير، أو أنه
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص235 وإمتاع الأسماع ج7 ص166 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص120 وتاريخ الخميس ج1 ص426 عن المنتقى.
2- أنساب الاشراف ج1 ص317 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص232 والسيرة الحلبية ج2 ص220 و (ط دار المعرفة) ج2 ص492 وأعيان الشيعة ج1 ص254 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص190.
أخذه من علي، وأعطاه لمصعب.
والصحيح هو: أنه كان مع علي "عليهالسلام " في أحد، وبدر، وفي كل مشهد.
ويدل على ذلك:
1 ـ ما تقدم في غزوة بدر: من أن علياً "عليهالسلام " كان صاحب لواء رسول الله "صلىاللهعليهوآله " في بدر، وفي كل مشهد.
2 ـ عن ابن عباس، قال: لعلي بن أبي طالب "عليهالسلام " أربع ما هن لأحد: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله "صلىاللهعليهوآله ". وهو صاحب لوائه في كل زحف، وهو الذي ثبت معه يوم المهراس؛ وفر الناس، وهو الذي أدخله قبره(1) .
____________
1- المناقب للخوارزمي ص21 و 22 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص58 والإرشاد للمفيد ص48 و (ط دار المفيد) ج1 ص79 وتيسير المطالب ص49 وذخائر العقبى ص86 وبحار الأنوار ج20 ص81 وج38 ص240 و 256 ومناقب أهل البيت "عليهمالسلام " للشيرواني ص39 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1090 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص117 ونظم درر السمطين ص134 وشواهد التنزيل ج1 ص118 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص72 وكشف الغمة ج1 ص79 و 190.
وراجع: المستدرك للحاكم ج3 ص111 وتلخيصه للذهبي بهامشه، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص454 و 455 وج15 ص430 و 654 وج20 ص457 وج22 ص146 وج23 ص509 وج31 ص296 و 604 وتهذيب الكمال ج20 ص480 والوافي بالوفيات ج21 ص178 والعدد القوية ص244 وبناء المقالة الفاطمية ص133 ومنهاج الكرامة ص95 وغاية المرام ج5 ص175.
3 ـ عن ابن عباس: كان علي أخذ راية رسول الله يوم بدر.
قال [الحكم] الحاكم: وفي المشاهد كلها(1) .
4 ـ وعن مالك بن دينار: سألت سعيد بن جبير وإخوانه من القراء: من كان حامل راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله "؟!
قالوا: كان حاملها علي "عليهالسلام "(2) .
وفي نص آخر: أنه لما سأل مالك سعيد بن جبير عن ذلك غضب سعيد، فشكاه مالك إلى إخوانه من القراء، فعرفوه: أنه خائف من الحجاج.
فعاد وسأله، فقال: كان حاملها علي "عليهالسلام ".
هكذا سمعت من عبد الله بن عباس(3) .
____________
1- ذخائر العقبى ص75 والرياض النضرة المجلد الثاني، ج4 ص156 والكامل لابن عدي ج1 ص240 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص72 وينابيع المودة ج2 ص166 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص527.
2- راجع: ذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب. ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج3 ص85 وبحار الأنوار ج42 ص60.
3- راجع: المستدرك للحاكم ج3 ص137 وصححه وقال: له شاهد من حديث زنفل العرفي، وفيه طول. فلم يخرجه الحاكم، والمناقب للخوارزمي ص258 و 259 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص358 ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج3 ص85 وبحار الأنوار ج42 ص60 وأعيان الشيعة ج1 ص337.
وفي نص آخر عن مالك بن دينار قال: قلت لسعيد بن جبير: من كان صاحب راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله "؟!
قال: إنك لرخو اللبب.
فقال لي معبد الجهني: أنا أخبرك: كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي، فإذا كان القتال؛ أخذها علي بن أبي طالب "عليهالسلام "(1) .
5 ـ عن جابر، قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟!
قال: من عسى أن يحملها يوم القيامة، إلا من كان يحملها في الدنيا، علي بن أبي طالب؟!
وفي نص آخر: عبر باللواء بدل الراية(2) .
____________
1- الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج3 قسم1 ص15 و (ط دار صادر) ج3 ص25 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص524 وج32 ص343.
2- الرياض النضرة المجلد الثاني ج3 ص172 عن نظام الملك في أماليه، وكفاية الطالب ص336 وقال: ذكره محدث الشام ـ أي ابن عساكر ـ في ترجمة علي "عليهالسلام " من كتابه بطرق شتى عن جابر، وعن أنس، وكنز العمال ج15 ص119 وراجع ص135 و (ط مؤسسة الرسالة) ج13 ص136 عن الطبراني، ومناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي ص200 وعمدة القاري ج16 ص216 والمناقب للخوارزمي ص358 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليهالسلام " للكوفي ج1 ص515 وج2 ص498 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص27 وبحار الأنوار ج39 ص213 وحـديـث خيثمة ص199 وجـواهـر المطـالب لابن = = الدمشقي ج1 ص182 والمعجم الكبير للطبراني ج2 ص247 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص334 وكتاب المجروحين لابن حبان ج3 ص54 والكامل لابن عدي ج7 ص47 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص74 و 75 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص16 و 388 وميزان الإعتدال ج4 ص240 والبداية والنهاية ج7 ص371 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص19 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج15 ص552 و 553 وج23 ص297 وج30 ص224.
6 ـ ومر سعد بن أبي وقاص برجل يشتم علياً "عليهالسلام "، والناس حوله في المدينة، فوقف عليه، وقال: يا هذا، على ما تشتم علي بن أبي طالب؟!
ألم يكن أول من أسلم؟!
ألم يكن أول من صلى مع رسول الله "صلىاللهعليهوآله "؟!
ألم يكن أزهد الناس؟!
ألم يكن أعلم الناس؟!
وذكر حتى قال: ألم يكن صاحب راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله "
في غزواته؟(1) .
وظاهر كلامه: أن ذلك كان من مختصاته صلوات الله وسلامه عليه.
7 ـ عن مقسم: أن راية النبي "صلىاللهعليهوآله " كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استعر القتال كان النبي "صلىاللهعليهوآله " مما يكون تحت راية الأنصار(2) .
____________
1- المستدرك للحاكم ج3 ص500 وصححه على شرط الشيخين هو والذهبي في تلخيص المستدرك، وحياة الصحابة ج2 ص514 و 515 وشرح الأخبار ج2 ص542 وإمتاع الأسماع ج12 ص36 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج18 ص204 والإكمال في أسماء الرجال ص78. =
= وأظن أن القضية كانت مع سعد بن مالك، أبي سعيد الخدري، لأن سعد بن أبي وقاص كان منحرفاً عن أمير المؤمنين. ويشير إلى ذلك ما ذكره الحاكم في مستدركه ج3 ص499 من أن أبا سعيد قد دعا على من كان ينتقص علياً فاستجاب الله له.
2- المصنف للصنعاني ج5 ص288 ومسند أحمد ج1 ص368 والتاريخ الكبير للبخاري ج6 ص258 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليهالسلام " للكوفي ج2 ص496 ومجمع الزوائد ج5 ص321 وتاريخ مدينة دمشق ج20 ص249 والبداية والنهاية ج4 ص22 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص593 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص39 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص194 وج7 ص371 وج9 ص109 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص19 وج8 ص526 وج18 ص29 و 82 وج23 ص552 وج32 ص356 وجامع المسانيد والمراسيل ج11 ص62 وفضائل الصحابة للنسائي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص797 وراجع: فتح الباري ج6 ص89 عن أحمد عن ابن عباس بإسناد قوي.
8 ـ عن عامر: أن راية النبي "صلىاللهعليهوآله " كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وكانت في الأنصار حيثما تولوا(1) .
وقد يقال: إن هذين النصين الأخيرين لا يدلان على أن الراية كانت دائماً مع علي "عليهالسلام " بصورة أكيدة وصريحة، وإن كان قد يدعى: إن ظاهرهما هو ذلك.
9 ـ عن ثعلبة بن أبي مالك، قال: كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله " في المواطن كلها؛ فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب(2) .
10 ـ قال ابن حمزة: وهل نقل أحد من أهل العلم: أن علياً كان في
____________
1- المصنف للصنعاني ج5 ص288.
2- أسد الغابة ج4 ص20 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص525 وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج3 قسم1 ص15 و (ط دار صادر) ج3 ص25 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص343 وأنساب الأشراف ج2 ص106 ميسرة العبسي بدل سعد بن عبادة.
جيش إلا وهو أميره؟(1) .
11 ـ وفي حديث المناشدة: أن علياً "عليهالسلام " قال لأهل الشورى: نشدتكم الله، هل فيكم أحد صاحب راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله " منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبضه، غيري؟!.
قالوا: اللهم لا(2) .
وبالنسبة لخصوص واقعة أحد نقول:
1 ـ عن علي قال: إن يده كسرت يوم أحد، فسقط اللواء من يده؛ فقال رسول الله "صلىاللهعليهوآله ": دعوه في يده اليسرى، فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة(3) .
____________
1- الشافي لابن حمزة ج4 ص164.
2- المسترشد في إمامة علي "عليهالسلام " ص57 و (ط مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور) ص334 وراجع: مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص218 والإحتجاج للطبرسي ج1 ص200 وبحار الأنوار ج31 ص334 وغاية المرام ج2 ص130.
3- تاريخ الخميس ج1 ص434 والرياض النضرة المجلد الثاني ج4 ص156 عن ابن الحضرمي، وفي جواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص190 وينابيع المودة ج2 ص167 وذخائر العقبى ص75 بلفظ (ضعوه)، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص265 و 269 وج15 ص556 وج20 ص322 وج30 ص223.
2 ـ وقال الإمام الحسن المجتبى "صلوات الله وسلامه عليه" في احتجاجه بفضائل أمير المؤمنين "عليهالسلام " على معاوية، وعمرو بن العاص، والوليد الفاسق: "وأنشدكم الله، ألستم تعلمون: أنه كان صاحب راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله " يوم بدر، وأن راية المشركين كانت مع معاوية، ومع أبيه، ثم لقيكم يوم أحد، ويوم الأحزاب، ومعه راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله "، ومعك ومع أبيك راية الشرك الخ.."؟!(1) .
3 ـ قال ابن هشام: "لما اشتد القتال يوم أحد، جلس رسول الله "صلىاللهعليهوآله " تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي: أن قدم الراية.
فتقدم علي؛ فقال: أنا أبو القصم (الصحيح: القضم). فطلب أبو سعيد بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين منه البراز، فبرز إليه علي، فضربه علي فصرعه(2) .
____________
1- كفاية الطالب ص336 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص289 والغدير ج10 ص168 عنه، وأعيان الشيعة ج1 ص574 وجمهرة الخطب ج2 ص23.
2- السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص78 و (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج3 ص593 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص39 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص119 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص194 وتاريخ الخميس ج1 ص427 والبداية والنهاية لابن كثير ج4 ص22 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص19 وج18 ص29 و 82 وج23 ص552 وج30 ص149 و 150 وج32 ص356.
وهذا معناه: أنه "عليهالسلام " كان صاحب الراية العظمى، فأمره "صلىاللهعليهوآله " بالتقدم، ثم طلب منه صاحب لواء المشركين البراز، لأنه إذا سقطت الراية العظمى انكسر الجيش وانهزم.
4 ـ وقال القوشجي: في غزاة أحد جمع له الرسول "صلىاللهعليهوآله " بين اللواء والراية(1) .
5 ـ عن أبي رافع قال: كانت راية رسول الله "صلىاللهعليهوآله " يوم أحد مع علي، وراية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة(2) .
6 ـ ويظهر من بعض الروايات الفرق بين اللواء والراية، وقالوا: إن الراية كانت في يد قصي، ثم انتقلت في ولده حتى انتهت إلى النبي "صلىاللهعليهوآله "، فأعطاها رسول الله "صلىاللهعليهوآله " لعلي في غزاة ودان، وهي أول غزاة حمل فيها راية مع النبي "صلىاللهعليهوآله "، ثم لم تزل مع علي في المشاهد، في بدر وأحد.
وكان اللواء يومئذٍ في بني عبد الدار، فأعطاه رسول الله "صلىاللهعليهوآله "
____________
1- شرح التجريد للقوشجي ص 486 وكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الزنجاني) ص408 وسفينة النجاة للتنكابني ص367.
2- اللآلي المصنوعة ج1 ص365 والكامل لابن عدي ج5 ص260 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص381 وبشارة المصطفى ص287 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص132 وج32 ص343.
لمصعب بن عمير، فاستشهد، ووقع اللواء من يده، فتشوقته القبائل؛ فأخذه رسول الله "صلىاللهعليهوآله "، فدفعه إلى علي، فجمع له يومئذٍ الراية واللواء، فهما إلى اليوم في بني هاشم(1) .
ويظهر أن هذا هو مراد القوشجي من كلامه الآنف.
ونقول:
لا فرق بين اللواء والراية على الظاهر، وما ذكر آنفاً ينافي ما تقدم عن ابن عباس، وجابر، وقتادة، من أنه "عليهالسلام " كان صاحب لوائه "صلىاللهعليهوآله " في كل زحف.
وقد دلت النصوص المتقدمة على أن علياً "عليهالسلام " هو صاحب لواء رسول الله "صلىاللهعليهوآله "، وهو أيضاً صاحب رايته في المشاهد كلها.
وقد نصّ بعض أهل اللغة على عدم الفرق بين اللواء والراية(2) ، فإن
____________
1- الإرشاد للمفيد ص48 و (ط دار المفيد) ص79 وإعلام الورى ج1 ص377 وكشف الغمة ج1 ص190 وبحار الأنوار ج20 ص80 وراجع ج42 ص59 = = وأعيان الشيعة ج1 ص337 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج3 ص85 والمجالس الفاخرة للسيد شرف الدين ص280.
2- السيرة الحلبية ج2 ص147 و 148 و (ط دار المعرفة) ج2 ص348 و 382 و 736 وج3 ص137 وراجع: فتح الباري ج6 ص90 وعمدة القاري ج14 ص233 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص373
كلاً منهما عبارة عما يجعله القائد من الأقمشة في طرف رمح أو نحوه.
ونجد في كلامهم وصف اللواء بالأعظم تارة(1) ، ووصف الراية بالعظمى أيضاً(2) .
إلا أن يقال: إن مصعب بن عمير كان صاحب لواء المهاجرين، فلما استشهد في أحد صار لواؤهم إلى علي، فعلي "عليهالسلام " صاحب راية ولواء رسول الله، وهو أيضاً صاحب لواء المهاجرين. ولعل هذا هو الأظهر.
وحتى لو كان هناك فرق بين اللواء والراية، فلماذا لا يكونان معاً مع
____________
1- راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص235 وإمتاع الأسماع ج7 ص166 وحياة الصحابة ج1 ص431 وتاريخ ابن عساكر ترجمة علي "عليهالسلام " (بتحقيق المحمودي) ج1 ص110 والمنتقى.
2- راجع: الإحتجاج للطبرسي ج1 ص130 وبحار الأنوار ج20 ص233 وج29 ص144 وتفسير القمي ج2 ص189 والأصفى ج2 ص989 والصافي ج4 ص182 وج6 ص34 ونور الثقلين ج4 ص261 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص30.
وفي قول ابن أبي الحديد المعتزلي عن هزيمة الشيخين في خيبر:
وللـرايـة العظمى وقـد ذهبـا بهـا |
مـلابس ذل فـوقها وجـلابـيـ |
راجع: الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) للمعتزلي ص92 والغدير ج7 ص200 والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص377.
علي "عليهالسلام "، وتكون النصوص جميعها متوافقة، وصحيحة ومقبولة، ولذلك قال المفيد عن أحد: كانت رايـة رسول الله "صلىاللهعليهوآله " بيد أمير المؤمنين "عليهالسلام " فيها، كما كـانت بيده يوم بـدر، فصار اللواء إليه يومئذ، ففاز بالرايـة واللـواء جميعـاً، أي بعد أن كـان اللـواء في بني عبد الدار(1) .
رايتكم بأيدي شجعانكم:
وقد روي: أن علياً "عليهالسلام " خطب جيشه في صفين، فكان مما قال: "ورايتكم فلا تميلوها، ولا تخلوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم، والمانعين الذمار(2) منكم، فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم، ويكتنفون حفافيها(3) ، ووراءها وأمامها، ولا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها.."(4) .
____________
1- الإرشاد ج1 ص78 وبحار الأنوار ج20 ص79 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص299 وكفاية الطالب ص335 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص65 وإعلام الورى ص139 وأعيان الشيعة ج1 ص254.
2- الذمار: ما يجب على الرجل أن يحميه، وسمي ذماراً، لأنه يوجب على أهله التذمر، أي الغضب له.
3- الحقائق: الشدائد حفافيها: جانباها.
4- نهج البلاغة (بشرح عبده) الخطبة رقم 124 ج2 ص2 وصفين للمنقري ص235 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص60 و 96 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص44 و 71 والكافي ج5 ص39 والفتوح ج3 ص73 وبحار الأنوار ج33 ص455 وج32 ص563 و 367 وج97 ص40 والإرشاد للمفيد ج1 ص266 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص123 و 127 وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهمالسلام " للنجفي ج7 ص10 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج8 ص3
وفي نص آخر عنه "عليهالسلام ": "فإن المانع للذمار عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ، الذين يحفون براياتهم، ويضربون حفافيها وأمامها"(1) .
ونقول:
1 ـ من الواضح: أن الراية العظمى، واللواء الأعظم نقطة الإرتكاز، وعنوان الثبات ورمز الاستمرار، ومحط الأنظار، ومنتهى همم الأعداء، وعليها تأتلف قلوب الأولياء.
من أجل ذلك.. جاء التوجيه القوي والحاسم، والدقيق والحازم، أن الراية لا يحملها إلا الشجعان، ولكن لا لمجرد الشجاعة، فإنها وحدها لا تكفي، بل لا بد أن تنطلق من خصوصيةٍ في الروح، وفي القناعة والوعي، وفي المشاعر والأحاسيس، وهي أن يكون هذا الشجاع ممن يحمي الذمار، بمعنى: أن رصيده ليس مجرد إقدامه على المخاطر، حتى لو كان ذلك ينشأ
____________
1- الكافي ج5 ص41 وبحار الأنوار ج32 ص564 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص96 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص124 ونهج السعادة ج8 ص344 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 ص11.
عن انقياد أعمى، ومن دون وعي.
بل هو نتيجة الإيمان بقضية يرى أنه لا مجال للسماح بالمساس بها.. فتكون تضحيته، وإقدامه وإحجامه بها، ومن أجلها ومن خلالها.
وهذا هو ما عناه "عليهالسلام " بقوله: إن حامل الراية لا بد أن يكون من المانعين للذمار، ولا يكفي مجرد الشجاعة وخوض المخاطر، ولو من دون هدف، أو من دون وعي.
2 ـ ثم بين "عليهالسلام " طريقة التعاطي مع هذه الراية.. إذ لا يكفي أن يحملها أحد الشجعان، وحماة الذمار، وانتهى الأمر، بل هناك مسؤولية تترتب على الآخرين تجاه هذه الراية، وهو أن يحفوا بها من جميع الجهات، لصيانتها ليس فقط من مجرد السقوط، بل صيانتها من أن تهتز، لأن إهتزازها سوف يهز قلوب الأولياء خوفاً ورعباً، وسيدعوهم ذلك للإحساس بالضعف، وربما يؤدي إلى التردد أو التباطؤ في بذل الجهد، وسيهز قلوب الأعداء فرحاً وإستبشاراً وتوثباً، وسيعطيهم جرعة من الشجاعة والإقدام، والإمعان في التشدد في مواجهة أهل الإيمان..
3 ـ من أجل ذلك كان لا بد أن تتوفر في هؤلاء الحماة صفات وميزات خاصة، تؤهلهم للقيام بهذا الواجب، وهو أن يكونوا من الصابرين على نزول الحقائق، وحلول الشدائد، لأن محيط هذه الراية لا بد أن يكون مستهدفاً بشدة من قبل الأعداء، وسيكون الوصول إليها، والإخلال بها هو منتهى همهم، وغاية جهدهم.. وسوف تتوالى حملاتهم عليها، فتمس الحاجة
إلى الصبر والتحمل للمشقات في طول الزمان..
وقد قلنا آنفاً: إن المطلوب في حامل الراية هو الشجاعة، وحماية الذمار.. والشجاعة هي الإقدام على المخاطر والأهوال.. لكن صبر الشجاع قد ينفد، فيندفع للتخلص مما هو فيه إلى إيجاد وضع جديد.
أما الذين يحمون هذه الراية فهم بحاجة إلى أمرين:
أحدهما: الصبر على الشدائد مهما طال الأمر.
الثاني: أن ينطلق هذا الصبر من مواجهة الحقائق، وإدراكها، وشعورهم بلزوم تحمل المسؤولية تجاهها..
ولأجل ذلك جاء التعبير عن الشدائد بكلمة الحقائق، ليشير إلى أن هذه الشدائد هي الوضع الطبيعي لمن يكون لديه قضية يريد أن يقوم بواجباته تجاهها، وعليه مسؤولية لا بد له من القيام بها..
4 ـ ثم بين "عليهالسلام " مواقع وجود هؤلاء الحماة، فذكر أنهم لا بد أن يحفظوا رايتهم من جميع الجهات، بصورة عملية وفعلية، فيكونون أمامها ووراءها، وفي كل جانب من جوانبها، بل وعلى كل حافة يمكن أن تكون لها.. ولا يكفي تقدير أن يأتيهم العدو من جهة بعينها، وهي الجهة التي يرونه موجوداً فيها.. إذ قد يأتيهم من جهة لم تخطر لهم على بال، إذ من مأمنه يؤتى الحذر.
5 ـ وآخر ما نشير إليه هنا: أنه "عليهالسلام " قد بين موضع الراية أيضاً، فذكر أنها يجب أن تكون في قلب هذا الحضور العسكري الكثيف، وأن عليهم أن لا يتأخروا عنها، فيبادرها العدو بالضربة القاضية، قبل أن يتمكن حماتها من الوصول إليها..
كما أن عليهم أن لا يتقدموا عليها، فقد ينقض عليها كمين للأعداء، أو يلحق بها لاحق منهم، فيستغل انفرادها، ويورد بها ضربته، قبل أن يعرف المتقدمون عليها ما جرى لها، وقبل أن يتمكنوا من اتخاذ مواقع قتالية تمكنهم من استنقاذها، أو إبعاد الخطر عنها..
علماً بأن مجرد تعرضها لأي إهتزاز أو ضعف أو خطر ممنوع، كما قلنا في البداية.