الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)0%

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: الصفحات: 342
المشاهدات: 16367
تحميل: 4697


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 342 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16367 / تحميل: 4697
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بن حارثة غير صحيح.

الغطرسة القرشية، والحكمة المحمدية:

وعن علي (عليه‌السلام ) قال: "فقدمت قريش، فأقامت على الخندق محاصرة لنا، ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف، ترعد وتبرق، ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يدعوها إلى الله عز وجل، ويناشدها بالقرابة والرحم، فتأبى، ولا يزيدها ذلك إلا عتواً"(1) .

ونقول:

ليس غريباً على قريش هذا العتو، وهذه الغطرسة، ما دامت تقيس الأمور بمقاييس مادية، وترى القوة في أنفسها، والضعف في المسلمين، الذين جاءت لاستئصالهم، وإبادة خضرائهم، ولكن هذا العتو وتلك الغطرسة سرعان ما تلاشت، ليحل محلها الضعف والخنوع، والخيبة القاتلة، كما سنرى.

وليس غريباً أيضاً: أن نجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومن موقع الشعور بالمسؤولية يعتمد الأسلوب الإنساني، ويستثير العاطفة الناشئة عن صلات القربى ولحمة النسب، والتي تكون لها هيمنة حقيقية على الإنسان، ولا بد أن تجتاح لمعاتها وهزاتها الجامحة كل كيانه، وكل وجوده. ثم هو

____________

1- الخصال ج2 ص68 باب السبعة، و (ط مركز النشر الإسلامي) ص368 وبحار الأنوار ج20 ص244 وج38 ص170 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص125 وحلية الأبرار ج2 ص363 وغاية المرام ج4 ص319.

٢١

(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقرن ذلك بالدعوة إلى الله عز وجل، الذي هو مصدر الخير والقوة والبركات.

وحين لا تستجيب لداعي الرحم، ولا لداعي الله، وتصرّ على الإستجابة للهوى وللشيطان، فلا يبقى خيار سوى التصدي لها، وإسقاط هذا العنفوان الرديء والرذل، وتمريغ أنفها برغام الذلة والخزي والهوان.. وهكذا كان.

حراسة العسكر:

قال القمي: "كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل، وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) على العسكر كله بالليل يحرسهم، فإن تحرك أحد من قريش نابذهم.

وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يجوز الخندق، ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم، فلا يزال الليل كله قائماً وحده يصلي، فإذا أصبح رجع إلى مركزه..

ومسجد أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) هناك معروف، يأتيه من يعرفه، فيصلي فيه، وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة نشابة(1) "(2) .

____________

1- غلوة نشاب: أي مقدار رمية سهم.

2- راجع: تفسير القمي ج2 ص186 وبحار الأنوار ج20 ص230 ومستدرك الوسائل ج10 ص200 وجامع أحاديث الشيعة ج12 ص274 والصافي ج4 ص178 وج6 ص28 ونور الثقلين ج4 ص254.

٢٢

ونقول:

إن لنا مع هذا النص وقفات هي التالية:

ضرورة الحراسة:

إن من البديهيات ضرورة الحذر من العدو المحارب، وحرمانه من فرصة تسديد ضربات هنا وهناك، من شأنها إرباك الجيش الإسلامي، أو إحداث ثغرات خطيرة فيه، وإلحاق الأذى بمعنوياته، وبثقته بقدارته، وطمأنينته إلى حسن تدبير القائمين على الأمور فيه.

ولم يكن يتولى الحراسة في حرب الخندق أشخاص عاديون، بل كان يتولاها قائد الجيش كله، وحامل لوائه وأميره الذي لم يكن فقط قادراً على اتخاذ القرار المناسب، ثم يأمر وينهى، بل كان يقرر ثم يباشر التنفيذ بنفسه، ثم هو في نفس الوقت لا يترك الفرصة تمر، ولا يمنح العدو أية قدرة على إتخاذ أي قرار آخر سوى الفرار، أو مواجهة الموت المحتم..

وكان لا بد لهذه الحراسة من أن تتواصل لتستغرق الزمان كله، لأن ذلك يعطي العدو الفرصة السانحة، ويجعل من الغفلة العارضة أو المنظمة منفذاً وسبباً لتضييع الجهد، وحمل النصر للعدو.

ولذلك كان لا بد من مواصلة الحراسة في الليل كله، لأن الليل هو وقت الهجعة اللذيذة، والغفلة القاهرة، لا سيما بعد أن يأخذ الملل والتعب مأخذهما.

والليل أيضاً هو الذي يمنح العدو الغطاء والوقاء، ويمكنه من تسديد ضرباته وفق ما يحلو له، وفي المكان الذي يختاره.

٢٣

من أجل ذلك نقول:

إنها لا بد أن تكون حراسة غير خاضعة لحدود الزمان والمكان، فلا تستقر في نقاط بعينها، لأنها في هذه الحال تمنح العدو فرصة التخطيط لإختراقها، أو لتحاشيها..

كما أن إطلاقها هذا يضيع على العدو الإحساس بالأمن، في أي من حالاته، ويجعله يتوقع المفاجآت، فيشغله ذلك بالعمل على تحاشيها، والإهتمام بحفظ نفسه قبل أن يفكر بأي تحرك خارج هذا النطاق، حيث لا بد أن يتوقع أن يفاجأ بدوريات الحراسة في كل إتجاه..

رصد العدو قتالياً:

كما أن المهمة التي اضطلع بها علي (عليه‌السلام ) لم تقف عند حدود الحراسة، بل تعدت ذلك إلى الرصد الدقيق لتحركات العدو..

ولم يكن ذلك مجرد رصد يهتم بنقل مشاهداته إلى القيادة لكي تتخذ هي القرار، بل هو الذي يرصد، ثم يقرر، ثم يباشر التنفيذ..

والذي يتولى الرصد ليس إنساناً عادياً، بل هو قائد الجيش كله، الذي لن يجد معلومات أصح مما يحصل هو بنفسه عليه، ويراه بعينيه، ويسمعه بأذنيه.. ولن يحسن أحد تنفيذ ما يريده، ويرسم خطته أكثر منه، ولا يحتاج في المستجدات إلى انتظار القرار من أحد.. وهو أيضاً رصد دائم ومتواصل.

وكان الموضع الذي يستقر فيه لممارسة مهمته، موقعاً متقدماً جداً، قد لا يجرؤ على الوصول إليه أحد سواه.. وإن بلغه أحد، فلن يجرؤ على الإستقرار فيه طوال الليل.

٢٤

مسجد في موضع صلاة علي (عليه‌السلام ):

وقد بقي المسجد في ذلك المكان الذي كان علي (عليه‌السلام ) يرصد ويصلي فيه طوال الليل ـ بقي ذلك الشاهد الصادق على هذه التضحيات الجسام من أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وقد صمد هذا المسجد عشرات أو مئات الأعوام.

ولكن هل تركته الفئة الوهابية، أم هدمته متذرعة بأعذار واهية، لممارساتها المتواصلة لمحو آثار الإسلام، حيث هدمت قبور أهل البيت، وأزالت المساجد، ومحت الآثار الدالة على جهاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجهاد وصيه، والشاهدة على تضحيات الأخيار من أصحابه، والصفوة من أهل بيته؟!

وإذا كان لا يزال باقياً، فهل سيستمر بمرأى ومسمع منهم، ولا سيما إذا علموا أن لعلي (عليه‌السلام ) أي أثر فيه؟!

الراصد المصلي:

ويواجهنا هنا سؤال يقول:

ذكروا: أن علياً (عليه‌السلام ) أصاب رجله في غزوة أحد سهم صعب، فأمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بإخراجه منها حين اشتغال علي (عليه‌السلام ) بالصلاة، فأخرجوه من رجله، فقال بعد فراغه من الصلاة: إنه لم يلتفت لما جرى(1) .

____________

1- إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص602 عن المناقب المرتضوية الكشفي الحنفي ص364.

٢٥

وفي نص آخر: كانوا إذا أرادوا إخراج الحديد والنشاب من جسده الشريف تركوه حتى يصلي، فإذا اشتغل بالصلاة، وأقبل على الله تعالى أخرجوا الحديد من جسده ولم يحسّ، فإذا فرغ من صلاته يرى ذلك، فيقول لولده الحسن (عليه‌السلام ): إن هي إلا فعلتك يا حسن(1) .

وفي نص ثالث: أن الزهراء "عليها‌السلام " هي التي أشارت عليهم بذلك(2) .

وفي نص آخر: أن ذلك كان في حرب صفين، وأنهم أخرجوه حال سجوده(3) .

ولا مانع من أن تتكرر الواقعة، فإنه (عليه‌السلام ) قد خاض حروباً كثيرة، لعلها تعد بالعشرات، ولم يكن يجرؤ أحد على الإقتراب منه، فكان رشقه بالسهام هي الطريقة الممكنة لإلحاق الأذى به (عليه‌السلام )..

فلنا بعد هذا أن نسأل: كيف يمكن رصد حركة العدو من قبل من هو مشغول بالصلاة، إذا كان هذا هو حال الراصد في صلاته؟!

ونجيب:

أولاً: بأن الله تعالى قد أجاب عن ذلك في آية قرآنية مباركة، هي قوله

____________

1- إرشاد القلوب ص217 وحلية الأبرار ج2 ص179.

2- المحجة البيضاء ج1 ص397 و 398 وجامع السعادات ج3 ص263.

3- الحدائق الناضرة ج7 هامش ص242 وأسرار الشهادة (ط سنة 1319هـ) ص255.

٢٦

تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) .

وقد جعل الله تبارك وتعالى حديث التصدق بالخاتم في حال الركوع مبرراً للإعلان عن أخطر منصب، وأجلّ مقام، يرتبط بمستقبل ومصير البشرية بأسرها، لا في جيل بعينه، وإنما في الأجيال المتعاقبة كلها إلى يوم القيامة..

مع أن هذا التصدق إنما حصل من نفس هذا الذي استخرجت السهام من جسده وهو يصلي، ولم يشعر بذلك..

ثانياً: إن هذا التصدق لا يتنافى مع تلك الصلاة، فإنهما معاً من سنخ واحد، فهما عيش مع الله، وتفكير بما يرضيه، فهو لم يفكر في الدنيا، ولا اهتم لزبارجها وبهارجها.. بل انصرف إلى عبادة الله..

ثالثاً: بل هو (عليه‌السلام ) قد مارسهما معاً في آن واحد، ومن الممكن توضيح ذلك بالإشارة إلى أن من يشرف على الجنة، فإنه يرى أشجارها، وأنهارها، وحورها، وقصورها بنظرة واحدة.

كما أن من يعيش في واحات الرضى والقرب الإلهي، فإنه يشعر ويحس ويرى، ويتفاعل مع كل ما تحويه تلك الواحات، فهو يسبح الله، ويبكي خوفاً منه، ويفرح بكونه في مقام الزلفى، ويرجو أن يحصل على المزيد من منازل الكرامة في آن واحد أيضاً.

____________

1- الآية 55 من سورة المائدة.

٢٧

وهذا بالذات هو ما جرى حين التصدق بالخاتم في الصلاة، وكذلك حين كان (عليه‌السلام ) يصلي ويرصد حركة أعداء الله..

رابعاً: حتى لو أردنا أن نضع هذا الأمر في سياق الحسابات المفرطة في ماديتها، فنسلخها عن أبعادها الإيمانية، العميقة، فإن الناس العاديين قد يتمكنون من فعل ذلك، فإذا كان الراصد يصلي ركعتين مثلاً، ثم يجري معاينة للمحيط الذي يرصده، فإن رأى أنه لم يتغير شيء عاد إلى صلاته.. فإن التحرك المؤثر للعدو، يستغرق أكثر مما تستغرقه صلاة ركعة أو ركعتين، لأن الهدوء في الليل يفضح الأصوات، لمن يكون قريباً من مصدرها، مهما حاول من تصدر عنه أن يتستر عليها، وتحتاج لكي تختفي في ذلك الزمان الذي كان يعتمد في تحركاته الوسائل المغرقة في بدائيتها إلى المزيد من الوقت، حال الإنتقال من مكان إلى مكان.

فكيف إذا كانت تلك التحركات في مكان لا يتحاشى العدو وفيها من أحداث الأصوات، لأنه يظن نفسه بعيداً عن مواقع الرصد من الطرف الآخر..

٢٨

الفصل الثاني :

عمرو في المواجهة.. نصوص.. وآثار

٢٩

٣٠

علي (عليه‌السلام ) يسد طريق الهرب:

وذُكر أنه لما عبر عمرو بن عبد ود ومن معه الخندق أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام )، بأن يمضي بمن خف معه ليأخذ الثغرة عليهم، وقال: "فمن قاتلكم عليها فاقتلوه"(1) .

فخرج (عليه‌السلام ) في نفر من المسلمين حتى أخذ الثغرة، وسلمها إليهم، فوقف عمرو، وطلب البراز(2) .

____________

1- شرح الأخبار ج1 ص294.

2- راجع المصادر التالية: مناقب آل أبي طالب ج1 ص198 والإرشاد للمفيد ص52 و (ط دار المفيد) ج1 ص98 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص207 و 203 والكامل في التاريخ ج2 ص181 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص239 ومجمع البيان ج8 ص342 وبحار الأنوار ج20 ص253 وتاريخ الخميس ج1 ص487 وعيون الأثر ج2 ص61 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص235 و (ط مكتبة محمد علي صبيح وأولاده) ج3 ص708 وتهذيب سيرة ابن هشام ص193 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص437 والبدء والتاريخ ج4 ص218 وبهجة المحافل ج1 ص266 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص166 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص202 وتاريخ= = الإسلام للذهبي (المغازي) ص239 و (ط دار الكتاب العربي) ص290 وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص100 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص192 وشرح الأخبار ج1 ص294 والدرر لابن عبد البر ص174 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص134 وقصص الأنبياء للراوندي ص342 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص378 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج18 ص108 عن مختصر سيرة الرسول لابن عبد الوهاب الحنبلي الوهابي (ط المطبعة السلفية في القاهرة) ص 285.

٣١

وقد وصف علي (عليه‌السلام ) قريشاً: "..وفارسها وفارس العرب عمرو بن ود يهدر كالبعير المغتلم..

إلى أن قال: والعرب لا تعد لها فارساً غيره"(1) .

مبارزة علي (عليه‌السلام ) لعمرو:

ونذكر هنا طائفة من النصوص التي تصف ما جرى بين علي وعمرو بن عبد ود ومن معه. وقد آثرنا أن نستعيرها من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) ، فنقول:

____________

1- الخصال ج2 ص368 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص368 وبحار الأنوار ج20 ص244 وج38 ص170 والإختصاص ص167 وشرح الأخبار ج1 ص287 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص126 وحلية الأبرار ج2 ص363 وغاية المرام ج4 ص319.

2- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (الطبعة الخامسة) ج11 ص120 ـ 136.

٣٢

ذكروا: أن عمرو بن عبد ود جعل يدعو للبراز وكان قد أعلم(1) ، لكي يرى مكانه.. وهو يعِّرض بالمسلمين.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على ما في الروايات: من لهذا الكلب؟!

فلم يقم إليه أحد.

فلما أكثر، قام علي (عليه‌السلام )، فقال: أنا أبارزه يا رسول الله، فأمره بالجلوس، انتظاراً منه ليتحرك غيره.

وأعاد عمرو النداء والناس سكوت كأن على رؤوسهم الطير، لمكان عمرو، والخوف منه وممن معه، ومن وراءه.

فقال عمرو: أيها الناس، إنكم تزعمون: أن قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار؟ أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة، أو يقدم عدواً له إلى النار؟.

فلم يقم إليه أحد.

فقام علي (عليه‌السلام ) مرة أخرى، فقال: أنا له يا رسول الله، فأمره بالجلوس.

فجال عمرو بفرسه مقبلاً مدبراً. وجاءت عظماء الأحزاب، ووقفت من وراء الخندق، ومدت أعناقها تنظر، فلما رأى عمرو: أن أحداً لا يجيبه قال:

ولقد بححت من النداء

بجمعهم هل من مبارز

____________

1- أعلم: أي ميز نفسه بعلامة، لكي يراه الأقران، وهو يدلل على شجاعته، وأنه غير هائب من أحد.

٣٣

طووقـفــت مـذ جبـن المـشجـع

مـوقــف القــرن المـنـاجـز

إنـي كذلــــك لــــم أزل

متســرعاً قـبــل الهـزاهـــز

إن الـشــجاعــة فــي الفـتى

والجـود مـــن خــيـــر الغرائز

فقام علي (عليه‌السلام )، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في مبارزته.

فلما طال نداء عمرو بالبراز، وتتابع قيام أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، قال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ادن مني يا علي.

فدنا منه، فقلده سيفه (ذا الفقار)، ونزع عمامته من رأسه، وعممه بها، وقال: امض لشأنك.

فلما انصرف، قال: اللهم أعنه عليه(1) .

____________

1- راجع المصادر التالية: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص63 و 64 والإرشاد للمفيد ص59 و 60 وعيون الأثر ج2 ص61 و (ط مؤسسة عز الدين ـ بيروت) ج2 ص39 وإعلام الورى ص194 و 195 والمغازي للواقدي ج2 ص470 و 471 وحبيب السير ج1 ص361 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج3 ص135 وبحار الأنوار ج39 ص4 و 5 وج41 ص88 و 89 وج20 ص225 ـ 228 و 203 و 205 و 254 ـ 256 وتفسير القمي ج2 ص181 ـ 185 وكشف الغمة ج1 ص204 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص6 و 7 والسيرة الحلبية ج2 ص319 و (ط دار المعرفة) ج2 ص641 وشجرة طوبى ج2 ص287 ـ 288 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص68 و إمتاع الأسماع ج1 ص236 وأعيان الشيعة ج1 ص264 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص377.

٣٤

ولكن ابن شهرآشوب قال: إن عمرواً جعل يقول: هل من مبارز؟! والمسلمون يتجاوزون عنه.

فركز رمحه على خيمة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقال: ابرز يا محمد.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي؟!

فنكل الناس عنه.

إلى أن قال: روي: أنه لما قتل عمرو أنشد علي (عليه‌السلام ):

ضربتـه بـالسيف فوق الهـامـة

بـضربة صارمـــة هــدامــة

أنـا علي صاحب الصمصــامة

وصـاحب الحوض لدى القيامة

أخـو رسول الله ذي العـلامــة

وقال إذ عـمـمـنـي عـمامــة

أنـت الـذي بـعـدي لـه الإمامة(1)

والمفارقة هنا أن علياً هو الذي يقتل عمرواً الذي نكل عنه أبو بكر الذي طلب الإمامة واستأثر بها لنفسه بالقوة والقهر..

وعن حذيفة قال: فألبسه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعممه بعمامته السحاب على رأسه تسعة أكوار، ثم قال: تقدم.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما ولى: اللهم احفظه من بين يديه،

____________

1- مناقب آل أبي طالب ج3 ص135 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص324 وبحار الأنوار ج41 ص88.

٣٥

ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوق رأسه، ومن تحت قدميه(1) .

ويضيف البعض: "أنه رفع عمامته، ورفع يديه إلى السماء بمحضر من أصحابه، وقال: اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحرث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وهذا أخي علي بن أبي طالب.( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) (2) "(3) .

____________

1- مجمع البيان ج8 ص343 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص132 وبحار الأنوار ج20 ص203 و 226 وشواهد التنزيل (ط سنة 1411 هـ.ق) ج2 ص11 وينابيع المودة ص95 و (ط دار الأسوة) ج1 ص284 وشرح الأخبار ج1 ص323 وشجرة طوبى ج2 ص288 وتفسير القمي ج2 ص183 وجوامع الجامع ج3 ص52 والصافي ج4 ص176 وج6 ص26 ونور الثقلين ج4 ص251 وتأويل الآيات ج2 ص451 وغاية المرام ج4 ص274 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج20 ص625 وج31 ص234.

2- الآية 89 من سورة الأنبياء.

3- راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص61 وج 13 ص283 و 284 وكنز الفوائد (ط دار الأضواء) ج1 ص297 و (ط مكتبة المصطفوي ـ قم) ص137 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص6 وتاريخ الخميس ج1 ص487 والسيرة الحلبية ج2 ص319 وبحار الأنوار ج20 ص215 وج38 ص300 و 309 وج39 ص3 وكنز العمال ج12 ص219 وج10 ص290 و (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص623 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص221 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص62 = = ومستدركات علم رجال الحديث ج5 ص200 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص152 وفضائل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لابن عقدة ص79 والمناقب للخوارزمي ص144 وكشف الغمة ج1 ص300 وتأويل الآيات ج1 ص329 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص44 وج17 ص112 وج20 ص624 و 626 وج23 ص648 وج31 ص394.

٣٦

وتصور لنا رواية عن علي (عليه‌السلام ) الحالة حين عبور الفرسان الخندق، فهو يقول: "وفارسها وفارس العرب يومئذٍ عمرو بن عبد ود، يهدر كالبعير المغتلم، يدعو إلى البراز، ويرتجز، ويخطر برمحه مرة، وبسيفه مرة، لا يقدم عليه مقدم، ولا يطمع فيه طامع، فأنهضني إليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وعممني بيده، وأعطاني سيفه هذا ـ وضرب بيده إلى ذي الفقار ـ فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقاً عليَّ من ابن عبد ود، فقتله الله عز وجل بيدي، والعرب لا تعد لها فارساً غيره"(1) .

ونحن نشك في الفقرة التي تذكر أن نساء المدينة بواك على علي (عليه‌السلام ) حين خرج إلى عمرو.. فإن نساء المدينة لم يحضرن إلى ذلك المكان، إلا إن كان المقصود كل النساء اللواتي حضرن مع أزواجهن كما هو عادة كثير منهم.

____________

1- راجع: الخصال ج2 ص368 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص368 وبحار الأنوار ج20 ص244 وج38 ص170 والإختصاص ص166 و 167 وشرح الأخبار ج1 ص287 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص126 وحلية الأبرار ج2 ص363 وغاية المرام ج4 ص319.

٣٧

ويذكر البعض: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): "أدناه، وقبله، وعممه بعمامته، وخرج معه خطوات كالمودع له، القلق لحاله، المنتظر لما يكون منه. ثم لم يزل (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) رافعاً يديه إلى السماء، مستقبلاً لها بوجهه، والمسلمون صموت حوله، كأن على رؤوسهم الطير الخ.."(1) .

برز الإسلام كله إلى الشرك كله:

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حينئذٍ: برز الإسلام أو الإيمان كله، إلى الشرك كله(2) .

فخرج له علي (عليه‌السلام ) وهو راجل، وعمرو فارساً، فسخر به

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص285 والعثمانية للجاحظ ص332 وغاية المرام ج4 ص272 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج20 ص626.

2- راجع: كشف الغمة ج1 ص205 وإعلام الورى ص194 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص136 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص261 و 285 وج19 ص61 والطرائف لابن طاووس ص35 و 60 وكنز الفوائد (ط دار الأضواء) ج1 ص297 و (ط مكتبة المصطفوي ـ قم) ص137 ومجمع البيان ج8 ص343 وبحار الأنوار ج20 ص215 و 273 وج39 ص3 ونهج الحق ص217 وشجرة طوبى ج2 ص288 والعثمانية للجاحظ ص324 و 333 وتأويل الآيات ج2 ص451 وينابيع المودة ج1 ص281 و 284 وغاية المرام ج4 ص274 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص9 وج16 ص404 وج20 ص140 و 625 وج31 ص234.

٣٨

عمرو، ودنا منه علي(1) ، ومعه جابر بن عبد الله الأنصاري "رحمه‌الله "، لينظر ما يكون منه ومن عمرو(2) .

وفي بعض الروايات: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لأصحابه: أيكم يبرز إلى عمرو وأضمن له على الله الجنة؟! والجنة اعظم خطرا من السلطة، ومن المناصب الدنيوية والأموال وكل ما في الدنيا ولكنهم زهدوا بها.

فلم يجبه منهم أحد هيبة لعمرو، واستعظاماً لأمره. فقام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) ثلاث مرات، والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يأمره بالجلوس(3) .

وحسب نص ابن إسحاق، وغيره من المؤرخين: خرج عمرو بن عبد ود، وهو مقنع بالحديد، فنادى: من يبارز؟!

فقام علي بن أبي طالب، فقال أنا (له) يا نبي الله.

____________

1- إمتاع الأسماع ج1 ص232 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص371.

2- راجع: الإرشاد للمفيد ص59 و 60 و (ط دار المفيد) ج1 ص100 و 101 وحبيب السير ج1 ص361 وكشف الغمة ج1 ص203 وإعلام الورى ص194 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص381 والدر النظيم ص164 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص70 وبحار الأنوار ج20 ص255 وأعيان الشيعة ج1 ص264 و 395.

3- كنز الفوائد (ط دار الأضواء) ج1 ص297 و (ط مكتبة المصطفوي ـ قم) ص137 وبحار الأنوار ج20 ص215.

٣٩

فقال: إنه عمرو، إجلس.

ثم نادى عمرو: ألا رجل يبرز؟! فجعل يؤنبهم، ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟! أفلا تُبرزون إليَّ رجلاً؟!

فقام علي، فقال: أنا يا رسول الله.

فقال: إجلس.

ثم نادى الثالثة، فقال:

ولـقـد بـحـحــت مـن الـنــداء (... إلى آخر الأبيات)

قال: فقام علي (عليه‌السلام )، فقال: يا رسول الله، أنا له.

فقال: إنه عمرو.

فقال: وإن كان عمرواً.

فأذن له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فمشى إليه حتى أتاه وهو يقول:

لا تـعـجـلن فـقـد أتــاك

مجـيــب صـوتـك غير عـاجز

ذو نـيـــة وبـصــيـــرة

والـصـدق مـنـجــا كـل فـائز

عـلـيــك نـائـحـة الجـنـائز

عـلـيــك نـائـحـة الجـنـائز

مـن ضـربـة نـجـلاء يـبقى

ذكــرهــا عـنــد الهــزاهـز

وفي الديوان المنسوب لعلي (عليه‌السلام ) بيتان آخران هما:

ولـقــد دعــوت إلى الـبـراز

فـتـى يجـيـب إلــى المـبـارز

يـعـلـيـك أبـيـض صـارماً

كـالمـلـح حـتـفـاً لـلـمبارز

فقال له عمرو: من أنت؟!

٤٠