• البداية
  • السابق
  • 329 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18508 / تحميل: 4708
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 6

مؤلف:
العربية

اقتسمه المسلمون، فلا سبيل إلى رد عينه (وقد ورد ذلك في حديث إغارة خالد على حي أبي زاهر الأسدي، حيث قال ابن شهرآشوب: إنه قد روي نحو ذلك في بني جذيمة).

3 ـ أعطاهم إحتياطاً لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، مما يعلمون، ومما لا يعلمون.

4 ـ وفي نص آخر: أعطاهم على أن يحلوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مما علم، ومما لا يعلم.

5 ـ ليرضوا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

6 ـ لروعة نسائهم، وفزع صبيانهم.

7 ـ قضاء، لذمة الله، وذمة رسوله.

8 ـ أعطاهم كسوة عيالهم، وخدمهم، ليفرحوا بقدر ما حزنوا (كما ورد في حديث إغارة خالد على حي أبي زاهر الأسدي، حيث قال ابن شهرآشوب: ونحو ذلك روي أيضاً في بني جذيمة).

9 ـ لكل جنين غرة.

10 ـ لكل مال مالاً.

11 ـ لميلغة كلبهم، وحبلة رعاتهم.

دلالات باهرة في فعل علي (عليه‌السلام ):

وما نريد أن نقوله هنا هو: أن مجموع هذه النصوص يشير إلى أمور عديدة، كلها على جانب كبير من الأهمية، فلاحظ ما يلي:

٢١

ألف: إن ذلك يدل على: أن الذين قتلوا لم يكونوا جميعاً من الكبار والبالغين، بل كان فيهم أجنة أيضاً، ولذلك أعطى علي (عليه‌السلام ) لكل جنين غرة.

ب : الغُرَّة ـ بالضم ـ عبد أو أمة.

ومنه: قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في الجنين بغرة.

وقال الفقهاء: الغرة من العبد الذي ثمنه عشر الدية(1) .

وزعم بعضهم: أن الغرة من العبيد الذي يكون ثمنه نصف عشر الدية(2) .

ج ـ في قوله: (لكل جنين غرة) ـ: إشارة ضمنية إلى تعدد، أو كثرة القتلى من الأجنة، حتى ذكرهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) بصيغة الجمع إلى جانب ديات البالغين..

ثم إنه لم يتضح إن كان هناك قتلى من النساء، أو لم يكن..

د: إن علياً (عليه‌السلام ) قد أعطى مالاً لروعات النساء، وعوضاً عما أصابهن من الحزن، وصرح: بأن المطلوب هو: أن يفرحوا بقدر ما حزنوا.

____________

1- راجع: مجمع البحرين ج3 ص422 و (ط مكتب نشر الثقافة الإسلامية) ج3 ص302.

2- أقرب الموارد ج2 ص867 وراجع: عمدة القاري ج24 ص67 وتحفة الأحوذي ج4 ص554 ومرقاة المفاتيح ج7 ص40 والنهاية في غريب الأثر ج3 ص353 وكتاب الكليات ج1 ص670 والتعريفات للجرجاني ج1 ص208.

٢٢

وهذا تأصيل لمعنى جديد لا بد من مراعاته في مجالات التعامل مع الناس، ولم يكن هذا المعنى معروفاً، ولا مألوفاً قبل هذه الحادثة.. كما أننا لم نجد أحداً قد راعى هذا المعنى في معالجته لآثار العدوان على الآخرين.

ولعل قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ): (يا علي، اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك).

يشير إلى هذا المعنى، ولا يختص ذلك بموضوع مقادير الديات، أو ما يرتبط بالثأر من غير القاتل الحقيقي.

بل إن الفقهاء وعلى مدى كل هذا التاريخ الطويل لم يشيروا في فتاواهم، ولو إلى رجحان التعرض لمعالجة هذا النوع من الآثار، ولا رسموا له حدوداً، ولا بينوا له أحكاماً، ولا حددواً له شروطاً!

فهل هذه غفلة كانت منهم؟!

أم أنهم فهموا: أن ذلك يختص بالمعصوم، من نبي وإمام؟! أم ماذا؟!

هـ: يلاحظ: أن علياً (عليه‌السلام )، قد بذل لبني جذيمة أموالاً من أجل أن يفرحوا بقدر ما حزنوا.

أي أنه (عليه‌السلام ) قد لاحظ مقدار الحزن، ومقدار الفرح، وأراد أن يكون هذا بقدر ذاك، ولذلك لم يقل : (ليفرحوا بعد ما حزنوا). بل قال: (ليفرحوا بقدر ما حزنوا ).

و: إن سرد ما اعطاه علي (عليه‌السلام ) لبني جذيمة يصلح أن يكون هو الوصف الدقيق لحقيقة ما جرى على هؤلاء الناس من قتل وسلب وخوف. فهم قد سلبوهم كل شيء. حتى حبلة الرعاة، وميلغة الكلب، ولم

٢٣

يتركوا لهم حتى كسوة العيال والخدم.. وأخذوا منهم ما يعلمون، وما لا يعلمون.

بالإضافة إلى قتل الرجال، وإسقاط الأجنة، وروعة النساء، وفزع الصبيان، وحزن العيال والخدم.

ز: واللافت هنا: أنه (عليه‌السلام ) لم يهمل حتى الخدم، فقد أعطى مالاً أيضاً لحزن هؤلاء، مما يعني: أن كونهم خدماً لا تسقط الحقوق التي تترتب على روعاتهم، وحزنهم. ولا يصيرهم بمثابة الآلة التي لا مشاعر لها.

قد صرحت الكلمات الواردة في الروايات: بأن علياً (عليه‌السلام ) يريد أن يقضي عن ذمة الله ورسوله. أي أن الذين قتلهم خالد، قد كانوا في ضمان ذمة الله، وذمة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ولعل هذا يؤيد صحة القول: بأنه كان لديهم كتاب من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، يضمن لهم سلامتهم، وأمنهم، ويعتبرهم في ذمة الله ورسوله.

وعدوان خالد عليهم يعتبر إخلالاً بهذه الذمة، وهذا يحتم الوفاء بها، وإعادة الأمور إلى نصابها.

بل قد يقال: إن هذا التعبير يدل على: أنه لو أن أحداً من غير المسلمين اعتدى على بني جذيمة لوجب نصرهم، وتحمل مسؤولية تعويض كل نقص يعرض لهم عليهم، في الأموال والأنفس على حد سواء..

ح: ذكرت النصوص المتقدمة: أنه (عليه‌السلام ) أعطاهم مقداراً من المال، ليرضوا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، مع العلم: بأن السخط

٢٤

على الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من موجبات الكفر، والخروج من الدين.

فكيف يمكن الجمع بين الحكم بإسلامهم، وبين عدم رضاهم عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؟!

ومن المعلوم: أن السخط والرضا لا يشترى ولا يعطى بالمال، فكيف نفهم هذا الإجراء منه (عليه‌السلام )؟!

ونجيب:

إن المراد بالرضا هنا ليس ما يقابل السخط، بل المراد به: الشعور بالرضا، بعد الشعور بالحاجة إلى الإنصاف، وبضرورة إيصال حقهم إليهم..

فإذا رأوا علياً (عليه‌السلام ) قد اعطاهم فوق ما لهم من حق، فلابد أن يتكون لديهم شعور باستعادة كامل حقوقهم، وبما فوق مستوى الإنصاف والعدل الذي يتوقعونه أو ينتظرونه..

وهذا معناه: أنه (عليه‌السلام ) لم يشتر رضاهم بالمال.. بل هو قد وفاهم حقهم، حتى تكوَّن لديهم الشعور بالرضا بهذا الوفاء.

ط: إن تخصيص جزء من المال لما يعلمون، وما لا يعلمون. قد يكون من أهم الأمور التي تبلِّغهم درجات ذلك الرضا بأكمل وجوهه، وأتمها، فإن هناك أموراً قد يفقدها الإنسان، ولكنها تكون من التفاهة إلى حد يرى أن مطالبته بها تنقص من قدره، وتحط من مقامه، فيعرض عنها.

ولكنه حتى حين يغض النظر عنها قد يبقى لديه شعور بالانتقاص من حقه، أو فقل بعدم بلوغه درجة الإشباع.

فإذا رضخ علي (عليه‌السلام ) له مالاً في مقابل تلك الأمور أيضاً، فإنه

٢٥

لا يبقى مجال لأي خاطر يعكر صفو الشعور بالإرتواء التام..

فإذا زاد على ذلك: بأن أعطاه أموالاً في مقابل ما ربما يكون قد عجز عن استحضاره في ذهنه، فإنه سينتقل إلى مرحلة الشعور بالامتنان. والإحساس بمزيد من اللطف به، والتفضل عليه، والنظر إليه، والشعور معه..

حكم علي (عليه‌السلام ) حكم الله تعالى:

وقد صرحت الروايات المتقدمة: بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أمر علياً (عليه‌السلام ) بأن يضع قضاء الجاهلية تحت قدميه.. أي أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعلن أن خالداً قد قضى في بني جذيمة بحكم الجاهلية..

وذلك يكذب ما زعمه خالد: من أنه قد نفذ أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيهم.. حسبما تقدم. كما كذَّبه قبل ذلك حين أعلن ثلاث مرات براءته مما صنع خالد.

وهو يكذِّب أيضاً رواية محبي خالد: التي تزعم أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان راضياً من خالد، ولم يعترض على فعله، ولم تسقط منزلته عنده.. فإن النبي الأعظم والأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يمكن أن يرضى بما يكون من قضاء الجاهلية، ولا يمكن أن يرضى بما يعلن أنه بريء إلى الله منه..

وفي المقابل نجد علياً (عليه‌السلام ) كما يصرح به الإمام الباقر (عليه‌السلام ): لما انتهى إلى بني جذيمة (حكم فيهم بحكم الله).

وهذا صريح: بأن جميع ما فعله علي (عليه‌السلام ) إنما هو إجراء لحكم

٢٦

الله تعالى، وليس مجرد تبرعات منه (عليه‌السلام )، تستند إلى الاستحسان، أو إلى تفاعل أو اندفاع عاطفي آني، أو رغبة أذكتها العصبية للقربى، أو محبة أكدتها علاقة المودة والإلف بينه وبين ابن عمه نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

بل ما فعله كان ـ كما قلنا ـ إجراء وتنفيذاً لحكم الله تبارك وتعالى، من دون تأثر بهوى، أو ميل مع عصبية أو انسياقاً مع عاطفة..

ويؤكد هذا المعنى: أن المال الذي حمله (عليه‌السلام ) معه إليهم، سواء أكان مُلْكاً شخصياً للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، أو كان من بيت مال المسلمين، لا يجوز له الإسراف والتبذير فيه، فضلاً عن تمزيقه وبعثرته وفق ما يقود إليه الهوى، وما يرجحه الذوق والاستنساب، وتدعو إليه العاطفة والإنفعالات الشخصية.

حديث المنزلة كان في بني جذيمة:

روي عن الإمام الباقر (عليه‌السلام )(1) : أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لعلي (عليه‌السلام ) ـ في مناسبة ما فعله في بني جذيمة: (أنت مني

____________

1- راجع: الأمالي للصدوق ص238 وعلل الشرائع ج2 ص473 و 474 ومستدرك الوسائل ج18 ص366 و 367 وبحار الأنوار ج21 ص142 وج101 ص423 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص485 وموسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهم‌السلام ) للنجفي ج11 ص79 و 80 وغاية المرام ج2 ص75 و 76.

٢٧

بمنزلة هارون من موسى).

فقد ظهر أنه لو أراد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ان يتولى هذا الأمر في بني جذيمة لم يزد على ما فعله علي (عليه‌السلام ).

وسنشير إلى بعض ما يرتبط بهذا الحديث في غزوة تبوك إن شاء الله تعالى..

أنت هادي أمتي:

وفي النصوص: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لعلي (عليه‌السلام ) في بني جذيمة: (أنت هادي أمتي، ألا إن السعيد من أحبك، وأخذ بطريقتك، ألا إن الشقي كل الشقي، من خالفك، ورغب عن طريقك إلى يوم القيامة)(1) .

فقد دلتنا هذه الكلمة على أمور ثلاثة أساسية وذات أهمية بالغة هي:

الأمر الأول:

إن وصف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) بأنه هادي أمته، يدلنا على أن ما أجراه (عليه‌السلام ) في بني جذيمة ـ ليس هو مجرد إيصال حقوق مالية إلى أصحابها.. وإنما هو يرتبط بالهداية إلى الحق، وتعريف الناس بما يرضى الله تعالى..

____________

1- الأمالي للطوسي (ط سنة 1414) ص498 وبحار الأنوار ج21 ص143 وموسوعة احاديث أهل البيت ( عليهم‌السلام ) ج11 ص219.

٢٨

ولعل مما يدلنا على ذلك تنوّع العطاءات، وتنوع أسبابها، حيث أظهرت أحكاماً وأسراراً دقيقة وعميقة، مثل أن لروعات النساء، وفزع الصبيان قيمة مادية، وأنه لا بد من دية الأجنة إذا أسقطت في مثل هذه الحالات.

يضاف إلى ذلك: أنها دلتنا على مسؤولية حقيقية لولي الأمر وهو الرسول ووصيه والإمام من بعده.. عن أمثال هذه الأمور، وأنها ليست مسؤولية أدبية أو سلطوية، بل هي مسؤولية مادية حقيقية وواقعية، ويحتاج إلى إبراء ذمته من هذا الحق المالي، وأن هذا الحق قد أثبته الله على نفسه أيضاً.

ولأجل ذلك صرح (عليه‌السلام ) بأنه أراد ببعض ما أعطاه أن يبرئ ذمة الله ورسوله.

وليتأمل المتأمل مليا في جعل ذلك من الوفاء بذمة الله تعالى أيضاً..

كما أن عدم علم صاحب الحق بمقدار الحق الذي ضاع له لا يعني أن لا يعطي ما يوجب براءة ذمة الله ورسوله مما لا يعلمه.. بل لا بد من إعطاء ما يفي بما يعلمون، وبما لا يعلمون أيضاً..

وهذه وسواها أمور لم تكن واضحة للناس، لولا فعل علي (عليه‌السلام ) في هذه الحادثة، وقد لا تخطر لأحد على بال..

والأهم من ذلك كله: أنه (عليه‌السلام ) أعطاهم من أجل أن يرضوا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ليحفظ دينهم ويصون إيمانهم.

وهي تدل على أنه لا بد لمن يتصدى لإنصاف الناس، ويتحمل مسؤوليتهم أن يكون عارفاً بأسرار الشريعة، واقفاً على دقائقها وحقائقها، وكوامنها وأهدافها..

٢٩

الأمر الثاني:

إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بين أن حقيقة السعادة تنال بأمرين:

أحدهما: أن يحب عليا (عليه‌السلام ) كما هو في جميع حالاته يحبه وفي الرضا وفي الغضب، في الرخاء وفي البلاء، بل هو يحبه حتى حين يحكم عليه، أو على ولده بالقتل حين يستحق ذلك، ولا ينقص ذلك من محبته وتفانيه فيه شيئاً.

أما حب علي (عليه‌السلام ) لأنه شجاع مثلاً، فهو ليس حباً لعلي (عليه‌السلام )، بل هو حب للشجاعة التي سيحبها حتى لو كانت في أعداء الله، وأعداء الإنسانية، فهذا الحب لا ينفع صاحبه، ولا يسعده في الدنيا والآخرة، ولا ينيله رضا الله تبارك وتعالى.

الثاني: الأخذ بطريقة علي (عليه‌السلام )، بمعنى أن ينسجم فيه العمل الجوارحي مع المشاعر، ويستجيب لدعوتها، وهذا ما يعبر عنه بالتأسي والإقتداء، وأما الحب العقيم، الذي لا يلد العمل الصالح، فليس بذي قيمة، وليس من موجبات السعادة، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

الأمر الثالث:

إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تحدث عن الأخذ بطريقة علي (عليه‌السلام )، ولم يأمر بعمل نفس علي، لا من حيث الكم، ولا من حيث الكيف، بحيث يكون لعمل الناس نفس قيمة وخلوص عمل علي (عليه‌السلام ).. وسائر حالاته وآثاره، بل المطلوب هو أن يتبع المؤمن سبيله، وطريقته، وعلي (عليه الصفحة 31

السلام) هو القائل: (ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد)(1) .

وهذا هو السبب أيضاً في أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد رتب الشقاء والبوار على مخالفة طريقة علي (عليه‌السلام )، لا على فقدان الأعمال لخصوصيات وقيمة عمل علي (عليه‌السلام )، وذلك لطف آخر من الله تعالى ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في هذه الأمة، وذلك واضح لا يخفى..

____________

1- راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص71 ومختصر بصائر الدرجات ص154 ومستدرك الوسائل ج12 ص54 وبحار الأنوار ج33 ص474 وج40 ص340 وج67 ص320 وجامع أحاديث الشيعة ج14 ص34 وموسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهم‌السلام ) للنجفي ج5 ص91 وج7 ص165 وج8 ص425 ونهج السعادة ج4 ص33 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص205 وينابيع المودة (ط دار الأسوة) ج1 ص439 وقواعد المرام في علم الكلام لابن ميثم البحراني ص185 والمجالس الفاخرة للسيد شرف الدين ص305.

٣٠

٣١

الفصل السادس:

علي (عليه‌السلام ) في غزوة حنين..

٣٢

٣٣

علي (عليه‌السلام ) صاحب اللواء الأعظم:

ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن علياً (عليه‌السلام ) كان حامل اللواء الأكبر في حنين. وكثير من المؤرخين وإن لم يجرؤا على التصريح بإسمه، أو عزفوا عن ذلك خيانة منهم للحقيقة، ولكن هناك من صرح به، فقد قال القمي (رحمه‌الله ): (فرغب الناس، وخرجوا على راياتهم، وعقد اللواء الأكبر، ودفعه إلى أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وكل من دخل مكة براية أمره أن يحملها، وخرج في اثني عشر ألف رجل إلخ..)(1) .

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص147 و 149 و 155 و 165 وتفسير القمي ج1 ص286 والبرهان (تفسير) ج2 ص113 ونور الثقلين ج2 ص199 وإعلام الورى ج1 ص228 وراجع: الإرشاد للمفيد ج1 ص140 وتحفة الأحوذي ج5 ص139 والتفسير الأصفى ج1 ص459 والتفسير الصافي ج2 ص330 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص106 وجوامع الجامع للطبرسي ج2 ص55 وجامع البيان ج10 ص130 وكشف الغمة ج1 ص220 و 221 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص341 وشجرة طوبى ج2 ص307 وزاد المسير ج3 ص281 وتفسير القرطبي ج8 ص100 والبحر المحيط ج5 ص25 وفتح القدير ج2 ص348.

٣٤

وكان معه (عليه‌السلام ) لواء المهاجرين أيضاً.

ولا يصح ما زعموه من أنه (دفع لواء المهاجرين إلى عمر بن الخطاب، ولواء إلى علي بن أبي طالب، ولواء إلى سعد بن أبي وقاص إلخ..)(1) .

أولاً: لأنهم هم أنفسهم يصرحون بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أعطى لواء المهاجرين لعلي (عليه‌السلام )، وأعطى راية لعمر بن الخطاب(2) .

ثانياً: إن لواء المهاجرين لا يعطى إلا للشجعان الأكفاء، ولم يظهر من عمر ما يدل على ذلك، بل ظهر منه ما يدل على خلافه، وهو الفرار في أحد، وخيبر، وقريظة، وغيرها وها هو يفر في حنين أيضاً..

ما جرى في حنين:

وفي غزوة حنين انهزم المسلمون عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، رغم كثرتهم التي لم يسبق أن حصلت لهم قبل ذلك، والتي جعلت بعضهم

____________

1- تاريخ الخميس ج2 ص101 السيرة الحلبية ج3 ص107 و (ط دار المعرفة) ص64 والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص109 وراجع: الطبقات الكبرى ج2 ص150 وأعيان الشيعة ج1 ص279 وإمتاع الأسماع ج2 ص12 وج7 ص170.

2- السيرة الحلبية ج3 ص107 و (ط دار المعرفة) ص64 والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص109 وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص150 وإمتاع الأسماع ج7 ص170.

٣٥

يقول: (لن نغلب اليوم من قلّة)(1) .

نعم لقد هزم الجيش كله، ولم يبق معه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سوى بعض بني هاشم، أحاطوا به (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ليكونوا جداراً بشرياً يحميه، وعلي (عليه‌السلام ) وحده، هو الذي كان يقاتل المشركين حتى هزمهم..

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج5 ص317 عن الواقدي، وأبي الشيخ، والحاكم، وابن مردويه، والبزار، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص100 والبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ج5 ص25 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص110 و (ط دار المعرفة) ص69 والإفصاح للمفيد ص68 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص180 وبحار الأنوار ج21 ص155 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص106 وتفسير الآلوسي ج10 ص73 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص150 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص574 والبداية والنهاية ج4 ص369 وأعيان الشيعة ج1 ص279 وكشف الغمة ج1 ص221 وكشف اليقين ص143 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص610 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج1 ص255 ونهج الحق للحلي ص251 وإحقاق الحق (الأصل) ص206 وراجع: مجمع الزوائد ج6 ص178 و 181 وزاد المسير لابن الجوزي ج3 ص281 وتفسير السمعاني ج2 ص298 وتفسير أبي السعود ج4 ص55 وراجع: بناء المقالة الفاطمية لابن طاووس ص139.

٣٦

الثابتون في حنين:

زعموا: أن عدداً من المسلمين قد ثبتوا في حرب حنين، ولم يفروا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. وقد اختلفوا في أعدادهم، وأوردوا طائفة من الأسماء، ونحن هنا نقتبس بعض المقاطع مما ذكرناه في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في الجزء الرابع والعشرين منه..

مكتفين بها عما سواها.. وذلك على النحو التالي:

لم يثبت سوى علي (عليه‌السلام ):

لا مجال لتأييد أي من الدعاوى حول ثبات أي كان من الناس سوى علي (عليه‌السلام )..

غير أنه يمكن ترجيح أن يكون هناك أفراد قليلون من بني هاشم أحاطوا برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حتى لا يناله سلاح الكفار.

أما القتال فكان محصوراً به (عليه‌السلام ).

ونستند في ذلك إلى ما يلي من نصوص:

1 ـ قال الشيخ المفيد (رحمه‌الله ): ولم يبق منهم مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلا عشرة أنفس: تسعة من بني هاشم خاصة، وعاشرهم أيمن ابن أم أيمن، فقتل أيمن رحمة الله عليه، وثبت التسعة الهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من كان انهزم.

فرجعوا أولاً فأولاً حتى تلاحقوا، وكانت لهم الكرة على المشركين، وفي ذلك أنزل الله تعالى، وفي إعجاب أبي بكر بالكثرة:

٣٧

( ..وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ ) (1) .

يعني: أمير المؤمنين علياً (عليه‌السلام ).

ومن ثبت معه من بني هاشم، وهم يومئذ ثمانية، أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) تاسعهم:

العباس بن عبد المطلب، عن يمين رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

والفضل بن العباس عن يساره.

وأبو سفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند ثفر بغلته.

وأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) بين يديه يضرب بالسيف.

ونوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة، ومعتب ابنا أبي لهب حوله.

وقد ولت الكافة مدبرين سوى من ذكرناه(2) .

____________

1- الآيتان 25 و 26 من سورة التوبة.

2- الإرشاد للمفيد (ط دار المفيد) ج1 ص140 و 141، ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص30 وراجع: بحار الأنوار ج38 ص220 وج21 ص156 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص81 و 82 وشجرة طوبى ج2 ص308 وأعيان الشيعة ج3 ص522 وإعلام الورى ج1 ص386= = وقريب منه ذكره الطبرسي في مجمع البيان ج5 ص18 و 19.

٣٨

وكذلك عدهم ابن قتيبة في المعارف، والثعلبي في الكشف(1) .

وأضافوا إلى هؤلاء: أيمن مولى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

قال ابن شهرآشوب: (وكان العباس عن يمينه، والفضل عن يساره، وأبو سفيان ممسك بسرجه عند ثفر بغلته، وسائرهم حوله، وعلي (عليه‌السلام ) يضرب بالسيف بين يديه)(3) .

2 ـ وفي ذلك يقول مالك بن عبادة الغافقي:

لم يواس النبي غير بني هاشم عند السيوف يوم حنين

هرب الناس غير تسعة رهط فهم يهتفون بالناس: أين

ثم قاموا مع النبي على المو ت فآبوا زيناً لنا غير شين

وسوى أيمن الأمين من القوم شهيداً فاعتاض قرة عين(4)

____________

1- بحار الأنوار ج41 ص93 و 94 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص604 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص330.

2- بحار الأنوار ج41 ص94 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص604 و 605 و (ط المكتبة الحيدرية) ص330.

3- المصدر السابق.

4- الإرشاد للمفيد ج2 ص141. وراجع: مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص31 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص305 وج2 ص331 وبحار الأنوار ج38 ص220 وج21 ص156 والمستجاد من كتاب الإرشـاد (المجموعة) = = ص83 وأعيان الشيعة ج1 ص280 وج3 ص522 وكشف الغمة ج1 ص221 وبناء المقالة الفاطمية لابن طاووس ص162.

٣٩

3 ـ وقال العباس بن عبد المطلب في هذا المقام:

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا

وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه على القوم أخرى يا بني ليرجعوا

وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه لما ناله في الله لا يتوجع(1)

4 ـ وفي احتجاج المأمون على علماء عصره، يقول المأمون عن نزول السكينة في حنين: (إن الناس انهزموا يوم حنين، فلم يبق مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلا سبعة من بني هاشم: علي (عليه‌السلام ) يضرب بسيفه، والعباس أخذ بلجام بغلة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والخمسة محدقون

____________

1- الإرشاد للمفيد ص141 و 142 والمواهب اللدنية ج1 ص164 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص30 وفي بحار الأنوار ج21 ص156 وج38 ص220 وج41 ص94 ومجمع البيان ج5 ص18 و 19 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص35 وكشف الغمة ج1 ص221 وأعيان الشيعة ج1 ص280 وج3 ص522 وتفسير الميزان ج9 ص231 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص98 وتفسير البحر المحيط ج5 ص26 وروح المعاني ج10 ص74 وتفسير الآلوسي ج10 ص74 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص348 و 349 وفي المعارف لابن قتيبة ص164 ونصب الراية للزيلعي ج4 ص180 وأسد الغابة ج1 ص161 والوافي بالوفيات ج10 ص20: سبعة، بدل: تسعة. وثامننا، بدل: وعاشرنا.

٤٠