إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن الجزء ١

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن18%

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن مؤلف:
تصنيف: القرءات وفنّ التجويد
الصفحات: 316

  • البداية
  • السابق
  • 316 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18537 / تحميل: 7620
الحجم الحجم الحجم
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ب :( وَلا تَنْقُضُوا الإيْمان بَعْد تَوكيدها ) فالأيمان جمع يمين.

فيقع الكلام في الفرق بين الجملتين ، والظاهر اختصاص الأولى بالعهود التي يبرمها مع الله تعالى ، كما إذا قال : عاهدت الله لأفعلنّه ، أو عاهدت الله أن لا أفعله.

وأمّا الثانية فالظاهر انّ المراد هو ما يستعمله الإنسان من يمين عند تعامله مع عباد الله.

وبملاحظة الجملتين يعلم أنّه سبحانه يؤكد على العمل بكلّ عهد يبرم تحت اسم الله ، سواء أكان لله سبحانه أو لخلقه.

ثمّ إنّه قيّد الأيمان بقوله : بعد توكيدها ، وذلك لأنّ الأيمان على قسمين : قسم يطلق عليه لقب اليمين ، بلا عزم في القلب وتأكيد له ، كقول الإنسان حسب العادة والله وبالله.

والقسم الآخر هو اليمين المؤكد ، وهو عبارة عن تغليظه بالعزم والعقد على اليمين ، يقول سبحانه :( لاَ يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الإيْمان ) .(١)

ثمّ إنّه سبحانه يعلّل تحريم نقض العهد ، بقوله :( وَقَد جَعَلتم الله علَيكم كفيلاً انّ الله يعلم ما تَفْعلون ) أي جعلتم الله كفيلاً بالوفاء فمن حلف بالله فكأنّه أكفل الله بالوفاء.

فالحالف إذا قال : والله لأفعلنّ كذا ، أو لأتركنّ كذا ، فقد علّق ما حلف عليه نوعاً من التعليق على الله سبحانه ، وجعله كفيلاً عنه في الوفاء لما عقد عليه

__________________

١ ـ المائدة : ٨٩.

١٨١

اليمين ، فإن نكث ولم يفِ كان لكفيله أن يؤدبه ، ففي نكث اليمين ، إهانة وإزراء بساحة العزة.

ثمّ إنّه سبحانه يرسم عمل ناقض العهد بامرأة تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، قال :( وَلاتَكُونُوا كَالّتى نَقَضَت غزلها مِنْ بعْدل قُوّة أنكاثاً ) مشيراً إلى المرأة التي مضى ذكرها وبيان عملها حيث كانت تغزل ما عندها من الصوف والشعر ، ثمّ تنقض ما غزلته ، وقد عرفت في قوله ب‍ « الحمقاء » فكذلك حال من أبرم عهداً مع الله وباسمه ثمّ يقدم على نقضه ، فعمله هذا كعملها بل أسوأ منها حيث يدل على سقوط شخصيته وانحطاط منزلته.

ثمّ إنّه سبحانه يبين ما هو الحافز لنقض اليمين ، ويقول إنّ الناقض يتخذ اليمين واجهة لدخله وحيلته أوّلاً ، ويبغي من وراء نقض عهده ويمينه أن يكون أكثر نفعاً ممّا عهد له ولصالحه ثانياً ، يقول سبحانه :( تَتَّخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمّة هي أربى من أمّة ) فقوله « أربى » من الربا بمعنى الزيادة ، فالناقض يتخذ أيمانه للدخل والغش ، ينتفع عن طريق نقض العهد وعدم العمل بما تعهد ، ولكن الناقض غافل عن ابتلائه سبحانه ، كما يقول سبحانه :( إنّما يبلوكم الله به وليبيّننَّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ) .

أي انّ ذلك امتحان إلهي يمتحنكم به ، وأقسم ليبيّنن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون فتعلمون عند ذلك حقيقة ما أنتم عليه اليوم من التكالب على الدنيا وسلوك سبيل الباطل لإماطة الحق ، ودحضه ويتبين لكم يومئذ من هو الضال ومن هوا لمهتدي.(١)

__________________

١ ـ الميزان : ١٢ / ٣٣٦.

١٨٢

النحل

٣٠

التمثيل الثلاثون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللهِ فأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظالِمُون ) .(١)

تفسير الآيات

« رغد » عيش رغد ورغيد : طيّب واسع ، قال تعالى :( وكلا منها رغداً ) .

يصف سبحانه قرية عامرة بصفات ثلاث :

أ : آمنة : أي ذات أمن يأمن فيها أهلها لا يغار عليهم ، ولا يُشنُّ عليهم بقتل النفوس وسبي الذراري ونهب الأموال ، وكانت آمنة من الحوادث الطبيعية كالزلازل والسيول.

ب : مطمئنة : أي قارّة ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف أو ضيق ، فانّ ظاهرة الاغتراب إنّما هي نتيجة عدم الاستقرار ، فترك الأوطان وقطع الفيافي وركوب البحار وتحمّل المشاق رهن عدم الثقة بالعيش الرغيد فيه ، فالاطمئنان رهن الأمن.

____________

١ ـ النحل : ١١٢ ـ ١١٣.

١٨٣

ج :( يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان ) ، الضمير في يأتيها يرجع إلى القرية ، والمراد منها حاضرة ما حولها من القرى ، والدليل على ذلك ، قوله سبحانه حاكياً عن ولد يعقوب :( وَاسئلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ التِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا لَصادِقُون ) .(١) والمراد من القرية هي مصر الحاضرة الكبيرة يومذاك.

وعلى ذلك فتلك القرية الواردة في الآية بما انّها كانت حاضرة لما حولها من الاَصقاع فينقل ما يزرع ويحصد إليها بغية بيعه أو تصديره.

هذه الصفات الثلاث تعكس النعم المادية الوافرة التي حظيت بها تلك القرية.

ثمّ إنّه سبحانه يشير إلى نعمة أخرى حظيت بها وهي نعمة معنوية ، أعنيبعث الرسول إليها ، كما أشار إليه في الآية الثانية ، بقوله :( وَلَقد جاءهُمْ رسول منهم ) .

وهوَلاء أمام هذه النعم الظاهرة والباطنة بدل أن يشكروا الله عليها كفروا بها.

أمّا النعمة المعنوية ، أعني : الرسول فكذّبوه ـ كما هو صريح الآية الثانية ـ وأمّا النعمة المادية فالآية ساكتة عنها غير انّ الروايات تكشف لنا كيفية كفران تلك النعم.

روى العياشي ، عن حفص بن سالم ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّ قوماً في بني إسرائيل تؤتى لهم من طعامهم حتى جعلوا منه تماثيل بمدن كانت في بلادهم يستنجون بها ، فلم يزل الله بهم حتى اضطروا إلى التماثيل يبيعونها

__________________

١ ـ يوسف : ٨٢.

١٨٤

ويأكلونها ، وهو قول الله :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ».(١)

وفي رواية أخرى عن زيد الشحّام ، عن الصادقعليه‌السلام قال : كان أبي يكره أن يمسح يده في المنديل وفيه شيء من الطعام تعظيماً له إلاّ أن يمصّها ، أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها ، قال : فانّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقده فيضحك الخادم ، ثم قال : إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم كان الله قد وسع عليهم حتى طغوا ، فقال بعضهم لبعض : لو عمدنا إلى شيء من هذا النقي فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة.

قالعليه‌السلام : فلمّا فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دواباً أصغر من الجراد ، فلم تدع لهم شيئاً خلقه الله إلاّ أكلته من شجر أو غيره ، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به ، فأكلوه وهي القرية التي قال الله تعالى :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .(٢)

وبذلك يعلم أنّ ما يقوم به الجيل الحاضر من رمي كثير من فتات الطعام في سلة المهملات أمر محظور وكفران بنعمة الله. حتى أنّ كثيراً من الدول وصلت بها حالة البطر بمكان انّها ترمي ما زاد من محاصيلها الزراعية في البحار حفظاً لقيمتها السوقية ، فكلّ ذلك كفران لنعم الله.

ثمّ إنّه سبحانه جزاهم في مقابل كفرهم بالنعم المادية والروحية ، وأشار إليها

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين : ٣ / ٩١ ، حديث ٢٤٧.

٢ ـ تفسير نور الثقلين : ٣ / ٩٢ ، حديث ٢٤٨.

١٨٥

بآيتين :

الاَُولى :( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .

الثانية :( فَأخذهم العذاب وهم ظالمون ) .

فلنرجع إلى الآية الأولى ، فقد جزاهم بالجوع والخوف نتيجة بطرهم.

وهناك سؤال مطروح منذ القدم وهو أنّه سبحانه جمع في الآية الأولى بين الذوق واللباس ، فقال :( فَأَذاقَهَا الله لِباسَ الجُوعِ ) مع أنّ مقتضى استعمال الذوق هو لفظ طعم ، بأن يقول : « فأذاقها الله طعم الجوع ».

ومقتضى اللفظ الثاني أعني : اللباس ، أن يقول : « فكساهم الله لباس الجوع » فلماذا عدل عـن تلك الجملتين إلى جملة ثالثــة لا صلـة لها ـ حسب الظاهر ـ بين اللفظين ؟

والجواب : انّ للإتيان بكلّ من اللفظين وجهاً واضحاً.

أمّا استخدام اللباس فلبيان شمول الجوع والخوف لكافة جوانب حياتهم ، فكأنّ الجوع والخوف أحاط بهم من كلّ الأطراف كإحاطة اللباس بالملبوس ، ولذلك قال :( لباس الجوع والخوف ) ولم يقل « الجوع والخوف » لفوت ذلك المعنى عند التجريد عن لفظ اللباس.

وأمّا استخدام الذوق فلبيان شدة الجوع ، لأنّ الإنسان يذوق الطعام ، وأمّا ذوق الجوع فانّما يطلق إذا بلغ به الجوع والعطش والخوف مبلغاً يشعر به من صميم ذاته ، فقال :( فَأَذاقَهُمُ الله لِباس الجوع والخَوف ) .

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وأمّا ما هو المرادمن تلك القرية بأوصافها الثلاثة ، فقد عرفت من الروايات خصوصياتها.

١٨٦

نعم ربما يقال بأنّ المراد أهل مكة ، لأنّهم كانوا في أمن وطمأنينة ورفاه ، ثمّ أنعم الله عليهم بنعمة عظيمة وهي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكفروا به وبالغوا في إيذائه ، فلا جرم أن سلط عليهم البلاء.

قال المفسرون : عذّبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام.

وأمّا الخوف ، فهو انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم.

ويؤيد ذلك الاحتمال ما جاء من وصف أرض مكة في قوله :( أَوَ لَمْ نُمَكّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلّ شَيْءٍ ) .(١)

ومع ذلك كلّه فتطبيق الآية على أهل مكة لا يخلو من بُعد.

أمّا أوّلاً : فلأنَّ الآية استخدمت الأفعال الماضية مما يشير إلى وقوعها في الأزمنة الغابرة.

وثانياً : لم يثبت ابتلاء أهل مكة بالقحط والجوع على النحو الوارد في الآية الكريمة ، وان كان يذكره بعض المفسرين.

وثالثاً : انّ الآية بصدد تحذير المشركين من أهل مكة من مغبّة تماديهم في كفرهم ، والسورة مكية إلاّ آيات قليلة ، ونزولها فيها يقتضي أن يكون للمثل واقعية خارجية وراء تلك الظروف ، لتكون أحوال تلك الأمم عبرة للمشركين من أهل مكة وما والاها.

__________________

١ ـ القصص : ٥٧.

١٨٧

الاِسراء

٣١

التمثيل الواحد والثلاثون

( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَة إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْط فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) .(١)

تفسير الآيات « الغلُّ » : ما يقيَّد به ، فيجعل الأعضاء وسطه ، وجمعه أغلال ، ومعنى قوله :( مغلولة إلى عنقك ) أي مقيَّدة به.

« الحسرة » : الغم على ما فاته والندم عليه ، وعلى ذلك يكون محسوراً ، عطف تفسير لقوله « ملوماً » ، ولكن الحسرة في اللغة كشف الملبس عما عليه ، وعلى هذا يكون بمعنى العريان.

أمّا الآية فهي تتضمن تمثيلاً لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، والأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ، فشبّه منع الشحيح بمن تكون يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الاِعطاء والبذل ، فيكون تشبيه لغاية المبالغة في النهي عن الشح والإمساك ، كما شبّه إعطاء المسرف بجميع ما عنده بمن بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء ، وهذا كناية عن الإسراف ، فيبقى الثالث وهو المفهوم من الآية

__________________

١ ـ الإسراء : ٢٩ ـ ٣٠.

١٨٨

وإن لم يكن منطوقاً ، وهو الاقتصاد في البذل والعطاء ، فقد تضمّنته آية أخرى في سورة الفرقان ، وهي :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُروا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) .(١)

وقد ورد في سبب نزول الآية ما يوضح مفادها.

روى الطبري أنّ امرأة بعثت ابنها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : قل له : إنّ أمّي تستكسيك درعاً ، فإن قال : حتى يأتينا شيء. ، فقل له : انّها تستكسيك قميصك.

فأتاه ، فقال ما قالت له ، فنزع قميصه فدفعه إليه ، فنزلت الآية.

ويقال انّهعليه‌السلام بقي في البيت إذ لم يجد شيئاً يلبسه ولم يمكنه الخروج إلى الصلاة فلامه الكفّار ، وقالوا : إنّ محمداً اشتغل بالنوم واللهو عن الصلاة( إِنَّ ربّك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي يوسع مرة ويضيق مرة ، بحسب المصلحة مع سعة خزائنه.(٢)

روى الكليني عن عبدالملك بن عمرو الأحول ، قال : تلا أبو عبد الله هذه الآية :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَم يسرفُوا وَلم يقتروا وَكان بين ذلكَ قواماً ) .

قال : فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده ، فقال : هذا الإقتار الذي ذكره الله في كتابه ، ثمّ قبض قبضة أخرى ، فأرخى كفه كلها ، ثمّ قال : هذا الإسراف ، ثمّ قبض قبضة أخرى فأرخى بعضها ، وقال : هذا القوام.(٣)

__________________

١ ـ الفرقان : ٦٧.

٢ ـ مجمع البيان : ٣ / ٤١٢.

٣ ـ البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ١٧٣.

١٨٩

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وهذا الدستور الإلهي تمخض عن سنّة إلهية في عالم الكون ، فقد جرت سنته سبحانه على وجود التقارن بين أجزاء العالم وانّ كلّ شيء يبذل ما يزيد على حاجته إلى من ينتفع به ، فالشمس ترسل ٤٥٠ ألف مليون طن من جرمها بصورة أشعة حرارية إلى أطراف المنظومة الشمسية وتنال الأرض منها سهماً محدوداً فتتبدل حرارة تلك الأشعة إلى مواد غذائية كامنة في النبات والحيوان وغيرهما ، حتى أنّ الأشجار والأزهار ما كان لها أن تظهر إلى الوجود لولا تلك الأشعة.

إنّ النحل يمتصّ رحيق الاَزهار فيستفيد منه بقدر حاجته ويبدل الباقي عسلاً ، كل ذلك يدل على أنّ التعاون بل بذل ما زاد عن الحاجة ، سنة إلهية وعليها قامت الحياة الإنسانية.

ولكن الإسلام حدّد الإنفاق ونبذ الاِفراط والتفريط ، فمنع عن الشح ، كما منع عن الإسراف في البذل.

وكأنّ هذه السنّة تجلت في غير واحد من شؤون حياة الإنسان ، ينقل سبحانه عن لقمان الحكيم انّه نصح ابنه بقوله :( وَ اقْصُدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِير ) .(١)

بل يتجلّى الاقتصاد في مجال العاطفة الإنسانية ، فمن جانب يصرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام .(٢)

ومن جانب آخر يقول الإمام عليعليه‌السلام : « هلك فيّ اثنان : محب غال ، ومبغض قال ».(٣)

__________________

١ ـ لقمان : ١٩.

٢ ـ حلية الأولياء : ١ / ٨٦.

٣ ـ بحار الأنوار : ٣٤ / ٣٠٧.

١٩٠

فالاِمعان في مجموع ما ورد في الآيات والروايات يدل بوضوح على أنّ الاقتصاد في الحياة هو الأصل الأساس في الإسلام ، ولعله بذلك سميت الأمة الإسلامية بالاَُمة الوسط ، قال سبحانه :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ) .(١)

وهناك كلمة قيمة للاِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حول الاعتدال نأتي بنصها :

دخل الإمام علي العلاء بن زياد الحارثى وهو من أصحابه يعوده ، فلمّا رأي سعة داره ، قال :

« ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ، وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟

بلى إن شئت بلغت بها الآخرة ، تقري فيها الضيف ، وتصل فيها الرَّحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة ».

فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال : « وماله؟ » قال : لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال : « عليّ به ». فلمّا جاء قال :

« يا عديّ نفسك : لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك وولدك ! أترى الله أحلّ لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها ؟! أنت أهون على الله من ذلك ».

قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك !

قال : « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل ( الحق ) أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره ! »(٢)

__________________

١ ـ البقرة : ١٤٣.

٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠٩.

١٩١

الكهف

٣٢

التمثيل الثاني والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لأحَدِهِما جَنَّتين مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً * وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبيدَ هذِهِ أَبَداً * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبّي لاََجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً * لكِنّا هُوَ اللهُ رَبّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَداً * وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلداً * فَعَسى رَبّي أَنْ يُوَْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ ماوَُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً ) .(١)

تفسير الآيات

« الحفّ » من حفَّ القوم بالشيء إذا أطافوا به ، وحفاف الشيء جانباه كأنّهما

__________________

١ ـ الكهف : ٣٢ ـ ٤٣.

١٩٢

أطافا به ، فقوله في الآية( فَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ ) أي جعلنا النخل مطيفاً بهما ، وقوله :( ما أظن أن تبيد ) فهو من باد الشيء ، يبيد بياداً إذا تفرق وتوزع في البيداء أي المفازة.

« حسباناً » : أصل الحسبان السهام التي ترمى ، الحسبان ما يحاسب عليه ، فيجازى بحسبه فيكون النار والريح من مصاديقه ، وفي الحديث انّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في الريح : « اللهم لا تجعلها عذاباً ولا حسباناً ».

« الصعيد » يقال لوجه الأرض « زلق » أي دحضاً لا نبات فيه ويرادفه الصلد ، كما في قوله سبحانه :( فتركه صلداً ) (١)

هذا ما يرجع إلى مفردات الآية.

وأمّا تفسيرها ، فهو تمثيل للمؤمن والكافر بالله والمنكر للحياة الأخروية ، فالأوّل منهما يعتمد على رحمته الواسعة ، والثاني يركن إلى الدنيا ويطمئن بها ، ويتبين ذلك بالتمثيل التالي :

قد افتخر بعض الكافرين بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين ، فضرب الله سبحانه ذلك المثل يبين فيها بأنّه لا اعتبار بالغنى الموَقت وانّه سوف يذهب سدى ، أمّا الذي يجب المفاخرة به هو تسليم الإنسان لربه وإطاعته لمولاه.

وحقيقة ذلك التمثيل انّ رجلين أخوين مات أبوهما وترك مالاً وافراً فأخذ أحدهما حقه منه وهو المؤمن منهما فتقرب إلى الله بالإحسان والصدقة ، وأخذ الآخر حقه فتملك به ضياعاً بين الجنتين فافتخر الاَخ الغني على الفقير ، وقال :( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) ، وما هذا إلاّ لأنّه كان يملك جنتين من أعناب ونخل مطيفاً

__________________

١ ـ البقرة : ٢٦٤.

١٩٣

بهما وبين الجنتين زرع وافر ، وقد تعلّقت مشيئته بأن تأتي الجنتان أكلها ولم تنقص شيئاً وقد تخللها نهر غزير الماء وراح صاحب الجنتين المثمرتين يفتخر على صاحبه بكثرة المال والخدمة.

وكان كلما يدخل جنته يقول : ما أظن أن تفنى هذه الجنة وهذه الثمار ـ أي تبقى أبداً ـ وأخذ يكذب بالساعة ، ويقول : ما أحسب القيامة آتية ، ولو افترض صحة ما يقوله الموحِّدون من وجود القيامة ، فلئن بعثت يومذاك ، لآتاني ربي خيراً من هذه الجنة ، بشهادة أعطائي الجنة في هذه الدنيا دونكم ، وهذا دليل على كرامتي عليه.

هذا ما كان يتفوّه به وهو يمشي في جنته مختالاً ، وعند ذاك يواجهه أخوه بالحكمة والموعظة الحسنة.

و يقول : كيف كفرت بالله سبحانه مع أنّك كنت تراباً فصرت نطفة ، ثمّ رجلاً سوياً ، فمن نقلك من حال إلى حال وجعلك سوياً معتدل الخلقة ؟

وبما انّه ليس في عبارته إنكار للصانع صراحة ، بل إنكار للمعاد ، فكأنّه يلازم إنكار الربّ.

فإن افتخرت أنت بالمال ، فأنا أفتخر بأنّي عبد من عباد الله لا أُشرك به أحداً.

ثمّ ذكّره بسوء العاقبة ، وانّك لماذا لم تقل حين دخولك البستان ما شاء الله ، فانّ الجنتين نعمة من نعم الله سبحانه ، فلو بذلت جهداً في عمارتها فإنّما هو بقدرة الله تبارك وتعالى.

ثمّ أشار إلى نفسه ، وقال : أنا وإن كنت أقل منك مالاً وولداً ، ولكن أرجو

١٩٤

أن يجزيني ربي في الآخرة خيراً من جنتك ، كما أترقب أن يرسل عذاباً من السماء على جنتك فتصبح أرضاً صلبة لا ينبت فيها شيء ، أو يجعل ماءها غائراً ذاهباً في باطن الأرض على وجه لا تستطيع أن تستحصله.

قالها أخوه وهو يندّد به ويحذّره من مغبّة تماديه في كفره وغيّه ويتكهن له بمستقبل مظلم.

فعندما جاء العذاب وأحاط بثمره ، ففي ذلك الوقت استيقظ الاَخ الكافر من رقدته ، فأخذ يقلّب كفّيه تأسّفاً وتحسّراً على ما أنفق من الأموال في عمارة جنتيه ، وأخذ يندم على شركه ، ويقول : يا ليتني لم أكن مشركاً بربي ، ولكن لم ينفعه ندمه ولم يكن هناك من يدفع عنه عذاب الله ولم يكن منتصراً من جانب ناصر.

هذه حصيلة التمثيل ، وقد بيّنه سبحانه على وجه الإيجاز ، بقوله :( المالُ والبنونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقيِاتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) .(١)

وقد روى المفسرون انّه سبحانه أشار إلى هذا التمثيل في سورة الصافات في آيات أخرى ، وقال :( قالَ قائلٌ مِنْهُمْ إِنّي كانَ لِي قَرينٌ * يَقول أءِنّكَ لَمِنَ المُصَدّقينَ * أإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أإنّا لَمَدِينُونَ * قالَ هَل أَنْتُمْ مُطَّلِعُون * فَاطَّلَعَ فرآهُ فِي سَواءِ الجَحِيم ) .(٢)

إلى هنا تبيّـن مفهوم المثل ، وأمّا تفسير مفردات الآية وجملها ، فالاِمعان فيما ذكرنا يغني الباحث عن تفسير الآية ثانياً ، ومع ذلك نفسرها على وجه الإيجاز.

__________________

١ ـ الكهف : ٤٦.

٢ ـ الصافات : ٥١ ـ ٥٥.

١٩٥

( واضرب لهم ) أي للكفار مع المؤمنين( مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما ) أي للكافر( جنتين ) أي بستانين( من أعناب وحففناهما ) أحدقناهما بنخل( وجعلنا بينهما زرعاً ) يقتات به( كلتا الجنتين آتت أكلها ) ثمرها( لم تظلم ) تنقص( منه شيئاً وفجّرنا خلالهما نهراً ) يجري بينهما( وكان له ) مع الجنتين( ثمر فقال لصاحبه ) المؤمن( وهو يحاوره ) يفاخره( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) عشيرة( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه ثمارها.( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم( هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربّي ) في الآخرة على زعمك( لاَجدنّ خيراً منها منقلباً ) مرجعاً( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجادله( أكفرت بالذى خلقك من تراب ) لأنّ آدم خلق منه( ثم من نطفة ثمّ سوّاك ) عدلك وصيّرك( رجلاً ) . أمّا أنا فأقول( لكنّا هو الله ربي ولا أُشرك بربي أحداً ولولا إذ دخلت جنتك قلت ) عند اعجابك بها( ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله ) .( إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً ) وصواعق( من السماء فتصبح صعيداً زلقاً ) أي أرضا ً ملساء لا يثبت عليهاقدم( أو يصبح ماؤها غوراً ) بمعنى غائراً( فلن تستطيع له طلباً ) حيلة تدركه بها( وأحيط بثمره ) مع ما جنته بالهلاك فهلكت( فأصبح يقلب كفيه ) ندماً وتحسراً( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته( وهي خاوية ) ساقطة( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثمّ سقط الكرم( ويقول يا ليتني ) كأنّه تذكّر موعظة أخيه( لم أُشرك بربي أحداً ولم تكن له فئة ) جماعة( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها و( ما كان منتصراً ) عند هلاكها بنفسه( هنالك ) أي يوم القيامة( الولاية ) الملك( لله الحقّ ) .(١)

__________________

١ ـ السيوطي : تفسير الجلالين : تفسير سورة الكهف.

١٩٦

الكهف

٣٣

التمثيل الثالث والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلّ شَيءٍ مُقتدراً ) .(١)

تفسير الآيات

« الهشيم » : ما يكسر ويحطم في يبس النبات ، و « الذر » والتذرية : تطيير الريح الأشياء الخفيفة في كلّ جهة.

تحدّث التمثيل السابق عن عدم دوام نعم الدنيا التي ربما يعتمد عليها الكافر ، ولأجل التأكيد على تلك الغاية المنشودة أتى القرآن بتمثيل آخر يجسم فيها حال الحياة الدنيوية وعدم ثباتها بتمثيل رائع يتضمن نزول قطرات من السماء على الأراضي الخصبة المستعدة لنمو البذور الكامنة فيها ، فعندئذٍ تبتدئ الحركة فيها بشقها التراب وإنباتها وانتفاعها من الشمس إلى أن تعود البذور باقات من الاَزهار الرائعة ، فربما يتخيل الإنسان بقاءها ودوامها ، فإذا بالأعاصير والعواصف المدمِّرة تهب عليها فتصيرها أعشاباً يابسة ، وتبيدها عن بكرة أبيها وكأنّها لم تكن موجودة قط. فتنثر الرياح رمادها إلى الأطراف ، فهذا النوع من الحياة والموت يتكرر

__________________

١ ـ الكهف : ٤٥.

١٩٧

على طول السنة ويشاهده الإنسان باُمّ عينه ، دون أن يعتبر بها ، فهذا ما صيغ لأجله التمثيل.

يقول سبحانه :( وَاضربْ لَهُم مثل الحياة الدُّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ) على وجه يلتف بعضه ببعض ، يروق الإنسان منظره ، فلم يزل على تلك الحال إلى أن ينتقل إلى حالة لا نجد فيها غضاضة ، وهذا ما يعبر عنه القرآن ، بقوله :( فأصبح هشيماً ) أي كثيراً مفتتاً تذوره الرياح فتنقله من موضعه إلى موضع ، فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات( وكان الله على كلّ شيء مقتدراً ) .

ثمّ إنّه سبحانه يشبّه المال والبنين بالورود والأزهار التي تظهر على النباتات ووجه الشبه هو طروء الزوال بسرعة عليها ، فهكذا الأموال والبنون.

وإنّما هي زينة للحياة الدنيا ، فإذا كان الأصل مؤقتاً زائلاً ، فما ظنّك بزينته ، فلم يكتب الخلود لشيء مما يرجع إلى الدنيا ، فالاعتماد على الأمر الزائل ليس أمراً صحيحاً عقلائياً ، قال سبحانه :( المال وَالبَنُون زينَة الحَياة الدُّنيا ) .

نعم ، الخلود للأعمال الصالحة بمالها من نتائج باهرة في الحياة الأخروية ، قال سبحانه :( وَالباقياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّك ثَواباً وخَيرٌ مَردّا ) .(١)

ثمّ إنّه سبحانه يؤكد على زوال الدنيا وعدم دوامها من خلال ضرب أمثلة ، فقد جاء روح هذا التمثيل في سورة يونس الماضية.(٢)

__________________

١ ـ مريم : ٧٦.

٢ ـ انظر التمثيل الرابع عشر وسورة يونس ٢٥ ، كما يأتي مضمونها عند ذكر التمثيل الوارد في سورة الحديد ، الآية ٢٠.

١٩٨

ايقاظ

ثمّ إنّه ربما يُعدُّ من أمثال القرآن قوله :( وَلَقَد صرفنا في هذا القرآن للناسِ من كلّ مثل وكانَ الإنسان أكثر شيء جدلاً ) .(١)

والحق انّه ليس تمثيلاً مستقلاً وإنّما يؤكد على ذكر نماذج من الأمثال خصوصاً فيما يرجع إلى حياة الماضين التي فيها العبر.

ومعنى قوله :( ولقد صرّفنا ) أي بيّنا في هذا القرآن للناس من كلّ مثل وإنّما عبر عن التبيين بالتصريف لأجل الإشارة إلى تنوّعها ليتفكر فيها الإنسان من جهات مختلفة ومع ذلك( وَكانَ الإنسانُ أكثرَ شىءٍ جَدلاً ) أي أكثر شيء منازعة ومشاجرة من دون أن تكون الغاية الاهتداء إلى الحقيقة.

__________________

١ ـ الكهف : ٥٤.

١٩٩

الحج

٣٤

التمثيل الرابع والثلاثون

( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلوِ اجْتَمعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوه مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلُوبُ * ما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيز ) .(١)

تفسير الآيات

كان العرب في العصر الجاهلي موحدين في الخالقية ، ويعربون عن عقيدتهم ، بأنّه لا خالق في الكون سوى الله سبحانه ، وقد حكاه سبحانه عنهم في غير واحد من الآيات ، قال سبحانه :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرضَ لَيقُولُنَّ خَلقهُنَّ العَزِيزُ العَلِيم ) .(٢)

ولكنّهم كانوا مشركين في التوحيد في الربوبية ، وكأنّه سبحانه ـ بزعمهم ـ خلق السماوات والأرض وفوّض تدبيرهما إلى الآلهة المزعومة ، ويكشف عن ذلك إطلاق المشركين لفظ الاَرباب في جميع العهود على آلهتهم المزعومة ، يقول سبحانه :( أَأَرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهّار ) (٣) والآية وإن كانت تفصح عن

____________

١ ـ الحج : ٧٣ ـ ٧٤.

٢ ـ الزخرف : ٩.

٣ ـ يوسف : ٣٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

قوله تعالى :( صراطا مستقيما ) هو مفعول ثان ليهدى ، وقيل هو مفعول ليهدى على المعنى ؛ لان المعنى يعرفهم قوله تعالى :( في الكلالة ) في يتعلق بيفتيكم وقال الكوفيون : بيستفتونك ، وهذا ضعيف ؛ لانه لو كان كذلك لقال : يفتيكم فيها في الكلالة كما لو تقدمت( إن امرؤ هلك ) هو مثل" وإن امرأة خافت " ( ليس له ولد ) الجملة في موضع الحال من الضمير في هلك( وله أخت ) جملة حالية أيضا ، وجواب الشرط( فلها ) ( وهو يرثها ) مستأنف لاموضع له ، وقد سدت هذه الجملة مسد جواب الشرط الذى هو قوله :( إن لم يكن لها ولد ) .( فإن كانتا اثنتين ) الالف في كانتا ضمير الاختين ، ودل على ذلك قوله :" وله أخت " وقيل : هو ضمير من(١) ، والتقدير : فإن كان من يرث ثنتين ، وحمل ضمير من على المعنى ؛ لانها تستعمل في الافراد والتثنية والجمع بلفظ واحد فإن قيل : من شرط الخبر أن يفيد مالا يفيده المبتدأ والالف ، قد دلت على الاثنين قيل : الفائدة في قوله اثنتين بيان أن الميراث ، وهو الثلثان هاهنا مستحق بالعدد مجردا عن الصغر والكبر وغيرهما ، فلهذا كان مفيدا( مما ترك ) في موضع الحال من الثلثان( فإن كانوا ) الضمير للورثة ، وقد دل عليه ماتقدم( فللذكر ) أى منهم( أن تضلوا ) فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : هو مفعول يبين : أى يبين لكم ضلالكم لتعرفوا الهدى ، والثانى : هو مفعول له تقديره : مخافة أن تضلوا ، والثالث تقديره : لئلا تضلوا وهو قول الكوفيين ، ومفعول يبين على الوجهين محذوف : أى يبين لكم الحق .

___________________

(١) قوله : ( هو ضمير من الخ ) أى المقدرة في الكلام ولايخفى أن تقديرها يندفع به الاشكال الآتى فليتأمل اه‍ .

٢٢١

سورة المائدة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى :( إلا مايتلى عليكم ) في موضع نصب على الاستثناء من بهيمة الانعام ، والاستثناء متصل ، والتقدير : أحلت لكم بهيمة الانعام إلا الميتة وماأهل لغير الله به وغيره مما ذكر في الآية الثالثة من السورة( غير ) حال من الضمير المجرور عليكم أو لكم ، وقيل : هو حال من ضمير الفاعل في أوفوا ، و( محلى ) اسم فاعل مضاف إلى المفعول ، وحذفت النون للاضافة ، و( الصيد ) مصدر بمعنى المفعول : أى المصدر ، ويجوز أن يكون على بابه هاهنا : أى غير محلين الاصطياد في حال الاحرام

٢٢٢

قوله تعالى :( ولا القلائد ) أى ولا ذوات القلائد لانها جمع قلادة ، والمراد تحريم المقلدة لا القلادة( ولا آمين ) أى ولا قتال آمين أو أذى آمين وقرئ في الشاذ" ولا آمى البيت " بحذف النون والاضافة( يبتغون ) في موضع الحال من الضمير في آمين ، ولايجوز أن يكون صفة لآمين ؛ لان اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل في الاختيار( فاصطادوا ) قرئ في الشاذ بكسر الفاء ، وهى بعيدة من الصواب ، وكأنه حركها بحركة همزة الوصل( ولا يجرمنكم ) الجمهور على فتح الياء ، وقرئ بضمها وهما لغتان : يقال ، جرم وأجرم ، وقيل : جرم متعد إلى مفعول واحد وأجرم متعد إلى اثنين ، والهمزة للنقل ، فأما فاعل هذا الفعل فهو( شنآن ) ومفعوله الاول الكاف والميم ، و( أن تعتدوا ) هو المفعول الثانى على قول من عداه إلى مفعولين ، ومن عداه إلى واحد كأنه قدر حرف الجر مرادا مع أن تعتدوا ، والمعنى : لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء ، والجمهور على فتح النون الاولى من شنآن ، وهو مصدر كالغليان والنزوان .

ويقرأ بسكونها وهو صفة مثل عطشان وسكران ، والتقدير : على هذا لا يحملنكم بغيض قوم : أى عداوة بغيض قوم ، وقيل : من سكن أراد المصدر أيضا ، لكنه خفف لكثرة الحركات وإذا حركت النون كان مصدرا مضافا إلى المفعول : أى لا يحملنكم بغضكم لقوم ، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل : أى بغض قوم إياكم( أن صدوكم ) يقرأ بفتح الهمزة وهى مصدرية ، والتقدير : لان صدوكم ، وموضعه نصب أو جر على الاختلاف في نظائره ويقرأ بكسرها على أنها شرط ، والمعنى : أن يصدوكم مثل ذلك الصد الذى وقع منهم ، أو يستديموا الصد ، وإنما قدر بذلك ؛ لان الصد كان قد وقع من الكفار للمسلمين( ولا تعاونوا ) يقرأ بتخفيف التاء‌ين على أنه حذف التاء الثانية تخفيفا ، أو بتشديدها إذا وصلتها بلا على إدغام إحدى التاء‌ين في الاخرى ، وساغ الجمع بين ساكنين ؛ لان الاول منهما حرف مد .

قوله تعالى :( الميتة ) أصلها الميتة( والدم ) أصله دمى( وماأهل لغير الله به ) قد ذكر ذلك كله في البقرة( والنطيحة ) بمعنى المنطوحة ، ودخلت فيها الهاء ؛ لانها لم تذكر الموصوفة معها فصارت كالاسم ، فإن قلت شاة نطيح لم تدخل الهاء( وماأكل السبع ) " ما " بمعنى الذى وموضعه رفع عطفا على الميتة ، والاكثر ضم الباء من السبع وتسكينها لغة ، وقد قرئ به( إلا ما ذكيتم ) في موضع نصب استثناء من الموجب قبله ، والاستثناء راجع إلى المتردية والنطيحة وأكيلة السبع

٢٢٣

  ( وما ذبح ) مثل" وما أكل السبع " ( على النصب ) فيه وجهان : أحدهما : هو متعلق بذبح تعلق المفعول بالفعل : أى ذبح على الحجارة التى تسمى نصبا ، أى ذبحت في ذلك الموضع والثانى : أن النصب الاصنام ، فعلى هذا في" على " وجهان : أحدهما : هى بمعنى اللام : أى لاجل الاصنام ، فتكون مفعولا له ، والثانى : أنها على أصلها وموضعه حال : أى وما ذبح مسمى على الاصنام ، وقيل : نصب بضمتين ، ونصب بضم النون وإسكان الصاد ، ونصب بفتح النون وإسكان الصاد ، وهو مصدر بمعنى المفعول ، وقيل يجوز فتح النون والصاد أيضا ، وهو اسم بمعنى المنصوب كالقبض والنقض بمعنى المقبوض والمنقوض( وأن تستقسموا ) في موضع رفع عطفا على الميتة ، و( الازلام ) جمع زلم : وهو القدح الذى كانوا يضربون به على أيسار الجزور( ذلكم فسق ) مبتدأ وخبر ، ولكم إشارة إلى جميع المحرمات في الآية ، ويجوز أن يرجع إلى الاستقسام( اليوم ) ظرف ل‍( يئس ) و( اليوم ) الثانى ظرف ل‍( أكملت ) و( عليكم ) يتعلق بأتممت ولا يتعلق ب‍( نعمتى ) فإن شئت جعلته على التبيين : أى أتممت أعنى عليكم ، و( رضيت ) يتعدى إلى مفعول واحد ، وهو هنا( الاسلام ) و( دينا ) حال ، وقيل : يتعدى إلى مفعولين ؛ لان معنى رضيت هنا جعلت وصيرت ولكم يتعلق برضيت وهى للتخصيص ، ويجوز أن يكون حالا من الاسلام : أى رضيت الاسلام لكم( فمن اضطر ) شرط في موضع رفع بالابتداء ، و( غير ) حال ، والجمهور على( متجانف ) بالالف والتخفيف ، وقرئ" متجنف " بالتشديد من غير ألف يقال تجانف وتجنف( لاثم ) متعلق بمتجانف ، وقيل : اللام بمعنى إلى ، أى ماثل إلى إثم( فإن الله غفور رحيم ) أى له ، فحذف العائد على المبتدأ .

قوله تعالى :( ماذا أحل لهم ) قد ذكر في البقرة( وما علمتم ) " ما " بمعنى الذى ، والتقدير : صيد ما علمتم ، أو تعليم ما علمتم ، و( من الجوارح ) حال من الهاء المحذوفة أو من" ما " والجوارح جمع جارحة ، والهاء فيها للمبالغة وهى صفة غالبة ، إذا لا يكاد يذكر معها الموصوف( مكلبين ) يقرأ بالتشديد والتخفيف ، يقال : كلبت الكلب وأكلبته فكلب : أى أغريته على الصيد وأسدته فاستأسد ، وهو حال من الضمير في علمتم( تعلمونهن ) فيه وجهان : أحدهما : هو مستأنف لا موضع له ، والثانى : هو حال من الضمير في مكليين ، ولا يجوز أن يكون حالا ثانية ؛ لان

٢٢٤

العامل الواحد لا يعمل في حالين ، ولا يحسن أن يجعل حالا من الجوارح ؛ لانك قد فصلت بينهما بحال لغير الجوارح( مما ) أى شيئا مما( علمكم الله ) قوله تعالى :( وطعام الذين ) مبتدأ ،( وحل لكم ) خبره ، ويجوز أن يكون معطوفا على الطبيات ، وحل لكم خبر مبتدأ محذوف( وطعامكم حل لهم ) مبتدأ وخبر( والمحصنات ) معطوف على الطيبات ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف : أى والمحصنات من المؤمنات حل لكم أيضا ، وحل مصدر بمعنى الحلال فلا يثنى ولا يجمع ، و( من المؤمنات ) حال من الضمير في المحصنات ، أو من نفس المحصنات إذا عطفتها على الطيبات( إذا آتيتموهن ) ظرف لاحل أو لحل المحذوفة( محصنين ) حال من الضمير المرفوع في آتيتموهن ، فيكون العامل آتيتم ، ويجوز أن يكون العامل أحل أو حل المحذوفة( غير ) صفة لمحصنين أو حال من الضمير الذى فيها( ولا متخذى ) معطوف على غير فيكون منصوبا ، ويجوز أن يعطف على مسافحين ، وتكون لا لتأكيد النفى( ومن يكفر بالايمان ) أى بالمؤمن به فهو مصدر في موضع المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، وقيل التقدير : بموجب الايمان وهو الله( وهو في الآخرة من الخاسرين ) إعرابه مثل إعراب" وإنه في الآخرة لمن الصالحين " وقد ذكر في البقرة .

قوله تعالى :( إلى المرافق ) قيل : إلى بمعنى مع كقوله :" ويزدكم قوة إلى قوتكم " وليس هذا المختار ، والصحيح أنها على بابها وأنها لانتهاء الغاية ، وإنما وجب غسل المرافق بالسنة وليس بينهما تناقض ؛ لان إلى تدل على انتهاء الفعل ، ولا يتعرض بنفى المحدود إليه ولا بإثباته ، ألا ترى أنك إذا قلت : سرت إلى الكوفة ، فغير ممتنع أن تكون بلغت أول حدودها ولم تدخلها وأن تكون دخلتها ، فلو قام الدليل على أنك دخلتها لم يكن مناقضا لقولك : سرت إلى الكوفة ، فعلى هذا تكون إلى متعلقة باغسلوا ، ويجوز أن تكون في موضع الحال وتتعلق بمحذوف ، والتقدير : وأيديكم مضافة إلى المرافق( برء‌وسكم ) الباء زائدة ، وقال من لا خبرة له بالعربية : الباء في مثل هذا للتبعيض ، وليس بشئ يعرفه أهل النحو ، ووجه دخولها أنها تدل على إلصاق المسح بالرأس( وأرجلكم ) يقرأ بالنصب وفيه وجهان : أحدهما : هو معطوف على الوجوه والايدى : أى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، وذلك جائز في العربية بلا خلاف ، والسنة الدلالة على وجوب غسل الرجلين تقوى ذلك والثانى : أنه معطوف على موضع برء‌وسكم ، والاول أقوى ؛ لان العطف على اللفظ أقوى من العطف على الموضع .

٢٢٥

ويقرأ في الشذوذ بالرفع على الابتداء : أى وأرجلكم مغسولة أو كذلك ويقرأ بالجر وهو مشهور أيضا كشهرة النصب. وفيها وجهان : أحدهما : أنها معطوفة على الرء‌وس في الاعراب والحكم مختلف ، فالرء‌وس ممسوحة والارجل مغسولة ، وهو الاعراب الذى يقال هو على الجوار ، وليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته ، فقد جاء في القرآن والشعر ، فمن القرآن قوله تعالى :" وحور عين " على قراء‌ة من جر ، وهو معطوف على قوله :" بأكواب وأباريق " والمعنى مختلف ، إذ ليس المعنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين ، قال الشاعر وهو النابغة :

لم يبق إلا أسير غير منفلت

أو موثق في حبال القد مجنوب

والقول في مجرورة والجوار مشهور عندهم في الاعراب ، وقلب الحروف ببعضها إلى بعض والتأنيث وغير ذلك فمن الاعراب ما ذكرنا في العطف ومن الصفات قوله :" عذاب يوم محيط " واليوم ليس بمحيط ، وإنما المحيط العذاب ، وكذلك قوله :" في يوم عاصف " واليوم ليس بعاصف وإنما العاصف الريح ، ومن قلب الحروف قوله : على الصلاة والسلام" ارجعن مأزورات غير مأجورات " والاصل موزورات ولكن أريد التآخى ، وكذلك قولهم : إنه لا يأتينا بالغدايا والعشايا ومن التأنيث قوله :" فله عشر أمثالها " فحذفت التاء من عشر وهى مضافة إلى الامثال وهى مذكرة ، ولكن لما جاورت الامثال الضمير المؤنث أجرى عليها حكمه ، وكذلك قول الشاعر :

لما أتى خبر الزبير تضعضعت

سور المدينة والجبال الخشع

وقولهم : ذهبت بعض أصابعه ومما راعت العرب فيه الجوار قولهم : قامت هند ، فلم يجيزوا حذف التاء إذا لم يفصل بينهما ، فإن فصلوا بينهما أجازوا حذفها ، ولا فرق بينهما إلا المجاورة وعدم المجاورة ، ومن ذلك قولهم : قام زيد وعمرا كلمته استحسنوا النصب بفعل محذوف لمجاورة الجملة اسما قد عمل فيه الفعل ، ومن ذلك قلبهم الواو المجاورة للطرف همزة في قولهم أوائل ، كما لو وقعت طرفا ، وكذلك إذا بعدت عن الطرف لا تقلب طواويس ، وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد ، وقد جعل النحويون له بابا ورتبوا عليه مسائل ثم أصلوه بقولهم : جحر ضب خرب ، حتى اختلفوا في جواز جر التثنية والجمع ، فأجاز الاتباع فيهما جماعة من حذاقهم قياسا على

٢٢٦

المفرد المسموع ، ولو كان لا وجه في القياس بحال لاقتصروا فيه على المسموع فقط ، ويؤيد ماذكرناه أن الجر في الآية قد أجيز غيره ، وهو النصب والرفع ، والرفع والنصب غير قاطعين ولاظاهرين على أن حكم الرجلين المسح ، وكذلك الجر يجب أن يكون كالنصب والرفع في الحكم دون الاعراب والوجه الثانى : أن يكون جر الارجل بجار محذوف تقديره : وافعلوا بأرجلكم غسلا وحذف الجار وإبقاء الجر جائز ، قال الشاعر :

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا ببين غرابها

وقال زهير :

بدا لى أنى لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

فجر بتقدير الباء وليس بموضع ضرورة ، وقد أفردت لهذه المسألة كتابا( إلى الكعبين ) مثل إلى المرافق وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين ؛ لان الممسوح ليس بمحدود ، والتحديد في المغسول الذى أريد بعضه وهو قوله :" وأيديكم إلى المرافق " ولم يحدد الوجه ؛ لان المراد جميعه( وأيديكم منه ) منه في موضع نصب بامسحوا( ليجعل ) اللام غير زائدة ، ومفعول يريد محذوف تقديره : ما يريد الله الرخصة في التيمم ليجعل عليكم حرجا ، وقيل : اللام زائدة وهذا ضعيف ؛ لان أن غير ملفوظ بها ، وإنما يصح أن يكون الفعل مفعولا ليريد بأن ، ومثله( ولكن يريد ليطهركم ) أى يريد ذلك ليطهركم( عليكم ) يتعلق بيتم ، ويجوز أن يتعلق بالنعمة ، ويجوز أن يكون حالا من النعمة قوله تعالى :( إذ ) ظرف لواثقكم ، ويجوز أن يكون حالا من الهاء المجرورة ، وأن يكون حالا من الميثاق قوله تعالى :( شهداء بالقسط ) مثل قوله تعالى :" شهداء لله " وقد ذكرناه في النساء( هو أقرب ) هو ضمير العدل ، وقد دل عليه اعدلوا ، وأقرب للتقوى قد ذكر في البقرة .

قوله تعالى :( وعد الله ) وعد يتعدى إلى مفعولين يجوز الاقتصار على أحدهما والمفعول الاول هنا" الذين آمنوا " والثانى محذوف استغنى عنه بالجملة التى هى قوله :( لهم مغفرة ) ولا موضع لها من الاعراب ؛ لان وعد لا يعلق عن العمل كما تعلق ظننت وأخواتها .

٢٢٧

قوله تعالى :( نعمت الله عليكم ) يتعلق بنعمة ويجوز أن يكون حالا منها فيتعلق بمحذوف ، و( إذ ) ظرف للنعمة أيضا ، وإذا جعلت عليكم حالا جاز أن يعمل في إذ( أن يبسطوا ) أى بأن يبسطوا ، وقد ذكرنا الخلاف في موضعه قوله تعالى :( منهم اثنى عشر ) يجوز أن يتعلق منهم ببعثنا ، وأن يكون صفة لاثنى عشر تقدمت فصارت حالا( وعزرتموهم ) يقرأ بالتشديد والتخفيف والمعنى واحد( قرضا ) يجوز أن يكون مصدرا محذوف الزوائد ، والعامل فيه أقرضتم : أى إقراضا ويجوز أن يكون القرض بمعنى المقرض فيكون مفعولا به( لاكفرن ) جواب الشرط( فمن كفر بعد ذلك منكم ) في موضع الحال من الضمير في لاكفرن ، و( سواء السبيل ) قد ذكر في البقرة قوله تعالى :( فيما نقضهم ) الباء تتعلق ب‍( لعناهم ) ولو تقدم الفعل لدخلت الفاء عليه ، وما زائدة أو بمعنى شئ ، وقد ذكر في النساء( وجعلنا ) يتعدى إلى مفعولين بمعنى صيرنا و( قاسية ) المفعول الثانى وياؤه واو في الاصل ؛ لانه من القسوة ، ويقرأ" قسية " على فعيلة ، قلبت الواو ياء وأدغمت فيها ياء فعيل وفعيلة في لعناهم ، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية ، ولا يجوز أن يكون حالا من هنا للمبالغة بمعنى فاعلة( يحرفون ) مستأنف ، ويجوز أن يكون حالا من المفعول في لعناهم ، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية ولا يجوز أن يكون حالا من القلوب ؛ لان الضمير في يحرفون لا يرجع إلى القلوب ، ويضعف أن يجعل حالا من الهاء والميم في قلوبهم( عن مواضعه ) قد ذكر في النساء( على خائنة ) أى على طائفة خائنة ، ويجوز أن تكون فاعلة هنا مصدرا كالعاقبة والعافية ، و( منهم ) صفة لخائنة ، ويقرأ" خيانة " وهى مصدر والياء منقلبة عن واو لقولهم يخون ، وفلان أخون من فلان ، وهو خوان( إلا قليلا منهم ) استثناء من خائنة ، ولو قرئ بالجر على البدل لكان مستقيما .

قوله تعالى :( ومن الذين قالوا ) من تتعلق بأخذنا تقديره : وأخدنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، والكلام معطوف على قوله :" ولقد أخذ الله ميثاف بنى إسرائيل " والتقدير : وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، ولا يجوز أن يكون التقدير : وأخذنا ميثاقهم ، من الذين قالوا إنا نصارى ؛ لان فيه إضمار قبل الذكر لفظا وتقديرا ، والياء في( وأغرينا ) من واو ، واشتقاقه من الغراء : وهو الذى يلصق به ، ويقال سهم

٢٢٨

مغرو ، و( بينهم ) ظرف لاغرينا أو حال من( العداوة ) ولا يكون ظرفا للعداوة ؛ لان المصدر لا يعمل فيما قبله( إلى يوم القيامة ) يتعلق بأغرينا أو بالبغضاء أو بالعداوة : أى تباغضوا إلى يوم القيامة .قوله تعالى : ( يبين لكم ) حال من رسولنا ، و ( من الكتاب ) حال من الهاء محذوفة في يخفون ( قد جاء‌كم ) لاموضع له ( من الله ) يتعلق بجاء‌كم أو حال من نور قوله تعالى : ( يهدى به الله ) يجوز أن يكون حالا من رسولنا بدلا من يبين ، وأن يكون حالا من الضمير في يبين ، ويجوز أن يكون صفة لنور أو لكتاب ، والهاء في به تعود على من جعل يهدى حالا منه أو صفة له فلذلك أفرد ، و ( من ) بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، و ( سبل السلام ) المفعول الثانى ليهدى ، ويجوز أن يكون بدلا من رضوانه ، والرضوان بكسر الراء وضمها لغتان ، وقد قرئ بهما ، وسبلى بضم الباء والتسكين لغة وقد قرئ به ( بإذنه ) أى بسبب أمره المنزل على رسوله .

قوله تعالى :( فمن يملك ) أى قل لهم ، ومن استفهام تقرير ، و( من الله ) يجوز أن يكون حالا متعلقا بيملك ، وأن يكون حالا من و( شيئا ) و( جميعا ) حال من المسيح وأمه ومن في الارض ، ويجوز أن يكون حالا من من وحدها ، ومن هاهنا عام سبقه خاص من جنسه ، وهو المسيح وأمه( يخلق ) مستأنف قوله تعالى :( قل فلم يعذبكم ) أى قل لهم( بل أنتم ) رد لقولهم :" نحن أبناء الله " وهو محكى بقل قوله تعالى :( على فترة ) في موضع الحال من الضمير في يبين ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور في لكم ، و( من الرسل ) نعت لفترة( أن تقولوا ) أى مخافة أن تقولوا( ولا نذير ) معطوف على لفظ بشير ، ويجوز في الكلام الرفع على موضع من بشير .

قوله تعالى :( نعمت الله عليكم إذ جعل ) هو مثل قوله :" نعمة الله عليكم إذ هم قوم " وقد ذكر قوله تعالى :( على أدباركم ) حال من الفاعل في ترتدوا( فتنقلبوا ) يجوز أن يكون مجزوما عطفا على ترتدوا ، وأن يكون منصوبا على جواب النهى قوله تعالى :( فإنا داخلون ) أى داخلوها ، فحذف المفعول لدلالة الكلام عليه قوله تعالى :( من الذين يخافون ) في موضع رفع صفة لرجلين ، ويخافون صلة الذين والواو العائد ويقرأ بضم الياء على مالم يسم فاعله وله معنيان : أحدهما :

٢٢٩

هو من قولك ، خيف الرجل : أى خوف ، والثانى : أن يكون المعنى يخافهم غيرهم كقولك : فلان مخوف : أى يخافه الناس( أنعم الله ) صفة أخرى لرجلين ، ويجوز أن يكون حالا ، وقد معه مقدرة ، وصاحب الحال رجلان أو الضمير في الذين قوله تعالى :( ما داموا ) هو بدل من أبدا ؛ لان ما مصدرية تنوب عن الزمان ، وهو بدل بعض ، و( هاهنا ) ظرف ل‍( قاعدون ) والاسم هنا وها للتنبيه مثل التى في قولك هذا وهؤلاء .

قوله تعالى :( وأخى ) في موضعه وجهان : أحدهما : نصب عطفا على نفسى أو على اسم إن ، والثانى : رفع عطفا على الضمير في أملك : أى ولا يملك أخى إلا نفسه ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف ، أى وأخى كذلك( وبين القوم الفاسقين ) الاصل أن لا تكرر بين ، وقد تكرر توكيدا كقولك : المال بين زيد وبين عمرو ، وكررت هنا لئلا يعطف على الضمير من غير إعادة الجار قوله تعالى :( أربعين سنة ) ظرف لمحرمة ، فالتحريم على هذا مقدر ، و( يتيهون ) حال من الضمير المجرور ، وقيل : هى ظرف ليتيهون ، فالتحريم على هذا غير مؤقت( فلا تأس ) ألف تأسا بدل من واو ؛ لانه من الاسى الذى هو الحزن ، وتثنيته أسوان ، ولا حجة في أسيت عليه لانكسار السين ، ويقال : رجل أسوان بالواو ، وقيل : هى من الياء يقال : رجل أسيان أيضا .

قوله تعالى :( نبأ ابنى آدم ) الهمزة في ابنى همزة وصل كما هى في الواحد ، فأما همزة أبناء في الجمع فهمزة قطع ؛ لانها حادثة للجمع( إذ قربا ) ظرف لنبأ أو حال منه ، ولا يكون ظرفا لاتل وبالحق حال من الضمير في اتل : أى محقا أو صادقا( قربانا ) هو في الاصل مصدر ، وقد وقع هنا موضع المفعول به ، والاصل إذ قربا قربانين ، لكنه لم يثن ؛ لان المصدر لا يثنى .

وقال أبوعلى : تقديره إذ قرب كل واحد منهما قربانا كقوله :" فاجلدوهم ثمانين جلدة " أى كل واحد منهم( قال لاقتلنك ) أى قال المردود عليه للمقبول منه ومفعول( يتقبل ) محذوف : أى يتقبل من المتقين قرابينهم وأعمالهم قوله تعالى :( بإثمى وإثمك ) في موضع الحال : أى ترجع حاملا للاثمين .

٢٣٠

قوله تعالى :( فطوعت ) الجمهور على تشديد الواو ، ويقرأ" طاوعت " بالالف والتخفيف وهما لغتان ، والمعنى : زينت وقال قوم : طاوعت تتعدى بغير لام ، وهذا خطأ ؛ لان التى تتعدى بغير اللام تتعدى إلى مفعول واحد وقد عداه هاهنا إلى( قتل أخيه ) وقيل التقدير طاوعته نفسه على قتل أخيه فزاد اللام وحذف على .

قوله تعالى :( كيف يوارى ) كيف في موضع الحال من الضمير في يوارى ، والجملة في موضع نصب بيرى ، والسوأة يجوز تخفيف همزتها بإلقاء حركتها على الواو فتبقى سوأة أخيه ، ولاتقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ؛ لان حركتها عارضة والالف في( ويلتى ) بدل من ياء المتكلم ، والمعنى : ياويله احضرى فهذا وقتك( فأوارى ) معطوف على أكون ، وذكر بعضهم أنه يجوز أن ينتصب على جواب الاستفهام وليس بشئ ، إذ ليس المعنى أيكون منى عجز فمواراة ، ألا ترى أن قولك أين بيتك فأزورك ، معناه : لو عرفت لزرت ، وليس المعنى هنا لو عجزت لواريت .

قوله تعالى :( من أجل ) من تتعلق ب‍( كتبنا ) ولاتتعلق بالنادمين ؛ لانه يحسن الابتداء بكتبنا هنا ، والهاء في( إنه ) للشان ، و( من ) شرطية ، و( بغير ) حال من الضمير في قتل : أى من قتل نفسا ظالما( أو فساد ) معطوف على نفس ، وقرئ في الشاذ بالنصب : أى أو عمل فسادا ، أو أفسد فسادا : أى إفساد فوضعه موضع المصدر مثل العطاء ، و( بعد ذلك ) ظرف ل‍( مسرفون ) ولا تمنع لام التوكيد ذلك قوله تعالى :( يحاربون ال له ) أى أولياء الله فحذف المضاف ، و( أن يقتلوا ) خبر جزاء ، وكذلك المعطوف عليه ، وقد ترئ فيهن بالتخفيف ، و( من خلاف ) حال من الايدى والارجل : أى مختلفة( أو ينفوا من الارض ) أى من الارض التى يريدون الاقامة بها فحذف الصفة ، و( ذلك ) مبتدأ ، و( لهم خزى ) مبتدأ وخبر في موضع خبر ذلك ، و( في الدنيا ) صفة خزى ، ويجوز أن يكون ظرفا له ويجوز أن يكون خزى خبر ذلك ولهم صفة مقدمة فتكون حالا ، ويجوز أن يكون في الدنيا ظرفا للاستقرار .

قوله تعالى :( إلا الذين ) استثناء من الذين يحاربون في موضع نصب ، وقيل يجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء ، والعائد عليه من الخبر محذوف : أى( فإن الله غفور ) لهم أو( رحيم ) بهم قوله تعالى :( إليه الوسيلة ) يجوز أن يتعلق إلى بابتغوا ،

٢٣١

وأن يتعلق بالوسيلة ؛ لان الوسيلة بمعنى المتوسل به فيعمل فيما قبله ، ويجوز أن يكون حالا ، أى الوسيلة كائنة إليه .قوله تعالى : ( من عذاب يوم القيامة ) العذاب اسم للتعذيب ، وله حكمه في العمل ، وأخرجت إضافته إلى يوم يوما عن الظرفية قوله تعالى : ( والسارق والسارقة ) مبتدأ وفى الخبر وجهان : أحدهما : هو محذوف تقديره عند سيبويه : وفيما يتلى عليكم ، ولا يجوز أن يكون عنده ( فاقطعوا ) هو الخبر من أجل الفاء ، وإنما يجوز ذلك فيما إذا كان المبتدأ الذى وصلته بالفعل أو الظرف ؛ لانه يشبه الشرط والسارق ليس كذلك .

والثانى : الخبر فاقطعوا أيديهما ؛ لان الالف واللام في السارق بمنزلة الذى إذ لايراد به سارق بعينه( وأيديهما ) بمعنى يديهما ؛ لان المقطوع من السارق والسارقة يميناهما فوضع الجمع موضع الاثنين ؛ لانه ليس في الانسان سوى يمين واحدة ، وما هذا سبيله يجعل الجمع فيه مكان الاثنين ، ويجوز أن يخرج على الاصل ، وقد جاء في بيت واحد ، قال الشاعر :

ومهمهين فدفدين مرتين

ظهراهما مثل ظهور الترسين

  ( جزاء ) مفعول من أجله أو مصدر لفعل محذوف : أى جازاهما جزاء ، وكذلك( نكالا ) .

قوله تعالى :( لا يحزنك ) نهى ، والجيد فتح الياء وضم الزاى ، ويقرأ بضم الياء وكسر الزاى من أحزننى وهى لغة( من الذين قالوا ) في موضع نصب على الحال من الضمير في يسارعون ، أو من الذين يسارعون( بأفواههم ) يتعلق بقالوا : أى قالوا بأفواههم آمنا( ولم تؤمن قلوبهم ) الجملة حال( ومن الذين هادوا ) معطوف على قوله :" من الذين قالوا آمنا " و( سماعون ) خبر مبتدإ محذوف : أى هم سماعون ، وقيل : سماعون مبتدأ ، ومن الذين هادوا خبره( للكذب ) فيه وجهان : أحدهما : اللام زائدة تقديره سماعون الكذب والثانى : ليست زائدة ، والمفعول محذوف ، والتقدير سماعون أخباركم للكذب أى ليكذبوا عليكم فيها ، و( سماعون ) الثانية تكريرا للاولى ، و( لقوم ) متعلق به : أى لاجل قوم ، ويجوز أن تتعلق اللام في لقوم بالكذب ؛ لان سماعون الثانية مكررة ، والتقدير : ليكذبوا لقوم آخرين ، و( لم يأتوك ) في موضع جر صفة أخرى لقوم( يحرفون ) فيه وجهان : أحدهما : هو مستأنف لا موضع له ، أو في موضع رفع خبر لمبتدإ محذوف : أى هم يحرفون .

٢٣٢

والثانى : ليست بمستأنف بل هو صفة لسماعون : أى سماعون محرفون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في سماعون ، ويجوز أن يكون صفة أخرى لقوم : أى محرفين و( من بعد مواضعه ) مذكور في النساء( يقولون ) مثل يحرفون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يحرفون( من الله شيئا ) في موضع الحال التقدير : شيئا كائنا من أمر الله قوله تعالى :( سماعون للكذب ) أى هم سماعون ، ومثله( أكالون للسحت ) والسحت والسحت لغتان وقد قرئ بهما( فلن يضروك شيئا ) في موضع المصدر : أى ضررا قوله تعالى :( وكيف يحكمونك ) كيف في موضع نصب عل الحال من الضمير الفاعل في يحكمونك( وعندهم التوراة ) جملة في موضع الحال ، والتوراة مبتدأ ، وعندهم الخبر ، ويجوز أن ترفع التوراة بالظرف( فيها حكم الله ) في موضع الحال ، والعامل فيها مافى عند من معنى الفعل ، وحكم الله مبتدأ أو معمول الظرف قوله تعالى :( فيها هدى ونور ) في موضع الحال من التوراة( يحكم بها النبيون ) جملة في الحال من الضمير المجرور فيها( للذين هادوا ) اللام تتعلق بيحكم( والربانيون والاحبار ) عطف على النبيون( بما استحفظوا ) يجوز أن يكون بدلا من قوله بها في قوله :" يحكم بها " وقد أعاد الجار لطول الكلام وهو جائز أيضا وإن لم يطل ، وقيل الربانيون مرفوع بفعل محذوف ، والتقدير : ويحكم الربانيون والاحبار بما استحفظوا ، وقيل هو مفعول به : أى يحكمون بالتوراة بسبب استحفاظهم ذلك ، و" ما " بمعنى الذى : أى بما استحفظوه( من كتاب الله ) حال من المحذوف أو من" ما " ، و( عليه ) يتعلق ب‍( شهداء ) .

قوله تعالى :( النفس بالنفس ) بالنفس في موضع رفع خبر أن ، وفيه ضمير وأما( العين ) إلى قوله :( والسن ) فيقرأ بالنصب عطفا على ما عملت فيه أن ، وبالرفع وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : هو مبتدأ والمجرور خبره ، وقد عطف جملا على جملة والثانى : أن المرفوع منها معطوف على الضمير في قوله بالنفس ، والمجررات على هذا أحوال مبينة للمعنى ؛ لان المرفوع على هذا فاعل للجار ، وجاز العطف من غير توكيد كقوله تعالى :" ما أشركنا ولا آباؤنا " والثالث : أنها معطوفة على المعنى ؛ لان معنى كتبنا عليهم قلنا لهم النفس بالنفس ولا يجوز أن يكون معطوفا على أن وما عملت فيه ؛ لانها

٢٣٣

وما عملت فيه في موضع نصب وأما قوله :( والجروح ) فيقرأ بالنصب حملا على النفس ، وبالرفع وفيه الاوجه الثلاثة ، ويجوز أن يكون مستأنفا : أى والجروح قصاص في شريعة محمد ، والهاء في( به ) للقصاص ، و( فهو ) كناية عن التصدق والهاء في( له ) للمتصدق .

قوله تعالى :( مصدقا ) الاول حال من عيسى ، و( من التوراة ) حال من" ما " أو من الضمير في الظرف ، و( فيه هدى ) جملة في موضع الحال من الانجيل و( مصدقا ) الثانى حال أخرى من الانجيل ، وقيل : من عيسى أيضا( وهدى وموعظة ) حال من الانجيل أيضا ، ويجوز أن يكون من عيسى : أى هاديا وواعظا أو ذا هدى وذا موعظة ، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله : أى قفينا للهدى ، أو وآتيناه الانجيل للهدى وقد قرئ في الشاذ بالرفع : أى وفى الانجيل هدى وموعظة وكرر الهدى توكيدا قوله تعالى :( وليحكم ) يقرأ بسكون اللام والميم على الامر ، ويقرأ بكسر اللام وفتح الميم على أنها لام كى : أى وقفينا ليؤمنوا وليحكم قوله تعالى :( بالحق ) حال من الكتاب( مصدقا ) حال من الضمير في قوله بالحق ، ولايكون حالا من الكتاب إذ لايكون حالان لعامل واحد( ومهيمنا ) حال أيضا ، ومن الكتاب حال من" ما " أو من الضمير في الظرف ، والكتاب الثانى جنس ، وأصل مهيمن ميمن ؛ لانه مشتق من الامانة ؛ لان المهيمن الشاهد ، وليس في الكلام همن حتى تكون الهاء أصلا( عما جاء‌ك ) في موضع الحال : أى عادلا عما جاء‌ك ، و( من الحق ) حال من الضمير في" جاء‌ك " أو من" ما " ( لكل جعلنا منكم ) لا يجوز أن يكون منكم صفة لكل ؛ لان ذلك يوجب الفصل بين الصفة والموصوف بالاجنبى الذى لا تشديد فيه للكلام ، ويوجب أيضا أن يفصل بين جعلنا وبين معمولها ، وهو( شرعة ) وإنما يتعلق بمحذوف تقديره : أعنى ، وجعلنا هاهنا إن شئت جعلتها المتعدية إلى مفعول واحد ، وإن شئت جعلتها بمعنى صيرنا( ولكن ليبلوكم ) اللام تتعلق بمحذوف تقديره : ولكن فرقكم ليبلوكم( مرجعكم جميعا ) حال من الضمير المجرور .

وفى العامل وجهان : أحدهما : المصدر المضاف ؛ لانه في تقدير : إليه ترجعون جميعا ، والضمير المجرور فاعل في المعنى أو قائم مقام الفاعل والثانى : أن يعمل فيه الاستقرار الذى ارتفع به مرجعكم أو الضمير الذى في الجار .

٢٣٤

قوله تعالى :( وأن احكم بينهم ) في أن وجهان : أحدهما : هى مصدرية ، والامر صلة لها وفى موضعها ثلاثة أوجه : أحدها : نصب عطفا على الكتاب في قوله :" وأنزلنا إليك الكتاب " أى وأنزلنا إليك الحكم والثانى : جر عطفا على الحق : أى أنزلنا إليك بالحق وبالحكم ، ويجوز على هذا الوجه أن يكون نصبا لما حذف الجار والثالث : أن يكون في موضع رفع تقديره : وأن احكم بينهم بما نزل الله أمرنا أو قولنا ، وقيل : أن بمعنى : أى ، وهو بعيد ؛ لان الواو تمنع من ذلك والمعنى يفسد ذلك ؛ لان أن التفسيرية ينبغى أن يسبقها قول يفسر بها ، ويمكن تصحيح هذا القول على أن يكون التقدير : وأمرناك ، ثم فسر هذا الامر باحكم( أن يفتنوك ) فيه وجهان : أحدهما : هو بدل من ضمير المفعول بدل الاشتمال : أى احذرهم فتنتهم والثانى : أن يكون مفعولا من أجله : أى مخافة أن يفتنوك .

قوله تعالى :( أفحكم الجاهلية ) يقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وفتح الميم والناصب له يبغون ، ويقرأ بفتح الجميع ، وهو أيضا منصوب بيبغون : أى احكم حكم الجاهلية ، ويقرأ تبغون بالتاء على الخطاب ؛ لان قبله خطابا ، ويقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وضم الميم على أنه مبتدأ ، والخبر يبغون ، والعائد محذوف : أى يبغونه وهو ضعيف ، وإنما جاء في الشعر إلا أنه ليس بضرورة في الشعر ، والمستشهد به على ذلك قول أبى النجم :قد أصبحت أم الخيار تدعى * على ذنبا كله لم أصنع ، فرفع كله ، ولو نصب لم يفسد الوزن( ومن أحسن ) مبتدأ وخبر ، وهو استفهام في معنى النفى ، و( حكما ) تمييز ، و( لقوم ) هو في المعنى عند قوم( يوقنون ) وليس المعنى أن الحكم لهم ، وإنما المعنى أن الموقن يتدبر حكم الله فيحسن عنده ، ومثله" إن في ذلك لآية للمؤمنين ـ ولقوم يوقنون " ونحو ذلك ، وقيل : هى على أصلها ، والمعنى : إن حكم الله للمؤمنين على الكافرين ، وكذلك الآية لهم : أى الحجة لهم .

قوله تعالى :( بعضهم أولياء بعض ) مبتدأ وخبر لاموضع له قوله تعالى :( فترى الذين ) يجوز أن يكون من رؤية العين فيكون( يسارعون ) في موضع الحال ، ويجوز أن يكون بمعنى تعرف فيكون يسارعون حالا أيضا ، ويجوز أن يكون من رؤية القلب المتعدية إلى مفعولين فيكون يسارعون المفعول الثانى ، وقرئ في الشاذ بالياء والفاعل الله

٢٣٥

تعالى ، و( يقولون ) حال من ضمير الفاعل في يسارعون ، و( دائرة ) صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف( أن يأتى ) في موضع نصب خبر عسى ، وقيل هو في موضع رفع بدلا من اسم الله( فيصبحوا ) معطوف على يأتى .قوله تعالى : ( ويقول ) يقرأ بالرفع من غير واو العطف وهو مستأنف ، ويقرأ بالواو كذلك ، ويقرأ بالواو والنصب ، وفى النصب أربعة أوجه : أحدها : أنه معطوف على يأتى حملا على المعنى ؛ لان معنى عسى الله أن يأتى وعسى أن يأتى الله واحد ، ولايجوز أن يكون معطوفا على لفظ أن يأتى ؛ لان أن يأتى خبر عسى ، والمعطوف عليه في حكمه ، فيفتقر إلى ضمير يرجع إلى إسم عسى ، ولا ضمير في قوله : " ويقول الذين آمنوا " فيصير كقولك : عسى الله أن يقول الذين آمنوا والثانى : أنه معطوف على لفظ يأتى على الوجه الذى جعل فيه بدلا ، فيكون داخلا في اسم عسى ، واستغنى عن خبرها بما تضمنه اسمها من الحدث ، والوجه الثالث : أن يعطف على لفظ يأتى وهو خبر ، ويقدر مع المعطوف ضمير محذوف تقديره : ويقول الذين آمنوا به ، والرابع أن يكون معطوفا على الفتح تقديره : فعسى الله أن يأتى بالفتح ، وبأن يقول الذين آمنوا ( جهد أيمانهم ) فيه وجهان : أحدهما : أنه حال وهو هنا معرفة ، والتقدير : وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم ، فالحال في الحقيقة مجتهدين ، ثم أقيم الفعل المضارع مقامه ، ثم أقيم المصدر مقام الفعل لدلالته عليه والثانى : أنه مصدر يعمل فيه أقسموا ، وهو من معناه لامن لفظه قوله تعالى : ( من يرتد منكم ) يقرأ بفتح الدال وتشديدها على الادغام ، وحرك الدال بالفتح لالتقاء الساكنين ، ويقرأ " يرتدد " بفك الادغام والجزم على الاصل ، ومنكم في موضع الحال من ضمير الفاعل ( يحبهم ) في موضع جر صفة لقوم ( ويحبونه ) معطوف عليه ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المنصوب تقديره : وهم يحبونه ( أذلة ) و ( أعزة ) صفتان أيضا ( يجاهدون ) يجوز أن يكون صفة لقوم أيضا ، وجاء بغير واو كما جاء أذلة : وأعزة ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في أعزة : أى يعزون مجاهدين ، ويجوز أن يكون مستأنفا قوله تعالى : ( الذين يقيمون الصلاة ) صفة للذين آمنوا ( وهم راكعون ) حال من الضمير في يؤتون قوله تعالى : ( فإن حزب الله هم الغالبون ) قيل : هو خبر المبتدأ الذى هو من ولم يعد منه ضمير إليه ؛ لان الحزب هو من في المعنى فكأنه قال : فإنهم هم الغالبون

٢٣٦

قوله تعالى :( من الذين أوتوا الكتاب ) في موضع الحال من الذين الاولى ، أو من الفاعل في اتخذوا( والكفار ) يقرأ بالجر عطفا على الذين المجرورة ، وبالنصب عطفا على الذين المنصوبة ، والمعنيان صحيحان قوله تعالى :( ذلك بأنهم ) ذلك مبتدأ وما بعده الخبر : أى ذلك بسبب جهلهم : أى واقع بسبب جهلهم قوله تعالى :( هل تنقمون ) يقرأ بإظهار اللام على الاصل ، وبإدغامها في التاء لقربها منها في المخرج ، ويقرأ" تنقمون " بكسر القاف وفتحها وهو مبنى على الماضى وفيه لغتان : نقم ينقم ونقم ينقم ، و( منا ) مفعول تنقمون الثانى ، ومابعد إلا هو المفعول الاول ، ولا يجوز أن يكون منا حالا من أن والفعل لامرين : أحدهما : تقدم الحال على إلا ، والثانى : تقدم الصلة على الموصول ، والتقدير : هل تكرهون منا إلا إيماننا وأما قوله :( وأن أكثركم فاسقون ) ففى موضعه وجهان : أحدهما : أنه معطوف على أن آمنا ، والمعنى على هذا : إنكم كرهتم إيماننا وامتناعكم : أى كرهتم مخالفتنا إياكم ، وهذا كقولك للرجل : ماكرهت منى إلا أننى محبب إلى الناس وأنت مبغض وإن كان قد لايعترف بأنه مبغض ، والوجه الثانى : أنه معطوف على" ما " والتقدير : إلا أن آمنا بالله ، وبأن أكثركم فاسقون قوله تعالى :( مثوبة ) منصوب على التمييز والمميز بشر ويقرأ" مثوبة " بسكون الثاء وفتح الواو ، وقد ذكر في البقرة ، و( عند الله ) صفة لمثوبة( من لعنه ) في موضع من ثلاثة أوجه : أحدها : هو في موضع جر بدلا من شر والثانى : هو في موضع نصب بفعل دل عليه أنبئكم : أى أعرفكم من لعنه الله والثالث : هو في موضع رفع : أى هو من لعنه الله( وعبد الطاغوت ) يقرأ بفتح العين والباء ، ونصب الطاغوت على أنه فعل معطوف على لعن ، ويقرأ بفتح العين وضم الباء ، وجر الطاغوت وعبد هنا اسم مثل يقظ وحدث ، وهو في معنى الجمع ، ومابعده مجرور بإضافته إليه ، وهو منصوب بجعل ، ويقرأ بضم العين والباء ونصب الدال وجر مابعده ، وهو جمع عبد مثل سقف وسقف ، أو عبيد مثل قتيل وقتل ، أو عابد مثل نازل ونزل ، أو عباد مثل كتاب وكتب ، فيكون جمع جمع مثل ثمار وثمر ، ويقرأ" عبد الطاغوت " بضم العين وفتح الباء وتشديدها مثل ضارب وضرب ، ويقرأ" عباد الطاغوت " مثل صائم وصوام : ويقرأ" عباد الطاغوت " وهو ظاهر مثل صائم

٢٣٧

وصيام ، ويقرأ" وعابد الطاغوت " و" عبد الطاغوت " على أنه صفة مثل حطم ، ويقرأ" وعبد الطاغوت " على أنه فعل مالم يسم فاعله ، والطاغوت مرفوع ، ويقرأ" وعبد " مثل ظرف : أى صار ذلك للطاغوت كالغريزى ، ويقرأ" وعبدوا " على أنه فعل والواو فاعل ، والطاغوت نصب ، ويقرأ" وعبدة الطاغوت " وهو جمع عابد مثل قاتل وقتلة قوله تعالى :( وقد دخلوا ) في موضع الحال من الفاعل في قالوا ، أو من الفاعل في آمنا ، و( بالكفر ) في موضع الحال من الفاعل في دخلوا : أى دخلوا كفارا( وهم قد خرجوا ) حال أخرى ، ويجوز أن يكون التقدير : وقد كانوا خرجوا به قوله تعالى :( وأكلهم ) المصدر مضاف إلى الفاعل ، و( السحت ) مفعوله ، ومثله عن قولهم الاثم قوله تعالى :( ينفق ) مستأنف ، ولايجوز أن يكون حالا من الهاء لشيئين : أحدهما أن الهاء مضاف إليها ، والثانى : أن الخبر يفصل بينهما ، ولا يجوز أن يكون حالا من اليدين إذ ليس فيها ضمير يعود إليهما( للحرب ) يجوز أن يكون صفة لنار فيتعلق بمحذوف ، وأن يكون متعلقا بأوقدوا ، و( فسادا ) مفعول من أجله قوله تعالى :( لاكلوا من فوقهم ) مفعول أكلوا محذوف ، ومن فوقهم نعت له تقديره : رزقا كائنا من فوقهم ، أو مأخوذا من فوقهم( ساء ما يعملون ) ساء هنا بمعنى بئس ، وقد ذكر فيما تقدم قوله تعالى :( فما بلغت رسالته ) يقرأ على الافراد ، وهو جنس في معنى الجمع وبالجمع ؛ لان جنس الرسالة مختلف قوله تعالى :( والصابئون ) يقرأ بتحقيق الهمزة على الاصل ، وبحذفها وضم الباء والاصل على هذا صبا بالالف المبدلة من الهمزة ، ويقرأ بياء مضمومة ، ووجهه أنه أبدل الهمزة ياء لانكسار ماقبلها ، ولم يحذفها لتدل على أن أصلها حرف يثبت ، ويقرأ بالهمز والنصب عطفا على الذين ، وهو شاذ في الرواية صحيح في القياس ، وهو مثل الذى في البقرة ، والمشهور في القراء‌ة الرفع وفيها أقوال : أحدها : قول سيبويه : وهو أن النية به التأخير بعد خبر إن ، وتقديره :" ولا هم يحزنون " ، والصابئون كذلك ، فهو مبتدأ والخبر محذوف ، ومثله :

فإنى وقيار بها لغريب

أى فإنى لغريب وقيار بها كذلك

٢٣٨

والثانى : أنه معطوف على موضع إن كقولك : إن زيدا وعمرو قائمان ، وهذا خطأ ؛ لان خبر إن لم يتم ، وقائمان إن جعلته خبر إن لم يبق لعمرو وخبر ، وإن جعلته خبر عمرو لم يبق ؛ لان خبر ، ثم هو ممتنع من جهة المعنى ؛ لانك تخبر بالمثنى عن المفرد فأما قوله تعالى :" إن الله وملائكته يصلون على النبى " على قراء‌ة من رفع ملائكته فخبر إن محذوف تقديره : إن الله يصلى ، وأغنى عنه خبر الثانى ، وكذلك لو قلت : إن عمرا وزيد قائم ، فرفعت زيدا جاز على أن يكون مبتدأ وقائم خبره أو خبر إن والقول الثالث : أن الصابئون معطوف على الفاعل في هادوا وهذا فاسد لوجهين : أحدهما : أنه يوجب كون الصابئين هودا وليس كذلك والثانى : أن الضمير لم يؤكد والقول الرابع : أن يكون خبر الصابئين محذوفا من غير ان ينوى به التأخير ، وهو ضعيف أيضا لما فيه من لزوم الحذف والفصل والقول الخامس : أن إن بمعنى نعم ، فما بعدها في موضع رفع ، فالصابئون كذلك والسادس : أن الصابئون في موضع نصب ، ولكنه جاء على لغة بلحرث الذين يجعلون التثنية بالالف على كل حال ، والجمع بالواو على كل حال وهو بعيد والقول السابع : أن بجعل النون حرف الاعراب فإن قيل : فأبو على إنما أجاز ذلك مع الياء لا مع الواو قيل : قد أجازه غيره والقياس لا يدفعه ، فأما( النصارى ) فالجيد أن يكون في موضع نصب على القياس المطرد ولا ضرورة تدعو إلى غيره قوله تعالى :( فريقا كذبوا ) فريقا الاول مفعول كذبوا ، والثانى مفعول( يقتلون ) وكذبوا جواب كلما ، ويقتلون بمعنى قتلوا ، وإنما جاء كذلك لتتوافق رء‌وس الآى قوله تعالى :( أن لاتكون ) يقرأ بالنصب على أن أن الناصبة للفعل ، وحسبوا بمعنى الشك ، ويقرأ بالرفع على أن أن المخففة من الثقيلة وخبرها محذوف(١) وجاز ذلك لما فصلت" لا " بينها وبين الفعل، وحسبوا على هذا بمعنى علموا، وقد جاء الوجهان فيها، ولايجوز أن تكون المخففة من الثقيلة مع أفعال الشك والطبع، ولا الناصبة للفعل مع علمت وماكان في معناها ، وكان هنا التامة( فعموا وصموا ) هذا هو المشهور ، ويقرأ بضم العين والصاد وهو من باب زكم وأزكمه الله ، ولا يقال عميته وصممته ، وإنما جاء بغير همزة

٢٣٩

فيما لم يسم فاعله وهو قليل ، واللغة الفاشية أعمى وأصم( كثير منهم ) هو خبر مبتدإ محذوف : أى العمى والصم كثير ، وقيل : هو بدل من ضمير الفاعل في صموا ، وقيل : هو مبتدأ والجملة قبله خبر عنه : أى كثير منهم

___________________

(١) ( قوله وخبرها محذوف ) كذا بالنسخ التى بأيدينا ، وصوابه أن يقول : واسمها محذوف كما لايخفى اه‍ مصححه (*)

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316