• البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20371 / تحميل: 5454
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 3

مؤلف:
العربية

ابنتهم؛ فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها(1) .

وفي البخاري وغيره أيضاً، عن المسور: أن فاطمة أتت رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " فقالت: يزعم قومك: أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل.

فسمعته حين تشهد يقول: إني أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسوءها. والله، لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد، فترك علي الخطبة(2) .

وفي رواية أخرى لمسلم والبخاري وغيرهما، أن المسور قال: سمعت

____________

1- ذخائر العقبى ص37 والعمدة لابن البطريق ص385 وبحار الأنوار ج29 ص336 وصحيح مسلم ج7 ص141 وسنن ابن ماجة ج1 ص644 وشرح مسلم للنووي ج16 ص2 ونهج الإيمان لابن جبر ص623 ونظم درر السمطين ص176 وسفينة النجاة للتنكابني ص168 وراجع: مطالب السؤول ص36.

2- ذخائر العقبى ص38 ومسند أحمد ج4 ص326 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص212 وصحيح مسلم ج7 ص142 وسنن ابن ماجة ج1 ص644 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص308 وفتح الباري ج9 ص286 وعمدة القاري ج16 ص230 ومسند أبي يعلى ج13 ص134 والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص73 والمعجم الكبير للطبراني ج20 ص18 ومسند الشاميين ج4 ص164 وفضائل سيدة النساء لابن شاهين ص34 وأسد الغابة ج5 ص419 وسير أعلام النبلاء ج2 ص133 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص30.

٦١

رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " على المنبر وهو يخطب في ذلك، وأنا محتلم، فقال: إن فاطمة مني، وأنا أخاف أن تفتن في دينها..

إلى أن قال: وإني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً، ولكن والله، لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله مكانا واحداً أبداً(1) .

وذكر مصعب الزبيري: أن علياً خطب جويرية(2) بنت أبي جهل، فشق ذلك على فاطمة، فأرسل إليها عتّاب: أنا أريحك منها؛ فتزوجها؛ فولدت له عبد الرحمن بن عتاب(3) .

وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم: أن رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " كان يغار لبناته غيرة شديدة، كان لا ينكح بناته على ضرة(4) .

____________

1- ذخائر العقبى ص37 ومسند أحمد ج4 ص326 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص47 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج7 ص141 وسنن أبي داود ج1 ص459 وعمدة القاري ج15 ص33 وصحيح ابن حبان ج15 ص407 وكنز العمال ج12 ص106 وأسد الغابة ج4 ص366 وسير أعلام النبلاء ج3 ص392.

2- ويقال: اسمها العوراء. ويقال: جرهمة. ويقال: جميلة. ويقال: الحيفاء. راجع فتح الباري ج7 ص68.

3- تهذيب الكمال ج19 ص284 وتهذيب التهذيب ج7 ص83.

4- سيرة ابن إسحاق ج5 ص237 والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص75 وأسد الغابة ج5 ص521. =

= وراجع هذه النصوص المتقدمة في: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف. وكتاب الخمس، وكتاب المناقب، وصحيح مسلم ج7 ص141 وفي فضائل فاطمة، ومسند أحمد ج4 ص328 وحلية الأولياء ج2 ص40 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص64 والمستدرك للحاكم ج3 ص158 و 159 وغوامض الأسماء المبهمة ص340 و 341 وسنن ابن ماجة ج1 ص616 وأسد الغابة ج5 ص521 والمصنف للصنعاني ج7 ص301 و 302 و 300 بعدة نصوص، وفي هامشه عن عدد من المصادر، ونسب قريش ص87 و 312 وفتح الباري ج7 ص6 وج9 ص286 وتهذيب التهذيب ج7 ص90 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص88 و 51 وج4 ص64ـ 66 ومحاضرة الأدباء المجلد الثاني ص234 والسيرة الحلبية ج2 ص208 وتلخيص الشافي ج2 ص276 ونقل عن سنن أبي داود ج2 ص326 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص4 ونزل الأبرار ص82 و 83 وفي هامشه عن صحيح البخاري ج2 ص302 و 189 وج3 ص265 وعن الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص698.

٦٢

وعند الحاكم: أن علياً خطب بنت أبي جهل؛ فقال له أهلها: لا نزوجك على فاطمة(1) .

وعند الطبراني: أنه "عليه‌السلام " خطب أسماء بنت عميس؛ فأتت فاطمة إلى النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " فقالت: إن أسماء بنت عميس متزوجة علياً.

____________

1- المستدرك للحاكم ج3 ص159 وفتح الباري ج9 ص286.

٦٣

فقال: ما كان له أن يؤذي الله ورسوله(1) .

وقد نظم مروان بن أبي حفصة هذه القصة في قصيدة يمدح بها الرشيد، فكان مما قال:

وسـاء رسـول الله إذ سـاء بـنـتـه

بـخطـبتـه بـنـت اللعين أبي جهل

فـذم رسـول الله صـهـر أبيكــم

على منبر بالمنطق الصادع الفصل(2)

المناقشة:

ونحن نعتقد ـ كما يعتقد ابن شهراشوب(3) ـ: أنه لا ريب في كذب هذه الرواية، وذلك استناداً إلى ما يلي:

أولاً: إن الروايات مختلفة ومتناقضة، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة وذلك يسقط شطراً وافراً منها عن الإعتبار.

ثانياً: ما جاء في هذه الروايات لا ينسجم مع ما تقدم في بحث تكنية

____________

1- المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص139 والمعجم الكبير للطبراني ج22 ص405 وج24 ص153 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص365 ومجمع الزوائد ج9 ص203 والآحاد والمثاني ج5 ص363 والدر المنثور ج5 ص215 وفتح القدير ج4 ص300 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص45.

2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص65 والفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج1 ص89.

3- راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص4.

٦٤

علي "عليه‌السلام " بأبي تراب: من أنه لم يسؤ فاطمة قط.

ثالثاً: حديث بريدة عن علي "عليه‌السلام " في غزوة بني زبيد(1) يكذب هذه الأسطورة، حيث حصلت لعلي جارية من أفضل السبي في الخمس، فخرج عليهم ورأسه يقطر، فسألوه فأخبرهم أنه وقع بها.

فأرسل خالد بريدة إلى رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بكتاب يشتكيه فيه.. فغضب رسول الله غضباً لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: يا بريدة، أحب علياً، فإنه يفعل ما آمره.

وفي نص آخر: أن بريدة صار يقرأ الكتاب على رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، فأمسك "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بيده، وقال: يا بريدة، أتبغض علياً؟!

قال: نعم.

فقال: لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة(2) .

____________

1- ذكرنا هذه الغزوة وهذا الحديث في كتابنا الصحيح من سيرة النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ج26 فصل: علي "عليه‌السلام " في اليمن، وناقشنا ما جرى فيها فراجع.

2- راجع: مجمع الزوائد ج9 ص128 عن الطبراني، وخصائص أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للنسائي ص102 و 103 ومشكل الآثار ج4 ص160 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص110 ومسند أحمد ج5 ص359 و 350 و 351 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وقال: رواه البخاري في الصحيح، وحلية الأولياء ج6 ص294 ومعرفة السنن والآثار ج5 ص156 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص194= = وأسد الغابة ج1 ص176 وتهذيب الكمال ج20 ص460 وسنن الترمذي ج5 ص632 و 639 وكنز العمال ج15 ص124 و 125 و 126 ـ 271 والمناقب للخوارزمي ص92 ونيل الأوطار ج7 ص110 والعمدة لابن البطريق ص275 وعمدة القاري ج18 ص6 وتحفة الأحوذي ج10 ص144 ونهج السعادة ج5 ص283 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص88 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص236 والمستدرك للحاكم ج3 ص110 و 111 على شرط مسلم، وتلخيص المستدرك للذهبي (بهامشه) وسكت عنه، والبداية والنهاية ج7 ص344 و 345 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص380 عن أحمد والترمذي، وأبي يعلى وغيره بنصوص مختلفة. والغدير ج3 ص216 عن بعض من تقدم، وعن: نزل الأبرار للبدخشي ص22 والرياض النضرة ج3 ص129 و 130 وعن مصابيح السنة للبغوي ج2 ص257. والبحر الزخار ج6 ص435 وجواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار للصعدي (مطبوع بهامش المصدر السابق) نفس الجلد والصفحة، عن البخاري والترمذي. وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص86 وج16 ص453 وج21 ص532 وج2 ص275 و 276 و 277 و 278 وج30 ص278.

٦٥

وفي نص ثالث: أن عمر شجع بريدة على الشكوى قائلاً له: "امضِ لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي"(1) .

____________

1- الإرشاد للشيخ المفيد ج1 ص161 وبحار الأنوار ج21 ص358 وكشف اليقين ص150 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص98.

٦٦

على أننا لا نكاد نثق بصحة الفقرة التي تقول: إن علياً "عليه‌السلام " أخبرهم بأنه دخل بتلك الوصيفة، فلعلهم هم تخيلوا ذلك، فقد ورد: أن النساء محرمة على علي "عليه‌السلام " في حياة فاطمة "عليها‌السلام "(1) .

إلا أن يقال: المراد تحريم الزواج الدائم عليه.. أو باستثناء ما كان بأمر ورضى من الله ورسوله، أو طلب من الزهراء لمصلحة تقتضي ذلك.

رابعاً: حين قال ابن عباس لعمر: إن علياً "عليه‌السلام " "ما غير ولا بدل، ولا أسخط رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " أيام صحبته له.

قال عمر: ولا في ابنة أبي جهل، وهو يريد أن يخطبها على فاطمة "عليها‌السلام "؟!

فأصر ابن عباس على أنه لم يعزم على إسخاط النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

1- تهذيب الأحكام للطوسي ج7 ص475 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص330 و (ط المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة 1956م) ج3 ص110 وبشارة المصطفى ص306 والأمالي للطوسي ج1 ص42 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص64 وبحار الأنوار ج43 ص16 و 153 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص7 وعوالم العلوم ج11 ص387 و 66 ومستدرك الوسائل ج2 ص42 وراجع: فتح الباري ج9 ص287 ومجمع النورين ص23 والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " للهمداني ص231 واللمعة البيضاء ص201 والأسرار الفاطمية ص431 والحدائق الناضرة ج23 ص108.

٦٧

ولكنها الخواطر لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه إلخ..(1) .

فابن عباس لم يستطع أن يواجه الخليفة بتكذيبه في قصة بنت أبي جهل، فبين له أنه مجرد خاطر، ولم يفعل شيئاً أكثر من ذلك، فصدقه عمر..

بل إن ابن عباس أورد كلاماً مبهماً لم يصرح فيه بأن هذا الخاطر قد راود علياً "عليه‌السلام ". بل قال: إن الخواطر تراود الناس. ولكن هل راودت علياً أم لا؟! لم يصرح ابن عباس بهذا.. وإن كان كلامه يوحي به..

خامساً: تقول الرواية: إنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " قال في خطبته: "إني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً".. ثم هو يفرض على علي "عليه‌السلام " أن يطلق ابنته إن أراد التزويج ببنت أبي جهل. مع أن الله لم يجعل لأبي الزوجة الحق في أن يفرض على صهره طلاق ابنته كما لم يجعل للزوجة أن تفرض عليه ذلك.

ولا أن يفرض على صهره عدم الزواج بالثانية، إذا كان الله قد أحل ذلك له في قوله تعالى:( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص50 والدر المنثور ج4 ص309 وكنز العمال ج13 ص454 وتفسير الآلوسي ج16 ص270 ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج5 ص229 وفلك النجاة لفتح الدين الحنفي ص167 والتحفة العسجدية ص145 وحياة الصحابة ج3 ص249 عن الموفقيات، وقاموس الرجال ج6 ص25 وتفسير الميزان ج14 ص228.

٦٨

وَرُبَاعَ ) (1) .

فإن قيل: لعله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " استعمل ولايته في هذا المورد على علي "عليه‌السلام "، فإنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

فيجاب:

ألف: لو استعمل ولايته في ذلك لكان ينبغي أن يستعملها أيضاً في أمر الطلاق، فيطلقها منه أيضاً بحسب ولايته، ولا يترك ذلك له، فإن من يعصيه في أمر الزواج يعصيه في أمر الطلاق أيضاً.

ب: إن التعليل الذي ذكره "صلى‌الله‌عليه‌وآله " لمنعه علياً من التزويج يدل على أن ما فعله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " لم يكن تصرفاً ولائياً، لأنه ذكر علةً يوجب تعميمها وجوب طلاق الكثيرين، اذا كان الزواج يوجب اجتماع بنت عدو الله، وبنت ولى الله.

سادساً: إذا كانت لفاطمة خصوصية هي عدم جواز التزويج بالثانية معها، فقد كان يكفي أن يخبره النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بهذا الحكم بينه وبينه، ولم يكن علي "عليه‌السلام " بالرجل الذي يتعمد مخالفة حكم الله سبحانه.. لا سيما وأن آية التطهير تنص على أنه طاهر مطهر من الرجس، ومنه مخالفة أحكام الله تعالى.. فما معنى أن يبادر إلى فضحه، وإهانته بهذه الطريقة؟!.

سابعاً: ألم يكن لدى علي من أدب المعاشرة مع رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ما يدعوه إلى استئذانه في هذا الأمر ولو بمقدار ما كان لدى بني

____________

1- الآية 3 من سورة النساء.

٦٩

المغيرة، حيث جاءوا ليستأذنوا رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " في تزويج ابنتهم؟!

ثامناً: ما معنى القول المنسوب إليه "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": "لا تجتمع بنت عدو الله، وبنت رسول الله عند رجل"؟!

وهم يدعون: أن عثمان قد تزوج بنتي رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " (وإن كنا نحن نقول: أنهن لسن بناته على الحقيقة) وقد جمع بين أحداهما وبين فاطمة بنت الوليد، ورملة بنت شيبة، وأم البنين بنت عيينة.. وهن بنات أعداء الله.

تاسعاً: المعيار هو إيمان نفس المرأة التي يريد أن يتزوجها فإن كانت مؤمنة فلا مانع من الجمع بينهما وبين مؤمنة أخرى.. ولا دخل للأبوين في ذلك.. بل أن النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " نفسه قد جمع بين بنات أعداء الله، وهن اللواتي كان أباؤهن مشركين أو ماتوا على الشرك، وبين بنات أناس دخلوا في الإسلام.

عاشراً: ما نسب إليه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " من أنه قال عن ابنته: "إني أخاف أن تفتن في دينها". يتضمن إنتقاصاً لمقام فاطمة في إيمانها ويقينها، وإقراراً بضعف هذا الإيمان، الى حد ان مجرد تزويج علي "عليه‌السلام " بامرأة أخرى يجعلها مظنة الخروج من الدين، حتى كأنها لم تسمع قول أبيها: "جدع الحلال أنف الغيرة"(1) .

____________

1- محاضرات الأدباء، المجلد الثاني ص234 ووفيات الأعيان ج3 ص476.

٧٠

حادي عشر: قال السيد المرتضى: "أين كان أعداؤه "عليه‌السلام " من بني أمية وشيعتهم عن هذه الفرصة المنتهزة؟! وكيف لم يجعلوها عنواناً لما يتخرصونه من العيوب والقروف؟! وكيف تمحلوا الكذب، وعدلوا عن الحق"؟!(1) .

ثاني عشر: تزعم الرواية: أنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " وصف بنت أبي جهل على المنبر بقوله: "بنت عدو الله".. مع أنهم يروون أنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " منع الناس من أن يقولوا لعكرمة أخيها: إنه "ابن عدو الله"، معللاً ذلك بأن "سب الميت يؤذي الحي"(2) .

ثالث عشر: لقد ولد المسور بن مخرمة، المعروف بتعصبه ضد علي "عليه‌السلام " في السنة الثانية من الهجرة، فما معنى قوله: إنه سمع النبي

____________

1- راجع: تلخيص الشافي ج2 ص276 ـ 279 وتنزيه الأنبياء للسيد المرتضى ص168 و (ط دار الأضواء) ص220.

2- المستدرك للحاكم ج3 ص241 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1082 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج18 ص10 وكنز العمال ج11 ص741 وج13 ص542 وتاريخ مدينة دمشق ج41 ص63 وإمتاع الأسماع ج1 ص398 وج14 ص5 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص253 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص40 والوافي بالوفيات ج20 ص39 وأسد الغابة ج4 ص5 والمنتخب من ذيل المذيل ص9 وبحار الأنوار ج21 ص144 وقاموس الرجال ج6 ص325 و 326.

٧١

"صلى‌الله‌عليه‌وآله " يخطب على المنبر، وهو محتلم؟!

وأخيراً.. فقد قال السيد المرتضى "رحمه‌الله ": إن راوي هذه الأسطورة هو الكرابيسي البغدادي، صاحب الشافعي، والكرابيسي معروف بنصبه، وانحرافه عن علي أمير المؤمنين "عليه‌السلام "(1) .

تلطيف الرواية لتسويقها:

وقد حاولت بعض نصوص الرواية تلطيف نصها، وتحاشي الكثير من مواضع الإشكال، فهي تقول:

إن علياً "عليه‌السلام " خطب ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام، فاستشار علي "عليه‌السلام " رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله ".

فقال "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": أعن حسبها تسألني؟!

قال علي "عليه‌السلام ": قد أعلم ما حسبها، ولكن أتأمرني بها؟!

قال "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": لا، فاطمة بضعة مني، ولا أحب أنها تحزن أو تجزع.

قال علي "عليه‌السلام ": "لا آتي شيئاً تكرهه"(2) .

____________

1- تنزيه الأنبياء ص167 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص64 و 65.

2- المستدرك للحاكم ج3 ص158 وتحفة الأحوذي ج10 ص250 والمصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج7 ص527 وعمدة القاري ج20 ص212 وسير أعلام النبـلاء ج2 ص124 وسيرة ابن إسحـاق ج5 ص238 وكـنز العـمال ج16= = ص280 و (ط مؤسسة الرسالة) ج13 ص674 و 678 عن أبي يعلى، والمصنف للصنعاني ج7 ص301 وفتح الباري ج9 ص286 بأسناد صحيح عن الحاكم. وشرح الأخبار ج3 ص64 والذرية الطاهرة النبوية ص75.

٧٢

ونقول:

إن هذه الرواية قاصرة عن إفادة المقصود، لا سيما وأنها تشتمل على التناقض في مضمونها، إذ لا معنى للخطبة، ثم الاستشارة، فان الاستشارة تكون قبل الخطبة، لا سيما بملاحظة قوله: أتأمرني بها الخ..

كما أنها تضمنت إتهام الزهراء "عليها‌السلام " بأنها تحزن وتجزع من فعل الأمر المحلل. مع أنه حزن وجزع يرتبط بأمر شخصي يخضع للهوى، ولا بتعلق شيء من أمور الدين.

يضاف إلى ذلك كله: أن هناك ما يدل على تحريم النساء على علي "عليه‌السلام " في حياة فاطمة كرامة وإجلالاً لها "صلوات الله وسلامه عليها".. فلماذا يخالف علي "عليه‌السلام " هذا الحكم الثابت؟!.

إلا أن يقال: إنه لم يكن عالماً به، قبل هذه الحادثة. وقد علم به بعدها..

ويرد هذا القول: أنه "عليه‌السلام " باب مدينة علم الرسول "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، وهو أيضاً الإمام المعصوم الذي لا يحتمل في حقه الجهل بتكاليف نفسه.

كما أنه لو صح ذلك، لكان على النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " أن يخبره بهذا التحريم، لا أن يقول له عن فاطمة: لا أحب أن تحزن وتجزع.

٧٣

الفصل السابع :

أبناء علي والزهراء (عليهما‌السلام ):

الحسنان.. والمحسن.. (عليهم‌السلام )

٧٤

٧٥

ولادة الإمام الحسن (عليه‌السلام ) :

وولد الإمام الحسن "عليه‌السلام " في النصف من شهر رمضان المبارك في السنة الثالثة، على ما هو الأقوى.

وكان رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " قد أمرهم أن يلفوه في خرقة بيضاء فيجيء به إليه، فأخذه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " وقبله، وأدخل لسانه في فيه، يمصه إياه، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وحلق رأسه، وتصدق بوزن شعره ورقاً (أي فضة)، وطلى رأسه بالخلوق(1) .

ثم قال: يا أسماء، الدم (أي طلي رأس المولد بالدم) فعل الجاهلية(2) .

____________

1- الخلوق: نوع من الطِيب.

2- راجع: بحار الأنوار ج43 ص239 وج101 ص111 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص299 ومسند زيد بن علي ص468 ومستدرك الوسائل ج15 ص144 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص189 وعيون أخبار الرضا "عليه‌السلام " ج1 ص29 والأنوار البهية ص85 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص149 وحياة الإمام الرضا "عليه‌السلام " للقرشي ج1 ص250 وروضة الواعظين ص154 ووسائـل الشيـعـة (ط مؤسسة آل البيت) ج21 ص408 و (ط دار = = الإسلامية) ج15 ص139 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص341 وتاريخ الخميس ج1 ص418.

فيظهر: أنهم كانوا في الجاهلية يطلون رأس المولود بالدم، فهو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هنا ينهى عن ذلك.

٧٦

فأبطل ما كان من فعل الجاهلية بفعله، حيث ظل رأس المولود بالخلوق بدل الدم، وبقوله الصريح بكلمته الآنفة الذكر.

وسأل علياً "عليه‌السلام "، إن كان قد سماه.

فقال "عليه‌السلام ": ما كنت لأسبقك باسمه.

فقال "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": ما كنت لأسبق ربي باسمه.

فأوحى الله إليه: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى؛ فسمه باسم ابن هارون.

قال: وما كان اسمه؟!

قال: شبر.

قال: لساني عربي.

قال: سمه: "الحسن"، فسماه الحسن(1) .

____________

1- بحار الأنوار ج43 ص238 و 240 وعلل الشرايع ج1 ص137 و 138 ومعاني الأخبار ص57 والأمالي للصدوق ص197 والجواهر السنية للحر العاملي ص238 و 243 و 244 وإعلام الورى ج1 ص411 وغاية المرام ج2 ص75= = و 114 وشرح إحقاق الحق (المحقات) ج5 ص216 وج16 ص12 والأنوار البهية ص86 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص340 و 344 وتاريخ الخميس ج1 ص418 وغير ذلك. وليراجع مناقب ابن شهرآشوب عن مسند أحمد، وتاريخ البلاذري، وفردوس الديلمي.

ويقول بعض المحققين: إنه لم يجد في التوراة اسم شبر وشبير لابني هارون، وقد ذكرت قصة أبناء هارون مفصلاً.

٧٧

وعق "صلى‌الله‌عليه‌وآله " عنه بكبشين.

وقيل: بكبش.

وقيل: إن فاطمة "عليها‌السلام " هي التي عقت عنه، وهو بعيد، مع وجود أبيها وزوجها عليهما الصلاة والسلام.

بقي أن نشير هنا إلى ما يلي:

ألف: ذكر أسماء بنت عميس هنا:

إنه قد ورد في عدد من الروايات ذكر لأسماء بنت عميس، بمناسبة ولادة الإمام الحسن "عليه‌السلام "(1) . مع أن أسماء كانت حين ولادته

____________

1- تاريخ الخميس ج1 ص417 و 418 وذخائر العقبى، وبحار الأنوار ج43 ص239 و 255 وج101 ص111 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص299 ومسند زيد بن علي ص468 ومستدرك الوسائل ج15 ص144 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص189 وعيون أخبار الرضا "عليه‌السلام " ج1 ص29 والأنوار = = البهية ص85 ومسند الإمام الرضا "عليه‌السلام " للعطـاردي ج1 ص149 وحياة الإمام الرضا "عليه‌السلام " للقرشي ج1 ص250 وروضة الواعظين ص154 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج21 ص408 و (ط دار الإسلامية) ج15 ص139 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص341.

٧٨

"عليه‌السلام " في الحبشة، وقد أرضعت هناك ابن النجاشي، فعظمت منزلتها لدى أهل تلك البلاد(1) .

ونقول:

إن الرواة، هم الذين زادوا كلمة: "بنت عميس" تبرعاً من عند أنفسهم، جرياً على عادتهم، لأنها هي الأعرف عندهم.

والمقصود هنا: هو أسماء بنت يزيد الأنصارية، وليس هذا الإشتباه إلا في بعض الروايات، فإن رواية عيون أخبار الرضا(2) لا تحريف فيها.

وقد اشتبه الأمر على المحقق التستري هنا(3) بسبب قراءته للخبر، فإن السجاد "عليه‌السلام " يروي عن أسماء بنت عميس، وهي تروي عن أسماء

____________

1- نسب قريش لمصعب الزبيري ص81 وتهذيب الكمال ج14 ص368 والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج4 ص36 وراجع: إعلام الورى ج1 ص117.

2- الأخبار الدخيلة ص13 و 14 عن العيون ص195.

3- راجع: الأخبار الدخيلة ص13 و 14.

٧٩

بنت يزيد الأنصارية، عن فاطمة.

والكلام في الرواية تارة يكون للسجاد، فيكون مراده بنت عميس، وأخرى يكون لبنت عميس، فيكون مرادها أسماء الأنصارية.

كما أن قولها في الرواية: "فدفعته" قرأه المحقق التستري بصيغة المتكلم، على اعتبار أن التاء فيه ضمير الفاعل، مع أنها ساكنة، وهي تاء التأنيث، فراجع الرواية، وتأمل.

ب: الحسن والحسين (عليهما‌السلام ) اسمان جديدان:

ذكر البعض: أن العرب ما كانوا يعرفون اسمي: "الحسن والحسين" إلى حين تسمية النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " لهما بهما، لا الذين كانوا من ولد نزار، ولا اليمن، مع سعة أفخاذهما، وكثرة ما فيهما من الأسامي، وإنما يعرف فيها "حَسَنْ وحَسِين" على وزن سعد، وسعيد. فهما اسمان قد ادخرهما الله لهما(1) .

____________

1- مناقب آل أبي طالب ج3 ص166 وبحار الأنوار ج43 ص252 و 253 عن المناقب، عن أبي الحسين النسابة، والعوالم، (الإمام الحسين "عليه‌السلام ") ص27 وتاريخ الخميس ج1 ص418 وراجع: شرح الأخبار ج3 ص89 وذخائر العقبى ص119 وشجرة طوبى ج2 ص259 والذرية الطاهرة للدولابي ص100 وتاريخ مدينة دمشق ج13 ص171 وإمتاع الأسماع ج5 ص358 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص56 وينابيع المودة ج2 ص483 وترجمة الإمام الحسن "عليه‌السلام " من طبقات ابن سعد ص35 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج10 ص488 وج19 ص183 وج26 ص47 وليراجع أسد الغابة أيضاً.

٨٠