كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 85998
تحميل: 6275


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85998 / تحميل: 6275
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و منها ناسخه و منسوخه فالناسخ كقوله:( فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ ) (1) ، و المنسوخ كقوله:( لا إِكْراهَ فِي اَلدِّينِ ) (2) . و منها رخصه و عزائمه فالرخص كقوله تعالى:( فَمَنِ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ ) (3) ، و العزائم كقوله:( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اَللَّهُ ) (4) . و منها خاصه و عامه، فالخاص كقوله تعالى:( وَ اِمْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) (5) و العام كالألفاظ الدالة على الأحكام العامة لسائر المكلفين، كقوله:( وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاةَ ) (6) و يمكن أن يراد بالخاص العمومات التي يراد بها الخصوص، كقوله:( وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (7) و بالعام ما ليس مخصوصا بل هو على عمومه، كقوله تعالى:( وَ اَللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) (8) . و منها عبره و أمثاله فالعبر كقصة أصحاب الفيل و كالآيات التي تتضمن النكال و العذاب النازل بأمم الأنبياء من قبل و الأمثال كقوله:( كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ ناراً ) (9) . و منها مرسله و محدوده، و هو عبارة عن المطلق و المقيد، و سمي المقيد محدودا، و هي لفظة فصيحة جدا، كقوله:( تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (10)، و قال في موضع آخر( وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (11)، و منها محكمه و متشابهه، فمحكمه كقوله تعالى:( قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ ) (12)، و المتشابه كقوله:( إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ ) (13). ثم قسم (عليه‌السلام ) الكتاب قسمة ثانية فقال: إن منه ما لا يسع أحدا جهله

____________________

(1) سورة التوبة 5.

(2) البقرة 256

(3) سورة المائدة 3

(4) سورة محمد19

(5) سورة الأحزاب 50

(6) سورة البقرة 110

(7) سورة النمل 23

(8) سورة البقرة 282

(9) سورة البقرة 17

(10) سورة المجادلة 3

(11) سورة النساء 92

(12) سورة الاخلاص 1

(13) سورة القيامة 23

١٢١

و منه ما يسع الناس جهله مثال الأول قوله:( اَللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ ) (1) ، و مثال الثاني (كهيعص، حم، عسق). ثم قال و منه ما حكمه مذكور في الكتاب منسوخ بالسنة، و ما حكمه مذكور في السنة منسوخ بالكتاب، مثال الأول قوله تعالى:( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي اَلْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ اَلْمَوْتُ ) (2) نسخ بما سنه (عليه‌السلام ) من رجم الزاني المحصن، و مثال الثاني صوم يوم عاشوراء كان واجبا بالسنة، ثم نسخه صوم شهر رمضان الواجب بنص الكتاب. ثم قال و بين واجب بوقته و زائل في مستقبله يريد الواجبات الموقتة كصلاة الجمعة، فإنها تجب في وقت مخصوص و يسقط وجوبها في مستقبل ذلك الوقت. ثم قال (عليه‌السلام ) و مباين بين محارمه الواجب أن يكون و مباين بالرفع لا بالجر، فإنه ليس معطوفا على ما قبله ألا ترى أن جميع ما قبله يستدعي الشي‏ء و ضده أو الشي‏ء و نقيضه، و قوله و مباين بين محارمه لا نقيض و لا ضد له؛ لأنه ليس القرآن العزيز على قسمين: أحدهما: مباين بين محارمه، و الآخر: غير مباين، فإن ذلك لا يجوز فوجب رفع مباين و أن يكون خبر مبتدأ محذوف، ثم فسر ما معنى المباينة بين محارمه، فقال إن محارمه تنقسم إلى كبيرة و صغيرة، فالكبيرة أوعد سبحانه عليها بالعقاب، و الصغيرة مغفورة، و هذا نص مذهب المعتزلة في الوعيد. ثم عدل (عليه‌السلام ) عن تقسيم المحارم المتباينة و رجع إلى تقسيم الكتاب. فقال و بين مقبول في أدناه و موسع في أقصاه كقوله:( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (3) . فإن القليل من القرآن مقبول و الكثير منه موسع مرخص في تركه

____________________

(1) سورة البقرة 255.

(2) سورة النساء 15.

(3) سورة المزمل 20.

١٢٢

(وَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ اَلْحَرَامِ اَلَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ اَلْأَنْعَامِ وَ يَوْلَهُونَ يَأْلَهُونَ إِلَيْهِ وَلَهَ وُلُوهَ اَلْحَمَامِ وَ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَ إِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ وَ اِخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ وَ صَدَّقُوا كَلِمَتَهُ وَ وَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ وَ تَشَبَّهُوا بِمَلاَئِكَتِهِ اَلْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ يُحْرِزُونَ اَلْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ وَ يَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى لِلْإِسْلاَمِ عَلَماً وَ لِلْعَائِذِينَ حَرَماً وَ فَرَضَ حَقَّهُ وَ أَوْجَبَ حَجَّهُ(1) وَ كَتَبَ عَلَيْهِ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ( وَ لِلَّهِ عَلَى اَلنَّاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اَللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ اَلْعالَمِينَ ) (2) الوله شدة الوجد حتى يكاد العقل يذهب وله الرجل يوله ولها و من روى يألهون إليه ولوه الحمام، فسره بشي‏ء آخر، و هو يعكفون عليه عكوف الحمام، و أصل أله عبد و منه الإله، أي: المعبود، و لما كان العكوف على الشي‏ء كالعبادة له لملازمته و الانقطاع إليه قيل أله فلان إلى كذا، أي: عكف عليه كأنه يعبده و لا يجوز أن يقال يألهون إليه في هذا الموضع بمعنى يولهون و أن أصل الهمزة الواو كما فسره الراوندي؛ لأن فعولا لا يجوز أن يكون مصدرا من فعلت بالكسر و لو كان يألهون هو يولهون كان أصله أله بالكسر، فلم يجز أن يقول: ولوه الحمام و أما على ما فسرناه نحن فلا يمتنع أن يكون الولوه مصدرا؛ لأن أله مفتوح فصار كقولك دخل دخولا و باقي الفصل غني عن التفسير

____________________

(1) مخطوطة النهج: " فرض حجه، وأوجب حقه "

(2) سورة آل عمران 97

١٢٣

فصل في فضل البيت و الكعبة

جاء في الخبر الصحيح أن في السماء بيتا يطوف به الملائكة طواف البشر بهذا البيت اسمه الضراح، و أن هذا البيت تحته على خط مستقيم، و أنه المراد بقوله تعالى:( وَ اَلْبَيْتِ اَلْمَعْمُورِ ) (1) أقسم سبحانه به لشرفه و منزلته عنده، و في الحديث أن آدم لما قضى مناسكه و طاف بالبيت لقيته الملائكة، فقالت: يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال مجاهد: إن الحاج إذا قدموا مكة استقبلتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل و صافحوا ركبان الحمير و اعتنقوا المشاة اعتناقا. من سنة السلف أن يستقبلوا الحاج و يقبلوا بين أعينهم و يسألوهم الدعاء لهم و يبادروا ذلك قبل أن يتدنسوا بالذنوب و الآثام.

و في الحديث أن الله تعالى قد وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف فإن(2) نقصوا أتمهم الله بالملائكة، و أن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة و كل من حجها متعلق بأستارها يسعون حولها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها، و في الحديث أن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة، و فيه أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن أن الله لا يغفر له. عمر بن ذر الهمداني لما قضى مناسكه أسند ظهره إلى الكعبة، و قال مودعا للبيت ما زلنا نحل إليك عروة و نشد إليك أخرى و نصعد لك أكمة و نهبط أخرى و تخفضنا أرض و ترفعنا أخرى حتى أتيناك فليت شعري بم يكون منصرفنا أبذنب مغفور فأعظم بها من نعمة أم بعمل مردود، فأعظم بها من مصيبة فيا من له خرجنا و إليه

____________________

(1) سورة الطور 4.

(2) ا: " وإن "

١٢٤

قصدنا و بحرمه أنخنا ارحم يا معطي الوفد بفنائك فقد أتيناك بها معراة جلودها ذابلة أسنمتها نقبة(1) أخفافها، و إن أعظم الرزية أن نرجع و قد اكتنفتنا الخيبة اللهم و إن للزائرين حقا فاجعل حقنا عليك غفران ذنوبنا، فإنك جواد كريم ماجد لا ينقصك نائل و لا يبخلك سائل. ابن جريج ما ظننت أن الله ينفع أحدا بشعر عمر بن أبي ربيعة، حتى كنت باليمن فسمعت منشدا ينشد قوله:

بالله قولا له في غير معتبة

ما ذا أردت بطول المكث في اليمن(2)

إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها(3)

فما أخذت بترك الحج من ثمن

فحركني ذلك على ترك اليمن و الخروج إلى مكة فخرجت فحججت. سمع أبو حازم امرأة حاجة ترفث(4) في كلامها: فقال يا أمة الله، ألست حاجة ألا تتقين الله فسفرت عن وجه صبيح، ثم قالت له أنا من اللواتي قال فيهن العرجي(5) :

أماطت كساء الخز عن حر وجهها

و ردت على الخدين بردا مهلهلا

من اللاء لم يحججن يبغين حسبة

و لكن ليقتلن البري‏ء المغفلا

فقال أبو حازم: فأنا أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب. فقال: رحم الله أبا حازم، لو كان من عباد(6) العراق لقال لها اعزبي يا عدوة الله، و لكنه ظرف نساك الحجاز(7)

____________________

(1) نقبة، من نقب البعير، إذا رقت أخفافه.

(2) ديوانه 672، والمعتبة: العتاب.

(3) الديوان: " أو نعمت بها ".

(4) الرفث: الفحش في القول.

(5) فى جميع الأصول عمربن أبي ربيعة الصواب أنهما للعرجى، وهما من قصيدة في ديوانه 17 - 57 مطلعها:

رأتني خضيب الرأس شمرت مئزري

وقد عهدتني أسود الرأس مسبلا

ونسبهما إليه أبو الفرج في الأغاني 1: 404 (طبعة دار الكتب).

(6) الأغاني:"من بعض بغضاء".

(7) الأغانى:"ولكنه ظرف عباد أهل الحجاز".

١٢٥

فصل في الكلام على السجع

و اعلم أن قوما من أرباب علم البيان عابوا السجع، و أدخلوا خطب أميرالمؤمنين (عليه‌السلام ) في جملة ما عابوه؛ لأنه يقصد فيها السجع و قالوا إن الخطب الخالية من السجع و القرائن و الفواصل، هي خطب العرب و هي المستحسنة الخالية من التكلف كخطبة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في حجة(1) الوداع، و هي: (الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، و من يضلل الله فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أوصيكم عباد الله بتقوى الله و أحثكم على العمل بطاعته و أستفتح الله بالذي هو خير أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا، أيها الناس إن دماءكم و أموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا أهل بلغت اللهم اشهد من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها و إن ربا الجاهلية موضوع(3) و أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب و إن دماء الجاهلية موضوعة و أول دم أبدأ به دم آدم(4) بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، و إن مآثر الجاهلية موضوعة غير

____________________

(1) اللسان:"والحجة:المرة الواحد؛وهو من الشواذ؛لأن القياس بالفتح".

(2) الخطبة في سيرة ابن هشام 2: 053، والبيان والتبيين 2: 13، والطبري 3: 861 وإعجاز القرآن للباقلاني 891، والعقد 4: 75، وابن الأثير 2: 502.

(3) يقال: وضعت الدين والجزية عنه ونحوهما، إذا أسقطته.

(4) كذا في ب، وهو يوافق ما ذكره السهيلي، قال: اسمه آدم، وكان مسترضعا في هذيل، وقيل اسمه تمام، وكان سبب قتله حرب كانت بين قبائل هذيل، تقاذفوا فيها بالحجارة، فأصاب الطفل حجر وهو يحبو بين البيوت. وفى ا " عامر "، وهو يوافق ما في البيان والتبيين والعقد، وفى الطبري والباقلاني: " دم ابن ربيعة بن الحارث بن الحارث ".

١٢٦

السدانة و السقاية(1) و العمد(2) قود و شبه العمد ما قتل بالعصا و الحجر فيه مائة بعير فمن ازداد فهو من الجاهلية، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، و لكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك فيما تحتقرون من أعمالكم، أيها الناس إنما النسي‏ء(3) زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما و يحرمونه عاما، و إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات و الأرض، و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات و واحد فرد ذو القعدة و ذو الحجة و محرم و رجب، الذي بين جمادى و شعبان، ألا هل بلغت أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا و لكم عليهن حقا فعليهن، ألا يوطئن فرشكم غيركم و لا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم و لا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فقد أذن(4) لكم أن تهجروهن في المضاجع و تضربوهن فإن انتهين و أطعنكم فعليكم كسوتهن و رزقهن بالمعروف فإنما النساء عندكم عوان(5) لا يملكن لأنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله، و استحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء و استوصوا بهن خيرا

____________________

(1) السدانة: خدمة الكعبة، بفتح السين وكسرها. والسقاية: ما كانت قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء.

(2) القود: القصاص، أي من قتل متعمدا يقتل.

(3) النسئ: تأخير حرمة شهر آخر، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهر آخر، فيحملون المحرم ويحرمون صفرا، فإن احتاجوا أحلوه وحرموا ربيعا الأول، وهكذا حتى استدار التحريم على شهور السنة كلها، وكانوا يعتبرون في التحريم مجرد العدد لا خصوصية الأشهر المعلومة، وأول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني. وانظر تفسير الآلوسي 3: 305

(4) أذن، بالفتح:أباح.

(5) عوان: أسيرات.

١٢٧

أيها الناس إنما المؤمنون إخوة و لا يحل لامرئ مال أخيه إلا على طيب نفس ألا هل بلغت، اللهم اشهد ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله ربكم، ألا هل بلغت اللهم اشهد أيها الناس إن ربكم واحد و إن أباكم واحد كلكم لآدم، و آدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم و ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ألا فليبلغ الشاهد الغائب أيها الناس إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث و لا تجوز وصية في أكثر من الثلث و الولد للفراش و للعاهر الحجر من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فهو ملعون لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا(1) و السلام عليكم و رحمة الله عليكم. و اعلم أن السجع لو كان عيبا لكان كلام الله سبحانه معيبا؛

لأنه مسجوع كله ذو فواصل و قرائن و يكفي هذا القدر وحده مبطلا لمذهب هؤلاء، فأما خطبة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) هذه فإنها و إن لم تكن ذات سجع، فإن أكثر خطبه مسجوع كقوله: (إن مع العز ذلا و إن مع الحياة موتا و إن مع الدنيا آخرة و إن لكل شي‏ء حسابا، و لكل حسنة ثوابا و لكل سيئة عقابا، و إن على كل شي‏ء رقيبا و إنه لا بد لك من قرين يدفن معك هو حي و أنت ميت، فإن كان كريما أكرمك و إن كان لئيما أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك و لا تبعث إلا معه و لا تسأل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن صلح أنست به و إن فسد لم تستوحش إلا منه و هو عملك). فأكثر هذا الكلام مسجوع كما تراه و كذلك خطبه الطوال كلها و أما كلامه

____________________

(1) أي لا يقبل منهم شئ، وأصل العدل أن يقتل الرجل الرجل، وانصرف: أن ينصرف عن الدم إلى أخذ الدية.

١٢٨

القصير فإنه غير مسجوع؛ لأنه لا يحتمل السجع و كذلك القصير من كلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ). فأما قولهم إن السجع يدل على التكلف فإن المذموم هو التكلف الذي تظهر سماجته و ثقله للسامعين، فأما التكلف المستحسن فأي عيب فيه ألا ترى أن الشعر نفسه لابد فيه من تكلف إقامة الوزن، و ليس لطاعن أن يطعن فيه بذلك. و احتج عائبو السجع بقوله (عليه‌السلام ) لبعضهم منكرا عليه أسجعا كسجع الكهان، و لولا أن السجع منكر لما أنكر (عليه‌السلام ) سجع الكهان و أمثاله، فيقال لهم إنما أنكر (عليه‌السلام ) السجع الذي يسجع الكهان أمثاله لا السجع على الإطلاق، و صورة الواقعة أنه (عليه‌السلام ) أمر في الجنين بغرة(1) فقال: قائل أأدي من لا شرب و لا أكل و لا نطق و لا استهل، و مثل هذا يطل(2) فأنكر (عليه‌السلام ) ذلك؛ لأن الكهان كانوا يحكمون في الجاهلية بألفاظ مسجوعة كقولهم حبة بر في إحليل مهر و قولهم عبد المسيح على جمل مشيح(3) ،لرؤيا الموبذان و ارتجاس الإيوان و نحو ذلك من كلامهم، و كان (عليه‌السلام ) قد أبطل الكهانة و التنجيم و السحر و نهى عنها فلما سمع كلام ذلك القائل أعاد الإنكار، و مراده به تأكيد تحريم العمل على أقوال الكهنة، و لو كان (عليه‌السلام ) قد أنكر السجع لما قاله، و قد بينا أن كثيرا من كلامه مسجوع و ذكرنا خطبته. و من كلامه (عليه‌السلام ) المسجوع خبر ابن مسعودرحمه‌الله تعالى قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) استحيوا من الله حق الحياء، فقلنا إنا لنستحيي يا رسول الله، من الله تعالى فقال ليس ذلك ما أمرتكم به و إنما الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس

____________________

(1) الغرة:ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء.انظر النهاية لابن الأثير (155:3).

(2) الطل: هدرالدم.

(3) جمل مشيح: جاد مسرع.

١٢٩

و ما وعى و البطن و ما حوى و تذكر الموت و البلى، و من أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا. و من ذلك كلامه المشهور لما قدم المدينة (عليه‌السلام ) أول قدومه إليها أيها الناس أفشوا السلام، و أطعموا الطعام، و صلوا الأرحام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام و عوذ الحسن (عليه‌السلام ) فقال: (أعيذك من الهامة و السامة و كل عين لامة)، و إنما أراد ملمة فقال لامة لأجل السجع. و كذلك قوله: (ارجعن مأزورات غير مأجورات) و إنما هو موزورات بالواو

١٣٠

2. و من خطبة له (عليه‌السلام ) بعد انصرافه من صفين

صفين اسم الأرض التي كانت فيها الحرب و النون فيها أصلية ذكر ذلك صاحب الصحاح(1) فوزنها على هذا فعيل كفسيق، و خمير، و صريع و ظليم و ضليل. فإن قيل فاشتقاقه مما ذا يكون. قيل: لو كان اسما لحيوان لأمكن أن يكون من صفن الفرس إذا قام على ثلاث، و أقام الرابعة على طرف الحافر يصفن بالكسر صفونا أو من صفن القوم إذا صفوا أقدامهم لا يخرج بعضها من بعض(2) . فإن قيل أيمكن أن يشتق من ذلك، و هو اسم أرض. قيل يمكن على تعسف، و هو أن تكون تلك الأرض لما كانت مما تصفن فيها الخيل أو تصطف فيها الأقدام سميت صفين. فإن قيل أيمكن أن تكون النون زائدة مع الياء كما هما في غسلين و عفرين. قيل: لو جاء في الأصل صف بكسر الصاد لأمكن أن تتوهم الزيادة كالزيادة

____________________

(1) الصحاح، 512، أي أنه ذكرها في مادة " صفن ".

(2) ا: " عن بعض ".

١٣١

في غسل، و هو ما يغتسل به نحو الخطمي و غيره فقيل غسلين لما يسيل من صديد أهل النار و دمائهم و كالزيادة في عفر، و هو الخبيث الداهي(1) فقيل: عفرين لمأسدة بعينها و قيل: عفريت للداهية هكذا ذكروه، و لقائل أن يقول لهم: أليس قد قالوا للأسد عفرني بفتح العين، و أصله العفر بالكسر، فقد بان أنهم لم يراعوا في اشتقاقهم و تصريف كلامهم الحركة المخصوصة، و إنما يراعون الحرف و لا كل الحروف بل الأصلي منها فغير ممتنع على هذا عندنا أن تكون الياء و النون زائدتين في صفين. و صفين اسم غير منصرف للتأنيث و التعريف قال(2) :

إني أدين بما دان الوصي به

يوم الخريبة من قتل المحلينا(3)

و بالذي دان يوم النهر دنت به

و شاركت كفه كفي بصفينا

تلك الدماء معا يا رب في عنقي

ثم اسقني مثلها آمين آمينا

(أَحْمَدُهُ اِسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَ اِسْتِسْلاَماً لِعِزَّتِهِ وَ اِسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَ أَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ إِنَّهُ لاَ يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَ لاَ يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ وَ لاَ يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَ أَفْضَلُ مَا خُزِنَ وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ(4 وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ4) شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاَصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً

____________________

(1) يقال: رجل داه وداهية، بمعنى.

(2) هو السيد الحميري، والأبيات بنسبتها إليه في الكامل 7: 177 - بشرح المرصفي.

(3) الخريبة: موضع بالبصرة، كانت عنده وقعة الجمل، ذكره ياقوت، واستشهد بالبيت، وفى الأصول: " الحربية "، بالحاء، تصحيف. وفى الكامل: " يوم النخلة ".

(4 - 4)ساقط من ا: ومخطوطة النهج.

١٣٢

مَا أَبْقَانَا وَ نَدَّخِرُهَا [ نَذَّخِرُهَا ] لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ اَلْإِيمَانِ وَ فَاتِحَةُ اَلْإِحْسَانِ وَ مَرْضَاةُ اَلرَّحْمَنِ وَ مَدْحَرَةُ [ مَهْلَكَةُ ] اَلشَّيْطَانِ) وأل أي نجا يئل و المصاص خالص الشي‏ء و الفاقة الحاجة، و الفقر الأهاويل جمع أهوال، و الأهوال جمع هول، فهو جمع الجمع كما قالوا أنعام و أناعيم و قيل أهاويل أصله تهاويل، و هي ما يهولك من شي‏ء، أي: يروعك و إن جاز هذا فهو بعيد؛ لأن التاء قل أن تبدل همزة و العزيمة النية المقطوع عليها و مدحرة الشيطان، أي: تدحره أي تبعده و تطرده. و قوله: (عليه‌السلام ) استتماما و استسلاما و استعصاما من لطيف الكناية و بديعها، فسبحان من خصه بالفضائل التي لا تنتهي ألسنة الفصحاء إلى وصفها، و جعله إمام كل ذي علم و قدوة كل صاحب خصيصة. و قوله: فإنه أرجح الهاء عائدة إلى ما دل عليه قوله أحمده يعني الحمد، و الفعل يدل على المصدر و ترجع الضمائر إليه، كقوله تعالى:( بَلْ هُوَ شَرٌّ ) (1) و هو ضمير البخل الذي دل عليه قوله:( يَبْخَلُونَ ) (1)

باب لزوم ما لا يلزم و إيراد أمثلة منه

و قوله: (عليه‌السلام ) وزن و خزن بلزوم الزاي من الباب المسمى لزوم ما لا يلزم، و هو أحد أنواع البديع و ذلك أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفا واحدا هذا

____________________

(1) سورة آل عمران 180 الآية بتمامها( وَلَايَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ) .

١٣٣

في المنثور و أما في المنظوم فأن تتساوى الحروف التي قبل الروي مع كونها ليست بواجبة التساوي مثال ذلك قول بعض شعراء الحماسة(1) :

بيضاء باكرها النعيم فصاغها

بلباقة فأدقها و أجلها(2)

حجبت تحيتها فقلت لصاحبي

ما كان أكثرها لنا و أقلها

و إذا وجدت لها وساوس سلوة

شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها(3)

ألا تراه كيف قد لزم اللام الأولى من اللامين اللذين صارا حرفا مشددا، فالثاني منهما هو الروي و اللام الأول الذي قبله التزام ما لا يلزم، فلو قال في القصيدة وصلها و قبلها و فعلها لجاز. و احترزنا نحن بقولنا مع كونها ليست بواجبة التساوي عن قول الراجز، و هو من شعر الحماسة أيضا:

و فيشة ليست كهذي الفيش

قد ملئت من نزق و طيش(4)

إذا بدت قلت أمير الجيش

من ذاقها يعرف طعم العيش

فإن لزوم الياء قبل حرف الروي ليس من هذا الباب؛ لأنه لزوم واجب ألا ترى أنه لو قال في هذا الرجز البطش، و الفرش، و العرش لم يجز؛ لأن الردف(5) لا يجوز أن يكون حرفا خارجا عن حروف العلة، و قد جاء من اللزوم في الكتاب العزيز مواضع

____________________

(1) من أبيات أربعة، أولها:

إن التي زعمت فؤادك ملها

خلقت هواك كما خلقت هوى لها

وهي في المرزوقي 1235، وأمالي القالي (1: 156) من غير نسبة، ونقل التبريزي عن أبي رياش أنها لعروة بن أذينة.

(2) أدقها وأجلها، أي أتى بها دقيقة العين والأنف والثغر والخصر، جليلة الساق والفخذ والصدر.

(3) الحماسة: * شفع الضمير لها إلى فسلها *

(4) ديوان الحماسة - بشرح التبريزي 4: 340.

(5) الردف عند العروضيين هو حرف لين أو مد قبل الروى يتصلان به.

١٣٤

ليست بكثيرة، فمنها قوله سبحانه:( فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ، لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اُهْجُرْنِي مَلِيًّا ) (1) ، و قوله تعالى:( وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ) (2) ، و قوله:( اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ اَلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ اَلْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ) (3) و قوله:( وَ اَلطُّورِ وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ ) (4) ، و قوله:( بِكاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ اَلْمَنُونِ ) (5) ، و قوله:( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ ) (6) ، و قوله:( فَإِنِ اِنْتَهَوْا فَإِنَّ اَللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اَللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ اَلْمَوْلى‏ وَ نِعْمَ اَلنَّصِيرُ ) (7) ، و الظاهر أن ذلك غير مقصود قصده. و مما ورد منه في كلام العرب أن لقيط بن زرارة تزوج ابنة قيس بن خالد الشيباني فأحبته فلما قتل عنها تزوجت غيره، فكانت تذكر لقيطا، فسألها عن حبها له فقالت أذكره، و قد خرج تارة في يوم دجن و قد تطيب، و شرب الخمر، و طرد بقرا فصرع بعضها، ثم جاءني و به نضح دم و عبير فضمني ضمة و شمني شمة فليتني كنت مت ثمة. و قد صنع أبو العلاء المعري كتابا في اللزوم من نظمه، فأتى فيه بالجيد و الردي‏ء و أكثره متكلف و من جيده قوله:

لا تطلبن بآلة لك حالة

قلم البليغ بغير حظ مغزل(8)

سكن السماكان السماء كلاهما

هذا له رمح و هذا أعزل

(وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ اَلْمَشْهُورِ وَ اَلْعَلَمِ اَلْمَأْثُورِ

____________________

(1) سورة مريم 44، 45.

(2) سورة ق 27، 28

(3) سورة العلق 1، 2.

(4) سورة الطور 1، 2

(5) سورة الطور 29، 30.

(6) سورة الواقعة 28، 29

(7) سورة الأنفال 39، 40.

(8) لم يرد البيتان نسخ اللزوميات، ونسبهما إليه ابن خلكان (1: 33)، وابن الوردي، ومرآة الجنان، وابن كثير (حوادث 499)، وشذرات الذهب 3: 281، وتقديم أبى بكر لا بن حجه 435، وفى ابن خلكان: "لك رتبة ".

١٣٥

وَ اَلْكِتَابِ اَلْمَسْطُورِ وَ اَلنُّورِ اَلسَّاطِعِ وَ اَلضِّيَاءِ اَللاَّمِعِ وَ اَلْأَمْرِ اَلصَّادِعِ إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ وَ اِحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ وَ تَحْذِيراً بِالآْيَاتِ وَ تَخْوِيفاً بِالْمَثُلاَتِ وَ اَلنَّاسُ فِي فِتَنٍ اِنْجَذَمَ [ اِنْحَذَمَ ] فِيهَا حَبْلُ اَلدِّينِ وَ تَزَعْزَعَتْ سَوَارِي اَلْيَقِينِ وَ اِخْتَلَفَ اَلنَّجْرُ وَ تَشَتَّتَ اَلْأَمْرُ وَ ضَاقَ اَلْمَخْرَجُ وَ عَمِيَ اَلْمَصْدَرُ فَالْهُدَى خَامِلٌ وَ اَلْعَمَى شَامِلٌ عُصِيَ اَلرَّحْمَنُ وَ نُصِرَ اَلشَّيْطَانُ وَ خُذِلَ اَلْإِيمَانُ فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَ تَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ [ أَعْلاَمُهُ ] وَ دَرَسَتْ سُبُلُهُ وَ عَفَتْ شُرُكُهُ أَطَاعُوا اَلشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ بِهِمْ سَارَتْ أَعْلاَمُهُ وَ قَامَ لِوَاؤُهُ فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَ وَطِئَتْهُمْ بِأَظْلاَفِهَا وَ قَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ فِي خَيْرِ دَارٍ وَ شَرِّ جِيرَانٍ نَوْمُهُمْ سُهُودٌ [ سُهَادٌ ] وَ كُحْلُهُمْ دُمُوعٌ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَ جَاهِلُهَا مُكْرَمٌ) قوله: (عليه‌السلام ) و العلم المأثور يجوز أن يكون عنى به القرآن؛ لأن المأثور المحكي و العلم ما يهتدى به و المتكلمون يسمون المعجزات أعلاما، و يجوز أن يريد به أحد معجزاته غير القرآن فإنها كثيرة و مأثورة، و يؤكد هذا قوله بعد و الكتاب المسطور، فدل على تغايرهما و من يذهب إلى الأول يقول المراد بهما واحد، و الثانية توكيد الأولى على قاعدة الخطابة و الكتابة. و الصادع الظاهر الجلي، قال تعالى:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ) (1) ، أي: أظهره و لا تخفه. و المثلات بفتح الميم و ضم الثاء العقوبات جمع مثلة، قال تعالى:( وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ اَلْحَسَنَةِ وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ اَلْمَثُلاتُ ) (2) . و انجذم انقطع و السواري جمع سارية، و هي الدعامة يدعم بها السقف و النجر

____________________

(1) سورة الحجر94.

(3) سورة الرعد 6.

١٣٦

الأصل، و مثله النجار و انهارت تساقطت و الشرك الطرائق جمع شراك، و الأخفاف للإبل و الأظلاف للبقر و المعز. و قال الراوندي في تفسير قوله: (خير دار و شر جيران)، خير دار الكوفة و قيل الشام؛ لأنها الأرض المقدسة و أهلها شر جيران يعني أصحاب معاوية، و على التفسير الأول يعني أصحابه (عليه‌السلام ). قال و قوله نومهم سهود، يعني أصحاب معاوية لا ينامون طول الليل بل يرتبون أمره و إن كان وصفا لأصحابه (عليه‌السلام ) بالكوفة، و هو الأقرب، فالمعنى أنهم خائفون يسهرون و يبكون لقلة موافقتهم إياه، و هذا شكاية منه (عليه‌السلام ) لهم. و كحلهم دموع، أي: نفاقا فإنه إذا تم نفاق المرء ملك عينيه. و لقائل أن يقول لم يجر فيما تقدم ذكر أصحابه (عليه‌السلام ) و لا أصحاب معاوية، و الكلام كله في وصف أهل الجاهلية قبل مبعث محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، ثم لا يخفى ما في هذا التفسير من الركاكة و الفجاجة، و هو أن يريد بقوله نومهم سهود، أنهم طوال الليل يرتبون أمر معاوية لا ينامون، و أن يريد بذلك أن أصحابه يبكون من خوف معاوية و عساكره أو أنهم يبكون نفاقا، و الأمر أقرب من أن يتمحل له مثل هذا. و نحن نقول إنه (عليه‌السلام ) لم يخرج من صفة أهل الجاهلية، و قوله في خير دار، يعني مكة و شر جيران يعني قريشا، و هذا لفظ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) حين حكى بالمدينة حالة كانت في مبدأ البعثة، فقال: كنت في خير دار و شر جيران، ثم حكى (عليه‌السلام ) ما جرى له مع عقبة بن أبي معيط و الحديث مشهور. و قوله: (نومهم سهود و كحلهم دموع)، مثل أن يقول جودهم بخل و أمنهم خوف، أي: لو استماحهم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) النوم لجادوا عليه بالسهود عوضا عنه، و لو استجداهم الكحل لكان كحلهم الذي يصلونه به الدموع.

١٣٧

ثم قال بأرض عالمها ملجم، أي: من عرف صدق محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و آمن به في تقية و خوف و جاهلها مكرم، أي: من جحد نبوته و كذبه في عز و منعة، و هذا ظاهر: (وَ مِنْهَا وَ يَعْنِي آلَ اَلنَّبِيِّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) هُمْ مَوْضِعُ سَرِّهِ وَ لَجَأُ أَمْرِهِ وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ وَ جِبَالُ دِينِهِ بِهِمْ أَقَامَ اِنْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَذْهَبَ اِرْتِعَادَ فَرَائِصِهِ اللجأ ما تلتجئ إليه كالوزر ما تعتصم به و الموئل ما ترجع إليه)، يقول: إن أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، أي: شأنه ملتجئ إليهم و علمه مودع عندهم كالثوب يودع العيبة. و حكمه، أي: شرعه يرجع و يؤول إليهم و كتبه، يعني القرآن و السنة عندهم فهم كالكهوف له لاحتوائهم عليه، و هم جبال دينه لا يتحلحلون عن الدين أو أن الدين ثابت بوجودهم، كما أن الأرض ثابتة بالجبال و لو لا الجبال لمادت بأهلها. و الهاء في ظهره ترجع إلى الدين و كذلك الهاء في فرائصه و الفرائص جمع فريصة، و هي اللحمة بين الجنب و الكتف لا تزال ترعد من الدابة: (وَ مِنْهَا فِي اَلْمُنَافِقِينَ يَعْنِي قَوْماً آخَرِينَ زَرَعُوا اَلْفُجُورَ وَ سَقَوْهُ اَلْغُرُورَ وَ حَصَدُوا اَلثُّبُورَ لاَ يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ص مِنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لاَ يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ اَلدِّينِ وَ عِمَادُ اَلْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي‏ءُ اَلْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ

١٣٨

اَلتَّالِي وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ اَلْوِلاَيَةِ وَ فِيهِمُ اَلْوَصِيَّةُ وَ اَلْوِرَاثَةُ اَلآْنَ إِذْ رَجَعَ اَلْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ) جعل ما فعلوه من القبيح بمنزلة زرع زرعوه، ثم سقوه فالذي زرعوه الفجور، ثم سقوه بالغرور و الاستعارة واقعة موقعها؛ لأن تماديهم و ما سكنت إليه نفوسهم من الإمهال، هو الذي أوجب استمرارهم على القبائح التي واقعوها، فكان ذلك كما يسقى الزرع و يربى بالماء و يستحفظ. ثم قال: و حصدوا الثبور، أي: كانت نتيجة ذلك الزرع و السقي حصاد ما هو الهلاك و العطب. و إشارته هذه ليست إلى المنافقين كما ذكر الرضيرحمه‌الله ، و إنما هي إشارة إلى من تغلب عليه و جحد حقه كمعاوية و غيره، و لعل الرضيرحمه‌الله تعالى عرف ذلك و كنى عنه. ثم عاد إلى الثناء على آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فقال هم أصول الدين إليهم يفي‏ء الغالي و بهم يلحق التالي جعلهم كمقنب يسير في فلاة فالغالي منه، أي: الفارط المتقدم الذي قد غلا في سيره يرجع إلى ذلك المقنب إذا خاف عدوا و من قد تخلف عن ذلك المقنب فصار تاليا له يلتحق به إذا أشفق من أن يتخطف. ثم ذكر خصائص حق الولاية و الولاية الإمرة، فأما الإمامية فيقولون أ: راد نص النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عليه و على أولاده و نحن نقول: لهم خصائص حق ولاية الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) على الخلق. ثم قال (عليه‌السلام ) : و فيهم الوصية و الوراثة، أما الوصية فلا ريب عندنا أن عليا (عليه‌السلام ) كان وصي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و إن خالف في ذلك من هو منسوب

١٣٩

عندنا إلى العناد، و لسنا نعني بالوصية النص و الخلافة و لكن أمورا أخرى لعلها إذا لمحت أشرف و أجل. و أما الوراثة فالإمامية يحملونها على ميراث المال و الخلافة و نحن نحملها على وراثة العلم. ثم ذكر (عليه‌السلام ) أن الحق رجع الآن إلى أهله و هذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله، و نحن نتأول ذلك على غير ما تذكره الإمامية، و نقول إنه (عليه‌السلام ) كان أولى بالأمر و أحق لا على وجه النص بل على وجه الأفضلية، فإنه أفضل البشر بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و أحق بالخلافة من جميع المسلمين، لكنه ترك حقه لما علمه من المصلحة و ما تفرس فيه هو و المسلمون من اضطراب الإسلام و انتشار الكلمة لحسد العرب له و ضغنهم عليه و جائز لمن كان أولى بشي‏ء فتركه، ثم استرجعه أن يقول قد رجع الأمر إلى أهله. و أما قوله: و انتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف تقديره إلى موضع منتقله و المنتقل بفتح القاف مصدر بمعنى الانتقال، كقولك لي في هذا الأمر مضطرب، أي اضطراب قال:

قد كان لي مضطرب واسع

في الأرض ذات الطول و العرض(1)

و تقول ما معتقدك، أي: ما اعتقادك، قد رجع الأمر إلى نصابه و إلى الموضع الذي هو على الحقيقة الموضع الذي يجب أن يكون انتقاله إليه. فإن قيل ما معنى قوله (عليه‌السلام ) : (لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد و لا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا). قيل: لا شبهة أن المنعم أعلى و أشرف من المنعم عليه و لا ريب أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

____________________

(1)ديوان الحماسة 1: 782 بشرح المرزوقي، من أبيات نسبها إلى خطاب بن المعلى، واسمه في التبريزي: "حطان بن المعلى".

١٤٠