• البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17474 / تحميل: 4828
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 9

مؤلف:
العربية

وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (1) إن في الله تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المحروم من حرم الثواب، وإن المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

فقال علي: هل تدرون من هذا؟ هذا الخضر (عليه‌السلام )(2) .

ولعل هذا أقرب إلى الصواب، والله هو العالم بالحقائق.

ونقول:

إن لنا بعض الوقفات مع ما سبق، فلاحظ ما يلي:

الأنصار الذين حضروا دفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

بالنسبة لمطالبة الأنصار بالمشاركة في تجهيز ودفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

____________

1- الآية 185 من سورة آل عمران.

2- سبل الهدى والرشاد ج12 ص340 وفي هامشه عن: ابن سعد ج2 ص211 و (ط دار صادر) ج2 ص275 وانظر المطالب العالية ج4 ص259 وكنز العمال ج7 ص251 والمعجم الكبير ج3 ص129 ومجمع الزوائد ج9 ص35 والإصابة ج2 ص266 و 267 والدر المنثور ج2 ص107 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص444 وتفسير ابن أبي حاتم ج9 ص3076 وراجع: بحار الأنوار ج22 ص505 و 515 وج39 ص132 والأمالي للصدوق ص166 وعن إكمال الدين ص219 و 220 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص84 وروضة الواعظين ص72 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص308.

١٠١

نقول:

إن الأنصار لم يحضروا كلهم في سقيفة بني ساعدة، ولعله قد بقي أعداد منهم، ومن المهاجرين أيضاً في محيط المسجد.. ممن لم يكن لهم حول ولا قوة، ولا تأثير ظاهر في النشاطات السياسية، فأحبوا إشراكهم في بعض الأمر، فطلبوا ذلك من علي (عليه‌السلام )، فلبى طلبهم بإشراك أوس.

إشـارة:

قد دل النص الآنف الذكر رقم 1 والنص رقم 3 على عدم حضور شقران، وأسامة بن زيد، وصالح دفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لأنهم لم يكونوا من أهل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولا من أقاربه..

الصدمة الكبرى لعائشة:

قال علي (عليه‌السلام ) لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): يا رسول الله، أمرتني أن أصيرك في بيتك إن حدث بك حدث؟!

قال: نعم يا علي بيتي قبري.

قال علي (عليه‌السلام ): فقلت: بأبي وأمي، فحد لي أي النواحي أصيرك فيه.

قال: إنك مسخر بالموضع وتراه.

قالت له عائشة: يا رسول الله، فأين أسكن؟!

قال: (اسكني أنت بيتاً من البيوت، إنما هو بيتي، ليس لك فيه من الحق إلا ما لغيرك، فقري في بيتك ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى، ولا تقاتلي

١٠٢

مولاك ووليك ظالمة شاقة، وإنك لفاعلة).

فبلغ ذلك من قوله عمر، فقال لابنته حفصة: مري عائشة لا تفاتحه في ذكر علي ولا تراده، فإنه قد استهيم فيه في حياته وعند موته، إنما البيت بيتك لا ينازعك فيه أحد، فإذا قضت المرأة عدتها من زوجها كانت أولى ببيتها، تسلك إلى أي المسالك شاءت(1) .

ونقول:

1 ـ سيأتي أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) دفن في بيت علي والزهراء (عليهما‌السلام )..

2 ـ تدل الرواية: على أن البيوت لم تكن للزوجات، وأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يملكهن إياها، فلماذا إذن منعت عائشة من دفن الإمام الحسن (عليه‌السلام ) مع جده، وقالت: نحوا ولدكم عن بيتي، ولا تدخلوا بيتي من لا أحب(2) .

____________

1- بحار الأنوار ج22 ص494 عن الطرف ص46.

2- راجع: الإرشاد للمفيد ج2 ص18 والخرائج والجرائح ج1 ص242 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص149 وبحار الأنوار ج44 ص153 و 154 و 157 والأنوار البهية ص92 والدرجات الرفيعة ص125 وقاموس الرجال ج12 ص300 وأعيان الشيعة ج1 ص576 والجمل للمفيد ص234 وكشف الغمة ج2 ص209 مناقب آل أبي طالب ج3 ص204. وراجع: روضة الواعظين ص168.

١٠٣

3 ـ إن عائشة هي التي بادرت إلى تحديد موضع دفن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأنه في بيتها، ولكن ذلك لا يعني أن تجري الأمور وفق هواها، فقد يجاريها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الآن، ثم يأمر علياً (عليه‌السلام ) بدفنه حيث يقبضه الله تعالى، وهكذا كان.

4 ـ إن علياً (عليه‌السلام ) يطلب من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تحديد مكان دفنه ـ مع أن علياً (عليه‌السلام ) يعرف الموضع ويراه ـ لأجل أن يسمع الآخرين الجواب، ولكي لا يتهم بأنه (عليه‌السلام ) يتصرف من عند نفسه.

5 ـ قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ): إنك مسخر بالموضع، وتراه. يدل على أن علياً (عليه‌السلام ) إنسان إلهي مسدد، ومؤيد منه تعالى، وله خصوصيات ليست لغيره، ولذلك فهو لا يحتاج إلى تحديد الموضع من قبل الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فالمكان مسخر له وهو يراه.

6 ـ ويلاحظ هنا: إهتمام عائشة بموضع سكناها لو دفن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في حجرتها، مع أن المفروض هو أن تهتم بحياة الرسول، وبموضع دفنه، وأن تعلن أنها مستعدة للتضحية بكل شيء في سبيل امتثال أوامره، وتلبية حاجاته، وتنفيذ رغباته. وأن يشغلها ألم فراقه عن هم سكناها بعده..

7 ـ إن الرواية تصرح: بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر عائشة بأن تقر في بيتها، في إشارة منه لها بأنه سوف لا يدفن في ذلك البيت، لتحتاج إلى البحث عن غيره لسكناها.

١٠٤

8 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخبرها بأنها سوف لا تقر في بيتها، بل هي سوف تخرج منه لمحاربة إمام زمانها ووليها ظالمة له..

9 ـ قد يحق للناظر أن يبدي إحتمال أن يكون هذا الحوار بين النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعائشة قد جاء توطئة لتوجيه التحذير لعائشة مما ستقدم عليه من الخروج على إمام زمانها، ليكون ذلك من الإخبارات الغيبية، ومن أعلام نبوته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. وأن خلافة علي أمر إلهي يعرف النبي عن الله كل تفاصيل ما يجري فيه..

10 ـ إن هذا الحوار أيضاً قد أنتج جرأة هائلة من عمر بن الخطاب على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حيث رد على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقرر لابنته حفصة: أن البيت بيتها، ولا ينازعها فيه أحد..

وكلمته الأخيرة تشير إلى أنه كان مطمئناً إلى أنه سوف يملك القدرة على رد كلام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعد وفاته!!

11 ـ والأمر والأدهى إتهام عمر لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأنه استهيم بعلي (عليه‌السلام ) حياً وميتاً.. وكأنه يريد أن يقول: إن تصرفاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا تستند إلى مبررات معقولة، بل هي نتيجة هيام خارج عن دائرة التعقل والحكمة.

وهذا يتناغم مع قوله في رزية يوم الخميس عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): إن الرجل ليهجر، أو غلبه الوجع.

12 ـ إن عمر قد أمر عائشة بالإمتناع عن مفاتحة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بشيء من أمر علي (عليه‌السلام )، وأن لا تراده الكلام فيه، ربما لأنه

١٠٥

خشي أن يتسبب ذلك بتصريح النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأمور حول مقام علي (عليه‌السلام ) تزيد من تعقيد الأمور أمام مشاريعهم الإستئثارية..

13 ـ وأخيراً، فإن هذا التوجيه العمري لعائشة يُظهِر مدى التنسيق بين أركان هذه الجماعة في موضوع إقصاء علي (عليه‌السلام )، والإستئثار بالأمر دونه..

أين دفن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؟!:

قد عرفنا: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) دفن في الموضع الذي قبض فيه، وقد روي عن عائشة قولها: اختلفوا في دفنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فقالت لعلي (عليه‌السلام ): إن أحب البقاع إلي مكان قبض فيه نبيه(1) .

وكان (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خرج فصلى بالناس، وخفف الصلاة، ثم وضع يده على عاتق علي (عليه‌السلام )، والأخرى على عاتق أسامة، ثم انطلقا إلى بيت فاطمة (عليها‌السلام )..

وهناك قبض (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

ودفن في هذا البيت بالذات..

وقد ذكرنا أدلة كثيرة على هذا الأمر، وحددنا مكان بيت علي وفاطمة

____________

1- مجمع الزوائد ج9 ص112 والخصائص الكبرى للسيوطي ج2 ص486 ومسند أبي يعلى ج8 ص279 والبداية والنهاية ج7 ص397 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص394 والغدير ج7 ص189 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص693.

١٠٦

(عليهما‌السلام ) من جهة، وبيت عائشة من جهة أخرى في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ج33 ص119ـ 139 فلا بأس بالرجوع إليه..

حديث سم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

1 ـ روي: أنه لما رجع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من خيبر، جاءته امرأة من اليهود ـ قد أظهرت الإيمان ـ بذراع مسمومة، وأخبرته أنها كانت قد نذرت ذلك له..

وكان مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) البراء بن معرور، والإمام علي (عليه‌السلام )، فطلب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الخبز، فجيء به، فأخذ البراء لقمة من الذراع، ووضعها في فيه..

فقال (عليه‌السلام ): لا تتقدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فقال له البراء: كأنك تبخِّل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؟!

فأخبره الإمام علي (عليه‌السلام ): بأنه ليس لأحد أن يتقدم على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأكل ولا شرب، ولا قول ولا فعل..

فقال البراء: ما أبخِّل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

فقال الإمام علي (عليه‌السلام ): ما لذلك قلت. ولكن هذا جاءت به يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلتها بدون إذنه وكلت إلى نفسك..

هذا.. والبراء يلوك اللقمة، إذ أنطق الله الذراع، فقالت: يا رسول الله، إني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت، ومات.

١٠٧

ثم دعا (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالمرأة فسألها..

فأجابته بما يتضمن الإعتراف بالجريمة، وأنه إن كان نبياً لم يضره ذلك، بل سوف يخبره الله به.

فأخبرها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن البراء لو أكل بأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لكفي شره وسمه..

ثم دعا بقوم من خيار أصحابه، فيهم سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وصهيب، وبلال، وعمار، وقوم من سائر الصحابة تمام العشرة، والإمام علي (عليه‌السلام ) حاضر..

فدعا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الله تعالى، ثم أمرهم بالأكل من الذراع المسمومة، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا الماء.

وحبس المرأة، وجاء بها في اليوم التالي.. فأسلمت..

ولم يصلِّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على البراء، حتى يحضر الإمام علي (عليه‌السلام )، ليُحِلَّ البراء مما كلمه به حين أكل من الشاة.. وليكون موته بذلك السم كفارة له..

فقال بعض من حضر: إنما كان مزحاً مازح به علياً، لم يكن جداً فيؤاخذه الله عز وجل بذلك.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): لو كان ذلك منه جداً لأحبط الله أعماله كلها. ولو كان تصدق بمثل ما بين الثرى إلى العرش ذهباً وفضة، ولكنه كان مزحاً وهو في حل من ذلك، إلا أن رسول الله يريد أن لا يعتقد أحد منكم: أن علياً (عليه‌السلام ) واجد عليه، فيجدد بحضرتكم إحلالاً،

١٠٨

ويستغفر له، ليزيده الله عز وجل بذلك قربة ورفعة في جنانه.. الخ(1) .

2 ـ وفي رواية عن الأصبغ، عن الإمام علي (عليه‌السلام ): أنه يقال للمرأة اليهودية: عبدة.

وأن اليهود هم الذين طلبوا منها ذلك، وجعلوا لها جعلاً.

فعمدت إلى شاة فشوتها، ثم جمعت الرؤساء في بيتها، وأتت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقالت: يا محمد، قد علمت ما توجَّب لي من حق الجوار، وقد حضر في بيتي رؤساء اليهود، فزينِّي بأصحابك..

فقام (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه الإمام علي (عليه‌السلام )، وأبو دجانة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، وجماعة من المهاجرين..

فلما دخلوا، وأخرجت الشاة، سدت اليهود آنافها بالصوف.

وقاموا على أرجلهم، وتوكأوا على عصيهم..

فقال لهم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اقعدوا..

فقالوا: إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به.

وكذبت اليهود لعنهم الله، إنما فعلت ذلك مخافة سَوْرة السم.. ودخانه..

____________

1- راجع: بحار الأنوار ج17 ص318 و 320 و 396 والتفسير المنسوب للإمام العسكري ص177 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128 والإمام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) للهمداني ص646.

١٠٩

ثم ذكرت الرواية: تكلُّم كتف الشاة، وسؤال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعبدة عن سبب فعلها، وجوابها له.. وأن جبرئيل هبط إليه وعلَّمه دعاء، فقرأه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكذلك من معه، ثم أكلوا من الشاة المسمومة، ثم أمرهم أن يحتجموا(1) .

ونقول:

قد أثبتنا في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الجزء 33 فصل: رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مات شهيداً، إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مات مسموماً..

غير أن ما يعنينا هنا هو التعرض للروايات التي ذكرت الإمام علياً (عليه‌السلام ) في سياق حركة الأحداث في هذا الموضوع.. والرواية التي ذكرناها آنفاً هي الأوضح والأصرح في ذلك.. فالمطلوب هو الوقوف عند بعض ما تضمنته من إشارات، فنقول:

أولاً: ذكرت الرواية الأولى: أن البراء بن معرور أكل من الشاة المسمومة فمات، مع أن البراء قد توفي قبل هجرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

____________

1- راجع: الأمالي للصدوق ص294 وبحار الأنوار ج17 ص395 و 396 وج92 ص140 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص80 وروضة الواعظين ص61 ومستدرك الوسائل ج16 ص307 والثاقب في المناقب ص81 والجواهر السنية ص139 وجامع أحاديث الشيعة ج23 ص542.

١١٠

إلى المدينة بشهر(1) ، وقضية خيبر كانت في السنة السابعة بعد الهجرة.

وقد يقال: المراد بشر بن البراء، فسقطت كلمة (بشر) سهواً..

ويجاب:

بأن سقوطها مرات عديدة في رواية واحدة بعيد.

ثانياً: اختلفت الروايات في الذي أكل من الشاة، هل هو البراء بن معرور، أو بشر بن البراء بن معرور، أو بشر بن البراء بن عازب؟!

وهل كانت هذه القضية في المدينة، أو في خيبر؟!

واختلفت أيضاً في موت أحد ممن كان مع النبي، أو عدم موت أحد.. وهناك اختلافات كثيرة بين الروايات لا حاجة إلى استقصائها.

ثالثاً: ذكرت الرواية المتقدمة: أن علياً (عليه‌السلام )، صرح بأنه يشك

____________

1- راجع: السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص308 أسد الغابة ج1 ص174 والإصابة ج1 ص144 و145 و (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص415 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص136 و (ط دار الجيل) ج1 ص152 وفتح الباري ج5 ص276 وج7 ص173 والثقات لابن حبان ج1 ص136 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص620 والمصنف لابن أبي شيبة ج3 ص239 وصحيح ابن حبان ج15 ص474 والمستدرك للحاكم ج3 ص181 وبحار الأنوار ج19 ص132 ونيل الأوطار ج4 ص91 وإعانة الطالبيين ج2 ص123 وراجع: كنز العمال ج13 ص294 وتاريخ مدينة دمشق ج56 ص19.

١١١

في سلامة هدية تلك اليهودية، حيث قال: ولسنا نعرف حالها.. فلماذا لم يشك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيها أيضاً؟!.. وإن كان قد شك بها، فلماذا لم يحذر من معه من الأكل منها قبل التثبت من حالها؟!

ولماذا بادر هو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى الأكل منها ما شاء الله؟! كما ورد في بعض نصوص الرواية(1) .

ولماذا لم يحذره علي (عليه‌السلام ) من ذلك كما حذر البراء؟!

ولماذا لم يأخذ البراء بتحذير علي؟!

وإن كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد سمع تحذير علي للبراء، فلماذا لم يرتب هو الأثر عليه؟!

وإذا كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حاضراً وسامعاً للحوار بين علي (عليه‌السلام ) وبين البراء، فلماذا لم يتدخل لحسم النزاع؟!

رابعاً: عددت الرواية المتقدمة عن التفسير المنسوب للإمام العسكري الأشخاص الذين دعاهم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للأكل من الذراع، وكانوا من خيار أصحابه، وذكرت صهيب الرومي منهم!! مع أن صهيباً كان عبد سوء، وكان من أعوان المعتدين على الزهراء، والغاصبين لحق علي، وتخلف عن بيعته (عليه‌السلام ) أيضاً، وكان من المعادين لأهل البيت(2) .

____________

1- راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ج33 فصل: رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مات شهيداً.

2- راجع فيما تقدم: ترجمة صهيب في قاموس الرجال ج5 ص135 ـ 137 وغيره.

١١٢

خامساً: كيف يأكل خيار أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من الشاة المسمومة إلى حد الشبع، ثم لا يصيبهم شيء، ويعيشون إلى عشرات الأعوام بعد ذلك.. ولكنه هو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحده الذي وجد ألم أكلته بخيبر، بعد ثلاث سنوات، وإن أبهره قد انقطع، وما زال ينتقض به سمه حتى مات؟!..

سادساً: إن رواية التفسير تقول: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يصل على البراء إلى أن يأتي علي (عليه‌السلام ) ليحلّه مما كلمه به، وليكون موته بذلك السم كفارة له..

فلما اعترضوا على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن البراء قد قال ذلك مزاحاً، ولا يؤاخذ الله بالمزاح، تراجع (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقال: (..ولكنه كان مزحاً، وهو في حل من ذلك).

ثم اعتذر لهم عن موقفه الأول بأنه أراد أن لا يعتقد أحد أن علياً واجد عليه، فأراد أن يجدد بحضرتهم إحلالاً له، ويستغفر له، ليزيده بذلك قربة ورفعة في جنانه، وكأن الرواية تنسب التدليس والإخبار بغير الحق إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ثم التراجع عن ذلك بعد ظهور الأمر.. وحاشاه من ذلك كله..

كما أننا لم نعرف الوجه لتعبيره بكلمة (..ولكنه كان مزحاً، وهو في حل من ذلك) مع أن المناسب أن يقول: إن كان مزحاً فهو في حل الخ..

سابعاً: كيف صدق المسلمون اليهود في قولهم: إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد.. وهم لم يؤمنوا بعد برسول الله؟!

١١٣

ألم يكن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد زارهم قبل ذلك، واجتمع بهم؟! فهل كانوا يقومون أيضاً، ويسدُّون آنافهم بالصوف..حتى لا يتأذى بأنفاسهم؟!.

وحين سدوا آنافهم بالصوف مخافة سَوْرة السم، هل تنفسوا من أفواههم بعد سد الآناف؟!..

وهل التنفس من الفم يمنع من سَوْرة السم حقاً؟!

أم أنهم سدوها بالصوف، والتزموا بأن يتنفسوا منها أيضاً؟

إن الرواية لم توضح لنا ذلك!!

وإذا كان السم يؤثر إلى هذا الحد، فلا حاجة بهم إلى إطعام الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من الشاة، بل يكفي أن يضعوها أمامه.. ويدخل السم إلى بدنه الشريف عن طريق التنفس.

ثامناً: إذا كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد علم بالسم، وقرأ الدعاء، وأمرهم بأكل ما هو مسموم، ليظهر المعجزة، والكرامة بذلك، فما معنى أمره لمن معه بالإحتجام بعد ذلك؟!..

فهل أثّر الدعاء في حجب أثر السم، أم لم يؤثر؟ فإن كان قد أثّر، فما الحاجة إلى الحجامة؟!. وإن كان لم يؤثر، فلماذا كان الدعاء؟!

وإذا كان قد أثر، فلماذا مات هو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من ذلك، ووجد انقطاع أبهره بعد ثلاث سنوات؟!

وكيف أقدم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على تناول سم يؤدي إلى الموت، من دون تثبُّت من تأثير الدعاء في منع تأثيرالسم؟!

١١٤

الفصل السادس:

السقيفة.. بروايتهم..

١١٥

١١٦

قريش.. والخلافة:

كانت قريش تتعاطى مع الخلافة بعد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على أنها حكم وسلطان، يجلب لها المنافع الدنيوية، ويعزز نفوذها، ويؤكد لها هيبتها المرتكزة على التجبر والظلم، ويعيد لها احترامها وامتيازاتها الظالمة، واستعلاءها البغيض، وكبرياءها المقيت..

أما النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعلي (عليه‌السلام )، فالخلافة عندهم مقام أعطاه الله لأهله، يُحْفَظُ بها الدين، وتصان بها مصالح العباد. وهي شأن من شؤون الإمامة، التي لا تكون إلا للأنبياء وأوصيائهم.

الأنصار يراقبون الأحداث:

وعلى هذا الأساس نقول:

1 ـ لا شك في أن الأنصار كانوا على مقربة مما يجري، ويرون بأم أعينهم جرأة قريش على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يوم عرفة، وفي رزية يوم الخميس، ومحاولة قتل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بتنفير الناقة ليلة العقبة، ثم العصيان المعلن لأوامره المتعلقة بسرية أسامة، ثم ما جرى في قضية صلاة أبي بكر بالناس.. وغير ذلك.

ويرون أيضاً جهد قريش وأعوانها المتواصل لإبطال مسعى رسول الله

١١٧

(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لتأكيد أمر الإمامة في علي (عليه‌السلام ).. ويعرفون الكثير مما يدور في الحلقات والجلسات المختلفة، ويسمعون ويرون الهمسات والغمزات، وما يدبَّر ويحضَّر من الفريق المناوئ لعلي (عليه‌السلام ) وبني هاشم، ولم يكن لديهم أدنى شك في أن ثمة تصميماً على منع علي من الوصول للخلافة مهما كلف الأمر.

2 ـ والأنصار يعلمون أيضاً: أن أهل مكة حديثوا عهد بالإسلام، وان أكثر الناس قد أعلنوا إسلامهم بعد فتح مكة، أي في سنتي تسع وعشر.

3 ـ وكانوا يعلمون كذلك: أن قريشاً كانت تعتبر الأنصار هم السبب في ظهور أمر محمد، وقد نصروه وآزروه، وشاركوا في قتل فرسان ورجال قريش، وصناديد العرب، وأن مراجل حقدها ومن يدور في فلكها كانت تغلي وتفور على الأنصار، ولا تجد لها متنفساً..

4 ـ وكانوا يخشون من أن تنتقم منهم قريش وأعوانها إذا وصلت إلى الحكم والسلطان، وربما يكون إنتقاماً قاسياً وشرساً وبشعاً..

5 ـ وكان في الأنصار طامعون وطامحون أيضاً.. وتراودهم خطرات وتصورات تحفزهم إلى استباق الأحداث، لأن الخلافة إذا كانت سوف لن تصل إلى أهلها، فلماذا لا يبادرون إلى اقتناص الفرصة، ما دام أن ذلك يحصنهم من انتقام الناس منهم.. علماً بأن المرشحين لهذا الأمر من الفريق الآخر ليسوا بأفضل حالاً من الطامحين من الأنصار، كسعد بن عبادة وغيره.. فبادروا إلى سقيفتهم.. التي سوف نذكر ما جرى فيها في الفقرات التالية إن شاء الله..

١١٨

من تجليات خوف الأنصار:

وقبل أن نذكر أحداث السقيفة، نذكر بعض الشواهد على خوف الأنصار من تولي بعض القرشيين ـ غير علي (عليه‌السلام ) ـ للحكم، فلاحظ ما يلي:

1 ـ قال الحباب بن المنذر يوم السقيفة: (ولكنا نخاف أن يليها بعدكم من قتلنا أبناءهم، وآباءهم، وإخوانهم)(1) .

2 ـ إن الأنصار عندما مات النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كانوا يبكون، لأنهم لا يدرون ما يلقون من الناس بعده (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

3 ـ سيأتي: أن الأنصار قالت بعد خطبة أبي بكر فيهم في جملة كلام: (ولكننا نشفق بعد اليوم، فلو جعلتم اليوم رجلاً منكم، فإذا مات أخذتم رجلاً من الأنصار فجعلناه..)(3) .

____________

1- راجع: حياة الصحابة ج1 ص420 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص53 وبحار الأنوار ج28 ص326 والسقيفة وفدك للجوهري ص51 وقاموس الرجال ج12 ص108 وفتح الباري ج12 ص135 والسقيفة للمظفر ص97 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص182 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص275 وحياة الإمام الحسين (عليه‌السلام ) للقرشي ج1 ص236.

2- مسند أحمد ج6 ص339 ومجمع الزوائد ج9 ص34.

3- سبل الهدى والرشاد ج12 ص313 وراجع: بحار الأنوار ج28 ص344 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص8 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص14 و (تحقيق الشيري) ج1 ص23.

١١٩

أحداث السقيفة بروايتهم:

ثم إن أتباع الخلفاء يروون أحداث السقيفة بطريقتهم الخاصة، متجاهلين الكثير من الأمور الهامة والحساسة التي وردت في مصادرهم، ونحن نذكر هنا النص الذي أورده الصالحي الشامي، مكتفين بذلك، فنقول:

قال الصالحي الشامي:

روى ابن إسحاق، والإمام أحمد، والبخاري، وابن جرير، عن ابن عباس: أن عمر بن الخطاب قال وهو على المنبر: إنه قد بلغني أن فلاناً ـ وفي رواية البلاذري عن ابن عباس: أن قائل ذلك الزبير بن العوام ـ قال: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً(1) .

وفي رواية البلاذري عن ابن عباس: (بايعت علياً) لا يغرن امرءاً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت(2) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج11 ص127 وج12 ص311 عن ابن إسحاق، وأحمد، والبخاري، وابن جرير. وراجع: صحيح البخاري ج8 ص25 وفتح الباري (المقدمة) ص337 وعمدة القاري ج17 ص62 وج24 ص6 وصحيح ابن حبان ج2 ص154 وأضواء البيان للشنقيطي ج5 ص368 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص280 و 281.

2- سبل الهدى والرشاد ج12 ص311. وراجع: خلاصة عبقات الأنوار ج3 ص305 وصحيح ابن حبان ج2 ص155 و 157 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص281 و 283 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1073.

١٢٠