كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 85978
تحميل: 6271


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85978 / تحميل: 6271
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

11. و من كلام له (عليه‌السلام ) لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل

) تَزُولُ اَلْجِبَالُ وَ لاَ تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اَللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي اَلْأَرْضِ قَدَمَكَ اِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى اَلْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ) قوله: تزول الجبال و لا تزل خبر فيه معنى الشرط، تقديره إن زالت الجبال فلا تزل أنت و المراد المبالغة في أخبار صفين أن بني عكل، و كانوا مع أهل الشام حملوا في يوم من أيام صفين خرجوا و عقلوا أنفسهم بعمائمهم، و تحالفوا أنا لا نفر حتى يفر هذا الحكر بالكاف، قالوا: لأن عكلا تبدل الجيم كافا. و الناجذ أقصى الأضراس و تد أمر من وتد قدمه في الأرض، أي: أثبتها فيها كالوتد و لا تناقض بين قوله ارم ببصرك، و قوله: غض بصرك و ذلك؛ لأنه في الأولى أمره أن يفتح عينه، و يرفع طرفه، و يحدق إلى أقاصي القوم ببصره فعل الشجاع المقدام غير المكترث و لا المبالي؛ لأن الجبان تضعف نفسه و يخفق قلبه فيقصر بصره، و لا يرتفع طرفه، و لا يمتد عنقه، و يكون ناكس الرأس غضيض الطرف، و في الثانية أمره أن يغض بصره عن بريق سيوفهم و لمعان دروعهم لئلا يبرق بصره، و يدهش و يستشعر خوفا و تقدير الكلام و احمل و حذف ذلك للعلم به، فكأنه قال: إذا عزمت على الحملة

٢٤١

و صممت فغض حينئذ بصرك، و احمل و كن كالعشواء التي تخبط ما أمامها و لا تبالي. و قوله: عض على ناجذك قالوا إن العاض على نواجذه ينبو السيف عن دماغه؛ لأن عظام الرأس تشتد و تصلب، و قد جاء في كلامه (عليه‌السلام ) هذا مشروحا في موضع آخر، و هو قوله: و عضوا على النواجذ، فإنه أنبى للصوارم عن الهام و يحتمل أن يريد به شدة الحنق قالوا: فلان يحرق علي الأرم يريدون شدة الغيظ، و الحرق صريف الأسنان، و صوتها و الأرم الأضراس. و قوله: أعر الله جمجمتك، معناه ابذلها في طاعة الله و يمكن أن يقال إن ذلك إشعار له أنه لا يقتل في تلك الحرب؛ لأن العارية مردودة، و لو قال له: بع الله جمجمتك، لكان ذلك إشعارا له بالشهادة فيها. و أخذ يزيد بن المهلب هذه اللفظة فخطب أصحابه بواسط، فقال: إني قد أسمع قول الرعاع جاء مسلمة، و جاء العباس(1) ، و جاء أهل الشام، و من أهل الشام، و الله ما هم إلا تسعة أسياف سبعة منها معي، و اثنان علي و أما مسلمة فجرادة صفراء، و أما العباس فنسطوس ابن نسطوس(2) أتاكم في برابرة، و صقالبة و جرامقة، و جراجمة(3) و أقباط و أنباط، و أخلاط إنما أقبل إليكم الفلاحون و أوباش كأشلاء اللحم، و الله ما لقوا قط كحديدكم و عديدكم أعيروني سواعدكم ساعة تصفقون بها خراطيمهم، فإنما هي غدوة أو روحة حتى يحكم الله بيننا و بين القوم الظالمين. من صفات الشجاع قولهم: فلان مغامر و فلان غشمشم، أي: لا يبصر ما بين يديه في الحرب، و ذلك لشدة تقحمه و ركوبه المهلكة، و قلة نظره في العاقبة، و هذا هو معنى قوله (عليه‌السلام ) لمحمد غض بصرك.

____________________

(1) هما مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك جهزهما يزيد بن بن عبد الملك لقتال يزيد بن المهلب. انظر ابن خلكان، ترجمة يزيد بن المهلب.

(2) إشارة إلى أن أمه كانت أمة رومية نصرانية

(3) الجر امقة: قوم من العجم صاروا بالموصل فى أوائل الإسلام.والجرامقسة: قوم من العجم بالجزيرة، أونبط الشام.

٢٤٢

ذكر خبر مقتل حمزة بن عبد المطلب

و كان حمزة بن عبد المطلب مغامرا غشمشما لا يبصر أمامه، قال جبير بن مطعم، بن عدي، بن نوفل، بن عبد مناف لعبده وحشي يوم أحد ويلك إن عليا قتل عمي طعيمة سيد البطحاء يوم بدرد، فإن قتلته اليوم فأنت حر، و إن قتلت محمدا فأنت حر، و إن قتلت حمزة فأنت حر، فلا أحد يعدل عمي إلا هؤلاء، فقال: أما محمد فإن أصحابه دونه و لن يسلموه و لا أراني أصل إليه و أما علي فرجل حذر مرس(1) ، كثير الالتفات في الحرب لا أستطيع قتله، و لكن سأقتل لك حمزة، فإنه رجل لا يبصر أمامه في الحرب فوقف لحمزة حتى إذا حاذاه زرقه بالحربة كما تزرق(2) الحبشة بحرابها فقتله.

محمد بن الحنفية و نسبه و بعض أخباره

دفع أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه (عليه‌السلام )، و قد استوت الصفوف و قال له احمل، فتوقف قليلا، فقال له: احمل. فقال يا أمير المؤمنين، أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر فدفع في صدره، فقال: أدركك عرق من أمك، ثم أخذ الراية فهزها ثم قال

اطعن بها طعن أبيك تحمد

لا خير في الحرب إذا لم توقد

بالمشرفي و القنا المسدد

ثم حمل و حمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة.

____________________

(1) رجل مرس: شديد العلاج للأمور.

(2) زرقه: طعنه

٢٤٣

قيل لمحمد لم يغرر بك أبوك في الحرب و لا يغرر بالحسن و الحسين (عليه‌السلام )، فقال: إنهما عيناه و أنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه كان علي (عليه‌السلام ) يقذف بمحمد في مهالك الحرب و يكف حسنا و حسينا عنها. و من كلامه في يوم صفين املكوا عني هذين الفتيين أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ). أم محمدرضي‌الله‌عنه خولة بنت جعفر، بن قيس، بن مسلمة، بن عبيد، بن ثعلبة، بن يربوع، بن ثعلبة، بن الدؤل، بن حنيفة، بن لجيم، بن صعب، بن علي بن بكر، بن وائل. و اختلف في أمرها فقال: قوم إنها سبية من سبايا الردة قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لما منع كثير من العرب الزكاة، و ارتدت بنو حنيفة و ادعت نبوة مسيلمة و إن أبا بكر دفعها إلى علي (عليه‌السلام ) من سهمه في المغنم. و قال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد، بن سيف المدائني، هي سبية في أيام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قالوا: بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عليا إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد، و قد ارتدوا مع عمرو بن معديكرب، و كانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم علي (عليه‌السلام ) فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي و كنه بكنيتي فولدت له بعد موت فاطمة (سلام الله عليها) محمدا، فكناه أبا القاسم. و قال قوم و هم المحققون و قولهم الأظهر، إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر الصديق فسبوا خولة بنت جعفر، و قدموا بها المدينة فباعوها من علي (عليه‌السلام )

٢٤٤

و بلغ قومها خبرها، فقدموا المدينة على علي (عليه‌السلام ) فعرفوها و أخبروه بموضعها منهم فأعتقها و مهرها و تزوجها فولدت له محمدا فكناه أبا القاسم. و هذا القول هو اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه المعروف بتاريخ الأشراف. لما تقاعس محمد يوم الجمل عن الحملة و حمل علي (عليه‌السلام ) بالراية فضعضع أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية، و قال امح الأولى بالأخرى و هذه الأنصار معك. و ضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير منهم من أهل بدر، فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم و أبلى بلاء حسنا، فقال خزيمة بن ثابت لعلي (عليه‌السلام ) أما إنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح، و لئن كنت خفت عليه الحين و هو بينك و بين حمزة و جعفر لما خفناه عليه، و إن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال. و قالت الأنصار: يا أمير المؤمنين، لو لا ما جعل الله تعالى للحسن و الحسين (عليه‌السلام ) لما قدمنا على محمد أحدا من العرب، فقال علي (عليه‌السلام ) : أين النجم من الشمس و القمر؟ أما إنه قد أغنى و أبلى و له فضله و لا ينقص فضل صاحبيه عليه، و حسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا و الله لا نجعله كالحسن و الحسين (عليه‌السلام ) و لا نظلمهما له و لا نظلمه لفضلهما عليه حقه، فقال علي (عليه‌السلام ) : أين يقع ابني من ابني بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فقال خزيمة بن ثابت فيه:

محمد ما في عودك اليوم وصمة

و لا كنت في الحرب الضروس معردا(1)

أبوك الذي لم يركب الخيل مثله

علي و سماك النبي محمدا

فلو كان حقا من أبيك خليفة

لكنت و لكن ذاك ما لا يرى بدا

____________________

(1) معرد: منهزم.

٢٤٥

و أنت بحمد الله أطول غالب(1)

لسانا و أنداها بما ملكت يدا

و أقربها من كل خير تريده

قريش و أوفاها بما قال موعدا

و أطعنهم صدر الكمي برمحه

و أكساهم للهام عضبا مهندا

سوى أخويك السيدين كلاهما

إمام الورى و الداعيان إلى الهدى

أبى الله أن يعطي عدوك مقعدا

من الأرض أو في الأوج مرقى و مصعدا

____________________

(1) غالب يقصد به ذرية غالب بن قهر بن مالك.

٢٤٦

12. و من كلام له (عليه‌السلام ) لما أظفره الله بأصحاب الجمل

) وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاَناً كَانَ شَاهِدَنَا لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اَللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ فَقَالَ لَهُ (عليه‌السلام ) علي (عليه‌السلام ) أَهَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا قَوْمٌ أَقْوَامٌ [ قَوْمٌ ] فِي أَصْلاَبِ اَلرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ اَلنِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ اَلزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ اَلْإِيمَانُ) يرعف بهم الزمان يوجدهم و يخرجهم كما يرعف الإنسان بالدم الذي يخرجه من أنفه، قال الشاعر:

و ما رعف الزمان بمثل عمرو

و لا تلد النساء له ضريبا

و المعنى مأخوذ من قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لعثمان، و لم يكن شهد بدرا تخلف على رقية ابنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لما مرضت مرض موتها لقد كنت شاهدا، و إن كنت غائبا لك أجرك و سهمك.

من أخبار يوم الجمل

قال الكلبي: قلت لأبي صالح كيف لم يضع علي (عليه‌السلام ) السيف في أهل البصرة يوم الجمل بعد ظفره، قال سار فيهم بالصفح و المن الذي سار به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

٢٤٧

في أهل مكة يوم الفتح، فإنه أراد أن يستعرضهم بالسيف، ثم من عليهم و كان يحب أن يهديهم الله. قال فطر بن خليفة ما دخلت دار الوليد بالكوفة التي فيها القصارون إلا و ذكرت بأصواتهم وقع السيوف يوم الجمل. حرب بن جيهان الجعفي لقد رأيت الرماح يوم الجمل قد أشرعها الرجال بعضهم في صدر بعض، كأنها آجام القصب لو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت، و لقد صدقونا القتال حتى ما ظننت أن ينهزموا و ما رأيت يوما قط أشبه بيوم الجمل من يوم جلولاء الوقيعة(1) . الأصبغ بن نباتة لما انهزم أهل البصرة ركب علي (عليه‌السلام ) بغلة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) الشهباء، و كانت باقية عنده و سار في القتلى يستعرضهم، فمر بكعب بن سور القاضي قاضي البصرة، و هو قتيل، فقال: أجلسوه. فأجلس فقال له: ويلمك كعب بن سور لقد كان لك علم لو نفعك و لكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار أرسلوه، ثم مر بطلحة بن عبيد الله قتيلا، فقال: أجلسوه. فأجلس قال أبو مخنف في كتابه فقال: ويلمك طلحة لقد كان لك قدم لو نفعك و لكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار. و أما أصحابنا فيروون غير ذلك يروون أنه (عليه‌السلام ) قال له لما أجلسوه أعزز علي أبا محمد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء، و في بطن هذا الوادي أبعد جهادك في الله، و ذبك عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فجاء إليه إنسان فقال: أشهد يا أمير المؤمنين، لقد مررت عليه بعد أن أصابه السهم، و هو صريع فصاح بي فقال من أصحاب من أنت فقلت من أصحاب أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فقال: امدد يدك لأبايع

____________________

(1) جلولاء: موضع في خراسان، كانت بها وقعة المسلمين على الفرس سنة 16، وسميت الوقيعة لما أوقع بهم المسلمون(ياقوت)

٢٤٨

لأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) فمددت إليه يدي فبايعني لك، فقال علي (عليه‌السلام ) أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا و بيعتي في عنقه، ثم مر بعبد الله بن خلف الخزاعي و كان (عليه‌السلام ) قتله بيده مبارزة، و كان رئيس أهل البصرة، فقال: أجلسوه، فأجلس فقال: الويل لك يا ابن خلف، لقد عانيت أمرا عظيما. و قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ، و مر (عليه‌السلام ) بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فقال: أجلسوه، فأجلس، فقال: هذا يعسوب قريش هذا اللباب المحض من بني عبد مناف، ثم قال: شفيت نفسي و قتلت معشري إلى الله أشكو عجري و بجري(1) قتلت الصناديد من بني عبد مناف، و أفلتني الأعيار(2) من بني جمح، فقال له: قائل لشد ما أطريت هذا الفتى منذ اليوم يا أمير المؤمنين، قال: إنه قام عني و عنه نسوة لم يقمن عنك. قال أبو الأسود الدؤلي: لما ظهر علي (عليه‌السلام ) يوم الجمل دخل بيت المال بالبصرة في ناس من المهاجرين و الأنصار و أنا معهم، فلما رأى كثرة ما فيه قال غري غيري مرارا، ثم نظر إلى المال و صعد فيه بصره و صوب، و قال: اقسموه بين أصحابي خمسمائة خمسمائة، فقسم بينهم فلا و الذي بعث محمدا بالحق ما نقص درهما و لا زاد درهما، كأنه كان يعرف مبلغه و مقداره، و كان ستة آلاف ألف درهم و الناس اثنا عشر ألفا.

____________________

(1) عجري وبجري، نقل صاحب اللسان (216:6) عن محمد بن يزيد: " معناه همومي وأحزاني، وقيل: ما أبدى وأخفى، وكله على المثل ". وقال: " وأصل العجر العروق المنعقدة في الصدر، والبجر العروق المنعقدة في البطن خاصة ".

(2) الأعيار هنا: جمع عير، وعير القوم: سيدهم، وعليه قول الحارث بن حلزة:

زعموا أن كل من ضرب العير

موال لنا وأنى الولاء

٢٤٩

حبة العرني(1) قسم علي (عليه‌السلام ) بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة، و أخذ خمسمائة درهم كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة، فقال: يا أمير المؤمنين، كنت شاهدا معك بقلبي و إن غاب عنك جسمي فأعطني من الفي‏ء شيئا، فدفع إليه الذي أخذه لنفسه و هو خمسمائة درهم، و لم يصب من الفي‏ء شيئا. اتفقت الرواة كلها على أنه (عليه‌السلام ) قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح و دابة و مملوك و متاع و عروض فقسمه بين أصحابه و أنهم قالوا له اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا، فقال: لا فقالوا فكيف تحل لنا دماءهم و تحرم علينا سبيهم، فقال: كيف يحل لكم ذرية ضعيفة في دار هجرة و إسلام أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم، و أما ما وارت الدور و أغلقت عليه الأبواب فهو لأهله و لا نصيب لكم في شي‏ء منه، فلما أكثروا عليه قال: فأقرعوا على عائشة لأدفعها إلى من تصيبه القرعة فقالوا: نستغفر الله يا أمير المؤمنين، ثم انصرفوا

____________________

(1) حبة، بفتح أوله، ثم موحدة ثقيلة، بن جوين العرني، الكوفي. كان غاليا في التشيع، قال في التهذيب: مات أول ما قدم الحجاج العراق سنة 76

٢٥٠

13. و من كلام له (عليه‌السلام ) في ذم أهل البصرة

( بعد وقعة الجمل كُنْتُمْ جُنْدَ اَلْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ اَلْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ وَ اَلْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَ اَلشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اَللَّهُ عَلَيْهَا اَلْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرَّقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا وَ فِي رِوَايَةٍ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَتُغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلاَدُكُمْ أَنْتَنُ بِلاَدِ اَللَّهِ تُرْبَةً أَقْرَبُهَا مِنَ اَلْمَاءِ وَ أَبْعَدُهَا مِنَ اَلسَّمَاءِ وَ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ اَلشَّرِّ اَلْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ وَ اَلْخَارِجُ بِعَفْوِ اَللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا اَلْمَاءُ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلاَّ شُرَفُ اَلْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ)

٢٥١

قوله و أتباع البهيمة يعني الجمل، و كان جمل عائشة راية عسكر البصرة قتلوا دونه كما تقتل الرجال تحت راياتها. و قوله: أخلاقكم دقاق يصفهم باللؤم، و في الحديث أن رجلا قال له: يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، إني أحب أن أنكح فلانة إلا أن في أخلاق أهلها دقه. فقال له: (إياك و خضراء الدمن إياك و المرأة الحسناء في منبت السوء). قوله: و عهدكم شقاق يصفهم بالغدر. يقول عهدكم و ذمتكم لا يوثق بها، بل هي و إن كانت في الصورة عهدا أو ذمة فإنها في المعنى خلاف و عداوة. قوله: و ماؤكم زعاق، أي: ملح و هذا و إن لم يكن من أفعالهم إلا أنه مما تذم به المدينة كما قال:

بلاد بها الحمى و أسد عرينة

و فيها المعلى يعتدي و يجور

فإني لمن قد حل فيها لراحم

و إني من لم يأتها لنذير

و لا ذنب لأهلها في أنها بلاد الحمى و السباع. ثم وصف المقيم بين أظهرهم بأنه مرتهن بذنبه؛ لأنه إما أن يشاركهم في الذنوب أو يراها فلا ينكرها، و مذهب أصحابنا أنه لا تجوز الإقامة في دار الفسق كما لا تجوز الإقامة في دار الكفر. و جؤجؤ عظم الصدر و جؤجؤ السفينة صدرها.

٢٥٢

فأما إخباره (عليه‌السلام ) أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها فتغرق و يبقى مسجدها. و الصحيح أن المخبر به قد وقع فإن البصرة غرقت مرتين مرة في أيام القادر بالله، و مرة في أيام القائم بأمر الله غرقت بأجمعها، و لم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس، و من جهة الجبل المعروف بجبل السنام، و خربت دورها و غرق كل ما في ضمنها و هلك كثير من أهلها. و أخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقلها خلفهم عن سلفهم.

من أخبار يوم الجمل أيضا

قال أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني و محمد بن عمر الواقدي: ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل، و أكثره لبني ضبة و الأزد، الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه، و لقد كانت الرءوس تندر(1) عن الكواهل و الأيدي تطيح من المعاصم، و أقتاب البطن(2) تندلق من الأجواف، و هم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل و لا تتزلزل حتى لقد صرخ (عليه‌السلام ) بأعلى صوته ويلكم اعقروا الجمل، فإنه شيطان، ثم قال: اعقروه و إلا فنيت العرب لا يزال السيف قائما و راكعا حتى يهوي هذا البعير

____________________

(1) تندر: تقطع.

(2) الأقتاب: الأمعاء، واحده قتب، محركة بالتاء أو بكسر فسكون

٢٥٣

إلى الأرض، فصمدوا له حتى عقروه فسقط و له رغاء شديد فلما برك كانت الهزيمة. و من الأراجيز المحفوظة يوم الجمل لعسكر البصرة قول بعضهم(1) :

نحن بني ضبة أصحاب الجمل

ننازل الموت إذا الموت نزل

ننعى ابن عفان بأطراف الأسل

وا علينا شيخنا ثم بجل(2)

الموت أحلى عندنا من العسل

لا عار في الموت إذا حان الأجل

إن عليا هو من شر البدل

إن تعدلوا بشيخنا لا يعتدل

أين الوهاد و شماريخ القلل(3)

فأجابه رجل من عسكر الكوفة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) :

نحن قتلنا نعثلا فيمن قتل

أكثر من أكثر فيه أو أقل(4)

أنى يرد نعثل و قد قحل

نحن ضربنا وسطه حتى انجدل(5)

لحكمه حكم الطواغيت الأول(6)

آثر بالفي‏ء و جافى في العمل

فأبدل الله به خير بدل

إني امرؤ مستقدم غير وكل

مشمر للحرب معروف بطل

و من أراجيز أهل البصرة:

يا أيها الجند الصليب الإيمان

قوموا قياما و استغيثوا الرحمن

____________________

(1) الأبيات في الطبري (518:4)، منسوبة إلى رجل يدعى الحارث من بنى ضبة، وفى المسعودي (2: 73)من غير نسبة، مع اختلاف في الرواية وعدد الأبيات.

(2) بجل: حسب، كذا فسره صاحب اللسان (48:13)، واستشهد بالبيت.

(3) الشماريخ: رؤوس الجبال.

(4) قال صاحب اللسان: " نعثل رجل من أهل مصر، كان طويل اللحية، قيل إنه كان يشبه عثمان رضي الله عنه، هذا قول أبى عبيد. وشاتمو عثمان رضي الله عنه يسمونه نعثلا، تشبيها بالرجل المصري لطول لحيته، ولم يكونوا يجدون فيه عيبا غير هذا"

(5) قحل: مات وجف جلده. وانجدل: سقط، «انجزل»، أى انقسم قسمين.

(6) رواية البيت في كتاب صفين:*لما ّحكى حكم الظواغيت الأوَلْ*

٢٥٤

إني أتاني خبر ذو ألوان

إن عليا قتل ابن عفان

ردوا إلينا شيخنا كما كان

يا رب و ابعث ناصرا لعثمان

يقتلهم بقوة و سلطان

فأجابه رجل من عسكر الكوفة:

أبت سيوف مذحج و همدان

بأن ترد نعثلا كما كان

خلقا سويا بعد خلق الرحمن

و قد قضى بالحكم حكم الشيطان

و فارق الحق و نور الفرقان

فذاق كأس الموت شرب الظمآن

و من الرجز المشهور المقول يوم الحمل قاله أهل البصرة:

يا أمنا عائش لا تراعي

كل بنيك بطل المصاع(1)

ينعى ابن عفان إليك ناع

كعب بن سور كاشف القناع

فارضي بنصر السيد المطاع

و الأزد فيها كرم الطباع

و منه قول بعضهم:

يا أمنا يكفيك منا دنوه

لن يؤخذ الدهر الخطام عنوه

و حولك اليوم رجال شنوه

و حي همدان رجال الهبوه(2)

و المالكيون القليلو الكبوه

و الأزد حي ليس فيهم نبوه

قالوا و خرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه نبيل عليه جبة وشي يحض الناس على الحرب و يقول:

يا معشر الأزد عليكم أمكم

فإنها صلاتكم و صومكم

و الحرمة العظمى التي تعمكم

فأحضروها جدكم و حزمكم

____________________

(1) المصاع: الجلاد والضرب.

(2) الهبوة: الغبرة؛ يريد ما يتناثر في المعارك من الغبار والتراب، ومن ملاحطات الأستاذ جاسم « يلزم أن يكون بىلا من حي همدان اسم آخر إذ لم يوجد فى ذلك العخى من همدان أحد بالبصرة »، والمثبت ما في الأصول.

٢٥٥

لا يغلبن سم العدو سمكم

إن العدو إن علاكم زمكم

و خصكم بجوره و عمكم

لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم

قال المدائني و الواقدي: و هذا الرجز يصدق الرواية أن الزبير و طلحة قاما في الناس، فقالا: إن عليا إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة، فاحموا حقيقتكم فإنه لا يبقي حرمة إلا انتهكها و لا حريما إلا هتكه و لا ذرية إلا قتلها، و لا ذوات خدر إلا سباهن فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه، و يختار الموت على الفضيحة يراها في أهله. و قال أبو مخنف: لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ استقتل الناس عند قوله، و ثبتوا حول الجمل و انتدبوا فخرج عوف بن قطن الضبي، و هو ينادي ليس لعثمان ثأر إلا علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، و ولده فأخذ خطام الجمل و قال:

يا أم يا أم خلا مني الوطن

لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن

من هاهنا محشر عوف بن قطن

إن فاتنا اليوم علي فالغبن

أو فاتنا ابناه حسين و حسن

إذا أمت بطول هم و حزن

ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل. و تناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل، و كان كل من أراد الجد في الحرب و قاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه، ثم شد على عسكر علي (عليه‌السلام ) و قال:

أضربهم و لا أرى أبا حسن

ها إن هذا حزن من الحزن

فشد عليه علي أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) بالرمح فطعنه فقتله و قال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته و ترك الرمح فيه.

٢٥٦

و أخذت عائشة كفا من حصى فحصبت به أصحاب علي (عليه‌السلام ) و صاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه كما صنع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يوم حنين، فقال لها قائل: و ما رميت إذ رميت و لكن الشيطان(1) رمى، و زحف علي (عليه‌السلام ) نحو(2) الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين و الأنصار و حوله بنوه حسن (عليه‌السلام ) و حسين (عليه‌السلام ) و محمد و دفع الراية إلى محمد و قال أقدم بها حتى تركزها في عين(3) الجمل، و لا تقفن دونه فتقدم محمد فرشقته السهام، فقال لأصحابه: رويدا حتى تنفد سهامهم فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان، فأنفذا إليه علي (عليه‌السلام ) إليه يستحثه و يأمره بالمناجزة، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن و قال له: أقدم لا أم لك فكان محمدرضي‌الله‌عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي و يقول: لكأني أجد ريح نفسه في قفاي و الله لا أنسى أبدا، ثم أدركت عليا (عليه‌السلام ) رقة على ولده فتناول الراية منه بيده اليسرى و ذو الفقار مشهور في يمنى يديه، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل، ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه، و بنوه، و الأشتر، و عمار: نحن نكفيك يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فلم يجب أحدا منهم و لا رد إليهم بصره و ظل ينحط(4) و يزأر زئير الأسد حتى فرق(5) من حوله و تبادروه و إنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله و لا يرد حوارا، ثم دفع الراية إلى ابنه محمد، ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما، و الرجال تفر من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و يسرة، حتى خضب الأرض بدماء القتلى، ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فاعصوصب(6) به أصحابه و ناشدوه الله في نفسه و في الإسلام، و قالوا: إنك إن تصب يذهب الدين فأمسك و نحن نكفيك، فقال: و الله ما أريد بما ترون إلا وجه الله و الدار الآخرة، ثم قال لمحمد ابنه هكذا تصنع يا ابن الحنفية، فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

____________________

(1) كذا في ا، وفى ب " ولكن الله ".

(2) ا: " يوم ".

(3) ا: " عجز "

(4) ينحط: يزفر.

(5) فرق، من باب تعب؛ أى خاف.

(6) اعصوصبوا به: استجمعوا والتفوا حوله

٢٥٧

و من كلماته الفصيحة (عليه‌السلام ) في يوم الجمل ما رواه الكلبي عن رجل من الأنصار قال بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل إذ جاء علي (عليه‌السلام ) فانحرفت إليه، فقال أين مثرى القوم فقلت هاهنا نحو عائشة. قال الكلبي يريد أين عددهم و أين جمهورهم، و كثرتهم و المال الثري على فعيل هو الكثير، و منه رجل ثروان و امرأة ثروى و تصغيرها ثريا و الصدقة مثراة للمال، أي: مكثرة له. قال أبو مخنف و بعث علي (عليه‌السلام ) إلى الأشتر أن احمل على ميسرتهم فحمل عليها و فيها هلال بن وكيع، فاقتتلوا قتالا شديدا و قتل هلال قتله الأشتر فمالت الميسرة إلى عائشة فلاذوا بها و عظمهم بنو ضبة و بنو عدي، ثم عطفت الأزد و ضبة و ناجية و باهلة إلى الجمل فأحاطوا به و اقتتل الناس حوله قتالا شديدا، و قتل كعب بن سور قاضي البصرة جاءه سهم(1) غرب فقتله و خطام الجمل في يده، ثم قتل عمرو بن يثربي الضبي(2) و كان فارس أصحاب الجمل و شجاعهم بعد أن قتل كثيرا من أصحاب علي (عليه‌السلام ). قالوا كان عمرو أخذ بخطام الجمل فدفعه إلى ابنه، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه علباء بن الهيثم السدوسي فقتله عمرو، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه هند بن عمرو الجملي(3) فقتله عمرو، ثم دعا إلى البراز فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي (عليه‌السلام ) : يا أمير المؤمنين، إني رأيت يدا أشرفت علي من السماء، و هي تقول: هلم إلينا و أنا خارج إلى

____________________

(1) يقال: أصابه سهم غرب (بفتحتين)وغرب (بفتح فسكون)، إذا كان لا يدرى من رماه، وقيل: إذا أتاه من حيث لا يدرى. اللسان 133:2

(2) عمرو بن يثربي. كان من رؤوس ضبة في الجاهلية ثم أسلم، واستقضاه عثمان على البصرة. الإصابة 120:5، والاشتقاق413

(3) هو هند بن عمرو الجملي، نسبة إلى نجمل بن سعد العشيرة، حي من مذحج. الاشتقاق 413

٢٥٨

ابن يثربي فإذا قتلني فادفني بدمي و لا تغسلني فإني مخاصم عند ربي، ثم خرج فقتله عمرو ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزا يقول:

أرديت علباء و هندا في طلق

ثم ابن صوحان خضيبا في علق(1)

قد سبق اليوم لنا ما قد سبق

و الوتر منا في عدي ذي الفرق

و الأشتر الغاوي و عمرو بن الحمق(2)

و الفارس المعلم في الحرب الحنق

ذاك الذي في الحادثات لم يطق

أعني عليا ليته فينا مزق

قال قوله و الوتر منا في عدي يعني عدي بن حاتم الطائي و كان من أشد الناس على عثمان و من أشدهم جهادا مع علي (عليه‌السلام )، ثم ترك ابن يثربي الخطام و خرج يطلب المبارزة فاختلف في قاتله، فقال قوم: إن عمار بن ياسر خرج إليه و الناس يسترجعون له؛ لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذ أقصرهم سيفا، و أقصفهم رمحا و أحمشهم(3) ساقا حمالة سيفه من نسعة(4) الرحل، و ذباب سيفه(5) قريب من إبطه فاختلفا ضربتين فنشب سيف ابن يثربي في حجفة(6) عمار، فضربه عمار على رأسه فصرعه، ثم أخذ برجله يسحبه حتى انتهى به إلى علي (عليه‌السلام )، فقال: يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، استبقني أجاهد بين يديك و أقتل منهم مثل ما قتلت منكم، فقال له علي (عليه‌السلام ) : أبعد زيد و هند و علباء أستبقيك لاها الله إذا قال فأدنني منك أسارك، قال له أنت متمرد، و قد أخبرني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بالمتمردين و ذكرك فيهم، فقال: أما و الله لو وصلت إليك لعضضت أنفك عضة أبنته منك. فأمر به علي (عليه‌السلام ) فضربت عنقه.

____________________

(1) الطلق: الشوط، والفلق: الدم

(2) عمرو بن الحمق، يعرف بالكاهن، صحب الرسول عليه السلام وشهد المشاهد مع علي، وقتله معاوية بالجزيرة، وكان رأسه أول رأس صلب في الاسلام. الاشتقاق 474

(3) أحمش الساقين: دقيقهما.

(4) المسع: سير ينسج عريضا على هيئة أعنة النعال، تشتد به الرحال، والقطعة منه نسعة.

(5) الذباب: حد السيف، أو طرفه المتطرف.

(6) الحجفة: واحدة الحجف، وهي التروس من جلد أو خشب.

٢٥٩

و قال قوم إن عمرا لما قتل من قتل و أراد أن يخرج لطلب البراز قال للأزد: يا معشر الأزد، إنكم قوم لكم حياء و بأس و إني قد وترت القوم و هم قاتلي و هذه أمكم نصرها دين و خذلانها عقوق، و لست أخشى أن أقتل حتى أصرع، فإن صرعت فاستنقذوني. فقالت له الأزد: ما في هذا الجمع أحد نخافه عليك إلا الأشتر قال فإياه أخاف. قال أبو مخنف: فقيضه الله له و قد أعلما جميعا فارتجز الأشتر:

إني إذا ما الحرب أبدت نابها

و أغلقت يوم الوغى أبوابها

و مزقت من حنق أثوابها

كنا قداماها و لا أذنابها(1)

ليس العدو دوننا أصحابها

من هابها اليوم فلن أهابها

لا طعنها أخشى و لا ضرابها

ثم حمل عليه فطعنه فصرعه و حامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب، و هو وقيذ ثقيل(2) فلم يستطع أن يدفع عن نفسه و استعرضه عبد الرحمن بن طود البكري فطعنه فصرعه ثانية و وثب عليه رجل من سدوس، فأخذه مسحوبا برجله حتى أتى به عليا (عليه‌السلام ) فناشده الله، و قال: يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، اعف عني فإن العرب لم تزل قائلة عنك إنك لم تجهز على جريح قط فأطلقه، و قال: اذهب حيث شئت، فجاء إلى أصحابه و هو لما به حضره الموت، فقالوا له: دمك عند أي الناس؟ فقال: أما الأشتر فلقيني و أنا كالمهر الأرن(3) فعلا حده حدي و لقيت رجلا يبتغي له عشرة أمثالي، و أما البكري فلقيني و أنا لما بي و كان يبتغي لي عشرة أمثاله و تولى أسري أضعف القوم و صاحبي الأشتر. قال أبو مخنف: فلما انكشفت الحرب شكرت ابنة عمرو بن يثربي الأزد و عابت قومها، فقالت:

____________________

(1) قدامي الجيش: مقدمه.

(2) الوقيذ: الجريح المشرف على الموت.

(3) الأردن: النشيط.

٢٦٠