الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)0%

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 409

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: جعفر مرتضى الحسيني العاملي
تصنيف: الصفحات: 409
المشاهدات: 177182
تحميل: 5941

توضيحات:

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 409 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177182 / تحميل: 5941
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خوفهم ـ على العلويين يوسعونهم قتلا، وعسفاً وتشريداً، وأذاقوهم مختلف أنواع العذاب، التي لم تكن لتخطر على قلب بشر، بهدف استئصالهم من الوجود، ومحو آثارهم، ليصفو لهم الجو، ولا يبقى من يستطيع أن ينازعهم سلطانهم، الذي يجب أن يكون لهم وحدهم. أو بالأحرى حتى لا يبقى من من شأنه ذلك. حتى لقد نسي الناس فعال بني أمية معهم، عندما رأوا فعال بني العباس بهم. وحتى لقد رأينا أحد شعراء ذلك الوقت يقول:

تالله مـا فـعلت أمـية فـيهم

معشار ما فعلت بنو العباس(١)

وقال آخر ـ وهو أبو عطاء، أفلح بن يسار الندي، المتوفى سنة ١٨٠ ه‍. وهو من مخضرمي الدولتين: الأموية والعباسية: قال في زمن السفاح.

يـا لـيت جور بني مروان دام لنا

وليت عدل بني العباس في النار(٢)

وقال منصور بن الزبرقان النمري، المتوفى في خلافة الرشيد:

آل الـنبي ومـن يـحبها

يـتطامنون مـخافة القتل

أمـن النصارى واليهود هم

من أمة التوحيد في أزل(٣)

وقد أنشد الرشيد هذين البيتين بعد موت منصور هذا، فقال الرشيد، بعد أن أرسل إليه من يقتله، فوجده قد مات: (لقد هممت أن أنبش

____________

(١) شرح ميمية أبي فراس ص ١١٩.

(٢) المحاسن والمساوي ص ٢٤٦، والشعر والشعراء ص ٤٨٤، ونظرية الإمامة ص ٣٨٢، والمهدية في الإسلام ص ٥٥، وطبيعة الدعوة العباسية ص ٢٧٢.

(٣) الأزل: الضيق والشدة.

٨١

عظامه فأحرقها)(١) .. بل في رسالة الخوارزمي، الآتي شطر منها: أن قبره قد نبش بالفعل.

ويقول أبو حنيفة أو الطغرائي على اختلاف النسبة في جملة أبيات له:

ومتى تولى آل أحمد مسلم

قتلوه أو وصموه بالإلحاد

ويقول إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، يذكر العلويين، الذين قتلهم المنصور، ويقال: إن القائل هو غالب الهمداني.

أصبح آل الرسول أحمد في

الناس كذي عرة به جرب

ويقول دعبل بن علي الخزاعي في رثاء الرضا، وهو شعر معروف، ومشهور، وقد أنشده للمأمون نفسه:

ولـيس حـي من الأحياء نعلمه

من ذي يمان، ولا بكر، ولا مضر

إلا وهـم شـركاء فـي دمـائهم

كـما تـشارك أيسار على جزر

قـتلاً وأسـراً وتـحريقاً ومنهبة

فـعل الغزاة بأهل الروم والخزر

أرى أمـية مـعذورين إن فعلوا

ولا أرى لـبني العباس من عذر

أما أبو فراس الحمداني فيقول:

ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت

تـلك الـجرائر إلا دون نيلكم(١)

____________

(١) زهر الآداب هامش ج ٢ من المستطرف ص ٢٤٦ والشعر والشعراء ص ٥٤٧، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة، المجلد الأول جزء ١ ص ٢٥٤، وطبقات الشعراء ص ٢٤٦، وفيه في ص ٢٤٤: أن الرشيد بعد سماعه لمدائح النمري في أهل البيت، أمر أبا عصمة الشيعي بأن يخرج من ساعته إلى الرقة، ليسل لسان منصور من قفاه، ويقطع يده. ورجله. ثم يضرب عنقه، ويحمل إليه رأسه، بعد أن يصلب بدنه، فخرج أبو عصمة لذلك، فلما صار بباب الرقة استقبلته جنازة النمري، فرجع إلى الرشيد فأعلمه، فقال له الرشيد (ويلي عليك يا بن الفاعلة، فألا إذا صادفته ميتا فأحرقته بالنار)!.

٨٢

ويقول علي بن العباس. الشاعر المعروف بابن الرومي، مولى المعتصم من قصيدة له:

بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم

لـبـلواكم عـمـا قـليل مـفرح

أكـــل أوان لـلـنبي مـحـمد

قـتـيل زكـي بـالدماء مـضرج

إلى أن قال:

أفي الحق أن يمسوا خماصاً وأنتم

يـكـاد أخـوكم بـطنة يـتبعج

وتـمشون مختالين في حجراتكم

ثـقال الـخطى اكفالكم تترجرج

ولـيدهم بـادي الطوى ووليدكم

مـن الـريف ريان العظام خدلج

ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم

كـلابكم فـيها بـهيم وديـزج

والقصيدة طويلة جداً، من أرادها فليراجعها.

نصوص أخرى:

يقول فان فلوتن: (.. ولا غرو، فإن العلويين لم يلقوا من الاضطهاد مثل ما لقوا في عهد الأولين من خلفاء بني العباس..)(٢) .

ويقول الخضري: (.. فكان نصيب آل علي في خلافة بني هاشم، أشد وأقسى مما لاقوه في عهد خصومهم من بني أمية، فقتلوا، وشردوا كل مشرد، وخصوصاً في زمن المنصور، والرشيد، والمتوكل من بني العباس. وكان اتهام شخص في هذه الدولة بالميل إلى واحد من بني

____________

(١) سوف نورد قصيدة أبي فراس، وهي المعروفة بـ‍ (الشافية) وكذلك شطراً من قصيدة دعبل، في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٢) السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص ١٣٣.

٨٣

علي كافيا لإتلاف نفسه، ومصادرة ماله. وقد حصل فعلاً لبعض الوزراء، وغيرهم الخ)(١) .

ولما دخل إبراهيم بن هرمة، المعاصر للمنصور المدينة، أتاه رجل من العلويين، فسلم عليه، فقال له إبراهيم: (تنح عني، لا تشط بدمي)(٢) .

بل يظهر من قضية أخرى لابن هرمة أن العباسيين كانوا يعاقبون حتى على حب أهل البيتعليهم‌السلام في زمن الأمويين، فإنه ـ أعني ابن هرمة ـ عندما سئل في عهد المنصور عن قوله في عهد الأمويين:

ومهما ألام على حبهم

فإني أحب بني فاطمة

أجاب: (من عض ببظر أمه).

فقال له ابنه: ألست قائلها؟!

قال: بلى.

قال: فلم تشتم نفسك؟!

قال: (أليس يعض الرجل ببظر أمه خير له من أن يأخذه ابن قحطبة؟)(٣) بل إن الجلودي الذي أمره الرشيد بالإغارة على دور آل أبي طالب ـ كما قدمنا ـ قد قال للمأمون، عندما جعل ولاية العهد للرضا:

____________

(١) محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية ج ١ ص ١٦١.

(٢) تاريخ بغداد ج ٦ ص ١٢٩، وحياة الإمام موسى بن جعفر ج ٢ ص ١٨٤.

(٣) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٢٠، ٢١، والأغاني ج ٤ ص ١١٠، وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٢٦٩، نقلاً عن تنبيه البكري، وملحقات إحقاق الحق ج ٩ ص ٦٩٠ نقلاً عن الحضرمي في رشفة الصادي ص ٥٦ طبع القاهرة.

٨٤

(أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم، وخصكم به، وتجعله في أيدي أعدائكم، ومن كان آباؤك يقتلونهم، ويشردونهم في البلاد..)(١) .

وأمر الرشيد عامله على المدينة: (بأن يضمن العلويين بعضهم بعضاً)(٢) وكانوا يعرضون على السلطات، فمن غاب منهم عوقب!

والمأمون أيضاً يعترف:

وجاء في كتاب المأمون، الذي أرسله إلى العباسيين، بعد ما ذكر حسن سياسة الإمام عليعليه‌السلام مع ولد العباس ما يلي:

(.. حتى قضى الله بالأمر إلينا، فأخفناهم، وضيقنا عليهم، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم، ويحكم، إن بني أمية قتلوا من سل سيفاً، وإنا معشر بني العباس قتلناهم جملاً.. فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت، ولتسألن نفوس ألقيت في دجلة والفرات، ونفوس دفنت ببغداد، والكوفة أحياء الخ). وسنورد الرواية، ونذكر مصادرها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله.

جانب من رسالة الخوارزمي لأهل نيشابور:

وحسب القارئ أن يرجع إلى مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، مع أنه لم يستوف كل شيء، وإنما اكتفى بذكر بعض منهم، وكذلك إلى ما ذكره ابن الساعي في مختصر أخبار الخلفاء ص ٢٦، وغيرها. وغير ذلك من كتب التاريخ والرواية، ليعلم مقدار الظلم والعسف الذي حاق بأبناء علي، وشيعتهم في تلك الحقبة من الزمن..

____________

(١) بحار الأنوار ج ٤٩ ص ١٦٦، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٦٧.

(٢) لقد كان ذلك قبل الرشيد أيضاً فراجع تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ٢١٥، فإنه قال: (.. وما زال آل أبي طالب يكفل بعضهم بعضاً، ويعرضون، فغاب إلخ).

ثم يسوق واقعة فخ المشهورة، وبعض أسبابها.. ولا بأس بمراجعة الكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٧٥ وغيره..

٨٥

وحسبنا هنا بعد كل الذي قدمناه، أن نذكر فقرات من رسالة أبي بكر الخوارزمي، التي أرسلها إلى أهل نيشابور، يقول أبو بكر، بعد أن ذكر كثيراً من الطالبيين، الذين قتلهم الأمويون، والعباسيون ـ ومنهم الرضا الذي تسمم بيد المأمون ـ:

(فلما انتهكوا ذلك الحريم، واقترفوا ذلك الإثم العظيم، غضب الله عليهم، وانتزع الملك منهم، فبعث عليهم (أبا مجرم) لا أبا مسلم، فنظر لا نظر الله إليه إلى صلابة العلوية، وإلى لين العباسية، فترك تقاه، واتبع هواه، وباع آخرته بدنياه، بقتله عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وسلط طواغيت خراسان، وأكراد أصفهان. وخوارج سجستان على آل أبي طالب، يقتلهم تحت كل حجر ومدر، ويطلبهم في كل سهل وجبل، حتى سلط عليه أحب الناس إليه، فقتله كما قتل الناس في طاعته، وأخذه بما أخذ الناس في بيعته، ولم ينفعه: أن أسخط الله برضاه، وأن ركب ما لا يهواه، وخلت من الدوانيقي(١) الدنيا، فخبط فيها عسفا، وتقضى فيها جوراً وحيفاً. وقد امتلأت سجونه بأهل بيت الرسالة، ومعدن الطيب والطهارة، قد تتبع غائبهم، وتلقط حاضرهم، حتى قتل عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسني بالسند، على يد عمر بن هشام الثعلبي، فما ظنك بمن قرب متناوله عليه، ولأن مسه على يديه.

____________

(١) في مجمع الفوائد: (وخلت إلى الدوانيقي) ولعله هو الصواب.

٨٦

وهذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم، وفعله موسى قبله بهم، فقد عرفتم ما توجه على الحسن(١) بن علي بفخ من موسى، وما اتفق على علي بن الأفطس الحسيني من هارون، وما جرى على أحمد بن علي الزيدي، وعلى القاسم بن علي الحسيني من حبسه، وعلى غسان بن حاضر الخزاعي، حين أخذ من قبله، والجملة أن هارون مات وقد حصد شجرة النبوة، واقتلع غرس الإمامة. وأنتم أصلحكم الله، أعظم نصيباً في الدين من الأعمش، فقد شتموه، ومن شريك، فقد عزلوه، ومن هشام بن الحكم، فقد أخافوه، ومن علي بن يقطين، فقد اتهموه).

إلى أن يقول: بعد كلام له عن بني أمية: (.. وقل في بني العباس، فإنك ستجد بحمد الله مقالاً، وجل في عجائبهم، فإنك ترى ما شئت مجالاً.

يجبى فيؤهم، فيفرق على الديلمي، والتركي، ويحتمل إلى المغربي، والفرغاني. ويموت إمام من أئمة الهدى، وسيد من سادات بيت المصطفى، فلا تتبع جنازته، ولا تجصص مقبرته، ويموت (ضراط) لهم، أو لاعب أو مسخرة، أو ضارب، فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عنه القواد والولاة..

ويسلم فيهم من يعرفونه دهريا، أو سوفسطائيا، ولا يتعرضون لمن يدرس كتاباً فلسفياً ومانوياً، ويقتلون من عرفوه شيعياً، ويسفكون دم من سمى ابنه علياً..

ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلى بن خنيس، قتيل داوود ابن علي، ولو لم يحبس فيهم غير أبي تراب المروزي، لكان ذلك جرحاً لا يبرأ، وثائرة لا تطفأ، وصدعاً لا يلتئم، وجرحا لا يلتحم.

____________

(١) الظاهر أن الصحيح هو: (الحسين) كما في مجمع الفوائد.

٨٧

وكفاهم أن شعراء قريش قالوا في الجاهلية أشعاراً يهجون بها أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويعارضون فيها أشعار المسلمين، فحملت أشعارهم. ودونت أخبارهم، ورواها الرواة، مثل: الواقدي، ووهب بن منبه التميمي، ومثل الكلبي، والشرقي ابن القطامي، والهيثم بن عدي، ودأب بن الكناني، وأن بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوصي، بل ذكر معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم، فيقطع لسانه، ويمزق ديوانه، كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي، وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي، وكما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري، وكما دمر على دعبل بن علي الخزاعي. مع رفقتهم من مروان بن أبي حفصة اليمامي، ومن علي بن الجهم الشامي. ليس إلا لغلوهما في النصب، واستيجابهما مقت الرب، حتى إن هارون بن الخيزران، وجعفرا المتوكل على الشيطان، لا على الرحمان، كانا لا يعطيان مالاً. ولا يبذلان نوالاً، إلا لمن شتم آل أبي طالب، ونصر مذهب النواصب، مثل: عبد الله ابن مصعب الزبيري، ووهب بن وهب البختري، ومن الشعراء مثل: مروان بن أبي حفصة الأموي، ومن الأدباء مثل: عبد الملك بن قريب الأصمعي. فأما في أيام جعفر فمثل: بكار بن عبد الله الزبيري، وأبي السمط ابن أبي الجون الأموي، وابن أبي الشوارب العبشمي) وبعد كلام له عن بني أمية أيضاً قال:

(وما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق، وإن كرهوه، وبتفضيل من نقصوه وقتلوه، قال المنصور بن الزبرقان على بساط هارون:

آل الـنبي ومـن يـحبهم

يـتطامنون مـخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم

مـن أمة التوحيد في أزل

وقال دعبل، وهو صنيعة بني العباس وشاعرهم:

ألـم تر أني مذ ثمانين حجة

أروح، وأغدو دائم الحسرات

أرى فيئهم في غيرهم متقسما

وأيـديهم من فيئهم صفرات

٨٨

وقال علي بن العباس الرومي، وهو مولى المعتصم:

تـأليت أن لا يبرح المرء منكم

يـشل عـلى حر الجبين فيعفج

كـذاك بني العباس تصبر منكم

ويصبر للسيف الكمي المدجج(١)

لـكـل أوان لـلـنبي مـحمد

قـتيل زكي بالدماء مضرج(٢)

وقال إبراهيم بن العباس الصولي ـ وهو كاتب القوم وعاملهم ـ في الرضا لما قربه المأمون:

يـمن عـليكم بأموالكم

وتعطون من مئة واحدا

وكيف لا يتنقصون قوماً يقتلون بني عمهم جوعاً وسغباً ويملأون ديار الترك والديلم فضة وذهبا، يستنصرون المغربي والفرغاني، ويجفون المهاجري والأنصاري، ويولون أنباط السواد وزارتهم، وتلف العجم والطماطم قيادتهم، ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمهم، وفيء جدهم. يشتهي العلوي الأكلة، فيحرمها، ويقترح على الأيام الشهوة فلا يطعمها، وخراج مصر والأهواز، وصدقات الحرمين والحجاز، تصرف إلى ابن أبي مريم المديني، وإلى إبراهيم الموصلي، وابن جامع السهمي، وإلى زلزل الضارب، وبرصوما الزامر، وأقطاع بختيشوع النصراني قوت أهل بلد، وجاري بغا التركي، والافشين الأشروسني كفاية أمة ذات عدد..

____________

(١) في مقاتل الطالبيين: (لذاك بني العباس يصبر مثلكم ويصبر للموت).

(٢) في مقاتل الطالبيين: (أكل أوان).

٨٩

والمتوكل زعموا يتسرى باثني عشر ألف سرية، والسيد من سادات أهل البيت يتعفف بزنجية، أو سندية. وصفوة مال الخراج مقصورة على أرزاق الصفاعنة، وعلى موائد المخاتنة، وعلى طعمة الكلابين، ورسوم القرادين، وعلى مخارق وعلوية المغني، زرزر، وعمر بن بانة المهلبي، ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة، ويصارفونه على دانق وحبة، ويشترون العوادة بالبدر، ويجرون لها ما يفي برزق عسكر. والقوم الذين أحل لهم الخمس، وحرمت عليهم الصدقة، وفرضت لهم الكرامة والمحبة، يتكففون ضراً، ويهلكون فقراً، ويرهن أحدهم سيفه، ويبيع ثوبه، وينظر إلى فيئة بعين مريضة، ويتشدد على دهره بنفس ضعيفة، ليس له ذنب إلا أن جده النبي، وأبوه الوصي، وأمه فاطمة، وجدته خديجة، ومذهبه الإيمان، وإمامه القرآن. وحقوقه مصروفة إلى القهرمانة والمضرطة وإلى المغمزة، إلى المزررة، وخمسه مقسوم على نقار الديكة الدمية، والقردة، وعلى رؤوس اللعبة واللعبة، وعلى مرية الرحلة..

وماذا أقول في قوم حملوا الوحوش على النساء المسلمات، وأجروا لعبادة وذويه الجرايات، وحرثوا تربة الحسينعليه‌السلام بالفدان، ونفوا زواره إلى البلدان، وما أصف من قوم هم: نطف السكارى في أرحام القيان؟ وماذا يقال في أهل بيت منهم نبع البغا، وفيهم راح التخنيث وغداً، وبهم عرف اللواط؟!. كان إبراهيم بن المهدي مغنياً، وكان المتوكل مؤنثاً موضعاً، وكان المعتز مخنثاً، وكان ابن زبيدة معتوهاً مفركاً، وقتل المأمون أخاه، وقتل المنتصر أباه، وسم موسى بن المهدي أمه، وسم المعتضد عمه. ولقد كان في بني أمية مخازي تذكر، ومعائب تؤثر).

٩٠

وبعد أن عدد بعض مخازي بني أمية، ومعائبهم قال:

(.. وهذه المثالب مع عظمها وكثرتها، ومع قبحها وشنعتها، صغيرة وقليلة في جنب مثالب بني العباس، الذين بنوا مدينة الجبارين، وفرقوا في الملاهي والمعاصي أموال المسلمين.. إلى آخر ما قال..)(١) .

هذا جانب من رسالة الخوارزمي، وقد كنت أود أن أثبتها بتمامها، لكنني رأيت أن المجال لا يتسع لذلك. وعلى كل فإن:

ذلك كله غيض من فيض. ولعل فيما ذكرناه كفاية..

سياسة العباسيين مع الرعية

نظرة عامة:

لا نريد في هذا الفصل أن نعرض لأنواع القبائح، التي كان العباسييون يمارسونها، فإن ذلك مما لا يمكن الإلمام به واستقصاؤه في هذه العجالة.

____________

(١) راجع: رسائل الخوارزمي طبع القسطنطينية سنة ١٢٩٧ من ص ١٣٠، إلى ص ١٤٠، ونقل شطراً كبيراً منها: سعد محمد حسن في كتابه: المهدية في الإسلام ابتداء من ص ٥٨ وذكر شطراً منها أيضاً الدكتور أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٩٧ فما بعدها، فراجع. وهي موجودة بتمامها في مجموعة خطية من تأليف سيدي الوالد أيده الله، سماها: (مجمع الفوائد، ومجمل العوائد) ابتداء من ص ٤٥..

٩١

وإنما نريد فقط أن نعطي لمحة سريعة عن سيرتهم السيئة في الناس، ومدى اضطهادهم وظلمهم لهم، وجورهم عليهم، الأمر الذي أسهم إسهاما كبيراً في كشف حقيقتهم، وبيان واقعهم أمام الملأ.. حتى لقد قال الشعراء في وصف الحالة العامة في زمن خلفائهم الشيء الكثير، فمن ذلك قول سليم العدوي في الثورة على الوضع القائم:

حتى متى لا نرى عدلاً نسر به

ولا نـرى لـولاة الحق أعوانا

مـستمسكين بـحق قائمين به

إذا تـلون أهـل الجور ألوانا

يـا لـلرجال لداء لا دواء له

وقائد ذي عمي يقتاد عميانا(١)

وقال سديف:

____________

(١) المستطرف ج ١ ص ٩٧، وطبيعة الدعوة العباسية ص ٢٧٢، وضحى الإسلام ج ٢ ص ٣٧.

٩٢

إنـا لـنأمل أن تـرتد ألفتنا

بعد التباعد والشحناء والإحن

وتـنقضي دولة أحكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدي وثن

فكتب المنصور إلى عبد الصمد بن علي بأن: يدفنه حيا، ففعل(١) .

وقد ذكر أبو الفرج أبياتاً كثيرة بالإضافة إلى هذين البيتين، ونسبها يحيى بن عبد الله بن الحسن، بحضرة الرشيد، إلى عبد الله بن مصعب الزبيري، ومن جملتها قوله:

فـطالما قد بروا في الجور أعظمنا

بري الصناع قداح النبع بالسفن(٢)

وقال آخر، وهو أحمد بن أبي نعيم، الذي نفاه المأمون بسبب هذا البيت إلى السند:

ما أحسب الجور ينقضي وعلى

الـناس أمير من آل عباس(٣)

وقد تقدم قول أبي عطاء السندي، المتوفى سنة ١٨٠ ه‍:

وقال الدكتور أحمد محمود صبحي: (.. لكن ذلك المثل الأعلى للعدالة، والمساواة الذي انتظره الناس من العباسيين، قد أصبح وهما من الأوهام، فشراسة المنصور والرشيد، وجشعهم، وجور أولاد علي بن

____________

(١) راجع: العمدة لابن رشيق ج ١ ص ٧٥، ٧٦، والعقد الفريد، طبع دار الكتاب العربي ج ٥ ص ٨٧، وهامش طبقات الشعراء ص ٤١.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٤٧٦، ٤٧٧.

(٣) راجع: وفيات الأعيان: ترجمة يحيى بن أكثم، ومروج الذهب ج ٣ ص ٤٣٥، وضحى الإسلام ج ٢ ص ٣٨، ونهاية الإرب ج ٨ ص ١٧٥، وطبيعة الدعوة العباسية ص ٢٧٣، وطبقات الشعراء ص ٣٧٨، لكنه نسبه لابن أبي خالد، لكن في العقد الفريد ج ٦ ص ٤١٨، قد نسب يحيى بن أكثم هذا البيت إلى دعبل.

وفيه: أنه هو الذي نفي إلى السند.

٩٣

عيسى، وعبثهم بأموال المسلمين، يذكرنا بالحجاج، وهشام، ويوسف ابن عمرو الثقفي، وعم الاستياء أفراد الشعب، بعد أن استفتح أبو عبد الله، المعروف بـ‍ (السفاح) وكذلك المنصور بالإسراف في سفك الدماء، على نحو لم يعرف من قبل)(١) .

ويقول صاحب إمبراطورية العرب: (.. إنه بالرغم من أن جيش خراسان هو الذي أوصل العباسيين إلى الملك، فإن الفتن في خراسان ظلت قائمة في عهد العباسيين، كما كانت في عهد الأمويين. وكان الشعار الذي رفعه الخراسانيون الآن: أنهم هم الذين أوصلوا (آل البيت) إلى الحكم، لإقامة عهد من الرحمة والعدل، لا لإقامة عهد آخر من الطغيان، المتعطش إلى سفك الدماء.. إلى أن يقول:

لكن الشيء الذي لا ريب فيه: هو أن الأحلام بإقامة عهد السلام والعدل، التي كانت السبب في الثورة العامة ضد الأمويين قد تبخرت الآن، ولو لم يكن العباسيون أسوأ حالاً من الأمويين، فإنهم لم يكونوا ـ على أي حال ـ خيراً منهم)(٢) . وقريب منه كلام غيره(٣) وستأتي في فصل: آمال المأمون إلخ. عبارة فان فلوتن الهامة، والقيمة عن الحكم العباسي، وسياساته مع الرعية. فانتظر.

ولعل قصيدة أبي العتاهية، التي مطلعها:

من مبلغ عني الإمام

نـصائحاً مـتوالية

____________

(١) نظرية الإمامة ص ٣٨١، لكن كنية السفاح هي: (أبو العباس) لا أبو عبد الله و عبد الله هو: اسمه، واسم المنصور أيضاً، الذي كان أكبر من السفاح.

(٢) إمبراطورية العرب ص ٤٥٢.

(٣) راجع: حياة الإمام موسى بن جعفر ٢ ص ١٦٢ عن كتاب: (النكبات) للريحاني، وضحى الإسلام ج ١ ص ١٢٧ حتى ١٣١.

٩٤

تعبر تعبيراً صادقاً عن الحالة العامة، التي كانت سائدة آنذاك، وهي معروفة ومشهورة ومذكورة في ديوانه ص ٣٠٤. وهي بحق من الوثائق الهامة. المعبرة عن واقع الحياة في تلك الفترة من الزمن.

تفصيل مواقف الخلفاء مع الرعية:

وبعد هذا. وإذا ما أردنا أن نقف عند بعض جنايات وجرائم كل واحد منهم فإننا نقول:

أما السفاح:

الذي أظهر نفسه في صورة مهدي(١) .

فهو الذي يقول عنه المؤرخون: إنه: (كان سريعاً إلى سفك الدماء، فاتبعه عماله في ذلك، في المشرق والمغرب، واستنوا بسيرته، مثل: محمد بن الأشعث بالمغرب، وصالح بن علي بمصر، وخازم بن خزيمة، وحميد بن قحطبة، وغيرهم)(٢) . حتى لقد خرج عليه شريك بن شيخ المهري، الذي كان ـ على ما يظهر ـ من دعاة العباسيين ـ خرج عليه ـ ببخارا، في أكثر من ثلاثين ألفاً، فقال: (ما على هذا بايعنا آل محمد، تسفك الدماء،

____________

(١) البداية والنهاية ج ١ ص ٦٩ والتنبيه والإشراف ص ٢٩٢.

(٢) مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٢٢٢، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٥٩. ومشاكلة الناس لزمانهم لليعقوبي ص ٢٢، وليراجع إمبراطورية العرب ص ٤٣٥.

٩٥

ويعمل بغير الحق..)(١) فوجه إليه السفاح أبا مسلم، فقتله، ومن معه.. وقضية عامل السفاح ـ وهو أخوه، وقيل: ابن أخيه، يحيى ـ مع أهل الموصل، حيث ذبح الآلاف الكثيرة منهم في المسجد. هذه القضية معروفة ومشهورة.

وينص المؤرخون، على أنه: لم يبق من أهل الموصل على كثرتهم إلا أربع مئة إنسان، صدموا الجند، فأفرجوا لهم. كما أنه أمر جنده، فبقوا ثلاثة أيام يقتلون النساء، لأنه سمع أنهن يبكين رجالهن. وينص المؤرخون أيضاً: على أن نفوس أهل الموصل قد ذلت بعد تلك المذبحة، ولم يسمع لهم بعدها صوت، ولا قامت لهم قائمة(٢) .

وعندما سألت السفاح زوجته أم سلمة، بنت يعقوب بن سلمة: (لأي شيء استعرض ابن أخيك أهل الموصل بالسيف؟!. قال لها: وحياتك ما أدري..)(٣) !!.

وقد تقدمت عبارة الدكتور أحمد محمود صبحي عن السفاح والمنصور معاً عن قريب.

____________

(١) الكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٤٢، والإمامة والسياسة ج ٢ ص ١٣٩، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٥٤ طبع صادر، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٥٦، وتاريخ التمدن الإسلامي ج ٢ ص ٤٠٢، وغيرهم.. وفي كتاب طبيعة الدعوة العباسية ص ٢٣٠ قال: إنه (لذلك نقل ولاءه للعلويين، وثار ببخارا، وانضم إليه أنصار العلويين في خراسان، وكذلك ولاة العباسيين على بخارا، وبرزم، وكانت حركته شعبية. وجابه أبو مسلم صعوبات كبيرة في القضاء عليها..) انتهى.

(٢) راجع تفاصيل هذه القضية في: النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٤٨، ٤٩، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٢١٢، حوادث سنة ١٣٢، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٧٧، وغاية المرام للموصلي ص ١١٥، وتاريخ اليعقوبي، طبع صادر ج ٢ ص ٣٥٧، وشرح ميمية أبي فراس ص ٢١٦.

(٣) النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٤٩، وغير ذلك.

٩٦

وأما المنصور:

الذي أظهر نفسه في صورة مهدي كما يظهر من قول أبي دلامة مخاطباً أبا مسلم الذي قتله المنصور:

أبـا مـجرم مـا غير الله نعمة

عـلى عـبده حتى يغيرها العبد

أفـي دولة المهدي حاولت غدرة

ألا إن أهل الغدر آباءك الكرد(١)

والذي قتل خلقاً كثيراً حتى استقام له الأمر(٢) .

فأمره في الظلم والجور وانتهاك الحرمات أشهر من أن يذكر، حتى لقد أنكر عليه ذلك: (.. رجل من أعظم الدعاة قدراً، وأعظمهم غناء، وهو أبو الجهم بن عطية، مولى باهلة. وهو الذي أخرج أبا العباس السفاح من موضعه الذي أخفاه فيه أبو سلمة، حفص بن سليمان الخلال، وحرسه، وقام بأمره حتى بويع بالخلافة، فكان أبو العباس يعرف له ذلك. وكان أبو مسلم يثق به، ويكاتبه.

فلما استخلف أبو جعفر المنصور، وجار في أحكامه، قال أبو الجهم: ما على هذا بايعناهم، إنما بايعناهم على العدل، فأسرها أبو جعفر في نفسه، ودعاه ذات يوم. فتغدى عنده، ثم سقاه شربة من سويق اللوز، فلما وقعت في جوفه هاج به وجع، فتوهم: أنه قد سم، فوثب، فقال له المنصور: إلى أين يا أبا الجهم؟! فقال: إلى حيث أرسلتني، ومات بعد يوم أو يومين فقال:

____________

(١) عيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ٢٦ والكنى والألقاب ج ١ ص ١٥٨. ويحتمل أن يقصد بالمهدي هنا: السفاح.

(٢) فوات الوفيات ج ١ ص ٢٣٢، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٥٩، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٣٢٤.

٩٧

إحـذر سـويق الـلوز لا تشربنه

فإن سويق اللوز أردى أبا الجهم(١)

وأنكر عليه ذلك أيضاً ـ بالإضافة إلى عمه كما تقدم ـ جماعة من قواده، فقاموا عليه، ودعوا الناس إلى موالاة أهل البيت، فحاربهم عبد الرحمان الأزدي سنة ١٤٠ ه‍. فقتل طائفة منهم، وحبس آخرين(٢) .

وقال الطبري في حوادث سنة ١٤٠ ه‍. أيضاً: (.. وفيها ولي أبو جعفر عبد الجبار بن عبد الرحمن خراسان، فقدمها، فأخذ بها ناساً من القواد، وذكر أنه اتهمهم بالدعاء إلى ولد علي بن أبي طالب، منهم: مجاشع بن حريث الأنصاري، وأبو المغيرة، مولى لبني تميم، واسمه خالد ابن كثير، وهو صاحب قوهستان، والحريش بن محمد الذهلي، ابن عم داوود، فقتلهم وحبس الجنيد بن خالد بن هريم التغلبي، ومعبد بن الخليل المزني، بعد ما ضربهما ضرباً مبرحاً، وحبس عدة من وجوه قواد أهل خراسان..)(٣) .

ولعل من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا: أن المنصور كان يعاشر الراوندية القائلين بألوهيته، ولا ينهاهم ولا يردعهم عن مقالتهم تلك، وعندما سأله أحد المسلمين عن ذلك قال له ـ على ما في تاريخ الطبري ـ: (لأن يكونوا في معصية الله وطاعتنا، أحب إلي من أن يكونوا في طاعة الله ومعصيتنا..).

ولكنه عندما ثاروا عليه في الهاشمية، وضع فيهم السيف وقتلهم، ولكن لا لأجل مقالتهم الشنيعة تلك، وإنما لأجل عدم طاعتهم له!.

____________

(١) النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٥٢، وليراجع: الوزراء والكتاب ص ١٣٦ ـ ١٣٧ وفيه: أن أبا الجهم كان وزيرا للسفاح.

(٢) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٧٥.

(٣) الطبري، طبع ليدن ج ١٠ ص ١٢٨.

٩٨

هذا.. وعندما قال لعبد الرحمان الإفريقي، رفيق صباه: (كيف رأيت سلطاني من سلطان بني أمية؟).

أجابه عبد الرحمان: (ما رأيت في سلطانهم شيئاً من الجور إلا رأيته في سلطانك..)(١) .

وعندما قدم عليه عبد الرحمان هذا من إفريقيا، ودخل عليه، بعد أن بقي ببابه شهراً، لا يستطيع الوصول إليه، قال له عبد الرحمان: (ظهر الجور ببلادنا، فجئت لأعلمك، فإذا الجور يخرج من دارك. ورأيت أعمالاً سيئة، وظلماً فاشياً، ظننته لبعد البلاد منك، فجعلت كلما دنوت منك كان الأمر أعظم). فغضب المنصور. وأمر بإخراجه(٢) .

وقال لابن أبي ذؤيب: (أي الرجال أنا؟).

فأجابه: (أنت والله عندي شر الرجال، استأثرت بمال الله، ورسوله، وسهم ذوي القربى، واليتامى. والمساكين، وأهلكت الضعيف، وأتعبت القوي، وأمسكت أموالهم(٣) . وحج أبو جعفر فدعا ابن أبي ذئب، فقال: نشدتك الله، ألست أعمل بالحق؟ أليس تراني أعدل؟ فقال ابن أبي ذئب: أما إذ نشدتني بالله فأقول: اللهم لا، ما أراك تعدل، وإنك لجائر، وإنك لتستعمل الظلمة، وتترك أهل الخير(٤) .

____________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٦٨، وغيره.

(٢) تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٢١٥، والإمام الصادق، والمذاهب الأربعة المجلد الأول جزء ٢ ص ٤٧٩.

(٣) الإمامة والسياسة ج ٢ ص ١٤٥.

(٤) صفة الصفوة ج ٢ ص ١٧٥.

٩٩

وعندما كان يطوف بالبيت سمع أعرابيا يقول: (اللهم إني أشكو إليك ظهور الفساد، وما يحول بين الحق وأهله، من الطمع)، فطلبه المنصور، فأتي به، فاستمع المنصور منه إلى شرح واف عن الظلم، والجور، والفساد، الذي كان فاشيا آنذاك، وهي قصة طويلة لا مجال لذكرها، وعلى مريدها المراجعة إلى مظانها(١) .

ولا بأس بمراجعة ما قاله له عمرو بن عبيد، في موعظته الطويلة له، ومن جملتها: (.. إن وراء بابك نيرانا تتأجج من الجور، والله، ما يحكم وراء بابك بكتاب الله، ولا بسنة نبيه إلخ..)(٢) .

وقد لقي أعرابياً بالشام، فقال له المنصور: (إحمد الله يا أعرابي، الذي دفع عنكم الطاعون بولايتنا أهل البيت).

فأجابه الأعرابي: (إن الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون). فسكت، ولم يزل يطلب له العلل حتى قتله(٣) .

____________

(١) المحاسن والمساوي من ص ٣٣٩، إلى ص ٣٤١ والعقد الفريد للملك السعيد ص ١١٦، ١١٧، ١١٨، وحياة الحيوان للدميري ج ٢ ص ١٩٠، ١٩١، طبع سنة ١٣١٩، وعيون الأخبار، لابن قتيبة ج ٢ من ص ٣٣٣، إلى ص ٣٣٦، والعقد الفريد ج ٢ ص ١٠٤، ١٠٥، طبع سنة ١٣٤٦، وضحى الإسلام ج ٢ ص ٤٠، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ٢ ص ٤٨٠، نقلاً عن: تاريخ ابن الساعي ص ١٩، والفتوحات الإسلامية لدحلان ج ٢ ص ٤٤٥، حتى ٤٤٨ مطبعة مصطفى محمد. والموفقيات ص ٣٩٢، ٣٩٣ (٢) مرآة الجنان لليافعي ج ١ ص ٣٣٦، ٣٣٧، والمحاسن والمساوي، طبع صادر ص ٣٣٨، ٣٣٩، وعيون الأخبار، لابن قتيبة باختصار ج ٢ ص ٣٣٧، ونور القبس ص ٤٤.

(٣) روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار ص ٨٦ وأساس الاقتباس، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ١٢٣، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٦٥، وفي كتاب طبيعة الدعوة العباسية ص ٢٧٣، نقلاً عن تاريخ دمشق لابن عساكر I ص ٣٩١: أن الذي قال للمنصور ذلك هو منصور بن جعونة الكلابي: وأن قوله له هو: (إن الله أعدل من أن يسلط علينا الطاعون والعباسيين معاً).

١٠٠