إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن الجزء ١

مؤلف: أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
تصنيف: القرءات وفنّ التجويد
الصفحات: 316
مؤلف: أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
تصنيف: القرءات وفنّ التجويد
الصفحات: 316
إملاء مامن به الرحمن
من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن
الجزء الأول
أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
(٥٣٨ ـ ٦١٦ هـ)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قال الشيخ الامام العالم محب الدين أبو البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري رحمه الله تعالى ، ورحم أسلافه بمحمد وآله وأصحابه وأنصاره : الحمد لله الذى وفقنا لحفظ كتابه ، وأوقفنا على الجليل من حكمه وأحكامه وآدابه ، وألهمنا تدبر معانيه ووجوه إعرابه ، وعرفنا تفنن أساليبه من حقيقته ومجازه وإيجازه وإسهابه ، أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مؤمن بيوم حسابه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبرز في لسنه وفصل خطابه ، ناظم حبل الحق بعد انقضابه ، وجامع شمل الدين بعد انشعابه ، صلى الله عليه وآله وأصحابه ، ما استطار برق في أرجاء سحابه ، واضطرب بحر بآذيه وعبابه .
أما بعد : فإن أولى ما عنى باغى العلم بمراعاته ، وأحق ما صرف العناية إلى معاناته ما كان من العلوم أصلا لغيره منها ، وحاكما عليها ولها فيما ينشأ من الاختلاف عنها ، وذلك هو القرآن المجيد ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وهو المعجز الباقي على الابد ، والمودع أسرار المعاني التى لا تنفد ، وحبل الله المتين ، وحجته على الخلق أجمعين .
فأول مبدوء به من ذلك تلقف ألفاظه عن حفاظه ، ثم تلقى معانيه ممن يعانيه ، وأقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه ، ويتوصل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه ، معرفة إعرابه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه ، والنظر في وجوه القرآن المنقولة عن الائمة الاثبات .
والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا ، مختلفة ترتيبا وحدا ، فمنها المختصر حجما وعلما ، ومنها المطول بكثرة إعراب الظواهر ، وخلط الاعراب بالمعانى ، وقلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم ، فلما وجدتها على ما وصفت ، أحببت أن أملى كتابا يصغر حجمه يكثر علمه ، أقتصر فيه على ذكر الاعراب ووجوه القراءات ، فأتيت به على ذلك ، والله أسأل أن يوفقنى فيه لاصابة لصواب ، وحسن القصد به بمنه وكرمه .
إعراب الاستعاذة
( أعوذ ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو مثل أقتل ، فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين وبقيت ساكنة ، ومصدره عوذ وعياذ ومعاذ ، وهذا تعليم ، والتقدير فيه: قل أعوذ .
( والشيطان ) فيعال من شطن يشطن إذا بعد ، ويقال فيه شاطن وتشطين ، وسمى بذلك كل متمرد لبعد غوره في الشر ، وقيل هو فعلان من شاط يشيط إذا هلك فالتمرد هالك بتمرده ، ويجوز ان يكون سمى بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره ، و( الرجيم ) فعيل بمعنى مفعول : أى مرجوم بالطرد واللعن ، وقيل هو فعيل بمعنى فاعل : أى يرجم غيره بالاغواء .
إعراب التسمية
الباء في( بسم ) متعلقة بمحذوف ، فعند البصريين المحذوف مبتدأ والجار والمجرور خبره ، والتقدير ابتدائى بسم الله ، أى كائن باسم الله فالباء متعلقة بالكون والاستقرار ، وقال الكوفيون : المحذوف فعل تقديره ابتدأت أو أبدأ ، ذفالجار والمجرور في موضع نصب بالمحذوف وحذفت الالف من الخط لكثرة الاستعمال ، فلو قلت لاسم الله بركة أو باسم ربك أثبت الالف في الخط ، وقيل حذفوا الالف لانهم حملوه على سم وهى لغة في اسم ، ولغاته خمس : سم بكسر السين وضمها ، واسم بكسر الهمزة وضمها ، وسمى مثل ضحى ، والاصل في اسم سمو ، فالمحذوف منه لامه ، يدل على ذلك قولهم في جمعه أسماء وأسامى ، وفى تصغيره سمى ، وبنوا منه فعيلا فقالوا : فلان سميك أى اسمه كاسمك ، والفعل منه سميت وأسميت ، فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره .
وقال الكوفيون : أصله وسم لانه من الوسم وهو العلامة ، وهذا صحيح في المعنى فاسد اشتقاقا .
فإن قيل : كيف أضيف الاسم إلى ال له، والله هو الاسم ؟ قيل : في ذلك ثلاثة أوجه : أحدهما أن الاسم هنا بمعنى التسمية ، والتسمية غير الاسم ؛ لان الاسم هو اللازم للمسمى ، والتسمية هو التلفظ بالاسم ، والثانى أن في الكلام حذف مضاف تقديره باسم مسمى الله ، والثالث أن اسم زيادة ، ومن ذلك قوله : * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * وقول الآخر :
داع يناديه باسم الماء |
أى السلام عليكما ونناديه بالماء |
والاصل في الله الالاه ، فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة ، ثم سكنت وأدغمت في اللام الثانية ثم فخمت إذا لم يكن قبلها كسرة ، ورققت إذا كانت قبلها كسرة ، ومنهم من يرققها في كل حال ، والتفخيم في هذا الاسم من خواصه .
وقال أبوعلي : همزة إلاه حذفت حذفا من غير إلقاء ، وهمزة إلاه أصل وهو من أله يأله إذا عبد ، فالاله مصدر في موضع المفعول أى المألوه وهو المعبود ، وقيل أصل الهمزة واو لانه من الوله فالاله تتوله إليه القلوب : أى تتحير ، وقيل أصله لاه على فعل ، وأصل الالف ياء لانهم قالوا في مقلوبه لهى أبوك ، ثم أدخلت عليه الالف واللام( الرحمن الرحيم ) صفتان مشتقتان من الرحمة والرحمن من أبنية المبالغة ، وفى الرحيم مبالغة أيضا إلا أن فعلانا أبلغ من فعيل ، وجرهما على الصفة ، والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف ، وقال الاخفش : العامل فيها معنوى وهو كونها تبعا ، ويجوز نصبهما على إضمار أعنى ورفعهما على تقدير هو .
سورة الفاتحة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الجمهور على رفع( الحمد ) بالابتداء و( لله ) الخبر واللام متعلقة بمحذوف أى واجب أو ثابت ، ويقرأ الحمد بالنصب على أنه مصدر فعل محذوف ، أى أحمد الحمد ، والرفع أجود ؛ لان فيه عموما في المعنى ، ويقرأ بكسر الدال إتباعا لكسرة اللام كما قالوا المعيرة ورغيف وهو ضعيف في الآية ؛ لان فيه إتباع الاعراب البناء ، وفى ذلك إبطال للاعراب ، ويقرأ بضم الدال واللام على إتباع اللام الدال ، وهو ضعيف أيضا ؛ لان لام الجر متصل بما بعده منفصل عن الدال ، ولا نظير له في حروف الجر المفردة إلا أن من قرأ به فر من الخروج من الضم إلى الكسر وأجراه مجرى المتصل ؛ لانه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده ، والرب مصدر رب يرب ، ثم جعل صفة كعدل وخصم ، وأصله راب وجره على الصفة أو البدل ، وقرئ بالنصب على إضمار أعنى ، وقيل على النداء ، وقرئ بالرفع على إضمار هو( العالمين ) جمع تصحيح واحده عالم ، والعالم اسم موضوع للجمع ولا واحد له في اللفظ ، واشتقاقه من العلم عند من خص العالم بمن يعقل ، أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات
وفى( الرحمن الرحيم ) الجر والنصب والرفع ، وبكل قرئ على ماذكرناه في رب قوله تعالى( ملك يوم الدين ) يقرأ بكسر اللام من غير ألف ، وهو من عمر ملكه ، يقال ملك بين الملك بالضم ، وقرئ بإسكان اللام وهو من تخفيف المكسور مثل فخذ وكتف ، وإضافته على هذا محضة وهو معرفة ، فيكون جره على الصفة أو البدل من الله ، ولاحذف فيه على هذا ، ويقرأ بالالف والجر ، وهو على هذا نكرة ؛ لان اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرف بالاضافة ، فعلى هذا يكون جره على البدل لا على الصفة ؛ لان المعرفة لاتوصف بالنكرة ، وفى الكلام حذف مفعول تقديره : مالك أمر يوم الدين ، أو مالك يوم الدين الامر ، وبالاضافة لى يوم خرج عن الظرفية ؛ لانه لايصح فيه تقدير في ؛ لانها تفصل بين المضاف والمضاف إليه ، ويقرأ مالك بالنصب على أن يكون بإضمار أعنى أو حالا ، وأجاز قوم أن يكون نداء ، ويقرأ بالرفع على إضمار هو أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراءة من رفع الرحمن ، ويقرأ مليك يوم الدين رفعا ونصبا وجرا ، ويقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل ويوم مفعول أو ظرف ، والدين مصدر دان يدين .
قوله تعالى( إياك ) الجمهور على كسرة الهمزة وتشديد الياء ، وقرئ شاذا بفتح الهمزة ، والاشبه أن يكون لغة مسموعة ، وقرئ بكسر الهمزة وتخفيف الياء ، والوجه فيه أنه حذف إحدى الياءين لاستثقال التكرير في حرف العلة ، وقد جاء ذلك في الشعر ، قال الفرزدق :
تنظرت نصرا والسماكين أيهما |
علي مع الغيث استهلت مواطره |
وقالوا في أما : أيما ، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف ، وإيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر ، فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لاموضع لها ، ولاتكون اسما ؛ لانها لو كانت اسما لكانت إيا مضافة إليها ، والمضمرات لاتضاف ، وعند الخليل هى اسم مضمر أضيفت إيا إليه ؛ لان إيا تشبه المظهر لتقدمها على الفعل والفاعل ولطولها بكثرة حروفها ، وحكى عن العرب : إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب .
وقال الكوفيون : إياك بكمالها اسم وهذا بعيد ؛ لان هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم والمخاطب والغائب فيقال : إياى وإياك وإياه .
وقال قوم : الكاف اسم وإيا عماد له وهو حرف ، وموضع إياك نصب بنعبد .
فإن قيل : إياك خطاب والحمد لله على لفظ الغيبة ، فكان الاشبه أن يكون إياه .
قيل : عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة .
وسيمر بك من ذلك مقدار صالح من القرآن .
قوله تعالى( نستعين ) الجمهور على فتح النون ، وقرئ بكسرها وهى لغة ، وأصله نستعون نستفعل من العون فاستقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى العين ثم قلبت ياء لسكونها وإنكسار ماقبلها .
قوله تعالى( اهدنا ) لفظه أمر والامر مبنى على السكون عند البصريين ، ومعرب عند الكوفيين ، فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذى هو بناء ، وعند الكوفيين ، هو علامة الجزم ، وهدى يتعدى إلى مفعول بنفسه فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه ومنه هذه الآية ، وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى : " هدانى ربي إلى صراط مستقيم " ، وجاء متعديا باللام ، ومنه قوله تعالى : " الذى هدانا لهذا " .
و ( السراط ) بالسين هو الاصل ؛ لانه من سرط الشئ إذا بلعه ، وسمى الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشئ المبتلع ، فمن قرأه بالسين جاء به على الاصل ، ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الاطباق ، والسين تشارك الصاد في الصفير والهمس ، فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها ، فكانت مقاربتها لها مجوزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الاطباق ، ومن قرأ بالزاى قلب السين زايا ؛ لان الزاى والسين من حروف الصفير ، والزاى أشبه بالطاء ؛ لانهما مجهورتان ، ومن أشم الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والاطباق ، وأصل( المستقيم ) مستقوم ثم عمل فيه ماذكرنا في نستعين ، ومستفعل هنا بمعنى فعيل : أى السراط القويم ، ويجوز أن يكون بمعنى القائم ، أى الثابت ، وسراط الثانى بدلا من الاول ، وهو بدل الشئ وهما بمعنى واحد وكلاهما معرفة ، والذين اسم موصول وصلته أنعمت ، والعائد عليه الهاء والميم ، والغرض من وضع الذى وصف المعارف بالجمل ؛ لان الجمل تفسر بالنكرات والنكرة لاتوصف بها المعرفة ، والالف واللام في الذى زائدتان وتعريفها بالصلة ، ألا ترى أن " من " و " ما " معرفتان ولا لام فيهما فدل أن تعرفهما بالصلة .
والاصل في الذين اللذيون ؛ لان واحده الذى ، إلا أن ياء الجمع حذفت ياء الاصل لئلا يجتمع ساكنان ، والذين بالياء في كل حال ؛ لانه اسم مبنى ، ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو ، وفى الجر والنصب بالياء كما جعلوا تثنيته بالالف في الرفع وبالياء في الجر والنصب .
وفى الذى خمس لغات : إحداها الذى بلام مفتوحة من غير لام التعريف ، وقد قرئ به شاذا، والثانية الذى بسكون الياء ، والثالثة بحذفها وإبقاء كسرة الذال ، والرابعة حذف الياء وإسكان الذال ، والخامسة بياء مشددة .قوله تعالى :( غير المغضوب ) يقرأ بالجر ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها أنه بدل من الذين .
والثانى أنه بدل من الهاء والميم في عليهم والثالث أنه صفة للذين .
فإن قلت : الذين معرفة وغير لا يتعرف بالاضافة فلا يصح أن يكون صفة له .
ففيه جوابان : أحدهما أن غير إذا وقعت بين متضادين ، وكانا معرفتين تعرفت بالاضافة كقولك : عجبت من الحركة غير السكون ، وكذلك الامر هنا ؛ لان المنعم عليه والمغضوب عليه متضادان .
والجواب الثانى أن الذين قريب من النكرة ؛ لانه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم ، وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالاضافة ، فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه .
ويقرأ غير بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدهما أنه حال من الهاء والميم والعامل فيها أنعمت ، ويضعف أن يكون حالا من الذين ؛ لانه مضاف إليه ، والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال ، وقد قيل إنه ينتصب على الحال من الذين ويعمل فيها معنى الاضافة .
والوجه الثانى أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من الهاء والميم .
والثالث أنه ينتصب بإضمار أعنى والمغضوب مفعول من غضب عليه ، وهو لازم والقائم مقام الفاعل عليهم ، والتقدير غير الفريق المغضوب ، ولا ضمير في المغضوب لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل ، ولذلك لم يجمع فيقال الفريق المغضوبين عليهم ؛ لان اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة( ولا الضالين ) " لا " زائدة عند البصريين للتوكيد ، وعند الكوفيين هى بمعنى غير ، كما قالوا : جئت بلا شئ فأدخلوا عليها حرف الجر فيكون لها حكم غير .
وأجاب البصريون عن هذا بأن " لا " دخلت للمعنى فتخطاها العامل كما يتخطى الالف واللام والجمهور على ترك الهمز في الضالين : وقرأ أيوب السختيانى بهمزة مفتوحة ، وهى لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو : ضال ودابة وجان ، والعلة في ذلك أنه قلب الالف همزة لتصح حركتها ؛ لئلا يجمع بين ساكنين .
فصل : وأما آمين فاسم للفعل ومعناها اللهم استجب ، وهو مبنى لوقوعه موقع المبنى ، وحرك بالفتح لاجل الياء قبل آخره كما فتحت أين ، والفتح فيها أقوى ؛ لان قبل الياء كسرة ، فلو كسرت النون على الاصل لوقعت الياء بين كسرتين .
وقيل ( آمين ) : اسم من أسماء الله تعالى ، وتقديره : ياآمين ، وهذا خطأ لوجهين : أحدهما أن أسماء الله لاتعرف إلا تلقيا ولم يرد بذلك سمع والثانى أنه لو كان كذلك لبنى على الضم ؛ لانه منادى معرفة أو مقصود ، وفيه لغتان : القصر وهو الاصل ، والمد وليس من الابنية العربية ، بل هو من الابنية الاعجمية كهابيل وقابيل والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة فنشأت الالف ، فعلى هذا لاتخرج عن الابنية العربية .
فصل : في هاء الضمير نحو : عليهم وعليه وفيه وفيهم وإنما أفردناه لتكرره في القرآن .
الاصل في هذه الهاء الضم ؛ لانها تضم بعد الفتحة والضمة والسكون نحو : إنه وله وغلامه ويسمعه ومنه ، وإنما يجوز كسرها بعد الياء نحو : عليهم وأيديهم ، وبعد الكسر نحو : به وبداره ، وضمها في الموضعين جائز ؛ لانه الاصل ، وإنما كسرت لتجانس ماقبلها من الياء والكسرة ، وبكل قد قرئ .
فأما عليهم ففيها عشر لغات ، وكلها قد قرئ به : خمس مع ضم الهاء ، وخمس مع كسرها ، فالتى مع الضم : إسكان الميم وضمها من غير إشباع ، وضمها مع واو ، وكسر الميم من غير ياء ، وكسرها مع الياء ، وأما التي مع كسر الهاء : فإسكان الميم وكسرها من غير ياء وكسرها مع الياء ، وضمها من غير واو ، وضمها مع الواو ، والاصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو كما قرأ ابن كثير ، فالميم لمجاوزة الواحد ، والالف دليل التثنية نحو : عليهما ، والواو للجمع نظير الالف ، ويدل على ذلك أن علامة الجماعة في المؤنث نون مشددة نحو : عليهن ، فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين ، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا ، ولا لبس في ذلك ؛ لان الواحد لاميم فيه ، والتثنية بعد ميمها ألف ، وإذا حذفت الواو سكنت الميم ؛ لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع نحو : ضربهم ويضربهم ، فمن أثبت الواو أو حذفها وسكن الميم فلما ذكرنا ، ومن ضم الميم دل بذلك على أن أصلها الضم وجعل الضمة دليل الواو المحذوفة ، ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها ، ثم قلب الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها ، ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها ، ومن كسر الميم بعد ضمة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التى قبل الهاء ، ومن ضم الهاء قال : إن الياء في عليه حقها أن تكون ألفا كما ثبتت الالف مع المظهر ، وليست الياء أصل الالف ، فكما أن الهاء تضم بعد الالف فكذلك تضم بعد الياء المبدلة منها ، ومن كسر الهاء اعتبر اللفظ، فأما كسر الهاء وإتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف ، أما جوازه فلخفاء الهاء بينت بالاشباع ، وأما ضعفه ؛ فلان الهاء خفية والخفى قريب من الساكن والساكن غير حصين ، فكأن الياء وليت الياء ، وإذا لقى الميم ساكن بعدها جاز ضمها نحو : عليهم الذلة ؛ لان أصلها الضم ، وإنما أسكنت تخفيفا ، فإذا احتيج إلى حركتها كان الضم الذى هو حقها في الاصل أولى ويجوز كسرها إتباعا لما قبلها .
وأما : فيه ويليه ، ففيه الكسر من غير إشباع ، وبالاشباع ، وفيه الضم من غير إشباع وبالاشباع ، وأما إذا سكن ماقبل الهاء نحو : منه وعنه وتجدوه ، فمن ضم من غير أشباع فعلى الاصل ، ومن أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها .
سورة البقرة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله تعالى : ( الم ) هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم ، فألف اسم يعبر به عن مثل الحرف الذى في قال ، ولام يعبر بها عن الحرف الاخير من قال ، وكذلك ماأشبهها ، والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه ، وهى مبنية ؛ لانك لاتريد أن تخبر عنها بشئ ، وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التى جعلت أسماء لها فهى كالاصوات نحو : غاق ، في حكاية صوت الغراب .
وفى موضع الم ثلاثة أوجه : أحدها الجر على القسم ، وحرف القسم محذوف وبقى عمله بعد الحذف ؛ لانه مراد ، فهو كالملفوظ به كما قالوا الله ليفعلن في لغة من جر ، والثانى : موضعها نصب ، وفيه وجهان : أحدهما هو على تقدير حذف القسم كما تقول الله لافعلن والناصب فعل محذوف تقديره : التزمت الله ، أى اليمين به ، والثانى هى مفعول بها تقديره اتل الم والوجه الثالث : موضع رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر .
قوله عزوجل :( ذلك ) ذا اسم إشارة والالف من جملة الاسم .
وقال الكوفيون الذال وحدها هى الاسم ، والالف زيدت لتكثير الكلمة ، واستدلوا على ذلك بقولهم ذه أمة الله ، وليس ذلك بشئ ؛ لان هذا الاسم اسم ظاهر ، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه ، ويدل على ذلك قولهم في التصغير : ذيا فردوه إلى الثلاثى والهاء في ذه بدل من الياء في ذى .
وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه ، وقيل هى بدل من ها ، ألا تراك تقول : هذا وهذاك ولا يجوز هذلك ، وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان وكسرت على أصل التقاء الساكنين ، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر ، إذ لو فتحتها فقلت ذلك لالتبس بمعنى الملك ، وقيل ذلك هاهنا بمعنى هذا ، وموضعه رفع إما على أنه خبر الم والكتاب عطف بيان ، ولاريب في موضع نصب على الحال أى هذا الكتاب حقا أو غير ذى شك ، وإما أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ولاريب حال ، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ولاريب فيه الخبر ، وريب مبنى على الاكثرين ؛ لانه ركب مع لا وصير بمنزلة خمسة عشر ، وعلة بنائه تضمنه معنى من ، إذ التقدير لا من ريب ، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفى الجنس ، ألا ترى أنك تقول : لا رجل في الدار ، فتنفى الواحد ومازاد عليه ، فإن قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه ، إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر وقوله( فيه ) فيه وجهان :
أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف تقريره ، لا ريب كائن فيه ، فيقف حينئذ على فيه .
والوجه الثانى : أن يكون لاريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به ، ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ وفيه الخبر ، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق " في " على الوجهين بفعل محذوف ، وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى ، وفى موضعه وجهان : أحدهما رفع إما مبتدأ أو فاعل على ماذكرنا ، وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف ، أى هو هدى ، وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر والوجه الثانى : أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه : أى لاريب فيه هاديا فالمصدر في معنى اسم الفاعل ، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره : أحققه هاديا ، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والاشارة الحاصل من قوله ذلك .
قوله تعالى :( للمتقين ) اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ماذكرناه من الوجهين في الهدى ، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى ؛ لانه مصدر والمصدر يعمل عمل الفعل ، وواحد المتقين متقى ، وأصل الكلمة من وقى فعل ، ففاؤها واو ولامها ياء ، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء ، وأدغمتها في التاء الاخرى فقلت اتقى ، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقى ومتقى اسم ناقص ، وياؤه التى هى لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك : متقون ومتقين ، ووزنه في الاصل مفتعلون ؛ لان أصله موتقيون فحذفت اللام لما ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين ، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع ؛ لان علامة الجمع دالة على معنى إذا حذفت لايبقى على ذلك المعنى دليل ، فكان إبقاؤها أولى .
قوله تعالى :( الذين يؤمنون ) هو في موضع جر صفة المتقين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب إما على موضع للمتقين أو بإضمار أعنى ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم أو مبتدأ وخبره أولئك على هدى وأصل يؤمنون يؤمنون ؛ لانه من الامن والماضى منه آمن فالالف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين ، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها ، ونظيره في الاسماء آدم آخر ، فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الاصل ؛ لان ذلك يفضى بك في المتكلم إلى ثلاث همزات : الاولى همزة المضارعة ، والثانية همزة أفعل التى في آمن ، والثالثة الهمزة التى هى فاء الكلمة ، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات ، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الاولى ؛ لانها حرف معنى ، ومن حذف الثالثة ؛ لان الثالثة فاء الكلمة والوسطى زائدة ، وإذا أردت تبين ذلك فقل : إن آمن أربعة أحرف فهو مثل دحرج ، فلو قلت أدحرج لاتيت بجميع ماكان في الماضى وزدت عليه همزة المتكلم ، فمثله يجب أن يكون في أومن ، فالباقى من الهمزات الاولى والواو التى بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التى هى فاء الكلمة ، والهمزة الوسطى هى المحذوفة وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ماقبلها ، فإذا قلت نؤمن وتؤمن ويؤمن جاز لك فيه وجهان :
أحدهما الهمز على الاصل ، والثانى قلب الهمزة واوا تخفيفا ، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن والاصل يؤمن ، فأما أؤمن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرناه ، والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل : أى يؤمنون بالغائب عنهم ، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول : أى المغيب كقوله : هذا خلق الله : أى مخلوقه ، ودرهم ضرب الامير : أى مضروبه .
قوله عزوجل :( ويقيمون ) أصله يؤقومون : وماضيه أقام ، وعينه واو لقولك فيه يقوم ، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين ، وكذلك جميع مافيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة ، وأما الواو فعمل فيها ماعمل في نستعين ، وقد ذكرناه ، وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك : صلوات ، والصلاة مصدر صلى ويراد بها هاهنا الافعال والاقوال المخصوصة فلذلك جرت مجرى الاسماء غير المصادر .
قوله تعالى : ( ومما رزقناهم ) من متعلقة بينفقون ، والتقدير : وينفقون مما رزقناهم ، فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله يؤمنون ويقيمون كذلك ، وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رءوس الآى ، وما بمعنى الذى ، ورزقنا يتعدى إلى مفعولين ، وقد حذف الثانى منهما هنا وهو العائد على " ما " تقديره : رزقناهموه أو رزقناهم إياه ، ويجوز أن تكون مانكرة موصولة بمعنى شئ ، أى ومن مال رزقناهم فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما .
وعلى القول الاول لا يكون له موضع ؛ لان الصلة لا موضع لها ، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية ؛ لان الفعل لا ينفق ، ومن للتبعيض ، ويجوز أن تكون لابتداء غاية الانفاق ، وأصل ينفقون : يؤنفقون ؛ لان ماضيه أنفق ، وقد تقدم نظيره .
قوله تعالى : ( بما أنزل إليك ) " ما " هاهنا بمعنى الذى ، ولايجوز أن تكون نكرة موصوفة أى بشئ أنزل إليك ؛ لانه لا عموم فيه على هذا ، ولا يكمل الايمان إلا أن يكون بجميع ماأنزل إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وما للعموم ، وبذلك يتحقق الايمان ، والقراءة الجيدة بأنزل إليك ، بتحقيق الهمزة ، وقد قرئ في الشاذ أنزل إليك بتشديد اللام والوجه فيه أنه سكن لام أنزل ، وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل إليك فسكنت اللام الاولى ، وأدغمت في اللام الثانية
، والكاف هنا ضمير المخاطب وهو النبى صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ويكون في معنى الجمع ، وقد صرح به في آى أخر كقوله " لقد أنزلنا إليك كتابا فيه ذكركم " .
قوله تعالى : ( وبالآخرة ) الباء متعلقة بيوقنون ، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدإ ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدإ جائز إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل ، والآخر صفة والموصوف محذوف تقديره : وبالساعة الآخرة أو بالدار الآخرة كما قال " وللدار الآخرة خير " وقال " واليوم الآخر " .
قوله تعالى :( هم يوقنون ) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد ، ولو قال : وبالآخرة يوقنون لصح المعنى والاعراب ، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم ، ويوقنون الخبر ، وأصله يؤيقنون ؛ لان ماضيه أيقن ، والاصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضى ، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها .
قوله تعالى :( أولئك ) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده ، وواحده ذا ، ويكون أولئك للمؤنث والمذكر ، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة ، ولايصح شئ منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب ، وإما أن تكون مجرورة بالاضافة ، وأولاء لا تصح إضافته ؛ لانه مبهم ، والمبهمات لا تضاف ، فبقى أن تكون حرفا مجردا للخطاب ، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن ، وموضعه هنا رفع بالابتداء ، و( على هدى ) الخبر ، وحرف الجر متعلق بمحذوف : أى أولئك ثابتون على هدى ، ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب ، وقد ذكر .
فإن قيل : أصل " على " الاستعلاء " ، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها هاهنا ؟ .
قيل : معنى الاستعلاء حاصل ؛ لان منزلتهم علت باتباع الهدى ، ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه
قوله تعالى :( من ربهم ) في موضع جر صفة لهدى ، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن ، وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى ، ويجوز كسر الهاء وضمها على ماذكرنا في عليهم في الفاتحة .
قوله تعالى :( وأولئك ) مبتدأ و( هم ) مبتدأ ثان و( المفلحون ) خبر المبتدأ الثانى ، والثانى خبره خبر الاول ، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الاعراب ، والمفلحون خبر أولئك ، والاصل في مفلح مؤفلح ، ثم عمل فيه ماذكرناه في يؤمنون .
قوله تعالى :( سواء عليهم ) رفع بالابتداء ، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر ، والتقدير يستوى عندهم الانذار وتركه ، وهو كلام محمول على المعنى ، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدإ وسواء خبر مقدم ، والجملة على القولين خبر أن ، ولايؤمنون لا موضع له على هذا ويجوز أن يكون سواء خبر أن ومابعده معمول له ، ويجوز أن يكون لايؤمنون خبر أن ، وسواء عليهم ومابعده معترض بينهما ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو ، ومستو يعمل عمل يستوى ، ومن أجل أنه مصدر لايثنى ولايجمع ، والهمزة في سواء مبدلة من ياء ؛ لان باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الاكثر .
قوله تعالى :( أأنذرتهم ) قرأ بن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر ، وهمزة الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا ، وفى الكلام مايدل عليها وهو قوله : أم لم ؛ لان أم تعادل الهمزة ، وقرأ الاكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق به ، فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الاصل ، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل ؛ لان الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع ، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم ، فمن هنا لايحققهما أكثر العرب ، ومنهم من يحقق الاولى ويجعل الثانية بين بين : أى بين الهمزة والالف ، وهذه في الحقيقة همزة ملينة وليست ألفا ، ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم وآمن ، ومنهم من يلين الثانية ويفصل بينها وبين الاولى بالالف ، ومنهم من يحقق الهمزتين ويفصل بينهما بألف ، ومن العرب من يبدل الاولى هاء ويحقق الثانية ، ومنهم من يلين الثانية مع ذلك ، ولايجوز أن يحقق الاولى ، ويجعل الثانية ألف صحيحا ويفصل بينهما بألف ؛ لان ذلك جمع بين ألفين ، ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية ، وذلك شبيه بالاستفهام ؛ لان المستفهم يستوى عنده الوجود والعدم ، فكذلك يفعل من يريد التسوية ، ويقع ذلك بعد سواء كهذه الآية ، وبعد ليت شعرى كقولك :
ليت شعرى أقام أم قعد ، وبعد : لاأبالى ، ولاأدرى ، وأم هذه هى المعادلة لهمزة الاستفهام ، ولم ترد المستقبل إلى معنى المضى حتى يحسن معه أمس ، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال .
قوله تعالى :( وعلى سمعهم ) السمع في الاصل مصدر سمع ، وفى تقديره هنا وجهان : أحدهما أنه استعمل مصدرا على أصله ، وفى الكلام حذف تقديره على مواضع سمعهم ؛ لان نفس السمع لايختم عليه ، والثانى أن السمع هنااستعمل بمعنى السامعة وهى الاذن ، كما قالوا الغيب بمعنى الغائب ، والنجم بمعنى الناجم ، واكتفى بالواحد هنا عن الجمع كما قال الشاعر :
بها جيف الحسرى فأما عظامها |
فبيض وأما جلدها فصليب |
يريد جلودها .
قوله تعالى :( وعلى أبصارهم غشاوة ) يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ ، وعلى أبصارهم خبره ، وفى الجار على هذا ضمير ، وعلى قول الاخفش غشاوة مرفوع بالجار كارتفاع الفاعل بالفعل ، ولاضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية ، والوقف على هذه القراءة على " وعلى سمعهم " ، ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة ، ولايجوز أن ينتصب بختم ؛ لانه لايتعدى بنفسه ، ويجوز كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر ، غشوة بغير ألف بفتح الغين وضمها وكسرها .
قوله تعالى :( ولهم عذاب ) مبتدأ وخبر أو فاعل عمل فيه الجار على ماذكرنا قبل ، وفى( عظيم ) ضمير يرجع على العذاب ؛ لانه صفته .
قوله تعالى :( ومن الناس ) الواو دخلت هنا للعطف على قوله " الذين يؤمنون بالغيب " وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس ، فالآيات الاول تضمنت ذكر المخلصين في الايمان ، وقوله :( إن الذين كفروا ) تضمن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه ، وهذه الآية تضمنت ذكر من أظهر الايمان وأبطن الكفر ، فمن هنا دخلت الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الاول ، ومن هنا للتبعيض ، وفتحت نونها ولم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان ، وأصل الناس عند سيبويه أناس حذفت همزته وهى فاء الكلمة ، وجعلت الالف واللام كالعوض منها ،
فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالالف واللام ، ولايكاد يستعمل أناس بالالف واللام ، فالالف في الناس على هذا زائدة واشتقاقه من الانس ، وقال غيره ليس في الكلمة حذف ، والالف منقلبة عن واو وهى عين الكلمة ، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك ، وقالوا في تصغيره : نويس .
قوله : ( من يقول ) من : في موضع رفع بالابتداء وماقبله الخبر ، أو هو مرتفع بالجار قبله على ماتقدم ، ومن هنا نكرة موصوفة ، ويقول : صفة لها ، ويضعف أن تكون بمعنى الذى ؛ لان الذى يتناول قوما بأعيانهم ، والمعنى هاهنا على الابهام والتقدير : ومن الناس فريق يقول ، ومن موحدة للفظ ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد ، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها ، وأن يثنى ويجمع ويؤنث حملا على معناها ، وقد جاء في هذه الآية على الوجهين ، فالضمير في يقول مفرد ، وفى آمنا وماهم جمع ، والاصل في يقول : يقول بسكون القاف وضم الواو ؛ لانه نظير يقعد ويقتل ، ولم يأت إلا على ذلك ، فنقلت ضمة الواو إلى القاف ليخف اللفظ بالواو ، ومن هاهنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة بل تقول قل ؛ لان فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل .
قوله تعالى :( آمنا ) أصل الالف همزة ساكنة ، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان ، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها ، ووزن آمن أفعل من الامن ، و( الآخر ) فاعل فالالف فيه غير مبدلة من شئ .
قوله :( وماهم ) " هم " ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز ، ومبتدأ عند تميم والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشئ ، وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدإ أو الخبر أو الفاعل ، وماتنفى " ما " في الحال ، وقد تستعمل لنفى المستقبل .
قوله تعالى :( يخادعون الله ) في الجملة وجهان : أحدهما لاموضع لها ، والثانى موضعها نصب على الحال ، وفى صاحب الحال والعامل فيها وجهان : أحدهما هى من
الضمير في يقول ، فيكون العامل فيها يقول ، والتقدير : يقول آمنا مخادعين : والثانى هى حال من الضمير في قوله بمؤمنين ، والعامل فيها اسم الفاعل ، والتقدير : وماهم بمؤمنين في حال خداعهم ، ولايجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين ؛ لان ذلك يوجب نفى خداعهم ، والمعنى على إثبات الخداع : ولايجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنا ؛ لان آمنا محكى عنهم بيقول ، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنا لكانت محكية أيضا ، وهذا محال لوجهين : أحدهما أنهم ماقالوا آمنا وخادعنا والثانى أنه أخبر عنهم بقوله يخادعون ، ولو كان منهم لكان نخادع بالنون ، وفى الكلام حذف تقديره : يخادعون نبى الله ، وقيل هو على ظاهره من غير حذف .
قوله عزوجل :( وما يخادعون ) وأكثر القراءة بالالف ، وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين ، وهى على ذلك هنا لانهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبى يدور الخداع بينهما ، فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم ، وقيل المفاعلة هنا من واحد كقولك : سافر الرجل ، وعاقبت اللص ، ويقرأ ، يخدعون بغير ألف مع فتح الياء ، ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان فكأنه قال : ومايخدعهم الشيطان ( إلا أنفسهم ) أى عن أنفسهم ، وأنفسهم نصب بأنه مفعول وليس نصبه على الاستثناء ؛ لان الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا .
قوله تعالى :( فزادهم الله ) زاد يستعمل لازما كقولك : زاد الماء ، ويستعمل متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما ، وعلى هذا جاء في الآية ، ويجوز إمالة الزاى لانها تكسر في قولك زدته ، وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف ، إلا أنه أحسن فيما عينه ياء .
قوله تعالى :( أليم ) هو فعيل بمعنى مفعل ؛ لانه من قولك آلم فهو مؤلم وجمعه ألماء وألام مثل شريف وشرفاء وشراف .
قوله تعالى : ( بما كانوا يكذبون ) هو في موضع رفع صفة لاليم ، وتتعلق الباء بمحذوف تقديره أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق وماهنا مصدرية ، وصلتها يكذبون ، وليست كان صلتها ؛لانها الناقصة ، ولاتستعمل منها مصدر ، ويكذبون في موضع نصب خبر كان ، وما المصدرية حرف عند سيبويه واسم عند الاخفش : وعلى كلا القولين لايعود عليها من صلتها شئ .
قوله عزوجل :( وإذا قيل لهم ) إذا في موضع نصب على الظرف ، والعامل فيها جوابها وهو قوله قالوا ، وقال قوم : العامل فيها قيل ، وهو خطأ ؛ لانه في موضع جر بإضافة إذا إليه ، والمضاف إليه لايعمل في المضاف وأصل قيل قول ، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء كما فعلوا في أدل وأحق ، ومنهم من يقول: نقلوا كسرة الواو إلى القاف وهذا ضعيف ؛ لانك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف وهذا عمل كثير ، ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الاصل ، ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع : قول وبوع ، ويسوى بين ذوات الواو والياء ، قالوا : وتخرج على أصلها وماهو من الياء تقلب الياء فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر ، وهو القول وأضمر ؛ لان الجملة بعده تفسره ، والتقدير : وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا ونظيره ـ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ـ أى بدا لهم بداء ورأى ، وقيل لهم هو القائم مقام الفاعل وهو بعيد ؛ لان الكلام لايتم به ، وماهو مما تفسره الجملة بعده ، ولا يجوز أن يكون قوله : لا تفسدوا قائما مقام الفاعل ؛ لان الجملة لاتكون فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل ، ولهم في موضع نصب مفعول قيل .
قوله :( في الارض ) الهمزة في الارض أصل ، وأصل الكلمة من الاتساع ومنه قولهم : أرضت القرحة إذا اتسعت ، وقول من قال : سميت أرضا لان الاقدام ترضها ليس بشئ ؛ لان الهمزة فيها أصل والرض ليس من هذا ، ولا يجوز أن يكون في الارض حالا من الضمير في تفسدوا ؛ لان ذلك لا يفيد شيئا وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا .
قوله :( إنما نحن ) " ما " ههنا كافة ؛ لان عن العمل لانها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى ، وهى إنما عملت لاختصاصها بالاسم ، وتفيد " إنما " حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر كقوله : إنما الله إله واحد ، وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره ، كقولك : إنما زيد كريم ، أى ليس فيه من الاوصاف التى تنسب إليه سوى الكرم ، ومنه قوله تعالى :( إنما أنا بشر مثلكم ) ؛ لانهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر ، فأثبت لنفسه صفة البشر ونفى عنه ما عداها .
قوله :( نحن ) : هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم ، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التى ترجع إليها ، فهى كالحروف في افتقارها إلى الاسماء ، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان ، وضمت النون ؛ لان الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت ، وقيل ضمت ؛ لان موضعها رفع ، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو ، ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم ، وهو في موضع رفع بالابتداء و( مصلحون ) خبره .
قوله تعالى :( ألا ) هى حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب ، وقيل معناها حقا ، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا ، وهذا في غاية البعد .
قوله :( هم المفسدون ) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن ، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن ، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ؛ لان الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر .
قوله تعالى :( وإذا قيل لهم آمنوا ) القائم مقام المفعول هو القول ، ويفسره آمنوا ؛ لان الامر والنهى قول .
قوله :( كما آمن الناس ) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف : أى إيمانا مثل إيمان الناس ، ومثله ـ كما آمن السفهاء ـ .
قوله :( السفهاء ألا إنهم ) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه : أحدها تحقيقهما وهو الاصل ، والثانى تحقيق الاولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالى الهمزتين ، وجعلت الثانية واوا لانضمام الاولى ، والثالث تليين الاولى ، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية ، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو ، ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو ؛ لان ذلك تقريب من الالف ، والالف لا يقع بعد الضمة والكسرة ، وأجازه قوم .
قوله تعالى :( لقوا الذين آمنوا ) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها ، وحركت القاف بالضم تبعا للواو ، وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت ، وقرأ ابن السميقع : لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو ، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله " اشتروا الضلالة " .
قوله :( خلوا إلى ) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل ، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة ، وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان ، وبقيت الفتحة تدل على الالف المحذوفة .
قوله :( إنا معكم ) الاصل : إننا ، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح ، كما حذفت في إن إذا خففت ، كقوله تعالى : " وإن كل لما جميع " ومعكم ظرف قائم مقام الخبر ، أى كائنون معكم .
قوله تعالى :( مستهزءون ) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل ، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الاصلية في مثل قولك : يرمون ، ويضم الزاى ، وكذلك الخلاف في تليين همزة " يستهزئ بهم " .
قوله تعالى :( يعمهون ) هو حال من الهاء والميم في يمدهم ، وفى طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا ، وإن شئت بيعمهون ، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم ؛ لان العامل الواحد لا يعمل في حالين .
قوله تعالى :( اشتروا الضلالة ) الاصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان الالف والواو .
فإن قلت : فالواو هنا متحركة .
قيل : حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الالف المحذوفة ، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى ساكنان ، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الاصلية في نحو قوله : لو استطعنا ، وقيل ضمت ؛ لان الضمة هنا أخف من الكسرة ؛ لانها من جنس الواو ، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت ؛ لانها ضمير فاعل ، فهى مثل التاء في قمت ، وقيل هى للجمع فهى مثل نحن ، وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو : أثؤب ، ومنهم من يفتحها للتخفيف ، ومنهم من يكسرها على الاصل في التقاء الساكنين ، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين ، وهو ضعيف ؛ لان قبلها فتحة ، والفتحة لا تدل عليها .
قوله تعالى :( مثلهم كمثل ) ابتداء وخبر ، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشئ .
قوله :( الذى استوقد ) الذى هاهنا مفرد في اللفظ ، والمعنى على الجمع بدليل قوله " ذهب الله بنوركم " وما بعده ، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان : أحدهما هو جنس مثل : من وما : فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد ، وتارة بلفظ الجمع ، والثانى أنه أراد الذين ، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ، ومثله :
" والذى جاء بالصدق وصدق به " ثم قال : أولئك هم المتقون ، واستوقد بمعنى أوقد ، مثل استقر بمعنى قر ، وقيل استوقد استدعى الايقاد .
قوله تعالى : ( فلما أضاءت ) لما هنا اسم ، وهى ظرف زمان ، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضى ، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل : إذا ، وأضاءت متعد فيكون " ما " على هذا مفعولا به ، وقيل أضاء لازم ، يقال : ضاءت النار وأضاءت بمعنى ، فعلى هذا يكون " ما " ظرفا ، وفى " ما " ثلاثة أوجه : أحدها هى بمعنى الذى ، والثانى هى نكرة موصوفة ، أى مكانا حوله ، والثالث هى زائدة .
قوله :( ذهب الله بنورهم ) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له ، والتقدير أذهب الله نورهم ، ومثله في القرآن كثير ، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد ، أى ذهبت ومعى زيد .
قوله تعالى :( وتركهم في ظلمات ) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين ؛ لان المعنى صيرهم ، وليس المراد به الترك هو الاهمال ، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثانى في ظلمات ، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لايبصرون حالا ، ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثانى ، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون ، أو من المفعول الاول .
قوله تعالى :( صم بكم ) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف : أى هم صم ، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون .
قوله تعالى :( فهم لا يرجعون ) جملة مستأنفة ، وقيل موضعها حال وهو خطأ ؛ لان ما بعد الفاء لا يكون حالا ؛ لان الفاء ترتب ، والاحوال لا ترتيب فيها ، ويرجعون فعل لازم ، أى لا ينتهون عن باطلهم ، أو لايرجعون إلى الحق ، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره : فهم لايردون جوابا ، مثل قوله :" إنه على رجعه لقادر " .
قوله تعالى :( أو كصيب ) في " أو " أربعة أوجه : أحدها أنها للشك ، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين ، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب ، كقوله : " إلى مائة ألف أو يزيدون " : أى يشك الرائى لهم في مقدار عددهم ، والثانى أنها للتخيير : أى شبهوهم بأى القبيلتين شئتم ، والثالث أنها للاباحة ، والرابع أنها للابهام ، أى بعض الناس يشبههم بالمستوقد ، وبعضهم بأصحاب الصيب ، ومثله قوله تعالى " كونوا هوداأو نصارى " أى قالت اليهود كونوا هودا ، وقالت النصارى كونوا نصارى ، ولايجوز عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو ، ولاعلى بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله: " كمثل الذى " ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره : أو مثلهم كمثل صيب ، وفى الكلام حذف تقديره : أو كأصحاب صيب ، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون ، والمعنى على ذلك ؛ لان تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لابنفس المطر ، وأصل صيب : صيوب على فيعل ، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الاولى فيها ، ومثله: مين وهين ، وقال الكوفيون : أصله صويب على فعيل ، وهو خطأ ؛ لانه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل( من السماء ) في موضع نصب " ومن " متعلقة بصيب ؛ لان التقدير : كمطر صيب من السماء ، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل ، ومن لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف : أى كصيب كائن من السماء ، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ، ونظائره تقاس عليه ( فيه ظلمات ) الهاء تعود على صيب ، وظلمات رفع بالجار والمجرور ؛ لانه قد قوى بكونه صفة لصيب ، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم ، وفيه على هذا ضمير ، والجملة في موضع جر صفة لصيب ، والجمهور على ضم اللام ، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا ، وفيه لغة أخرى بفتح اللام ، والرعد مصدر رعد يرعد ، والبرق مصدر أيضا ، وهما على ذلك موحدتان هنا ، ويجوز أن يكون الرعد
والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم : رجل عدل وصوم( يجعلون ) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لاصحاب صيب ، وأن يكون مستأنفا ، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه ، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد ؛ لان حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ ، وسيبويه يعده من الشذوذ ( من الصواعق ) أى من صوت الصواعق( حذر الموت ) مفعول له ، وقيل مصدر : أى يحذرون حذرا مثل حذر الموت ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به( محيط ) إصله محوط ؛ لانه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء .
قوله تعالى :( يكاد ) فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها ، ولذلك لم تدخل عليه أن ؛ لان أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو ، والاصل : يكود ، مثل خاف يخاف ، وقد سمع فيه ، كدت بضم الكاف ، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن الفعل الذى بعدها وقع ، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا ، ولكنه قارب الوقوع ، وموضع( يخطف ) نصب ؛ لانه خبر كاد ، والمعنى : قارب البرق خطف الابصار ، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف كقوله تعالى :( إلا من خطف الخطفة ) وفيه قراءات شاذة : إحداها كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء ، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء ، والاصل : يختطف ، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء ، والثالثة كذلك ، إلا أنها بكسر الطاء على مايستحقه في الاصل ، والرابعة كذلك إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الاتباع ، والخامسة بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا ، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء ، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين ( كلما ) هى هنا ظرف ، وكذلك كل موضع كان لها جواب ، و " ما " مصدرية ، والزمان محذوف أى كل وقت إضاءة ، وقيل " ما" هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت ، والعائد محذوف : أى كل وقت أضاء لهم فيه ، والعامل في كل جوابها ، و( فيه ) أى في ضوئه والمعنى بضوئه ، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها ، والمعنى : إنهم يحيط بهم الضوء( شاء ) ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره : شئت شيئا ، وقالوا : أشأته أى حملته على أن يشاء( لذهب بسمعهم ) أى أعدم المعنى الذى يسمعون به ، وعلى كل متعلق ب( قدير ) في موضع نصب .
قوله تعالى :( ياأيها الناس ) أى اسم مبهم لوقوعه على كل شئ أتى به في النداء توصلا إلى نداء مافيه الالف واللام إذا كانت " يا " لاتباشر الالف واللام ، وبنيت ؛ لانها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه ؛ لان الاصل أن تباشر " يا " الناس ، فلما حيل بينهما بأى عوض من ذلك " ها " والناس وصف لاى لابد منه ؛ لانه المنادى في المعنى ، ومن هاهنا رفع ، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء ، وأجاز المازنى نصبه كما يجيز : يازيد الظريف ، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره ، والصفة لايلزم ذكرها( من قبلكم ) من هنا لابتداء الغاية في الزمان ، والتقدير : والذين خلقهم من قبل خلقكم ، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه( لعلكم ) متعلق في المعنى باعبدوا ، أى اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى ، والاصل توتقيون ، فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الاخرى وسكنت الياء ثم حذفت ، وقد تقدمت نظائره ، فوزنه الآن تفتعون .
قوله تعالى : ( الذى جعل ) هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم ، أو صفة مكررة ، أو بإضمار أعنى ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو الذى ، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الارض ، وفراشا حال ، ومثله : والسماء بناء ، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين ، وهما الارض وفراشا ومثله : والسماء بناء ، ولكم متعلق بجعل ، أى لاجلكم( من السماء ) متعلق بأنزل ، وهى لابتداء غاية المكان ، ويجوز أن يكون حالا ، والتقدير : ماء كائنا من السماء ، فلما قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف ، والاصل في ماء موه لقولهم : ماهت الركية تموه ، وفى الجمع أمواه ، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس ( من الثمرات ) متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و( لكم ) أى من أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق ، وليس بمصدر( فلا تجعلوا ) أى لاتصيروا أو لاتسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين ، والانداد جمع ند ونديد ( وأنتم تعلمون ) مبتدأ وخبر في موضع الحال ، ومفعول تعلمون محذوف ، أى تعلمون بطلان ذلك والاسم من أنتم أن ، والتاء للخطاب ، والميم للجمع ، وهما حرفا معنى .
قوله تعالى :( وإن كنتم ) جواب للشرط " فأتوا بسورة " و " إن كنتم صادقين " شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الاول : أى إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك ، ولاتدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى ، إلا على كان لكثرة استعمالها ، وأنها لاتدل على حدث( مما نزلنا ) في موضع جر صفة لريب : أى ريب كائن مما نزلنا ، والعائد على " ما " محذوف : أى نزلناه و " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، ويجوز أن يتعلق " من " بريب : أى إن ارتبتم من أجل مانزلنا( فأتوا ) أصله : ائتيوا ، وماضيه أتى ، ففاء الكلمة همزة ، فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة ، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين ، وكانت الياء الاولى للكسرة قبلها ، فإذا اتصل بها شئ حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء ؛ لانك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها ! ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ماقبلها مثل هذه الآية ، وياء إذا انكسر ماقبلها كقوله : الذى ايتمن ، فتصيرها ياء في اللفظ ، وواوا إذا انضم ماقبلها كقوله : ياصالح أوتنا ، ومنهم من يقول : ذن لى( من مثله ) الهاء تعود على النبى صلى الله عليه وسلم ، فيكون من للابتداء ، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة ، ويجوز أن تعود على الانداد بلفظ المفرد كقوله تعالى " وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه "( وادعوا ) لام الكلمة محذوف ؛ لانه حذف في الواحد دليلا
على السكون الذى هو جزم في المعرب ، وهذه الواو ضمير الجماعة( من دون الله ) في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداءكم منفردين عن الله أو عن أنصار الله .
قوله تعالى :( فإن لم تفعلوا ) الجزم بلم لا بإن ؛ لان لم عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ ، وإن قد دخلت على الماضى في اللفظ وقد وليها الاسم كقوله تعالى " وان أحد من المشركين " ( وقودها الناس ) الجمهور على فتح الواو وهو الحطب ، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب ، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ، ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس ، أو تلهب الناس أوذو وقودها الناس ( أعدت ) جملة في موضع الحال من النار ، والعامل فيها فاتقوا
ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء : أحدها أنها مضاف إليها والثانى أن الحطب لايعمل في الحال ، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ماعمل عمله وبين مايعمل فيه بالخبر وهو الناس .
قوله تعالى : ( أن لهم جنات ) فتحت أن هاهنا ؛ لان التقدير لهم ، وموضع أن وماعملت فيه نصب ببشر ؛ لان حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب سيبويه ، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة ؛ لانه موضع تزاد فيه ، فكأنها ملفوظ بها ، ولايجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام ، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله واطلبه هاهنا( تجرى من تحتها الانهار ) الجملة في موضع نصب صفة للجنات ، والانهار مرفوعة بتجرى لابالابتداء وأن ، من تحتها الخبر ولابتحتها ؛ لان تجرى لاضمير فيه إذا كانت الجنات لاتجرى وإنما تجرى أنهارها ، والتقدير من تحت شجرها لامن تحت أرضها فحذف المضاف ، ولو قيل إن الجنة هى الشجر فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها( كلما رزقوا منها ) إلى قوله من قبل في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام ، ويجوز أن يكون حالا من الجنات ؛ لانها قد وصفت وفى الجملة ضمير يعود إليها ، وهو قوله منها( رزقنا من قبل ) أى رزقناه فحذف العائد ، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة ؛ لان التقدير من قبل هذا( وأتوا به ) يجوز أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك ، وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا و( متشابها ) حال من الهاء في به( ولهم فيها أزواج ) أزواج مبتدأ ولهم الخبر ، وفيها ظرف للاستقرار ، ولايكون فيها الخبر ؛ لان الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الازواج لهم و ( فيها ) الثانية تتعلق ب( خالدون ) وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم ، والعامل فيها معنى الاستقرار .
قوله تعالى :( لايستحيى ) وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين ، وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياءان ، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء ، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هى اللام كما تحذف في الجزم ، ووزنه على هذا يستفع ، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت ، وقيل المحذوف هى العين وهو بعيد( أن يضرب ) أى من أن يضرب ، فموضعه نصب عند سيبويه وجر عند الخليل
( ما ) حرف زائد للتوكيد و( بعوضة ) بدل من مثلا ، وقيل مانكرة موصوفة ، وبعوضة بدل من " ما " ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل مابمعنى الذى ، ويحذف المبتدأ ، أى الذى هو بعوضة ، ويجوز أن يكون ماحرفا ويضمر المبتدأ تقديره : مثلا هو بعوضة( فما فوقها ) الفاء للعطف ، ومانكرة موصوفة ، أو بمنزلة الذى ، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار ، والمعطوف عليه بعوضة( أما ) حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط ، ويذكر لتفصيل ماأجمل ، ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره ، والاصل مهما يكن من شئ فالذين آمنوا يعلمون ، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى الخبر ، وصار ذكر المبتدإ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط( من ربهم ) في موضع نصب على الحال : والتقدير : أنه ثابت أو مستقر من ربهم ، والعامل معنى الحق ، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه( ماذا ) فيه قولان : أحدهما أن " ما " اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذى و( أراد ) صلة له ، والعائد محذوف ، والذى وصلته خبر المبتدإ ، والثانى أن " ما وذا " اسم واحد للاستفهام ، وموضعه نصب بأراد ، ولاضمير في الفعل ، والتقدير أى شئ أراد الله( مثلا ) تمييز : أى من مثل ، ويجوز أن يكون حالا من هذا : أى متمثلا أو متمثلا به ، فيكون حالا من اسم الله( يضل ) يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل ، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله ، ويجوز أن يكون مستأنفا( إلا الفاسقين ) مفعول يضل ، وليس بمنصوب على الاستثناء ؛ لان يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا .
قوله تعالى : ( الذين ينقضون ) في موضع نصب صفة للفاسقين ، ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى ، وان يكون رفعا على الخبر ، أى هم الذين ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبرقوله : " أولئك هم الخاسرون " ( من بعد ) من لابتداء غاية الزمان على رأى من أجاز ذلك ، وزائدة على رأى من لم يجزه ، وهو مشكل على أصله ؛ لانه لايجيز زيادة من في الواجب( ميثاقه ) مصدر بمعنى الايثاق ، والهاء تعود على اسم الله أو على العهد ، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل ، وإن أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول( ماأمر ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة ، و( أن يوصل ) في موضع جر بدلا من الهاء ، أى يوصله ، ويجوز أن يكون بدلا من مابدل
الاشتمال تقديره : ويقطعون وصل ماأمر الله به ، ويجوز أن يكون في موضع رفع : أى هو أن يوصل ( أولئك ) مبتدأ و( هم ) مبتدأ ثان أو فصل ، و ( الخاسرون ) الخبر .
قوله تعالى :( كيف تكفرون بالله ) كيف في موضع نصب على الحال ، والعامل فيه تكفرون ، وصاحب الحال الضمير في تكفرون ، والتقدير : أمعاندين تكفرون ، ونحو ذلك ، وتكفرون يتعدى بحرف الجر ، وقد عدى بنفسه في قوله " ألا إن عادا كفروا ربهم " وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا( وكنتم ) قد معه مضمرة والجملة حال( ثم إليه ) الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير الاحياء المدلول عليه بقوله" فأحياكم " .
قوله تعالى :( جميعا ) حال في معنى مجتمعا( فسواهن ) إنما جمع الضمير ؛ لان السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة( سبع سموات ) سبع منصوب على البدل من الضمير ، وقيل التقدير : فسوى منهن سبع سموات ، كقوله : واختار موسى قومه ـ فيكون مفعولا به ، وقيل سوى بمعنى صير فيكون مفعولا ثانيا( وهو ) يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم ، وإنما أسكنت لانها صارت كعضد فخففت ، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو ، ويقرأ بالضم على الاصل .
قوله تعالى :( وإذ قال ) هو مفعول به تقديره : واذكر إذ قال : وقيل هو خبر مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقى إذ قال ربك ، وقيل إذ زائدة و ( للملائكة ) مختلف في واحدها وأصلها .
فقال قوم أحدهم في الاصل مألك على مفعل ؛ لانه مشتق من الالوكة وهى الرسالة ومنه قول الشاعر :
وغلام أرسلته أمه |
بألوك فبذلنا ماسأل |
فالهمزة فاء الكلمة ، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا : ملاك قال الشاعر :
فلست لانسى ولكن لملاك |
تنزل من جو السماء يصوب |
فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة .
وقال آخرون أصل الكلمة لاك فعين الكلمة همزة ، وأصل ملك : ملاك من غير نقل ، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت ، فوزنه الآن مفاعلة ، وقال آخرون عين الكلمة واو ، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه ، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك : ملاك مثل معاذ ، ثم حذفت عينه تخفيفا ، فيكون أصل ملائكة : ملاوكة ، مثل مقاولة ، فأبدلت الواو همزة ، كما أبدلت واو مصائب .
وقال آخرون : ملك فعل من الملك ، وهى القوة ، فالميم أصل ، ولاحذف فيه ، لكنه جمع على فعائلة شاذا( جاعل ) يراد به الاستقبال فلذلك عمل ، ويجوز أن يكون بمعنى خالق ، فيتعدى إلى مفعول واحد ، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون( في الارض ) هو الثانى( خليفة ) فعيلة بمعنى فاعل ، أى يخلف غيره ، وزيدت الهاء للمبالغة( أتجعل ) الهمزة للاسترشاد ، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل ، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم ، أى أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير( يسفك ) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء ، وقد قرئ بضمها وهى لغتان ، ويقرأ بالتشديد للتكثير ، وهمزة( الدماء ) منقلبة عن ياء ؛ لان الاصل دمى ؛ لانهم قالوا دميان( بحمدك ) في موضع الحال تقديره : نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك( ونقدس لك ) أى لاجلك ، ويجوز أن تكون اللام زائدة : أى نقدسك ، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله( إني أعلم ) الاصل إننى ، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية ، هذا هو الصحيح ، وأعلم : يجوز أن يكون فعلا ويكون " ما " مفعولا ، إما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل ، فيكون " ما " في موضع جر بالاضافة ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم : هؤلاء حواج بيت الله ، بالنصب والجر ، وسقط التنوين ؛ لان هذا الاسم لاينصرف ، فإن قلت : أفعل لاينصب مفعولا .
قيل : إن كانت من معه مرادة لم ينصب ، وأعلم هنا بمعنى عالم ، ويجوز أن يريد بأعلم : أعلم منكم ، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم ، ومثله قوله " هو أعلم من يضل عن سبيله " .
قوله تعالى :( وعلم ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون معطوفا على " قال ربك " وموضعه جر كموضع قال ، وقوى ذلك إضمار الفاعل ، وقرئ " وعلم آدم " على مالم يسم فاعله ، وآدم أفعل ، والالف فيه مبدلة من همزة هى فاء الفعل ؛ لانه مشتق من أديم الارض أو من الادمة ، ولايجوز أن يكون وزنه فاعلا ، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم ، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى( ثم عرضهم ) بعنى أصحاب الاسماء فلذلك ذكر الضمير ( هؤلاء إن كنتم ) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل ، ويقرأ بهمزة واحدة ، قيل المحذوفة هى الاولى ؛ لانها لام الكلمة والاخرى أول الكلمة الاخرى وحذف الآخر أولى ، وقيل المحذوفة الثانية ؛ لان الثقل بها حصل ، ويقرأ بتليين الهمزة الاولى وتحقيق الثانية وبالعكس ، ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف .
قوله تعالى :( سبحانك ) سبحان اسم واقع موقع المصدر ، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح ، ولايكاد يستعمل إلا مضافا ؛ لان الاضافة تبين من المعظم ، فإن أفرد عن الاضافة كان اسما علما للتسبيح لاينصرف للتعريف ، والالف والنون في آخره مثل عثمان ، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر ومايضاف إليه مفعول به ؛ لانه المسبح ، ويجوز أن يكون فاعلا ؛ لان المعنى تنزهت، وانتصابه على المصدر بفعل محذوف تقديره : سبحت الله تسبيحا ( إلا ماعلمتنا ) مامصدرية أى إلا علما علمتناه ، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم ، كقولك لاإله إلا الله ، ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذى ، ويكون علم بمعنى معلوم : أى لامعلوم لنا إلا الذى علمتناه ، ولايجوز أن تكون " ما " في موضع نصب بالعلم ؛ لان اسم " لا " إذا عمل فيما بعده لايبنى( إنك أنت العليم ) أنت مبتدأ والعليم خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب ، ووقع بلفظ المرفوع لانه هو الكاف في المعنى ولايقع هاهنا إياك للتوكيد ؛ لانها لو وقعت لكانت بدلا ، وإياك لم يؤكد بها ، ويجوز أن يكون فصلا لاموضع لها من الاعراب ، و( الحكيم ) خبر ثان أو صفة للعليم على قول من أجاز صفة الصفة ، وهو صحيح ؛ لان هذه الصفة هى الموصوف في المعنى ، والعليم بمعنى العالم ، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم ، وأن يكون بمعنى المحكم .
قوله تعالى :( أنبئهم ) يقرأ بتحقيق الهمزة على الاصل ، وبالياء على تليين الهمزة ، ولم نقلبها قلبا قياسيا ؛ لانه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك أبقهم كما بقيت ، وقد قرئ " آنبهم " بكسر الباء من غير همزة ولاياء ، على أن يكون إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا ، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد ، وإلى الثانى بحرف الجر ، وهو قوله :( بأسمائهم ) وقد يتعدى بعن كقولك : أنبأته عن حال زيد وأما قوله تعالى: " قد نبأنا الله من أخباركم " فيذكر في موضعه ،( وأعلم ماتبدون ) مستأنف وليس بمحكى بقوله :( ألم أقل لكم ) ويجوز أن يكون محكيا أيضا ، فيكون في موضع نصب ، وتبدون وزنه تفعون ، والمحذوف منه لامه وهى واو ؛ لانه من بدا يبدو ، والاصل في الياء التى في( إنى ) أن تحرك بالفتح ؛ لانها اسم مضمر على حرف واحد ، فتحرك مثل الكاف في إنك ، فمن حركها أخرجها على الاصل ، ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة .
قوله تعالى :( للملائكة اسجدوا ) الجمهور على كسر التاء ، وقرئ بضمها وهى قراءة ضعيفة جدا ، وأحسن ماتحمل عليه أن يكون الراوى لم يضبط على القارئ ، وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء ، ولم يدرك الراوى هذه الاشارة ، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة ثم حركها بالضم إتباعا لضمة الجيم ، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف ، ومثله ماحكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت : أفى سوأة أنتنه ، بفتح التاء ، وكأنها نوت الوقف على التاء ، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة( إلا إبليس ) استثناء منقطع ؛ لانه لم يكن من الملائكة ، وقيل هو متصل ؛ لانه كان في الابتداء ملكا وهو اسم أعجمى لاينصرف للعجمة والتعريف ، وقيل هو عربى واشتقاقه من الابلاس ولم ينصرف للتعريف ، وأنه لانظير له في الاسماء ، وهذا بعيد ، على أن في الاسماء مثله نحو : إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه ، وأبى في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره : ترك السجود كارها له ومستكبرا( وكان من الكافرين ) مستأنف ، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا .
قوله :( اسكن أنت وزوجك ) أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه ، والاصل في( كل ) أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا ،
ومثله خذ ، ولايقاس عليه ، فلا تقول في الامر من أجر يأجر جر ، وحكى سيبويه أو كل شاذا( منها ) أى من ثمرتها ، فحذف المضاف ، وموضعه نصب بالفعل قبله ، ومن لابتداء الغاية و( رغدا ) صفة مصدر محذوف : أى أكلا رغدا أى طيبا هنيئا ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره : كلا مستطيبين متهنئين( حيث ) ظرف مكان ، والعامل فيه كلا ، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة فيكون حيث مفعولا به ؛ لان الجنة مفعول وليس بظرف ؛ لانك تقول سكنت البصرة وسكنت الدار ، بمعنى نزلت ، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت( هذه الشجرة ) الهاء بدل من الياء في هذى ؛ لانك تقول في المؤنث هذى وهاتا وهاتى ، والياء للمؤنث مع الذال لاغير ، والهاء بدل منها ؛ لانها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه ، وقرئ في الشاذ " هذه الشيرة " وهى لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج( فتكونا ) جواب النهى ؛ لان التقدير : إن تقربا تكونا ، وحذف النون هنا علامة النصب ؛ لان جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب ، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف .
قوله تعالى : ( فأزلهما ) يقرأ بتشديد اللام من غير ألف : أى حملها على الزلة ، ويقرأ" فأزلهما " أى نحاهما ، وهو من قولك : زال الشئ يزول إذا فارق موضعه وأزلته نحيته ، وألفه منقلبة عن واو( مما كانا فيه ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة : أى من نعيم أو عيش( اهبطوا ) الجمهور على كسر الباء وهى اللغة الفصيحة ، وقرئ بضمها ، وهى لغة ( بعضكم لبعض عدو ) جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أى اهبطوا متعادين ، واللام متعلقة بعدو ؛ لان التقدير بعضكم عدو لبعض ، ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر ، ويجوز أن يكون صفة لعدو ، فلما تقدم عليه صار حالا ، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة ، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ أفرد عدو ، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال : " فإنهم عدو لى "( ولكم في الارض مستقر ) يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون حالا أيضا ، وتقديره : اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار ، ومستقر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار ، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار ، و( إلى حين ) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع ؛ لانه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين .
قوله تعالى :( فتلقى آدم ) يقرأ برفع آدم ونصب كلمات ، وبالعكس ؛ لان كل ماتلقاك فقد تلقيته ، و( من ربه ) يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقى ، ويكون لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في الاصل صفة لكلمات تقديره : كلمات كائنة من ربه ، فلما قدمها انتصبت على الحال( إنه هو التواب ) هو هاهنا مثل أنت في " إنك أنت العليم الحكيم " وقد ذكر قوله( منها جميعا ) حال : أى مجتمعين إما في زمن واحد أو في أزمنة ، بحيث يشتركون في الهبوط( فإما ) إن حرف شرط ، وما حرف مؤكد له ، و( يأتينكم ) فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية ، والفعل يصير بها مبنيا أبدا ، وماجاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو القياس ؛ لان زيادة " ما " تؤذن بإرادة شدة التوكيد ، وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون ، وجواب الشرط( فمن تبع ) وجوابه ، ومن في موضع رفع بالابتداء ، والخبر تبع ، وفيه ضمير فاعل يرجع على من ، وموضع تبع جزم بمن .
والجواب( فلا خوف عليهم ) وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لاجواب الشرط ، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدإ ، ولايلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت : من يقم أكرم زيدا جاز ، ولو قلت : من يقم زيدا أكرمه ، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز .
وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب ، وقيل الخبر منهما ماكان فيه ضمير يعود على من ، وخوف مبتدأ وعليهم الخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفى الذى فيه ، والرفع والتنوين هنا أوجه
من البناء على الفتح لوجهين : أحدهما أنه عطف عليه مالايجوز فيه إلا الرفع ، وهو قوله :( ولاهم ) ؛ لانه معرفة ، ولا لاتعمل في المعارف ، فالاولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان ، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير الفاعل نحو : قام زيد وعمرا كلمته ، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل ، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل والوجه الثانى من جهة المعنى ، وذلك بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية وليس المراد ذلك ، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة .
فإن قيل : لم لايكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى ولايليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير ، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير .
قيل : الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره : لاخوف كثير عليهم فيتوهم ثبوت الياء القليل ، وهو عكس ماقدر في السؤال .
فبان أن الوجه في الرفع ماذكرنا( هداى ) المشهور إثبات الالف قبل على لفظ المفرد قبل الاضافة ، ويقرأ هدى بياء مشددة، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ماقبلها في الاسم الصحيح والالف لايمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت .
قوله :( بآياتنا ) الاصل في آية : أية ؛ لان فاءها همزة وعينها ولامها ياء ان ؛ لانها من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء ، فظهرت الياء الاولى والهمزة الاخيرة يدل من ياء ووزنه أفعال ، والالف الثانية مبدلة من همزة هى فاء الكلمة ، ولو كانت عينها واوا لقالوا : آواء ، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس .
ومثله غاية وثاية ، وقيل أصلها أييه ، ثم قلبت الياء الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها ، وقبل أصلها أيية بفتح الاولى والثانية ، ثم فعل في الياء ماذكرنا وكلا الوجهين فيه نظر ؛ لان حكم الياءين إذا اجتمعتا في مثل هذا أن تقلب الثانية لقربها من الطرف .
وقيل أصلها أيية على فاعلة ، وكان القياس أن تدغم فيقال آية مثل دابة ، إلا أنها خففت كتخفيف كينونة في كينونة ، وهذا ضعيف ؛ لان التخفيف في ذلك البناء كان لطول الكلمة( أولئك ) مبتدأ و( أصحاب النار ) خبره ، و( هم فيها خالدون ) مبتدأ وخبر في موضع الحال من أصحاب ، وقيل يجوز أن يكون حالا من النار ؛ لان في الجملة ضميرا يعود عليها ، ويكون العامل في الحال معنى الاضافة ، أو اللام المقدرة .
قوله تعالى :( يابنى إسرائيل ) إسرائيل لاينصرف ؛ لانه علم أعجمى ، وقد تكلمت به العرب بلغات مختلفة ، فمنهم من يقول إسرائيل بهمزة بعدها ياء بعدها لام ، ومنهم من يقول كذلك ، لا أنه يقلب الهمزة ياء ومنهم من يبقى الهمزة ويحذف الياء ومنهم من يحذفها فيقول إسرال ، ومنهم من يقول إسرائين بالنون ، وبنى جمع ابن جمع جمع السلامة ، وليس بسالم في الحقيقة ؛ لانه لم يسلم لفظ واحده في جمعه ، وأصل الواحد بنو على فعل بتحريك العين ، لقولهم في الجمع أبناء كجبل وأجبال ولامه واو .
وقال قوم : لامه ياء ولاحجة في البنوة ؛ لانهم قد قالوا الفتوة وهى من الياء( أنعمت عليكم ) الاصل أنعمت بها ، ليكون الضمير عائدا على الموصول ، فحذفت حرف الجر
فصار أنعمتها ، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله : " أهذا الذى بعث الله رسولا "( وأوفوا ) يقال في الماضى وفى ووفى وأوفى ، ومن هنا قرئ( أوف بعهدكم ) وأوف بالتخفيف والتشديد( وإياى ) منصوب بفعل محذوف دل عليه( فارهبون ) تقديره : وارهبوا إياى فارهبون ، ولايجوز أن يكون منصوبا بارهبون ؛ لانه قد تعدى إلى مفعوله .
قوله :( مصدقا ) حال مؤكدة من الهاء المحذوفة في أنزلت ، و( معكم ) منصوب على الظرف ، والعامل فيه الاستقرار( أول ) هى أفعل وفاؤها وعينها واوان عند سيبويه ، ولم ينصرف منها فعل لاعتلال الفاء والعين وتأنيثها أولى ، وأصلها وول فأبدلت الواو همزة لانضمامها ضما لازما ، ولم تخرج على الاصل كما خرج وقتت ووجوه كراهية اجتماع الواوين
وقال بعض الكوفيين : أصل الكلمة من وأل : يأل إذا نجا فأصلها أوأل ، ثم خففت الهمزة بأن أبدلت واوا ثم أدغمت الاولى فيها .
وهذا ليس بقياس ، بل القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تلقى حركتها على الساكن قبلها وتحذف ، وقال بعضهم من آل يئول ، فأصل الكلمة أول ، ثم أخرت الهمزة الثانية فجعلت بعد الواو ، ثم عمل فيها ماعمل في الوجه الذى قبله فوزنه الآن أعفل( كافر ) لفظه واحد وهو في معنى الجمع : أى أول الكفار كما يقول هو أحسن رجل ، وقيل التقدير : أول فريق كافر .
قوله تعالى :( وتكتموا الحق ) هو مجزوم بالعطف على : ولاتلبسوا ويجوز أن يكون نصبا على الجواب بالواو أى لاتجمعوا بينهما كقولك لاتأكل السمك وتشرب اللبن( وأنتم تعلمون ) في موضع نصب على الحال ، والعامل لاتلبسوا وتكتموا .
قوله تعالى :( وأقيموا الصلاة ) أصل أقيموا أقوموا فعمل فيه ماذكرناه في قوله :" ويقيمون الصلاة " في أول السورة( وآتوا الزكاة ) أصله آتيوا فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين ، ثم حركت التاء بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت تبعا للواو كما ضمت في اضربوا ونحوه ، وألف الزكاة منقلبة عن واو لقولهم : زكا الشئ يزكو ، وقالوا في الجمع زكوات( مع الراكعين ) ظرف .
قوله تعالى :( وتنسون ) أصله تنسيون ، ثم عمل فيه ماذكرناه في قوله تعالى :" اشتروا الضلالة " ( أفلا تعقلون ) استفهام في معنى التوبيخ ولاموضع له .
قوله تعالى :( واستعينوا ) أصله استعونوا ، وقد ذكر في الفاتحة( وإنها ) الضمير للصلاة ، وقيل للاستعانة ؛ لان استعينوا يدل عليها ، وقيل على القبلة لدلالة الصلاة عليها ، وكان التحول إلى الكعبة شديدا على اليهود( إلا على الخاشعين ) في موضع نصب بكبيرة ، وإلا دخلت للمعنى ولم تعمل ؛ لانه ليس قبلها مايتعلق بكبيرة ليستثنى منه. فهو كقولك هو كبير على زيد .
قوله تعالى :( الذين يظنون ) صفة للخاشعين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعنى ، ورفع بإضمارهم( أنهم ) أن واسمها وخبرها ساد مسد المفعولين لتضمنه مايتعلق به الظن وهو اللقاء .
وذكر من أسند إليه اللقاء .
وقال الاخفش : أن وماعملت فيه مفعول واحد ، وهو مصدر ، والمفعول الثانى محذوف تقديره : يظنون لقاء الله واقعا( ملاقوا ) أصله ملاقيوا ، ثم عمل فيه ماذكرنا في غير موضع وحذفت النون تخفيفا ؛ لانه نكرة إذا كان مستقبلا ، ولما حذفها أضاف( إليه ) الهاء ترجع إلى الله ، وقيل إلى اللقاء الذى دل عليه ملاقوا .
قوله تعالى :( وأنى فضلتكم ) في موضع نصب تقديره : واذكروا تفضيلى إياكم : قوله تعالى :( واتقوا يوما ) يوما هنا مفعول به ؛ لان الامر بالتقوى لايقع في يوم القيامة ، والتقدير : واتقوا عذاب يوم أو نحو ذلك( لاتجزى نفس ) الجملة في موضع نصب صفة اليوم ، والعائد محذوف تقديره : تجزى فيه .
ثم حذف الجار والمجرور عند سيبويه ؛ لان الظروف يتسع فيها ، ويجوز فيها مالايجوز في غيرها ، وقال غيره تحذف " في " فتصير تجزيه ، فإن وصل الفعل بنفسه حذف المفعول به بعد ذلك( عن نفس ) في موضع نصب بتجزى ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ، على أن يكون التقدير : شيئا عن نفس و( شيئا ) هنا في حكم المصدر ؛ لانه وقع موقع جزاء ، وهو كثير في القرآن ؛ لان الجزاء شئ فوضع العام موضع الخاص( ولايقبل منها شفاعة ولايؤخذ منها عدل ) أى فيه وكذلك( ولاهم ينصرون ) ، ومنها في الموضعين يجوز أن يكون متعلقا بيقبل ويؤخذ ، ويجوز أن يكون صفة لشفاعة وعدل ، فلما قدم انتصب على الحال ، ويقبل يقرأ بالتاء لتأنيث الشفاعة ، وبالياء ؛ لانه غير حقيقى ، وحسن ذلك للفصل .
قوله تعالى :( وإذ نجيناكم ) إذ في موضع نصب معطوفا على اذكروا نعمتى ، وكذلك : وإذ فرقنا ، وإذ واعدنا ، وإذ قلتم ياموسى ، وماكان مثله من العطوف( من آل فرعون ) أصل آل : أهل ، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج ، ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل : آدم وآمن ، وتصغيره أهيل ؛ لان التصغير يرد إلى الاصل ، وقال بعضهم : أويل ، فأبدل الالف واوا ، ولم يرده إلى الاصل ، كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله ، وقيل أصل آل : أول ، من آل يئول ؛ لان الانسان : يئول إلى أهله ، وفرعون أعجمى معرفة( يسومونكم ) في موضع نصب على الحال من آل( سوء العذاب ) مفعول به ؛ لان يسومونكم متعد إلى مفعولين ، يقال : سمته الخسف : أى ألزمته الذل( يذبحون ) في موضع حال إن شئت من آل على أن يكون بدلا من الحال الاولى ؛ لان حالين فصاعدا لاتكون عن شئ واحد ، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول ، والعامل لايعمل في مفعولين على هذا الوصف ، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم ، والجمهور على تشديد الباء للتكثير ، وقرئ بالتخفيف( بلاء ) الهمزة بدل من واو ؛ لان الفعل منه بلوته ، ومنه قوله :" ولنبلونكم " ( من ربكم ) في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق بمحذوف .
قوله تعالى: ( فرقنا بكم البحر ) بكم في موضع نصب مفعول ثان ، والبحر مفعول أول ، والباء هنا في معنى اللام ، ويجوز أن يكون التقدير ، بسببكم ، ويجوز أن تكون المعدية كقولك : ذهبت بزيد ، فيكون التقدير : أفرقناكم البحر ، ويكون في المعنى كقوله تعالى " وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر " ويجوز أن تكون الباء للحال : أى فرقنا البحر وأنتم به ، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة( وأنتم تنظرون ) في موضع الحال والعامل أغرقنا .
قوله تعالى :( واعدنا موسى ) وعد يتعدى إلى مفعولين تقول : وعدت زيدا مكان كذا ويوم كذا ، فالمفعول الاول موسى ، و( أربعين ) المفعول الثانى ، وفى الكلام حذف تقديره تمام أربعين ، وليس أربعين ظرفا إذ ليس المعنى وعده في أربعين ، ويقرأ واعدنا بألف ، وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين ، بل مثل قولك : عافاه الله وعاقبت اللص ، وقيل هو من ذلك ؛ لان الوعد من الله والقبول من موسى فصار كالوعد منه ، وقيل إن الله أمر موسى أن يعد بالوفاء ففعل ، وموسى مفعل من أوسيت
رأسه إذا حلقته ، فهو مثل أعطى فهو معطى ، وقيل هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه ، فموسى الحديد من هذا المعنى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الحلق .
فالواو في موسى على هذا بدل من الياء لسكونها وانضمام ماقبلها ، وموسى اسم النبى لايقضى عليه بالاشتقاق ؛ لانه أعجمى ، وإنما يشتق موسى الحديد( ثم اتخذتم العجل ) أى إلها فحذف المفعول الثانى ومثله " باتخاذكم العجل " ، وقد تأتى اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل وعمل ، كقوله تعالى : " وقالوا اتخذ الله ولدا " وكقولك : اتخذت دارا وثوبا وماأشبه ذلك ، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما ، ويجوز الاظهار على الاصل( من بعده ) أى من بعد انطلاقه فحذف المضاف .
قوله تعالى :( لعلكم ) اللام الاولى أصل عند جماعة ، وإنما تحذف تخفيفا في قولك علك ، وقيل هى زائدة والاصل علك ، ولعل حرف والحذف تصرف والحرف بعيد منه .
قوله تعالى :( والفرقان ) هو في الاصل مصدر مثل الرجحان ، والغفران ، وقد جعل اسما للقرآن .
قوله تعالى :( لقومه ) اللغة الجيدة أن تكسر الهاء إذا انكسر ماقبلها ، وتزاد عليها ياء في اللفظ ؛ لانها خفية لاتبين كل البيان بالكسر وحده ، فإن كان قبلها ياء مثل عليه فالجيد أن تكسر الهاء من غير ياء ؛ لان الهاء خفية ضعيفة ، فإذا كان قبلها ياء وبعدها ياء لم يقو الحاجز بين الساكنين ، فإن كان قبل الهاء فتحة أو ضمة ضمت ولحقتها واو في اللفظ ، نحو : إنه وغلامه لما ذكرنا( ياقوم ) حذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة ، وهذا يجوز في النداء خاصة ؛ لانه لايلبس ، ومنهم من يثبت الياء ساكنة ومنهم من يفتحها ، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ماقبلها ، ومنهم من يقول : ياقوم بضم الميم( إلى بارئكم ) القراءة بكسر الهمزة ؛ لان كسرها إعراب ، وروى عن أبى عمرو تسكينها فرار من توالى الحركات ، وسيبويه لايثبت هذه الرواية ، وكان يقول : إن الراوى لم يضبط عن أبى عمرو ؛ لان أبا عمرو اختلس الحركة فظن السامع أنه سكن( ذلكم ) قال بعضهم : الاصل ذانكم ؛ لان المقدم ذكره التوبة والقتل ، فأوقع المفرد موقع التثنية ؛ لان ذا يحتمل الجميع ، وهذا ليس بشئ لان قوله فاقتلوا تفسير التوبة فهو واحد( فتاب عليكم ) في الكلام حذف تقديره : ففعلتم فتاب عليكم .