• البداية
  • السابق
  • 352 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22317 / تحميل: 6997
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى) الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (١) )(٢) .

ونقول:

١ ـ إن انقضاض كوكب من السماء، وسقوطه في موضع بعينه ليس من الأمور التي تخضع لإرادات الناس العاديين، بل هو حدث كوني لا يرى الناس أن لهم فيه حيلة، ولا إلى بلوغه وسيلة..

كما لا سبيل لهم إلى تحديد موقع سقوط الكوكب، إذا لم يقع على مرأى مباشر منهم. فقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم: من انقضَّ في داره فهو الخليفة من بعدي، لا يمكن إلا أن يكون بوحي من الله تبارك وتعالى.. إذ لا يعقل أن تجعل الإمامة والخلافة، وقيادة الأمة وهدايتها معلقة على الصدفة المحضة، فلعل الكوكب قد وقع في الصحراء، أو في إحدى ساحات أو طرقات وأزقة المدينة، ولم يقع في دار أحد. أو وقع في داركافر، أو منافق أو جاحد، أو امرأة أو مجنون. أو جاهل أو ما إلى ذلك.. فهل يمكن أن تسلم الأمة لأمثال هؤلاء؟!

٢ ـ إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان قد بين لبني هاشم،

____________

١- الآيات ١ ـ ٤ من سورة النجم.

٢- در بحر المناقب (مخطوط) لابن حسنويه الموصلي الحنفي ص١٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٨٦ وغاية المرام ج٤ ص٢٣٥ والروضة في فضائل أمير المؤمنين ص١٧٢ وراجع: شرح الأخبار ج١ ص٢٤٣ ومدينة المعاجز ج٣ ص١٦١.

٢٦١

ولغيرهم في مناسبات كثيرة من هو الإمام والخليفة من بعده، ومن ذلك حديث إنذار العشيرة الأقربين.

ولكن النفوس تأبى، والأهواء تمنع من الإستسلام والرضا.. فكانوا ينسبون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى الهوى والعصبية في ذلك.

فكأن الله تعالى أراد أن يخرج هذا الأمر عن دائرة اختيار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ليفهمهم أن الأمر قرار إلهي، لا حيلة للنبي، ولا لغيره فيه. فما عليهم إلا الرضا به، والبخوع له. والكف عن إثارة الهواجس الباطلة بالطريقة التي لا يرضاها الله تبارك وتعالى..

٣ ـ ما ذكرته الرواية الأخيرة، من أن أحد المنافقين خرج، وهو يتهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالعمل بالهوى، وبأنه قد ركبته الغواية في علي (عليه‌السلام )، ربما كان قبل انقضاض الكوكب، وبعد إخبار النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بانقضاضه.. ثم لما حصل ما حصل نزلت الآيات المباركة.

فإن هذا هو المسار الطبيعي للحدث، إذ لا معنى لأن يتهم ذلك المنافق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالعمل بالهوى والغواية، بعد ظهور هذه المعجزة العظيمة، التي كان قد أخبرهم بها قبل وقوعها.

أولئك هم خير البرية:

وروي عن جابر بن عبد الله، قال: كنا عند النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فأقبل علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): قد أتاكم أخي.

٢٦٢

ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة.

ثم قال: إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية.

قال: فنزلت( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) .

قال: وكان أصحاب محمد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إذا أقبل علي (عليه‌السلام ) قالوا: قد جاء خير البرية(٢) .

ونقول:

نلاحظ هنا ما يلي:

____________

١- الآية ٩ من سورة الحشر.

٢- ترجمة الإمام علي (عليه‌السلام ) من تاريخ دمشق (تحقيق المحمودي) ج٢ ص٤٤٢ وتاريخ مدينة دمشق (تحقيق الشيري) ج٤٢ ص٣٧١ وفضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي ص٢١٩ وبشارة المصطفى ص١٩٦ و ٢٩٦ والمناقب للخوارزمي ص١١١ وكشف الغمة ج١ ص١٥١ وج٢ ص٢٣ وينابيع المودة ج١ ص١٩٦ والأمالي للطوسي ص٢٥١ والمحتضر للحلي ص١٦٨ وحلية الأبرار ج٢ ص٤٠٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٥ وغاية المرام ج٣ ص٢٩٩ و ٣٠٢ وج٥ ص٥ و ١٨٦ وج٦ ص٥٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٢١٧ وج١٤ ص٢٥٨.

٢٦٣

١ ـ صرحت الرواية: بأن هذا الذي جرى كان بجوار الكعبة، فدل ذلك على أن هذه القضية قد حصلت إما في عمرة القضاء، أو في فتح مكة، أو في حجة الوداع.

٢ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول لأصحابه حين أقبل علي (عليه‌السلام ): (قد أتاكم أخي..) مع أن الحاضرين قد رأوا علياً (عليه‌السلام ) مقبلاً، كما رآه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). مما يعني: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد اتخذ من إقبال علي (عليه‌السلام ) ذريعة للحديث عن علي (عليه‌السلام )، وإبلاغهم أمراً يرى (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن إبلاغهم له لازم وضروري..

وهذا الأمر إما للتأكيد على أمر سبق بيانه، أو هو تأسيس لأمر جديد، أو هما معاً، وهذا هو الظاهر كما بينته المضامين التي صدرت عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

٣ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد ذكر في هذه الرواية ما يلي:

ألف: ما هو بمثابة التذكير بأمر سابق، يريد للناس أن لا ينظروا إليه على أنه حدث عابر، بل هو أمر له أهميته البالغة، ويراد التأسيس والبناء عليه، ألا وهو موضوع أخوة علي (عليه‌السلام ) لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، التي تجلت في عملية المؤاخاة في مطلع الهجرة وقبلها.

ب: تقرير أمور هامة وأساسية لصيانتها عن التلاعب، وإفشال محاولات إنكارها، ألا وهي كونه (عليه‌السلام ) أولهم إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله.

٢٦٤

٤ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بين أمرين:

أولهما: أفضلية علي (عليه‌السلام ) على جميع الصحابة في ذاته، وشخصيته الإسلامية، فهو أولهم في الإيمان، وأولهم في العمل والممارسة، فإنه أوفاهم بعهد الله.

ثانيهما: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فضل علياً (عليه‌السلام ) عليهم بأمور ترتبط بالحكومة والسلطة، وهي: كونه أقومهم بأمر الله، وأعدلهم في الرعية، وأقسمهم بالسوية، والأقوم بأمر الله، فقد أخرجهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن عمومه بذكر الرعية والقسمة.. ليدل بصورة واضحة على أنه يريد أن يسد أمامهم باب منافسته (عليه‌السلام ) في أمر الحكومة والولاية.

٥ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد وجه خطابه إلى الصحابة بصورة مباشرة، فقال: أولكم، أوفاكم، أقومكم، أعدلكم، أقسمكم، أعظمكم. وإنما لم يقل: أول الناس مثلاً، لكي يمنع من ظهور أي تأويل، أو توهُّم يريد أن يدعي: أنه يتحدث عن سائر الناس، ولم يقصد الحاضرين عنده، أو الصحابة.. أو كبارهم.. أو نحو ذلك..

٦ ـ وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أعظمكم عند الله مزية يشير إلى أن هذا الأمر قد ترك آثاره في مجال أسمى وأعظم من أن يمكنهم التصرف أو الإخلال فيه، لأنه أصبح قراراً إلهياً ماضياً..

وقد نزلت فيه آية مباركة تحسم كل جدل، ولا ينالها خطأ ولا خطل، ألا وهي قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ

٢٦٥

الْبَرِيَّةِ ) (١) .

٧ ـ إن الطريقة التي اتبعها الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في بيان ما يريد، جاءت فريدة ورائعة، حيث أرفق الحدث بحركة غير متوقعة، وهو: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) التفت إلى الكعبة وضربها بيده، ليدلهم على أن ثمة أمراً اقتضى هذا التصرف الخارج عن المألوف.. لا بد أن يتلمسه المتأمل حين ينتهي الحدث، ليكتشف مبرارته، ثم يبقى يعيش في ذهنه، ويتمكن من استحضاره من خلال تذكره لهذه الحركة التي تشده، فتستخرجه من أعماق الذاكرة، وتحضره أمامه، ليتبصَّره وهو على درجة عالية من التألق والوضوح.

أما لو أورد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كلامه بعفوية وترسُّل، لكان على الذاكرة أن تبذل جهداً كبيراً للعثور عليه بين ذلك الركام الهائل من الصور المتناثرة.. وربما لا توفق للعثور عليه أصلاً..

٨ ـ وقد ترك هذا الحدث أثره الظاهر في نفوس الناس، إلى حد أنهم كانوا إذا أقبل علي (عليه‌السلام ) قالوا: (قد جاء خير البرية).

٩ ـ وبذلك يكون (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أقام الحجة عليهم، وأكد حضورها في عقولهم وقلوبهم، حين ربطها بهذا الحدث، الذي أصبح يتبادر إلى أذهانهم بصورة عفوية، فتجذره في عمق الوجدان، وتمازج مع المشاعر، التي تنطلق لتعبر عن نفسها بعفوية ظاهرة.

١٠ ـ إن ضرب الكعبة بيده، ربما أريد به لفت النظر إلى أن ما يريد أن

____________

١- الآية ٩ من سورة الحشر.

٢٦٦

يقرره له مساس بالكعبة وحفظها.. وتأكيد موقعها ومكانتها في النفوس..

كما أنه مرتبط بالتوحيد الذي تمثله الكعبة، وهي الرمز الأعظم والثابت له على مدى العصور والدهور.

فلا بد من الإنقياد والطاعة لله الواحد تبارك وتعالى، والقبول بأن الأمر له.. وأن على الناس أن لا ينقادوا لأهوائهم، وأن لا يستجيبوا لطموحاتهم في أقدس الأمور، وأشدها حساسية.

١١ ـ وبعد.. فإن هذه الروايات قد وردت في مصادر لا تمت إلى الشيعة بصلة.. وقد دونها أناس لا يقولون بالإمامة، أو فقل: لا ينسجمون في مذاهبهم الإعتقادية مع نظام الإمامة، وما يترتب على الإعتقاد به من واجبات ومسؤوليات.

وربما يمكن استفادة أمور أخرى من النص المتقدم، وقد يكون بعضها أدق وأعمق، وأوضح وأصرح مما ذكرناه، غير أننا نكل أمر البحث عنها وبلورتها إلى القارئ إن شاء.

ألف حديث في جلسة واحدة:

عن أم سلمة زوجة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قالت: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مرضه الذي توفي فيه: ادعوا لي خليلي.

فأرسلت عائشة إلى أبيها، فلما جاء غطى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجهه، وقال: ادعوا لي خليلي.

فرجع أبو بكر، وبعثت حفصة إلى أبيها، فلما جاء غطى رسول الله

٢٦٧

(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجهه، وقال: ادعوا لي خليلي.

فرجع عمر، وأرسلت فاطمة (عليها‌السلام ) إلى علي، فلما جاء قام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فدخل، ثم جلل علياً (عليه‌السلام ) بثوبه.

قال علي (عليه‌السلام ): فحدثني بألف حديث، يفتح كل حديث ألف حديث، حتى عرقت وعرق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فسال عليَّ عرقه، وسال عليه عرقي(١) .

وهذا الحديث بهذا المضمون عن بشير الدهقان، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام )، وعن غيره كثير(٢) .

ونقول:

أوردنا هذا الحديث، لنشير: إلى أنه لا مجال للإشكال عليه بأنه كيف يحدث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بألف حديث في مثل هذه العجالة؟! فإن هذا مما لا يمكن حدوثه في العادة.

____________

١- الخصال للصدوق ج٢ ص٦٤٢ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٤٦١ وبصائر الدرجات ص٣٣٣ والإختصاص للمفيد ص٢٨٥ وينابيع المعاجز ص١٤٨ وغاية المرام ج٥ ص٢٢٣.

٢- بحار الأنوار ج٢٢ ص٤٦٣ و ٤٦١ وج٢٦ ص٢٩ وج٤٠ ص١٣٠ والخصال للصدوق ج٢ ص٦٤٣ و ٦٤٥ والإختصاص للمفيد ص٢٨٣ والفصول المهمة للحر العاملي ج١ ص٥٦٢ وينابيع المعاجز ص١٤٧ ونهج السعادة ج٧ ص٤٦٥ وتفسير نور الثقلين ج٤ ص٤٤٤ وغاية المرام ج٥ ص٢٢٢.

٢٦٨

ونجيب:

أولاً: من الذي قال: إن هذا التعليم كان بالوسائل العادية.. وباللغة والألفاظ المتعارفة والمألوفة. فلعل ثمة طريقة أو لغة أخرى يمكن اختزال الألفاظ فيها إلى أقل القليل، وبنحو لا يخدش في دلالاتها؟!

ومن الذي قال: إن هذه المناجات لم تستمر ساعة أو ساعتين أو أكثر، ولا سيما مع تصريح الرواية بعرق النبي والوصي (صلى الله عليهما وآلهما) حتى سال عرق كل منهما على الآخر.

ثانياً: إن العلم نور يقذفه الله في القلب(١) ، فلعل الله تعالى قد تصرف في النبي وفي علي (صلى الله عليهما وآلهما) حتى أمكن نقل هذا النور منه إليه، فحمل عنه ألف حديث يفتح له من كل حديث ألف حديث.

وفي الروايات ما يشير إلى انتقال علم الإمامة أو أسرارها بطرق غير عادية، لحظة اجتماع الإمام السابق باللاحق، قبيل وفاة السابق(٢) .

____________

١- فيض القدير ج٤ ص٥١٠ وتفسير ابن أبي حاتم ج١٠ ص٣١٨٠ والدر المنثور ج٥ ص٢٥٠.

٢- راجع على سبيل المثال: الأمالي للصدوق ص٧٥٩ ـ ٧٦٢ وبحار الأنوار ج٤٩ ص٣٠٠ ـ ٣٠٣ وعيون أخبار الرضا ج٢ ص٢٤٢ و ٢٤٤ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج١ ص٢٧١ ـ ٢٧٤ وروضة الواعظين ص٢٢٩ ـ ٢٣٢ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٤٨٢ و ٤٨٣ ومدينة المعاجز ج٧ ص١٥٨ ـ ١٦٤ و ٣٢٩ ـ ٣٣٢ ومسند الإمـام الرضـا ج١ ص١٩٣ـ ١٩٦ وموسوعـة الإمام الجـواد = = للقزويني ج١ ص٢١٩ ـ ٢٢٤ وإعلام الورى ج٢ ص٨١ ـ ٨٥ وكشف الغمة ج٣ ص١٢٠ ـ ١٢٣.

٢٦٩

أم سلمة تشهد لعلي (عليه‌السلام ):

عن علي بن محمد بن المنكدر، عن أم سلمة زوجة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكانت من ألطف نسائه، وأشدهن له حباً بعد زوجته خديجه (عليها‌السلام )، قال: وكان لها مولى يحضنها ورباها، وكان لا يصلي صلاة إلا سب علياً وشتمه.

فقالت: يا أبة، ما حملك على سب علي؟!

قال: لأنه قتل عثمان وشرك في دمه.

قالت له: لولا أنك مولاي وربيتني، وأنك عندي بمنزلة والدي ما حدثتك بسر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولكن اجلس حتى أحدثك عن علي وما رأيته في حقه.

قالت: أقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وكان يومي، وإنما كان يصيبني في تسعة أيام يوم واحد، فدخل النبي وهو يخلل أصابعه في أصابع علي (عليه‌السلام ) واضعاً يده عليه، فقال: يا أم سلمة، أخرجي من البيت، وأخليه لنا.

فخرجت وأقبلا يتناجيان، وأسمع الكلام، ولا أدري ما يقولان، حتى إذا قلت: قد انتصف النهار، وأقبلت فقلت: السلام عليك يا رسول الله، ألج؟!

٢٧٠

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): لا تلجي، وارجعي مكانك.

ثم تناجيا طويلاً حتى قام عمود الظهر، فقلت: ذهب يومي، وشغله علي، فأقبلت أمشي حتى وقفت على الباب، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، ألج؟!

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): لا تلجي.

فرجعت، فجلست مكاني، حتى إذا قلت: قد زالت الشمس، الآن يخرج إلى الصلاة فيذهب يومي، ولم أر قط يوماً أطول منه، فأقبلت أمشي حتى وقفت فقلت: السلام عليك يا رسول الله، ألج؟!

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): نعم تلجي.

فدخلت وعلي واضع يده على ركبتي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، قد أدنى فاه من أذن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وفم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على أذن علي يتساران، وعلي يقول: أفأمضي وأفعل؟!

والنبي يقول: نعم.

فدخلت، وعلي معرض وجهه حتى دخلت، وخرج.

فأخذني النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأقعدني في حجره، فأصاب مني ما يصيب الرجل من أهله من اللطف والإعتذار، ثم قال: يا أم سلمة، لا تلوميني، فإن جبرئيل أتاني من الله بما هو كائن بعدي، وأمرني أن أوصي به علياً من بعدي، وكنت جالساً بين جبرئيل وعلي، وجبرئيل عن يميني وعلي عن شمالي، فأمرني جبرئيل أن آمر علياً بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة، فاعذريني ولا تلوميني، إن الله عز وجل اختار من كل أمة نبياً، واختار لكل

٢٧١

نبي وصياً، فأنا نبي هذه الأمة، وعلي وصيي في عترتي، وأهل بيتي، وأمتي من بعدي(١) .

ونقول:

نحتاج إلى التذكير هنا بالعديد من الأمور، نذكر منها:

١ ـ إن مكانة علي (عليه‌السلام ) لدى أم سلمة لا تعدلها مكانة أحد بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. وإذا كانت (رضوان الله تعالى عليها) أشد نساء النبي حباً له (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلا بد أن تكون أشدهن حباً لمن يحبه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..ولا سيما بملاحظة أقوال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيه، وعظيم ثناء الله تعالى عليه..

وبذلك يتأكد: أن قداسة ومكانة علي عندها، وموقعه في منظومتها الإعتقادية يجعلها في غاية التوتر، والنفور ممن ينحرف عنه ويميل إلى غيره،

____________

١- الطرائف لابن طاووس ص٨ و(ط مطبعة الخيام) ص٢٤ والمناقب للخوارزمي ص٨٨ وفرائد السمطين باب ٥٢ حديث ٢٢٢ وبشارة المصطفى ص٧٠ بسند آخر (نقلاً عن هامش تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام علي ج٣ ص٩)، والعقد النضيد والدر الفريد للقمي ص١٨٢ والصراط المستقيم ج٢ ص٢٩ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٤٨ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣٠٩ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١١٧ ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه الأصفهاني ص١٠٥ وكشف الغمـة ج١ ص٣٠١ ونهج الإيـمان لابن جبر ص٢٠٠ وغايـة المــرام ج٦ ص٣٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٧٦ وج١٥ ص١٧١.

٢٧٢

فكيف بمن يناوئه ويعاديه، أو يسبه ويشتمه؟!

فإذا كان الذي رباها يسب علياً (عليه‌السلام )، ويشتمه عند كل صلاة، فالمتوقع أن ترفضه، وتنفر منه، وتقف منه موقفاً في غاية السلبية، لأنه يمس أقدس شخصية عندها بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

ولكن الملاحظ هنا: أنها ليس فقط لم تفعل شيئاً من ذلك، وإنما عاملته معاملة هي غاية، في الرفق، واللطف به، والأدب معه، وضبط النفس.

وقد تصرفت معه بطريقة فتحت بها باب فهمه، وأيقظت وجدانه، وأطلقت بصيرته من عقال التعصب الأعمى على آفاق مفعمة بالصفاء والنقاء، والتأمل الواعي والهادي.. وأخذت بيده إلى سبيل الرشاد والسداد، فتاب وأناب، وشملته ألطاف الرب الرحيم التواب، الغفور، والوهاب..

وقدمت أم سلمة النموذج الأمثل للمرأة العاقلة، التي تعي مسؤولياتها، فتبادر إلى القيام بها على أكمل وجه، وأتمه.

٢ ـ إنها (رحمها الله) قد مهدت لما تريد بإفهامها إياه أنها لا تتعامل معه بانفعالاتها وتعصبها الذي يريد أن يفرض خياره وقراره على الآخرين، بل تتعامل معه من موقع الحرص عليه، وابتغاء الخير له، والعرفان بالجميل والوفاء لحقه، من حيث أنه هو البادئ بالتفضل عليها بالتربية والرعاية لها. ثم من موقع الإحترام والإكبار، لا من الإستهانة به والإستهتار بمقامه، فأخبرته بأنها تنظر إليه على أنه بمنزلة والدها..

٣ ـ ثم إنها (رضوان الله تعالى عليها) اعتبرته موضعاً لثقتها، وأهلاً لإيثارها إياه بسر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وميزته بذلك عن غيره،

٢٧٣

وهذا يزيده رضاً بنصحها، واطمئناناً إلى صدق نيتها ولهجتها تجاهه، وابتغائها المصلحة له..

٤ ـ إن هذه الرواية بينت: أن علياً (عليه‌السلام ) قد علم بما هو كائن بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، من الرسول نفسه، الذي كان يتلقى ذلك من جبرئيل (عليه‌السلام ) في نفس اللحظة.. وجبرئيل إنما يخبر عن الله سبحانه..

ثم تلقى من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الأوامر والتوجيهات الإلهية بطريقة تعامله مع تلك الحوادث. وكان جبرئيل هو الذي يأمره بإبلاغ علي (عليه‌السلام ) بتلك التوجيهات..

فدل ذلك على أن علياً (عليه‌السلام ) لا يتعامل مع الأمور بانفعالاته، واجتهاداته الشخصية، وإنما وفق خطة إلهية مرسومة ومبينة. فلا مجال للطعن في أي موقف يتخذه (عليه‌السلام )، ولا يمكن نسبة التقصير أو الخطأ فيه إليه بأي حال من الأحوال.

٥ ـ يلاحظ: أن الأمر لم يقتصر على إخبار علي (عليه‌السلام ) بما يكون بعد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في خصوص حياة علي (عليه‌السلام )، بل أخبره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بما هو كائن بعده إلى يوم القيامة، وأعطاه توجيهاته وأمره فيه.. فدل ذلك: على أن لعلي (عليه‌السلام ) نوعاً من الحضور والتعاطي بنحو من الأنحاء مع تلك الأحداث المستمرة إلى يوم القيامة، وإن لم ندرك نحن بصورة تفصيلية كيفية، وآفاق ومدى هذا الحضور، وذلك التعامل وحدود ذلك التأثير.

٢٧٤

الفصل العاشر:

أحقاد.. وآثار..

٢٧٥

٢٧٦

الحديقة.. تذكِّر بالضغائن:

١ ـ عن أنس وأبي برزة وأبي رافع، وعن ابن بطة من ثلاثة طرق: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خرج يمشي إلى قبا، فمر بحديقة، فقال علي: ما أحسن هذه الحديقة!!

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): حديقتك يا علي في الجنة أحسن منها. حتى مر بسبع حدائق على ذلك.

ثم أهوى إليه فاعتنقه، فبكى (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وبكى علي (عليه‌السلام ).

ثم قال علي (عليه‌السلام ): ما الذي أبكاك يا رسول الله؟!

قال: أبكي لضغائن في صدور قوم لن تبدو لك إلا من بعدي.

قال: يا رسول الله، كيف أصنع؟!

قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): تصبر، فإن لم تصبر تلق جهداً وشدة.

قال: يا رسول الله، أتخاف فيها هلاك ديني؟!

قال: بل فيها حياة دينك(١) .

____________

١- مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضـواء) ج٢ ص١٢١ و (ط المكتبة الحيدريـة) = = ج١ ص٣٨٦ عن مسند أبي يعلى، واعتقاد الأشنهي، ومجموع أبي العلاء الهمداني، وعن الإبانة لابن بطة، وبحار الأنوار ج٤١ ص٤ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٣٢٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٣١ ص١١.

٢٧٧

٢ ـ وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في خبر: يا علي، اتق الضغائن التي لك في صدر من لا يظهرها إلا بعد موتي،( أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (١) . ثم بكى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقيل: مم بكاؤك، يا رسول الله؟!

قال: أخبرني جبرئيل (عليه‌السلام ): أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه، ويقاتلونه ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده(٢) .

٣ ـ قال الحميري:

وقد كان في يوم الحدايق عبرة وقول رسول الله والعين تدمع

____________

١- الآية ١٥٩ من سورة البقرة.

٢- المناقب للخوارزمي ص٦٢ والأمالي للطوسي ص٣٥١ وبحار الأنوار ج٢٨ ص٤٥ وج٣٧ ص١٩٢ وكشف الغمة ج٢ ص٢٥ وكشف اليقين ص٤٦٧ ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص٢٨ والعقد النضيد والدر الفريد ص٧٧ والصراط المستقيم ج٢ ص٨٧ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٢٦٦ والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص٧٠٥ وينابيع المودة ج٣ ص٢٧٩ وغاية المرام ج١ ص١٢٣ وج٢ ص٨٥ وج٣ ص١٩١ و ٢٠٢ وج٤ ص٧٧ وج٦ ص٣١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٥٤.

٢٧٨

فقال علي مم تبكي؟ فقال: من ضغاين قوم شرهم أتوقع

عليك، وقد يبدونها بعد ميتتي فماذا هديت الله في ذاك يصنع(١)

ونقول:

ما أحسن هذه الحديقة!!:

ذكرت الرواية: أن حسن الحديقة لفت نظر علي (عليه‌السلام )، فعبر عن إعجابه بحسنها لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. ثم أعجبته الثانية، والثالثة إلى السابعة، فكان في كل ذلك يظهر (عليه‌السلام ) إعجابه بما يراه من حسن تلك الحدائق..

وهذه الشهادة من علي (عليه‌السلام ) وموافقة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) له تدلنا على أن إنشاء الحدائق في المدينة، قد قطع أشواطاً واسعة في الرقي والإزدهار، ولعلنا لا نجد له مثيلاً في أيامنا هذه..

وذلك، لأن الحسن إنما هو نتيجة تناسق دقيق لأمور يراد لها أن تتخذ أوضاعاً مختلفة لتكوِّن صورة مختارة للتعبير عن معنى يختزنه ذلك التناسق، ويراد الإيحاء به في المرئيات، أو المسموعات، أو في أي شيء آخر.

ومن غير علي (عليه‌السلام ) بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرهف حساً، وأصفى قريحة، وأعلى ذوقاً، وأدق نظراً، وأوفى شعوراً بالحسن

____________

١- مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج٢ ص١٢١ و(ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٣٨٧ وأعيان الشيعة ج٣ ص٤٢٥.

٢٧٩

وبالجمال، وبقيمته وبمزاياه؟!

فإذا شهد (عليه‌السلام ) بالحسن في مورد، فإن أحداً لن يساوره شك في واقعية هذه الشهادة، لأن علياً (عليه‌السلام ) يمثل القمة في كل شيء، ومنه تبدأ الدقائق والحقائق وإليه تنتهي..

الحسن من نعيم الجنة:

وبديهي: أن الحسن إذا كان من مفردات نعيم الجنة، سواء في ذلك حسن حدائقها، أو حسن حورها، أو حسن ولدانها المخلدين. فلا بد من أن يكون المؤمنون قادرين على إدراك هذا الحسن، والتمتع به.

وسيكون إدراكهم قوياً وراقياً ودقيقاً، وإحساسهم مرهفاً بمقدار ما أهلتهم له أعمالهم، واكتسبوه بجهدهم وجهادهم، وتضحياتهم في الحياة الدنيا.

ومن يمكن أن يدعي أنه يملك من ذلك ما يضارع أو يداني ما لدى خير الأنبياء، وسيد الأوصياء (عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام)؟!

ما الذي أبكاك يا رسول الله؟!:

وحين يحزن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لأمر، إلى حد أنه يبكي له، فإن علياً (عليه‌السلام )، لا بد أن يحزن لحزنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لأنه نفسه، وحبيبه، وأخوه.

وإذا كان الإمام الصادق (عليه‌السلام ) يقول عن الشيعة (رضوان الله تعالى عليهم): رحم الله شيعتنا، خلقوا من فاضل طينتنا، يفرحون لفرحنا،

٢٨٠

ويحزنون لحزننا(1) . فهل يمكن أن نتصور علياً (عليه‌السلام ) لا يفرح لفرح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهما قد خلقا من نور واحد، ومن شجرة واحدة، وسائر الناس من شجر شتى؟!(2) .

____________

1- شجرة طوبى ج1 ص3 و 6 وراجع: الخصال ص635 وبحار الأنوار ج10 ص114 وج44 ص287 والعوالم، الإمام الحسين (عليه‌السلام " ص525 وعيون الحكم والمواعظ للواسطي ص152 ولواعج الأشجان ص5 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص117 وتأويل الآيات ج2 ص667 وغاية المرام ج4 ص266 ومكيال المكارم ج2 ص156 والمجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة ص73 و 162.

2- المستدرك للحاكم ج2 ص241 ومجمع الزوائد ج9 ص100 والمعجم الأوسط ج4 ص263 ونظم درر السمطين ص79 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص608 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص64 وميزان الإعتدال ج2 ص306 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص296 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص265 وشواهد التنزيل ج1 ص375 و 554 والجامع لأحكام القرآن ج9 ص283 والدر المنثور ج4 ص44 وتفسير الثعلبي ج5 ص270 ومجمع البيان ج2 ص311 وج6 ص11 وخصائص الوحي المبين ص242 و 246 والخصال للصدوق ص21 وعيون أخبار الرضا ج1 ص78 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج1 ص476 و 480 وشرح الأخبار ج2 ص578 وإقبال الأعمال لابن طاووس ج1 ص506 والصراط المستقيم ج1 ص228 وبحار = = الأنوار ج21 ص279 وج22 ص278 وج35 ص25 و 301 وج36 ص180 وج37 ص38 وج40 ص78 وج99 ص106 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص135 وكشف الغمة ج1 ص323 وراجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص255 ـ 266 وج7 ص180 ـ 184 وج9 ص150 ـ 159 وكتاب فضائل الخمسة ج1 ص171.

٢٨١

ضغائن تبدو بعد وفاة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وعن الضغائن التي أشار إليها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نقول:

إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يخبر عن أمر غيبي، تلقاه من جبرئيل، وحدد له من تفاصيله، ما تقشعر له الأبدان، وتنبو عنه وتأباه النفوس.

ولا شيء يوجب نشوء هذه الضغائن إلا أنه (عليه‌السلام ) قد وترهم، وأبار كيدهم، وأسقط عنفوان الباطل فيهم..

أو أنهم حسدوه لفضائله وميزاته، وما حباه الله به.

أو أنهم وجدوا فيه ما يمنعهم من بلوغ أهدافهم، وتحقيق مآربهم، وطموحاتهم الباطلة..

أو أنهم أبغضوا فيه التزامه بالحق، وحمايته له، وسحقه مناوئيه..

ما يهمُّ علياً (عليه‌السلام ):

وقد بين علي (عليه‌السلام ): أن ما يهمه ليس هو ما يتعرض له من ظلم، ومنع حق، وقتال، وقتل للأولاد والذرية، وسائر أنواع الأذى، بل ما

٢٨٢

يهمه هو: حفظ الدين والحق، ولذلك قال: (أتخاف فيها هلاك ديني)؟!(1) .

آية اللعن:

والذي يدعو للتأمل قول النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله ):( أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (2) ، مع أن هؤلاء الملعونين يعدون أنفسهم، ويعدهم كثير من جملة المسلمين، والآية ترشد إلى مطلوبية لعن الناس لهم، ومحبوبيته. فدعوى مرجوحية اللعن بصورة مطلقة تصبح في غير محلها. ولهذا البحث مجال آخر..

مبغض علي (عليه‌السلام ) رديء الولادة:

عن زيد بن يثيع قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال ـ وقد خيَّم خيمة، وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة علي، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم‌السلام ) ـ: أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، وحرب لمن حاربهم، وولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد، طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد، رديء الولادة

فقال رجل: يا زيد، أنت سمعت من أبي بكر هذا؟!

____________

1- بحار الأنوار ج41 ص5 ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص121 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص386.

2- الآية 159 من سورة البقرة.

٢٨٣

قال: إي ورب الكعبة(1) .

ونقول:

1 ـ إن الروايات المصرحة بأن مبغض علي(عليه‌السلام ) رديء الولادة أو ابن زنا كثيرة، رواها أهل السنة والشيعة على حد سواء.. وهذا الخبر واحد منها. وكذلك الخبر الآتي.

2 ـ إن زيد بن يثيع يقسم على أنه قد سمع ذلك من أبي بكر بعد أن سأله سائل: إن كان قد سمع ذلك منه حقيقة.. حيث يبدو أن السائل لم يتعقل صدور هذا الأمر من أبي بكر، الذي نازع علياً (عليه‌السلام ) في الخلافة، وجرت الأمور على النحو المعروف. وحصل ما حصل..

3 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد جعل رداءة الولادة وطيبها مرتبطة بحب ثلاثة آخرين غير علي (عليه‌السلام )، وهم فاطمة والحسنان (عليهم‌السلام ).. وهذا لا ينافي إقتصار سائر الروايات على ذكر علي (عليه‌السلام ) ،

____________

1- الفصول المئة ج3 ص288 عن فرائد السمطين ج2 ص373 والأربعون حديثاً لمنتجب الدين بن بابويه ص19 والمناقب للخوارزمي ص296 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص174 وشرح إحقاق الحق ج9 ص165 وج18 ص415 وج25 ص238 وج26 ص259 وج27 ص95 وج33 ص89 وشرح الأخبار ج3 ص515 والغدير ج1 ص336 وج4 ص323 والنص والإجتهاد ص90 عن سمط النجوم ج2 ص488 والرياض النضرة (ط مكتبة الخانجي بمصر) ج2 ص189.

٢٨٤

فإن إثبات شيء لشيء لا يعني الإنحصار به، بل قد يشاركه غيره فيه..

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يشهر علياً (عليه‌السلام ):

عن أنس بن مالك قال: كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إذا أراد أن يشهر علياً في موطن أو مشهد علا على راحلته، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه.

وإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شهر علياً يوم خيبر، فقال:

يا أيها الناس، من أحب أن ينظر إلى آدم في خلقه ـ وأنا في خلقي ـ وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب، إذا خطر بين الصفين كأنما يتقلع من صخر، أو يتحدر من دهر.

يا أيها الناس، امتحنوا أولادكم بحبه، فإن علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم.

قال أنس بن مالك: وكان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه، ثم يقف على طريق علي، وإذا نظر إليه يوجِّهه بوجهه تلقاءه، وأومأ بإصبعه: أي بني تحب هذا الرجل المقبل؟!

فإن قال الغلام: نعم، قبله.

وإن قال: لا، حرف (لعل الصحيح: ضرب) به الأرض، وقال له: الحق بأمك، ولا تلحق أبيك بأهلها [كذا]، فلا حاجة لي فيمن لا يحب علي

٢٨٥

بن أبي طالب (عليه‌السلام )(1) .

ونقول:

نستفيد من هذا النص أموراً، نذكر منها:

1 ـ إنه قد تكرر إشهار النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) في المواطن والمشاهد حتى أصبح مألوفاً للناس..

2 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يتخذ وضعاً خاصاً للقيام بعمله هذا، صار الناس يعرفون طريقته، وحالاته، فإذا رأوا تلك الحالات عرفوا أن ثمة أمراً يرتبط بعلي، وأنه يريد إشهاره وإعلانه، وهو أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعلو على راحلته، ويأمر الناس بالإنخفاض دونه، وهذا الذي جرى في خيبر كان أحد تلك المشاهد.

3 ـ ودلت الصفات التي أطلقها (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) على أنه قد حوى من صفات الكمال والجمال أتمها وأفضلها، فقد حوى من صفات آدم (عليه‌السلام ) صفات كماله في خلقته، ومن صفات النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخلاقه الفاضلة، وأخذ أيضاً خلة إبراهيم، ومناجاة موسى، وزهد يحيى، وسن (أو سنة) عيسى.

أي أنه (عليه‌السلام ) قد حاز الصفات التي امتاز بها الأنبياء، وجاراهم

____________

1- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (ط بيروت) ج2 ص224 وتاريخ مدينة دمشق (ط دار الفكر) ج42 ص288 و (ط مكتبة المرعشي) ج15 ص611 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج15 ص611 وج21 ص364.

٢٨٦

بها، حتى إن النظر إليه يكفي عن النظر إلى جميع الأنبياء، لأن الناظر إلى كل شخص لا بد أن ينجذب إلى الصفة التي كملت فيه حتى امتاز بها. ولكنه حين ينظر إلى علي (عليه‌السلام )، فإنه ينجذب إلى جميع الصفات، لأنها امتازت كلها فيه..

4 ـ ويلاحظ: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد وقف هذا الموقف في خيبر بالذات، ليدل على أن ما جرى على يد علي (عليه‌السلام ) لا ينبغي أن يتعامل معه بنظرة ضيقة ومحدودة، تجعل من علي (عليه‌السلام ) مجرد رجل شجاع وقوي. بل لا بد أن ينظر إلى علي (عليه‌السلام ) كله في صفاته الخلقية، والخلقية، والنفسية، والإيمانية، ومقاماته الروحية، وفضائله، وفي نهجه، وفي هداه وكمالاته كلها.

5 ـ وأقوى تحذير يمكن أن نتصوره لمن يختار مناوأة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ومعاداته هو هذا البيان الصريح والقاطع الذي يضع من يعاديه من أهل الهوى والعصبية الجاهلية أمام أصعب الخيارات، حيث يطعن في شرفه، ويضع علامة استفهام على طهارة مولده.

6 ـ وقد أصبح هذا البيان النبوي معياراً، يكشف الناس به الخفايا، ويظهرون به الخبايا، لأنهم على يقين من صدق نبيهم، ومن أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى

وقد كان جابر (رحمه‌الله ) يقول: كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي

٢٨٧

طالب(1) ، وعن عبادة بن الصامت مثله. والروايات حول ذلك كثيرة.

وقد اضطر كثير من الناس من أعداء علي (عليه‌السلام ) إلى التظاهر بحب علي (عليه‌السلام ) لإثبات براءتهم مما يرميهم به الناس، مع أن قرائن الأحوال لا تؤيد هذه البراءة..

إمتحان الأولاد بحب علي (عليه‌السلام ):

روى الصفوري الشافعي: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أصحابه يوم خيبر بأن يمتحنوا أولادهم بحب علي بن أبي طالب، فإنه لا يدعو إلى ضلالة ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم.

قال أنس: فكان الرجل بعد ذلك يقف بولده على طريق علي، فيقول: يا بني أتحب هذا؟!

فإن قال: نعم، قبله.

____________

1- شرح الأخبار ج1 ص446 وتفسير نور الثقلين ج5 ص45 وشواهد التنزيل ج1 ص449 وراجع: الرواشح السماوية للأسترآبادي ص137والغدير ج3 ص26 وج4 ص322 وتفسير مجمع البيان ج9 ص177 وراجع: الإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص158 و 160 وتفسير جوامع الجامع ج3 ص372 والتفسير الصافي ج5 ص30 وج6 ص482 ونهج الإيمان ص456 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص161 وشرح إحقاق الحق ج7 ص266 وج14 ص656 وج17 ص250 وج21 ص365 ـ 367.

٢٨٨

وإن قال: لا، طلق أمه وتركه معها(1) .

عن عبادة الصامت قال: كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رشدة.

ثم قال الجزري: لغير رشدة: ولد زنا. وهذا مشهور من قديم وإلى اليوم، أنه ما يبغض علياً إلا ولد زنا(2) .

عن أبي سعيد الخدري: كنا معشر الأنصار نبور أولادنا بحبهم علياً (عليه‌السلام )، فإذا ولد فينا مولود فلم يحبه، عرفنا أنه ليس منا.

قوله: نبور: نختبر ونمتحن(3) .

ونقول:

إن هذه الأحاديث قد تضمنت أموراً تحتاج إلى بسط في البيان، ربما لا نستطيع أن نوفره في الوقت الحاضر، غير أننا نشير إلى ما يلي:

____________

1- نزهة المجالس ج2 ص208 والمحاسن المجتمعة (مخطوط) ص161 عن الزهر الفاتح، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج17 ص249 وج30 ص301.

2- أسنى المطالب ص57 والغدير ج3 ص26 وج4 ص322.

3- أسنى المطالب ص58 والغدير ج4 ص322 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص159 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص367 و 368.

٢٨٩

اختبار المولود:

إن موضوع الحب والبغض أمر قلبي جوانحي، لا بد من الإحساس به وإدراكه قبل التعبير عنه بالكلمة، أو بالإشارة ونحوها. والمولود لا يكون مؤهلاً عادة لمثل هذا الإمتحان..

وإذا كان الحب والبغض يحتاج إلى محفزات، ولنفترض أن ذلك الطفل قد كبر حتى صار عمره عدة سنوات، فإن أجواءه قد لا تسمح له بالتعرف على محاسن علي (عليه‌السلام )، حيث يكون له عالمه الخاص به، واهتماماته المناسبة لسنه، فما معنى أن يمتحن المولود بحب علي (عليه‌السلام )..

وهل يمكن الإعتماد على ما يظهره المولود إذا كان لا يتعقل ما يقول، ويتابع غيره فيما يقول وفيما يفعل؟! فلعله ابتلى بمن كان يعلمه بغض علي (عليه‌السلام )، ويوحي إليه بما ينفره منه.. فكيف تؤاخذ أمه على أمر من هذا القبيل، ثم تتهم به، وتطلق، وتمزق العائلة؟!

ويمكن أن يجاب: بأن الله تعالى يقول:( لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا ) (1) . فلو لم يؤته الله سبحانه حب علي (عليه‌السلام ) وإمكان التعبير عنه، وإلهامه الصواب والصدق فيه، لم يعرِّض الله كرامة أمه للخطر، وحياتها للإنتكاس.

ومن الذي قال: إنه تعالى لم يوجد بين القلوب والأرواح علاقات وروابط لا تنالها إدراكاتنا، تجعلها تتواصل، وتتحابب وتتنافر بصورة

____________

1- الآية 7 من سورة الطلاق.

٢٩٠

طبيعية، وحتى من دون أن يتم لقاء وتعارف مباشر بين الأشخاص. فقد روي: أن الأرواح جند مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف(1) .

وقيل: من القلب إلى القلب سبيل(2) .

هذا المعيار حساس:

وقد لوحظ: أن هذا المعيار الذي جعله الله، قد جاء في غاية الحساسية والأهمية، بالنسبة للناس الغيورين على نسائهم، والمهتمين بسلامة شرفهم، وطهارة ذيلهم.

____________

1- راجع: روضة الواعظين ص492 والأمالي للصدوق ص209 وعلل الشرائع ج1 ص84 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص380 ومختصر بصائر الدرجات ص214 وراجع: المسائل السروية ص37 والتحفة السنية (مخطوط) ص84 ونهج السعادة ج8 ص254 وعون المعبود ج13 ص124 وراجع: بصائر الدرجات ص109 و 411 وكتاب المؤمن للحسين بن سعيد ص39 والإعتقادات في دين الإمامية للصدوق ص48 والإختصاص للمفيد ص311 وعوالي اللآلي ج1 ص288 ومدينة المعاجز ج2 ص197 وبحار الأنوار ج2 ص265 وج5 ص241 و 261 وج6 ص294 وج25 ص14 وج45 ص404 وج58 ص31 و 63 و 64 و 79 و 80 و 106 و 134 و 139 و 144 وج65 ص205 و 206.

2- راجع: تفسير الآلوسي ج23 ص214.

٢٩١

وهو بنفسه يثير الحماس لممارسة هذا الإختبار، ويثير الخوف والرهبة منه أيضاً.. ويدعو للحذر من مخالفته مقتضياته. والتحفظ من تبعات الفشل في الإمتحان فيه.

كما أنه معيار لمدى ثقة الإنسان المؤمن، بربه ونبيه.

الحادثة في خيبر:

وبما أن العنايات الإلهية، والألطاف الربانية، والكرامة الظاهرة لكل ذي عينين قد تجلت في معركة خيبر، بنحو يوجب اليقين، وزوال أدنى شك أو ريب بها، فمن الطبيعي أن يطلق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هذا المعيار البالغ في دقته وحساسيته، وآثاره على المشاعر، وخطورته على البنية العائلية ـ من الطبيعي أن يطلقه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ـ في خصوص هذه المناسبة، ليمكن للناس أن يفهموه وأن يستوعبوه، وأن يتقبلوه بنفوس أبية، وبأريحية وحمية، وهكذا كان..

٢٩٢

الباب الثالث عشر:

المرض.. والوفاة..

٢٩٣

٢٩٤

الفصل الأول:

وصايا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مرض الوفاة..

٢٩٥

٢٩٦

إبعثي بها إلى علي (عليه‌السلام ):

عن سهل بن سعد قال: كان عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سبعة دنانير وضعها عند عائشة، فلما كان في مرضه قال: يا عائشة، ابعثي الذهب إلى علي، ثم أغمي عليه، وشغل عائشة ما به، حتى قال ذلك مراراً، كل ذلك يغمى على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويشغل عائشة ما به، فبعث به إلى علي فتصدق به(1) .

ونقول:

1 ـ لا نرى مبرراً لتواني عائشة عن امتثال أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولا سيما بعد أن كرره عليها مراراً، إلا أنها لم تشأ أن ترسلها إلى علي (عليه‌السلام )، الذي كانت لا تطيق ذكره بخير أبداً..

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص250 عن ابن سعد والطبراني برجال الصحيح، وراجع: مجمع الزوائد ج3 ص124 والعهود المحمدية للشعراني ص158 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص239 وإمتاع الأسماع ج14 ص515 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص627 والمعجم الكبير ج6 ص198 و السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص472.

٢٩٧

2 ـ ألا يعتبر ما فعلته عائشة من موجبات الأذى لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

3 ـ لا نستطيع أن نصدق أن الناس قد تركوا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحده في مرض موته، بحيث تنشغل به زوجته بمفردها، وهل يمكن أن تتركه فاطمة، وسائر زوجاته، والحسنان، وزينب، وغيرهن؟!..

بل إن نفس الرواية قد صرحت بوجود أشخاص آخرين كان يمكنها أن تبعث الدنانير مع واحد منهم.. وهو نفس الشخص الذي بعث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الدنانير معه، بعد أن استنقذها من عائشة..

بل إن نفس قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ابعثي الذهب إلى علي، يدل على تمكنها من فعل ذلك، وأن الأشخاص الذين يمكن أن يطلب منهم ذلك كانوا في متناول يدها.

وصية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري، قال: جلست إلى الأصبغ بن نباته، قال: ألا أقرئك ما أملاه علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ).

فأخرج إلي صحيفة، فإذا مكتوب فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

(هذا ما أوصى به محمد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أهل بيته وأمته. وأوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته.

وأوصى أمته بلزوم أهل بيته.

٢٩٨

وأهل بيته يأخذون بحجزة نبيهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وإن شيعتهم يأخذون بحجزهم يوم القيامة.

وإنهم لن يدخلوكم باب ضلالة، ولن يخرجوكم من باب هدى)(1) .

ونقول:

1 ـ إن هذه الرواية ذكرت: أن علياً (عليه‌السلام ) أملى وصية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على الأصبغ، ولم تذكر: أن هذه الوصية كانت مكتوبة عند علي (عليه‌السلام )، فيحتمل أن يكون (عليه‌السلام ) قد أملاها على الأصبغ من حفظه.

2 ـ لا يشترط في الوصية أن تكون مكتوبة، بل تكفي الوصية بالقول.

3 ـ ويؤكد هذه الوصية شهرة علي (عليه‌السلام ) باسم الوصي.. وقد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب طائفة من الأشعار المتضمنة لإطلاق لفظ (الوصي) عليه.. وهذه النصوص بالقياس إلى سائر ما تضمن هذا الوصف له، نقطة من بحر، لا مجال للإحاطة به..

4 ـ إن علياً (عليه‌السلام ) لا يكتفي بمجرد نقل الوصية إلى الأصبغ بالقول. بل هو يمليها عليه ليكتبها، لتكون وثيقة يمكن أن تتداولها

____________

1- راجع: نظم درر السمطين ص240 وينابيع المودة ص273 و(ط دار الأسوة) ج2 ص365 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص166 وكتاب الأربعين للشيرازي ص376 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج9 ص477 وج18 ص504.

٢٩٩

الأيدي، وليثبت مضمونها، كنص ثابت المضمون، في منأى عن النسيان، وعن النقيصة والزيادة، أو النقل بالمعنى.

5 ـ والوصية صرحت بأنها معنية بفريقين من الناس هما: أهل بيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أولاً. والأمة ثانياً.

وقد أوصى أهل بيته (عليهم‌السلام ) بأمرين:

أولهما: تقوى الله سبحانه..

والثاني: لزوم الطاعة له تبارك وتعالى..

ولو اقتصر على الأمر بتقوى الله، فقد يفسَّر ذلك بمجرد الخوف، الذي لا يستتبع عملاً. ولكنه حين ذكر لزوم الطاعة والإستقامة عليها، فإنه يكون قد قرن الشعور القلبي بالحركة العملية، التي أرادها حائزة لوصف الدوام والمثابرة الدؤوب، لأنه يريدهم أسوة، وقدوة للأمة، أي أن المطلوب هو الكون معهم، وعدم الإستقلال، أو الإستبداد بشيء دونهم.

وهذه هي حقيقة اتخاذهم أئمة وقادة في كل الأمور. إذ لا يكفي مجرد الخضوع لسلطتهم، إن تسلموا زمام السلطة.

6 ـ قد أكد ذلك (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين بين أن المطلوب هو أن يكون التعامل معهم على حدّ تعاملهم هم مع نبيهم، حيث قال عن أهل البيت (عليهم‌السلام ): (وأهل بيته يأخذون بحجزة نبيهم).

7 ـ إن المراد بأهل بيته، أهل بيت النبوة، وليس المراد الساكنين معه في البيت، ولا مطلق الذرية.

وهم ـ أعني أهل بيت النبوة ـ أناس مخصوصون، بينهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352