إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن الجزء ٢

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن26%

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن مؤلف:
تصنيف: القرءات وفنّ التجويد
الصفحات: 298

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 298 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111613 / تحميل: 7077
الحجم الحجم الحجم
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولا يكتفي ابن الأثير بهذا العرض دون التنظير الدلالي ويختار لذلك قوله تعالى : ـ

( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( ٤٤ ) ) (١) .

ويعقب بقوله : « إنك لم تجد ما وجدته لهذه الألفاظ من المزية الظاهرة لا لأمر يرجع إلىٰ تركيبها ، وإنه لم يعرض لها هذا الحسن إلا من حيث لاقت الأولىٰ بالثانية ، والثالثة بالرابعة وكذلك إلى آخرها » (٢) .

ويتعرض لدلالة اللفظ الواحد في تركيبين مختلفين ، فتجد اللفظ مستكرهاً في تركيب ، وهو نفسه مستحسناً في تركيب آخر ويضرب لذلك مثالاً فيقول : ـ

« وسأضرب لك مثالاً يشهد بصحة ما ذكرته ، وهو أنه قد جاءت لفظة واحدة في آية من القرآن ، وبيت من الشعر ، فجاءت جزلة متينة في القرآن ، وفي الشعر ركيكة ضعيفة ، فأثّر التركيب فيها هذين الوصفين الضدين ، أما الآية فهي قوله تعالى : ـ

( فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ ) (٣) .

وأما بيت الشعر فهو قول أبي الطيب المتنبي(٤) :

تلذ له المروءة وهي تؤذي

ومن يعشق يلذ له الغرام

وهذا البيت من أبيات المعاني الشريفة إلا أن لفظة : « تؤذي » قد جاءت فيه وفي الآية من القرآن فحطت من قدر البيت لضعف تركيبها ، وحسن موقعها في تركيب الآية »(٥) .

________________

(١) سورة هود : ٤٤.

(٢) ابن الأثير ، المثل السائر : ١ / ٢١٤.

(٣) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٤) المتنبي ، ديوان المتنبي : ٤ / ٧٥.

(٥) ابن الأثير ، المثل السائر : ١ / ٢١٤.

٤١

والذي يؤخذ على ابن الأثير في هذا المقام وغيره من مواطن إفاضاته البلاغية والنقدية والدلالية هو نسبته جميع المفاهيم وإن سبق إليها من هو قبله وادعاؤه التنبيه عليها وإن نبه غيره ، ولا يعلل منه هذا إلا بعدم قراءة جهود السابقين ، وهو بعيد على شخصيته العلمية المتمرسة ، وأما ببخس الناس أشياءهم ، وهذا ما لا يحمد عليه عالم جليل مثله ، وإلا فقد رأيت قبل وريقات أن عبد القاهر قد خطط بل وجدد لما أبداه هنا ابن الأثير.

٩ ـ وهذا حازم القرطاجني ( ت : ٦٨٤ ه‍ ) بكثرة إضاءته وتنويره في منهاج البلغاء ، نجده يؤكد الحقائق الدلالية السابقة لعصره ، وعنده أنها من المسلمات حتى أنه ليقارن بين دلالة المعاني والألفاظ ويعبر عنهما بصورة ذهنية ، وهو إنما يحقق في ذلك من أجل أن يتفرغ لإتمام اللفظ بالمعنى وإتمام المعنى باللفظ ، في تصور جملي متتابع ، فيقول : ـ

« إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان. فكل شيء له وجود خارج الذهن وأنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه ، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك ، أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة في أفهام السامعين وأذهانهم »(١) .

فهو يرىٰ تشخيص اللفظ للصورة الذهنية عند إدراكها بما يحقق الدلالة المركزية التي يتعارف عليها الاجتماع اللغوي ، أو العرف التبادري العام بما يسمى الآن الدلالة الاجتماعية ، اللغوية ، المركزية ، وهي تسميات لمسمىٰ واحد.

١٠ ـ ونجد السيوطي ( ت : ٩١١ ه‍ ) وهو كثير النقل عمن سبقه ، وكتاباته لا تعبر عن جهده الشخصي في الاستنتاج بل قد تعبر عن جهده الشخصي في الاختيار ، وله في هذا الاختيار مذاهب ومذاهب ، قد ينسب بعضها إلى أهلها وقد يحشر بعضها في جملة آرائه ، وقد ينقلها نقلاً حرفياً ،

________________

(١) حازم القرطاجني ، منهاج البلغاء : ١٨.

٤٢

ولكنك تظنها له ، وهو في هذا المجال كذلك ، نجده يتنقل هنا وهناك لاستقراء المناسبة القائمة بين اللفظ ومدلوله ، في مجالات شتى فيقول : ـ

« نقل أهل أصول الفقه عن عباد بن سليمان الصيمري من المعتزلة أنه ذهب إلى أن بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية حاملة للواضع أن يضع وإلا لكان تخصيص الاسم المعين ترجيحاً من غير مرجح »(١) .

وهذا رأي جملة من الأصوليين ، ولما كان ما يعنيه هو رأي اللغويين فإنه يدع الأصوليين إليهم ، فيبين وجهة نظرهم في هذه الحالة ومن ثم يعقد مقارنة بين الرأيين لاستجلاء الفروق بين الأمرين :

« وأما أهل اللغة والعربية فقد كانوا يطبقون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ والمعاني ، ولكن الفرق بين مذهبهم ومذهب عباد ، أن عباداً يراها ذاتية موجبة بخلافهم »(٢) .

وهو ينقل عمن يرىٰ « أنه يعرف مناسبة الألفاظ لمعانيها ، ويربط بين دلالة الصوت والمعنى ، فسئل ما مسمىٰ ( أدغاغ ) وهو بالفارسية الحجر ، فقال : أجد فيه يبساً شديداً أو أراه الحجر »(٣) .

وقد يكون النقل لهذا التنظير مبالغاً فيه ، ولكن المهم في الموضوع إدراك المناسبة على المستوىٰ النظري ، وأنها مفهومة ومفروغ عن إثباتها حتى أصبحت من الهضم لديهم أن يتلمسوا ذلك في لغات أخرى وما أثبتناه هنا عن السيوطي مستخرج من صحيفة واحدة فما ظنك باستقراء آرائه.

ومن الطريف أن ينتصر جاسبرسن ( ١٨٦٠ ـ ١٩٤٣ م ) إلى آراء العلماء العرب القدامىٰ في كشف الصلة بين الألفاظ ودلالتها واستنباط المناسبة بينهما إلا أنه حذر من المغالاة والاطراد في هذا الرأي إلا أنه يؤكد على جانب مهم من آرائهم فيما يتعلق بمصادر الأصوات فقد تسمى حركات

________________

(١) السيوطي ، المزهر في اللغة : ٤٧.

(٢) المصدر نفسه : ٤٧.

(٣) المصدر نفسه : ٤٧.

٤٣

الإنسان بما ينبعث عنها من أصوات ، فيطلق صوت الشيء على الشيء نفسه(١) .

ولما كان القرآن الكريم يمثل الذروة البيانية في الموروث البلاغي عند العرب ، يبتعد عن النمط الجاهلي في ألفاظه ويستقل استقلالاً تاماً في مداليله فلا أثر فيه لبيئة أو إقليمية أو زمنية ، فهو المحور الرئيس لدىٰ البحث الدلالي باعتباره نصاً عربياً ذا طابع إعجازي وكتاباً إلهياً ذا منطق عربي ، فقد توافرت فيه الدلائل والإمارات والبينات لتجلية هذا البحث والتنظير له تطبيقاً في لمح أبعاد الدلالة الفنية.

وليس في هذا التنظير إحصاء أو استقصاء ، فلذلك عمل مستقل به قيد البحث بعنوان : « دلالة الألفاظ في القرآن الكريم » ولكنه هنا على سبيل الأنموذج المتأصل لمبحث الدلالة ، كمقدمة للمبحث الأُم ، وهو جزء ضئيل مما أفاده علماؤنا العرب ، فلا تطلبن مني التفصيل في موضوع مقتضب أو الأطناب في بحث موجز.

جاء هذا التنظير كشفاً لنظرية البحث الدلالي لا غير ، تدور حول محوره ، وتتفيّأ ظلاله ، وليست استقطاباً لما أورده القرآن العظيم في هذا المجال فهو متطاول ينهض بموضوع ضخم وحده.

________________

(١) إبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ : ٦٨ وما بعدها.

٤٤

٤٥

٤٦

وفي ضوء ما تقدم من كشف وممارسة ، فقد لمسنا في مجموعة التركيبة اللفظية للقرآن الكريم لغة اجتماعية ذات طابع دلالي خاص ، تستمد نشاطها البنائي من بنيات بلاغية متجانسة حتى عادت لغة مسيطرة في عمقها الدلالي لدىٰ عامة الناس في الفهم الأولي ، وعند خاصة العلماء في المعاني الثانوية ، وتوافر حضورها في الذهن العربي المجرد حضوراً تكاملياً ، بعيداً عن الإبهام ، والغموض والمعميات ولا مجال للألغاز في تصرفاتها ولا أرضية للمخلّفات الجاهلية في ثروتها ، تبتعد عن الوحشي الغريب ، وتقترب من السهل الممتنع ذلك من خلال التعامل اللغوي الموجه للفرد والأمة مما فرز حالة حضارية متميزة تعنى بالجهد الفني تلبية للحاجة الإنسانية الضرورية في التقاء الفكر بالواقع واللغة بالعاطفة والشكل بالمحتوى دون تعقيد ثقافي يجر إلى تكوينات متنافرة.

وعلىٰ الرغم من توقف جملة من علمائنا الأوائل عن الخوض في حديث المداليل في القرآن الكريم ، فإن القرآن يبقىٰ ذا دلالة أصلية ، وما معاملتهم له إلا دليل تورع وتحرج عن الفتوىٰ بغير مراد الدلالة حتى وإن أدركوها إجمالاً.

كان الأصمعي ـ وهو إمام أهل اللغة ـ لا يفسر شيئاً من غريب القرآن وحكي عنه أنه سئل عن قوله سبحانه :( قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ) (١) فسكت وقال : هذا في القرآن ثم ذكر قولاً لبعض العرب في جاريةٍ لقوم أرادوا بيعها :

________________

(١) سورة يوسف : ٣٠.

٤٧

أتبيعونها ، وهي لكم شغاف ولم يزد على ذلك ، أو نحو من هذا الكلام »(١) .

ولو تجاوزنا حدود العلماء والنقاد العرب ، إلى القادة والسلف الصالح لوجدنا الأمر متميزاً في احترام النص القرآني ، ومحاطاً بهالة متألقة من التقديس ، فلقد قال الإمام علي7 مجاهراً : « وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيا لسانه وبيت لا تهدم أركانه ، وعز لا تهزم أعوانه »(٢) .

وهو تعبير حي عن حماية القرآن وصيانته ، وتبيان لحجج القرآن ودلالته.

وقد كان عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ـ وهو من الفصاحة في ذروة السنام والغارب ـ يقرأ قوله عزّ وجلّ :( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ( ٣١) ) (٣) فلا يعرفه فيراجع نفسه ويقول : ما الأبّ ؟ ثم يقول : إن هذا تكلف منك يا ابن الخطاب »(٤) .

وكان ابن عباس; وهو ترجمان القرآن ووارث علمه يقول : لا أعرف حناناً ولا غسلين ولا الرقيم(٥) .

ولا يعني التحرج في كشف الدلالة القرآنية عدم وضوح الرؤية ، أو انعدام المراد بل على العكس أحياناً ، فقد أجمع النقاد على سلامة النظم القرآني ، وتواضعوا على إعجازه ، بل اعتبروا استعمال القرآن لأفصح الألفاظ بأحسن المواقع متضمنة أسلم المعاني وأعلى الوجوه دلالة ، من مخائل الإعجاز القرآن ، حتى أوضح الخطابي ( ت : ٣٨٨ ه‍ ) هذا العلم بقوله : « واعلم أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف متضمناً أصح المعاني »(٦) .

________________

(١) الخطابي ، بيان إعجاز القرآن : ٣٤.

(٢) ظ : ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٢٧٣.

(٣) سورة عبس : ٣١.

(٤) الخطابي ، بيان إعجاز القرآن : ٣٦.

(٥) المصدر نفسه : ٣٦.

(٦) المصدر نفسه : ٢٧.

٤٨

وقد اعتبر الخطابي نفسه اختيار اللفظ المناسب للموقع المناسب عمود البلاغة القرآنية فقال : الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به الذي إذا أبدل مكانه غيره جاء منه : أما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام ، وأما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة وذلك أن في الكلام ألفاظاً متقاربة في المعاني ، يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب كالعلم والمعرفة ، والحمد والشكر ، وبلىٰ ونعم ، وذلك وذاك ، ومن وعن ، ونحوهما من الأسماء والأفعال والحروف والصفات مما سنذكر تفصيله فيما بعد ، والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك ، لأن كل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها ، وإن كانا قد يشركان في بعضهما »(١) .

واستناداً إلى هذا المفهوم الدقيق في التمييز بين دلالة لفظ ولفظ ، وفروق قول عن قول ، فإننا نشير هنا على سبيل الأنموذج التمييز في القرآن إلى ثلاث خصائص مهمة في الدلالة تتجلىٰ في ثلاث ظواهر بيّنة :

الظاهرة الأولى :

إن اختيار القرآن للألفاظ في دلالتها إنما جاء متناسقاً مع مقتضيات الحال وطبيعة المناسبة وقد يكون ذلك التناسق صادراً لجهات متعددة تؤخذ بعين الاعتبار لدىٰ تجديد القرآن لمراد الاستعمال في الحالات الوصفية والتشبيهية والتمثيلية والتقديرية مما نستطيع التنظير له بما يلي :

أ ـ ما أراد به القرآن صيغة معينة لحالة معينة تستوعب غيرها ولا يستوعبها غيرها ، فإنه يعمد إلى اختيار اللفظ الدقيق لهذه الغاية فيتبناه دون سواه من الألفاظ المقاربة أو الموافقة أو الدارجة كما في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ ( ٣٩) ) (٢) .

________________

(١) الخطابي ، بيان إعجاز القرآن : ٢٩.

(٢) سورة النور : ٣٩.

٤٩

وقد يسد غيرها في معنىً ساذج  متعارف لا معنى دلالي متميز ، فالله تعالىٰ أراد الظمآن بكل ما تحمله الكلمة في تضاعيفها الأولية والثانوية من دلالات خاصة بها فلا تسد مسدها ـ مثلاً ـ كلمة الرائي ، لأنّ الرائي قد يرىٰ السراب من بعيد وهو ليس بحاجة إليه ، فلا يتكلف إلا الخداع البصري أما الظمآن فإنه يكد ويكدح ويناضل من أجل الوصول إلى الماء حتى إذا وصل إليه وإذا بما حسبه ماءً قد وجده سراباً ، فكانت الحسرة أعظم والحاجة أشد ولم يبرد غليلاً ، ولم يدرك أملاً.

قال أبو هلال العسكري ( ت : ٣٩٥ تقريباً ) : « فلو قال يحسبه الرائي ماءً لم يقع قوله ( الظمآن ) لأن الظمآن أشد فاقة إليه وأعظم حرصاً عليه(١) .

ب ـ وما أراد به القرآن الاتساع المترامي ، فإنه يختار له الألفاظ الدالة على هذا الاتساع بكل شمولية واستيعاب فحينما نتدارس بإجلال قوله تعالى :

( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ( ٦) ) (٢) .

فسنجد عمومية الألفاظ وشموليتها مما يتناسب مع عمومية المعاني وتطاولها ، ويتواكب مع استقرار كل الجزئيات وعدم تناهيها ، وذلك من أعاجيب القرآن وطرائفه ، وهذه الألفاظ في هذه الآية هي : دابة ، الأرض ، الله ، رزقها ، مستقرها ، مستودعها ، كل ، كتاب.

هذه الألفاظ في تراصفها وتقاطرها تفيد عموماً لا خصوص معه وتتجه نحو الإطلاق فلا تقييد ، كما سنرىٰ في هذا العرض : ـ

الدابة تستوعب مجموعة عامة مركبة من خلق الله مما دبَّ وهب ودرج من الانس والجن والطير والأنعام والوحوش والهوام وكائنات لا نعرفها ، ومخلوقات لا نتصورها ، أرأيت عمومية وشمولية كهذا في دلالة لفظ واحد عليه مع عدم إمكان حصر ملايين النسمات في ضوئه.

والأرض هذه الكرة الفسيحة بجبالها ووهادها ومفاوزها وأشجارها

________________

(١) العسكري ، كتاب الصناعتين : ٢٤٦.

(٢) سورة هود : ٦.

٥٠

وأنهارها وآبارها ، داخلها وخارجها ، ظاهرها وباطنها كلها عوالم مترامية الأطراف واسمها الأرض ، هذا اللفظ البسيط الساذج المتداول ، ولكنها بقاع العالم وأصقاع الدنيا ومحيطات الكون.

ولفظ الجلالة في إشارته لذاته القدسية التي لا تحد بزمان ولا مكان ، ولا تنظر بأين أو كم أو كيف ، ولا تمثل بجسم أو كائن أو تشخيص يتناهى لله كل متناهٍ ، ولا يدركه نظر أو بعد ولا يسمو إليه فكر أو عقل ، دال على ذاته بذاته ، ومتعالٍ عن سائر مخلوقاته.

والرزق بمختلف أصنافه ، وعلى كثرة سبله وطرقه عام لا خاص ، ومطلق لا مقيد في الملبوس والمأكول والمشروب والمدّخر والمقتنى ، بل في الأولاد إن كانت من الرزق ، والصحة أعظم هبة ومنحة يهبها الله تعالى لعباده فهي من الرزق الحسن العظيم ولا نريد تحديد اللفظ وتصنيفه ، أو توسيعه وتحميله ما لا يتسع إليه ، ولكن جميع هذا الرزق على فضفاضيته في حرز متكامل ، ونظام دقيق يشمل هذه الكائنات المتعددة بحسب احتياجاتها المتكاثرة ، وشؤونها المتنوعة غير المحصورة إلى كل هذه الخلائق يصل هذا الرزق وهو مكفول لكل نسمة حسب حاجتها على ما توجبه الحكمة العليا وتقتضيه مصلحة العباد في تفاوت أو تقدير ، وسعة إملاء من أجل تنظيم مسيرة العالم في استدرار المعايش وتحقيق معنى الاستخلاف على الأرض.

والمستقر بالنسبة لهذا الكائنات قد يراد به موضع القرار أو حيث تأوي إليه من الأرض أو ما يستقر عليه عملها واللفظ عام ولا مانع من إرادة هذه المعاني كافة ، بل ومفاهيمها عامة.

والمستودع بالنسبة للكائنات ذاتها ، قد يراد به الموضع الذي أودعها الله فيه وهو أصلاب الآباء وأرحام الأمهات أو هو مستودعها الأخير حين تموت ، فتموت لتبعث أو ما يؤول أليه مصيرها نتيجة عملها ، واللفظ عام ، ولا مانع من استيعابه هذه المعاني(١) .

________________

(١) ظ : في كلمتي : مستقر ومستودع ، الطبرسي ، مجمع البيان : ٣ / ١٤٤.

٥١

وكل لفظ يدل على العموم بل هو من أدوات العموم ليتساوىٰ المعنى العام مع اللفظ العام.

والكاتب جامع مانع في إحصائية استقصائية لأعمال الخلائق وتصريف شؤونها ، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

إن آية واحدة من كتاب الله ترتفع بنا إلى المستوىٰ الدلالي المتطور في جملة ألفاظها ، فكيف بسورة منه يا ترىٰ وأين موقعنا من آياته وسوره كافة.

ح‍ ـ وما أراد به الإيحاء الخاص الكامن وراء دلالة اللفظ فإنه يختار بذاته لتلك الدلالة بذلك الإيحاء ولو دققت النظر في استعمال لفظ « زرتم » في سورة التكاثر( حَتَّىٰ زُرْتُمُ المَقَابِرَ ( ٢) ) (١) لتبين لنا أن القرآن لم يستعمل الزيارة إلا في هذه الآية وإنه استعمل مادتها في آيات أُخر ، وهذا الاستعمال يوحي بدلالة حسبة قد لا ينبئ عنها ظاهر اللفظ ، ومركزي المعنى بقدر ما يصوره إيحائي التعبير الدقيق ، ويبدو أن أعرابياً مرهف الحس قد التفت إلى هذا الملحظ الشاخص فقال حينما سمع الآية على فطرته الصحراوية ، وبوحي من بداوته الصافية قال : ـ

« بعث القوم للقيامة ورب الكعبة ، فإن الزائر منصرف لا مقيم »(٢) ، لقد وضع هذا الإعرابي يده على حسٍّ بلاغي عميق ، أدرك فلسفة تخير هذا اللفظ دون سواه ، بعيداً عن الفهم التقليدي والوعي القاصر في ترددات الناس بصورة الزيارة وكيفيتها ومؤداها لأنه في استعمال الزيارة عدة احتمالات فقد يأتي بمعنىٰ الموت وقد يعبر عن الموت بالزيارة ، وقد يراد غير هذا وذاك ، في إيحاء باهر جديد يضع القرآن له أصلاً مبتكراً في عالمي النقد الأدبي والبيان العربي.

تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن في هذا المقام : ـ

________________

(١) سورة التكاثر : ٢.

(٢) أبو حيان ، البحر المحيط : ٨ / ٥٠٧.

٥٢

« وفي التعبير عن الموت بالزيارة ملحظ بياني بالغ القوة فاستعمال الزيارة بهذا المعنى صريح الإيحاء بأن الإقامة في القبر ليست إقامة دائمة ، وإنما نحن فيها زائرون ، وسوف تنتهي الزيارة حتماً إلى بعث وحساب وجزاء ، وهذا الإيحاء ينفرد به لفظ « زرتم » دون غيره ، فلا يمكن أن يؤديه لفظ آخر كأن قال : « قبرتم أو سكنتم المقابر ، أو انتهيتم إليها ، أو أقمتم بها إلى غير ذلك من ألفاظ تشترك كلها في الدلالة على ضجعة القبر ، ولكن يعوزها سر التعبير الدال على أنها زيارة ، أي إقامة موقتة ، يعقبها بعث ونشور »(١) .

الظاهرة الثانية :

إن هذا الاختيار للألفاظ ذاتها ، بل الألفاظ منضمة إلى المعاني ، بحيث لا يتحقق المعنى المراد إلا بهذا اللفظ دون سواه ، بغض النظر عن الاعتبارات البديعية الأخرى فلا الألفاظ ذات أولوية على حساب المعاني ولا المعاني ذات أولوية على حساب الألفاظ.

القرآن الكريم فضلاً عن كونه نصاً إعجازياً لا طاقة لنا على إدراك خصائصه الفنية على الوجه الأكمل ، فإنه نص أدبي باهر تتوافر فيه سمات أرقى نص عربي وصل إلينا دون ريب. ومن هنا فإننا نختلف مع جملة من العلماء الذين يرون عناية القرآن بالألفاظ ناجمة عن العناية بأصناف البديع ، وفنون المحسنات اللفظية المتوافرة في القرآن ، ومع توافر هذه الفنون في القرآن فإنها غير مقصودة لذاتها ، وإنما جاءت بتناسقها ضرورة بيانية يقتضيها جمال القول ، وهذه الضرورة نفسها لم تكن متكلفة ولا ذات نزعة مفروضة كما هي الحال في الأسجاع المتناثره هنا وهناك في النثر العربي القديم ، فإنها أريدت في النصوص الأدبية هكذا ، سواء أحققت الغرض المعنوي أم لم تحققه إطلاقاً ، لأن المهمة في مثل هذه اللوحات مهمة لفظية فحسب حتى أنها لتثقل النص بمحسنات يزداد معها النص انصرافاً عن الديباجة والذائقة الفنية وتزداد معه النفس تبعاً لهذا الانصراف عزوفاً أو نفوراً.

________________

(١) بنت الشاطئ التفسير البياني للقرآن : ١ / ٢٠٦.

٥٣

أما بالنسبة للقرآن العظيم فإن هذه الظاهرة مدفوعة أصلاً إذا ليس في القرآن مهمة لفظية على وجه ، ومهمة معنوية على وجه آخر بل هما مقترنان معاً في أداء المراد من كلامه تعالى دون النظر إلى جزء على حساب جزء غيره ، فالتصور فيه دفعي جملي مرة واحدة دون تردد أو إمهال ، وحسبك ما تشاهده في جميع أصناف المحسنات البديعية الواردة في القرآن ، وفي طليعتها السجع وانتظام الفواصل وتوافقها دليلاً على صحة هذا الرأي ، وطبيعي أن نهاية الفقرات والسجع في النثر العربي ، تقابله الفواصل في القرآن الكريم وهي تسمية اختيارها جهابذة الفن ، وعلماء الصناعة تكريماً للقرآن عن مقايسته بسواه.

إذن هذه الفواصل على تقاطرها وتواردها في النصوص القرآنية وقد يرتفع بعضها إلى سور متكاملة لا سيّما القصار كالإخلاص ، والقدر ، والناس ، والجحد ، والعصر ، والكوثر الخ.

وهناك سور متوسطة الطول والقصر وقد تناوبها السجع من أولها إلى آخرها كما هي الحال ـ على سبيل الأنموذج في سورة الأعلى.

إن هذه السورة ولنتبرك بذكرها كاملةً : ـ

« بسم الله الرحمن الرحيم »

( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ( ١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ( ٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ( ٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَىٰ ( ٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ ( ٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَىٰ ( ٦) إِلا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ( ٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ ( ٨) فَذَكِّرْ إِن نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ ( ٩) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ( ١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى ( ١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الكُبْرَىٰ ( ١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَىٰ ( ١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ( ١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ ( ١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ( ١٦) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ( ١٧) إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَىٰ ( ١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ( ١٩) ) ».

مما وقف عنده العرب موقف المتحير المتعجب بوقت واحد فهي على وتيرة واحدة في فاصلة متساوية تختتم بالألف ، ومن أولها إلى نهايتها ، ولو شئت أن تغير أية كلمة من هذه الفواصل ، وتضع ما يلائمها بدلها في سبيل تغيير صيغة الفاصلة لما استطعت أن تحقق الدلالة اللفظية

٥٤

التي حققها القرآن الكريم ، وما يقال في جميع السور والآيات الأخرىٰ ، وبالنسبة للصنوف البديعية كافة.

وهنا ـ ونحن في هذا السياق ـ أود أن أشير إلى صيغة تنسجم مع هذا العرف الذي نتحدث عنه بإيجاز ، هذه الصّيغة هي كلمة « المقابر » في قوله تعالى :( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ( ١) حَتَّىٰ زُرْتُمُ المَقَابِرَ ( ٢) ) (١) لا أدعي أن اتفاق الفاصلة عند الراء في كلمتي التكاثر والمقابر ، تفرضه طبيعة النسق القرآني في التعبير المسجوع كما يتخيل ، بدليل أنه ينتقل منه فوراً إلى فاصلة تقف عند النون دون التفات إلى الصيغة الأولى الساربة في طريقها فيقول :( كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ( ١) ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ( ٢) ) (٢) ، فإذا جاز له الانتقال بها جاز له الانتقال فيما قبلها مباشرة كما هو ظاهر ، بل إن هذا اللفظ « المقابر » يفرض نفسه فرضاً قاطعاً ، وذلك أن هذا الإنسان المتناسي الطاغي المتكاثر بأمواله ولذاته ، وشهواته ، ومدخراته ، ونسائه ، وأولاده ، ودوره ، وقصوره وخدمه وحشمه ، وإداراته وشؤونه ، وهذا كله تكاثر قد يصحبه التفاخر ، والتنابز ، والتنافر ، إن هذا مما يناسبه « المقابر » وهي جمع مقبرة ، والمقبرة الواحدة لا سيّما المترامية الأطراف مرعبة هائلة. فإذا ضممنا مقبرة أخرى ومقبرة مثلها ازددنا إيحاشاً ورعباً وفزعاً ، فإذا أصبحت مقابر عديدة ، تضاعف الرعب والرهب ، إذن هذا التكاثر الشهواني في كل شيء ، يناسبه ويوافقه الجمع المليوني للقبور ، لتصبح مقابرَ لا قبوراً ولو قيل في غير القرآن بمساواة القبور للمقابر في الدلالة لما سد هذا الشاغر الدلالي شيء آخر من الألفاظ.

وتعقب الدكتورة بنت الشاطئ على هذا الإدراك فتقول : « وقد تجد الصيغة البلاغية في استعمال المقابر هنا مجرد ملائمة صوتية للتكاثر ، وقد يحس أهل هذه الصنعة ونحن معهم فيها ، نسق الإيقاع ، وانسجام النغم لكن أهذا كل ما في استعمال للفظ « المقابر » في آية التكاثر ؟.

الذي أراه أن وراء هذا الملحظ البلاغي اللفظي ملحظاً بيانياً يتصل

________________

(١) سورة التكاثر : ١ ـ ٢.

(٢) سورة التكاثر : ٣ ـ ٤.

٥٥

بالمعنى : فالمقابر جمع مقبرة ، وهي مجتمع القبور واستعمالها هنا ملائم معنوياً لهذا التكاثر ، دال على مصير ما يتكالب عليه المتكاثرون من متاع دنيوي فإن هناك حيث مجتمع القبور ومحتشد الرمم ومساكن الموتى على اختلاف أعمارهم ، وطبقاتهم ، ودرجاتهم ، وأزمنتهم ، وهذه الدلالة من السعة والعموم والشمول لا يمكن أن يقوم لفظ « القبور » بما هي جمع لقبر ، فبقدر ما بين قبر ومقبرة من تفاوت يتجلى إيثار البيان القرآني « المقابر » على « القبور » حين يتحدث عن غاية ما يتكاثر به المتكاثرون ، وحين بلغت إلى مصيره هذه الحشود من ناس يلهيهم تكاثرهم عن الاعتبار بتلكم المقابر التي هي مجتمع الموتى ومساكن الراحلين الفانين »(١) .

هذا العرض يكشف أن دلالة اللفظ لا تتحكم بها الفاصلة كما تحكمت بها المعاني الإضافية ، واقتضاها البعد البياني في استيعاب المراد من وجوهه المختلفة ، وجوانبه كافة ، وذلك من دلائل إعجاز القرآن ، في جمعه بين الصيغة الجمالية للشكل ، والدلالة الإيحائية في المعنى.

الظاهرة الثالثة :

إن اختيار هذه الألفاظ إنما اتّجه بالخطاب إلى سكان الأرض الذين يهمهم أمرها ليتعرفوا على ما فيها عقلياً ، ويتطلعوا إلى كشف أسرارها علمياً ، بحسب الذائقة الفطرية الخالصة التي تبدو بأدنى تأمل وتلبث وترصد ، وهنا نضع أيدينا على جملة من التعابير القرآنية بألفاظ لها دلالتها الهامشية إن لم نقل المركزية في كثير من الأبعاد النقدية والبلاغية زائداً العلمية :

أ ـ ففي قوله تعالى : ـ( أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) (٢) .

يتجلى موقع « أطراف » « ننقصها » في التعبير ، فالأطراف توحي بنظرة شمولية لشكل الأرض ، و « ننقصها » توحي بفكرة آلية عن طبيعة

________________

(١) بنت الشاطئ ، التفسير البياني : ١ / ٢٠٧ وما بعدها.

(٢) سورة الأنبياء : ٤٤.

٥٦

انتقاص الأطراف وهاتان حقيقتان علميتان بنظرية دحو القطبين وحركتهما يوضحهما قوله تعالى : ـ

( لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( ٤٠) ) (١) .

ب ـ وفي قوله تعالى :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ ( ٣٩) ) (٢) .

« ففي هذه الصورة الأخاذة يتجلى سطح الصحراء العربية المنبسطة ، والخداع الوهمي للسراب ، فنحن هنا أمام عناصر مجاز عربي النوع ، فأرض الصحراء وسماؤها قد طبعا عليه انعكاسهما حين نستخدم خداع السراب المغم ، لنؤكد بما تلقيه من خلال تبدد الوهم الهائل ، لدى إنسان مخدوع ، ينكشف في نهاية حياته غضب الله الشديد في موضوع السراب الكاذب سراب الحياة »(٣) ، فلفظ « سراب » استقطب مركزياً دلالته من خلال البيئة العربية المشاهدة المحسوسة ، وكما يتلاشىٰ هذا السراب فجأة ، وينطفي تلألؤه بغتة ، فكذلك ما أمله هؤلاء الكافرون بأعمالهم الخادعة ، متماثلة معه في خداع البصر وانطماس الأثر ، فلو عطفنا دلالة « الظمآن » الإيحائية ، لوجدنا الظمآن في تطلبه للماء ، ووصوله إلى السراب يقضي حسرة أشد ، وفاقة أعظم ، وحاجة متواصلة ، ولكنه يصطدم بالحقيقة الكبرىٰ وهي الله تعالىٰ ، فيوفّيه حسابه ، دون معادلات معروفة ، فلا المراد حقق ، ولا الحياة استبقى ولا الثواب استقصى ، وإنما هي حسرات في حسرات.

ح‍ ـ ولو تتبعنا مآل هؤلاء الكافرين في خيبة آمالهم وخسران أعمالهم ، لوجدنا الصورة المتقابلة مع تلك الصورة بقوله تعالى : ـ

( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ

________________

(١) سورة يس : ١٤.

(٢) سورة النور : ٣٩.

(٣) مالك بن نبي ، الظاهرة القرآنية : ٣٥٥.

٥٧

بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ( ٤٠) ) (١) ، ليتضح في التصوير القرآني عظم الدلالة من خلال هيأتين متقابلتين ونموذجين مختلفين ، فبعد أن أوضحت الصورة الفنية الأولىٰ الشعاع الكاذب في السراب والالتماع الخلب في البيداء ، عقبت ذلك بنقيض الشعاع والالتماع وبعد تصوير الخيبة من الظفر بالسناء ، عقبته بالظلمات المتراكمة بعضها فوق بعض والفوقيات المتراكبة طبقاً عن طبق فهي ظلمات في بحر لا قعر له ، عميق غزير المياه ، تحوطه الأمواج المتدافعة ، والسحب الثقال ، والظلمات المتعاقبة في ثلاثة مظاهر من ظلام الليل ، وظلام الغمام ، وظلام البحر حتى ليخطؤه تمييز يده ، فلا يرىٰ ذلك إلا بعد عسر وحرج ، أو لا يرىٰ ذلك أصلاً ، وأنىٰ له الرؤية ، وقد انغمس في ظلمات الكفر وارتطم بمتاهات الضلال ، فانعدمت الرؤية وانطمست البصيرة ، فهو في شبهات لا نجاة معها ، ومن لم يقدر له الخلاص من الله فلا خلاص له »(٢) .

يقول الأستاذ مالك بن نبي عن هذه الآية : ـ

« فهذا المجاز يترجم على عكس سابقه عن صورة لا علاقة لها بالوسط الجغرافي للقرآن ، بل لا علاقة لها بالمستوىٰ العقلي أو المعارف البحرية في العصر الجاهلي وإنما هي في مجموعها منتزعة من بعض البلدان الشمالية التي يلفها الضباب ، ولا يمكن للمرء أن يتصورها إلا في النواحي كثيفة الضباب في الدنيا الجديدة ، فلو افترضنا أن النبي رأىٰ في شبابه منظر البحر فلن يعدو الأمر شواطئ البحر الأحمر أو الأبيض ومع تسليمنا بهذا الفرض فلسنا ندري كيف كان يمكن أن يرىٰ الصورة المظلمة التي صورتها الآية المذكورة ؟ وفي الآية فضلاً عن الوصف الخارجي الذي يعرض المجاز المذكور سطر خاص بل سطران : أولهما : الإشارة الشفافة إلى تراكب الأمواج ، والثاني : هو الإشارة إلى الظلمات المتكاتفة في أعماق البحار ، وهاتان العبارتان تستلزمان معرفة علمية بالظواهر الخاصة بقاع

________________

(١) سورة النور : ٤٠.

(٢) ظ : المؤلف ، الصورة الفنية في المثل القرآني : ٢٨١ ـ ٢٨٢.

٥٨

البحر ، وهي معرفة لم تُعرف للبشرية إلا بعد معرفة جغرافية المحيطات ، ودراسة البصريات الطبيعية ، وغني عن البيان أن نقول : إن العصر القرآني كان يجهل كلية تراكب الأمواج ، وظاهرة امتصاص الضوء واختفائه في عمق معين في الماء ، وعلى ذلك فما كان لنا أن ننسب هذا المجاز إلى عبقرية صنعتها الصحراء ولا إلى ذات إنسانية صاغتها بيئة قاريّة »(١) .

هذه الظواهر الثلاث في دلالة الألفاظ ، توصلنا إلى المنهج الدلالي الأم في استكناه أصول الدلالة وهذا المنهج الأصل هو القرآن الكريم بحق.

ومن هذا المنطلق فقد وجدنا الخطابي ( ت : ٣٨٨ ه‍ ) بالذات عالماً ودلالياً فيما أورده من افتراضات ، وما أثبته من تطبيقات بالنسبة لجملة من ألفاظ القرآن الكريم بتقرير أنها لم تقع ـ ما زعموا توهماً ـ في أحسن وجوه البيان وأفصحها ، لمخالفتها لوضعي الجودة والموقع المناسب عند أصحاب اللغة ، وذلك كدعوىٰ افتراضية ، يتعقبها بالرد والكشف والدفاع.

والألفاظ هي كما يلي نذكرها ونعقبها في آياتها في موارد اختيارها من قبل الخطابي نفسه ليرد عليها فيما بعد : ـ

١ ـ فأكله ، من قوله تعالىٰ :( فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ) يوسف / ١٧.

٢ ـ كيل ، من قوله تعالىٰ :( ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ) يوسف / ٦٥.

٣ ـ امشوا ، من قوله تعالىٰ :( وَانطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا ( ٦) ) ، ص / ٦.

٤ ـ هلك ، من قوله تعالىٰ :( هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ( ٢٩) ) ، الحاقة / ٢٩.

٥ ـ لحب ، من قوله تعالىٰ :( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ ( ٨) ) ، العاديات / ٨.

٦ ـ فاعلون ، من قوله تعالىٰ :( وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( ٤) ) ، المؤمنون / ٤.

٧ ـ سيجعل ، من قوله تعالىٰ :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ

________________

(١) مالك بن نبي ، الظاهرة القرآنية : ٣٥٦.

٥٩

لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا ( ٩٦) ) مريم / ٩٦.

٨ ـ ردف ، من قوله تعالىٰ :( قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ( ٧٢) ) النمل / ٧٢.

أ ـ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلْمٍ ) الحج / ٢٥.

ب ـ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ ) الأحقاف / ٣٣.

هذه النماذج التي أبانها الخطابي تعقب عادة بالحجج المدعاة أولاً فيوردها ، ولكنه يفندها واحدة كما سنرى(١) .

فقد ذهبوا في فعل السباع خصوصاً إلى الافتراس ، وأما الأكل فهو عام لا يختص به نوع من الحيوان.

وقالوا ما اليسير والعسير من الكيل والاكتيال وما وجه اختصاصه به ؟

وقد زعموا بأن المشي في هذا ليس بأبلغ الكلام ، ولو قيل بدل ذلك أن امضوا وانطلقوا لما كان أبلغ وأحسن وأدعوا إنما يستعمل لفظ الهلاك ، في الأعيان والأشخاص كقوله :

هلك زيد ، فأما الأمور التي هي معان وليست بأعيان ولا أشخاص فلا يكادون يستعملونه فيها ...

وأنت لا تسمع فصيحاً يقول : أنا لحب زيد شديد وإنما وجه الكلام وصحته أن يقال : أنا شديد الحب لزيدٍ وللمال.

ولا يقول أحد من الناس فعل زيد الزكاة ، وإنما يقال زكّى الرجل ماله

ومن الذي يقول : جعلت لفلان وداً بمعنى أحببته ؟ وإنما يقول : وددته وأحببته.

________________

(١) الخطابي ، بيان إعجاز القرآن : ٣٨ وما بعدها.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

فكذلك في أجود المذهبين، وأجاز قوم أن تكون غير محضة على حكاية الحال، و (رسلا) مفعول ثان، و (أولى) بدل من رسل أو نعت له ويجوز أن يكون جاعل بمعنى خالق، فيكون رسلا حالا مقدرة، و (مثنى) نعت لاجنحة، وقد ذكر الكلام في هذه الصفات المعدولة في أول النساء، و (يزيد في الخلق) مستأنف.

قوله تعالى (مايفتح الله) " ما " شرطية في موضع نصب بيفتح، و (من رحمة) تبيين لما.

قوله تعالى (من خالق غير الله) يقرأ بالرفع، وفيه وجهان: أحدهما هو صفة لخالق على الموضع، وخالق مبتدأ، والخبر محذوف تقديره لكم أو للاشياء. والثانى أن يكون فاعل خالق: أى هل يخلق غير الله شيئا، ويقرأ بالجر على الصفة لفظا (يرزقكم) يجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون صفة لخالق.

قوله تعالى (الذين كفروا) يجوز أن يكون مبتدأ ومابعده الخبر، وأن يكون صفة لحزبه أو بدلا منه، وأن يكون في موضع جر صفة لاصحاب السعير أو بدل منه، والله أعلم.

قوله تعالى (حسرات) يجوز أن يكون حالا: أى متلهفة، وأن يكون مفعولا له.

قوله تعالى (يرفعه) الفاعل ضمير العمل والهاء للكلم: أى أى العمل الصالح يرفع الكلم، وقيل الفاعل اسم الله فتعود الهاء على العمل.

قوله تعالى (ومكر أولئك) مبتدأ، والخبر (يبور) وهو فصل أو توكيد، ويجوز أن يكون مبتدأ ويبور الخبر، والجملة خبر مكر.

قوله تعالى (سائغ شرابه) سائع على فاعل، وبه يرتفع شرابه لاعتماده على ماقبله، ويقرأ " أسيغ " بالتشديد وهو فعيل مثل سيد، ويقرأ بالتخفيف مثل ميت وقد ذكر.

قوله تعالى (ولو كان ذا قربى) أى لو كان المدعو ذا قربى، ويجوز أن يكون حالا، وكان تامة.

قوله تعالى (ولاالنور - ولا الحرور) لافيها زائدة، لان المعنى الظلمات لاتساوى النور، وليس المراد أن النور في نفسه لايستوى، وكذلك " لا " في (ولا الاموات).

قوله تعالى (جاء‌تهم رسلهم) حال، وقد مقدرة: أى كذب الذين من قبلهم وقد جاء‌تهم رسلهم.

قوله تعالى (ألوانها) مرفوع بمختلف، و (جدد) بفتح الدال جمع جدة وهى الطريقة، ويقرأ بضمها وهو جمع جديد (وغرابيب سود) الاصل وسود غرابيب، لان الغربيب تابع

٢٠١

للاسود، يقال أسود غربيب كما تقول أسود حالك، و (كذلك) في موضع نصب: أى اختلافا مثل ذلك، و (العلماء) بالرفع وهو الوجه، ويقرأ برفع اسم الله ونصب العلماء على معنى إنما يعظم الله من عباده العلماء.

قوله تعالى (يرجون تجارة) هو خبر إن، و (ليوفيهم) تتعلق بيرجون وهى لام الصيرورة، ويجوز أن يتعلق بمحذوف: أى فعلوا ذلك ليوفيهم.

قوله تعالى (هو الحق) يجوز أن يكون هو فصلا، وأن يكون مبتدأ. و (مصدقا) حال مؤكدة.

قوله تعالى (جنات عدن) يجوز أن يكون خبرا ثانيا لذلك، أو خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ والخبر (يدخلونها) وتمام الآية قد ذكر في الحج.

قوله تعالى (دار المقامة) مفعول أحلنا، وليس بظرف لانها محدودة (لايمسنا) هو حال من المفعول الاول.

قوله تعالى (فيموتوا) هو منصوب على جواب النفى، و (عنهم) يجوز أن يقوم مقام الفاعل، و (من عذابها) في موضع نصب، ويجوز العكس، ويجوز أن تكون " من " زائدة فيتعين له الرفع، و (كذلك) في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف: أى نجزى جزاء مثل ذلك.

قوله تعالى (صالحا غير الذى) يجوز أن يكونا صفتين لمصدر محذوف، أو لمفعول محذوف، ويجوز أن يكون صالحا نعتا للمصدر، وغير الذى مفعول، و (مايتذكر) أى زمن مايتذكر، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة: أى تعميرا يتذكر فيه.

قوله تعالى (أن تزولا) يجوزأن يكون مفعولا له: أى مخافة أن تزولا، أو عن ويمسك أى يحبس، و (إن أمسكهما) أى مايمسكهما فإن بمعنى ما، وأمسك بمعنى يمسك، وفاعل (زادهم) ضمير النذير، و (استكبارا) مفعول له، وكذلك (مكر السيئ) والجمهور على تحريك الهمزة، وقرئ بإسكانها، وهو عند الجمهور لحن، وقيل أجرى الوصل مجرى الوقف، وقيل شبه المنفصل بالمتصل لان الياء والهمزة من كلمة، ولاكلمة أخرى فأسكن كما سكن إبل، والله أعلم.

٢٠٢

سورة يس

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الجمهور على إسكان النون وقد ذكر نظيره، ومنهم من يظهر النون لانه حقق بذلك إسكانها، وفي الغنة مايقربها من الحركة من أجل الوصل المحض، وفى الاظهار تقريب للحرف من الوقف عليه، ومنهم من يكسر النون على أصل التقاء الساكنين، ومنهم من يفتحها كما يفتح أين، وقيل الفتحة إعراب، ويس اسم للسورة كهابيل، والتقدير: اتل يس (والقرآن) قسم على كل وجه.

قوله تعالى (على صراط) هو خبر ثان لان، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الجار (تنزيل العزيز) أى هو تنزيل العزيز، والمصدر بمعنى المفعول: أى منزل العزيز، ويقرأ بالنصب على أنه مصدر: أى نزل تنزيلا، وبالجر أيضا صفة للقرآن (لتنذر) يجوز أن تتعلق اللام بتنزيل، وأن تتعلق بمعنى قوله من المرسلين: أى مرسل لتنذر، و (ما) نافية، وقيل هى بمعنى الذى: أى تنذرهم العذاب الذى أنذره آباؤهم، وقيل هى نكرة موصوفة، وقيل هى زائدة.

قوله تعالى (فأغشيناهم) بالغين: أى غطينا أعين بصائرهم، فالمضاف محذوف ويقرأ بالعين: أى أضعفنا بصائرهم عن إدراك الهدى كما تضعف عين الاعشى.

قوله تعالى (وكل شئ) مثل " وكل إنسان ألزمناه " وقد ذكر.

قوله تعالى (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية) اضرب هنا بمعنى اجعل، وأصحاب مفعول أول، ومثلا مفعول ثان، وقيل هو بمعنى اذكر، والتقدير: مثلا مثل أصحاب، فالثانى بدل من الاول، و (إذ جاء‌ها) مثل إذ انتبذت، وقد ذكر، و (إذ) الثانية بدل من الاولى (فعززنا) بالتشديد والتخفيف، والمفعول محذوف أى قويناهما.

قوله تعالى (أئن ذكرتم) على لفظ الشرط، وجوابه محذوف: أى إن ذكرتم كفرتم ونحوه، ويقرأ بفتح الهمزة: أى لاذكرتم، ويقرأ شاذا " أين ذكرتم " أى عملكم السيئ لازم لكم أين ذكرتم، والكاف مخففة في هذا الوجه.

قوله تعالى (ومالى) الجمهور على فتح الياء، لان مابعدها في حكم المتصل بها إذا كان لايحسن الوقف عليها والابتداء بما بعدها و " مالى لاأرى الهدهد " بعكس ذلك.

قوله تعالى (لاتغن عنى) هو جواب الشرط، ولايجوز أن تقع " ما " مكان " لا " هنا،

٢٠٣

لان " ما " تنفى مافى الحال، وجواب الشرط مستقبل لاغير.

قوله تعالى (بما غفر لى) في " ما " ثلاثة أوجه: أحدها مصدرية: أى بغفرانه والثانى بمعنى الذى: أى بالذنب الذى غفره. والثالث استفهام على التعظيم ذكره بعض الناس، وهو بعيد لان " ما " في الاستفهام إذا دخل عليه حرف الجر حذفت ألفها، وقد جاء في الشعر بغير حذف.

قوله تعالى (وماأنزلنا) " ما " نافية، وهكذا (وماكنا) ويجوز أن تكون " ما " الثانية زائدة: أى وقد كنا، وقيل هى اسم معطوف على جند.

قوله تعالى (إن كانت إلا صيحة) اسم كان مضمر: أى ماكانت الصيحة إلا صيحة، والغرض وصفها بالاتحاد. وإذا للمفاجأة، والله أعلم.

قوله تعالى (ياحسرة) فيه وجهان: أحدهما أن حسرة منادى: أى ياحسرة احضرى فهذا وقتك، و (على) تتعلق بحسرة فلذلك نصبت كقولك: ياضاربا رجلا. والثانى المنادى محذوف، وحسرة مصدر: أى أتحسر حسرة، ويقرأ في الشاذ " ياحسرة العباد " أى ياتحسيرهم، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، ويجوز أن يكون مضافا إلى المفعول: أى أتحسر على العباد.

قوله تعالى (مايأتيهم من رسول) الجملة تفسير سبب الحسرة (وكم أهلكنا) قد ذكر، و (أنهم إليهم) بفتح الهمزة وهى مصدرية، وموضع الجملة بدل من موضع كم أهلكنا، والتقدير: ألم يروا أنهم إليهم، ويقرأ بكسر الهمزة على الاستئناف.

قوله تعالى (وإن كل) قد ذكر في آخر هود.

قوله تعالى (وآية لهم) مبتدأ ولهم الخبر، و (الارض) مبتدأ، و (أحييناها) الخبر، والجملة تفسير للآية، وقيل الارض مبتدأ، وآية خبر مقدم، وأحييناها تفسير الآية، ولهم صفة آية.

قوله تعالى (من العيون) من على قول الاخفش زائدة، وعلى قول غيره المفعول محذوف: أى من العيون ماينتفعون به (وماعملته) في " ما " ثلاثة أوجه أحدها هى بمعنى الذى، والثانى نكرة موصوفة، وعلى كلا الوجهين هى في موضع جر عطفا على ثمرة، ويجوز أن يكون نصبا على موضع من ثمره.

والثالث هى نافية، ويقرأ بغير هاء ويحتمل الاوجه الثلاثة إلا أنها نافية بضعف لان عملت لم يذكر لها مفعول.

قوله تعالى (والقمر) بالرفع مبتدأ، و (قدرناه) الخبر: وبالنصب على فعل مضمر: أى

٢٠٤

وقدرنا القمر لانه معطوف على اسم قد عمل فيه الفعل فحمل على ذلك، ومن رفع قال: هو محمول على: وآية لهم في الموضعين، وعلى: والشمس، وهى أسماء لم يعمل فيها فعل، و (منازل) أى ذا منازل، فهو حال أو مفعول ثان، لان قدرنا بمعنى صيرنا، وقيل التقدير: قدرنا له منازل، و (العرجون) فعول، والنون أصل، وقيل هى زائدة لانه من الانعراج وهذا صحيح المعنى، ولكن شاذ في الاستعمال وقرأ بعضهم (سابق النهار) بالنصب وهو ضعيف، وجوازه على أن يكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين، وحمل (يسبحون) على من يعقل لوصفها بالجريان والسباحة والادراك والسبق.

قوله تعالى، و (أنا) يجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف: أى هى أنا، وقيل هى مبتدأ، وآية لهم الخبر، وجاز ذلك لما كان لانا تعلق بما قبلها، والهاء والميم في (ذريتهم) لقوم نوح، وقيل لاهل مكة (فلا صريخ) الجمهور على الفتح ويكون مابعده مستأنفا، وقرئ بالرفع والتنوين ووجهه ماذكرنا في قوله " ولا خوف عليهم ".

قوله تعالى (إلا رحمة) هو مفعول له أو مصدر، وقيل التقدير: إلا برحمة، وقيل هو استثناء منقطع (يخصمون) مثل قوله يهد، وقد ذكر في يونس.

قوله تعالى (ياويلنا) هو مثل قوله " ياحسرة " وقال الكوفيون: وى كلمة، ولنا جار ومجرور، والجمهور على (من بعثنا) أنه استفهام، وقرئ شاذا من بعثنا على أنه جار ومجرور يتعلق بويل، و (هذا) مبتدأ، و (ماوعد) الخبر و " ما " بمعنى الذى، أو نكرة موصوفة أو مصدر، وقيل هذا نعت لمرقدنا فيوقف عليه، وما وعد مبتدأ والخبر محذوف: أى حق ونحوه، أو خبر والمبتدأ محذوف: أى هذا أو بعثنا.

قوله تعالى (في شغل) هو خبر إن، و (فاكهون) خبر ثان، أو هو الخبر وفى شغل يتعلق به، ويقرأ " فاكهين " على الحال من الضمير في الجار، والشغل بضمتين، وبضم بعده سكون، وبفتحتين، وبفتحة بعدها سكون لغات قد قرئ بهن.

قوله تعالى (في ظلال) يجوز أن يكون خبرهم (على الارائك) مستأنف، وأن يكون الخبر (متكئون) وفي ظلال حال، وعلى الارائك منصوب بمتكئون وظلال جمع ظل مثل ذيب وذياب، أو ظلة مثل قبة، وقباب، والظلل جمع ظلة لاغير (مايدعون) في " ما " ثلاثة أوجه: هى بمعنى الذى ونكرة، ومصدرية وموضعها مبتدأ والخبر لهم، وقيل الخبر (سلام) وقيل سلام صفة ثانية لما، وقيل سلام خبر مبتدأ محذوف: أى هو سلام، وقيل هو بدل من

٢٠٥

" ما " ويقرأ بالنصب على المصدر، ويجوز أن يكون حالا من " ما " أو من الهاء المحذوفة: أى ذا سلامة أو مسلما، و (قولا) مصدر: أى يقول الله ذلك لهم قولا، أو يقولون قولا، و (من) صفة لقول.

قوله تعالى (جبلا) فيه قراء‌ات كثيرة، كلها لغات بمعنى واحد.

قوله تعالى. (إن هو) الضمير للمعلم: أى أن ماعلمه ذكر، ودل عليه " وما علمناه " (لتنذر) بالتاء على الخطاب، وبالياء على الغيبة، أو على أنه للقرآن.

قوله تعالى (ركوبهم) بفتح الراء: أى مركوبهم كما قالوا حلوب بمعنى محلوب وقيل هو النسب: أى ذو ركوب، وقرئ " ركوبتهم " بالتاء مثل حلوبتهم، ويقرأ بضم الراء: أى ذو ركوبهم، أو يكون المصدر بمعنى المفعول مثل الخلق.

و (رميم) بمعنى رامم أو مرموم، و (كن فيكون) قد ذكر في سورة النحل، والله أعلم.

سورة الصافات

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الواو للقسم، وجواب القسم إن إلهكم، و (صفا) مصدرمؤكد وكذلك (زجرا) وقيل صفا مفعول به، لان الصف قد يقع على المصفوف، و (رب السموات) بدل من واحد، أو خبر مبتدأ محذوف: أى هو رب.

قوله تعالى (بزينة الكواكب) يقرأ بالاضافة.

وفيه وجهان: أحدهما أن يكون من إضافة النوع إلى الجنس كقولك باب حديد فالزينة كواكب.

والثانى أن تكون الزينة مصدرا أضيف إلى الفاعل، وقيل إلى المفعول: أى زينا السماء بتزييننا الكواكب، ويقرأ بتنوين الاول ونصب الكواكب، وفيه وجهان: أحدهما إعمال المصدر منونا في المفعول.

والثانى بتقدير أعنى، ويقرأ بتنوين الاول، وجر الثانى على البدل.

وبرفع الثانى بالمصدر: أى بأن زينتها الكواكب أو بأن زينت الكواكب أو على تقدير هى الكواكب.

قوله تعالى (وحفظا) أى وحفظناها حفظا، و (من) يتعلق بالفعل المحذوف.

قوله تعالى (لايسمعون) جمع على معنى كل، وموضع الجملة جر على الصفة أو نصب

٢٠٦

على الحال أو مستأنف، ويقرأ بتخفيف السين وعداه بإلى حملا على معنى يصفون. وبتشديدها والمعنى واحد، و (دحورا) يجوز أو يكون مصدرا من معنى يقذفون، أو مصدرا في موضع الحال، أو مفعولا له، ويجوز أن يكون جمع داحر مثل قاعد وقعود، فيكون حالا (إلا من) استثناء من الجنس: أى لايستمعون الملائكة إلا مخالسة، ثم يتبعون بالشهب، وفي (خطف) كلام قد ذكر في أوائل البقرة، و (الخطفة) مصدر، والالف واللام فيه للجنس أو للمعهود منهم.

قوله تعالى (بل عجبت) بفتح التاء على الخطاب، وبضمها، قيل الخبر عن النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل هو عن الله تعالى، والمعنى عجب عباده، وقيل المعنى أنه بلغ حدا يقول القائل في مثله عجبت.

قوله تعالى (وأزواجهم) الجمهور على النصب: أى واحشروا أزواجهم، أو هو بمعنى مع، وهو في المعنى أقوى، وقرئ شاذا بالرفع عطفا على الضمير في ظلموا (لاتناصرون) في موضع الحال، وقيل التقدير: في أن لاتناصرون، و (يتساء‌لون) حال.

قوله تعالى (لذائقوا العذاب) الوجه الجر بالاضافة، وقرئ شاذا بالنصب وهو سهو من قارئه، لان اسم الفاعل تحذف منه النون، وينصب إذا كان فيه الالف واللام.

قوله تعالى (فواكه) هو بدل من رزق أو على تقدير هو، و (مكرمون) بالتخفيف والتشديد للتكثير، و (في جنات) يجوز أن يكون ظرفا وأن يكون حالا وأن يكون خبرا ثانيا، وكذلك (على سرر) ويجوز أن تتعلق على ب‍ (متقابلين) ويكون متقابلين حالا من مكرمون أو من الضمير في الجار و (يطاف عليهم) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون كالذى قبله وأن يكون صفة لمكرمون، و (من معين) نعت لكأس وكذلك (بيضاء) و (عنها) يتعلق ب‍ (ينزفون).

قوله تعالى (مطلعون) يقرأ بالتشديد على مفتعلون، ويقرأ بالتخفيف: أى مطلعون أصحابكم، ويقرأ بكسر النون وهو بعيد جدا، لان النون إن كانت للوقاية فلا تلحق الاسماء، وإن كانت نون الجمع فلا تثبت في الاضافة.

قوله تعالى (إلا موتتنا) هو مصدر من اسم الفاعل، وقيل هو استثناء و (نزلا) تمييز، و (شوبا) يجوز أن يكون بمعنى مشوب، وأن يكون مصدرا على بابه.

قوله تعالى (كيف كان عاقبة) قد ذكر في النمل (فلنعم الميجيبون) المخصوص بالمدح محذوف: أى نحن، و (هم) فصل و (سلام على نوح) مبتدأ وخبر في موضع نصب بتركنا،

٢٠٧

وقيل هو تفسير مفعول محذوف: أى تركنا عليه ثناء هو سلام، وقيل معنى تركنا قلنا، وقيل القول مقدر، وقرئ شاذا بالنصب وهو وهو مفعول تركنا، وهكذا مافي هذه السورة من الآى، و (كذلك) نعت لمصدر محذوف: أى جزاء كذلك.

قوله تعالى (إذ جاء) أى اذكر إذ جاء، ويجوز أن يكون ظرفا لعامل فيه من شيعته، و (إذ قال) بدل من إذا الاولى، ويجوز أن يكون ظرفا لسليم أو لجاء.

قوله تعالى (ماذا تعبدون) هو مثل " ماذا تنفقون " وقد ذكر في البقرة (أئفكا) هو منصوب ب‍ (تريدون) وآلهة بدل منه، والتقدير: وعبادة آلهة لان الافك مصدر فيقدر البدل منه كذلك والمعنى عليه، وقيل إفكا مفعول له، وآلهة مفعول تريدون

و (ضربا) مصدر من فراغ لان معناه ضرب، ويجوز أن يكون في موضع الحال، و (يزفون) بالتشديد والكسر مع فتح الياء ويقرأ بضمها وهما لغتان، ويقرأ بفتح الياء وكسر الزاى والتخفيف وماضيه وزف مثل وعد، ومعنى المشدد والمخفف والاسراع.

قوله تعالى (وماتعملون) هى مصدرية، وقيل بمعنى الذى، وقيل نكرة موصوفة، وقيل استفهامية على التحقير لعملهم، ومامنصوبة بتعملون، و (بنيانا) مفعول به.

قوله تعالى (ماذا ترى) يجوز أن يكون ماذا اسما واحدا ينصب بترى: أى أى شئ ترى، وترى من الرأى لا من رؤية العين ولا المتعدية إلى مفعولين، بل كقولك هو يرى رأى الخوارج، فهو متعد إلى واحد، وقرئ ترى بضم التاء وكسر الراء، وهو من الرأى أيضا إلا أنه نقل بالهمزة فتعدى إلى اثنين فماذا أحدهما والثانى محذوف أى ترينى، ويجوز أن تكون ما استفهاما وذا بمعنى الذى، فيكون مبتدأ وخبر: أى أى شئ الذى تراه أو الذى ترينيه.

قوله تعالى (فلما) جوابها محذوف تقديره نادته الملائكة أو ظهر فضلها. وقال الكوفيون الواو زائدة أى تله أو ناديناه، و (نبيا) حال من إسحق.

قوله تعالى (إذ قال) هو ظرف لمرسلين، وقيل بإضمار أعنى.

قوله تعالى (الله ربكم ورب) يقرأ الثلاثة بالنصب بدلا من أحسن أو على إضمار أعنى.

قوله تعالى (الياسين) يقرأ آل بالمد: أى أهله، وقرئ بالقصر وسكون اللام وكسر الهمزة، والتقدير: الياسين واحدهم الياسى ثم خفف الجمع كما قالوا الاشعرون، ويقرأ شاذا إدراسين منسوبون إلى إدريس.

قوله تعالى (وبالليل) الوقف عليه تام.

٢٠٨

قوله تعالى (في بطنه) حال أو ظرف (إلى يوم يبعثون) متعلق بلبث أو نعت لمصدر محذوف: أى لبثا إلى يوم.

قوله تعالى (أو يزيدون) أى يقول الرائى لهم هم مائة ألف أو يزيدون، وقيل بعضهم يقول: مائة ألف، وبعضهم يقول أكثر، وقد ذكرنا في قوله " أو كصيب " وفى مواضع وجوها أخر.

قوله تعالى (أصطفى) بفتح الهمزة، وهى للاستفهام، وحذفت همزة الوصل استغناء بهمزة الاستفهام، ويقرأ بالمد وهو بعيد جدا، وقرئ بكسر الهمزة على لفظ الخبر، والاستفهام مراد كما قال عمر بن أبى ربيعة: ثم قالوا تحبها قلت بهرا * عدد الرمل والحصى والتراب أى أتحبها، وهو شاذ في الاستعمال والقياس، فلا ينبغى أن يقرأ به (مالكم كيف) استفهام بعد استفهام (إلا عباد الله) يجوز أن يكون مستثنى من جعلوا، ومن محضرون، وأن يكون منفصلا.

قوله تعالى (وماتعبدون) الواو عاطفة، ويضعف أن يكون بمعنى مع، إذ لافعل هنا، و (ماأنتم) نفى، و (من) في موضع نصب بفاتنين، وهى بمعنى الذى، أو نكرة موصوفة، و (صال) يقرأ شاذا بضم اللام، فيجوز أن يكون جمعا على معنى " من " وأن يكون قلب فصار صايلا ثم حذفت الياء فبقى صال، ويجوز أن يكون غير مقلوب على فعل كما قالوا يوم راح، وكبش صاف: أى روح وصوف (ومامنا إلا له) أى أحد إلا وقيل إلا من له، وقد ذكر في النساء.

سورة ص

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الجمهور على إسكان الدال، وقد ذكر وجهه، وقرئ بكسرها.

وفيه وجهان: أحدهما هى كسرها التقاء الساكنين، والثانى هى أمر من صادى، وصادى الشئ قابله وعارضه: أى عارض بعملك القرآن، ويقرأ بالفتح: أى اتل صاد، وقيل حرك لالتقاء الساكنين (والقرآن) قسم، وقيل معطوف على القسم وهو صاد، وأما جواب القسم فمحذوف: أى لقد جاء‌كم الحق ونحو ذلك، وقيل هو معنى (بل الذين كفروا) أى وحق القرآن لقد خالف الكفار وتكبروا عن الايمان، وقيل الجواب (كم أهلكنا) واللام محذوفة: أى لكم أهلكنا، وهو بعيد لان كم في موضع نصب بأهلكنا،

٢٠٩

وقيل هو معنى هذه الجملة: أى لقد أهلكنا كثيرا من القرون، أو قيل هو قوله تعالى " إن كل إلا كذب الرسل " وقيل هو قوله تعالى " إن ذلك لحق " وبينهما كلام طويل يمنع من كونه جوابا.

قوله تعالى (ولات حين مناص) الاصل " لا " زيدت عليها التاء، كما زيدت على رب وثم فقيل ربت وثمت، وأكثر العرب يحرك هذه التاء بالفتح، فأما في الوقف فبعضهم يقف بالتاء لان الحروف ليست موضع تغيير، وبعضهم يقف بالهاء كما يقف على قائمة، فأما حين فمذهب سيبويه أنه خبر لات، واسمها محذوف لانها عملت عمل ليس: أى ليس الحين حين هرب، ولايقال هو مضمر لان الحروف لايضمر فيها.

وقال الاخفش: هى العاملة في باب النفى، فحين اسمها، وخبرها محذوف: أى لاحين مناظر لهم أو حينهم، ومنهم من يرفع مابعدها، ويقدر الخبر المنصوب كما قال بعضهم: * فأنا ابن قيس لابراح * وقال أبوعبيدة التاء موصولة بحين لابلا، وحكى أنهم يقولون تحين وثلاث، وأجاز قوم جرما بعد لات، وأنشدوا عليه أبياتا، وقد استوفيت ذلك في علل الاعراب الكبير.

قوله تعالى (أن امشوا) أى امشوا، لان المعنى انطلقوا في القول، وقيل هو الانطلاق حقيقة، والتقدير: وانطلقوا قائلين امشوا.

قوله تعالى (فليرتقوا) هذا كلام محمول على المعنى: أى إن زعموا ذلك فليرتقوا.

قوله تعالى (جند) مبتدأ، و (ما) زائدة، و (هنالك) نعت، و (مهزوم) الخبر، ويجوز أن يكون هنالك ظرفا لمهزوم، و (من الاحزاب) يجوز أن يكون نعتا لجند: وأن يتعلق بمهزوم، وأن يكون نعتا لمهزوم.

قوله تعالى (أولئك الاحزاب) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون خبرا والمبتدأ من قوله وعاد، وأن يكون من ثمود، وأن يكون من قوله تعالى " وقوم لوط " والفواق بالضم والفتح لغتان قد قرئ بها، و (داود) بدل، و (سخرنا) قد ذكر في الانبياء.

قوله تعالى (الخصم) هو مصدر في الاصل وصف به، فلذلك لايثنى ولايجمع و (إذ) الاولى ظرف لنبأ، والثانية بدل منها أو ظرف ل‍ (تسوروا) وجمع الضمير وهو في الحقيقة لاثنين، وتجوز لان الاثنين جمع، ويدل على ذلك قوله تعالى (خصمان) والتقدير: نحن خصمان.

٢١٠

قوله تعالى (وعزتى) بالتشديد: أى غلبنى، وقرئ شاذا بالتخفيف، والمعنى واحد، وقيل هو من وعز بكذا إذا أمر به، وهذا بعيد لان قبله فعلا يكون هذا معطوفا عليه، كذا ذكر بعضهم، ويجوز أن يكون حذف القول: أى فقال أكفلنيها،

وقال: وعزنى في الخطاب. أى الخطابة، و (سؤال نعجتك) مصدر مضاف إلى المفعول به.

قوله تعالى (إلا الذين آمنوا) استثناء من الجنس، والمستثنى منه بعضهم، وما زائدة وهم مبتدأ وقليل خبره، وقيل التقدير: وهم قليل منهم.

قوله تعالى (فتناه) بتشديد النون على إضافة الفعل إلى الله عزوجل، وبالتخفيف على إضافته إلى الملكين (راكعا) حال مقدرة، و (ذلك) مفعول " غفرنا " وقيل خبر مبتدإ: أى الامر ذلك (فيضلك) منصوب على الجواب، وقيل مجزوم عطفا على النهى، وفتحت اللام لالتقاء الساكنين، و (باطلا) قد ذكر في آل عمران وأم في الموضعين منقطعة، و (كتاب) أى هذا كتاب، و (مبارك) صفة أخرى (نعم العبد) أى سليمان، وقيل داود فحذف المخصوص بالمدح، وكذا في قصة أيوب.

قوله تعالى (إذ عرض) يجوز أن يكون ظرفا لاواب، وأن يكون العامل فيه نعم، وأنه يكون التقدير: اذكر، و (الجياد) جمع جواد، وقيل جيد.

قوله تعالى (حب الخير) هو مفعول أحببت، لان معنى أحببت آثرت، لان مصدر أحببت الاحباب، ويجوز أن يكون مصدرا محذوف الزيادة.

وقال أبوعلى. أحببت بمعنى جلست من إحباب البعير وهو بروكه، وحب الخير مفعول له مضاف إلى المفعول و (ذكر ربى) مضاف إلى المفعول أيضا، وقيل إلى الفاعل: أى عن أن يذكرنى ربى، وفاعل (توارت) الشمس، ولم يجر لها ذكر، ولكن دلت الحال عليها، وقيل دل عليها ذكر الاشراق في قصة داود عليه السلام، و (ردوها) الضمير للجياد، و (مسحا) مصدر في موضع الحال، وقيل التقدير: يمسح مسحا.

قوله تعالى (جسدا) هو مفعول ألقينا، وقيل هو حال من مفعول محذوف: أى ألقيناه، قيل سليمان، وقيل ولده على ما جاء في التفسير، و (تجرى) حال من الريح، و (رخاء) حال من الضمير في تجرى؟؟: أى لينة، و (حيث) ظرف لتجرى وقيل لسخرنا، و (الشياطين) عطف على الريح، و (كل) بدل منهم.

٢١١

قوله تعالى (بغير حساب) قيل هو حال من الضمير في امنن أو في أمسك، والمعنى غير محاسب، وقيل هو متعلق بعطاؤنا، وقيل هو حال منه: أى هذا عطاؤنا واسعا، لان الحساب بمعنى الكافى.

قوله تعالى (وإن له عندنا لزلفى) اسم إن والخبر له، والعامل في عند الخبر.

قوله تعالى (بنصب) فيه قراء‌ات متقاربة المعنى، و (رحمة) مفعول له.

قوله تعالى (عبادنا) يقرأ على الجمع، والاسماء التى بعده بدل منه، وعلى الافراد فيكون (إبراهيم) بدلا منه، وما بعده معطوف على عبدنا، ويجوز أن يكون جنسا في معنى الجمع، فيكون كالقراء‌ة الاولى.

قوله تعالى (بخالصة) يقرأ بالاضافة، وهى هاهنا من باب إضافة الشئ إلى ما يبينه لان الخالصة قد تكون ذكرى وغير ذكرى، وذكرى مصدر، وخالصة مصدر أيضا بمعنى الاخلاص كالعافية، وقيل خالصة مصدر مضاف إلى المفعول: أى بإخلاصهم ذكرى الدار: وقيل خالصة بمعنى خلوص، فيكون مضافا إلى الفاعل: أى بأن خلصت لهم ذكرى الدار، وقيل خالصة اسم فاعل تقديره: بخالص ذكرى الدار: أى خالص من أن يشاب بغيره، وقرئ بتنوين خالصة فيجوز أن يكون ذكرى بدلا منها، وأن يكون في موضع نصب مفعول خالصة، أو على إضمار أعنى، وأن يكون في موضع رفع فاعل خالصة، أو على تقديره هى ذكرى، وأما إضافة ذكرى إلى الدار فمن إضافة المصدر إلى المفعول: أى بذكرهم الدار الآخرة، وقيل هى في المعنى ظرف: أى ذكرهم في الدار الدنيا، فهو إما مفعول به على السعة مثل ياسارق الليلة، أو على حذف حرف الجر مثل ذهبت الشام.

قوله تعالى (جنات عدن) هى بدل من حسن مآب، و (مفتحة) حال من جنات في قول من جعلها معرفة لاضافتها إلى عدن، وهو علم كما قالوا جنة الخلد وجنة المأوى.

وقال آخرون: هى نكرة، والمعنى جنات إقامة فتكون مفتحة وصفا وأما ارتفاع (الابواب) ففيه ثلاثة أوجه: أحدها هو فاعل مفتحة، والعائد محذوف أى مفتحة لهم الابواب منها، فحذف كما حذف في قوله " فإن الجحيم هى المأوى " أى لهم.

والثانى هى بدل من الضمير في مفتحة، وهو ضمير الجنات، والابواب غير أجنبى منها لانها من الجنة، تقول: فتحت الجنة وأنت تريد أبوابها، ومنه " وفتحت السماء فكانت أبوابا " والثالث كالاول، إلا أن الالف واللام عوضا من الهاء العائدة وهو قول الكوفيون وفيه بعد.

٢١٢

قوله تعالى (متكئين) هو حال من المجرور في لهم، والعامل مفتحة، ويجوز أن يكون حالا من المتقين لانه قد أخبر عنهم قبل الحال، وقيل هو حال من الضمير في يدعون، وقد تقدم على العامل فيه.

قوله تعالى (مايوعدون) بالياء على الغيبة، والضمير للمتقين وبالتاء، والتقدير وقيل لهم هذا ما توعدون، والمعنى هذا ما وعدتم.

قوله تعالى (ماله من نفاد) الجملة حال من الرزق، والعامل الاشارة، أى إن هذا لرزقنا باقيا.

قوله تعالى (هذا) أى الامر هذا. ثم استأنف فقال (وإن للطاغين) و (جهنم) بدل من شر، و (يصلونها) حال العامل فيه الاستقرار في قوله تعالى " للطاغين " وقيل التقدير: يصلون جهنم، فحذف الفعل لدلالة مابعده عليه.

قوله تعالى (هذا) هو مبتدأ. وفي الخبر وجهان: أحدهما (فليذوقوه) مثل قولك زيدا ضربه.

وقال قوم: هذا ضعيف من أجل الفاء، وليست في معنى الجواب كالتى في قوله " والسارقة فاقطعوا " فأما (حميم) على هذا الوجه فيجوز أن يكون بدلا من هذا، وأن يكون خبر مبتدإ محذوف: أى هو حميم، وأن يكون خبرا ثانيا.

والوجه الثانى أن يكون حميم خبر هذا، وفليذوقوه معترض بينهما، وقيل هذا في موضع نصب، أى فليذوقوه هذا، ثم استأنف فقال حميم: أى هو حميم، وأما (غساق) فيقرأ بالتشديد مثل كفار وصبار، وبالتخفيف اسم للمصدر: أى ذو غسق أو يكون فعال بمعنى فاعل.

قوله تعالى (وآخر) يقرأ على الجمع. وفيه وجهان: أحدهما هو مبتدأ، و (من شكله) نعت له: أى من شكل الحميم، و (أزواج) خبره. والثانى أن يكون الخبر محذوفا: أى ولهم أخر. ومن شكله وأزواج صفتان، ويجوز أن يكون من شكله صفة، وأزواج يرتفع بالجار، وذكر الضمير لان المعنى من شكل ما ذكرنا. ويقرأ على الافراد وهو معطوف على حميم، ومن شكله نعت له، وأزواج يرتفع بالجار ويجوز أن يرتفع على تقدير هى: أى الحميم والنوع الآخر.

قوله تعالى (مقتحم) أى النار، و (معكم) يجوز أن يكون حالا من الضمير في مقتحم،

٢١٣

أو من فوج لانه قد وصف، ولايجوز أن يكون ظرفا لفساد المعنى، ويجوز أن يكون نعتا ثانيا، و (لامرحبا) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا: أى هذا فوج مقولا له لا مرحبا، ومرحبا منصوب على المصدر، أو على المفعول به أى لا يسمعون مرحبا.

قوله تعالى (من قدم) هى بمعنى الذى، و (فزده) الخبر، ويجوز أن يكون من نصبا: أى فرد من قدم، وقيل هى استفهام بمعنى التعظيم، فيكون مبتدأ، وقدم

الخبر، ثم استأنف وفيه ضعف: و (ضعفا) نعت لعذاب: أى مضاعفا، و (في النار) ظرف لزد، ويجوز أن يكون حالا من الهاء والميم: أى زده كائنا في النار، وأن يكون نعتا ثانيا لعذاب، أو حالا لانه قد وصف.

قوله تعالى (أتخذناهم) يقرأ بقطع الهمزة لانها للاستفهام، وبالوصف على حذف حرف الاستفهام لدلالة أم عليه، وقيل الاول خبر، وهو وصف في المعنى لرجال، وأم استفهام: أى أهم مفقودون أم زاغت، و (سخريا) قد ذكر في المؤمنون.

قوله تعالى (تخاصم أهل النار) هو بدل من حق، أو خبر مبتدإ محذوف: أى هو تخاصم، ولو قيل هومرفوع لحق لكان بعيدا لانه يصير جملة ولا ضمير فيها يعود على اسم " إن ".

قوله تعالى (رب السموات) يجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف، وأن يكون صفة، وأن يكون بدلا، وأن يكون مبتدأ والخبر (العزيز).

قوله تعالى (إذ يختصمون) هو ظرف لعلم، و (أنما) مرفوع بيوحى إلى، وقيل قائم مقام الفاعل، وإنما في موضع نصب: أى أوحى إلى الانذار، أو يأتى نذير.

قوله تعالى (إذ قال) أى اذكر إذ قال (من طين) يجوز أن يكون نعتا لبشر، وأن يتعلق بخالق.

قوله تعالى (فالحق) في نصبه وجهان: أحدهما مفعول لفعل محذوف: أى فأحق الحق، أو فاذكر الحق.

والثانى على تقدير حذف القسم: أى فبالحق لاملان (والحق أقول) معترض بينهما، وسيبويه يدفع ذلك لانه لايجوز حذفه إلا مع اسم الله عزوجل، ويقرأ بالرفع: أى فأنا الحق أو فالحق منى، وأما الحق الثانى فنصبه بأقول، فيقرأ بالرفع على تقدير تكرير المرفوع قبله، أو على إضمار مبتدإ: أى قولى الحق، ويكون أقول على هذا مستأنفا موصولا بما بعده: أى أقول لاملان، وقيل يكون أقول خبرا عنه والهاء محذوفة: أى أقوله وفيه بعد.

قوله تعالى (ولتعلمن) أى لتعرفن، وله مفعول واحد، وهو (نبأه) ويجوز أن يكون

٢١٤

متعديا إلى اثنين والثانى (بعد حين).

سورة الزمر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (تنزيل الكتاب) هو مبتدأ، و (من الله) الخبر، ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف: أى هذا تنزيل، و (من) متعلقة بالمصدر، أو حال من الكتاب، و (الدين) منصوب بمخلص، ومخلصا حال، وأجاز الفراء له الدين بالرفع على أنه مستأنف (والذين اتخذوا) مبتدأ، والخبر محذوف: أى يقولون مانعبدهم، و (زلفى) مصدر أو حال مؤكدة (يكور) حال أو مستأنف، و (يخلقكم) مستأنف، و (خلقا) مصدر منه، و (في) يتعلق به أو بخلق الثانى لان الاول مؤكد فلا يعمل، و (ربكم) نعت أو بدل، وأما الخبر فالله، و (له الملك) خبر ثان أو مستأنف، ويجوز أن يكون الله بدلا من ذلك، والخبر له الملك، و (لاإله إلا هو) مستأنف أو خبر آخر، و (يرضه لكم) بضم الهاء واختلاسها وإسكانها، وقد ذكر مثله في " يؤده إليك " و (منيبا) حال، و (منه) يتعلق بخول أو صفة لنعمة.

قوله تعالى (أمن هو قانت) يقرأ بالتشديد، والاصل أم من، فأم للاستفهام منقطعة: أى بل أم من هو قانت، وقيل هى متصلة تقديره: أم من يعصى، أم من هو مطيع مستويان، وحذف الخبر لدلالة قوله تعالى " هل يستوى الذين " ويقرأ بالتخفيف، وفيه الاستفهام، والمعادل، والخبر محذوفان، وقيل هى همزة النداء، و (ساجدا وقائما) حالان من الضمير في قانت، أو من الضمير في (يحذر) و (بغير حساب) حال من الاجر: أى موفرا، أو من الصابرين: أى غير محاسبين (قل الله) هو منصوب ب‍ (أعبد).

قوله تعالى (ظلل) هو مبتدأ، و(لهم) الخبر.............( فيه) الجار، وأن يكون حالا من ظلل، والتقدير............. (النار) نعت لظلل، و (الطاغوت) مؤنث.............. قوله تعالى (أفمن) مبتدأ، والخبر محذوف........... دل على العامل فيه قوله " لهم غرف " لانه كقول‍.................... قوله تعالى (ثم يجعله) الجمهور على الر..........

أن يضمر معه " إن " والمعطوف عليه أن الله أنزل في أول الآية، تقديره: ألم تر إنزال الله، أو إلى إنزال ثم جعله، ويجوز أن يكون منصوبا بتقدير ترى: أى ثم ترى جعله حطاما.

قوله تعالى (أفمن شرح الله)، و (أفمن يتقى بوجهه) الحكم فيهما كالحكم في قوله تعالى " أفمن حق عليه " وقد ذكر.

٢١٥

قوله تعالى (كتابا) هو بدل من أحسن، و (تقشعر) نعت ثالث.

قوله تعالى (قرآنا) هو حال من القرآن موطئة، والحال في المعنى.

قوله تعالى (عربيا) وقيل انتصب بيتذكرون.

قوله تعالى (مثلا رجلا) رجلا بدل من مثل، وقد ذكر في قوله " مثلا قرية " في النحل، و (فيه شركاء) الجملة صفة لرجل، وفي يتعلق ب‍ (متشاكسون) وفيه دلالة على جواز تقديم خبر المبتدإ عليه، ومثلا تمييز.

قوله تعالى (والذى بالصدق) المعنى على الجمع، وقد ذكر مثله في قوله " مثلهم كمثل الذى ".

قوله تعالى (كاشفات ضره) يقرأ بالتنوين وبالاضافة وهو ظاهر.

قوله تعالى (قل اللهم فاطر السموات) مثل " قل اللهم مالك الملك ".

قوله تعالى (بل هى) هى ضمير البلوى أو الحال.

قوله تعالى (أن تقول) هو مفعول له: أى أنذرناكم مخافة أن تقول: ياحسرتا الالف مبدلة من ياء المتكلم، وقرئ " حسرتاى " وهو بعيد، وقد وجهت على أن الباء زيدت بعد الالف المنقلبة.

وقال آخرون: بل الالف زائدة، وهذا أبعد لما فيه من الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وفتحت الكاف في (جاء‌تك) حملا على المخاطب وهو إنسان، ومن كسر حمله على تأنيث النفس.

قوله تعالى (وجوههم مسودة) الجملة حال من الذين كفروا، لان ترى من رؤية العين، وقيل هى بمعنى العلم، فتكون الجملة مفعولا ثانيا، ولو قرئ وجوههم مسودة بالنصب لكان على بدل الاشتمال، و (مفازتهم) على الافراد لانه مصدر، وعلى الجمع لاختلاف المصدر كالحلوم والاشغال، وقيل المفازة هنا الطريق، والمعنى في مفازتهم (لايمسهم السوء) حال.

قوله تعالى (أفغير الله) في إعرابها أوجه: أحدها أن غير منصوب ب‍ (أعبد) مقدما عليه، وقد ضعف هذا الوجه من حيث كان التقدير أن اعبد، فعند ذلك يفضى إلى تقديم الصلة على الموصول وليس بشئ لان أن ليست في اللفظ، فلا يبقى عملها فلو قدرنا بقاء حكمها لافضى إلى حذف الموصول وبقاء صلته، وذلك لا يجوز إلا في ضرورة الشعر.

٢١٦

والوجه الثانى أن يكون منصوبا بتأمرونى وأعبد بدل منه، والتقدير قل أفتأمرونى بعبادة غير الله عزوجل، وهذا من بدل الاشتمال ومن باب أمرتك الخير.

والثالث أن غير منصوب بفعل محذوف: أى أفتلزمونى غير الله، وفسره مابعده، وقيل لاموضع لاعبد من الاعراب، وقيل هو حال، والعمل على الوجهين الاوثين؟؟؟، وأما النون فمشددة على الاصل، وقد خففت بحذف الثانية وقد ذكر نظائره.

قوله (والارض) مبتدأ، و (قبضته) الخبر، وجميعا حال من الارض والتقدير: إذا كانت مجتمعة قبضته: أى مقبوضة، فالعامل في إذا المصدر، لانه بمعنى المفعول، وقد ذكر أبوعلى في الحجة التقدير: ذات قبضته، وقد رد عليه ذلك بأن المضاف إليه لايعمل فيما قبله، وهذا لايصح لانه الآن غير مضاف إليه، وبعد حذف المضاف لايبقى حكمه، ويقرأ قبضته بالنصب على معنى في قبضته، وهو ضعيف لان هذا الظرف محدود، فهو كقولك زيد الدار (والسموات مطويات) مبتدأ والخبر، و (بيمينه) متعلق بالخبر، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الخبر، وأن يكون خبرا ثانيا، وقرئ " مطويات " بالكسر على الحال، وبيمينه الخبر، وقيل الخبر محذوف: أى والسموات قبضته، و (زمرا) الموضعين حال (وفتحت) الواو زائدة عند قوم، لان الكلام جواب حتى وليست زائدة عند المحققين، والجواب محذوف تقديره: اطمأنوا ونحو ذلك، و (نتبوأ) حال من الفاعل أو المفعول، و (حيث) هنا مفعول به كما ذكرنا في قوله تعالى " وكلا منها رغدا حيث شئتما " في أحد الوجوه، و (حافين) حال من الملائكة، و (يسبحون) حال من الضمير في حافين، والله أعلم.

سورة المؤمن

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (حم تنزيل الكتاب) هو مثل " الم تنزيل ".

قوله تعالى (غافر الذنب وقابل التوب) كلتاهما صفة لما قبله، والاضافة محضة، وأما (شديد العقاب) فنكرة، لان التقدير: شديد عقابه، فيكون بدلا، ولايجوز أن يكون شديد بمعنى مشدد كما جاء أذين بمعنى مؤذن، فتكون الاضافة محضة فيتعرف فيكون وصفا أيضا، وأما (ذى الطول) فصفة أيضا (لاإله إلا هو) يجوز أن يكون صفة، وأن يكون مستأنفا.

٢١٧

قوله تعالى (أنهم) هو مثل الذى في يونس.

قوله تعالى (الذين يحملون) مبتدأ، و (يسبحون) خبره (ربنا) أى يقولون، وهذا المحذوف حال، و (رحمة وعلما) تمييز، والاصل وسع كل شئ علمك.

قوله تعالى (ومن صلح) في موضع نصب عطفا على الضمير في أدخلهم: أى وأدخل من صلح، وقيل هو عطف على الضمير في وعدتهم.

قوله تعالى (من مقتكم) هو مصدر مضاف إلى الفاعل، و (أنفسكم) منصوب به، و (إذ) ظرف لفعل محذوف تقديره: مقتكم إذ تدعون، ولايجوز أن يعمل فيه مقت الله لانه مصدر قد أخبر عنه، وهو قوله: أكبر من ولا مقتكم لانهم لم يمقتوا أنفسهم حين دعوا إلى الايمان، وإنما مقتوها في النار، وعند ذلك لايدعون إلى الايمان.

قوله تعالى (وحده) هو مصدر في موضع الحال من الله: أى دعى مفردا وقال يونس: ينتصب على الظرف تقديره: دعى على حياله وحده، وهو مصدر محذوف الزيادة، والفعل منه أوحدته إيحادا.

قوله تعالى (رفيع الدرجات) يجوز أن يكون التقدير: هو رفيع الدرجات، فيكون (ذو) صفة، و (يلقى) مستأنفا، وأن يكون مبتدأ، والخبر ذو العرش أو يلقى، و (من أمره) يجوز أن يكون حالا من الروح، وأن يكون متعلقا بيلقى

قوله تعالى (يوم هم) يوم بدل من يوم التلاق، ويجوز أن يكون التقدير. اذكر يوم، وأن يكون ظرفا للتلاق، وهم مبتدأ، و (بارزون) خبره والجملة في موضع جر بإضافة يوم إليها، و (لايخفى) يجوز أن يكون خبرا آخر، وأن يكون حالا من الضمير في بارزون، وأن يكون مستأنفا، (اليوم) ظرف، والعامل فيه لمن، أو مايتعلق به الجار، وقيل هو ظرف للملك (لله) أى هو لله، وقيل الوقف على الملك، ثم استأنف فقال: هو اليوم لله الواحد: أى استقر اليوم لله، و (اليوم) الآخر ظرف ل‍ (تجزى) و (اليوم) الاخير خبر " لا " أى ظلم كائن اليوم، و (إذ) بدل من يوم الآزفة، و (كاظمين) حال من القلوب، لان المراد أصحابها، وقيل هى حال من الضمير في لدى، وقيل هى حال من الضمير في أنذرهم (ولاشفيع يطاع) يطاع في موضع جر صفة لشفيع على اللفظ، أو في موضع رفع على الموضع.

قوله تعالى (وأن يظهر) هو في موضع نصب: أى أخاف الامرين، ويقرأ " أو أن يظهر " أى أخاف أحدهما وأيهما وقع كان مخوفا.

٢١٨

قوله تعالى (من آل فرعون) هو في موضع رفع نعتا لمؤمن، وقيل يتعلق ب‍ (يكتم) أى يكتمه من آل فرعون (أن يقول) أى لان يقول (وقد جاء‌كم) الجملة حال، و (ظاهرين) حال من ضمير الجمع في لكم، و (أريكم) متعد إلى مفعولين، الثانى (ماأرى) وهو من الرأى الذى بمعنى الاعتقاد.

قوله تعالى (سبيل الرشاد) الجمهور على التخفيف وهو اسم للمصدر، إما الرشد أو الارشاد، وقرئ بتشديد الشين، وهو الذى يكثر منه الارشاد أو الرشد.

قوله تعالى (يوم التناد) الجمهور على التخفيف، وقرأ ابن عباس رضى الله عنه بتشديد الدال، وهو مصدر تناد القوم إذا تفرقوا: أى يوم اختلاف مذاهب الناس، و (يوم تولون) بدل من اليوم الذى قبله، و (مالكم من الله) في موضع الحال.

قوله تعالى (الذين يجادلون) فيه أوجه: أحدها أن يكون خبر مبتدإ محذوف أى هم الذين، وهم يرجع على قوله " من هو مسرف " لانه في معنى الجمع.

والثانى أن يكون مبتدأ والخبر يطبع الله، والعائد محذوف: أى على كل قلب متكبر منهم، و (كذلك) خبر مبتدإ محذوف أى الامر كذلك، ومابينهما معترض مسدد.

والثالث أن يكون الخبر " كبر مقتا " أى كبر قولهم مقتا.

والرابع أن يكون الخبر محذوفا أى معاندون ونحو ذلك.

والخامس أن يكون منصوبا بإضمار أعنى.

قوله تعالى (على كل قلب) يقرأ بالتنوين، و (متكبر) صفة له، والمراد صاحب القلب ويقرأ بالاضافة وإضافة كل إلى القلب يراد بها عموم القلب لاستيعاب كل قلب بالطبع، وهو في المعنى كقراء‌ة من قرأ على قلب كل متكبر.

قوله تعالى (أسباب السموات) هو بدل مما قبله (فأطلع) بالرفع عطفا على أبلغ، وبالنصب على جواب الامر: أى إن تبن لى أطلع، وقال قوم: هو جواب لعلى إذ كان في معنى التمنى.

قوله تعالى (تدعوننى) الجملة ومايتصل بها بدل، أو تبيين لتدعوننى الاول.

قوله تعالى (وأفوض أمرى إلى الله) الجملة حال من الضمير في أقول.

قوله تعالى (النار يعرضون عليها) فيه وجهان: أحدهما هو مبتدأ، ويعرضون خبره. والثانى أن يكون بدلا من سوء العذاب، ويقرأ بالنصب بفعل مضمر يفسره يعرضون عليها تقديره: يصلون النار ونحو ذلك، ولا موضع ليعرضون على هذا، وعلى البدل موضعه

٢١٩

حال إما من النار أو من آل فرعون (أدخلوا) يقرأ بوصل الهمزة: أى يقال لآل فرعون، فعلى هذا التقدير: ياآل فرعون، ويقرأ بقطع الهمزة وكسر الخاء: أى يقول الله تعالى للملائكة.

قوله تعالى (وإذ يتحاجون) يجوز أن يكون معطوفا على عدوا، وأن يكون التقدير: واذكر، و (تبعا) مصدر في موضع اسم الفاعل، و (نصيبا) منصوب بفعل دل عليه مغنون تقديره: هل أنتم دافعون عنا أو مانعون، ويجوزأن يكون في موضع المصدر كما كان شئ كذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى " لن تغنى عنهم أموالهم ولاأولادهم من الله شيئا " فشيئا في موضع عنا، فكذلك نصيبا.

قوله تعالى (يخفف عنا يوما) يجوز أن يكون ظرفا: أى يخفف عنا في يوم شيئا من العذاب، فالمفعول محذوف، وعلى قول الاخفش يجوز أن تكون " من " زائدة، ويجوز أن يكون مفعولا: أى عذاب يوم كقوله تعالى " واتقوا يوما " أى عذاب يوم.

قوله تعالى (لاينفع) هو بدل من يوم يقوم.

قوله تعالى (ولاالمسئ) " لا " زائدة.

قوله تعالى (إذ الاغلال) " إذ " ظرف زمان ماض، والمراد بها الاستقبال هنا لقوله تعالى " فسوف يعلمون " وقد ذكرت في قوله " ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب " (والسلاسل) بالرفع يجوز أن يكون معطوفا على الاغلال، والخبر في أعناقهم، وأن يكون مبتدأ والخبر محذوف: أى السلاسل في أعناقهم، وحذف لدلالة الاول عليه، و (يسحبون) على هذا حال من الضمير في الجار أو مستأنفا وأن يكون الخبر يسحبون، والعائد محذوف: أى يسحبون بها، وقرئ بالنصب، ويسحبون بفتح الياء، والمفعول هنا مقدم على الفعل.

قوله تعالى (منهم من قصصنا) يجوز أن يكون منهم رافعا لمن، لانه قد وصف به رسلا، وأن يكون مبتدأ وخبرا، والجملة نعت لرسل، وأن يكون مستأنفا (فأى) منصوب ب‍ (تنكرون).

قوله تعالى (بما عندهم من العلم) من هنا بمعنى البدل: أى بدلا من العلم وتكون حالا من " ما " أو من الضمير في الظرف.

قوله تعالى (سنة الله) هو نصب على المصدر: أى سننا بهم سنة الله، والله أعلم.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298