• البداية
  • السابق
  • 329 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18497 / تحميل: 4707
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 6

مؤلف:
العربية

ولماذا تعرض لهم عمرو..

ولو أنهم هابوه وضعفوا أمامه، فما كان سيصنع بهم؟!

هل سيأسرهم؟!

أم يقتلهم؟!

أو يسلبهم ويخلي سبيلهم؟!

وإن كانوا يقصدون دعوة كل من يصادفونه، فلماذا لم يدعوا عمروا ومن معه..

سبي بني زبيد لماذا؟!(1) :

1 ـ إن عدم سماع المسلمين آذاناً من بني زبيد، لا يبرر لهم الإغارة عليهم، أو ترويعهم، فضلاً عن سبيهم، فلعل المؤذن استغرق في نومه.. أو لعلهم لا يزالون على شركهم، لكنهم لا يعاندون الحق لو عرض عليهم.. علماً بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يزل يصدر أوامره لسراياه، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم..

____________

1- الكافي ج5 ص36 وبحار الأنوار ج19 ص167 وج97 ص34 وج101 ص364 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص502 والنوادر للراوندي ص139 ومشكاة الأنوار لعلي الطبرسي ص193 وتذكرة الفقهاء (ط.ج) ج9 ص44 و 45 و (ط.ق) ج1 ص409 ومنتهى المطلب (ط.ق) ج2 ص904 ورياض المسائل للطباطبائي ج7 ص493.

١٨١

وقد صدر هذا الأمر لخصوص علي (عليه‌السلام ) في نفس مسيره إلى اليمن، فقد أمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن لا يقاتل أحداً حتى يدعوه..

وقد أوجب الله على نبيه أن يدعو الناس إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة.

2 ـ أين كان عمرو بن معد يكرب الزبيدي حين سبا خالد بن سعيد قومه؟! فإن كان حاضراً فلماذا لم يدفع عن قومه؟! وإن كان غائباً، فماذا كان موقفه مما جرى؟!

النص الأوضح والأصرح:

ولعل النص الأوضح والأصرح هنا هو التالي:

قالوا: لما عاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من تبوك إلى المدينة قدم إليه عمرو بن معدي كرب، فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أسلم يا عمرو يؤمنك الله من الفزع الأكبر.

قال: يا محمد، وما الفزع الأكبر؟! فإني لا أفزع.

فقال: يا عمرو، إنه ليس كما تظن وتحسب، إن الناس يصاح بهم صيحة واحدة، فلا يبقى ميت إلا نشر، ولا حي إلا مات، إلا ما شاء الله، ثم يصاح بهم صيحة أخرى، فينشر من مات، ويصفون جميعاً، وتنشق السماء، وتهد الأرض، وتخر الجبال هداً، وترمي النار بمثل الجبال شرراً، فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه، وذكر ذنبه، وشغل بنفسه إلا من شاء الله، فأين أنت يا عمرو من هذا؟!

١٨٢

قال: ألا إني أسمع أمراً عظيماً؛ فآمن بالله ورسوله، و آمن معه من قومه ناس، ورجعوا إلى قومهم.

ثم إن عمرو بن معدي كرب نظر إلى أبي بن عثعث الخثعمي، فأخذ برقبته، ثم جاء به إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال: أَعْدِني على هذا الفاجر الذي قتل والدي.

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أهدر الإسلام ما كان في الجاهلية، فانصرف عمرو مرتداً، فأغار على قوم من بني الحارث بن كعب، ومضى إلى قومه.

فاستدعى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) وأمره على المهاجرين، وأنفذه إلى بني زبيد، وأرسل خالد بن الوليد في الأعراب وأمَّره أن يعمد لجعفي(1) . فإذا التقيا فأمير الناس أمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

فسار أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، واستعمل على مقدمته خالد بن سعيد بن العاص، واستعمل خالد على مقدمته أبا موسى الأشعري.

فأما جعفي فإنها لما سمعت بالجيش افترقت فرقتين: فذهبت فرقة إلى اليمن، وانضمت الفرقة الأخرى إلى بني زبيد.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فكتب إلى خالد بن الوليد: أن قف حيث أدركك رسولي، فلم يقف.

____________

1- جعفي بن سعد العشيرة، بطن من سعد العشيرة، من مذحج، من القحطانية.

١٨٣

فكتب إلى خالد بن سعيد بن العاص: تعرض له حتى تحبسه.

فاعترض له خالد حتى حبسه، وأدركه أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فعنفه على خلافه.

ثم سار حتى لقي بني زبيد بواد يقال له: كثير (أو كسير)، فلما رآه بنو زبيد قالوا لعمرو: كيف أنت يا أبا ثور إذا لقيك هذا الغلام القرشي فأخذ منك الإتاوة؟!

قال: سيعلم إن لقيني.

قال: وخرج عمرو فقال: من يبارز؟!

فنهض إليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وقام إليه خالد بن سعيد وقال له: دعني يا أبا الحسن ـ بأبي أنت وأمي ـ أبارزه.

فقال له أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): إن كنت ترى أن لي عليك طاعة فقف مكانك، فوقف.

ثم برز إليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فصاح به صيحة، فانهزم عمرو، وقتل (عليه‌السلام ) أخاه وابن أخيه، وأخذت امرأته ركانة بنت سلامة، وسبي منهم نسوان.

وانصرف أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وخلف على بني زبيد خالد بن سعيد ليقبض صدقاتهم، و يؤمن من عاد إليه من هرابهم مسلماً.

فرجع عمرو بن معدي كرب، واستأذن على خالد بن سعيد، فأذن له، فعاد إلى الإسلام، فكلمه في امرأته وولده، فوهبهم له.

١٨٤

وقد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعيد وجد جزوراً قد نحرت، فجمع قوائمها ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعاً، وكان يسمى سيفه الصمصامة.

فلما وهب خالد بن سعيد لعمرو امرأته وولده وهب له عمرو الصمصامة.

وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قد اصطفى من السبي جارية، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقال له: تقدم الجيش إليه، فأعلمه بما فعل علي من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه، وقع فيه.

فسار بريدة حتى انتهى إلى باب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلقيه عمر بن الخطاب، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه، فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي (عليه‌السلام ) وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه.

فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي (عليه‌السلام ).

فدخل بريدة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه كتاب من خالد بما أرسل به بريدة، فجعل يقرأه ووجه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يتغير،

١٨٥

فقال بريدة: يا رسول الله، إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيئهم.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ويحك يا بريدة، أحدثت نفاقاً؟!

إن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) يحل له من الفيء ما يحل لي، إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي، يا بريدة، احذر أن تبغض علياً، فيبغضك الله.

قال بريدة: فتمنيت أن الأرض انشقت لي، فسخت فيها، وقلت: أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسول الله. يا رسول الله، استغفر لي فلن أبغض علياً أبداً، ولا أقول فيه إلا خيراً.

فاستغفر له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وفي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وشرحه: أن عمرو بن معدي كرب خاطب علياً (عليه‌السلام ) حين واجهه:

الآن حين تقلصت منك الكلى إذ حر نارك في الوقيعة يسطعُ

والخيل لاحقة الأياطل شزب قب البطون ثنيها والأقرع

يحملن فرساناً كراماً في الوغا لا ينكلون إذا الرجال تكعكع

إني امرؤ أحمي حماي بعزة وإذا تكون شديدة لا أجزع

وأنا المظفر في المواطن كلها وأنا شهاب في الحوادث يلمع

من يلقني يلق المنية والردى وحياض موت ليس عنه مذيع

فاحذر مصاولتي وجانب موقفي إني لدى الهيجا أضر وأنفع

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص356 ـ 358 عن إعلام الورى (ط1) ص87 و (ط2) ص134 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص252 و 253 والإرشاد للمفيد ج1 ص159 ـ 161 وكشف اليقين ص151 و 152 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص98 و 99 وكشف الغمة ج1 ص229 و 230.

١٨٦

فأجابه (عليه‌السلام ):

يا عمرو قد حمي الوطيس وأضرمت نار عليك وهاج أمر مفظع

وتساقت الأبطال كأس منية فيها ذراريح وسم منقع

فإليك عني لا ينالك مخلبي فتكون كالأمس الذي لا يرجع

إني امرؤ أحمي حماي بعزة والله يخفض من يشاء ويرفع

إني إلى قصد الهدى وسبيله وإلى شرايع دينه أتسرع

ورضيت بالقرآن وحياً منزلاً وبربنا ربا يضر وينفع

فينا رسول الله أيد بالهدى فلواؤه حتى القيامة يلمع(1)

ونقول:

إن المقارنة بين هذه الرواية، والروايات التي ذكرناها فيما سبق تظهر مدى انسجام هذه، وانسيابها ومدى ما نال تلك من تزوير وتحوير، هروباً من الإقرار ببعض الحقائق، وسعياً في طمس ما لا يروق لهم ظهوره، ولا تذوق أعينهم طعم النوم حين يسطع نوره.

ومهما يكن من أمر، فإننا نحب لفت النظر إلى ما يلي:

عمرو يرتد بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

صرحت هذه الرواية: بأن عمرو بن معد يكرب ارتد عن الإسلام في عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بحجة أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص359 عن الديوان المنسوب لأمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) ص79 و 80.

١٨٧

يقتص له من قاتل أبيه، لأن الإسلام يجب ما قبله.. ولم يلتفت عمرو إلى أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لو قبل طلبه فالمفروض أن يطبق هذا الحكم على الجميع، ومنهم عمرو نفسه، فيقتله بمن قتلهم قبل إسلامه.

ويبدو: أن عمرواً قد ارتد مرة أخرى بعد وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، كما دلت عليه الروايات، فراجع(1) .

خالد أمير على الأعراب:

وصرحت الرواية المتقدمة: بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر علياً على المهاجرين، وخالد بن الوليد على الأعراب.. وفي هذا الإجراء إشارة لطيفة فيما يرتبط بكل من علي (عليه‌السلام ) وخالد، ولا سيما بملاحظة ما يزعمه خالد لنفسه، ويزعمه له بعض محبيه، وقد أكد خالد ذلك عملياً في ممارساته السابقة

____________

1- راجع: تاريخ مدينة دمشق ج46 ص372 و 373 و 377 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص526 وتاريخ الأمم والملوك (بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم) ج3 ص134 و (ط دار صادر) ج2 ص391 و 538 والكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص377 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص112 ومستدركات علم رجال الحديث ج6 ص64 و الإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص281 والأعلام للزركلي ج5 ص86 والبداية والنهاية ج5 ص84 وج6 ص364 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1005 وعيون الأثر ج2 ص291 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص139 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص386 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص259 و 260.

١٨٨

مع بني جذيمة، ثم في اللاحقة ولا سيما بالنسبة لقتله مالك بن نويرة، وزناه بزوجته في نفس الليلة.

لماذا ولى خالداً؟!:

وقد علمنا أن خالداً قد فعل ببني جذيمة ما فعل، فلماذا لم يعاقبه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. ولماذا عاد فولاه في هذه الغزوة أيضاً؟!

ونجيب:

أولاً: إن فعل خالد كان محفوفاً بالشبهة في مرحلة الظاهر، لأنه ادعى أن الذين قتلوا كانوا على الكفر. وإنما تدرأ الحدود بالشبهات..

ثانياً: قد كان ثمة حاجة لإشراك قريش في حسم الأمور في المنطقة، لأن ذلك يطمئن الكثيرين إلى أن أحداً لن يحاسبهم على قبولهم الإسلام. ولن يجعل ذلك ذريعة للتنكيل بهم، أو الإنتقام منهم، أو اتهامهم بالتسبيب للهزيمة، وما إلى ذلك..

ولا سيما في مناطق اليمن التي تكون مكة أقرب إليها من المدينة.. ويرى أهلها منقطعون عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، الذي قد يحتاجون لحمايته من المكيين، لو حدث ما يقتضي ذلك.

لماذا المهاجرون؟!:

ولعل الهدف من اختيار المهاجرين لمواجهة عمرو بن معدي كرب المرتد عن الإسلام، هو إفهامه أن عليه أن لا يتوهم بأن أحداً في الجزيرة العربية قادر على مساعدته.. أو أن من الممكن أن يتعاطف معه.. فإن الذين

١٨٩

كانوا أكثر الناس حرصاً على هدم الإسلام قد أصبحوا هم الذين يفترض فيهم أن يدافعوا عنه..

وقد جاءه المكيون أنفسهم لمحاربته وإرجاعه إلى جادة الصواب، ولا بد أن يدرك أن قتال هؤلاء لن يكون في صالحه، فإن أي سوء يلحق بأي منهم يزيد في محنته، ويعقد الأمور ضده، لأنه سيغضب أهل مكة، كما سيغضب أهل المدينة، وكل من صح إسلامه منهم، ومن لم يكن كذلك أيضاً..

إخضاع عمرو بن معد يكرب:

تقدم: أن عمرو بن معد يكرب لم يقتصر على الإرتداد، بل بدأ بارتكاب الجرائم، وبالإغارة على الناس الآمنين، فأغار على قوم من بني الحارث بن كعب، ومضى إلى قومه..

وهذا يشير إلى وقاحة وجرأة على الدماء، واستهانة بكرامات الناس، وسقوط حجاب الأمن المفروض على دماء الناس، وأعراضهم وأموالهم..

فكان لا بد من وضع حد له بصرامة وحزم واقتلاع مصدر الأذى.. ولكن من دون قتله، وذلك رفقاً منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بقومه، وتسهيلاً عليهم لقبول الإسلام عن قناعة ورضا.. بعيداً عن أي إكراه وقهر.

فبادر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى إرسال علي (عليه‌السلام ) للقيام بهذه المهمة، وهكذا كان.

قالوا: (..ومع مبارزته جذبه أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) والمنديل في

١٩٠

عنقه، حتى أسلم)(1) .

ولأجل خشيته منه (عليه‌السلام ) كان كثيراً ما سأل عن غاراته فيقول: قد محا سيف علي الصنائع.

والصنيع(2) : هو السيف الصقيل المجرب(3) .

تمرد خالد:

وتقدم: أن خالداً تمرد على الأمر الذي صدر إليه من علي (عليه‌السلام )، فأرسل إليه خالد بن سعيد، فحبسه حتى أدركه علي (عليه‌السلام ) فعنفه على ما كان منه.

وهذا معناه:

1 ـ أن خالداً قد أثبت عملياً أنه غير منضبط..

2 ـ أن علياً (عليه‌السلام ) عامله بالحكمة والحزم..

3 ـ إنه أرسل إليه خالد بن سعيد، الذي كان خالد بن الوليد لا يستطيع مناوأته، لقرشيته ولموقعه.. إلا إن كان يريد أن يتمادى في غيه، إلى حيث لا رجعة، وكان خالد يعلم عواقب ذلك، وأنه ليس في صالحه، ولا

____________

1- بحار الأنوار ج41 ص96 عن مناقب آل أبي طالب ج1 ص606 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص334 وسفينة البحار ج6 ص482.

2- راجع الهامش السابق.

3- أقرب الموارد ج1 ص665.

١٩١

سيما مع علي (عليه‌السلام )..

4 ـ إن هذا يدل على أن ما جعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ) كان أكثر من مجرد جعل الإمارة له حين يلتقي بخالد.. بل كان خالد ملزماً بطاعة علي (عليه‌السلام ) في جميع الأحوال، أي سواء التقيا أو افترقا.

والدليل على ذلك: أن علياً (عليه‌السلام ) لو كان قد تعدى صلاحياته مع خالد، فإن خالداً كان يشتكيه لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

كما أنه سوف لا يستجيب لطلب خالد بن سعيد، وسيعلن مظلوميته، وسيبادر إلى الإحتجاج على هذا الإجراء..

ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك، ولم يعترض، ولم يعتذر بأنه كان يجهل أنه مكلف بطاعة علي (عليه‌السلام )، كما هو ظاهر..

هزيمة ذليلة، وسبي نساء:

إن قوم عمرو بن معد يكرب، حاولوا إثارة حفيظته بقولهم له: لعل هذا الوافد يجبره على دفع الإتاوة، مع وصفهم لذلك الوافد بكلمة (الغلام)، المشعرة بتقدم عمرو عليه بالسن، وبالتجربة، وغير ذلك..

ثم وصفوا هذا الغلام بـ (القرشي) ليشعر ذلك بغربته، وبالإختلاف معه في العدنانية والقحطانية، وفي طبيعة الحياة، فإن هذا الوافد حضري، يفترض أن تكون حياته أقرب إلى الراحة والسعة والرفاه، أما عمرو وقومه، فإنهم يعيشون حياة البداوة والخشونة، ويدَّعون لأنفسهم الإمتياز بالقدرة

١٩٢

على تحمل المكاره، ومواجهة الصعاب، والإعتزاز بالشجاعة وبالفروسية، وما إلى ذلك..

ولكن كل ذلك لم ينفع في تحريك عمرو، بل هو قد زاد من شعور بمرارة الهزيمة التي حلت به، ومما زاد في خزي عمرو أن هزيمته قد جاءت بعد أن استعرض قوته أمام الملأ، قائلاً: من يبارز؟!

وكان يرى أن الناس يهابونه، وأنه يكفي أن يذكر لهم اسمه حتى تتبدل أحوالهم، ويدب الرعب في قلوبهم، ويتخذوا سبيل الإنسحاب من ساحة المواجهة، بكل حيلة ووسيلة، وإذ به يرى أن هؤلاء يتنافسون على مبارزته، وعلى سفك دمه.

وكان الأخطر والأمرّ، والأشر والأضر هو: أن هزيمة عمرو أمام نفس هذا الغلام القرشي لم تكن نتيجة قتال، بل كانت من مجرد صيحة أطلقها، دون أن يلوح له بسيف، أو يشرع في وجهه رمحاً!

فما هذه الفضيحة النكراء، والداهية الدهياء؟!

ثم كان الأخزى من ذلك، والأمضّ ألماً، والأعظم ذلاً أن يقتل هذا الغلام القرشيّ على حد تعبيرهم أخا عمرو وابن أخيه، ويسبي ريحانة بنت سلامة زوجة عمرو، بالإضافة إلى نساء أخريات.

ثم انصرف أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) مطمئناً إلى عدم جرأة عمرو وغيره على القيام بأية مبادرة تجاه خالد بن سعيد، الذي أبقاه (عليه‌السلام ) في بني زبيد أنفسهم، ليقبض صدقاتهم، ويؤمِّن من عاد إليه من هُرّابهم مسلماً.

١٩٣

استجداء عمرو.. وأريحية خالد!:

وتواجهنا هنا مفارقة، وهي: أن عمرو بن معد يكرب جاء إلى خالد بن سعيد بن العاص الذي خلّفه علي (عليه‌السلام ) في بني زبيد، فأظهر عودته إلى الإسلام، ثم كلّمه في امرأته وولده، فوهبهم له.

ولكن هذا المستكبر المغرور بنفسه بالأمس، والذي جرَّ على نفسه هذه الهزيمة الفضيحة اليوم، وكان سبباً في قتل أخيه، وابن أخيه، ثم في سبي زوجته وولده.. لا لشيء إلا لأن الرسول الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يجب له طلباً ظالماً رفعه إليه..

إن هذا الرجل بالذات يتراجع عن موقفه، ويستعطف ذلك الذي خلَّفه ابن عم الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في قومه ليجبي صدقاتهم، ويؤمِّن من عاد إليه من هرّابهم مسلماً..

وقد كان هذا الرجل في غنى عن هذا الإستعطاف هنا، وعن الإستكبار هناك..

والأغرب من ذلك: أن نجده حتى حين يرى نفسه بحاجة إلى الإستعطاف والخضوع، ويمارسه، لا يتخلى عن العنجهية والغرور، وحب الظهور، وإثبات الذات، وإظهار القوة بغباوة وحمق. فإنه لما وقف على باب خالد وجد جزوراً قد نحرت، فجمع قوائمها، ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعاً..

ثم وهب سيفه الذي كان يسميه بالصمصامة لخالد بن سعيد، إمعاناً منه في ادِّعاء الشدة، والقوة لنفسه..

١٩٤

وذلك كله ـ إن صح ـ يجعلنا نقول:

لقد صدق من وصفه: بأنه (مائق بني زبيد)(1) .

فإن المائق هو: الأحمق في غباء، أو الهالك حمقاً وغباوة(2) .

____________

1- راجع: بحار الأنوار ج41 ص96 عن ابن إسحاق، ومناقب آل أبي طالب ج2 ص333.

2- أقرب الموارد ج2 ص1252.

١٩٥

١٩٦

الفصل الخامس:

حديث بريدة..

١٩٧

١٩٨

بغضهم علياً (عليه‌السلام ):

وعن البراء قال: بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى اليمن جيشين، وأمَّر علياً على أحدهما. وعلى الآخر خالد بن الوليد. وقال: (إذا كان قتال فعلي رضي الله تعالى عنه الأمير).

قال: فافتتح علي حصناً، فغنمت أواقي ذوات عدد، وأخذ علي منه جارية.

قال: فكتب معي خالد إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (يشي به) كما في جامع الترمذي.

قال: فلما قدمت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقرأ الكتاب رأيته يتغير لونه، فقال: (ما ترى في رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله تعالى ورسوله)؟!

فقلت: أعوذ بالله من غضب الله تعالى وغضب رسوله، إنما أنا رسول.

فسكت(1) .

____________

1- سبل الهدى ج6 ص235، وقال في هامشه: أخرجه الترمذي ج4 ص180 ونهج السعادة ج5 ص285 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص196 وبحار الأنوار ج39 ص11 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص142 وينابيع المودة ج1 ص169.

١٩٩

وعن بريدة بن الحصيب قال: (أصبنا سبياً، فكتب خالد إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ابعث إلينا من يخمسه). وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي.

فبعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً إلى خالد ليقبض منه الخمس، وفي رواية: ليقسم الفيء، فقبض منه، فخمس وقسم، واصطفى علي سبية، فأصبح وقد اغتسل ليلاً.

وكنت أبغض علياً بغضاً لم أبغضه أحداً، وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا لبغضه علياً.

فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟!

وفي رواية: فقلت: يا أبا الحسن، ما هذا؟!

قال: ألم تر إلى الوصيفة، فإنها صارت في الخمس، ثم صارت في آل محمد، ثم في آل علي، فوقعت بها.

فلما قدمنا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذكرت له ذلك(1) .

____________

1- سبل الهدى ج6 ص235 و 236 عن أحمد، والبخاري، والنسائي، والإسماعيلي، وفي هامشه قال: أخرجه البخاري في كتاب النكاح (5210). وراجع: فتح الباري ج8 ص52 ونيل الأوطار ج7 ص110 والعمدة لابن البطريق ص275 ونهج السعادة ج5 ص284 ومسند أحمد ج5 ص351 ومجمع الزوائد ج9 ص127 وخصائص أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) للنسائي ص102 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص196 و البداية والنهاية ج5 ص120 وج7 ص380 والسيرة النبوية= = لابن كثير ج4 ص202 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج11 ص260 وشرح إحقاق الحق ج21 ص630 وج23 ص5 و 274 و 276 وج30 ص272.

٢٠٠