الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليهالسلام )
(المرتضى من سيرة المرتضى)
الجزء الخامس
تأليف
السيد جعفر مرتضى العاملي
هذا الكتاب
نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
شبكة الإمامين الحسنين (عليهماالسلام ) للتراث والفكر الإسلامي
بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليهالسلام )
(المرتضى من سيرة المرتضى)
الجزء الخامس
الفصل الرابع :
قتل مرحب..
علوتم، والذي أنزل التوراة:
تقدم: أن اليهودي لما سمع باسم علي (عليهالسلام ) قال: علوتم، والذي أنزل التوراة على موسى.
ونقول:
ألف: إن أبا نعيم قال: (فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم، بتوجيه من الله وجهه إليهم، ويكون فتح الله تعالى على يديه).
وهي التفاتة جليلة من أبي نعيم، ويؤيدها:
أولاً: ما روي من أنه (صلىاللهعليهوآله ) قال لعلي (عليهالسلام ): خذ الراية، وامض بها فجبرئيل معك، والنصر أمامك، والرعب مبثوث في قلوب القوم..
واعلم يا علي، أنهم يجدون في كتابهم: أن الذي يدمر عليهم اسمه (إيليا)، فإذا لقيتهم فقل: أنا علي.
فإنهم يُخذلون إن شاء الله تعالى الخ..(١) .
____________
١- بحار الأنوار ج٢١ ص١٥ عن الإرشاد للمفيد ج١ ص١٢٦ وراجع: كتاب الأربعين للماحوزي ص٢٩٥ وكشف الغمة للإربلي ج١ ص٢١٣.
ثانياً: إن مرحباً نفسه قد هرب لما سمع باسم علي (عليهالسلام )، وكانت ظئره قد أخبرته: بأن اسم قاتله حيدرة، وذلك يدل على أنها قد أخذت ذلك من أحبارهم، الذين كانوا يخبرون عما يجدونه في كتبهم..
أما ما زعموه، من أنها قالت له ذلك: لأنها كانت تتعاطى الكهانة.
فهو مردود:
بأن تعاطيها الكهانة لا يعطيها القدرة على معرفة الغيب الإلهي، فإنه تعالى وحده( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ.. ) (١) .
ويشهد لما قلناه من أنهم يجدون ذكر ما يجري عليهم في كتبهم: أننا وجدنا في جملة الأقوال في تسمية علي (عليهالسلام ) بحيدرة: أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، والأسد هو الحيدرة..
وتقدم وسيأتي أيضاً بعض الحديث عن ذلك، تحت عنوان: (من سمى علياً (عليهالسلام ) بحيدرة) إن شاء الله تعالى.
ب: لعل هناك من يريد اعتبار قول اليهودي: علوتم (أو غلبتم) والذي أنزل التوراة على موسى، قد جاء على سبيل التفؤل بالاسم..
ونحن وإن كنا لا نصر على بطلان هذا الاحتمال، باعتبار أن الذين يشتد تعلقهم بالدنيا يتشبثون ولو بالطحلب، ويخافون حتى من هبوب الرياح، ويتشاءمون ويتفاءلون بالخيالات والأشباح..
غير أننا نقول:
____________
١- الآيتان ٢٦ و ٢٧ من سورة الجن.
إنه مع وجود الشواهد والمؤيدات لما ذكره أبو نعيم، لا يبقى مجال لترجيح هذا الإحتمال..
ونزيد هنا: أن ما أكد لهم صحة ما ورد في كتبهم، هو ما تناهى إلى مسامعهم من مواقف علي (عليهالسلام ) التي تظهر أنه أهل لما أهَّله الله تعالى له، كما دلت عليه معالي أموره في المواقع المختلفة في الحرب، وفي السلم على حد سواء.
ومن ذلك مبيته (عليهالسلام ) على فراش النبي (صلىاللهعليهوآله ) ليلة الهجرة، وجهاده في بدر، وأحد، والخندق، وقريظة، والنضير، و.. و.. الخ..
قتل علي (عليهالسلام ) مرحباً والفرسان الثمانية:
قالوا: ثم خرج أهل الحصن إلى ساحة القتال..
أما رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فإنه لما أصبح أرسل إلى علي (عليهالسلام ) وهو أرمد، فتفل في عينيه.
قال علي (عليهالسلام ): فما رمدت حتى الساعة. ودعا له، ومن معه من أصحابه بالنصر.
فكان أول من خرج إليهم الحارث أبو زينب، أخو مرحب في عادية (أي ممن يعدون للقتال على أرجلهم) ـ قال الحلبي: وكان معروفاً بالشجاعة ـ فانكشف المسلمون، وثبت علي (عليهالسلام )، فاضطربا ضربات، فقتله علي (عليهالسلام ).
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وأغلقوا عليهم، ورجع المسلمون
إلى موضعهم..
وخرج مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب الـخ..
فحمل عليه علي (عليهالسلام ) فقطَّره (أي ألقاه على أحد قطريه، أي جانبيه) على الباب، وفتح الباب، وكان للحصن بابان(١) .
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وبرز عامر، وكان رجلاً جسيماً طويلاً، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) حين برز وطلع عامر: (أترونه خمسة أذرع)؟ وهو يدعو إلى البراز.
فخرج إليه علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفَّف عليه، وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق: ثم برز ياسر وهو يقول:
قد علمت خيبر أني ياسرَ |
شاكي السلاح بطل مغاور |
|
إذا الليوث أقبلت تبادرَ |
وأحجمت عن صولة تساور |
إن حسامي فيه موت حاضرَ
قال محمد بن عمر: وكان من أشدائهم، وكان معه حربة يحوس الناس بها حوساً.
فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له الزبير بن العوام: أقسمت إلا خليت
____________
١- المغازي للواقدي ج٢ ص٦٥٣ و ٦٥٤ وراجع: السيرة الحلبية ج٣ ص٣٤.
بيني وبينه، ففعل.
فقالت صفية لما خرج إليه الزبير: يا رسول الله، يقتل ابني؟
فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): (بل ابنك يقتله، إن شاء الله)، فخرج إليه الزبير وهو يقول:
قد علمت خيبر أني زبار |
قرم لقرم غير نكس فرار |
|
ابن حماة المجد، ابن الأخيار |
ياسر لا يغررك جمع الكفار |
فجمعهم مثل السراب الختار
ثم التقيا فقتله الزبير.
قال ابن إسحاق: وذكر أن علياً هو الذي قتل ياسراً.
قال محمد بن عمر: وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) للزبير لما قتل ياسراً: فداك عم وخال.
ثم قال: (لكل نبي حواري، وحواريي الزبير وابن عمتي)(١) .
وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، والبيهقي: أن مرحباً خرج وهو يخطر بسيفه.
وفي حديث ابن بريدة، عن أبيه: خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:
____________
١- راجع: المغازي للواقدي ج٢ ص٦٥٧ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص١٢٥ و ١٢٦ وتاريخ الخميس ج٢ ص٥١.
قد علمت خيبر أني مرحب |
شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الليوث أقبلت تلهب
قال سلمة: فبرز له عامر (أي عامر بن الأكوع) وهو يقول:
قد علمت خيبر أني عامر |
شاكي السلاح بطل مغامر |
قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، وكان سيفه فيه قصر، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله.
وفي رواية: أصاب عين ركبته، وكانت فيها نفسه.
قال بريدة: فبرز مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب |
شاكي السلاح بطل مجرب |
|
إذا الليوث أقبلت تلهب |
وأحجمت عن صولة المغلب |
فبرز له علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدَرَة |
كليث غاباتٍ كريه المنَظَرة |
أوفـيـهم بالصـاع كيـلَ السنـدَرَة
فضرب مرحباً ففلق رأسه، وكان الفتح(١) .
____________
١- صحيح مسلم ج٥ ص١٩٥ ومسند أحمد ج٥ ص٣٣٣ و ٣٥١ والمستدرك للحاكم ج٣ ص٣٨ وتاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٠ ومناقب الإمام علي لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية بطهران) ص١٧٦ ولباب التأويل ج٤ ص١٨٢ = = و١٨٣ والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج١ ص١٨٥ و ١٨٧ والبداية والنهاية ج٤ ص١٨٥ فما بعدها ومعالم التنزيل (ط مصر) ج٤ ص١٥٦ وحياة الحيوان ج١ ص٢٣٧ وطبقات ابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج٣ ص١٥٧ وينابيع المودة (ط بمبي) ص٤١ والمغازي للواقدي ج٢ ص٦٥٧.
وفي نص آخر: أن علياً (عليهالسلام ) أجاب مرحباً بقوله:
أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَة |
كليث غابات كريه المَنْظَرَة |
|
عبل الذراعين شديد القسورة |
أضرب بالسيف وجوه الكَفَرَة |
|
ضرب غلام ماجد حزوَّرَة |
أكيلكم بالسيف كيلَ السندَرَة(١) |
وفي حديث بريدة، فاختلفا ضربتين، فبدره علي (عليهالسلام ) بضربة (بذي الفقار) فقدَّ الحجر، والمغفر، ورأسه، ووقع في الأضراس، وأخذ المدينة.
وفي نص آخر: سمع أهل العسكر صوت ضربته. وقام الناس مع علي حتى أخذ المدينة(٢) .
____________
١- تذكرة الخواص ص٢٦.
٢- سبل الهدى والرشاد ج٥ ص١٢٦ و ١٢٥ وراجع: السيرة الحلبية ج٣ ص٣٢ و ٣٧ و ٣٨ ومسند أحمد ج٥ ص٣٥٨ وتاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٠ والبداية والنهاية ج٤ ص١٨٥ فما بعدها، ولباب التأويل ج٤ ص١٨٢ و ١٨٣ ومعارج النبوة ص٢١٩ والإصابة ج٢ ص٥٠٢ والكامل في التاريخ ج٢ ص٢٢٠ والمستدرك للحاكم ج٣ ص٤٣٧ ومعالم التنزيل ج٤ ص١٥٦ وتاريخ الخميس ج٢ ص٥٠ وراجع بعض ما تقدم في: إمتاع الأسماع ص٣١٥ و ٣١٦.
وفي نص آخر: ضربه على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه، وسمع أهل العسكر صوت ضربته.
قال: وما تَتَامَّ آخر الناس مع علي (عليهالسلام ) حتى فتح لأولهم(١) .
وفي نص آخر: (فخرج يهرول هرولة، فوالله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن.
قال جابر: فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا.
وصاح سعد: اربع، يلحق بك الناس.
فأقبل حتى ركزها قريباً من الحصن الخ..)(٢) .
____________
١- مسند أحمد ج٥ ص٣٥٨ وتاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٠٠ والمستدرك للحاكم ج٣ ص٤٣٧ وراجع: العمدة لابن البطريق ص١٤١ ومجمع الزوائد ج٦ ص١٥٠ والسنن الكبرى للنسائي ج٥ ص١١٠ و ١٧٨ وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص٥٥ وكنز العمال ج١٠ ص٤٦٤ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٩٥ وعن الإصابة ج٤ ص٤٦٦ وفضائل الصحابة لابن حنبل ج٢ ص٦٠٤ وراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج٢ ص٥٠٩ والمصنف لابن أبي شيبة ج٨ ص٥٢٢ وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص٥٩٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٢ ص٤١١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٤٢٢ وج٢٢ ص٦٥٠ وج٢٣ ص١١٦ و ١١٩ و ١٣١ وج٣٠ ص١٨٦ وج٣٢ ص٣٧٤.
٢- بحار الأنوار ج٢١ ص٢٢ عن إعلام الورى ج١ ص٢٠٨ وفي هامشه قال: انظر الإرشاد للمفيد ج١ ص١٢٥ والخرائج والجرائح ج١ ص١٥٩ و ٢٤٩.
وفي بعض النصوص: (أن مرحباً لما رأى أن أخاه قد قتل خرج سريعاً من الحصن في سلاحه، أي وقد كان لبس درعين، وتقلد بسيفين، واعتم بعمامتين، ولبس فوقهما مغفراً، وحجراً قد ثقبه قدر البيضة، ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان، وذكر أن ياسراً خرج بعد مرحب)(١) .
ولم يكن بخيبر أشجع من مرحب ولم يقدر أحد من أهل الإسلام أن يقاومه في الحرب(٢) .
وزعموا: أن محمد بن مسلمة قتل أسيراً أيضاً(٣) .
وعن علي (عليهالسلام ) قال: لما قتلت مرحباً، جئت برأسه إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(٤) .
قال الدياربكري: قيل هذا ـ أي قتل علي مرحباً ـ هو الصحيح، وما نظمه بعض الشعراء يؤيده، وهو:
علي حمى الإسلام من قتل مرحب |
غداة اعتلاه بالحسام المضخم |
____________
١- السيرة الحلبية ج٣ ص٣٧ و ٣٨ وراجع: تاريخ الخميس ج٢ ص٥٠.
٢- تاريخ الخميس ج٢ ص٥٠.
٣- إمتاع الأسماع ص٣١٥.
٤- سبل الهدى والرشاد ج٥ ص١٢٧ ومسند أحمد ج١ ص١١١ وتذكرة الخواص ص٢٦ وعن البداية والنهاية ج٤ ص١٨٥ فما بعدها، ومجمع الزوائد للهيثمي ج٦ ص١٥٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٣٥٧.
وفي رواية: قتله محمد بن مسلمة(١) .
وسيأتي الكلام حول ذلك، وأنه مكذوب ومختلق.
ولنا مع هذه النصوص وقفات عديدة، نكتفي منها بما يلي:
ضربات علي (عليهالسلام ) لا تصنع شيئاً:
لا مجال لقبول ما ذكرته بعض الروايات المتقدمة من أن علياً (عليهالسلام ) ضرب عامر الخيبري ضربات، فلم تصنع شيئاً.
فإن علياً (عليهالسلام ) كان إذا علا قدّ.. وإذا اعترض قطّ(٢) ..
____________
١- تاريخ الخميس ج٢ ص٥٠ وراجع: مناقب آل أبي طالب ج١ ص٥ عن جماعة من السفساف والمعاندين ادَّعوا: أن مرحباً قتله محمد بن مسلمة، وادّعوا، وادَّعوا.
٢- مناقب آل أبي طالب ج١ ص٣٥٥ وبحار الأنوار ج٢١ ص١٧٩ وج٤١ ص٦٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١ ص٥٠ ومجمع البيان ج١ ص٢٥٢ و ٣٨٩ والهاشميات والعلويات (قصائد الكميت وابن أبي الحديد) ص١٥٣ والصحاح ج٢ ص٥٩٧ وج٣ ص١١٥٣ والفروق اللغوية ص٤٣٢ و ٤٣٣ ولسان العرب ج٣ ص٣٤٤ وج٤ ص٨٠.
وراجع: مختار الصحاح لمحمد بن عبد القادر ص٣٩ ومجمع البحرين ج١ ص٢٣٢ وتاج العروس ج٢ ص٤٦٠ وج٣ ص٥٨ وج٥ ص٢٠٧ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٣٠ و ٣٤٠ و ٣٨٢ و ٣٩٧ وشرح إحقـاق الحق ج٨ ص٣٢٨ و ٣٢٩ = = وج١٨ ص٧٩ وج٣١ ص٥٦٩ وج٣٢ ص٣٠٥ و ٣٣٦ و ٣٣٧ وتفسير أبي السعود ج٤ ص٢٦٧ وتفسير الآلوسي ج١٢ ص٢١٨ والنهاية في غريب الحديث ج١ ص١٤٩.
وكانت ضرباته وتراً(١) ..
قطع رأس مرحب:
ذكرت بعض الروايات المتقدمة: أن علياً (عليهالسلام ) كان قد قطع رأس عمرو بن عبد ود في حرب الخندق، وجاء به إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).. ولم يقل له النبي (صلىاللهعليهوآله ) شيئاً..
وذكرت الروايات المتقدمة عن قريب: أنه (عليهالسلام ) قطع رأس مرحب، وجاء به إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أيضاً، ولم يعترض عليه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في فعله هذا..
ونحن لا نرى أن لهذين الخبرين أساساً من الصحة.
أولاً: إنه (عليهالسلام ) لم يقطع رأس الوليد في بدر، ولا رأس غيره ممن قتلهم في تلك الحرب، كما أنه لم يقطع رأس كبش الكتيبة ولا غيره من بني عبد الدار حملة اللواء في أحد، ولم يقطع أيضاً رؤوس العشرة الذين قتلهم في بني النضير، ولا رأس أي ممن قتلهم في الخندق غير ما زعموه عن عمرو بن عبد ود، ولا رأس أحدٍ من بني قريظة..
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١ ص٢٠ والصراط المستقيم ج١ ص١٦١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٤١٥ وبحار الأنوار ج٤١ ص١٤٣.
وأما قطعه لرأس الأسيرين في بدر، فلأن قتلهما قد تم بهذه الصورة. ولعل ذلك كان أهون أنواع القتل.. لأن غير هذه الطريقة يطيل أمد موت القتيل، ويعرِّضه معها لآلام هائلة..
ثانياً: لم نجد مبرراً لقطع الرؤوس، والإتيان بها من ساحة المعركة إلى محضر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) للتشفي، ولا لغيره.. وذلك بعيد عن منطق الرسول، وعن منهجه..
وقد كان هدف خوض هذه الحرب، هو دفع شر هؤلاء الطغاة عن أهل الإسلام، ولم يكن يراد التشفي بهم، بقطع رؤوسهم بعد موتهم، ولا بتعذيبهم في حياتهم..
وقد علمنا: أن علياً (عليهالسلام ) لم يجهز على عمرو بن عبد ود حين أساء إليه وشتم أمه، إلا بعد أن زال غضبه، لأنه أراد أن يكون قتله خالصاً لله تعالى.. كما تقدم.
ولما ضربه ابن ملجم (لعنه الله)، قال: (ما فعل ضاربي؟! أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن عشت فأنا أولى بحقي، وإن مت، فاضربوه ولا تزيدوه)(١) .
وفي نص آخر: (احبسوه، وأطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش
____________
١- المناقب للخوارزمي ص٢٨٠ و٢٨١ وكشف الغمة ج٢ ص١١١ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص٦٢٣ وأشار في الهامش إلى العديد من المصادر.
فعفو، أو قصاص)(١) .
ثالثاً: إذا كانت ضربته (عليهالسلام ) قد شقت رأس مرحب وجسده نصفين، حتى بلغ السرج كما في بعض النصوص(٢) ، فإن قطع رأسه وحمله في هذه الحالة يصبح بمثابة جمع أشلاء، ولملمة قطع من جسد بشري، بصورة غير مستساغة، ولا يرضى الإنسان العادي بالإقدام عليها، فكيف بأنبل الناس، وأكرمهم وأشرفهم؟!
ولو أنه (عليهالسلام ) قطع رأس عمرو بن عبد ود أو غيره لرأيت قريشاً، وسائر من حاربهم من اليهود والمشركين يقطعون رؤوس قتلى المسلمين طيلة كل تلك الحروب التي دارت فيما بينهم.
أحداث خيبر بصيغة أخرى:
تقدم: أن النبي (صلىاللهعليهوآله )، قال لعلي (عليهالسلام ): قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله..
ولكن نصاً آخر ذكر تفصيلاً لهذه الوصية يحتاج إلى الكثير من التأمل، وهو أنه (صلىاللهعليهوآله ) حين دفع إليه الراية قال له:
____________
١- الثقات ج٢ ص٣٠٣ والأخبار الطوال ص٢١٥ والطبقات الكبرى لابن سعد = = ج٣ ق١ ص٢٥ و٢٦ وراجع: أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج٢ ص٤٥٩ و٥٠٢ و٥٠٤.
٢- معارج النبوة ص٣٢٣ و٢١٩.
(سر في المسلمين إلى باب الحصن، وادعهم إلى إحدى ثلاث خصال: إما أن يدخلوا في الإسلام، ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وأموالهم لهم..
وإما أن يذعنوا للجزية والصلح، ولهم الذمة، وأموالهم لهم.
وإما الحرب.
فإن اختاروا الحرب فحاربهم.
فأخذها وسار بها والمسلمون خلفه، حتى وافى باب الحصن، فاستقبله حماة اليهود، وفي أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير.
فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا، فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليهالسلام )، فانهزموا بين يديه، ودخلوا الحصن، وردوا بابه، وكان الباب حجراً منقوراً في صخر، والباب من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحى، وفي وسطه ثقب لطيف.
فرمى أمير المؤمنين (عليهالسلام ) بقوسه من يده اليسرى، وجعل يده اليسرى في ذلك الثقب الذي في وسط الحجر دون اليمنى، لأن السيف كان في يده اليمنى، ثم جذبه إليه، فانهار الصخر المنقور، وصار الباب في يده اليسرى.
فحملت عليه اليهود، فجعل ذلك ترساً له، وحمل عليهم فضرب مرحباً فقتله، وانهزم اليهود من بين يديه؛ فرمى عند ذلك الحجر بيده اليسرى إلى خلفه، فمر الحجر الذي هو الباب على رؤوس الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر.
قال المسلمون: فذرعنا المسافة التي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعاً، ثم اجتمعنا على الباب لنرفعه من الأرض، وكنا أربعين رجلاً حتى
والشافعي في أحد أقواله(١) - لأنّ سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه ، كأجر الحمّال ، ولأنّه في السفر قد سلّم نفسه وجرّدها لهذا الشغل ، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها ، ولا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.
ولما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليهالسلام قال في المضاربة : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه »(٢) .
وظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - وبه قال ابن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد - كما في الحضر ؛ لأنّ نفقته تخصّه ، فكانت عليه ، كما في الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب ، ولأنّه دخل على أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّى ، فلا يكون له غيره ، ولأنّه لو استحقّ النفقة أفضى إلى أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه ، فيخلّ بمقصود العقد(٣) .
____________________
(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٩٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٦ / ١١٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، التلقين : ٤٠٨ ، الذخيرة ٦ : ٥٩ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٦٢ - ٦٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ و ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦.
(٢) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧.
(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : =
والقول الثالث للشافعي : إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر ، والزائد من مال القراض ؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته ، وهو الأصحّ عندهم ، وهو منقول عن مالك أيضاً(١) .
مسألة ٢٥٩ : ولو شرط له النفقة في الحضر ، لزم الشرط ، ووجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول والمشروب والمركوب والملبوس.
وكذا لو شرطها في السفر على قول مَنْ لا يوجبها على المال إجماعاً ؛ عملاً بالشرط.
وينبغي أن يعيّن قدر النفقة وجنسها ، فلا يجوز له التخطّي.
ولو أطلق ، رجع إلى العادة ، وكان صحيحاً.
وبعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(٢) .
وليس شيئاً ؛ لأنّ الأسعار قد تختلف وتقلّ وتكثر.
وقال أحمد : لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(٣) .
إذا عرفت هذا ، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها على جهة الملك
____________________
= ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ - ١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٤ / ١٧١٢ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٧ و ٣٠٩٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١.
(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.
(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.
(٣) المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤.
الصريح ، فلو رجع إلى البلد من سفره وعليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلى القراض.
وإذا قلنا : له النفقة في السفر ولم يعيّن المالك واختلفا في قدرها ، رجع إلى الإطعام في الكفّارة ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوسٍ مثله.
وهذا كلّه في السفر المباح ، أمّا لو خالف المالك فسافر إلى غير البلد الذي أمره بالسفر إليه ، فإنّه لا يستحقّ النفقة ، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.
ولو احتاج في السفر إلى خُفٍّ وإداوة وقِرْبة وشبهها ، أخرج من أصل المال ؛ لأنّه من جملة المؤونة ، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلى مال القراض.
مسألة ٢٦٠ : لو استردّ المالك ماله وقد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه ، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده ، لم يستحق نفقة الرجوع ، كما لو مات العامل لم يكن على المالك تكفينه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، كما لو خالع زوجته في السفر ، والثاني : إنّ له ذلك ، قاله الشافعي ، ثمّ تردّد فقال : قولان(١) .
ولا فرق بين الذهاب والعود.
وعن أحمد رواية كالثاني ؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه وعوده ، وغرّه بتنفيذه إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً وراجعاً ، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(٢) .
والصحيح ما قلناه.
____________________
(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.
(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٥.
وإذا رجع العامل وبقي معه فضل زاد وآلات أعدّها للسفر كالمطهرة والقِرْبة وغير ذلك ، ردّها إلى مال القراض ؛ لأنّها من عينه ، وإنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة ؛ قضاءً للعادة ، وقد زالت الحاجة ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
والثاني : إنّها تكون للعامل(١) .
وليس شيئاً.
مسألة ٢٦١ : لو كان مع العامل مال(٢) لنفسه للتجارة واستصحبه معه في السفر ليعمل فيه وفي مال القراض ، قُسّطت النفقة على قدر المالين ؛ لأنّ السفر إنّما كان لماله ومال القراض ، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً على قدر المال(٣) ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .
ويحتمل النظر إلى مقدار العمل على المالين وتوزيع النفقة على أُجرة مثلهما ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .
وقال بعضهم : إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له ، فإن كان لا يقصد ، فهو كما لو لم يكن معه مال سوى مال القراض(٦) .
أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل ، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما على قدر رأس المالين ، أو قدر العمل فيهما ، والأخير أقرب.
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.
(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « مالاً ». وهو خطأ.
(٣) الظاهر : « المالين ».
(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.
(٦) البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.
مسألة ٢٦٢ : كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً ، لم يجز له التجاوز ولو احتاج إلى أزيد منه ، ولو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر ، لم يجز له الإنفاق ، سواء احتاج أو لا ، بل يُنفق من خاصّ ماله.
وإذا أطلق القراض ، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ ولا تقتير ، والقدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح ، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.
ولو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة ، كجباية المال أو انتظار الرفقة ، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضاً ؛ لأنّه في مصلحة القراض(١) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.
مسألة ٢٦٣ : قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر وإن لم يشترط ، فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد وزيادة توثّقٍ ، وبه قال الشافعي على تقدير الوجوب(٢) .
أمّا على تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان :
أحدهما : إنّ القراض يفسد ، كما لو شرط نفقة الحضر.
والثاني : لا يفسد ؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلى السفر ، وهو مظنّة الربح غالباً(٣) .
____________________
(١) في « ج » : « مال القراض ».
(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.
(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ - ٢١٥.
وعلى هذا فهل يشترط تقديره؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .
وهذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.
وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه ، فجاز اشتراطه ولزم ؛ لقولهعليهالسلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) .
مسألة ٢٦٤ : لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل ، فقد قلنا : إنّ النفقة تُقسّط إمّا على المالين أو على العملين.
فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني ، جاز ، وكانت نفقته على الأوّل.
ولو لم يعلم بالقراض الثاني ، بُسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأوّل ؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً على اختصاص عمله به ؛ لأنّه الظاهر.
ولو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره ، فالحكم كما تقدّم.
ولو شرط الأوّل له النفقةَ ، وشرطها الثاني أيضاً ، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة ولا تعدّدها ، بل له نفقة واحدة عليهما على قدر المالين أو العملين.
مسألة ٢٦٥ : لو احتاج في السفر إلى زيادة نفقةٍ ، فهي من مال القراض أيضاً.
ولو مرض فافتقر إلى الدواء ، فإنّه محسوب عليه.
وكذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً ؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض ، وقد بطل بموته ، فلا يُكفَّن من مال القراض.
وكذا لو أبطل القراض وفسخه هو أو المالك ، فلا نفقة ، كما لو أخذ
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.
(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣)
المالك ماله ؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض ، وقد زال فزالت النفقة.
ولو قتّر على نفسه في الإنفاق ، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد على المعروف ؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.
وكذا لو أسرف في النفقة ، حُسب عليه الزائد على قدر المعروف.
مسألة ٢٦٦ : العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط ، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها ، وقياساً على كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.
ولأنّ هذا الربح مملوك ، فلا بدّ له من مالكٍ ، وربّ المال لا يملكه اتّفاقاً ، ولا تثبت أحكام الملك في حقّه ، فيلزم أن يكون للعامل ؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.
ولأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة ، فكان مالكاً ، كأحد شريكي العنان ، ولو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.
____________________
(١) الوسيط ٤ : ١٢١ - ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥.
ولأنّه لو لم يملك بالظهور ، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه ، والتالي باطل ؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادقعليهالسلام ، قال : قلت له : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستسعى في مال الرجل »(١) والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.
وقال مالك : إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال ، ولو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال ، فلـمّا انحصر في الربح دلّ على عدم الملك.
ولأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.
ولأنّه لم يسلّم إلى ربّ المال رأس ماله ، فلا يملك العامل شيئاً من الربح ، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشترى به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يملك العامل شيئاً منهما(٢) ، وإذا أعتقهما ربّ المال ، عُتقا ، ولا يضمن للعامل شيئاً ، قال المزني : لو مَلَك العامل حصّته بالظهور ، لكانا شريكين في المال ، وإذا تلف منه شيء ، كان بينهما كالشريكين شركة العنان ، ولأنّ القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوطٍ ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل ، كما في الجعالة(٣) .
____________________
(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.
(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٩٣.
(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الوسيط ٤ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.
والجواب : لا امتناع في أن يملك العامل ، ويكون ما يملكه وقايةً لرأس المال ، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح ، ومع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً ، ومن هنا امتنع اختصاصه بربحه ، ولأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ومع ظهور الربح يحصل تمام العمل.
وكذا لو أوصى لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله ، ولآخَر بما يبقى من الثلث ومات وله أربعة آلاف ، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته ، وإذا تلف من ذلك شيء كان من نصيب الموصى له بالباقي.
مسألة ٢٦٧ : ليس لأحدٍ من العامل ولا المالك استحقاق شيءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتى يستوفي المالك جميع رأس ماله.
وإن كان في المال خسران وربح ، جُبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرّةٍ واحدة ، أو الخسران في صفقةٍ والربح في أُخرى ، أو الخسران في سفرةٍ والربح في سفرةٍ أُخرى ؛ لأنّ معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شيء فلا ربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً.
مسألة ٢٦٨ : ملكُ كلّ واحدٍ من العامل والمالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه ، ولا يتصرّف فيه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ، حتى لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن ، ولهذا نقول : ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ ، بل يتوقّف على رضاهما معاً ، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.
أمّا العامل : فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة ؛ لأنّه لا يأمن أن
يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد أخرجه ، فيحتاج إلى غُرْم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا تلزمه الإجابة إلى ما فيه ضرر عليه.
وأمّا المالك : فلا يُجبر على القسمة لو طلبها العامل ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتى تسلّم إلَيَّ رأس المال.
أمّا إذا ارتفع القراض والمال ناضّ واقتسماه ، حصل الاستقرار ، ومَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.
وكذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك واقتسما الباقي.
وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد وإنضاض المال من غير قسمةٍ؟
الأقرب عندي ذلك ؛ لأنّ العقد قد ارتفع ، والوثوق بحصول رأس المال قد حصل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.
وفي الثاني : لا يستقرّ إلّا بالقسمة ؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(١) .
وليس شيئاً.
ولو كان بالمال عروض ، فإن قلنا : إنّ العامل يُجبر على البيع والإنضاض ، فلا استقرار ؛ لأنّ العمل لم يتم ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.
وإن قلنا بعدم الإجبار ، فلهم وجهان ، كما لو كان المال ناضّاً(٢) .
مسألة ٢٦٩ : لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد ، لم يحصل الاستقرار ، بل لو حصل خسران بعده ، كان على العامل جَبْره بما أخذ.
ولو قلنا : إنّه لا يملك إلّا بالقسمة ، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً ، حتى لو
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ - ٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.
مات وهناك ربح ظاهر ، انتقل إلى ورثته ؛ لأنّه وإن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك ، ويتقدّم على الغرماء ؛ لتعلّق حقّه بالعين.
وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ، ويسعى في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.
ولو أتلف المالك المالَ ، غرم حصّة العامل ، وكان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال ، فإنّه يغرم حصّة العامل ، فكذا إذا أتلفه.
ولو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض ، ضمن بدله ، وبقي القراض في بدله كما كان.
مسألة ٢٧٠ : إذا اشترى العامل جاريةً للقراض ، لم يجز له وطؤها ؛ لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان هناك ربح فهي مشتركة على أحد القولين ؛ إذ له حقٌّ فيه.
وليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.
فإن وطئها العامل ولا ربح فيها وكان عالماً ، حُدّ ، ويؤخذ منه المهر بأسره ، ويجعل في مال القراض ؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلى الجبر.
ولو كان هناك ربح ( يُحطّ منه بقدر حقّه ، ويؤخذ )(١) بقدر نصيب المالك مع يساره ، وقُوّمت عليه إن حملت منه ، وثبت لها حكم الاستيلاد ، ودفع إلى المالك نصيبه منها ومن الولد.
ولو كان جاهلاً ، فلا حدّ عليه.
هذا إن قلنا : يملك بالظهور ، وإن قلنا : لا يملك إلّا بالقسمة ، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها ، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.
____________________
(١) بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة : « حُدّ ».
ولا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً ، سواء كان هناك ربح أو لا ؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها ، والوطؤ يُنقّصها إن كانت بكراً ، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة والتلف ؛ لأنّه ربما يؤدّي إلى إحبالها.
ولو ظهر فيها ربح ، كانت مشتركةً على أحد القولين ، فليس لأحدهما الوطؤ.
ولو لم يكن فيها ربح ، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها ؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ ، وإنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال ، أمّا لو تيقّن عدم الربح ، فالأقرب : إنّه يجوز له الوطؤ.
قال بعض الشافعيّة : إذا تيقّن عدم الربح ، أمكن تخريجه على أنّ العامل لو طلب بيعها وأباه المالك ، فهل له ذلك؟ وفيه خلاف بينهم يأتي ، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها ، فيحرم الوطؤ بها(١) .
وإذا قلنا بالتحريم ووطئ ، فالأقرب : إنّه لا يكون فسخاً للقراض ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) .
وعلى كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ ، سواء ظهر ربح أو لا.
أمّا مع عدم ظهور الربح : فلأنّها ملك له خاصّةً.
وأمّا مع ظهوره : فلأنّ الشبهة حاصلة ؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شيء إلّا بعد البيع وظهور الربح والقسمة.
ولو وطئها وحملت ، صارت أُمَّ ولدٍ ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده ، والولد حُرٌّ ، وتخرج من المضاربة ، وتُحتسب قيمتها ، ويضاف إليه بقيّة المال ، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.
تذنيب : ليس للمالك ولا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه ؛ لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقّص قيمتها ، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما ، فإن اتّفقا عليه جاز ؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما ، وذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها ، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز ؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده ، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز وإن وافقه العبد ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده ، والمضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.
ولو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض ، لم يكن له إلّا برضا العامل.
مسألة ٢٧١ : إذا دفع إلى غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة ، كما لو سمنت دابّة القراض ، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.
وأمّا إن كانت منفصلةً ، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج البهيمة ، وكسب العبد والجارية ، وولد الأمة ومهرها إذا وُطئت للشبهة ، فإنّها مال القراض أيضاً ؛ لأنّها من فوائده.
وكذا بدل منافع الدوابّ والأراضي ، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها ، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل ، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأى فيها المصلحة ، وهو المشهور عند الشافعيّة(١) .
وقال بعضهم بالتفصيل ، فإن كان في المال ربح وملّكنا العامل حصّتَه بالظهور ، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض ، وإن لم يكن فيها
____________________
(١) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.
ربح أو لم نملّكه ، فقد اختلفوا.
فقال بعضهم : إنّها تُعدّ من مال القراض ، كالزيادات المتّصلة.
وأكثرهم قال : إنّها للمالك خاصّةً ؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(١) .
ولا بأس به.
ثمّ اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها محسوبة من الربح(٢) .
وقال بعضهم : إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً ولا من رأس المال ، بل هي شائعة(٣) .
ولو وطئ المالكُ السيّدُ ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتى يستقرّ نصيب العامل فيه.
ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان في المال ربح وقلنا : إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلّا لم يجب(٤) .
واستيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.
وإذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال ، فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة.
مسألة ٢٧٢ : لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق ، فهو خسران مجبور بالربح.
وكذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.
وأمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه ، فإن حصل بعد
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.
(٢) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.
(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.
التصرّف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب : إنّه كذلك.
وأكثر الشافعيّة [ ذكروا ](١) أنّ الاحتراق وغيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(٢) ، وأمّا التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان(٣) .
وفرّقوا بينهما بأنّ في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص ، فلا حاجة إلى جبره بمال القراض(٤) .
وأكثرهم لم يفرّقوا بينهما ، وسوّوا بين التلف بالآفة السماويّة وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب ، فلا يجب على العامل جَبْره(٥) .
وكيفما كان فالأصحّ عندهم : إنّه مجبور بالربح(٦) .
وإن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع والشراء ، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون ، فالأقرب : إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف ؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع وقبض العامل له ، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وبه قال المزني(٧) .
____________________
(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».
(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.
(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.
(٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.
والأظهر عندهم : إنّه يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال الخمسين الباقية ؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(١) .
وليس بجيّدٍ ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.
مسألة ٢٧٣ : لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له ، انفسخت المضاربة ؛ لزوال المال الذي تعلّق العقد به.
فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة ، كان لازماً له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً ، كما لو لم يتلف المال ، وعدمه ، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.
أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة وقبل تصرّف العامل فيه ، فإنّ العامل يأخذ بدله ، ويكون القراض باقياً فيه ؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك ، كذا يتناول بدله ، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.
وكذا لو أتلف بعضه.
ولو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ ، فالأقرب : إنّه يُجبر بالربح ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٢) .
إذا عرفت هذا ، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ والمخاصمة له والمطالبة بالبدل والمحاكمة عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ حفظ
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.
(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.
المال يقتضي ذلك ، ولا يتمّ إلّا بالخصومة والمطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال ، فإنّه لو لم يطالبه العامل ، ضاع المال ، وتلف على المالك.
وفي الوجه الثاني : ليس له ذلك ؛ لأنّ المضاربة عقد على التجارة ، فلا يندرج تحته الحكومة(١) .
وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه من توابعها.
فعلى هذا لو ترك الخصومة والطلب مع غيبة المالك ضمن ؛ لأنّه فرّط في تحصيله ، وإن كان حاضراً وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه ؛ لأنّ ربّ المال أولى بذلك من وكيله.
وفصّل بعضهم ، فقال : الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح ، وهُما جميعاً إن كان فيه ربح(٢) .
مسألة ٢٧٤ : لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة ، احتُمل ارتفاعُ القراض ؛ لأنّه وإن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه ، فحينئذٍ يحتاج إلى استئناف القراض ، وبه قال الجويني(٣) ، وبقاءُ القراض في البدل ، كبقائه في أثمان المبيعات ، وفي بدله لو أتلفه الأجنبيّ ، وعلى هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ الـمُتلف.
ولو كان مال القراض مائتين فاشترى بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما ، فإنّه يُجبر التالف بالربح ، فيحسب المغروم من الربح ؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال ، وليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتى يردّ ما تصرّف فيه إلى المالك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.
____________________
(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.
والثاني : البناء على تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول : لو تلفت إحدى المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح ، فهنا أولى ، وإن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك ؛ لأنّ العبدين بدل المائتين ، ولا عبرة بمجرّد الشراء ، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف ، والركن الأعظم في التجارة البيع ؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(١) .
والمعتمد ما قلناه.
مسألة ٢٧٥ : لو اشترى عبداً للقراض فقتله قاتلٌ ، فإن كان هناك ربح فالمالك والعامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية ، وليس لأحدهما التفرّد بالجميع ، بل الحقّ لهما ، فإن تراضيا على العفو على مالٍ أو على القصاص جاز ، وإن عفا أحدهما على غير شيءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص والدية ، وكان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً ، فإن أخذ الدية فذاك ، وإن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه واقتصّ.
وعند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(٢) .
وليس بشيءٍ ، وسيأتي.
وهذا بناءً على ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور ، وإن لم يكن هناك ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مالٍ.
وكذا لو أوجبت الجناية المالَ ولا ربح ، كان له العفو عنه مجّاناً ، ويرتفع القراض.
ولو أخذ المال أو صالح عن القصاص على مالٍ ، بقي القراض فيه ؛
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.
(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣٣ ، البيان ٧ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.
لأنّه بدل مال القراض ، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال ، وإن كان أكثر كان الفضل بينهما.
ولو كان هناك ربح وقلنا : إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة ، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل ؛ لأنّه وإن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به ، فإن اتّفقا على القصاص كان لهما.
مسألة ٢٧٦ : إذا اشترى العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلى البائع ، فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع ، كان ضامناً ، ويكون القراض باقياً ، ويجب عليه الدفع إلى البائع ، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلى صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.
فنقول : إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة ، فإن كان قد اشترى بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه ، وارتفع القراض.
وإن كان الشراء في الذمّة للقراض ، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلى المالك أو إلى القراض ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، بل يردّ المبيع إلى بائعه ، وإن لم يُضف الشراء إلى المالك ولا إلى القراض ، بل أطلق ظاهراً ، حُكم بالشراء للعامل ، وكان الثمن لازماً له.
وإن كان بإذن المالك ، وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع عوض الثمن التالف ، ويكون العقد باقياً.
وهل يكون رأس المال مجموع التالف والمدفوع ثانياً ، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوى : إنّ المجموع رأس المال ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً ؛ لأنّ
التالف قد تلف قبل التصرّف فيه ، فلم يكن من رأس المال ، كما لو تلف قبل الشراء(١) .
وقال مالك : إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخرى ، ويكون هو رأس المال ، دون الأوّل ، وبين أن لا يدفع ، فيكون الشراء للعامل(٢) .
ويتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة على ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلى عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشترى في الذمّة شيئاً ليصرفه إلى الثمن فتلف : إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخرى فيمضي العقد ، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد ، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخرى ، وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ(٣) .
واعلم أنّ الشافعي قال : لو قارض رجلاً ، فاشترى ثوباً وقبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق ، فليس على صاحب المال شيء ، والسلعة للعامل ، وعليه ثمنها.
واختلف أصحابه هنا على طريقين :
منهم مَنْ قال : إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء ، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء ، كانت السلعة لربّ المال ، ووجب عليه ثمنها.
والفرق بينهما : إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإذا
____________________
(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، البيان ٧ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٣ / ١٧٣٦ ، المغني ٥ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٩.
(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.