الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
أدنى ذم ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره ولاجل ذلك ذكر بريداً العجلي مع جلالته في الثاني ، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضاً لاجل ورود ذم ما فيه ، أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق.
2 ـ ان العلاّمة لا يعنون المختلف فيه في القسمين ، بل ان رجح المدح يذكره في الاول ، وان رجح الذم أو توقف يذكره في الثاني.
واما ابن داود فيذكر المختلف فيه في الاول باعتبار مدحه ، وفي الثاني باعتبار جرحه.
3 ـ ان العلاّمة إذا أخذ من الكشي أو النجاشي أو فهرست الشيخ أو رجاله أو الغضائري لا يذكر المستند بل يعبر بعين عبائرهم. نعم فيما إذا نقل عن غيبة الشيخ أو عن رجال ابن عقدة او رجال العقيقي فيما وجد من كتابيهما ، يصرح بالمستند.
كما أنه إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل ، يصرح بأسمائهم ، وحينئد فإن قال في عنوان شيئاً وسكت عن مستنده ، يستكشف أنه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسختنا.
وأما ابن داود فيلتزم بذكر جميع من أخذ عنه ، فلو لم يذكر المستند ، علم انه سقط من نسختنا رمزه ، إلا ما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.
4 ـ ان العلاّمة يقتصر على الممدوحين في الاول ، بخلاف ابن داود ، فأنه يذكر فيه المهملين أيضاً ، والمراد من المهمل من عنونه الاصحاب ولم يضعفوه.
قال ابن داود : « والجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب ، والمفهوم منه أنه يعمل بخبر رواته مهملون ، لم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته ممدوحون. نعم هو وان استقصى الممدوحين ، يكنه لم يستقص المهملين.
هذه هي الفروق الجوهرية بين الرجالين.
ان هناك فرقاً بين مصطلح العلاّمة وابن داود ، ومصطلح المتأخرين في لفظ المجهول. فالمجهول في كلامهما غير المهمل الذي عنونه الرجاليون ولم يضعفوه ، بل المراد منه من صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية ، وهو أحد ألفاظ الجرح ، ولذا لم يعنوناه الا في الجزء الثاني من كتابيهما ، المعد للمجروحين ، وقد عقد ابن داود لهم فصلاً في آخر الجزء الثاني من كتابه ، كما عقد فصلاً لكل من المجروحين من العامة والزيدية والواقفية وغيرهم.
لكن المجهول في كلام المتأخرين ، من الشهيد الثاني والمجلسي والمامقاني ، أعم منه ومن المهمل الذي لم يذكر فيه مدح ولا قدح.
وقد عرفت أن العلاّمة لا يعنون المهمل أصلاً ، وابن داود يعنونه في الجزء الاول كالممدوح ، وكان القدماء يعملون بالمهمل كالممدوح ، ويردون المجهول وقد تفطن بذلك ابن داود(1) .
فهذه الكتب الاربعة ، هي الاصول الثانوية لعلم الرجال. اُلّف الاول والثاني منهما في القرن السادس ، كما اُلف الثالث والرابع في القرن السابع ، والعجب أن المؤلفين متعاصرون ومتاثلو التنسيق والمنهج كما عرفت.
وقد ترجم ابن داود العلاّمة في رجاله ، ولم يترجمه العلاّمة في الخلاصة ، وان ذا مما يقضي منه العجب.
هذه هي اصول الكتب الرجالية أوليتها وثانويتها ، وهناك كتب اخرى لم تطبع ولم تنشر ولم تتداولها الايدي ، ولاجل ذلك لم نذكر عنها شيئاً ومن اراد الوقوف عليها فليرجع الى كتاب « مصفى المقال في مؤلفي الرجال » للعلاّمة
__________________
1 ـ قاموس الرجال : 1 / 31.
المتتبع الطهرانيرحمهالله .
وهذه هي الاصول الأولية الثمانية والثانوية الأربعة لعلم الرجال ، واما الجوامع الرجالية فسيوافيك ذكرهاعن قريب.
2 ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة
* مجمع الرجال.
* منهج المقال.
* جامع الرواة.
* نقد الرجال.
* منتهى المقال.
قد وقفت على الاصول الرجالية ، وهناك جوامع رجالية مطبوعة ومنتشرة يجب على القارئ الكريم التعرف عليها ، وهذه الجوامع الفت في أواخر القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر ، تلقّاها العلماء بالقبول وركنوا اليها ولابد من التعرف عليها(1) .
تأليف زكي الدين عناية الله القهبائي ، من تلاميذ المقدس الاردبيلي ( المتوفّى سنة 993 هـ ). والمولى عبد الله التستري ( المتوفّى عام 1021 هـ ) والشيخ البهائي. ( المتوفّى سنة 1031 هـ ). جمع في ذلك الكتاب تمام ما في الاصول الرجالية الأولية ، حتى أدخل فيه كتاب الضعفاء للغضائري وقد طبع الكتاب في عدة أجراء.
تأليف السيد الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي ( المتوفّى
__________________
(1) قاموس الرجال : ج 1 الصفحة 31.
سنة 1028 هـ ) وهو استاذ المولى محمد أمين الاسترابادي صاحب « الفوائد المدنية ». له كتب ثلاثة في الرجال : الكبير وأسماه « منهج المقال ». والوسيط ، الذي ربما يسمى بـ « تلخيص المقال » أو « تلخيص الاقوال » ، والصغير الموسوم بـ « الوجيز ». والأول مطبوع ، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة ، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها.
تأليف الشيخ محمد بن علي الاردبيلي. صرف من عمره في جمعه ما يقرب من عشرين سنة ، وابتكر قواعد رجالية صار ببركتها كثير من الاخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال ، صحيحة مسندة ، وطبع الكتاب في مجلدين ، وقدم له الامام المغفور له الأستاذ الحاج آقا حسين البروجرديقدسسره مقدمة وله أيضاً « تصحيح الأسانيد » الذي أدرجه شيخنا النوري بجميعه أو ملخصه في الفائدة الخامسة من فوائد خاتمة المستدرك.
ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع رواة الكتب الاربعة ، وذكر في كل راو ترجمة من رووا عنه ومن روى عنهم ، وعين مقدار رواياتهم ورفع بذلك ، النقص الموجود في كتب الرجال.
قال في مقدمته : « سنح بخاطره ( يعني نفسه ) الفاتر ـ بتفضله غير المتناهي ـ أنه يمكن استعلام أحوال الرواة المطلقة الذكر ، من الرواي والمروي عنه بحيث لا يبقى اشتباه وغموض ، وعلماء الرجال ( رضوان الله عليهم ) لم يذكروا ولم يضبطوا جميع الرواة ، بل ذكروا في بعض المواضع تحت بعض الاسماء بعنوان أنه روى عنه جماعة ، منهم فلان وفلان ، ولم يكن هذا كافياً في حصول المطلوب ، إلى أن قال : صار متوكلاً على رب الارباب ، منتظماً على التدريج راوي كل واحد من الرواة في سلك التحرير ، حتى انه رأى الكتب الأربعة المشهورة والفهرست للشيخرحمهالله والفهرس
للشيخ منتجب الدين ومشيخة الفقيه والتهذيب والاستبصار ، وكتب جميع الرواة الذين كانوا فيها ، ورأى أيضاً كثيراً من الرواة رووا عن المعصوم ، ولم يذكر علماء الرجال روايتهم عنهعليهالسلام والبعض الذين عدوه من رجال الصادق ، رأى روايته عن الكاظمعليهالسلام مثلا ، والذين ذكروا ممن لم يرو عنهمعليهمالسلام رأى انه روي عنهمعليهمالسلام الى ان قال : ان بعض الرواة الذين وثقوه ولم ينقلوا انه روى عن المعصومعليهالسلام ورأى انه روى عنهعليهالسلام ضبطه ايضاً ، حتى تظهر فائدته في حال نقل الحديث مضمراً ـ الى ان قال : ( ومن فوائد هذا الكتاب ) انه بعد التعرف على الراوي والمروي عنه ، لو وقع في بعض الكتب اشتباه في عدم ثبت الراوي في موقعه يعلم انه غلط وواقع غير موقعه.
( ومن فوائده أيضاً ) ان رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد انه كان حسن الحال او كان من مشايخ الاجازة »(1) .
والحق ان الرجال مبتكر في فنه ، مبدع في علمه ، كشف بعمله هذا الستر عن كثير من المبهمات ، ومع انه تحمل في تأليف هذا الكتاب طيلة عشرين سنة ، جهوداً جبارة ، بحيث ميز التلميذ عن الشيخ ، والراوي عن المرويّ عنه ولكن لم يجعل كتاب على اساس الطبقات حتى يقسم الرواة الى طبقة وطبقة ، ويعين طبقة الراوي ومن روى هو عنه او رووا عنه ، مع انه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بامعان ودقة.
تأليف السيد مصطفى التفريشي ألفه عام 1015 هـ ، وهو من تلاميذ المولى عبدالله التستري وقد طبع في مجلد.
__________________
1 ـ لاحظ المقدمة : 4 ـ 5 بتصرف يسير.
قال في مقدمته : « اردت ان اكتب كتاباً يشتمل على جميع اسماء الرجال من الممدوحين والمذمومين والمهملين ، يخلو من تكرار وغلط ، ينطوي على حسن الترتيب ، يحتوي على جميع اقوال القوم ـ قدس الله ارواحهم ـ من المدح والذم الا شاذاً شديد الشذوذ ».
المعروف برجال ابي علي الحائري ، تأليف الشيخ ابي علي محمد بن اسماعيل الحائري ( المولود عام 1159 هـ ، والمتوفّى عام 1215 أو 1216 هـ في النجف الاشرف ).
ابتدء في كل ترجمة بكلام الميرزا في الرجال الكبير ، ثم بما ذكره الوحيد في التعليقة عليه ، ثم بكلمات اخرى ، وقد شرح نمط بحثه في اول الكتاب ، وترك ذكر جماعة بزعم انهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم ، ولكنهم ليسوا بمجاهيل ، بل اكثرهم مهملون في الرجال ، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل.
وهذه الكتب الخمسة كلها اُلِّفت بين أواخر القرن العاشر الى أواخر القرن الثاني عشر ، وقد اجتهد مؤلفوها في جمع القرائن على وثاقة الراوي او ضعفها ، واعتمدوا على حدسيات وتقريبات.
هذه هي الجوامع الرجالية المؤلفة في القرون الماضية ، وهناك مؤلفات اخرى بين مطولات ومختصرات اُلفت في القرون الاخيرة ونحن نشير إلى ما هو الدارج بين العلماء في عصرنا هذا.
3 ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء
* بهجة الآمال.
* تنقيح المقال.
* قاموس الرجال.
قد وقفت على الجوامع الرجالية المؤلفة في القرن الحادي عشر والثاني عشر ، وهناك مؤلفات رجالية اُلفت في أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر ولكنها على صنفين : صنف تبع في تأليفه خطة الماضين في نقل أقوال الرجاليين السابقين واللاحقين ، وجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي ، والقضاء بين كلمات اهل الفن ، الى غير ذلك من المزايا التي أوجبت تكامل فن الرجال من حيث الكمية ، من دون إحداث كيفية جديدة وراء خطة السابقين ، وصنف اخر أحدث كيفية جديدة في فن الرجال وأبدع اسلوباً خاصاً لما يهم المستنبط في علم الرجال. فإن الوقوف على طبقة الراوي من حيث الرواية ، ومعرفة عصره وأساتيذه وتلاميذه ، ومدى علمه وفضله ، وكمية رواياته من حيث الكثرة والقلة ، ومقدار ضبطه للرواية ، واتقانه في نقل الحديث ، من اهم الامور في علم الحديث ومعرفة حال الراوي وقد اهملت تلك الناحية في اسلوب القدماء غالباً الا على وجه نادر.
وهذا الاُسلوب يباين خطة الماضين في العصور السابقة.
وعلى ذلك يجب علينا ان نعرف كل صنف بواقعه ونعطي كل ذي حق حقه ، وكل ذي فضل فضله ، بلا تحيز الى فئة ، ولا إنكار فضيلة لأحد.
تأليف العلاّمة الحاج الشيخ علي بن عبدالله بن محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري التبريزي ( المولود عام 1236 هـ ، والمتوفّى عام 1327 هـ ) وهذا الكتاب قد اُلف في خمسة مجلدات كبار ، ثلاثة منها شرح مزجي لـ « زبدة المقال في معرفة الرجال » تأليف العلاّمة السيد حسين البروجردي ، وهو منظومة في علم الرجال قال :
سمّيته بزبدة المقال |
في البحث عن معرفة الرجال |
|
ناظمه الفقير في الكونين |
هو الحسين بن رضا الحسيني |
واثنان منها شرح لـ « منتهى المقال » وهي منظومة للشارح تمم بها منظومة البروجردي ، وحيث ان البروجردي لم يذكر المتأخرين ولا المجاهيل من الرواة فأتمها وأكملها الشارح بالنظم والشرح في ذينك المجلدين ، والكتاب مشتمل على مقدمة وفيها أحد عشر فصلاً ، والفصل الحادي عشر في أصحاب الاجماع. وفيه أيضاً عدة أبحاث متفرقة ، والكتاب لو طبع على طراز الطبعة الحديثة لتجاوز عشرة أجزاء وقد طبع منه لحد الآن ستة أجزاء والباقي تحت الطبع.
للعلامة الشيخ عبدالله المامقاني ( المتوفّى عام 1351 هـ ) في ثلاثة أجزاء كبار ، وهو أجمع كتاب ألف في الموضوع ، وقد جمع جلَّ ما ورد في الكتب الرجالية المتقدمة والمتاخرة.
قال العلاّمة الطهراني : « هو أبسط ما كتب في الرجال ، حيث انه أدرج فيه تراجم جميع الصحابة والتابعين ، وسائر أصحاب الائمة وغيرهم من الرواة الى القرن الرابع ، وقليل من العلماء المحدثين في ثلاثة أجزاء كبار لم
يتجاوز جمعه وترتيبه وتهذيبه عن ثلاث سنين ، وهذا مما يعد من خوارق العادات والخاصة من التأييدات ، فلله در مؤلفه من مصنف ما سبقه مصنفو الرجال ، ومن تنقيح ما أتى بمثله الأمثال »(1) . ومما أُخذ عليه ، هو خلطه بين المهمل والمجهول. فان الأول عبارة عمّن لم يذكر فيه مدح ولا قدح ، وقد ذكر ابن داود المهمل في جنب الممدوح ، زعماً منه بأنه يجب العمل بخبره كالممدوح ، وأن غير الحجة في الخبر عبارة عن المطعون.
وأما المجهول فإنّه عبارة عمن صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية وهو أحد ألفاظ الجرح ، فيذكرون المجهول في باب المجروحين ويتعاملون معه معاملة المجروح.
وأنت إذا لاحظت فهرس تنقيح المقال ، الذي طبع مستقلاً وسماه المؤلف « نتيجة التنقيح » لا ترى فيه الا المجاهيل ، والمراد منه الاعم ممن حكم عليه أئمة الرجال بالمجهولية ومن لم يذكر فيه مدح ولا قدح.
وهذا الخلط لا يختص به ، بل هو رائج من عصر الشهيد الثاني والمجلسي الى عصره مع أن المحقق الداماد قال في الراشحة الثالثة عشر من رواشحه : « لا يجوز اطلاق المجهول الاصطلاحي إلا على من حكم بجهالته أئمة الرجال »(2) .
وقد ذب شيخنا العلاّمة الطهراني هذا الاشكال عن مؤلفه وقال : « ان المؤلف لم يكن غير واقف بكلام المحقق الداماد ، وصرح في الجزء الاول ( أواخر الصفحة 184 ) بأنه لو راجع المتتبع جميع مظان استعلام حال رجل ومع ذلك لم يظفر بشيء من ترجمة أحواله أبداً فلا يجوز التسارع عليه بالحكم بالجهالة ، لسعة دائرة هذا العلم ، وكثرة مدارك معرفة الرجال ، ومن هذا
__________________
1 ـ الذريعة : 4 / 466.
2 ـ الرواشح : 60.
التصريح يحصل الجزم بأن مراده من قوله « مجهول » ليس أنه محكوم بالجهالة عند علماء الرجال ، حتى يصير هو السبب في صيرورة الحديث من جهته ضعيفاً ، بل مراده أنه مجهول عندي ولم أظفر بترجمة مبينة لاحواله »(1) .
للعلاّمة المحقق الشيخ محمد تقي التستري ، كتبه أولاً بصورة التعليقة على رجال العلاّمة المامقاني ، وناقش كثيراً من منقولاته ونظرياته ، ثم أخرجه بصورة كتاب مستقل وطبع في 13 جزء ، والمؤلف حقاً أحد أبطال هذا العلم ونقاده ، وقد بسطنا الكلام حول الكتاب ، ونشرته صحيفة كيهان في نشرتها المستقلة حول حياة المؤلف بقلم عدة من الاعلام.
غير أنه لا يتبّع في تأليف الكتاب روح العصر ، فترى أنه يكتب عدة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاص ، كما أنه لا يأتي بأسماء الكتب الرجالية والائمة الا بالرموز ، وذلك أوجد غلقاً في قراءة الكتاب وفهم مقاصده ، أضف الى ذلك أنه يروي عن كثير من الكتب التاريخية والحديثية ، ولا يعين مواضعها ، ولكن ما ذكرناه يرجع الى نفس الكتاب ، وأما المؤلف فهو من المشايخ الاعاظم الذين يضن بهم الدهر الا في فترات قليلة وله على العلم وأهله أيادي مشكورة.
وهذه الكتب مع الثناء الوافر على مؤلفيها لا تخلو من عل أو علات والتي يجب أن ننبه عليها.
__________________
1 ـ الذريعة : 4 / 467 ، بتصرف وتلخيص.
4 ـ تطور في تأليف الجوامع الرجالية
* جامع الرواة.
* طرائف المقال.
* مرتب اسانيد الكتب الاربعة.
* معجم رجال الحديث.
إن الجوامع المذكورة مع أهميتها وعظمتها ، فاقدة لبعض ما يهمّ المستنبط والفقيه في تحصيل حجية الخبر وعدمها ، فإنها وإن كانت توقفنا على وثاقة الرّاوي وضعفه إجمالاً ، غير أنها لا تفي ببعض ما يجب على المستنبط تحصيله وإليك بيانه :
1 ـ إنَّ هذه الخطة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخرون ، مع أهميتها وجلالتها ، لا تخرج عن اطار التقليد لأئمة علم الرجال في التعرف على وثاقة الرّاوي وضعفه وقليلا من سائر أحواله ، ممّا ترجع إلى شخصيته الحديثية ، وليس طريقا مباشريا للمؤلف الرجالي ، فضلا عمن يرجع اليه ويطالعه ، للتعرّف على أحوال الرّاوي ، بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة على كلِّ ما يرجع إلى الراوي من حيث الطبقة والعصر أولا ، ومدى الضبط والاتقان ثانياً ، وكمية رواياته كثرة وقلة ثالثاً ، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعاً ، وهذا بخلاف ما رسمه الاساتذة المتأخرون وخططوه ، فان العالم الرجالي فيه يقف بطريق مباشري دون تقليد ، على هذه الاُمور وأشباهها.
وإن شئت قلت : إن هذه الكتب المؤلفة حول الرجال ، تستمد من قول أئمة الفنّ في جرح الرواة وتعديلهم ، وبالأخص تتبع مؤلفي الاصول الخمسة ، التي نبَّهنا بأسمائهم وكتبهم فيما سبق ، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخر عنهم
هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف.
ولا ريب أن هذا طريق صحيح يعدّ من الطرق الوثيقة ، لكنه ليس طريقا وحيداً في تشخيص حال الرواة ومعرفتهم ، بل طريق تقليدي لأئمّة الرجال ، وليس طريقاً مباشرياً إلى أحوال الرواة ، ولا يعّد طريقاً أحسن وأتم.
2 ـ لا شكّ أن التحريف والتصحيف تطرق إلى كثير من أسناد الاحاديث المروية في الكتب الاربعة وغيرها ، وربما سقط الراوي من السَّند من دون أن يكون هناك ما يدلّنا عليه ، وعلى ذلك يجب أن تكون الكتب الرجالية بصورة توقفنا على طبقات الرواة من حيث المشايخ والتلاميذ ، حتى يقف الباحث ببركة التعرّف على الطبقات ، على نقصان السَّند وكماله ، والحال أن هذه الكتب المؤلفة كتبت على حسب حروف المعجم مبتدئة بالألف ومنتهية بالياء ، لا يعرف الانسان عصر الرّاوي وطبقته في الحديث ، ولا أساتذته ولا تلامذته إلا على وجه الاجمال والتبعية ، وبصورة قليلة دون الاحصاء ، والكتاب الذي يمكن أن يشتمل على هذه المزية ، يجب أن يكون على طراز رجال الشيخ الذي كتب على حسب عهد النَّبيصلىاللهعليهوآله والأئمةعليهمالسلام فقد عقد لكل من أصحاب النبيصلىاللهعليهوآله والأئمةعليهمالسلام أبواباً خاصة يعرف منها حسب الاجمال طبقة الراوي ومشايخه وتلاميذه.
وهذا النَّمط من التأليف وإن كان لا يفي بتلك الاُمنية الكبرى كلّها ، لكنه يفي بها إجمالاً ، حيث نرى أنه يقسِّم الرواة إلى الطبقات حسب الزمان من زمن النبيصلىاللهعليهوآله إلى الاعصار التي انقلبت فيها سلسلة الرواة إلى سلسلة العلماء ، وعندئذ يمكن تمييز السَّند الكامل من السند الناقص ، ولو كان الرِّجاليُّون بعد الشيخ يتبعون أثره لأصبحت الكتب الرجالية أكثر فائدة مما هي الآن عليه.
3 ـ إن أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدَّة اشخاص. بين ثقة يركن
والتحايل عليه، لا يحدهم حد، ولا يقعون تحت عد، فلو كان قد صدر منه أمر قبيح لكانوا قد ملأوا الدنيا بأرجازهم وأزجالهم، ولكانوا قد تفننوا وتفاصحوا في خطبهم الطنانة والرنانة في لومه، وتوجيه الإهانات له، والغمز من قناته..
ثالثاً: إن النصوص ليست على نسق واحد في بيانها لهذا الأمر، بل في بعضها تصريح بما يكذب هذه النسبة..
فقد أظهرت بعض النصوص: أن اعتراض سهيل، قد أحفظ المسلمين، فبادر بعضهم للإمساك بيد علي (عليهالسلام ) ومنعه من الكتابة(١) .
وإن كنا نرى أن الأوفق بالطاعة هو انتظار أمر النبي (صلىاللهعليهوآله ) لا المبارزة إلى الإمساك بيد علي (عليهالسلام )..
وفي بعضها: أن سهيلاً هو الذي طلب من علي (عليهالسلام ) محو الاسم الشريف، فرفض (عليهالسلام ) طلبه.
فبادر (صلىاللهعليهوآله ) للطلب من علي أن يضع يده على اسمه الشريف، حسماً للنزاع، وإعزازاً منه لعلي (عليهالسلام )(٢) .
____________
١- المغازي للواقدي ج٢ ص٦١٠ و ٦١١ وراجع: سبل الهدى والرشاد ج٥ ص٥٤ وإمتاع الأسماع ج١ ص٢٩٦ وغاية البيان في تفسير القرآن ج٦ ص٥٨ و ٥٩ والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٤٣ والسيرة الحلبية (ط المعرفة) ج٢ ص٧٠٨.
٢- راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي ص١٤٩ وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج٨ ص٤١٩ وج٢٣ ص٤٦١ والأمالي للطوسي ص١٩٠ و ١٩١ وبحار الأنوار ج٣٣ ص٣١٦ وراجع ج٢٠ ص٣٥٧ والخرايج والجرايح ج١ ص١١٦ وصفين للمنقري ص٥٠٩ ومكاتيب الرسول ج١ ص٨٧.
وعن علي (عليهالسلام ): أن المشركين هم الذين راجعوه في هذا الأمر(١) .
رابعاً: في نص آخر: أن علياً (عليهالسلام ) هو الذي محا الكلمة، وقال للنبي (صلىاللهعليهوآله ): لولا طاعتك لما محوتها(٢) .
ولعل الجدال الذي جرى بين علي (عليهالسلام ) وسهيل قد انتهى بتدخل الصحابة للإمساك بيد علي (عليهالسلام )، ثم تدخل النبي (صلىاللهعليهوآله ) بقوله:
ضع يدي عليها، وبذلك يكون قد حفظ أصحابه، ولم يعطل عملية الصلح.
ويؤيد ذلك: أن علياً (عليهالسلام ) قد محا عبارة: بسم الله الرحمان الرحيم، وكتب: باسمك اللهم، قائلاً: لولا طاعتك لما محوتها، فمن يقول هذا كيف يعصيه بعد لحظات؟! فإن الطاعة إذا كانت تدعو لمحو الأولى، فهي تدعو لمحو الثانية، خصوصاً إذا كان ذلك في مجلس واحد.
كما أن من يرضى بمحو الأولى التي هي الأصعب، لماذا لا يرضى بمحو
____________
١- صفين للمنقري ص٥٠٨.
٢- كشف الغمة ج١ ص٣١٠ و (ط دار الأضواء) ج١ ص٢٠٩ والإرشاد للمفيد ص١٢٠ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٣٥٩ و ٣٦٣ و ٣٥٧ وعن إعلام الورى ص٩٧ وكشف الغطاء (ط.ق) ج١ ص١٥.
الثانية؟!
خامساً: لنفترض: أن سهيل بن عمرو طلب من علي ذلك، ورفض علي طلبه، ثم قال له النبي (صلىاللهعليهوآله ):
امحها.. فإن هذا القول لا يدل على إلزام علي (عليهالسلام ) بالمحو، بل هو يدل على رفع الحظر، أي أنه أصبح يستطيع أن يمحو إذا شاء.. فقد أوكل الأمر إليه.
فإذا بادر الصحابة للإمساك بيد علي (عليهالسلام ) ليمنعوه من اختيار هذا الطرف ـ وهو طرف المحو ـ فإن تدخل النبي (صلىاللهعليهوآله ) بقوله:
ضع يدي عليها، يكون قد أتى لرفع الحرج عن علي (عليهالسلام ) مع اخوانه من الصحابة، وإرادة إعزازه، وتعلية شأنه، مقابل سهيل بن عمرو.
سادساً: إن العديد من النصوص والروايات لم تشر إلى امتناع علي (عليهالسلام ) عن محو الإسم الشريف، بل ساقت الحديث على أساس الأمر، وطاعة الأمر، ولا شيء سوى ذلك، فراجع، ما ذكره ابن حبان، وما روي عن الإمام الصادق (عليهالسلام )(١) ، واليعقوبي، وابن كثير، وغيرهما تجد طائفة
____________
١- الثقات ج١ ص٣٠٠ و ٣٠١ وراجع: الكافي ج٨ ص٢٦٩ عن الإمام الصادق (عليهالسلام ) مع بعض إضافات وتغييرات لا تضر. وبحار الأنوار ج٢٠ ص٣٦٨ ونور الثقلين ج٥ ص٦٨ وتفسير البرهـان ج٤ ص١٩٤ والإكتفاء = = للكلاعي ج٢ ص٢٤٠ وتاريخ ابن الوردي ج١ ص١٦٦ وحياة محمد لهيكل ص٣٧٤ وإكمال الدين ص٥٠.
من هذه النصوص المروية عن:
الزهري، وابن عباس، وأنس بن مالك، ومروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة، وهو المروي عن أمير المؤمنين (عليهالسلام ) أيضاً(١) .
____________
١- تاريخ اليعقوبي ج٢ ص٥٤ وراجع: البداية والنهاية ج٧ ص٢٧٧ و ٢٨١ وروح المعاني ج٩ ص٥٠ والكشاف ج٣ ص٥٤٢.
وحول النص المنقول عن الزهري راجع: تاريخ الأمم والملوك ج٥ ص٦٣٤ والبداية والنهاية ج٤ ص١٦٨ وأنساب الأشراف ج١ ص٣٤٩ و ٣٥٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج٣ ص٣٣١ و ٣٣٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٣٢٠ و ٣٢١ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٥٣ وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) ومسند أحمد ج١ ص٨٦.
وحول النص المنقول عن ابن عباس راجع: الرياض النضرة المجلد الثاني ص٢٢٧ وإحقاق الحق (الملحقات) ج٨ ص٥٢٢ ومسند أحمد ج١ ص٣٤٢ وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي ص١٤٨ و ١٤٩ وتفسير القرآن العظيم ج٤ ص٢٠٠ عن أحمد، وأبي داود، والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٥١ وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) وصححاه على شرط مسلم، وتاريخ اليعقوبي ج٢ ص١٩٢.
وروايتا أنس ومروان والمسور توجدان معاً أو إحداهما، أو بدون تسمية، في المصادر = = التالية: صحيح البخاري ج٢ ص٧٩ و ٧٨ والمصنف للصنعاني ج٥ ص٣٣٧ ومسند أحمد ج٣ ص٢٦٨ وج٤ ص٣٣٠ و ٣٢٥ وجامع البيان ج٢٥ ص٦٣ والدر المنثور ج٦ ص٧٧ عنهم، وعن عبد بن حميد، والنسائي، وأبي داود، وابن المنذر، وصحيح مسلم ج٥ ص١٧٥.
وراجع: المواهب اللدنية ج١ ص١٢٨ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص٣٧٠ و ٣٧١ وتفسير القرآن العظيم ج٤ ص١٩٨ و ٢٠٠ والبداية والنهاية ج٤ ص١٧٥ ومختصر تفسير ابن كثير ص٣٥١ و ٣٥٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٣٣٣ والسنن الكبرى الكبرى ج٩ ص٢٢٠ و ٢٢٧ وتاريخ الخميس ج١ ص٢١ عن المدارك، وتفسير الخازن ج٤ ص١٥٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج٤ ص١٠٥ و ١٤٦ و ١٤٧ والإحسان بتقريب صحيح ابن حبان ج١١ ص٢٢٢ و ٢٢٣ والجامع لأحكام القرآن ج١٦ ص٢٧٧ وبهجة المحافل ج١ ص٣١٦ وزاد المعاد ج٢ ص١٢٥ ومسند أبي عوانة ص٢٤١.
وحول ما روي عن علي (عليهالسلام ) وغيره راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٢ ص٢٣٢ وقريب منه مـا في ينابيع المـودة ص١٥٩ ومسند أحمـد ج٤ ص٨٦ و ٨٧ ومجمع الزوائد ج٦ ص١٤٥ وقال: رواه أحمد ورجاله الصحيح.
ومختصر تفسير ابن كثير ص٣٤٧ وتفسير القرآن العظيم ج٤ ص١٩٢ وتفسير المراغي ج ٩ ص١٠٧ والدر المنثور ج٦ ص٧٨ عن أحمد، والنسائي، والحاكم وصححه، وابن جرير، وأبي نعيم في الدلائل، وابن مردويه.
لعلها قضية مستعارة:
ولنا أن نحتمل: أن تكون أجزاء هامة من هذه القضية قد استعيرت من قصة أخرى.. بهدف إثارة الشبهات والتساؤلات حول أقدس شخصية بعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
والقصة هي: أن تميم بن جراشة قدم على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في وفد ثقيف، فأسلموا، وسألوه أن يكتب لهم كتاباً فيه شروط، فقال: اكتبوا ما بدا لكم، ثم إيتوني به.
فأتوا علياً (عليهالسلام ) ليكتب لهم.
قال تميم: "فسألناه في كتابه: أن يحلّ لنا الربا والزنى. فأبى علي (عليهالسلام ) أ ن يكتب لنا.
فسألناه خالد بن سعيد بن العاص.
فقال له علي: تدري ما تكتب؟!
قال: أكتب ما قالوا، ورسول الله أولى بأمره.
فذهبنا بالكتاب إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فقال للقارئ: اقرأ.. فلما انتهى إلى الربا قال: ضع يدي عليها في الكتاب.
فوضع يده، فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ) الآية(١) .. ثم محاها.
____________
١- الآية ٢٧٨ من سورة البقرة.
وألقيت علينا السكينة، فما راجعناه.
فلما بلغ الزنى وضع يده عليها، وقال:( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الآية(١) ، ثم محاه. وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا"(٢) .
لك مثلها يا علي:
وقد قلنا: إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) قال لعلي (عليهالسلام ) في الحديبية: لك مثلها، تعطيها، وأنت مضطهد، أو مضطر..
وظهر مصداق قوله (صلىاللهعليهوآله ) في حرب صفين، حينما أخذوا بكتابة كتاب الموادعة، فابتدأوا فيه بعبارة:
هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان..
فقال معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت: أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته.
وقال عمرو: لا بل نكتب اسمه، واسم أبيه، إنما هو أميركم، فأما أميرنا فلا.
فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه.
فقال الأحنف: لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك؛ فإني أتخوف، إن محوتها أن لا ترجع إليك أبداً، فلا تمحها.
____________
١- الآية ٣٢ من سورة الإسراء.
٢- أسد الغابة ج١ ص٢١٦ وقال: أخرجه أبو موسى، ومكاتيب الرسول ج٣ ص٧٢.
فقال (عليهالسلام ): إن هذا اليوم كيوم الحديبية، حين كتب الكتاب عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) وسهيل بن عمرو.
فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك ولم أخالفك، إني لظالم لك إن منعتك أن تطوف بيت الله، وأنت رسوله، ولكن اكتب: من محمد بن عبد الله..
فقال لي رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): يا علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم: من محمد بن عبد الله، فاكتبها، فامح ما أرادوا محوه، أما إن لك مثلها، ستعطيها وأنت مضطهد(١) .
لماذا كان التزوير؟!:
ولعل السبب في هذا التزوير:
١ ـ أن ما أخبر به رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بقوله: ولك مثلها يا علي تعطيها وأنت مضطهد مقهور(٢) .. قد أحرج اتباع معاوية ومحبيه بعد
____________
١- بحار الأنوار ج٣٢ ص٥٤١ و ٥٤٢ وصفين للمنقري ص٥٠٣ و ٥٠٤ والمسترشد ص٣٩١ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٢ ص٢٣٢ والدرجات الرفيعة ص١١٧ وينابيع المودة ج٢ ص١٨ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج٢ ص٦٢٨ ومصادر ذلك كثيرة.
٢- راجع: الكامل في التاريخ ج٢ ص٢٢٠ و ٢٠٤ والمعيار والموازنة ص٢٠٠ وخصائص أمير المؤمنين علي (عليهالسلام ) للنسائي ص١٤٩ و ١٥٠ وإحقاق الحق (الملحقات) ج٨ ص٤١٩. والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٤٣ والسـيرة = = الحلبية ج٣ ص٢٠ ومجمع البيان ج٩ ص١١٨ و ١١٩ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٢١٤ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٣٣٥ و ٣٥٢ و ٣٥٧ و ٣٥٩ و ٣٦٣ و ٣٣٣ وج٣٣ ص٣١٤ و ٣١٦ و ٣١٧ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص٥٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص٣٩٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج٤ ص١٤٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج٨ ص١٧٩ و ١٨٠ وتاريخ الخميس ج٢ ص٢١ وحبيب السير ج١ ص٣٧٢ وتفسير القمي ج٢ ص٣١٣ والخرايج والجرايح ج١ ص١١٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١ ص١٩٠ وج٢ ص٥٨٨ و ٢٣٢ والمغني لعبد الجبار ج١٦ ص٤٢٢ وينابيع المودة للقندوزي ص١٥٩ وصبح الأعشى ج١٤ ص٩٢ والأمالي للطوسي ج١ ص١٩٠ و ١٩١ وصفين للمنقري ص٥٠٨ و ٥٠٩ وكشف الغمة للأربلي ج١ ص٢١٠ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٢٠ وإعلام الورى ص٩٧ والبرهان ج٤ ص١٩٣ ونور الثقلين ج٥ ص٥٢ والفتوح لابن أعثم ج٤ ص٨ والبداية والنهاية ج٧ ص٢٧٧ والأخبار الطوال ص١٩٤ عن تاريخ الأمم والملوك ج٥ ص٥٢ وعن فتح الباري ج٥ ص٢٨٦.
قضية التحكيم بعد صفين.
فلجأوا إلى إثارة الشبهات حول علي (عليهالسلام )، لتخفيف الوطأة عن فريقهم.
٢ ـ إن نفس الطعن بقداسة علي (عليهالسلام )، وفي عصمته، والحط من
مقامه، والنيل منه، وابتذال شخصيته، ونسبة الرذائل والمعاصي إليه، وتصغير شأنه، حتى يصبح كسائر الناس العاديين، أمر مطلوب، ومحبوب لأعدائه، ومناوئيه. وبذلك تضعف حجة الطاعنين في مناوئيه، ويخرج أتباعهم من الإحراجات القوية التي تواجههم.
٣ ـ تكريس أبي بكر على أنه الرجل المميز بين جميع الصحابة، الذي كان يرى في الحديبية رأي رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ويدعو الناس للقبول منه، والتسليم له..
قال دحلان: ".. ولم يكن أحد في القوم راضياً بجميع ما يرضى به النبي (صلىاللهعليهوآله )، غير أبي بكر الصديق، وبهذا يتبين علو مقامه.
ويمكن أن الله كشف لقلبه، وأطلعه على بعض تلك الأسرار التي ترتبت على ذلك الصلح، كما أطلع على ذلك النبي (صلىاللهعليهوآله )، فإنه حقيق بذلك، كيف وقد قال النبي (صلىاللهعليهوآله ): والله، ما صب الله في قلبي شيئاً إلا وصببته في قلب أبي بكر"(١) .
وقد نسي دحلان أن أبا بكر قد حزن في الغار. ولم يحزن الرسول (صلىاللهعليهوآله )، فأين ذهب ما كان النبي قد صبه في قلب أبي بكر آنئذ. وكذلك الحال في مبارزة عمرو في الخندق وكذلك ما جرى في خيبر وسواها..
٤ ـ إن السعي إلى جعل علي وعمر في سياق واحد، من حيث إن هذا يشك في دينه في الحديبية، وذاك يعصي أوامر الرسول الأكرم "صلى الله عليه
وآله" من شأنه أن يوجد حالة من التوازن، ثم تترجح كفة الفريق الآخر حيث جعل أبو بكر فوق الجميع، بل هو في مستوى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
____________
١- السيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٤٣.
الباب السادس :
خيبر وفدك..
الفصل الأول :
فتح ثلاثة حصون من خيبر..
المسير إلى خيبر:
عن الضحاك الأنصاري، قال: لما سار النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى خيبر جعل علياً (عليهالسلام ) على مقدمته، فقال (صلىاللهعليهوآله ): من دخل النخل فهو آمن.
فلما تكلم النبي (صلىاللهعليهوآله ) نادى بها علي(عليهالسلام )، فنظر النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى جبرائيل يضحك، فقال: ما يضحكك؟!
قال: إني أحبه.
فقال النبي (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ): إن جبرائيل يقول إنه يحبك!
قال (عليهالسلام ): بَلَغْتُ أن يحبني جبرائيل؟!
قال (صلىاللهعليهوآله ): نعم، ومن هو خير من جبرائيل، الله عزَّ وجلّ(١) .
____________
١- أسد الغابة ج٣ ص٣٤ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢٦ و المعجم الكبير للطبراني ج٨ ص٣٠١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٧٩ وج٢١ ص٣٠٦ و٣٠٧.
ونقول:
إننا نشير هنا إلى عدة أمور، في سياق العناوين التالية:
الرايات لم تكن قبل خيبر:
قال ابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد: إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) فرق الرايات، ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر، وإنما كانت الألوية(١) .
وكانت راية رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) سوداء، من برد عائشة تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، دفعه إلى علي بن أبي طالب (عليهالسلام )..
ودفع راية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة. وكان شعارهم: يا منصور أمت(٢) .
____________
١- سبل الهدى والرشاد ج٥ ص١٢٠ وقال في الهامش: أخرجه البيهقي في الدلائل ج٤ ص٤٨ وذكره ابن حجر في المطالب العالية (٤٢٠٢) والواقدي في المغازي ج١ ص٤٠٧، و (ط أخرى) ج٢ ص٦٤٩.
والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص١٠٦ وإمتاع الأسماع ص٣١٣ والسيرة الحلبية ج٣ ص٣٥ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤.
٢- سبل الهدى والرشاد ج٥ ص١٢٠ وفي الهامش قال: أخرجه البيهقي في الدلائل ج٤ ص٤٨ وذكره ابن حجر في المطالب العالية (٤٢٠٢) والواقدي في المغازي ج٢ ص٦٤٩.
وراجع: السيرة الحلبية ج٣ ص٣٥ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤ والإمتاع ص٣١١ و ٣١٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٢ ص٤٤٢.
وأضاف الحلبي: راية إلى أبي بكر، وراية إلى عمر(١) .
ونقول:
أولاً: قالوا: إن اللواء الذي دفعه النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى علي (عليهالسلام ) يوم خيبر ـ وكان أبيضاً ـ كان يقال له: العقاب أيضاً(٢) .
وذلك يشير إلى عدم الفرق بين اللواء والراية، فإن العقاب الذي كان عند النبي (صلىاللهعليهوآله ) كان يقال له: راية تارة، ويقال له: لواء أخرى.
ثانياً: ذكروا: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أعطى اللواء لعلي (عليهالسلام ) في قضية قتل مرحب، مع أن الكلمة التي تناقلوها عن النبي (صلىاللهعليهوآله ) في ذلك هي: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله إلخ.."..
وفي نص آخر: أنه (صلىاللهعليهوآله ) قال لعلي (عليهالسلام ): خذ هذه الراية وتقدم(٣) .
____________
١- السيرة الحلبية ج٣ ص٣٥ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤.
٢- السيرة الحلبية ج٣ ص٣٦ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤ عن سيرة الدمياطي.
٣- راجع: السيرة الحلبية ج٣ ص٣٦ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤ وكشف الغطاء ج١ ص١٥ وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج١ ص٣٠٢ والعمدة ص١٥٣ والطرائف لابن طاووس ص٥٧ والصوارم المهرقة ص٣٥ وبحار الأنوار ج٣٩ ص٩٠ وبغية الباحث ص٢١٨ والمعجم الكبير للطبراني ج٧ ص٣٥ والثقات لابن حبان ج٢ ص١٣ والكامل لابن عدي ج٢ ص٦١ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٨٩ والبداية والنهاية ج٧ ص٣٧٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج٣ ص٧٩٨.
وذلك يؤكد على عدم الفرق بين اللواء والراية أيضاً.
إلا أن يقال: إنه (صلىاللهعليهوآله ) قد جمع لعلي (عليهالسلام ) هنا بين الراية واللواء.
ثالثاً: تقدم في غزوة أحد: أنهم تارة يقولون: كانت راية رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) مع علي (عليهالسلام ) في بدر وفي كل مشهد.
وأخرى يقولون: كان علي (عليهالسلام ) حامل لواء رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في بدر وفي كل مشهد، والظاهر أنهم يريدون الحديث عن شيء واحد..
رابعاً: ومما يدل على أن الراية واللواء كانا سابقين على خيبر، وقد جمعهما النبي (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ) قبل هذه الغزوة، قول الشيخ المفيد "رحمهالله ": "ثم تلت بدراً غزاة أحد، فكانت راية رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بيد أمير المؤمنين (عليهالسلام ) فيها، كما كانت بيده يوم بدر، فصار اللواء إليه يومئذ، ففاز بالراية، واللواء جميعاً"(١) .
وقال "رحمهالله " أيضاً، ما ملخصه: كانت راية قريش ولواؤها بيد قصي بن كلاب، ثم لم تزل بيد ولد عبد المطلب، فلما بعث النبي "صلىاللهعليهوآله "
____________
١- الإرشاد ج١ ص٧٨ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٧٩ و٨٠ عنه، والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص٦٥ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٥٤.
صارت راية قريش وغيرها إلى النبي (صلىاللهعليهوآله )، فأعطاها علياً (عليهالسلام ) في غزاة ودّان، وهي أول غزاة حملت فيها راية في الإسلام.
ثم لم تزل مع علي (عليهالسلام ) في المشاهد، في بدر، وأحد.
وكان اللواء بيد بني عبد الدار، فأعطاه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إلى مصعب بن عمير، فاستشهد، ووقع اللواء من يده، فتشوقته القبائل، فأخذه (صلىاللهعليهوآله ) فدفعه إلى علي (عليهالسلام )، فجمع له يومئذ الراية واللواء، فهما إلى اليوم في بني هاشم(١) .
خامساً: ويدل على عدم صحة قولهم: إنه (صلىاللهعليهوآله ) جمع الراية واللواء يوم خيبر ما رواه أبو البختري عن الإمام الصادق عن أبيه "عليهماالسلام ": أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بعث علياً (عليهالسلام ) يوم بني قريظة بالراية، وكانت سوداء تدعى العقاب، وكان لواؤه أبيض(٢) .
____________
١- الإرشاد ص٤٨ و (ط دار المفيد) ج١ ص٧٩ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٨٠ وج٤٢ ص٥٩ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٢٩٩ و (ط المطبعة الحيدرية) ج٣ ص٨٥ وكفاية الطالب ص٣٣٥ وإعلام الورى ص١٩٣ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٣٧٧ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٣٧.
٢- قرب الإسناد ص ١٣١ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٤٦ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٥ ص١٤٤ و (ط دار الإسلامية) ج١١ ص١١٠ وجامع أحاديث الشيعة ج١٣ ص١١٥.