الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٣

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 364
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 364
ابنتهم؛ فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها(١) .
وفي البخاري وغيره أيضاً، عن المسور: أن فاطمة أتت رسول الله "صلىاللهعليهوآله " فقالت: يزعم قومك: أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل.
فسمعته حين تشهد يقول: إني أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسوءها. والله، لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد، فترك علي الخطبة(٢) .
وفي رواية أخرى لمسلم والبخاري وغيرهما، أن المسور قال: سمعت
____________
١- ذخائر العقبى ص٣٧ والعمدة لابن البطريق ص٣٨٥ وبحار الأنوار ج٢٩ ص٣٣٦ وصحيح مسلم ج٧ ص١٤١ وسنن ابن ماجة ج١ ص٦٤٤ وشرح مسلم للنووي ج١٦ ص٢ ونهج الإيمان لابن جبر ص٦٢٣ ونظم درر السمطين ص١٧٦ وسفينة النجاة للتنكابني ص١٦٨ وراجع: مطالب السؤول ص٣٦.
٢- ذخائر العقبى ص٣٨ ومسند أحمد ج٤ ص٣٢٦ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٤ ص٢١٢ وصحيح مسلم ج٧ ص١٤٢ وسنن ابن ماجة ج١ ص٦٤٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج٧ ص٣٠٨ وفتح الباري ج٩ ص٢٨٦ وعمدة القاري ج١٦ ص٢٣٠ ومسند أبي يعلى ج١٣ ص١٣٤ والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص٧٣ والمعجم الكبير للطبراني ج٢٠ ص١٨ ومسند الشاميين ج٤ ص١٦٤ وفضائل سيدة النساء لابن شاهين ص٣٤ وأسد الغابة ج٥ ص٤١٩ وسير أعلام النبلاء ج٢ ص١٣٣ وسبل الهدى والرشاد ج١١ ص٣٠.
رسول الله "صلىاللهعليهوآله " على المنبر وهو يخطب في ذلك، وأنا محتلم، فقال: إن فاطمة مني، وأنا أخاف أن تفتن في دينها..
إلى أن قال: وإني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً، ولكن والله، لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله مكانا واحداً أبداً(١) .
وذكر مصعب الزبيري: أن علياً خطب جويرية(٢) بنت أبي جهل، فشق ذلك على فاطمة، فأرسل إليها عتّاب: أنا أريحك منها؛ فتزوجها؛ فولدت له عبد الرحمن بن عتاب(٣) .
وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم: أن رسول الله "صلىاللهعليهوآله " كان يغار لبناته غيرة شديدة، كان لا ينكح بناته على ضرة(٤) .
____________
١- ذخائر العقبى ص٣٧ ومسند أحمد ج٤ ص٣٢٦ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٤ ص٤٧ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج٧ ص١٤١ وسنن أبي داود ج١ ص٤٥٩ وعمدة القاري ج١٥ ص٣٣ وصحيح ابن حبان ج١٥ ص٤٠٧ وكنز العمال ج١٢ ص١٠٦ وأسد الغابة ج٤ ص٣٦٦ وسير أعلام النبلاء ج٣ ص٣٩٢.
٢- ويقال: اسمها العوراء. ويقال: جرهمة. ويقال: جميلة. ويقال: الحيفاء. راجع فتح الباري ج٧ ص٦٨.
٣- تهذيب الكمال ج١٩ ص٢٨٤ وتهذيب التهذيب ج٧ ص٨٣.
٤- سيرة ابن إسحاق ج٥ ص٢٣٧ والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص٧٥ وأسد الغابة ج٥ ص٥٢١. =
= وراجع هذه النصوص المتقدمة في: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف. وكتاب الخمس، وكتاب المناقب، وصحيح مسلم ج٧ ص١٤١ وفي فضائل فاطمة، ومسند أحمد ج٤ ص٣٢٨ وحلية الأولياء ج٢ ص٤٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج٧ ص٦٤ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٥٨ و ١٥٩ وغوامض الأسماء المبهمة ص٣٤٠ و ٣٤١ وسنن ابن ماجة ج١ ص٦١٦ وأسد الغابة ج٥ ص٥٢١ والمصنف للصنعاني ج٧ ص٣٠١ و ٣٠٢ و ٣٠٠ بعدة نصوص، وفي هامشه عن عدد من المصادر، ونسب قريش ص٨٧ و ٣١٢ وفتح الباري ج٧ ص٦ وج٩ ص٢٨٦ وتهذيب التهذيب ج٧ ص٩٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٢ ص٨٨ و ٥١ وج٤ ص٦٤ـ ٦٦ ومحاضرة الأدباء المجلد الثاني ص٢٣٤ والسيرة الحلبية ج٢ ص٢٠٨ وتلخيص الشافي ج٢ ص٢٧٦ ونقل عن سنن أبي داود ج٢ ص٣٢٦ وراجع: مناقب آل أبي طالب ج١ ص٤ ونزل الأبرار ص٨٢ و ٨٣ وفي هامشه عن صحيح البخاري ج٢ ص٣٠٢ و ١٨٩ وج٣ ص٢٦٥ وعن الجامع الصحيح للترمذي ج٥ ص٦٩٨.
وعند الحاكم: أن علياً خطب بنت أبي جهل؛ فقال له أهلها: لا نزوجك على فاطمة(١) .
وعند الطبراني: أنه "عليهالسلام " خطب أسماء بنت عميس؛ فأتت فاطمة إلى النبي "صلىاللهعليهوآله " فقالت: إن أسماء بنت عميس متزوجة علياً.
____________
١- المستدرك للحاكم ج٣ ص١٥٩ وفتح الباري ج٩ ص٢٨٦.
فقال: ما كان له أن يؤذي الله ورسوله(١) .
وقد نظم مروان بن أبي حفصة هذه القصة في قصيدة يمدح بها الرشيد، فكان مما قال:
وسـاء رسـول الله إذ سـاء بـنـتـه |
بـخطـبتـه بـنـت اللعين أبي جهل |
|
فـذم رسـول الله صـهـر أبيكــم |
على منبر بالمنطق الصادع الفصل(٢) |
المناقشة:
ونحن نعتقد ـ كما يعتقد ابن شهراشوب(٣) ـ: أنه لا ريب في كذب هذه الرواية، وذلك استناداً إلى ما يلي:
أولاً: إن الروايات مختلفة ومتناقضة، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة وذلك يسقط شطراً وافراً منها عن الإعتبار.
ثانياً: ما جاء في هذه الروايات لا ينسجم مع ما تقدم في بحث تكنية
____________
١- المعجم الأوسط للطبراني ج٥ ص١٣٩ والمعجم الكبير للطبراني ج٢٢ ص٤٠٥ وج٢٤ ص١٥٣ ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص٣٦٥ ومجمع الزوائد ج٩ ص٢٠٣ والآحاد والمثاني ج٥ ص٣٦٣ والدر المنثور ج٥ ص٢١٥ وفتح القدير ج٤ ص٣٠٠ وسبل الهدى والرشاد ج١١ ص٤٥.
٢- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص٦٥ والفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج١ ص٨٩.
٣- راجع: مناقب آل أبي طالب ج١ ص٤.
علي "عليهالسلام " بأبي تراب: من أنه لم يسؤ فاطمة قط.
ثالثاً: حديث بريدة عن علي "عليهالسلام " في غزوة بني زبيد(١) يكذب هذه الأسطورة، حيث حصلت لعلي جارية من أفضل السبي في الخمس، فخرج عليهم ورأسه يقطر، فسألوه فأخبرهم أنه وقع بها.
فأرسل خالد بريدة إلى رسول الله "صلىاللهعليهوآله " بكتاب يشتكيه فيه.. فغضب رسول الله غضباً لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: يا بريدة، أحب علياً، فإنه يفعل ما آمره.
وفي نص آخر: أن بريدة صار يقرأ الكتاب على رسول الله "صلىاللهعليهوآله "، فأمسك "صلىاللهعليهوآله " بيده، وقال: يا بريدة، أتبغض علياً؟!
قال: نعم.
فقال: لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة(٢) .
____________
١- ذكرنا هذه الغزوة وهذا الحديث في كتابنا الصحيح من سيرة النبي "صلىاللهعليهوآله " ج٢٦ فصل: علي "عليهالسلام " في اليمن، وناقشنا ما جرى فيها فراجع.
٢- راجع: مجمع الزوائد ج٩ ص١٢٨ عن الطبراني، وخصائص أمير المؤمنين "عليهالسلام " للنسائي ص١٠٢ و ١٠٣ ومشكل الآثار ج٤ ص١٦٠ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٥ ص١١٠ ومسند أحمد ج٥ ص٣٥٩ و ٣٥٠ و ٣٥١ والسنن الكبرى للبيهقي ج٦ ص٣٤٢ وقال: رواه البخاري في الصحيح، وحلية الأولياء ج٦ ص٢٩٤ ومعرفة السنن والآثار ج٥ ص١٥٦ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٩٤= = وأسد الغابة ج١ ص١٧٦ وتهذيب الكمال ج٢٠ ص٤٦٠ وسنن الترمذي ج٥ ص٦٣٢ و ٦٣٩ وكنز العمال ج١٥ ص١٢٤ و ١٢٥ و ١٢٦ ـ ٢٧١ والمناقب للخوارزمي ص٩٢ ونيل الأوطار ج٧ ص١١٠ والعمدة لابن البطريق ص٢٧٥ وعمدة القاري ج١٨ ص٦ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٤٤ ونهج السعادة ج٥ ص٢٨٣ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج١ ص٨٨ وسبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٣٦ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١١٠ و ١١١ على شرط مسلم، وتلخيص المستدرك للذهبي (بهامشه) وسكت عنه، والبداية والنهاية ج٧ ص٣٤٤ و ٣٤٥ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج٧ ص٣٨٠ عن أحمد والترمذي، وأبي يعلى وغيره بنصوص مختلفة. والغدير ج٣ ص٢١٦ عن بعض من تقدم، وعن: نزل الأبرار للبدخشي ص٢٢ والرياض النضرة ج٣ ص١٢٩ و ١٣٠ وعن مصابيح السنة للبغوي ج٢ ص٢٥٧. والبحر الزخار ج٦ ص٤٣٥ وجواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار للصعدي (مطبوع بهامش المصدر السابق) نفس الجلد والصفحة، عن البخاري والترمذي. وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٨٦ وج١٦ ص٤٥٣ وج٢١ ص٥٣٢ وج٢ ص٢٧٥ و ٢٧٦ و ٢٧٧ و ٢٧٨ وج٣٠ ص٢٧٨.
وفي نص ثالث: أن عمر شجع بريدة على الشكوى قائلاً له: "امضِ لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي"(١) .
____________
١- الإرشاد للشيخ المفيد ج١ ص١٦١ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٥٨ وكشف اليقين ص١٥٠ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص٩٨.
على أننا لا نكاد نثق بصحة الفقرة التي تقول: إن علياً "عليهالسلام " أخبرهم بأنه دخل بتلك الوصيفة، فلعلهم هم تخيلوا ذلك، فقد ورد: أن النساء محرمة على علي "عليهالسلام " في حياة فاطمة "عليهاالسلام "(١) .
إلا أن يقال: المراد تحريم الزواج الدائم عليه.. أو باستثناء ما كان بأمر ورضى من الله ورسوله، أو طلب من الزهراء لمصلحة تقتضي ذلك.
رابعاً: حين قال ابن عباس لعمر: إن علياً "عليهالسلام " "ما غير ولا بدل، ولا أسخط رسول الله "صلىاللهعليهوآله " أيام صحبته له.
قال عمر: ولا في ابنة أبي جهل، وهو يريد أن يخطبها على فاطمة "عليهاالسلام "؟!
فأصر ابن عباس على أنه لم يعزم على إسخاط النبي "صلىاللهعليهوآله "،
____________
١- تهذيب الأحكام للطوسي ج٧ ص٤٧٥ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٣٣٠ و (ط المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة ١٩٥٦م) ج٣ ص١١٠ وبشارة المصطفى ص٣٠٦ والأمالي للطوسي ج١ ص٤٢ ومقتل الحسين للخوارزمي ج١ ص٦٤ وبحار الأنوار ج٤٣ ص١٦ و ١٥٣ وضياء العالمين (مخطوط) ج٢ ق٣ ص٧ وعوالم العلوم ج١١ ص٣٨٧ و ٦٦ ومستدرك الوسائل ج٢ ص٤٢ وراجع: فتح الباري ج٩ ص٢٨٧ ومجمع النورين ص٢٣ والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص٢٣١ واللمعة البيضاء ص٢٠١ والأسرار الفاطمية ص٤٣١ والحدائق الناضرة ج٢٣ ص١٠٨.
ولكنها الخواطر لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه إلخ..(١) .
فابن عباس لم يستطع أن يواجه الخليفة بتكذيبه في قصة بنت أبي جهل، فبين له أنه مجرد خاطر، ولم يفعل شيئاً أكثر من ذلك، فصدقه عمر..
بل إن ابن عباس أورد كلاماً مبهماً لم يصرح فيه بأن هذا الخاطر قد راود علياً "عليهالسلام ". بل قال: إن الخواطر تراود الناس. ولكن هل راودت علياً أم لا؟! لم يصرح ابن عباس بهذا.. وإن كان كلامه يوحي به..
خامساً: تقول الرواية: إنه "صلىاللهعليهوآله " قال في خطبته: "إني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً".. ثم هو يفرض على علي "عليهالسلام " أن يطلق ابنته إن أراد التزويج ببنت أبي جهل. مع أن الله لم يجعل لأبي الزوجة الحق في أن يفرض على صهره طلاق ابنته كما لم يجعل للزوجة أن تفرض عليه ذلك.
ولا أن يفرض على صهره عدم الزواج بالثانية، إذا كان الله قد أحل ذلك له في قوله تعالى:( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٢ ص٥٠ والدر المنثور ج٤ ص٣٠٩ وكنز العمال ج١٣ ص٤٥٤ وتفسير الآلوسي ج١٦ ص٢٧٠ ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج٥ ص٢٢٩ وفلك النجاة لفتح الدين الحنفي ص١٦٧ والتحفة العسجدية ص١٤٥ وحياة الصحابة ج٣ ص٢٤٩ عن الموفقيات، وقاموس الرجال ج٦ ص٢٥ وتفسير الميزان ج١٤ ص٢٢٨.
وَرُبَاعَ ) (١) .
فإن قيل: لعله "صلىاللهعليهوآله " استعمل ولايته في هذا المورد على علي "عليهالسلام "، فإنه "صلىاللهعليهوآله " أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فيجاب:
ألف: لو استعمل ولايته في ذلك لكان ينبغي أن يستعملها أيضاً في أمر الطلاق، فيطلقها منه أيضاً بحسب ولايته، ولا يترك ذلك له، فإن من يعصيه في أمر الزواج يعصيه في أمر الطلاق أيضاً.
ب: إن التعليل الذي ذكره "صلىاللهعليهوآله " لمنعه علياً من التزويج يدل على أن ما فعله "صلىاللهعليهوآله " لم يكن تصرفاً ولائياً، لأنه ذكر علةً يوجب تعميمها وجوب طلاق الكثيرين، اذا كان الزواج يوجب اجتماع بنت عدو الله، وبنت ولى الله.
سادساً: إذا كانت لفاطمة خصوصية هي عدم جواز التزويج بالثانية معها، فقد كان يكفي أن يخبره النبي "صلىاللهعليهوآله " بهذا الحكم بينه وبينه، ولم يكن علي "عليهالسلام " بالرجل الذي يتعمد مخالفة حكم الله سبحانه.. لا سيما وأن آية التطهير تنص على أنه طاهر مطهر من الرجس، ومنه مخالفة أحكام الله تعالى.. فما معنى أن يبادر إلى فضحه، وإهانته بهذه الطريقة؟!.
سابعاً: ألم يكن لدى علي من أدب المعاشرة مع رسول الله "صلىاللهعليهوآله " ما يدعوه إلى استئذانه في هذا الأمر ولو بمقدار ما كان لدى بني
____________
١- الآية ٣ من سورة النساء.
المغيرة، حيث جاءوا ليستأذنوا رسول الله "صلىاللهعليهوآله " في تزويج ابنتهم؟!
ثامناً: ما معنى القول المنسوب إليه "صلىاللهعليهوآله ": "لا تجتمع بنت عدو الله، وبنت رسول الله عند رجل"؟!
وهم يدعون: أن عثمان قد تزوج بنتي رسول الله "صلىاللهعليهوآله " (وإن كنا نحن نقول: أنهن لسن بناته على الحقيقة) وقد جمع بين أحداهما وبين فاطمة بنت الوليد، ورملة بنت شيبة، وأم البنين بنت عيينة.. وهن بنات أعداء الله.
تاسعاً: المعيار هو إيمان نفس المرأة التي يريد أن يتزوجها فإن كانت مؤمنة فلا مانع من الجمع بينهما وبين مؤمنة أخرى.. ولا دخل للأبوين في ذلك.. بل أن النبي "صلىاللهعليهوآله " نفسه قد جمع بين بنات أعداء الله، وهن اللواتي كان أباؤهن مشركين أو ماتوا على الشرك، وبين بنات أناس دخلوا في الإسلام.
عاشراً: ما نسب إليه "صلىاللهعليهوآله " من أنه قال عن ابنته: "إني أخاف أن تفتن في دينها". يتضمن إنتقاصاً لمقام فاطمة في إيمانها ويقينها، وإقراراً بضعف هذا الإيمان، الى حد ان مجرد تزويج علي "عليهالسلام " بامرأة أخرى يجعلها مظنة الخروج من الدين، حتى كأنها لم تسمع قول أبيها: "جدع الحلال أنف الغيرة"(١) .
____________
١- محاضرات الأدباء، المجلد الثاني ص٢٣٤ ووفيات الأعيان ج٣ ص٤٧٦.
حادي عشر: قال السيد المرتضى: "أين كان أعداؤه "عليهالسلام " من بني أمية وشيعتهم عن هذه الفرصة المنتهزة؟! وكيف لم يجعلوها عنواناً لما يتخرصونه من العيوب والقروف؟! وكيف تمحلوا الكذب، وعدلوا عن الحق"؟!(١) .
ثاني عشر: تزعم الرواية: أنه "صلىاللهعليهوآله " وصف بنت أبي جهل على المنبر بقوله: "بنت عدو الله".. مع أنهم يروون أنه "صلىاللهعليهوآله " منع الناس من أن يقولوا لعكرمة أخيها: إنه "ابن عدو الله"، معللاً ذلك بأن "سب الميت يؤذي الحي"(٢) .
ثالث عشر: لقد ولد المسور بن مخرمة، المعروف بتعصبه ضد علي "عليهالسلام " في السنة الثانية من الهجرة، فما معنى قوله: إنه سمع النبي
____________
١- راجع: تلخيص الشافي ج٢ ص٢٧٦ ـ ٢٧٩ وتنزيه الأنبياء للسيد المرتضى ص١٦٨ و (ط دار الأضواء) ص٢٢٠.
٢- المستدرك للحاكم ج٣ ص٢٤١ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج٣ ص١٠٨٢ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٨ ص١٠ وكنز العمال ج١١ ص٧٤١ وج١٣ ص٥٤٢ وتاريخ مدينة دمشق ج٤١ ص٦٣ وإمتاع الأسماع ج١ ص٣٩٨ وج١٤ ص٥ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص٢٥٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص٤٠ والوافي بالوفيات ج٢٠ ص٣٩ وأسد الغابة ج٤ ص٥ والمنتخب من ذيل المذيل ص٩ وبحار الأنوار ج٢١ ص١٤٤ وقاموس الرجال ج٦ ص٣٢٥ و ٣٢٦.
"صلىاللهعليهوآله " يخطب على المنبر، وهو محتلم؟!
وأخيراً.. فقد قال السيد المرتضى "رحمهالله ": إن راوي هذه الأسطورة هو الكرابيسي البغدادي، صاحب الشافعي، والكرابيسي معروف بنصبه، وانحرافه عن علي أمير المؤمنين "عليهالسلام "(١) .
تلطيف الرواية لتسويقها:
وقد حاولت بعض نصوص الرواية تلطيف نصها، وتحاشي الكثير من مواضع الإشكال، فهي تقول:
إن علياً "عليهالسلام " خطب ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام، فاستشار علي "عليهالسلام " رسول الله "صلىاللهعليهوآله ".
فقال "صلىاللهعليهوآله ": أعن حسبها تسألني؟!
قال علي "عليهالسلام ": قد أعلم ما حسبها، ولكن أتأمرني بها؟!
قال "صلىاللهعليهوآله ": لا، فاطمة بضعة مني، ولا أحب أنها تحزن أو تجزع.
قال علي "عليهالسلام ": "لا آتي شيئاً تكرهه"(٢) .
____________
١- تنزيه الأنبياء ص١٦٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص٦٤ و ٦٥.
٢- المستدرك للحاكم ج٣ ص١٥٨ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص٢٥٠ والمصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج٧ ص٥٢٧ وعمدة القاري ج٢٠ ص٢١٢ وسير أعلام النبـلاء ج٢ ص١٢٤ وسيرة ابن إسحـاق ج٥ ص٢٣٨ وكـنز العـمال ج١٦= = ص٢٨٠ و (ط مؤسسة الرسالة) ج١٣ ص٦٧٤ و ٦٧٨ عن أبي يعلى، والمصنف للصنعاني ج٧ ص٣٠١ وفتح الباري ج٩ ص٢٨٦ بأسناد صحيح عن الحاكم. وشرح الأخبار ج٣ ص٦٤ والذرية الطاهرة النبوية ص٧٥.
ونقول:
إن هذه الرواية قاصرة عن إفادة المقصود، لا سيما وأنها تشتمل على التناقض في مضمونها، إذ لا معنى للخطبة، ثم الاستشارة، فان الاستشارة تكون قبل الخطبة، لا سيما بملاحظة قوله: أتأمرني بها الخ..
كما أنها تضمنت إتهام الزهراء "عليهاالسلام " بأنها تحزن وتجزع من فعل الأمر المحلل. مع أنه حزن وجزع يرتبط بأمر شخصي يخضع للهوى، ولا بتعلق شيء من أمور الدين.
يضاف إلى ذلك كله: أن هناك ما يدل على تحريم النساء على علي "عليهالسلام " في حياة فاطمة كرامة وإجلالاً لها "صلوات الله وسلامه عليها".. فلماذا يخالف علي "عليهالسلام " هذا الحكم الثابت؟!.
إلا أن يقال: إنه لم يكن عالماً به، قبل هذه الحادثة. وقد علم به بعدها..
ويرد هذا القول: أنه "عليهالسلام " باب مدينة علم الرسول "صلىاللهعليهوآله "، وهو أيضاً الإمام المعصوم الذي لا يحتمل في حقه الجهل بتكاليف نفسه.
كما أنه لو صح ذلك، لكان على النبي "صلىاللهعليهوآله " أن يخبره بهذا التحريم، لا أن يقول له عن فاطمة: لا أحب أن تحزن وتجزع.
الفصل السابع :
أبناء علي والزهراء (عليهماالسلام ):
الحسنان.. والمحسن.. (عليهمالسلام )
ولادة الإمام الحسن (عليهالسلام ) :
وولد الإمام الحسن "عليهالسلام " في النصف من شهر رمضان المبارك في السنة الثالثة، على ما هو الأقوى.
وكان رسول الله "صلىاللهعليهوآله " قد أمرهم أن يلفوه في خرقة بيضاء فيجيء به إليه، فأخذه "صلىاللهعليهوآله " وقبله، وأدخل لسانه في فيه، يمصه إياه، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وحلق رأسه، وتصدق بوزن شعره ورقاً (أي فضة)، وطلى رأسه بالخلوق(١) .
ثم قال: يا أسماء، الدم (أي طلي رأس المولد بالدم) فعل الجاهلية(٢) .
____________
١- الخلوق: نوع من الطِيب.
٢- راجع: بحار الأنوار ج٤٣ ص٢٣٩ وج١٠١ ص١١١ ومستدرك سفينة البحار ج٢ ص٢٩٩ ومسند زيد بن علي ص٤٦٨ ومستدرك الوسائل ج١٥ ص١٤٤ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٨٩ وعيون أخبار الرضا "عليهالسلام " ج١ ص٢٩ والأنوار البهية ص٨٥ ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج١ ص١٤٩ وحياة الإمام الرضا "عليهالسلام " للقرشي ج١ ص٢٥٠ وروضة الواعظين ص١٥٤ ووسائـل الشيـعـة (ط مؤسسة آل البيت) ج٢١ ص٤٠٨ و (ط دار = = الإسلامية) ج١٥ ص١٣٩ وجامع أحاديث الشيعة ج٢١ ص٣٤١ وتاريخ الخميس ج١ ص٤١٨.
فيظهر: أنهم كانوا في الجاهلية يطلون رأس المولود بالدم، فهو (صلىاللهعليهوآله ) هنا ينهى عن ذلك.
فأبطل ما كان من فعل الجاهلية بفعله، حيث ظل رأس المولود بالخلوق بدل الدم، وبقوله الصريح بكلمته الآنفة الذكر.
وسأل علياً "عليهالسلام "، إن كان قد سماه.
فقال "عليهالسلام ": ما كنت لأسبقك باسمه.
فقال "صلىاللهعليهوآله ": ما كنت لأسبق ربي باسمه.
فأوحى الله إليه: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى؛ فسمه باسم ابن هارون.
قال: وما كان اسمه؟!
قال: شبر.
قال: لساني عربي.
قال: سمه: "الحسن"، فسماه الحسن(١) .
____________
١- بحار الأنوار ج٤٣ ص٢٣٨ و ٢٤٠ وعلل الشرايع ج١ ص١٣٧ و ١٣٨ ومعاني الأخبار ص٥٧ والأمالي للصدوق ص١٩٧ والجواهر السنية للحر العاملي ص٢٣٨ و ٢٤٣ و ٢٤٤ وإعلام الورى ج١ ص٤١١ وغاية المرام ج٢ ص٧٥= = و ١١٤ وشرح إحقاق الحق (المحقات) ج٥ ص٢١٦ وج١٦ ص١٢ والأنوار البهية ص٨٦ وجامع أحاديث الشيعة ج٢١ ص٣٤٠ و ٣٤٤ وتاريخ الخميس ج١ ص٤١٨ وغير ذلك. وليراجع مناقب ابن شهرآشوب عن مسند أحمد، وتاريخ البلاذري، وفردوس الديلمي.
ويقول بعض المحققين: إنه لم يجد في التوراة اسم شبر وشبير لابني هارون، وقد ذكرت قصة أبناء هارون مفصلاً.
وعق "صلىاللهعليهوآله " عنه بكبشين.
وقيل: بكبش.
وقيل: إن فاطمة "عليهاالسلام " هي التي عقت عنه، وهو بعيد، مع وجود أبيها وزوجها عليهما الصلاة والسلام.
بقي أن نشير هنا إلى ما يلي:
ألف: ذكر أسماء بنت عميس هنا:
إنه قد ورد في عدد من الروايات ذكر لأسماء بنت عميس، بمناسبة ولادة الإمام الحسن "عليهالسلام "(١) . مع أن أسماء كانت حين ولادته
____________
١- تاريخ الخميس ج١ ص٤١٧ و ٤١٨ وذخائر العقبى، وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢٣٩ و ٢٥٥ وج١٠١ ص١١١ ومستدرك سفينة البحار ج٢ ص٢٩٩ ومسند زيد بن علي ص٤٦٨ ومستدرك الوسائل ج١٥ ص١٤٤ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٨٩ وعيون أخبار الرضا "عليهالسلام " ج١ ص٢٩ والأنوار = = البهية ص٨٥ ومسند الإمام الرضا "عليهالسلام " للعطـاردي ج١ ص١٤٩ وحياة الإمام الرضا "عليهالسلام " للقرشي ج١ ص٢٥٠ وروضة الواعظين ص١٥٤ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٢١ ص٤٠٨ و (ط دار الإسلامية) ج١٥ ص١٣٩ وجامع أحاديث الشيعة ج٢١ ص٣٤١.
"عليهالسلام " في الحبشة، وقد أرضعت هناك ابن النجاشي، فعظمت منزلتها لدى أهل تلك البلاد(١) .
ونقول:
إن الرواة، هم الذين زادوا كلمة: "بنت عميس" تبرعاً من عند أنفسهم، جرياً على عادتهم، لأنها هي الأعرف عندهم.
والمقصود هنا: هو أسماء بنت يزيد الأنصارية، وليس هذا الإشتباه إلا في بعض الروايات، فإن رواية عيون أخبار الرضا(٢) لا تحريف فيها.
وقد اشتبه الأمر على المحقق التستري هنا(٣) بسبب قراءته للخبر، فإن السجاد "عليهالسلام " يروي عن أسماء بنت عميس، وهي تروي عن أسماء
____________
١- نسب قريش لمصعب الزبيري ص٨١ وتهذيب الكمال ج١٤ ص٣٦٨ والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج٤ ص٣٦ وراجع: إعلام الورى ج١ ص١١٧.
٢- الأخبار الدخيلة ص١٣ و ١٤ عن العيون ص١٩٥.
٣- راجع: الأخبار الدخيلة ص١٣ و ١٤.
بنت يزيد الأنصارية، عن فاطمة.
والكلام في الرواية تارة يكون للسجاد، فيكون مراده بنت عميس، وأخرى يكون لبنت عميس، فيكون مرادها أسماء الأنصارية.
كما أن قولها في الرواية: "فدفعته" قرأه المحقق التستري بصيغة المتكلم، على اعتبار أن التاء فيه ضمير الفاعل، مع أنها ساكنة، وهي تاء التأنيث، فراجع الرواية، وتأمل.
ب: الحسن والحسين (عليهماالسلام ) اسمان جديدان:
ذكر البعض: أن العرب ما كانوا يعرفون اسمي: "الحسن والحسين" إلى حين تسمية النبي "صلىاللهعليهوآله " لهما بهما، لا الذين كانوا من ولد نزار، ولا اليمن، مع سعة أفخاذهما، وكثرة ما فيهما من الأسامي، وإنما يعرف فيها "حَسَنْ وحَسِين" على وزن سعد، وسعيد. فهما اسمان قد ادخرهما الله لهما(١) .
____________
١- مناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٦٦ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢٥٢ و ٢٥٣ عن المناقب، عن أبي الحسين النسابة، والعوالم، (الإمام الحسين "عليهالسلام ") ص٢٧ وتاريخ الخميس ج١ ص٤١٨ وراجع: شرح الأخبار ج٣ ص٨٩ وذخائر العقبى ص١١٩ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٥٩ والذرية الطاهرة للدولابي ص١٠٠ وتاريخ مدينة دمشق ج١٣ ص١٧١ وإمتاع الأسماع ج٥ ص٣٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج١١ ص٥٦ وينابيع المودة ج٢ ص٤٨٣ وترجمة الإمام الحسن "عليهالسلام " من طبقات ابن سعد ص٣٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٠ ص٤٨٨ وج١٩ ص١٨٣ وج٢٦ ص٤٧ وليراجع أسد الغابة أيضاً.