الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)22%

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342

  • البداية
  • السابق
  • 342 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18869 / تحميل: 6914
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

راعيها، وفقدت في غابات الجهالات والضلالات حافظها وحاميها.

وسيجعلهم ذلك نهبة لكل ناهب، وطعمة لكل سالب، ولن ينتفعوا بما يقدمه لهم الآخرون، لأن الآخرين لن يكونوا أحسن حالاً منهم، وليس لديهم ضمانة تجعلهم يأمنون من أن يقع من يريدون اللجوء إليه في الزلل، والخطأ، والخطل..

وسيجعلهم غير قادرين على معرفة الكثير الكثير من الحقائق والدقائق، والعلل، والمؤثرات، بل هم قد يفهمون الأمور على غير وجهها، فيقعون في فخ الجهل المركب، الذي لا يرحم، فيفهمون الخاص عاماً والعام خاصاً، والمطلق مقيداً، وعكسه، وتختلط عليهم الأمور، ويضيعون في متاهات الأهواء..

وقد روي عن الإمام الحسن (عليه‌السلام ) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه قال: "ما ولت أمة أمرها رجلاً قط، وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا.."(١) .

____________

١- أمالي الطوسي ج٢ ص١٧٢ و (ط دار الثقافة) ص٥٦٠ و ٥٦٦ والإحتجاج (ط دار النعمان) ج١ ص٢١٩ وج٢ ص٨ وبحار الأنوار ج١٠ ص١٤٣ وج٣٠ ص٣٢٣ وج٣١ ص٤١٨ وج٤٤ ص٢٢ و ٦٣ وج٦٩ ص١٥٥ وجامع أحاديث الشيعة ج١٣ ص٦٦ ومستدرك الوسائل ج٢ ص٢٤٧ وج١١ ص٣٠ والعدد القوية ص٥١ وينابيع المودة ج٣ ص٣٦٩ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج١ ص٣٣٦ وج٢ ص٢٦٢ والتعجب للكراجكي ص٥٨ وحلية الأبرار ج٢ ص٧٧ و ٨٠ ومدينة المعاجز ج٢ ص٨٧ والغدير ج١ ص١٩٨ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٤٦٧ والدر النظيم ص٥٠٠ وصلح الحسن للسيد شرف الدين ص٢٨٧.

١٦١

والدلائل على ذلك كثيرة ووفيرة.

الدنيا تعير المحاسن وتسلبها:

وهناك أحداث جليلة تُبْذَل محاولات لنسبتها إلى من أثبتت الوقائع، وتضافرت الشواهد على أنه ليس أهلاً لها، وأمور رذيلة تبذل محاولات لنسبتها إلى من هو منزه عنها..

وقد لاحظنا: كيف أنهم ينسبون فضائل علي (عليه‌السلام ) إلى غيره، مثل كونه أول من أسلم، وكونه قاتل مرحب، وغير ذلك، كما أنهم يحاولون نسبة بعض النقائص التي ابتلى بها غير علي إلى علي (عليه‌السلام )، حتى لقد ادعوا أن آية:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) (١) نزلت بحقه(٢) .

____________

١- الآية ٢٠٤ من سورة البقرة.

٢- راجع المصادر التالية: النصائح الكافية ص٧٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص٧٣ والغارات للثقفي ج٢ ص٨٤٠ وفرحة الغري لابن طاووس ص٤٧ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٣٨٤ وبحار الأنوار ج٣٣ ص٢١٥ وكتاب الأربعين للماحوزي ص٣٨٦ وخلاصة عبقات الأنوار ج٣ ص٢٦٣ وشجرة طوبى ج١ ص٩٧ والغدير ج١١ ص٣٠ وإكليل المنهج في تحقيق المطلب للكرباسي ص٢٩٠ وإحقاق الحق (الأصل) ص١٩٦ وسفينة النجاة للتنكابني ص٣٠٣ وحياة الإمام الحسين للقرشي ج٢ ص١٥٦.

١٦٢

بل لقد قالوا عنه (عليه‌السلام ): إنه لا يصلي(١) .

وهذا مصداق قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): "إذا أقبلت الدنيا على شخص أعارته محاسن غيره.. وإذا أدبرت سلبته محاسن نفسه"(٢) .

وربما يكون الهدف من نسبتها إلى هذا وذاك: تصغير شأن العظيم، وتفخيم شأن الحقير، وذلك بالتشكيك بصدور تلك الفضائل عن فاعلها الحقيقي ونسبتها إلى من يرغبون في تخصيصه بالفضائل والكرامات.. أو يراد إبعاد الشبهة عن المرتكب الحقيقي لبعض الرذائل، فينسبونها إلى من هو برئ منها، تعمداً للإساءة إليه، أو حسداً أو كيداً له، حيث يراد تلويث سمعته تارة، وإثارة الشبهة والريب في انتساب الإنجازات الكبرى التي حققها، إليه تارة أخرى..

وربما تجدهم من أجل هذا الغرض أو ذاك، وحيث لا يمكنهم الإنكار السافر ـ يكتفون بدس كلمة: وقيل: إن فلاناً هو الذي فعل هذا، أو نحو ذلك.

____________

١- المعيار والموازنة ص١٦٠ وتاريـخ الأمم والملـوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج٤ = = ص٣٠ والكامل في التاريخ ج٣ ص٣١٣ وصفين للمنقري ص٣٥٤ وبحار الأنوار ج٣٣ ص٣٦ والغدير ج٩ ص١٢٢ و ٢٩٠ والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص٧٥٢

٢- نهج البلاغة (بشرح عبده) ج٤ ص٤ وبحار الأنوار ج٧٢ ص٣٥٧ ودستور معالم الحكم لابن سلامة ص٢٥ وينابيع المودة ج٢ ص٢٣٣.

١٦٣

ونستطيع أن نورد عشرات الأمثلة على هذا الدس، غير أننا نكتفي بما يلي:

ألف: قالوا عن آية الشراء: نزلت في علي (عليه‌السلام ) في مناسبة مبيته على فراش النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وآية الشراء هي قوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (١) .

ثم قالوا: وقيل: نزلت في صهيب(٢) .

____________

١- الآية ٢٠٧ من سورة البقرة.

٢- المعجم الكبير للطبراني ج٨ ص٢٩ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج٢ ص٧٢٩ و ٧٣٢ وتفسير القرآن العظيم ج١ ص٢٥٤ ومعاني القرآن للنحاس ج١ ص١٥٢ وتفسير مقاتل ج١ ص١٠٨ وجامع البيان ج٢ ص٤٣٧ والجامع لأحكام القرآن ج٣ ص٢٠ وتفسير البيضاوي ج١ ص٤٩١ وتفسير الثوري ص٦٦ وأسباب نزول الآيات ص٣٩ و ٤٠ وتفسير الواحدي ج١ ص١٦٠ وتفسير البغوي ج١ ص١٨٢ وتفسير السمعاني ج١ ص٢٠٩ وتفسير الثعلبي ج٢ ص١٢٤ وتفسير السمرقندي ج١ ص١٦٣ والمحرر الوجيز ج١ ص٢٨١ وزاد المسير ج١ ص٢٠٣ وتفسير أبي السعود ج١ ص٢١١ والتفسير الكبير ج٥ ص٢٢٣ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص٤٠ وتفسير العز بن عبد السلام ج١ ص٢٠٤ والتسهيل لعلوم التنزيل ج١ ص٧٦ وتنوير المقباس ص٢٨ وتفسير الجلالين ص٤٣ والإتقان في علوم القرآن ج٢ ص٣٨٥ والعجاب في بيان الأسباب ج١ ص٥٢٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٣ ص٢٢٨ وتاريخ مدينة دمشق ج٢٤ ص٢٢٢ و ٢٢٩ وسير أعلام النبلاء ج٢ ص٢٢ وتاريخ المدينة لابن شبة ج٢ ص٤٨٠ وسبل الهدى والرشاد ج٦ ص٤٦ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٢ ص١٩٢ وج٣ ص١٦١ والوافي بالوفيات ج١٦ ص١٩٥ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٣٥٣ وتفسير الميزان ج٢ ص٩٩ وقاموس الرجال ج١٠ ص٣٦٠ وصفين للمنقري ص٣٢٤.

١٦٤

ب: لا شك في أن علياً (عليه‌السلام ) هو الذي قتل نوفل بن عبد الله في حرب الخندق أو لحق بهبيرة بن وهب وضربه ففلق هامته.. ولكنهم أضافوا إلى ذلك قولهم: وقيل أن الزبير فعل ذلك.. وقد ذكرنا أننا نشك في صحة ذلك عنه.

ج: ومن ذلك اهتمامهم الشديد بتبرئة أبي لبابة، وادعاء توبته مما صدر منه، أو التخفيف من وقع خيانته لله ولرسوله، حين أشار إلى بني قريظة أن لا ينزلوا على حكم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حتى لقد أنزلوا فيه الآيات، وذكروا له الكرامات، بل زعموا أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان استعمله على قتال بني قريظة، ثم لما صدرت منه الخيانة استبدله بابن حضير.. ونحن نعلم: أن علياً (عليه‌السلام ) هو الذي قاتلهم، وقتل فرسانهم، وذوي النجدة منهم..

إلا أن يكون أبو لبابة وأسيد بن حضير كانا في جملة أعيان الصحابة الذين هزمهم بنو قريظة شر هزيمة!!

د: ما ذكروه من مشاركة الزبير وغيره في ضرب أعناق بني قريظة(١) ،

____________

١- راجع: تاريخ اليعقوبي ج٢ ص٥٢ ونهاية الأرب ج١٧ ص١٩٣ وشرح بهجة المحافل ج١ ص٢٧٥ والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص١٨ وتاريخ الخميس ج١ ص٤٩٨ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٢٥٤ والسيرة الحلبية ج٢ ص٢٤٠ والمغازي للواقدي ج٢ ص٥١٣ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص٢٢ وتفسير الثعلبي ج٨ ص٢٨ وتفسير البغوي ج٣ ص٥٢٤.

١٦٥

أو إستقلال سعد بن معاذ في ذلك(١) ، مع أن العديد من العلماء يقولون: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تقدم إلى أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) بضرب أعناقهم في الخندق، فأخرجوا أرسالاً(٢) .

وفي كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عشرات الموارد التي تدخل في هذا السياق، ولكنها تبقى مجرد رذاذ من قطر، أو نقطة من نهر، أو غَرْفة من بحر.

____________

١- المغازي للواقدي ج٢ ص٥١٦.

٢- المغازي للواقدي ج٢ ص٥١٥ و ٥١٦ والإرشاد (ط دار المفيد) ج١ ص١١١ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٦٣ وكشف الغمة ج١ ص٢٠٨ وكشف اليقين ص١٣٥. وراجع: مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج١ ص٢٥٢ وإعلام الورى ص٩٣ و ٩٤ والدر النظيم ص١٦٩ وإمتاع الأسماع ج١ ص٢٤٧ ومجمع الزوائد ج٦ ص١٤٠ عن الطبراني والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص١٨ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص٢٣ والسيرة الحلبية ج٢ ص٣٤٠ و ٣٤١.

١٦٦

تصحيح خطأ:

قالوا: وكان علي (عليه‌السلام ) هو الذي ضرب في بني قريظة "أعناق اليهود، مثل حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف"(١) .

والصحيح: كعب بن أسد، لأن ابن الأشرف كان قد قتل قبل ذلك بزمان، مضافاً إلى أن ابن الأشرف كان من بني النضير، لا من بني قريظة.

إلا أن يكون مراده: أن علياً (عليه‌السلام ) هو الذي قتل ابن الأشرف أيضاً، ثم زور المزورون للتاريخ هذه الحقيقة، فنسبوا قتله إلى غير علي (عليه‌السلام )، حسداً منهم، وحقداً، وبغياً عليه.

____________

١- مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج٢ ص٩٧ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٣٥٥ وإعلام الورى ج١ ص٣٨٢ وبحار الأنوار ج٤١ ص٦٧.

١٦٧

١٦٨

الفصل السادس :

من المريسيع.. وحتى الحديبية..

١٦٩

١٧٠

١٧١

بـدايـة:

ومن الأحداث التي جرت بعد غزوة بني قريظة غزوة بني المصطلق في المريسيع، وكان لعلي (عليه‌السلام ) فيها أيضاً المقام المشهود، ونذكر هنا ما جرى في هذه الغزوة، فنقول:

أبو بكر وعمر في المريسيع؟!:

قالوا: إن راية المهاجرين كانت في المريسيع مع أبي بكر(١) .

وزعموا: أن عمر بن الخطاب كان على مقدمة الجيش في غزوة المريسيع(٢) .

ونقول:

إن هذا غير صحيح، فلاحظ ما يلي:

١ ـ إن جعل عمر مقدمة الجيش في غزوة المريسيع ربما يكون قد جاء للتشويش على علي (عليه‌السلام ) من جهة، وإعطاء شيء من الأوسمة لغيره من جهة أخرى، إذ إن من يكون على مقدمة الجيش هو رمز صمود

____________

١- راجع: عمدة القاري للعيني ج ١٣ ص ١٠٢.

٢- راجع: تاريخ الخميس ج١ ص٢٧٠.

١٧٢

الجيش، ولا بد أن يكون من الفرسان المعروفين، وممن يرهب جانبهم، ولم يكن عمر بن الخطاب كذلك، فقد كانت الخصوصية الظاهرة فيه هي فراره في المواطن، وتحاشيه مواضع الخطر في المعارك، وما جرى في أحد، ونكوصه عن عمرو بن عبد ود في الخندق، وفِراره في بني قريظة. وسيأتي أنه فر في خيبر وحنين وسواها شاهد صدق على ما قلناه.

٢ ـ قلنا أكثر من مرة: إن علياً (عليه‌السلام ) كان صاحب راية ولواء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المشاهد كلها، باستثناء تبوك، التي لم يحضرها كما سنرى.

٣ ـ قال خواند أمير: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أعطى راية المهاجرين لعلي (عليه‌السلام )، وراية الأنصار لسعد بن عبادة، وعمر على المقدمة، وعلى الميمنة زيد بن حارثة، وعلى الميسرة عكاشة بن محصن(١) .

لكن هذا النص غير سليم، فقد تقدم: أن جعل عمر بن الخطاب على المقدمة لا مجال لقبوله..

يضاف إلى ذلك: أن البعض يقول: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) استخلف زيد بن حارثة على المدينة في هذه الغزوة(٢) .

____________

١- حبيب السير ج١ ص٣٥٧.

٢- أنساب الأشراف ج١ ص٣٤٢ وإمتاع الأسماع ج١ ص٢٠٢ وج٨ ص٣٦٩ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٩٥ و الطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص٦٣ وج٣ ص٤٥ والوافي بالوفيات ج١٥ ص١٧ وتاريخ مدينة دمشق ج١٩ ص٣٥٨ والمنتخب من ذيل المذيل للطبري ص٥ وعمدة القاري ج١٣ ص١٠٢.

١٧٣

٤ ـ ذكر البعض: أن راية المهاجرين كانت مع عمار بن ياسر(١) . ونحن وإن كنا نرجح ما قاله خواند أمير من أن راية المهاجرين كانت مع علي (عليه‌السلام ). إلا أنا نقول: إن القول بأنها كانت مع عمار يضعف ادعاء أنها كانت مع أبي بكر.

أما لواء الجيش ورايته فقد كانتا مع علي أمير المؤمنين، حسبما أثبتناه في غزوتي بدر وأحد.

المقتولون من بني المصطلق:

وأما عن المقتولين من بني المصطلق، فقد:

قالوا: إن علياً (عليه‌السلام ) قتل منهم رجلين: مالكاً، وابنه(٢) .

____________

١- السيرة الحلبية ج٢ ص٢٧٩ والمغازي للواقدي ج١ ص٤٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٢٩٧ والبداية والنهاية ج٤ ص٩٢ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج٤ ص١٧٨ وإمتاع الأسماع ج١ ص٢٠٣ وج٧ ص١٦٧ وسبل الهدى والرشاد ج٤ ص٣٤٥ وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج١ ص٢٦٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج٤ ص٤٨.

٢- تاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٢٦٣ وحبيب السير ج١ ص٣٥٨ والمغازي للواقدي ج١ ص٤٠٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج٣ ص٣٠٦ والبداية والنهاية ج٤ ص١٥٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٣٠٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج٤ ص٤٨ ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص١٧٣ و ٣٥٥ وج٢ ص٣٣٣ وبحار الأنوار ج٤١ ص٦٧ و ٩٦ ونهج الحق ص٢٥٠.

١٧٤

وقتل أبو قتادة: صاحب لواء المشركين، وكان الفتح(١) .

ونحن لا نستطيع تأكيد ذلك أو نفيه، فالمغرضون يهمهم التلاعب في بعض الأمور، وقد يكون هذا منها. ولعل مالكاً كان هو صاحب لواء المشركين.

على أن ذلك لوصح، لذكروا لنا اسم صاحب لواء المشركين الذي قتله أبو قتادة للتدليل على إنجاز أبي قتادة هذا.

جويرية بنت الحارث:

وفي المريسيع سبا علي (عليه‌السلام ) جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية، ثم المصطلقية(٢) وهي التي تزوجها رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله ".

____________

١- حبيب السير ج١ ص٣٥٨ والمغازي للواقدي ج١ ص٤٠٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج٤ ص٤٨.

٢- تاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٢٦٣ ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص١٧٣ وكشف اليقين ص١٣٦ والإرشاد (ط دار المفيد) ج١ ص١١٧ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٨٩ و ٣٠٧ وراجع ص٢٨١ و ٢٩٠ و ٢٩٦ والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص٧٢ والدر النظيم ص١٧٠ وكشف الغمة ج١ ص٢٠٨ ومنهاج الكرامة ص١٦٧ ونهج الحق ص٢٥٠ وإحقاق الحق (الأصل) ص٢٠٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٣٢ ص٣٣٤ والسيرة الحلبية ج٢ ص٢٨٠.

١٧٥

وقتل (عليه‌السلام ) مالكاً وابنه(١) .

وَتَعِيَهَا أذُنٌ وَاعِيَةٌ:

وزعموا: أن آية:( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (٢) نزلت في زيد بن أرقم، في غزوة المريسيع، حيث إنه سمع عبد الله بن أبي يقول: أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يقصد بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. فأخبر زيد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بما سمع..

وفي الكشاف: ونزل فيه قوله تعالى:( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) وصار يقال لزيد: ذو الأذن الواعية(٣) .

ونقول:

____________

١- تاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٢٦٣ وكشف اليقين ص١٣٧ ونهج الحق ص٢٥٠ ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص١٧٣ و ٣٥٥ وج٢ ص٣٣٣ وبحار الأنوار ج٤١ ص٦٦ و ٩٦ وراجع المصادر المتقدمة.

٢- الآية ١٢ من سورة الحاقة.

٣- السيرة الحلبية ج٢ ص٢٩١ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٦٠٣ وسيرة مغلطاي ص٥٦.

١٧٦

إن ذلك لا يصح:

أولاً: لتناقض الروايات في من أخبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بمقالة ابن أبي، هل هو زيد بن أرقم، أو سفيان بن تيم، أو أوس بن أرقم، أو عمر بن الخطاب، وثمة تناقضات أخرى فلا بأس بمراجعتها(١) .

ثانياً: إن قوله تعالى:( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) قد نزلت قبل الهجرة في ضمن سورة الحاقة، ويقال: كان ذلك قبل أن يسلم عمر بن الخطاب(٢) .

ثالثاً: إن سياق الآيات لا يؤيد نزول الآية في زيد بن أرقم، لأن الآية تذكر ما جرى لقوم عاد وثمود، وفرعون، والمؤتفكات..

إلى أن تقول:( إِنَّا لـَمَّا طَغَى المُاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجَارِيَةِ، لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (٣) . أي تعيها أذن تحصي هذه العبر والعظات، والأحداث العظام وتحفظها.. وهذا لا ينسجم ولا ربط له بما حدث مع زيد وابن أبي، لو صح ما يقال أنه جرى بينهما..

____________

١- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ج١٢ فصل: "ليخرجن الأعز منها الأذل".

٢- الدر المنثور ج٦ ص٢٥٨ و ٢٦٠ عن البيهقي، وابن الضريس، والنحاس، وابن مردويه، والبيهقي، وأحمد، عن ابن عباس، وابن الزبير، وعمرو. وراجع: تفسير الآلوسي ج٢٩ ص٣٩ والإصابة ج٤ ص٤٨٦ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٢ ص١٧.

٣- الآيتان ١١ و ١٢ من سورة الحاقة.

١٧٧

رابعاً: روي عن علي (عليه‌السلام ) وعن بريدة، ومكحول، وأبي عمر بن الأشج، وهو عثمان بن عبد الله بن عوام البلوي، وعن ابن عباس، وأنس، والأصبغ بن نباتة، وجابر، وعمر بن علي، وأبي مرة الأسلمي:

أن هذه الآية نزلت في علي (عليه‌السلام )، وقد روى ذلك أهل السنة والشيعة على حد سواء، فراجع(١) .

____________

١- راجع هذه الروايات أو بعضها في المصادر التالية: مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص٣١٨ و ٣١٩ و ٣٦٥ وجامع البيان ج٢٩ ص٣٥ و ٣٦ ومناقـب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان ج١ ص١٩٦ و ١٤٢ و ١٥٨ وتفسير القرآن العظيم ج٤ ص٤١٣ عن ابن أبي حاتم، والطبري. وفرائد السمطين ج١ ص١٩٨ و ١٩٩ و ٢٠٠ وشواهد التنزيل ج٢ ص٣٦٠ و ٣٨٠ وفي هامشه مصادر كثيرة جداً، وترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج٢ ص٤٢٢ وحلية الأولياء ج١ ص٦٧ وكنز العمال (ط الهند) ج١٥ ص١١٩ و ١٥٧ عن ابن عساكر، وأبي نعيم في المعرفة، وعن الضياء المقدسي في المختارة، وابن مردويه، وأسباب النزول ص٣٣٩ والكشاف ج٤ ص٦٠٠ والعمدة لابن البطريق ص٢٨٩ و ٢٩٠. وراجع: مجمع الزوائد ج١ ص١٣١ وإن كان قد حذف ذيل الحديث. والتفسير الكبير ج٣٠ ص١٠٧ وكفاية الطالب ص١٠٨ و ١٠٩ و ١١٠ ولباب التأويل (مطبوع مع جامع البيان) ج٢٩ ص٣١ والجامع لأحكام القرآن ج١٨ ص٢٦٤ ومنتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج ص٤٨ والبحر المحيط ج٨ ص٣١٧ والفصول المهمة لابن الصباغ ص١٠٧ ولباب النقول ص٢٢٥ وروح المعاني ج٢٩ ص٤٣ ونور الأبصار ج٧٨ وينابيع المودة ص١٢٠. وفتح الملك العلي ص٢٢ و ٢٣ وشرح المقاصد ج٥ ص٢٩٧ والمنـاقب للخوارزمي ص٢٨٢ = = و ٢٨٣ ومحاضرات الأدباء ج١ ص٣٩ وج ٤ ص٤٤٧ ونظم درر السمطين ص٩٢ وأهل البيت لتوفيق أبي علم ص٢٢٥ و ٢٢٦ وخصائص الوحي المبين ص١٥٤ ـ ١٥٧ وكشف الغمة ج١ ص٣٢٢ ومجمع البيان ج١٠ ص٣٤٥ و ٣٤٦ وبحار الأنوار ج٣٥ ص٣٢٦ ـ ٣٣١ وغاية المرام ص٣٣٦ وأنساب الأشراف ج٢ ص١٢١ (بتحقيق المحمودي) وتفسير فرات ص٥٠٠ و ٥٠١ وتفسير البرهان ج٤ ص٣٧٥ و ٣٧٦ وفضائل الخمسة ج١ ص٢٧٢ ـ ٢٧٤ والدر المنثور ج٦ ص٢٦٠ عن ابن عساكر، وابن النجار، وابن جرير، وابن مردويه وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وسعيد بن منصور، والواحدي، وأبي نعيم، وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج٣ ص١٤٧ ـ ١٥٤ ج١٤ ص٢٢٠ و ٢٤١ وج٢٠ ص٩٢ و ٩٧ عن أكثر من تقدم وعن المصادر التالية: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص٣١٩ وج٢ ص٢٦٣ وإعراب ثلاثين سورة ص١٠٣ ومناقب مرتضوي ص٣٦ والكواكب الدرية للمناوي ص٣٩ والذريعة (للراغب) ص٩٢ وتوضيح الدلائل (مخطوط) ص١٦٩ و ٢١٠ وتاريخ مدينة دمشق ج٢ ص٤٢٣ وج ٣٦ ص٧٧ وعن لسان الميزان ج٦ ص٣٧٦ وسعد السعود ص١٠٨ وما نزل من القرآن في علي (لأبي نعيم) ص٢٦٦ و ٢٨٦ ومنال الطالب ص٨٥ وغاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام ص٧٢ ونهاية البيان في تفسير البرهان ج٨ ص٤٠ والإمام المهاجر ص١٥٨ ومطالب السؤل ص٢٠ والكشف والبيان (مخطوط) ومفتاح النجا (مخطوط) ص٤٠ و ٤١ وأرجح المطالب ص١٦١ و ١٦٠ و ٦٣ والإربعين للسيد عطاء الله (مخطوط) = = ص٢٧ وطبقات المالكية ج٢ ص٧٢ وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبدي (مخطوط) ص١٨٠ والمختار في مناقب الأخيار (مخطوط) ص٣ والروض الأزهر ص١٠٨ والكاف الشاف ص١٧٧ ومعترك الأقران في إعجاز القرآن ج٢ ص٣٦ ووسيلة النجاة ص١٣٦ و ١٥٦ والتعريف والإعلام (مخطوط) ص٦٧ ومناقب علي للعيني ص٥٥ وسمط النجوم ج٢ ص٥٠٤ وزين الفتى (مخطوط) ص٦٠٥ وجمع الجوامع ج٢ ص٣٠٨ وتفسير الثعلبي (مخطوط) ص٢٠١.

١٧٨

بل في شرح المواقف: أكثر المفسرين على أنه علي(١) .

الشانئون والحاقدون:

قال الحلبي الشافعي: "وذكر بعض الرافضة: أن قوله تعالى:( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) جاء في الحديث: أنها نزلت في علي كرم الله وجهه.

قال الإمام ابن تيمية: وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم. أي

____________

١- شرح المواقف ج٨ ص٣٧٠.

١٧٩

وعلى تقدير صحته لا مانع من التعدد"(١) .

ونقول:

١ ـ تقدم آنفاً: أن حديث نزول هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) مروي عند أهل السنة، وبطرقهم، أكثر مما هو مروي عند الشيعة. والمصادر المتقدمة، وشخصيات الرواة توضح ذلك. بل إن بعض الرواة لم يكونوا في خط علي (عليه‌السلام )، ولا من أنصاره.

٢ ـ قد عرفنا: أن أصل تصدي زيد لابن أبي مشكوك فيه.

٣ ـ إن سياق الآيات لا ينسجم مع قضية زيد.

٤ ـ إن سورة الحاقة قد نزلت قبل الهجرة.

إلا أن يدَّعى: أن هذه الآية مما تكرر نزوله.

ولكنها دعوى: تحتاج إلى شاهد، بل الشواهد المذكورة آنفاً على خلافها.

٥ ـ أضف إلى ذلك: أن هذه الدعوى لا تتنافى مع حديث نزولها في علي (عليه‌السلام ) قبل الهجرة، أو بعدها.

٦ ـ لم يذكر لنا التاريخ أياً من أهل العلم قال: إن هذا الحديث موضوع، فضلاً عن أن يكون أهل العلم قد اتفقوا على ذلك. وهذه هي الكتب والموسوعات متداولة بين أيدي جميع الناس، فليراجعها من أراد.

____________

١- السيرة الحلبية ج٢ ص٢٩١ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٦٠٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وإن أراد البيع ولا حاكم هناك ، استقلّ به ، فإن كان فوجهان لهم ، أحدهما : جواز الاستقلال ؛ لأنّه نائب عن المالك في الحفظ ، فكذا في البيع(١) .

مسألة ٣٩٤ : لو وجد بعيراً في أيّام منى في الصحراء مقلَّداً كما يُقلَّد الهدي ، لم يجز أخذه ؛ لأنّه لا يجوز مع عدم التقليد فمعه أولى.

وقال الشافعي : يأخذه ويُعرّفه أيّام منى ، فإن خاف أن يفوته وقت النحر نحره ، والأولى عنده أن يرفع إلى الحاكم حتى يأمره بنحره(٢) .

ونقل بعضهم قولاً آخَر : إنّه لا يجوز أخذه(٣) ، كما ذهبنا إليه.

ثمّ بنوا القولين على القولين فيما إذا وجد بدنة منحورة غمس ما قُلّدت به في دمها وضرب صفحة سنامها ، هل يجوز الأكل منها؟ فإن منعنا الأكل ، منعنا الأخذ هنا ، وإن جوّزنا الأكل اعتماداً على العلامة ، فكذا التقليد علامة كون البعير هدياً ، والظاهر أنّ تخلّفه كان لضعفه عن المسير ، والأُضحية المعيّنة إذا ذُبحت في وقت النحر وقع في موقعه وإن لم يأذن صاحبها(٤) .

قال الجويني : لكن ذبح الضحيّة وإن وقع في موقعه لا يجوز الإقدام عليه من غير إذنٍ(٥) .

وجوّز بعض الشافعيّة الأخذ والنحر(٦) .

ولهذا الإشكال ذهب القفّال تفريعاً على هذا القول أنّه يجب رفع

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٦.

(٢) البيان ٧ : ٤٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦.

٣٠١

الأمر إلى الحاكم لينحره(١) .

وهذا ليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ الأخذ الممنوع منه إنّما هو الأخذ للتملّك ، ولا شكّ أنّ هذا البعير لا يؤخذ للتملّك.

المطلب الثاني : في الملتقط.

مسألة ٣٩٥ : يصحّ أخذ الضالّة في موضع الجواز لكلّ بالغٍ عاقلٍ.

ولو أخذه في موضع المنع ، لم يجز ، وضمنه ، إماماً كان أو غيره ؛ لأنّه أخذ ملك غيره بغير إذنه ، ولا أذن الشارع له ، فهو كالغاصب.

وهذا الفرض في الإمام عندنا باطل ؛ لأنّه معصوم.

أمّا عند العامّة الذين لم يوجبوا عصمة إمامهم فإنّه قد يُفرض.

وكذا يُفرض عندنا في نائب الإمام.

وكذا يجوز للصبي والمجنون أخذ الضوالّ ؛ لأنّه اكتساب ، وينتزع الوليّ ذلك من يدهما ، ويتولّى التعريف عنهما سنةً ، فإن لم يأت له مالك تملّكاه وضمناه بتمليك الوليّ لهما وتضمينهما إيّاه إن رأى الغبطة في ذلك ، وإن لم يكن في تمليكهما غبطة ، أبقاها أمانةً.

مسألة ٣٩٦ : الأقرب : عدم اشتراط الحُرّيّة ، فيجوز للعبد القِنّ والمدبَّر والمكاتَب وأُمّ الولد والمعتق بعضه التقاطُ الضوالّ في موضع الجواز ؛ لأنّه اكتساب وهؤلاء من أهله وهُمْ أهلٌ للحفظ.

والأقرب : إنّه لا يشترط الإسلام ولا العدالة ، فيجوز للكافر أخذ الضالّة ، وكذا للفاسق ؛ لأنّه اكتساب وهُما من أهله.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

٣٠٢

وقال الشافعي : لا يجوز لغير الإمام وغير نائبه أخذ الضوالّ للحفظ لصاحبها ، فإن أخذها غير الامام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لزمه الضمان ؛ لأنّه لا ولاية له على صاحبها(١) .

ولأصحابه وجهٌ آخَر : إنّه يجوز أخذها لحفظها قياساً على الإمام(٢) .

واحتجّ بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مَنَع من أخذها من غير أن يفرّق بين قاصد الحفظ وقاصد الالتقاط ، والقياس على الإمام باطل ؛ لأنّ له ولايةً ، وهذا لا ولاية له(٣) .

ونحن نقول بموجبه في موضع المنع من أخذها.

أمّا لو وجدها في موضعٍ يخاف عليها فيه ، مثل أن يجدها في أرض مسبعة يغلب على الظنّ افتراس الأسد لها إن تركها فيه ، أو وجدها قريبةً من دار الحرب يخاف عليها من أهلها ، أو في موضعٍ يستحلّ أهله أخذ أموال المسلمين ، أو في برّيّة لا ماء بها ولا مرعى ، فالأولى جواز الأخذ للحفظ ، ولا ضمان على آخذها ؛ لما فيه من إنقاذها من الهلاك ، فأشبه تخليصها من غرقٍ أو حرقٍ ، وإذا حصلت في يده سلّمها إلى بيت المال ، وبرئ من ضمانها ، وله التملّك مع الضمان ؛ لأنّ الشارع نبّه على علّة عدم التملّك لها بأنّها محفوظة ، فإذا كانت في المهلكة انتفت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٥ - ٥٥٦ ، البيان ٧ : ٤٦٠ - ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٣ و ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، المغني ٦ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ - ٥٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٦ ، البيان ٧ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، المغني ٦ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٣) راجع : المغني ٦ : ٣٩٩ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

٣٠٣

العلّة.

مسألة ٣٩٧ : لو ترك دابّة بمهلكةٍ فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلّصها ، تملّكها - وبه قال الليث والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق(١) - إلّا أن يكون تركها بنيّة العود إليها فأخذها ، أو كانت قد ضلّت منه ؛ لما رواه العامّة عن الشعبي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ وجد دابّةً قد عجز عنها أهلها فسيّبوها فأخذها فأحياها فهي له »(٢) .

وفي لفظٍ آخَر عن الشعبي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « مَنْ ترك دابّةً بمهلكةٍ فأحياها رجل فهي لمَنْ أحياها »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « مَنْ أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت وقامت وسيّبها صاحبها لـمّا لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقةً حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشي‌ء المباح »(٤) .

ولأنّ القول بملكها يتضمّن إحياءها وإنقاذها من الهلاك ، وحفظاً للمال عن الضياع ، ومحافظةً على حرمة الحيوان ، وفي القول بعدم الملك‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٠ - ١٦١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٩ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٤.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٧ / ٣٥٢٤ ، سنن الدارقطني ٣ : ٦٨ / ٢٥٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٨ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٤ - ٣٥٥.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٨ / ٣٥٢٥ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٨ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٥.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٦ ، الهامش (٤)

٣٠٤

تضييع ذلك كلّه من غير مصلحةٍ تحصل ، ولأنّ مالكه نبذه رغبةً عنه وعجزاً عن أخذه ، فمَلَكه آخذه ، كالمتساقط من السنبل وسائر ما ينبذه الناس رغبةً عنه وزهداً فيه.

المطلب الثالث : في الأحكام.

مسألة ٣٩٨ : يجوز للإمام ونائبه أخذ الضالّة على وجه الحفظ لصاحبه ، ثمّ يرسله في الحمى الذي حماه الإمام لخيل المجاهدين والضوالّ ؛ لأنّ للإمام نظراً في حفظ مال الغائب ، وفي أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك ، ثمّ يُعرّفها حولاً ، فإن جاء صاحبها ، وإلّا بقيت في الحمى.

وقال أحمد : لا يلزمه تعريفها ؛ لأنّ عمر لم يكن يُعرّف الضوالّ(١) .

وفعل عمر ليس حجّةً.

وإذا عرف إنسان دابّته ، أقام البيّنة عليها وأخذها ، ولا يكفي وصفها ؛ لأنّها ظاهرة بين الناس يعرف صفاتها غير أهلها ، فلا تكون الصفة(٢) لها دليلاً على ملكه لها ، ولأنّ الضالّة قد كانت ظاهرةً للناس حين كانت في يد مالكها ، فلا يختصّ هو بمعرفة صفاتها دون غيره ، ويمكنه إقامة البيّنة عليها ؛ لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه بملكه إيّاها.

مسألة ٣٩٩ : الأقرب عندي : إنّه يجوز لكلّ أحدٍ أخذ الضالّة ، صغيرةً كانت أو كبيرةً ، ممتنعةً عن السباع أو غير ممتنعةٍ ، بقصد الحفظ لمالكها ، والأحاديث(٣) الواردة في النهي عن ذلك محمولة على ما إذا نوى بالالتقاط‌

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٢) في « ث ، خ ، ر » : « الصفات ».

(٣) منها : ما تقدّم تخريجه في الهامش (١) من ص ١٦٦.

٣٠٥

التملّك إمّا قبل التعريف أو بعده ، أمّا مع نيّة الاحتفاظ فالأولى الجواز ، كما أنّه لا يجوز للإمام ولا لنائبه أخذ ما لا يجوز أخذه على وجه التملّك.

مسألة ٤٠٠ : ما يحصل عند الإمام من الضوالّ فإنّه يُشهد عليها ويَسِمها بوَسْم أنّها ضالّة.

ثمّ إن كان له حمى ، تركها فيه إن رأى المصلحة في ذلك ، وإن رأى المصلحة في بيعها أو لم يكن له حمى ، باعها بعد أن يصفها ويحفظ صفاتها ، ويحفظ ثمنها لصاحبها ، فإنّ ذلك أحفظ لها ؛ لأنّ في تركها ضرراً على مالكها ؛ لإفضائه إلى أن تأكل جميع ثمنها.

وأمّا غير الإمام ونائبه إذا التقط الضالّة ولم يجد سلطاناً يُنفق عليها ، أنفق من نفسه ، ويرجع مع نيّة الرجوع.

وقيل : لا يرجع ؛ لأنّ عليه الحفظَ ، ولا يتمّ إلّا بالإنفاق(١) .

والأوّل أقرب ؛ دفعاً لتوجّه الضرر بالالتقاط.

ولا يبعد من الصواب التفصيلُ ، فإن كان قد نوى التملّك قبل التعريف أو بعده ، أنفق من ماله ، ولا رجوع ؛ لأنّه فَعَل ذلك لنفعه ، وإن نوى الحفظ دائماً ، رجع مع الإشهاد إن تمكّن ، وإلّا فمع نيّته.

ولو كان للّقطة نفعٌ كالظهر للركوب ، أو الحمل أو اللبن أو الخدمة ، قال الشيخرحمه‌الله : يكون ذلك بإزاء ما أنفق(٢) .

والأقرب : أن ينظر في قدر النفقة وقيمة المنفعة ، ويتقاصّان.

مسألة ٤٠١ : لا يضمن الضالّة بعد الحول إلّا مع قصد التملّك.

ولو قصد حفظها دائماً ، لم يضمن ، كما في لقطة الأموال ، إلّا مع‌

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٣ : ٢٩٠.

(٢) النهاية : ٣٢٤.

٣٠٦

التفريط أو التعدّي.

ولو قصد التملّك ، ضمن ، فإن نوى الحفظ بعد ذلك ، لم يبرأ من الضمان ؛ لأنّه قد تعلّق الضمان بذمّته ، كما لو تعدّى في الوديعة ثمّ نوى الحفظ.

ولو قصد الحفظ ثمّ نوى التملّك ، لزمه الضمان من حين نيّة التملّك.

مسألة ٤٠٢ : لو وجد مملوكاً بالغاً أو مراهقاً ، لم يجز له أخذه ؛ لأنّه كالضالّة الممتنعة يتمكّن من دفع المؤذيات عنه.

ولو كان صغيراً ، كان له أخذه ؛ لأنّه في معرض التلف ، والمال إذا كان بهذه الحال جاز أخذه ، وهو نوع منه.

وإذا أخذ عبداً صغيراً للحفظ ، لم يدفع إلى مدّعيه إلّا بالبيّنة ، ولا تكفي الشهادة على شهود الأصل بالوصف ؛ لاحتمال الشركة في الأوصاف ، بل يجب إحضار شهود الأصل ليشهدوا بالعين ، فإن تعذّر إحضارهم لم يجب نقل العبد إلى بلدهم ولا بيعه على مَنْ يحمله ، ولو رأى الحاكم ذلك صلاحاً جاز ، ولو تلف قبل الوصول أو بعده ولم يثبت دعواه ، ضمن المدّعي قيمة العبد وأجره.

مسألة ٤٠٣ : لو ترك متاعاً في مهلكةٍ فخلّصه إنسان ، لم يملكه ؛ لأنّه لا حرمة له في نفسه ولا يخشى عليه التلف كالخشية على الحيوان ، فإنّ الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى وتأكله السباع ، والمتاع يبقى إلى أن يعود مالكه إليه.

ولو كان المتروك عبداً ، لم يملكه آخذه ؛ لأنّ العبد في العادة يمكنه التخلّص إلى الأماكن التي يعيش فيها ، بخلاف البهيمة.

وله أخذ العبد والمتاع ليخلّصه لصاحبه.

وهل يستحقّ الأُجرة عن تخليص العبد أو المتاع؟ الوجه : إنّه لا يستحقّ إلّا مع الجُعْل ؛ لأنّه عمل في مال غيره بغير جُعْلٍ ، فلم يستحق شيئاً ، كالملتقط.

٣٠٧

وقال أحمد : يستحقّ الجُعْل(١) . وليس بجيّدٍ.

مسألة ٤٠٤ : ما يلقيه رُكْبان البحر فيه من السفينة خوفاً من الغرق إذا أخرجه غير مالكه ، فالأقرب : إنّه للمُخرج ، وبه قال الليث بن سعد والحسن البصري [ قال : ](٢) وما نضب عنه الماء فهو لأهله(٣) .

وقال ابن المنذر : يردّه على أربابه ، ولا جُعْل له(٤) ، وهو مقتضى قول الشافعي(٥) .

ويتخرّج على قول أحمد : إنّ لمن أنقذه أُجرة مثله(٦) .

والأقرب : ما قدّمناه ؛ لأنّه مال ألقاه أربابه فيما يتلف بتركه فيه اختياراً منهم ، فمَلَكه مَنْ أخرجه ، كالمنبوذ بنيّة الإعراض عن تملّكه.

ولو انكسرت السفينة في البحر فأُخرج بعض المتاع الذي فيها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، روى الشعيري فيه أنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن ذلك ، فقال : « أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم وهُمْ أحقّ به »(٧) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٥.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني والشرح الكبير ، وهو مقتضى ما في الإشراف على مذاهب أهل العلم.

(٣ و ٤) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦١ ، المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٥) كما في المغني ٦ : ٤٠١ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٦) المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٧) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٧ ، الهامش (٣)

٣٠٨

وقال الشافعي وابن المنذر : إذا انكسرت السفينة فأخرجه قوم ، يأخذ أصحاب المتاع متاعهم ، ولا شي‌ء للّذين أصابوه(١) .

وعلى قياس قول أحمد يكون لمستخرجه أُجرة المثل ؛ لأنّ ذلك وسيلة إلى تحصيله(٢) وحفظه لصاحبه وصيانته عن الغرق ، فإنّ الغوّاص إذا علم أنّه يُدفع إليه الأجر بادر إلى التخليص ، وإن علم أنّه يؤخذ منه بغير شي‌ءٍ لم يخاطر بنفسه في استخراجه(٣) .

مسألة ٤٠٥ : قد بيّنّا أنّه يجوز للإنسان أن يلتقط العبد الصغير وكذا الجارية الصغيرة ، ويُملك كلٌّ منهما بعد التعريف.

وقياس مذهب أحمد : إنّه لا يُملكان بالتعريف(٤) .

وقال الشافعي : يملك العبد دون الجارية ؛ لأنّ التملّك بالتعريف - عنده - كالقرض ، والجارية - عنده - لا تُملك بالقرض(٥) .

واستشكل بعض العامّة ذلك ؛ فإنّ الملقوط محكوم بحُرّيّته ، وإن كان ممّن يعبّر عن نفسه فأقرّ بأنّه مملوك لم يُقبل إقراره ؛ لأنّ الطفل لا قول له ، ولو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريف سيّده(٦) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦ - ٣٥٧.

(٢) الظاهر : « تخليصه ».

(٣) كما في المغني ٦ : ٤٠١ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٤) كما في المغني ٦ : ٤٠٢ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٩ ، البيان ٧ : ٤٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٧ ، المغني ٦ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٦) المغني ٦ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

٣٠٩

الفصل الثالث : في اللقيط‌

وفيه مطالب :

الأوّل : الأركان.

اللقيط كلّ صبي ضائع لا كافل له ، ويُسمّى منبوذاً باعتبار أنّه يُنبذ ، أي يرمى ، ويُسمّى لقيطاً ، أي ملقوطاً ، واللقيط فعيل بمعنى مفعول ، كما يقال : دهين وخضيب وجريح وطريح ، وإنّما هو مدهون ومخضوب ومجروح ومطروح ، ويُسمّى ملقوطاً باعتبار أنّه يُلقط.

إذا عرفت هذا ، فالأركان ثلاثة :

الأوّل : الالتقاط.

وهو واجب على الكفاية ؛ لاشتماله على صيانة النفس عن الهلاك ، وفي تركه إتلاف النفس المحترمة ، وقد قال الله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (١) .

ولأنّ فيه إحياء النفس فكان واجباً ، كإطعام المضطرّ وإنجائه من الغرق ، وقد قال الله تعالى :( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً ) (٢) وقال تعالى :( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (٣) .

ووجد سُنَين أبو جميلة منبوذاً فجاء به إلى عمر بن الخطّاب ، فقال :

____________________

(١) سورة المائدة : ٢.

(٢) سورة المائدة : ٣٢.

(٣) سورة الحجّ : ٧٧.

٣١٠

ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال : وجدتُها ضائعةً فأخذتُها ، فقال عريفه : إنّه رجل صالح ، فقال : كذلك؟ قال : نعم ، قال : اذهب فهو حُرٌّ ، ولك ولاؤه ، وعلينا نفقته(١) .

وهذا الخبر عندنا لا يُعوّل عليه ، والولاء عندنا لمن يتولّاه الملتقط ، فإن لم يتوال أحداً ، كان ميراثه للإمام.

وليس أخذ اللقيط واجباً على الأعيان بالإجماع وأصالة البراءة ، ولئلّا تتضادّ الأحكام ، ولأنّ الغرض الحفظ والتربية ، وذلك يحصل بأيّ واحدٍ اتّفق ، بل هو من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ولو تركه الجماعة بأسرهم أثموا بأجمعهم إذا علموا به وتركوه مع إمكان أخذه.

مسألة ٤٠٦ : ويستحبّ الإشهاد على أخذه ؛ لأنّه أصون وأحفظ ، لأنّه يحتاج إلى حفظ الحُرّيّة والنسب ، ولأنّ اللّقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف في اللقيط.

وللشافعيّة طريقان ، أحدهما : إنّه على وجهين أو قولين كما قدّمنا في اللّقطة ، والأصح : القطع بالوجوب ، بخلاف اللّقطة ، فإنّ الأصحّ فيها الاستحباب ؛ لأنّ اللقيط يحتاج إلى حفظ الحُرّيّة والنسب ، فجاز أن يجب الإشهاد عليه كما في النكاح(٢) .

والأصل عندنا ممنوع.

وحكى الجويني وجهاً ثالثاً هو : الفرق ، فإن كان الملتقط على ظاهر العدالة لم يكلّف الإشهاد ، وإن كان مستور العدالة كُلّف ليصير الإشهاد قرينةً‌

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧٣٨ / ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٧.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٧ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، البيان ٨ : ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٣.

٣١١

تغلب على الظنّ الثقة(١) .

وإذا أوجبنا الإشهاد فلو تركه لم تسقط ولاية الحضانة.

وقال الشافعي : تسقط ولاية الحضانة ، ويجوز الانتزاع(٢) .

وإذا أشهد فليشهد على الملتقط وما معه من ثيابٍ وغيرها إن كان معه شي‌ء.

الركن الثاني : اللقيط.

وقد ذكرنا أنّه كلّ صبي ضائع لا كافل له ، والتقاطه من فروض الكفايات ، فيخرج بقيد الصبي البالغ ، فإنّه مستغنٍ عن الحضانة والتعهّد ، فلا معنى لالتقاطه.

نعم ، لو وقع في معرض هلاكٍ ، أُعين ليتخلّص.

أمّا الصبي الذي بلغ سنّ التمييز فالأقرب : جواز التقاطه ؛ لحاجته إلى التعهّد والتربية ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّه لا يلتقط ؛ لأنّه مستقلٌّ ممتنع ، كضالّة الإبل ، فلا يتولّى أمره إلّا الحاكم(٣) .

وقولنا : « ضائع » نريد به المنبوذ ؛ لأنّ غير المنبوذ يحفظه أبوه أو جدّه لأبيه أو الوصي لأحدهما ، فإن لم يكن أحد هؤلاء ، نصب القاضي له مَنْ يراعيه ويحفظه ويتسلّمه ؛ لأنّه كان له كافل معلوم ، وهو أبوه أو جدّه أو وصيّهما ، فإذا فقد قام القاضي مقامه ، كما أنّه يقوم لحفظ مال الغائبين والمفقودين ، أمّا المنبوذ فإنّه يشبه اللّقطة ولهذا يُسمّى لقيطاً فلم يختصّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩.

(٢) الوسيط ٤ : ٣٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٤.

٣١٢

حفظه بالقاضي.

وقولنا : « لا كافل له » نريد به مَنْ لا أب له ولا جدّ للأب ومَنْ يقوم مقامهما ، والملتَقَط ممّن هو في حضانة أحد هؤلاء لا معنى لالتقاطه.

نعم ، لو وُجد في مضيعةٍ أُخذ ليُردّ إلى حاضنه.

الركن الثالث : الملتقِط.

مسألة ٤٠٧ : يعتبر في الملتقِط التكليف والحُرّيّة والإسلام والعدالة ، فلا يصحّ التقاط الصبي ولا المجنون.

ولو كان الجنون يعتوره أدواراً ، أخذه الحاكم من عنده ، كما يأخذه لو التقطه المجنون المطبق أو الصبي.

وأمّا العبد فليس له الالتقاط ؛ لأنّ منافعه ملك سيّده ، فليس له صَرفها إلى غيره إلّا بإذنه ، ولأنّ الالتقاط تبرّعٌ والعبد ليس من أهله ؛ إذ أوقاته مشغولة بخدمة مولاه.

ولو أذن له السيّد أو علم به فأقرّه في يده ، جاز ، وكان السيّد في الحقيقة هو الملتقِط ، والعبد نائبه قد استعان به عليه في الأخذ والتربية والحضانة ، فصار كما لو التقطه سيّده وسلّمه إليه.

وإذا أذن له السيّد ، لم يكن له الرجوع في ذلك.

أمّا لو كان الطفل في موضعٍ لا ملتِقط له سوى العبد ، فإنّه يجوز له التقاطه ؛ لأنّه تخليصٌ له من الهلاك ، فجاز ، كما لو أراد التخليص من الغرق.

ولو التقط العبد مع وجود ملتقطٍ غيره ، لم يُقر في يده ، وينتزعه الحاكم ؛ لأنّه المنصوب للمصالح ، إلّا أن يرضى مولاه ويأذن بتقريره في‌

٣١٣

يده ، فيقدَّم على الحاكم.

ولا فرق بين القِنّ والمدبَّر وأُمّ الولد والمكاتَب والمحرَّر بعضه في ذلك كلّه ؛ لأنّه ليس لأحد هؤلاء التبرّعُ بماله ولا بمنافعه إلّا بإذن السيّد.

وقال الشافعي : المكاتَب إذا التقط بغير إذن السيّد انتُزع من يده ، كالقِنّ ، وإن التقط بإذن السيّد جاء فيه الخلاف في تبرّعاته بالإذن ، لكنّ الظاهر عندهم المنع ؛ لأنّ حقّ الحضانة ولاية ، وليس المكاتَب أهلاً لها(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما.

وللشافعيّة وجهان في الـمُعتَق نصفه إذا التقط في يوم نفسه هل يستحقّ الكفالة؟(٢) .

مسألة ٤٠٨ : لا يجوز للكافر أن يلتقط الصبي المسلم ، سواء كان الكافر ذمّيّاً أو معاهداً أو حربيّاً ؛ لأنّه لا ولاية للكافر على المسلم ، قال الله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣) ولأنّه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه ويُعلّمه الكفر ، بل الظاهر أنّه يُربّيه على دينه وينشأ على ذلك كولده ، فإن التقطه لم يُقرّ في يده.

أمّا لو كان الطفل محكوماً بكفره ، فإنّه يجوز للكافر التقاطه ؛ لقوله تعالى :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٤) .

وللمسلم التقاط الطفل الكافر.

مسألة ٤٠٩ : الأقرب : اعتبار العدالة في الملتقِط ، فلو التقطه الفاسق‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥.

(٣) سورة النساء : ١٤١.

(٤) سورة الأنفال : ٧٣.

٣١٤

لم يُقر في يده ، وينتزعه الحاكم ؛ لأنّ الفاسق غير مؤتمنٍ شرعاً ، وهو ظالم ، فلا يجوز الركون إليه ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) (١) ولا يؤمن أن يبيع الطفل أو يسترقّه ويدّعيه مملوكاً له بعد مدّةٍ ، ولا يؤمن سوء تربيته له ولا يوثق عليه ويخشى الفساد به ، وهو قول الشافعي(٢) أيضاً.

ويفارق اللّقطة - حيث أُقرّت في يد الفاسق عندنا وفي أحد قولَي الشافعي(٣) - من ثلاثة أوجُه :

الأوّل : إنّ في اللّقطة معنى التكسّب ، والفاسق من أهل التكسّب ، وهاهنا لا كسب ، بل هو مجرّد الولاية.

الثاني : إنّ في اللّقطة وجوب ردّها إليه لو انتزعناها منه بعد التعريف حولاً ونيّة التملّك ليتملّكها ، فلم ننتزعها منه واستظهرنا عليه في حفظها وإن كان الانتزاع أحوط ، وهنا لا يردّ اللقيط إليه ، فكان الانتزاع أحوط وأسهل.

الثالث : المقصود في اللّقطة حفظ المال ، ويمكن الاحتياط عليه بالاستظهار في التعريف ، أو بنصب الحاكم مَنْ يُعرّفها ، فيزول خوف الخيانة ، ولا يحتاج إلى أن ينتزعها الحاكم ، وهنا المقصود حفظ الحُرّيّة والنسب ، ولا سبيل إلى الاستظهار عليه ؛ لأنّه قد يدّعي رقّه في بعض البلدان وبعض الأحوال.

____________________

(١) سورة هود : ١١٣.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٠ ، البيان ٨ : ١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥ ، المغني ٦ : ٤١٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٩.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ و ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

٣١٥

وقيل : لا يشترط العدالة ، ولا ينتزع اللقيط من يد الفاسق ؛ لإمكان حفظه في يده بالإشهاد عليه ، ويأمر الحاكم أميناً يشارفه عليه كلّ وقتٍ ويتعهّده في كلّ زمانٍ ، ويشيع أمره فيعرف أنّه [ لقيط ](١) فينحفظ بذلك من غير زوال ولايته ؛ جمعاً بين الحقّين ، كما في اللّقطة(٢) .

مسألة ٤١٠ : مَنْ ظاهر حاله الأمانة إلّا أنّه لم يختبر حاله ، لا ينتزع من يده ؛ لأنّ ظاهر المسلم العدالة ، ولم يوجد ما يعارض هذا الظاهر ، ولأنّ حكمه حكم العَدْل في لقطة المال والولاية في النكاح وأكثر الأحكام ، لكن يوكل الإمام مَنْ يراقبه من حيث لا يدري لئلّا يتأذّى ، فإذا حصلت للحاكم الثقة به صار كمعلوم العدالة.

وقبل ذلك لو أراد السفر به ، مُنع وانتُزع منه ؛ لأنّه لا يؤمن أن يسترقّه وأن يكون إظهاره العدالة لمثل هذا الغرض الفاسد ، وهو أحد قولَي الشافعي ، والثاني له : إنّه يُقرّ في يده ويسافر به ؛ لأنّه يُقرّ في يده في الحضر من غير مشرفٍ يُضمّ إليه ، فكذا في السفر ، كالعَدْل ، ولأنّ الظاهر الستر والصيانة(٣) .

فأمّا مَنْ عُرفت عدالته وظهرت أمانته فيُقرّ اللقيط في يده في سفرٍ وحضرٍ ؛ لأنّه مأمون عليه إذا كان سفره لغير النقلة ، ولها وجهان.

مسألة ٤١١ : يعتبر في الملتقِط الرشد ، فلا يصحّ التقاط المبذِّر‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لقطة ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) المغني ٦ : ٤١٣ - ٤١٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠.

(٣) الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦ ، المغني ٦ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١١ ، وفيها القول الأوّل فقط.

٣١٦

المحجور عليه ، فلو التقط لم يُقر في يده وانتُزع منه ؛ لأنّه ليس مؤتمناً عليه شرعاً وإن كان عَدْلاً.

ولا يشترط في الملتقِط الذكورة ، فإنّ الحضانة أليق بالإناث.

ولا يشترط كونه غنيّاً ؛ إذ ليست النفقة على الملتقط.

والفقير يساوي الغني في الحضانة.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر ، وهو : إنّه لا يُقرّ في يد الفقير ؛ لأنّه لا يتفرّغ للحضانة ؛ لاشتغاله بطلب القوت(١) .

مسألة ٤١٢ : لو ازدحم على لقيطٍ اثنان ، فإن كان ازدحامهما عليه قبل أخذه وقال كلّ واحدٍ منهما : أنا آخذه وأحضنه ، جعله الحاكم في يد مَنْ رآه منهما أو من غيرهما ؛ لأنّه لا حقّ لهما قبل الأخذ.

وإن ازدحما بعد الأخذ بأن تناولاه تناولاً واحداً دفعةً واحدة ، فإن لم يكن أحدهما أهلاً للالتقاط مُنع منه ، وسلّم اللقيط إلى الآخَر ، كما لو كان أحدهما مسلماً حُرّاً عَدْلاً والآخَر يكون كافراً أو فاسقاً أو عبداً لم يأذن له مولاه ، أو مكاتَباً كذلك ، فإنّ المسلم العَدْل الحُرّ يُقرّ في يده ، ولا يشاركه الآخَر ، ولا اعتبار بمشاركته إيّاه في الالتقاط ؛ لأنّه لو التقطه وحده لم يُقرّ في يده ، فإذا شاركه مَنْ هو من أهل الالتقاط كان أولى.

وأمّا إن كان كلّ واحدٍ منهما أهلاً للالتقاط ، فإن سبق أحدهما إلى الالتقاط ، مُنع الآخَر من مزاحمته.

ولا يثبت السبق بالوقوف على رأسه من غير أخذٍ ، وهو أظهر وجهي‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، البيان ٨ : ١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

٣١٧

الشافعيّة ، والثاني : إنّه يثبت(١) .

وإن لم يسبق أحدهما ، فإن اختصّ أحدهما بوصفٍ يوجب تقدّمه قُدّم ، وكان أولى من الآخَر.

وإن تساويا من كلّ وجهٍ ، فإن سلّم أحدهما لصاحبه ورضي بإسقاط حقّه جاز ؛ لأنّ الحقّ له ، فلا يُمنع من الإيثار به ، وإن تشاحّا أُقرع بينهما - وبه قال الشافعي(٢) - لقوله تعالى :( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) (٣) .

ولأنّه أمر مشكل ؛ لعدم إمكان الجمع بينهما ، وعدم أولويّة أحدهما ، وكلّ مشكلٍ ففيه القرعة بالنصّ عن أهل البيتعليهم‌السلام (٤) .

ولأنّه لا يمكن أن يُخرج عن أيديهما ؛ لاشتماله على إبطال حقّهما الثابت لهما بالالتقاط ، أو يُترك في أيديهما إمّا جمعاً ، والاجتماع على الحضانة مشقٌّ أو متعذّر ، ولا يمكن أن يكون عندهما في حالةٍ واحدة ، وإمّا بالمهايأة ، وهو يشتمل على الإضرار باللقيط ؛ لما في تبدّل الأيدي من قطع الأُلفة واختلاف الأغذية والأخلاق ، أو يختصّ به أحدهما لا بالقرعة ، ولا سبيل إليه ؛ لتساويهما ، فلم يبق مخلص إلّا القرعة ، كالزوج يسافر بإحدى زوجاته بالقرعة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٢ - ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٥ ، البيان ٨ : ١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٣) سورة آل عمران : ٤٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٥٢ / ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ / ٥٩٣.

٣١٨

وقال بعض الشافعيّة : يرجّح أحدهما باجتهاد القاضي ، فمَن رآه خيراً للّقيط أقرّه في يده(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه قد يستوي الشخصان في اجتهاد القاضي ولا سبيل إلى التوقّف ، فلا بدّ من مرجوعٍ إليه ، وليس سوى القرعة.

وقال بعض الشافعيّة : يخيّر الصبي في الانضمام إلى مَنْ شاء منهما(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه قد لا يكون مميّزاً بحيث يفوّض إليه التخيير ، ولو كان مميّزاً فإنّه لا يخيّر ، كما يخيّر الصبي بين الأبوين عند بلوغه سنّ التمييز - عندهم(٣) - لأنّه هناك يعوّل على الميل الناشئ من الولادة ، وهذا المعنى معدوم في اللقيط.

مسألة ٤١٣ : هذا إذا تساويا في الصفات ، فإن ترجّح أحد الملتقطين بوصفٍ يوجب تخصيصه به دون الآخَر وكانا معاً ممّن يثبت لهما جواز الالتقاط ، أُقرّ في يده ، وانتُزع من يد الآخَر.

والصفات المرجّحة أربعة :

أ : الغنى ، فلو كان أحدهما غنيّاً والآخَر فقيراً ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّهما يتساويان - وهو قول بعض علمائنا(٤) - لأنّ الفقير أهل للالتقاط ، كالغني.

وأظهرهما عند الشافعيّة : أولويّة الغني ؛ لأنّه ربما يواسيه بمالٍ وينفعه في كثيرٍ من الأوقات ويؤاكله أحياناً ، ولأنّ الفقير قد يشتغل بطلب القوت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٦ ، البيان ٨ : ١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤.

(٤) لم نتحقّقه.

٣١٩

عن الحضانة(١) .

فإن رجّحنا الغني على الفقير وكانا معاً غنيّين إلّا أنّ أحدهما أكثر غنىً من الآخَر ، فللشافعيّة وجهان في تقديم أكثرهما مالاً(٢) .

ب : أن يكون أحدهما بلديّاً والآخَر قرويّاً ، أو كان أحدهما بلديّاً أو قرويّاً والآخَر بدويّاً ، تساويا عند بعض علمائنا(٣) ، ورجّح البلديّ على القرويّ ، والقرويّ على البدويّ ؛ لما فيه من حفظ نسبه وإمكان وصول قريبه إليه.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

ج : مَنْ ظهرت عدالته بالاختبار يُقدّم على المستور على خلافٍ بين علمائنا.

وللشافعيّة وجهان :

أحسنهما : إنّه يقدّم احتياطاً للصبي.

والثاني : يستويان ؛ لأنّ المستور لا يسلّم ثبوت المزيّة للآخَر ويقول : لا أترك حقّي بجهلكم بحالي(٥) .

د : الحُرّ أولى من العبد والمكاتَب وإن كان التقاطه بإذن السيّد ؛ لأنّه في نفسه ناقص ، وليست يدُ المكاتَب يدَ السيّد.

مسألة ٤١٤ : لا تُقدّم المرأة على الرجل ؛ لأنّ المرأة وإن كانت

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٣) لم نتحقّقه.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٧ - ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧ - ٤٨٨.

(٥) الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342