كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 85995
تحميل: 6275


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85995 / تحميل: 6275
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يا ضب إنك قد فجعت بفارس

حامي الحقيقة قاتل الأقران

عمرو بن يثرب الذي فجعت به

كل القبائل من بني عدنان

لم يحمه وسط العجاجة قومه

و حنت عليه الأزد أزد عمان

فلهم علي بذاك حادث نعمة

و لحبهم أحببت كل يمان

لو كان يدفع عن منية هالك

طول الأكف بذابل المران

أو معشر وصلوا الخطا بسيوفهم

وسط العجاجة و الحتوف دوان

ما نيل عمر و الحوادث جمة

حتى ينال النجم و القمران

لو غير الأشتر ناله لندبته

و بكيته ما دام هضب أبان(1)

لكنه من لا يعاب بقتله

أسد الأسود و فارس الفرسان

قال: أبو مخنف و بلغنا أن عبد الرحمن بن طود البكري قال لقومه: أنا و الله قتلت عمرا و إن الأشتر كان بعدي، و أنا أمامه في الصعاليك فطعنت عمرا طعنة لم أحسب أنها تجعل للأشتر دوني، و إنما الأشتر ذو حظ في الحرب، و إنه ليعلم أنه كان خلفي و لكن أبى الناس إلا أنه صاحبه و لا أرى أن أكون خصم العامة، و إن الأشتر لأهل ألا ينازع فلما بلغ الأشتر قوله قال: أما و الله لو لا أني أطفأت جمرته عنه ما دنا منه و ما صاحبه غيري، و إن الصيد لمن وقذه فقال عبد الرحمن: لا أنازع فيه ما القول إلا ما قاله و أنى لي أن أخالف الناس. قال: و خرج عبد الله بن خلف الخزاعي و هو رئيس البصرة و أكثر أهلها مالا و ضياعا، فطلب البراز و سأل ألا يخرج إليه إلا علي (عليه‌السلام ) و ارتجز فقال:

أبا تراب ادن مني فترا(2)

فإنني دان إليك شبرا

و إن في صدري عليك غمرا(3)

____________________

(1) أبان: من أسماء الجبال عندهم.

(2) كذا في ا، وفى " يا با تراب ".

(3) الغمر الحقد والعداوة.

٢٦١

فخرج إليه علي (عليه‌السلام ) فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته. قالوا استدار الجمل كما تدور الرحى، و تكاثفت الرجال من حوله و اشتد رغاؤه و اشتد زحام الناس عليه، و نادى الحتات المجاشعي: أيها الناس، أمكم أمكم، و اختلط الناس فضرب بعضهم بعضا، و تقصد أهل الكوفة قصد الجمل و الرجال دونه كالجبال كلما خف قوم جاء أضعافهم، فنادى علي (عليه‌السلام ) ويحكم: ارشقوا الجمل بالنبل اعقروه لعنه الله، فرشق بالسهام فلم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل، و كان مجففا(1) فتعلقت السهام به فصار كالقنفذ، و نادت الأزد و ضبة يا لثارات عثمان فاتخذوها شعارا، و نادى أصحاب علي (عليه‌السلام ) : يا محمد، فاتخذوها شعارا و اختلط الفريقان و نادى علي (عليه‌السلام ) بشعار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : يا منصور أمت(2) ، و هذا في اليوم الثاني من أيام الجمل فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم و ذلك وقت العصر بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر. قال الواقدي: و قد روي أن شعاره (عليه‌السلام ) كان في ذلك اليوم حم لا ينصرون اللهم انصرنا على القوم الناكثين، ثم تحاجز الفريقان و القتل فاش فيهما إلا أنه في أهل البصرة أكثر و أمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة، ثم تواقفوا في اليوم الثالث فبرز أول الناس عبد الله بن الزبير و دعا إلى المبارزة فبرز إليه الأشتر، فقالت عائشة من برز إلى عبد الله، قالوا: الأشتر، فقالت: وا ثكل أسماء فضرب كل منهما صاحبه فجرحه، ثم اعتنقا فصرع الأشتر عبد الله و قعد على صدره، و اختلط الفريقان هؤلاء لينقذوا عبد الله و هؤلاء ليعينوا الأشتر و كان الأشتر طاويا ثلاثة أيام

____________________

(1) متجفجفا، من قولهم تجفجف الثوب، إذا ابتل ثم جف وفيه ندى.

(2) هو أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الامر بالإماتة، مع حصول الغرض (النهاية لابن الأثير (.

٢٦٢

لم يطعم، و هذه عادته في الحرب و كان أيضا شيخا عالي السن فجعل عبد الله ينادي: اقتلوني و مالكا(1) فلو قال اقتلوني و الأشتر لقتلوهما إلا أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض، و أفلت ابن الزبير من تحته و لم يكد فذلك قول الأشتر:

أعائش لو لا أنني كنت طاويا

ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا

غداة ينادي و الرجال تحوزه

بأضعف صوت اقتلوني و مالكا

فلم يعرفوه إذ دعاهم و غمه

خدب عليه في العجاجة باركا(2)

فنجاه مني أكله و شبابه

و أني شيخ لم أكن متماسكا

و روى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل عمار بن ياسر و مالك بن الحارث الأشتر على عائشة بعد انقضاء أمر الجمل، فقالت عائشة: يا عمار، من معك؟ قال: الأشتر. فقالت: يا مالك، أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت؟ قال: نعم، و لو لا أني كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه. فقالت: أما علمت أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال، لا يحل دم مسلم إلا بأحد أمور ثلاثة، كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق. فقال الأشتر: على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين، و ايم الله ما خانني سيفي قبلها و لقد أقسمت ألا يصحبني بعدها. قال أبو مخنف: ففي ذلك يقول الأشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه:

و قالت على أي الخصال صرعته

بقتل أتى أم رده لا أبا لكا

أم المحصن الزاني الذي حل قتله

فقلت لها لا بد من بعض ذلكا

____________________

(1) بقيته * واقتلوا مالكا معي * وانظر المسعودي376:2

(2) الخدب: الضخم.

٢٦٣

قال أبو مخنف: و انتهى الحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي (عليه‌السلام ) إلى الجمل و رجل(1) آخذ بخطامه لا يدنو منه أحد إلا قتله، فلما رآه الحارث بن زهير مشى إليه بالسيف و ارتجز فقال لعائشة:

يا أمنا أعق أم نعلم(2)

و الأم تغذو ولدها و ترحم

أما ترين كم شجاع يكلم

و تختلى هامته و المعصم(3)

فاختلف هو و الرجل ضربتين فكلاهما أثخن صاحبه. قال جندب بن عبد الله الأزدي: فجئت حتى وقفت عليهما و هما يفحصان بأرجلهما حتى ماتا. قال: فأتيت عائشة بعد ذلك أسلم عليها بالمدينة فقالت: من أنت؟ قلت: رجل من أهل الكوفة. قالت: هل شهدتنا يوم البصرة؟ قلت: نعم. قالت: مع أي الفريقين؟ قلت: مع علي (عليه‌السلام ). قالت: هل سمعت مقالة الذي قال:

يا أمنا أعق أم نعلم

قلت: نعم و أعرفه. قالت: و من هو؟ قلت: ابن عم لي. قالت: و ما فعل؟ قلت: قتل عند الجمل و قتل قاتله. قال: فبكت حتى ظننت و الله أنها لا تسكت، ثم قالت: لوددت و الله أنني كنت مت قبل ذلك اليوم بعشرين سنة. قالوا: و خرج رجل من عسكر البصرة يعرف بخباب بن عمرو الراسبي فارتجز فقال:

أضربهم و لو أرى عليا

عممته أبيض مشرفيا

أريح منه معشرا غويا

فصمد عليه الأشتر فقتله. ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس و هو

____________________

(1) هو عمرو بن الأشرف. الطبري211:5

(2) ذكر الطبري رواية أخرى في هذا الرجز: * يا أمنا يا خير أم نعلم *

(3) تختلي: تقطع

٢٦٤

من أشراف قريش و كان اسم سيفه ولول فارتجز فقال:

أنا ابن عتاب و سيفي ولول

و الموت دون الجمل المجلل(1)

فحمل عليه الأشتر فقتله، ثم خرج عبد الله بن حكيم بن حزام من بني أسد بن عبد العزى، بن قصي من أشراف قريش أيضا، فارتجز و طلب المبارزة، فخرج إليه الأشتر فضربه على رأسه فصرعه، ثم قام فنجا بنفسه. قالوا و أخذ خطام الجمل سبعون من قريش قتلوا كلهم و لم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلا سالت نفسه أو قطعت يده، و جاءت بنو ناجية فأخذوا بخطام الجمل و لم يكن يأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشة من هذا فسألت عنهم. فقيل: بنو ناجية. فقالت عائشة: صبرا يا بني ناجية، فإني أعرف فيكم شمائل قريش. قالوا: و بنو ناجية مطعون في نسبهم(2 إلى قريش2) فقتلوا حولها جميعا. قال أبو مخنف: و حدثنا إسحاق بن راشد عن عبد الله بن الزبير، قال: أمسيت يوم الجمل و بي سبعة و ثلاثون جرحا من ضربة و طعنة و رمية و ما رأيت مثل يوم الجمل قط، ما كان الفريقان إلا كالجبلين لا يزولان.

قال أبو مخنف: و قام رجل إلى علي (عليه‌السلام )، فقال: يا أمير المؤمنين، أي فتنة أعظم من هذه إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف؟ فقال علي (عليه‌السلام ) : ويحك أتكون فتنة أنا أميرها و قائدها و الذي بعث محمدا بالحق و كرم وجهه ما كذبت و لا كذبت، و لا ضللت و لا ضل بي، و لا زللت و لا زل بي و إني لعلى بينة من ربي بينها الله لرسوله و بينها رسوله لي، و سأدعى يوم القيامة و لا ذنب لي، و لو كان لي ذنب لكفر عني ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم. قال أبو مخنف و حدثنا مسلم الأعور عن حبة العرني، قال: فلما رأى علي (عليه‌السلام )

____________________

(1) ب: " عند الجمل "

(2 – 2) ساقطة من ب

٢٦٥

أن الموت عند الجمل و أنه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ، وضع سيفه على عاتقه و عطف نحوه و أمر أصحابه بذلك، و مشى نحوه و الخطام مع بني ضبة، فاقتتلوا قتالا شديدا و استحر القتل في بني ضبة، فقتل منهم مقتلة عظيمة و خلص علي (عليه‌السلام ) في جماعة من النخع و همدان إلى الجمل، فقال لرجل من النخع اسمه بجير دونك الجمل، يا بجير، فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه و ضرب بجرانه الأرض و عج عجيجا لم يسمع بأشد منه، فما هو إلا أن صرع الجمل حتى فرت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب، و احتملت عائشة بهودجها فحملت إلى دار عبد الله بن خلف، و أمر علي (عليه‌السلام ) بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح، و قال (عليه‌السلام ) لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل ثم قرأ:( وَ اُنْظُرْ إِلى‏ إِلهِكَ اَلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي اَلْيَمِّ نَسْفاً ) (1) .

____________________

(1) سورة طه 97

٢٦٦

14. و من كلام له (عليه‌السلام ) في مثل ذلك

) أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ اَلْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وَ أُكْلَةٌ لآِكِلٍ وَ فَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ [ صَائِدٍ ]) الغرض ما ينصب ليرمى بالسهام، و النابل ذو النبل و الأكلة بضم الهمزة المأكول و فريسة الأسد ما يفترسه. و سفه فلان بالكسر، أي صار سفيها، و سفه بالضم أيضا فإذا قلت سفه فلان رأيه أو حلمه أو نفسه لم تقل إلا بالكسر؛ لأن فعل بالضم لا يتعدى و قولهم سفه فلان نفسه، و غبن رأيه، و بطر عيشه، و ألم بطنه، و رفق حاله، و رشد أمره كان الأصل فيه كله سفهت نفس زيد، فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بالمفعولية هذا مذهب البصريين و الكسائي من الكوفيين. و قال الفراء: لما حول الفعل إلى الرجل خرج ما بعده مفسرا ليدل على أن السفاهة فيه و كان حكمه أن يكون سفه زيد نفسا؛ لأن المفسر لا يكون إلا نكرة و لكنه ترك على إضافته و نصب كنصب النكرة تشبيها بها. و يجوز عند البصريين و الكسائي تقديم المنصوب كما يجوز ضرب غلامه زيد و عند الفراء لا يجوز تقديمه؛ لأن المفسر لا يتقدم(1) .

____________________

(1) الصحاح 6: 2235

٢٦٧

فأما قوله: (أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء)، فقد قدمنا(1) معنى قوله: قريبة من الماء و ذكرنا غرقها من بحر فارس دفعتين، و مراده (عليه‌السلام ) بقوله قريبة من الماء، أي: قريبة من الغرق بالماء، و أما بعيدة من السماء، فإن أرباب علم الهيئة و صناعة التنجيم يذكرون أن أبعد موضع في الأرض عن السماء الأبلة(2) ، و ذلك موافق لقوله (عليه‌السلام ). و معنى البعد عن السماء هاهنا هو بعد تلك الأرض المخصوصة عن دائرة معدل النهار و البقاع و البلاد تختلف في ذلك، و قد دلت الأرصاد و الآلات النجومية على أن أبعد موضع في المعمورة عن دائرة معدل النهار هو الأبلة و، الأبلة هي قصبة البصرة. و هذا الموضع من خصائص أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ؛ لأنه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب و لا تهتدى إليه، و هو مخصوص بالمدققين من الحكماء، و هذا من أسراره و غرائبه البديعة

____________________

(1) ص 253 من هذا الجزء.

(2) الأبلة بضم أوله وثانيه وتشديد اللام وفتحها: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى، في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة. مراصد الاطلاع18:1

٢٦٨

15. و من كلام له (عليه‌السلام ) فيما رده على المسلمين من قطائع عثمانرضي‌الله‌عنه

(وَ اَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ وَ مُلِكَ [ تَمَلَّكَ ] بِهِ اَلْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ) القطائع ما يقطعه الإمام بعض الرعية من أرض بيت المال ذات الخراج، و يسقط عنه خراجه و يجعل عليه ضريبة يسيرة عوضا عن الخراج، و قد كان عثمان أقطع كثيرا من بني أمية و غيرهم من أوليائه و أصحابه قطائع من أرض الخراج على هذه الصورة، و قد كان عمر أقطع قطائع و لكن لأرباب الغناء في الحرب و الآثار المشهورة في الجهاد فعل ذلك ثمنا عما بذلوه من مهجهم في طاعة الله سبحانه، و عثمان أقطع القطائع صلة لرحمه و ميلا إلى أصحابه عن غير عناء في الحرب و لا أثر.

و هذه الخطبة ذكرها الكلبي مروية مرفوعة إلى أبي صالح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما أن عليا (عليه‌السلام ) خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة، فقال ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، و كل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شي‏ء و لو وجدته و قد(1) تزوج به النساء و فرق في البلدان لرددته إلى حاله(2) ، فإن في العدل سعة و من ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق.

____________________

(1) ب: " قد ".

(2) ب: " على حاله "

٢٦٩

و تفسير هذا الكلام أن الوالي إذا ضاقت عليه تدبيرات أموره في العدل فهي في الجور أضيق عليه؛ لأن الجائر في مظنة أن يمنع و يصد عن جوره. قال الكلبي ثم أمر (عليه‌السلام ) بكل سلاح وجد لعثمان في داره مما تقوى به على المسلمين فقبض، و أمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة فقبضت، و أمر بقبض سيفه و درعه و أمر ألا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمون و بالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره و في غير داره، و أمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها. فبلغ ذلك عمرو بن العاص و كان بأيلة من أرض الشام أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلها، فكتب إلى معاوية ما كنت صانعا فاصنع إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها. و قال الوليد بن عقبة و هو أخو عثمان من أمه يذكر قبض علي (عليه‌السلام ) نجائب عثمان و سيفه و سلاحه(1) :

بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم

و لا تنهبوه لا تحل مناهبه

بني هاشم كيف الهوادة بيننا

و عند علي درعه و نجائبه

بني هاشم كيف التودد منكم

و بز ابن أروى فيكم و حرائبه(2)

بني هاشم إلا تردوا فإننا

سواء علينا قاتلاه و سالبه

بني هاشم إنا و ما كان منكم

كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه

قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه

كما غدرت يوما بكسرى مرازبه(3)

____________________

(1) الأبيات في المسعودي 2: 356؛ والأغانى175:4(ساسى)، والكمل مع اختلاف في الرواية وترتيب الأبيات.

(2) البز: متاع البيت من الثياب. الحرائب: جمع حريبة، وهو مال الرجل الذي يقوم به أمره، وراية البيت في المسعودي:

بني هاشم، كيف الهوادة بيننا

وسيف ابن أروى عندكم وحرائبه

(3) رواية المسعودي: * غدرتم به كيما تكونوا مكانه *

٢٧٠

فأجابه عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بأبيات طويلة(1) من جملتها:

فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم

أضيع و ألقاه لدى الروع صاحبه

و شبهته كسرى و قد كان مثله

شبيها بكسرى هدبه و ضرائبه

أي: كان كافرا كما كان كسرى كافرا. و كان المنصوررحمه‌الله تعالى إذا أنشد هذا الشعر(2) يقول لعن الله الوليد، هو الذي فرق بين بني عبد مناف بهذا الشعر.

____________________

(1) نسبها المسعودي إلى الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب.

(2) ب: " البيت ".

٢٧١

16. و من خطبة له (عليه‌السلام ) لما بويع بالمدينة

(ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ اَلْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلْمَثُلاَتِ حَجَزَتْهُ اَلتَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ اَلشُّبُهَاتِ أَلاَ وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اَللَّهُ نَبِيَّهُ(1) [ نَبِيَّكُمْ ] ص وَ اَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ اَلْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ وَ أَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا وَ اَللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لاَ كَذَبْتُ كِذْبَةً وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا اَلْمَقَامِ وَ هَذَا اَلْيَوْمِ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي اَلنَّارِ أَلاَ وَ إِنَّ اَلتَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ اَلْجَنَّةَ حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ فَلَئِنْ أَمِرَ اَلْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ وَ لَئِنْ قَلَّ اَلْحَقُّ لَرُبَّمَا فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ‏ءٌ فَأَقْبَلَ)(2 قال الرضيعليه‌السلام 2) و أقول إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع

____________________

(1) كذا في ا ومخطوطة النهج، وفى ب: " نبيهم ".

(2 – 2)ساقط من ب

٢٧٢

الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان و إن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به، و فيه مع الحال التي وصفنا(1) زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان و لا يطلع فجها(2) إنسان و لا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق، و جرى فيها على عرق( وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ اَلْعالِمُونَ ) و من هذه الخطبة: (شُغِلَ مَنِ اَلْجَنَّةُ وَ اَلنَّارُ أَمَامَهُ سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا وَ طَالِبٌ بَطِي‏ءٌ رَجَا وَ مُقَصِّرٌ فِي اَلنَّارِ هَوَى اَلْيَمِينُ وَ اَلشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ اَلطَّرِيقُ اَلْوُسْطَى هِيَ اَلْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي اَلْكِتَابِ(3) وَ آثَارُ اَلنُّبُوَّةِ وَ مِنْهَا مَنْفَذُ اَلسُّنَّةِ وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ اَلْعَاقِبَةِ هَلَكَ مَنِ اِدَّعَى وَ خَابَ مَنِ اِفْتَرَى مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ عِنْدَ جَهَلَةِ اَلنَّاسِ وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ لاَ يَهْلِكُ عَلَى اَلتَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ وَ لاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَ اَلتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ وَ لاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ وَ لاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ [ ذَنْبَهُ ])

____________________

(1) مخطوطة النهج: " وصفناه ".

(2).الفج: الطريق الواسع بين جبلين، وطلع الطريق:بلغه.

(3) مخطوطة النهج: " ما في الكتاب ".

٢٧٣

الذمة العقد و العهد يقول هذا الدين في ذمتي، كقولك في عنقي و هما كناية عن الالتزام و الضمان و التقلد و الزعيم الكفيل، و مخرج الكلام لهم مخرج الترغيب في سماع ما يقوله، كما يقول: المهتم بإيضاح أمر لقوم لهم أنا المدرك المتقلد بصدق ما أقوله لكم، و صرحت كشفت و العبر جمع عبرة، و هي: الموعظة و المثلات العقوبات و حجزه منعه. و قوله لتبلبلن، أي: لتخلطن تبلبلت الألسن، أي: اختلطت و لتغربلن يجوز أن يكون من الغربال الذي يغربل به الدقيق، و يجوز أن يكون من غربلت اللحم، أي: قطعته فإن كان الأول كان له معنيان أحدهما الاختلاط كالتبلبل؛ لأن غربلة الدقيق تخلط بعضه ببعض، و الثاني: أن يريد بذلك أنه يستخلص الصالح منكم من الفاسد و يتميز كما يتميز الدقيق عند الغربلة من نخالته. و تقول: ما عصيت فلانا وشمة، أي: كلمة و حصان شموس يمنع ظهره شمس الفرس بالفتح و به شماس، و أمر الباطل كثر. و قوله لقديما فعل، أي: لقديما فعل الباطل ذلك و نسب الفعل إلى الباطل مجازا، و يجوز أن يكون فعل بمعنى انفعل كقوله(1) :

قد جبر الدين الإله فجبر

أي: فانجبر و السنخ الأصل، و قوله سنخ أصل كقوله(2) :

إذا حاص عينيه كرى النوم

و في بعض الروايات من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس و التأويل مختلف، فمراده على الرواية الأولى، و هي الصحيحة من كاشف الحق مخاصما له هلك

____________________

(1) مطلع أرجوزة للعجاج، ديوانه 15، واللسان 5: 185

(2) لتأبط شرا، والبيت برواية أبى تمام في الحماسة - بشرح المرزوقي 1: 97:

إذا خاط عينيه كرى النوم لم يزل

له كالئ من قلب شيحان فاتك

٢٧٤

و هي كلمة جارية مجرى المثل و مراده على الرواية الثانية من أبدى صفحته لنصرة الحق غلبه أهل الجهل؛ لأنهم العامة و فيهم الكثرة فهلك. و هذه الخطبة من جلائل خطبه (عليه‌السلام ) و من مشهوراتها قد رواها الناس كلهم، و فيها زيادات حذفها الرضي إما اختصارا أو خوفا من إيحاش السامعين، و قد ذكرها شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان و التبيين على وجهها(1) و رواها عن أبي عبيدة معمر بن المثنى.

قال أول خطبة خطبها أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) بالمدينة في خلافته(2 حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )2) ، ثم قال ألا لا يرعين(3) مرع إلا على نفسه شغل من الجنة و النار أمامه(4) ساع مجتهد ينجو(5) و طالب يرجو، و مقصر في النار(6) ثلاثة و اثنان ملك طار بجناحيه و نبي أخذ الله بيده(7) ، لا سادس هلك من ادعى و ردي من اقتحم(8) اليمين و الشمال مضلة و الوسطى الجادة(9) ؛ منهج عليه باقي الكتاب و السنة و آثار النبوة إن الله داوى هذه الأمة بدواءين السوط و السيف لا هوادة عند الإمام فيهما استتروا في بيوتكم(10)، و أصلحوا ذات بينكم(11)، و التوبة من ورائكم من أبدى صفحته

____________________

(1) البيان والتبيين (2: 50 - 52)، ورواها أيضا ابن قتيبة في عيون الأخبار (2: 236).

(2 - 2 ) البيان: " أنه قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ".

(3) البيان: " أما بعد فلا يرعين ".

(4) في البيان: " فإن من أرعى على غير نفسه شغل عن الجنة والنار أمامه "

(5) تكملة من البيان والتبيين

(6) عند ابن قتيبة في العيون: " ساع سريع نجا، وطالب بطئ رجاء، ومقصر في النار هوى ".

(7) البيان والعيون: " بيديه "

(8) البيان: " فإن اليمين ".

(9 ) الجادة: الطريق الواضح.

(10) البيان: " استتروا بيوتكم "، والعيون " فاستتروا ببيوتكم ".

(11 ) البيان: " وأصلحوا فيما بينكم ".

٢٧٥

للحق هلك قد كانت لكم(1 أمور ملتم فيها على ميلة1) لم تكونوا عندي فيها محمودين(2) و لا مصيبين(1) ، أما إني لو أشاء لقلت عفا الله عما سلف سبق الرجلان، و قام الثالث كالغراب همته بطنه، ويحه(3) لو قص جناحاه و قطع رأسه لكان خيرا له انظروا، فإن أنكرتم فأنكروا، و إن عرفتم فآزروا حق و باطل و لكل أهل و لئن أمر الباطل لقديما فعل، و لئن(4) قل الحق لربما و لعل و قلما أدبر شي‏ء فأقبل(5) ، و لئن رجعت إليكم أموركم إنكم لسعداء، و إني لأخشى أن تكونوا في فترة و ما علينا إلا الاجتهاد. قال شيخنا أبو عثمانرحمه‌الله تعالى، و قال أبو عبيدة، و زاد(6 فيها في رواية جعفر بن محمد (عليه‌السلام ) عن آبائه (عليه‌السلام )6) ، ألا إن أبرار عترتي و أطايب أرومتي أحلم الناس صغارا، و أعلم الناس كبارا، ألا و إنا أهل بيت من علم الله علمنا و بحكم الله حكمنا، و من قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، و إن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا، ومعنا راية الحق من تبعها لحق، و من تأخر عنها غرق ألا و بنا يدرك ترة كل مؤمن، و بنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم(7) و بنا فتح(8) لا بكم و منا يختم لا بكم. قوله: لا يرعين، أي: لا يبقين أرعيت عليه، أي: أبقيت يقول من أبقى على الناس، فإنما أبقى على نفسه و الهوادة الرفق و الصلح، و أصله اللين و التهويد المشي

____________________

(1) تكملة من البيان والتبيين.

(2) البيان: " بمحمودين "

(3) البيان: " يا ويحه ".

(4) البيان: " ولئن قل ".

(5) البيان: " ما أدبر شئ فأقبل ".

(6 - 6) البيان: " وروى فيها جعفر بن محمد ".

(7) البيان: " من أعناقكم ".

(8) ا، والبيان: " فتح الله ".

٢٧٦

رويدا و في الحديث أسرعوا المشي في الجنازة و لا تهودوا كما تهود أهل الكتاب، و آزرت زيدا أعنته الترة و الوتر و الربقة الحبل يجعل في عنق الشاة، و ردي هلك من الردى، كقولك: عمي من العمى و شجي من الشجا. و قوله: شغل من الجنة و النار أمامه يريد به أن من كانت هاتان الداران أمامه، لفي شغل عن أمور الدنيا إن كان رشيدا. و قوله: ساع مجتهد إلى قوله لا سادس كلام تقديره المكلفون على خمسة أقسام ساع مجتهد، و طالب راج و مقصر هالك، ثم قال: ثلاثة، أي: فهؤلاء ثلاثة أقسام، و هذا ينظر إلى قوله سبحانه:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اَللَّهِ ) (1) ، ثم ذكر القسمين الرابع و الخامس، فقال: هما ملك طار بجناحيه و نبي أخذ الله بيده يريد عصمة هذين النوعين من القبيح، ثم قال لا سادس، أي: لم يبق في المكلفين قسم سادس، و هذا يقتضي أن العصمة ليست إلا للأنبياء و الملائكة و لو كان الإمام يجب أن يكون معصوما لكان قسما سادسا، فإذن قد شهد هذا الكلام بصحة ما تقوله المعتزلة في نفي اشتراط العصمة في الإمامة، اللهم إلا أن يجعل الإمام المعصوم داخلا في القسم الأول، و هو الساعي المجتهد و فيه بعد و ضعف. و قوله: هلك من ادعى و ردي من اقتحم يريد هلك من ادعى، و كذب لا بد من تقدير ذلك؛ لأن الدعوى تعم الصدق و الكذب و كأنه يقول هلك من ادعى الإمامة و ردي من اقتحمها و ولجها عن غير استحقاق؛ لأن كلامه (عليه‌السلام ) في هذه الخطبة كله كنايات عن الإمامة لا عن غيرها.

____________________

(1) سورة فاطر32.

٢٧٧

و قوله اليمين و الشمال مثال؛ لأن السالك الطريق المنهج اللاحب ناج و العادل عنها يمينا و شمالا معرض للخطر. و نحو هذا الكلام ما روي عن عمر أنه لما صدر عن منى في السنة التي قتل فيها كوم كومة من البطحاء(1) ، فقام عليها فخطب الناس فقال: أيها الناس، قد سنت لكم السنن و فرضت لكم الفرائض، و تركتم على الواضحة إلا أن تميلوا بالناس يمينا و شمالا، ثم قرأ:( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ وَ هَدَيْناهُ اَلنَّجْدَيْنِ ) (2) ، ثم قال: إلا إنهما نجدا الخير و الشر فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير.

من كلام للحجاج و زياد نسجا فيه على منوال كلام علي (عليه‌السلام )

و قوله إن الله داوى هذه الأمة بدواءين كلام شريف و على منواله نسج الحجاج و زياد كلامهما المذكور فيه السوط و السيف، فمن ذلك قول الحجاج(3) من أعياه داؤه فعلي دواؤه و من استبطأ أجله فعلي أن أعجله و من استثقل رأسه وضعت عنه ثقله، و من استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه إن للشيطان طيفا، و إن للسلطان سيفا، فمن سقمت سريرته صحت عقوبته و من وضعه ذنبه رفعه صلبه، و من لم تسعه العافية لم تضق عنه الهلكة، و من سبقته بادرة فمه سبق بدنه سفك دمه إني لأنذر، ثم لا أنظر و أحذر، ثم لا أعذر و أتوعد، ثم لا أغفر إنما أفسدكم(4) ترقيق ولاتكم و من استرخى لببه(5) ساء أدبه إن الحزم و العزم سلباني

____________________

(1) البطحاء: التراب السهل مما جرته السيول.

(2) سورة البلد 8 - 10

(3) نهاية الإرب 7: 224، صبح الأعشى 1:220، سرح العيون 184

(4) في صبح الأعشى: " ترنيق "، والترنيق الضعف في الامر.

(5) اللبب: ما يشد في صدر الدابة ليمنع استئخار الرحل، يريد أن الهوادة واللين لمما يفسد الرعية.

٢٧٨

سوطي،(1 و جعلا سوطي سيفي1) فقائمه في يدي و نجاده(2) في عنقي و ذبابه(3) قلادة لمن عصاني، و الله لا آمر أحدا أن يخرج من(4 باب من4) أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه. و من ذلك قول زياد: إنما هو زجر بالقول، ثم ضرب بالسوط، ثم الثالثة التي لا شوى(5) لها فلا يكونن لسان أحدكم شفرة(6) تجري على أوداجه(7) و ليعلم إذا خلا بنفسه أني قد حملت سيفي بيده، فإن شهره لم أغمده و إن أغمده لم أشهره. و قوله (عليه‌السلام ) : كالغراب، يعني الحرص و الجشع و الغراب، يقع على الجيفة، و يقع على التمرة، و يقع على الحبة، و في الأمثال أجشع من غراب و أحرص من غراب. و قوله ويحه لو قص يريد لو كان قتل أو مات قبل أن يتلبس بالخلافة لكان خيرا له من أن يعيش و يدخل فيها، ثم قال لهم أفكروا فيما قد قلت فإن كان منكرا فأنكروه، و إن كان حقا فأعينوا عليه. و قوله استتروا في بيوتكم نهي لهم عن العصبية(8) و الاجتماع و التحزب، فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلموا في قتله من شيعة بني أمية بالمدينة.

____________________

(1 – 1)صبح الأعشى: " وأبدلاني به سيفي ".

(2) النجاد: علاقة السيف.

(3) ذباب السيف: حده.

(4 – 4)ساقط من ب، وهو في ا وصبح الأعشى.

(5) لا شوى لها، أي لا خطأ لها، أو لا براء، ومنه قول الكميت: أجيبوا رقى الآسي النطاسي واحذروا * مطفئة الرضف التي لا شوى لها

(6) الشفرة: السكين العظيم، أو ما عرض من الحديد وحدد.

(7) الأوداج: عروق العنق.

(8) ا: " المعصية "

٢٧٩

و أما قوله: قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين، فمراده أمر عثمان و تقديمه في الخلافة عليه، و من الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضا و يبعد عندي أن يكون أراده؛ لأن المدة قد كانت طالت و لم يبق من يعاتبه ليقول قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين، فإن هذا الكلام يشعر بمعاتبة قوم على أمر كان أنكره منهم و أما بيعة عثمان، ثم ما جرى بينه و بين عثمان من منازعات طويلة و غضب تارة و صلح أخرى و مراسلات خشنة و لطيفة و كون الناس بالمدينة كانوا حزبين و فئتين إحداهما معه (عليه‌السلام ) و الأخرى مع عثمان، فإن(1) صرف الكلام إلى ما قلناه بهذا الاعتبار أليق. و لسنا نمنع من أن يكون في كلامه (عليه‌السلام ) الكثير من التوجد و التألم لصرف الخلافة بعد وفاة الرسول (عليه‌السلام ) عنه، و إنما كلامنا الآن في هذه اللفظات التي في هذه الخطبة على أن قوله (عليه‌السلام ) سبق الرجلان و الاقتصار على ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما. و أما قوله حق و باطل إلى آخر الفصل فمعناه كل أمر فهو إما حق و إما باطل و لكل واحد من هذين أهل و ما زال أهل الباطل أكثر من أهل الحق، و لئن كان الحق قليلا لربما كثر و لعله ينتصر أهله. ثم قال على سبيل التضجر بنفسه و قلما أدبر شي‏ء فأقبل استبعد (عليه‌السلام ) أن تعود دولة قوم بعد زوالها عنهم، و إلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله:

و قالوا يعود الماء في النهر بعد ما

ذوي نبت جنبيه و جف المشارع

فقلت إلى أن يرجع النهر جاريا

و يعشب جنباه تموت الضفادع

____________________

(1) ا: " وإن ".

٢٨٠