كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 48250
تحميل: 6348


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48250 / تحميل: 6348
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

و مقدمة الجيش بكسر الدال أوله و ما يتقدم منه على جمهور العسكر،و مقدمة الإنسان بفتح الدال صدره،و الملطاط حافة الوادي و شفيرة و ساحل البحر.قال رؤبة:نحن جمعنا الناس بالملطاط.قال الأصمعي:يعني به ساحل البحر،و قول ابن مسعود هذا الملطاط طريق بقية المؤمنين هرابا من الدجال يعني به شاطئ الفرات.فأما قول الرضيرحمه‌الله تعالى:الملطاط السمت الذي أمرهم بلزومه،و هو شاطئ الفرات،و يقال ذلك لشاطئ البحر فلا معنى له ؛ لأنه لا فرق بين شاطئ الفرات و شاطئ البحر،و كلاهما أمر واحد،و كان الواجب أن يقول الملطاط السمت في الأرض،و يقال أيضا لشاطئ البحر.و الشرذمة نفر قليلون.و موطنين أكناف دجلة،أي:قد جعلوا أكنافها وطنا أوطنت البقعة و الأكناف الجوانب واحدها كنف،و الأمداد جمع مدد،و هو ما يمد به الجيش تقوية له.و هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و هو بالنخيلة خارجا من الكوفة،و متوجها إلى صفين لخمس بقين من شوال سنة سبع و ثلاثين ذكرها جماعة من أصحاب السير و زادوا فيها،قد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري،و لم آلكم و لا نفسي فإياكم و التخلف و التربص،فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي،و أمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله.

٢٠١

و روى نصر بن مزاحم عوض قوله فأنهضهم معكم إلى عدوكم،فأنهضهم معكم إلى عدو الله،قال نصر:فقام إليه معقل بن قيس الرياحي،فقال:يا أمير المؤمنين،و الله ما يتخلف عنك إلا ظنين،و لا يتربص بك إلا منافق،فمر مالك بن حبيب فليضرب أعناق المتخلفين،فقال قد أمرته بأمري و ليس بمقصر إن شاء الله.

أخبار علي في جيشه و هو في طريقه إلى صفين

قال نصر بن مزاحم ثم سار(عليه‌السلام )حتى انتهى إلى مدينة بهرسير،و إذا رجل من أصحابه يقال له حر بن سهم بن طريف،من بني ربيعة بن مالك،ينظر إلى آثار كسرى و يتمثل بقول الأسود بن يعفر:

جرت الرياح على محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد

فقال له(عليه‌السلام )ألا قلت:( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّماءُ وَ اَلْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ ) ،إن هؤلاء كانوا وارثين،فأصبحوا مورثين و لم يشكروا النعمة،فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم،و كفر النعم لا تحل بكم النقم انزلوا بهذه الفجوة.

٢٠٢

قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد عن مسلم الأعور عن حبة العرني،قال:أمر علي(عليه‌السلام )الحارث الأعور،فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة،فليواف أمير المؤمنين(عليه‌السلام )صلاة العصر،فوافوه في تلك الساعة فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد،فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم و انقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها الهالك أكثر ساكنيها لا معروف يأمرون به،و لا منكر ينهون عنه.قالوا:يا أمير المؤمنين،إنا ننتظر أمرك مرنا بما أحببت فسار و خلف عليهم عدي بن حاتم أقام عليهم ثلاثا،ثم خرج في ثمانمائة رجل منهم،و خلف ابنه زيدا بعده فلحقه في أربعمائة رجل منهم.و جاء علي(عليه‌السلام )حتى مر بالأنبار فاستقبله بنو خشنوشك دهاقينها،قال نصر:الكلمة فارسية أصلها خش،أي:الطيب.قال:فلما استقبلوه نزلوا عن خيولهم،ثم جاءوا يشتدون معه،و بين يديه و معهم براذين قد أوقفوها في طريقه،فقال ما هذه الدواب التي معكم و ما أردتم بهذا الذي صنعتم قالوا:أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء،و أما هذه البراذين فهدية لك و قد صنعنا للمسلمين طعاما و هيأنا لدوابكم علفا كثيرا.

فقال(عليه‌السلام ):أما هذا الذي زعمتم أنه فيكم خلق تعظمون به الأمراء،فو الله ما ينفع ذلك الأمراء و إنكم لتشقون به على أنفسكم و أبدانكم،فلا تعودوا

٢٠٣

له و أما دوابكم هذه،فإن أحببتم أن آخذها منكم و أحسبها لكم من خراجكم أخذناها منكم،و أما طعامكم الذي صنعتم لنا،فإنا نكره أن نأكل من أموالكم إلا بثمن،قالوا:يا أمير المؤمنين،نحن نقومه،ثم نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه،قالوا:يا أمير المؤمنين،فإن لنا من العرب موالي و معارف أتمنعنا أن نهدي لهم أو تمنعهم أن يقبلوا منا،فقال كل العرب لكم موال،و ليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم،و إن غصبكم أحد فأعلمونا،قالوا:يا أمير المؤمنين،إنا نحب أن تقبل هديتنا و كرامتنا،قال:ويحكم،فنحن أغنى منكم و تركهم و سار.قال نصر:و حدثنا عبد العزيز بن سياه،قال:حدثنا حبيب بن أبي ثابت،قال:حدثنا أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصي،قال:كنا مع علي(عليه‌السلام )في مسيره إلى الشام،حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش الناس،و احتاجوا إلى الماء،فانطلق بنا علي(عليه‌السلام )حتى أتى بنا إلى صخرة ضرس في الأرض،كأنها ربضة عنز،فأمرنا فاقتلعناها،فخرج لنا من تحتها ماء فشرب الناس منه و ارتووا،ثم أمرنا فأكفأناها عليه،و سار الناس حتى إذا مضى قليلا.قال(عليه‌السلام )أمنكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا:نعم،يا أمير المؤمنين.قال:فانطلقوا إليه فانطلق منا رجال ركبانا و مشاة،فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه،فطلبناه فلم نقدر على شي‏ء حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب

٢٠٤

منا فسألناهم أين هذا الماء الذي عندكم،قالوا ليس قربنا ماء،فقلنا:بلى إنا شربنا منه.قالوا:أنتم شربتم منه ؟ قلنا:نعم،فقال صاحب الدير:و الله ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء،و ما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.

قال نصر:ثم مضى(عليه‌السلام )حتى نزل بأرض الجزيرة،فاستقبله بنو تغلب و النمر بن قاسط بجزور،فقال(عليه‌السلام )ليزيد بن قيس الأرحبي:يا يزيد،قال:لبيك يا أمير المؤمنين،قال:هؤلاء قومك من طعامهم فاطعم و من شرابهم فاشرب.قال:ثم سار حتى أتى الرقة و جل أهلها عثمانية فروا من الكوفة إلى معاوية،فأغلقوا أبوابها دونه و تحصنوا،و كان أميرهم سماك بن مخرقة الأسدي في طاعة معاوية،و قد كان فارق عليا(عليه‌السلام )في نحو من مائة رجل من بني أسد،ثم كاتب معاوية و أقام بالرقة حتى لحق به سبعمائة رجل.قال نصر:فروى حبة أن عليا(عليه‌السلام )لما نزل على الرقة نزل بموضع يقال له البليخ على جانب الفرات،فنزل راهب هناك من صومعته،فقال لعلي(عليه‌السلام ):إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك،قال:نعم،فقرأ الراهب الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضي فيما قضي،و سطر فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب و الحكمة،و يدلهم على سبيل الله لا فظ و لا غليظ،و لا صخاب في الأسواق،و لا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو و يصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشر،و في كل صعود و هبوط تذل ألسنتهم

٢٠٥

بالتكبير،و التهليل،و التسبيح،و ينصره الله على من ناواه،فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده،ثم اجتمعت،فلبثت ما شاء الله،ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات،يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر،و يقضي بالحق،و لا يركس الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح،و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن يخاف الله في السر،و ينصح له في العلانية لا يخاف في الله لومة لائم فمن أدرك ذلك النبي من أهل هذه البلاد،فآمن به كان ثوابه رضواني و الجنة و من أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره،فإن القتل معه شهادة.ثم قال له:أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك فبكى(عليه‌السلام )،ثم قال:الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار.فمضى الراهب معه،فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين،و يتعشى حتى أصيب يوم صفين،فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم.قال:(عليه‌السلام )اطلبوه،فلما وجدوه صلى عليه و دفنه،و قال هذا منا أهل البيت و استغفر له مرارا.روى هذا الخبر نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد،عن مسلم الأعور،عن حبة العرني،و رواه أيضا إبراهيم بن ديزيل الهمداني بهذا الإسناد عن حبة أيضا في كتاب صفين.و روى ابن ديزيل في هذا الكتاب،قال:حدثني يحيى بن سليمان،حدثني يحيى بن عبد الملك،بن حميد بن عتيبة،عن أبيه،عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه،و محمد

٢٠٦

بن فضيل،عن الأعمش،عن إسماعيل بن رجاء،عن أبي سعيد الخدريرحمه‌الله ،قال:كنا مع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فانقطع شسع نعله،فألقاها إلى علي(عليه‌السلام )يصلحها،ثم قال:إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله،فقال أبو بكر الصديق،أنا هو يا رسول الله ؟ فقال:لا،فقال عمر بن الخطاب:أنا هو يا رسول الله ؟ قال:لا،و لكنه ذاكم خاصف النعل،و يد علي(عليه‌السلام )على نعل النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يصلحها.قال أبو سعيد،فأتيت عليا(عليه‌السلام )فبشرته بذلك فلم يحفل به كأنه شي‏ء قد كان علمه من قبل.و روى ابن ديزيل في هذا الكتاب أيضا عن يحيى بن سليمان،عن ابن فضيل،عن إبراهيم الهجري،عن أبي صادق قال:قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق،فأهدت له الأزد جزرا فبعثوها معي،فدخلت إليه فسلمت عليه و قلت له:يا أبا أيوب،قد كرمك الله عز و جل بصحبة نبيه(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و نزوله عليك،فما لي أراك تستقبل الناس بسيفك تقاتلهم هؤلاء مرة،و هؤلاء مرة.قال:إن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين،فقد قاتلناهم و عهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين،فهذا وجهنا إليهم يعني معاوية و أصحابه،و عهد إلينا أن نقاتل معه المارقين و لم أرهم بعد.و روى ابن ديزيل أيضا في هذا الكتاب عن يحيى عن يعلى بن عبيد الحنفي عن إسماعيل السدي عن زيد بن أرقم قال:كنا مع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و هو

٢٠٧

في الحجرة يوحى إليه،و نحن ننتظره حتى اشتد الحر،فجاء علي بن أبي طالب،و معه فاطمة،و حسن،و حسين(عليهم‌السلام )،فقعدوا في ظل حائط ينتظرونه،فلما خرج رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )رآهم،فأتاهم و وقفنا نحن مكاننا،ثم جاء إلينا و هو يظلهم بثوبه ممسكا بطرف الثوب و علي ممسك بطرفه الآخر،و هو يقول:(اللهم إني أحبهم فأحبهم،اللهم إني سلم لمن سالمهم،و حرب لمن حاربهم)،قال:فقال ذلك ثلاث مرات.

قال إبراهيم في الكتاب المذكور،و حدثنا يحيى بن سليمان،قال:حدثنا ابن فضيل،قال:حدثنا الحسن بن الحكم النخعي،عن رباح بن الحارث النخعي،قال:كنت جالسا عند علي(عليه‌السلام )إذ قدم عليه قوم متلثمون،فقالوا:السلام عليك يا مولانا،فقال:لهم أو لستم قوما عربا ؟ قالوا:بلى،و لكنا سمعنا رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول يوم غدير خم:(من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه و عاد من عاداه،و انصر من نصره و اخذل من خذله)،قال فلقد رأيت عليا(عليه‌السلام )ضحك حتى بدت نواجذه،ثم قال:اشهدوا.ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم،فتبعتهم فقلت لرجل منهم:من القوم ؟ قالوا:نحن رهط من الأنصار،و ذاك يعنون رجلا منهم أبو أيوب صاحب منزل رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،قال:فأتيته فصافحته.

قال نصر:و حدثني عمر بن سعد،عن نمير بن وعلة،عن أبي الوداك أن عليا(عليه‌السلام )بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاث آلاف،و قال له:خذ على

٢٠٨

الموصل،ثم نصيبين،ثم القنى بالرقة،فإني موافيها و سكن الناس و أمنهم،و لا تقاتل إلا من قاتلك و سر البردين و غور بالناس أقم الليل،و رفه في السير،و لا تسر أول الليل،فإن الله جعله سكنا أرح فيه بدنك و جندك و ظهرك،فإذا كان السحر أو حين يتبلج الفجر فسر.فسار حتى أتى الحديثة،و هي إذ ذاك منزل الناس،و إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان،فإذا بكبشين ينتطحان و مع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة،قتل بعد ذلك مع الحرورية،فأخذ يقول:إيه إيه،فقال معقل:ما تقول ؟ فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا و انصرفا،فقال الخثعمي لمعقل:لا تغلبون و لا تغلبون،فقال معقل:من أين علمت ؟ قال:أما أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الآخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا،فلم يزل كل واحد من مصاحبه منتصفا حتى أتى كل واحد منهما صاحبه،فانطلق به،فقال معقل:أو يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم،ثم مضى حتى وافى عليا(عليه‌السلام )بالرقة.قال نصر:و قالت طائفة من أصحاب علي(عليه‌السلام )له يا أمير المؤمنين،اكتب إلى معاوية و من قبله من قومك،فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلك إلا عظما،فكتب إليهم(عليه‌السلام ):(بسم الله الرحمن الرحيم)،من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية و من قبله من قريش

٢٠٩

سلام عليكم ،فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ،أما بعد ،فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل و عرفوا التأويل ،و فقهوا في الدين ،و بين الله فضلهم في القرآن الحكيم ،و أنتم في ذلك الزمان أعداء للرسول تكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه ،حتى أراد الله تعالى إعزاز دينه و إظهار أمره ،فدخلت العرب في الدين أفواجا ،و أسلمت له هذه الأمة طوعا و كرها ،فكنتم فيمن دخل في هذا الدين إما رغبة و إما رهبة على حين فاز أهل السبق بسبقهم،و فاز المهاجرون الأولون بفضلهم ،و لا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين و لا فضائلهم في الإسلام ،أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله و أولى به فيجور و يظلم ،و لا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره و يعدو طوره و يشقى نفسه بالتماس ما ليس بأهله ،فإن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما و حديثا أقربها من الرسول ،و أعلمها بالكتاب ،و أفقهها في الدين ،أولها إسلاما و أفضلها جهادا ،و أشدها بما تحمله الأئمة من أمر الأمة اضطلاعا ،فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ،و لا تلبسوا الحق بالباطل ،و تكتموا الحق و أنتم تعلمون ،و اعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون ،و أن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ،فإن للعالم بعلمه فضلا ،و إن الجاهل لا يزداد بمنازعته العالم إلا جهلا ،ألا و إني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه و حقن دماء هذه الأمة ،فإن قبلتم أصبتم رشدكم و اهتديتم لحظكم و إن أبيتم إلا الفرقة و شق عصا هذه الأمة لم تزدادوا من الله إلا بعدا ،و لا يزداد الرب عليكم إلا سخطا و السلام).فكتب إليه معاوية جواب هذا الكتاب سطرا واحدا ،و هو أما بعد ،فإنه

٢١٠

ليس بيني و بين قيس عتاب

غير طعن الكلي و ضرب الرقاب

فقال علي(عليه‌السلام ):لما أتاه هذا الجواب:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اَللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) قال نصر:و قال علي(عليه‌السلام )لأهل الرقة:جسروا لي جسرا أعبر عليه من هذا المكان إلى الشام،فأبوا و قد كانوا ضموا السفن إليهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج و خلف عليهم الأشتر،فقال:يا أهل هذا الحصن،إني أقسم بالله إن مضى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و لم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف فلأقتلن مقاتلكم،و لأخربن أرضكم،و لآخذن أموالكم.فلقي بعضهم بعضا فقالوا:إن الأشتر يفي بما حلف عليه،و إنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر،فبعثوا إليه إنا ناصبون لكم جسرا،فأقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي(عليه‌السلام )فجاء و نصبوا له الجسر فعبر الأثقال و الرجال،و أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس أحد إلا عبر،ثم عبر آخر الناس رجلا.قال نصر:و ازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين،فنزل فأخذها و ركب،ثم سقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها،ثم ركب،فقال لصاحبه:

فإن يك ظن الزاجري الطير صادقا

كما زعموا أقتل وشيكا و تقتل

فقال عبد الله بن أبي الحصين:ما شي‏ء أحب إلي مما ذكرت فقتلا معا يوم صفين.

٢١١

قال نصر:فلما قطع علي(عليه‌السلام )الفرات دعا زياد بن النضر،و شريح بن هانئ،فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في اثني عشر ألفا،و قد كانا حيث سرحهما من الكوفة مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات،فبلغهم أخذ علي(عليه‌السلام )طريق الجزيرة،و علما أن معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله،فقالا:و الله،ما هذا برأي أن نسير و بيننا و بين أمير المؤمنين هذا البحر،و ما لنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلة من العدد منقطعين عن المدد،فذهبوا ليعبروا من عانات ف،منعهم أهلها و حبسوا عنهم السفن،فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت و لحقوا عليا(عليه‌السلام )بقرية دون قرقيسيا،فلما لحقوا عليا(عليه‌السلام )عجب و قال:مقدمتي تأتي من ورائي،فقام له زياد،و شريح،و أخبراه بالرأي الذي رأيا،فقال:قد أصبتما رشدكما فلما عبروا الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية،فلما انتهيا إلى معاوية لقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من أهل الشام،و هو على مقدمة معاوية فدعواه إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،فأبى،فبعثوا إلى علي(عليه‌السلام )إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام،فدعوناه و أصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبى علينا،فمرنا بأمرك.فأرسل علي(عليه‌السلام )إلى الأشتر،فقال:يا مال،إن زيادا و شريحا أرسلا إلي يعلمانني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم،و نبأني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء النجاء إلى أصحابك،فإذا أتيتهم فأنت عليهم،و إياك أن تبدأ القوم بقتال إن لم يبدءوك،و ألقهم و اسمع منهم و لا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل

٢١٢

دعائهم و الإعذار إليهم مرة بعد مرة،و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا و قف من أصحابك وسطا و لا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تتباعد عنهم تباعد من يهاب الناس حتى أقدم عليك،فإني حثيث السير إليك إن شاء الله قال:و كتب علي(عليه‌السلام )إليهما و كان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي،أما بعد،فإني قد أمرت عليكما مالكا فاسمعا له و أطيعا أمره،و هو ممن لا يخاف رهقه و لا سقاطه و لا بطؤه عما الإسراع إليه أحزم و لا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل،و قد أمرته بمثل الذي أمرتكما ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم و يدعوهم و يعذر إليهم إن شاء الله.قال:فخرج الأشتر حتى قدم على القوم،فاتبع ما أمره به علي(عليه‌السلام )و كف عن القتال،فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور،فثبتوا له و اضطربوا ساعة،ثم إن أهل الشام انصرفوا،ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عدتها و عددها،فخرج إليهم أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل،و الرجال على الرجال،و صبر بعضهم لبعض،ثم انصرفوا و بكر عليهم الأشتر،فقتل من أهل الشام عبد الله بن المنذر التنوخي قتله ظبيان بن عمارة التميمي،و ما هو يومئذ إلا فتى حديث السن و إن كان الشامي لفارس أهل الشام،و أخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا الأعور.ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة،و جاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة،فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي:انطلق إلى أبو الأعور فادعه إلى المبارزة

٢١٣

فقال:إلى مبارزتي أم إلى مبارزتك ؟ فقال:أو لو أمرتك بمبارزته فعلت ؟ قال:نعم،و الذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي لفعلت حتى أضربه بالسيف،فقال:يا ابن أخي،أطال الله بقاءك قد و الله ازددت فيك رغبة لا ما أمرتك بمبارزته إنما أمرتك أن تدعوه لمبارزتي،فإنه لا يبارز إن كان ذلك من شأنه إلا ذوي الأسنان و الكفاءة و الشرف،و أنت بحمد الله من أهل الكفاءة و الشرف،و لكنك حديث السن و ليس يبارز الأحداث فاذهب فادعه إلى مبارزتي،فأتاهم فقال:أنا رسول فآمنوني فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور.قال نصر:فحدثني عمر بن سعد عن أبي زهير العبسي،عن صالح بن سنان،عن أبيه قال:فقلت له:إن الأشتر يدعوك إلى المبارزة،قال:فسكت عني طويلا،ثم قال:إن خفة الأشتر و سوء رأيه و هوانه دعاه إلى إجلاء عمال عثمان و افترائه عليه يقبح محاسنه و يجهل حقه،و يظهر عداوته و من خفة الأشتر و سوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره و قراره،فقتله فيمن قتله و أصبح متبعا بدمه لا حاجة لي في مبارزته.فقلت إنك قد تكلمت فاسمع حتى أجيبك،فقال:لا حاجة لي في جوابك و لا الاستماع منك اذهب عني،و صاح بي أصحابه فانصرفت عنه و لو سمع لأسمعته عذر صاحبي و حجته.فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة،فقال لنفسه نظر.قال:فتواقفنا،فإذا هم قد انصرفوا قال:و صبحنا علي(عليه‌السلام )غدوة سائرا نحو معاوية،فإذا أبو الأعور قد سبق إلى سهولة الأرض و سعة المنزل و شريعة الماء مكان

٢١٤

أفيح و كان أبو الأعور على مقدمة معاوية و اسمه سفيان بن عمرو،و قد جعل على ساقته بسر بن أرطاة العامري و على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب،و دفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد،و جعل على ميمنته حبيب بن مسلمة الفهري و على رجالته من الميمنة يزيد بن زحر الضبي،و على الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص،و على الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي،و على خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري،و على رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي،و على أهل حمص ذا الكلاع و على أهل فلسطين مسلمة بن مخلد،و كان وصول علي(عليه‌السلام )إلى صفين لثمان بقين من المحرم من سنة سبع و ثلاثين.

٢١٥

49.و من خطبة له(عليه‌السلام )

(اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ اَلْأَمُوُرِ وَ دَلَّتْ [ ذَلَّتْ ] عَلَيْهِ أَعْلاَمُ اَلظُّهُورِ وَ اِمْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ اَلْبَصِيرِ فَلاَ عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَ لاَ قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي اَلْعُلُوِّ فَلاَ شَيْ‏ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَ قَرُبَ فِي اَلدُّنُوِّ فَلاَ شَيْ‏ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلاَ اِسْتِعْلاَؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ لاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي اَلْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ اَلْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ اَلَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلاَمُ اَلْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي اَلْجُحُودِ تَعَالَى اَللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ اَلْمُشَبِّهُونَ [ اَلْمُشْتَبِهُونَ ] بِهِ وَ اَلْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً)بطنت سر فلان،أي:أخفيته.و الأعلام جمع علم و هو المنار يهتدى به،ثم جعل لكل ما دل على شي‏ء،فقيل لمعجزات الأنبياء أعلام لدلالتها على نبوتهم و قوله(عليه‌السلام ):أعلام الظهور أي الأدلة الظاهرة الواضحة.و قوله:فيما بعد أعلام الوجود،أي:الأدلة الموجودة،و الدلالة هي الوجود نفسه و سيأتي شرح ذلك.و قوله و امتنع على عين البصير يقول إنه سبحانه ليس بمرئي بالعين و مع

٢١٦

ذلك فلا يمكن من لم يره بعينه أن ينكره لدلالة كل شي‏ء عليه بل لدلالته سبحانه على نفسه.ثم قال:و لا قلب من أثبته يبصره،أي:لا سبيل لمن أثبت وجوده أن يحيط علما بجميع أحواله،و معلوماته،و مصنوعاته أو أراد أنه لا تعلم حقيقة ذاته كما قاله قوم من المحققين.و قد روي هذا الكلام على وجه آخر قالوا في الخطبة:فلا قلب من لم يره ينكره،و لا عين من أثبته تبصره،و هذا غير محتاج إلى تفسير لوضوحه.و قوله(عليه‌السلام ):فلا استعلاؤه باعده،أي:ليس علوه و لا قربه كما نعقله من العلو و القرب المكانيين،بل هو علو و قرب خارج من ذلك فليس علوه يقتضي بعده بالمكان عن الأجسام،و لا قربه يقتضي مساواته إياها في الحاجة إلى المكان و الجهة.و الباء في به متعلقة بساواهم معناه و لا قربه ساواهم به في الحاجة إلى المكان،أي:لم يقتض قربه مماثلته و مساواته إياهم في ذلك.

فصول في العلم الإلهي

و هذا الفصل يشتمل على عدة مباحث من العلم الإلهي،أولها:كونه تعالى عالما بالأمور الخفية.و الثاني:كونه تعالى مدلولا عليه بالأمور الظاهرة يعني أفعاله.و الثالث:أن هويته تعالى غير معلومة للبشر.و الرابع:نفي تشبيهه بشي‏ء من مخلوقاته.

٢١٧

و الخامس:بيان أن الجاحد لإثباته مكابر بلسانه و عارف به بقلبه.و نحن نذكر القول في جميع ذلك على سبيل اقتصاص المذاهب و الأقوال و نحيل في البرهان على الحق من ذلك،و بطلان شبه المخالفين فيه على ما هو مذكور في كتبنا الكلامية إذ ليس هذا الكتاب موضوعا لذلك،و إن كنا قد لا نخلي بعض فصوله من إشارة إلى الدليل موجزة و تلويح إلى الشبهة لطيف فنقول أما.

الفصل الأول:و هو الكلام في كونه تعالى عالما بالأمور الخفية

فاعلم أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )إنما قال بطن خفيات الأمور،و هذا القدر من الكلام يقتضي كونه تعالى عالما يعلم الأمور الخفية الباطنة،و هذا منقسم قسمين أحدهما أن يعلم الأمور الخفية الحاضرة.و الثاني:أن يعلم الأمور الخفية المستقبلة.و الكلام من حيث إطلاقه يحتمل الأمرين فنحمله عليهما معا،فقد خالف في كل واحدة من المسألتين قوم فمن الناس من نفى كونه عالما بالمستقبلات،و من الناس من نفى كونه عالما بالأمور الحاضرة،سواء كانت خفية أو ظاهرة،و هذا يقتضينا أن نشرح أقوال العقلاء في هذه المسائل،فنقول:إن الناس فيها على أقوال القول الأول قول جمهور المتكلمين،و هو أن البارئ سبحانه يعلم كل معلوم الماضي،و الحاضر،و المستقبل،ظاهرها و باطنها و محسوسها و غير محسوسها،فهو تعالى العالم بما كان و ما هو حاضر و ما سيكون و ما لم يكن،أن لو كان كيف كان يكون كقوله

٢١٨

تعالى:( وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) ،فهذا علم بأمر مقدر على تقدير وقوع أصله الذي قد علم أنه لا يكون.القول الثاني:قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الأمور المستقبلة،و شبهوه بكونه مدركا قالوا:كما أنه لا يدرك المستقبلات،فكذلك لا يعلم المستقبلات،و هو قول هشام بن الحكم.القول الثالث:قول من زعم أنه لا يعلم الأمور الحاضرة،و هذا القول نقيض القول الثاني،و شبهوه بكونه قادرا،قالوا:كما أنه لا يقدر على الموجود فكذلك لا يعلم الموجود،و نسب ابن الراوندي هذا القول إلى معمر بن عباد أحد شيوخنا و أصحابنا يكذبونه في ذلك و يدفعون الحكاية عنه.القول الرابع:قول من زعم أنه تعالى لا يعلم نفسه خاصة،و يعلم كل ما عدا ذاته و نسب ابن الراوندي هذه المقالة إلى معمر أيضا،و قال:إنه يقول إن العالم غير المعلوم،و الشي‏ء لا يكون غير نفسه و أصحابنا يكذبون ابن الراوندي في هذه الحكاية،و ينزهون معمرا عنها.القول الخامس:قول من قال إنه تعالى لم يكن فيما لم يزل عالما بشي‏ء أصلا،و إنما أحدث لنفسه علما علم به الأشياء،و هو قول جهم بن صفوان.القول السادس:قول من قال إنه تعالى لا يعلم كل المعلومات على تفاصيلها،و إنما يعلم ذلك إجمالا و هؤلاء يسمون المسترسلية ؛ لأنهم يقولون يسترسل علمه على المعلومات

٢١٩

إجمالا لا تفصيلا،و هو مذهب الجويني من متكلمي الأشعرية.القول السابع:قول من قال إنه تعالى يعلم المعلومات المفصلة ما لم يفض القول به إلى محال،و زعموا أن القول بأنه يعلم كل شي‏ء يفضي إلى محال،و هو أن يعلم و يعلم أنه يعلم،و هلم جرا إلى ما لا نهاية له،و كذلك المحال لازم إذا قيل إنه يعلم الفروع،و فروع الفروع،و لوازمها،و لوازم لوازمها إلى ما لا نهاية له،قالوا:و محال اجتماع كل هذه العلوم غير المتناهية في الوجود،و هذا مذهب أبي البركات البغدادي صاحب المعتبر.القول الثامن:قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الشخصيات الجزئية،و إنما يعلم الكليات التي لا يجوز عليها التغيير،كالعلم،بأن كل إنسان حيوان و يعلم نفسه أيضا،و هذا مذهب أرسطو و ناصري قوله من الفلاسفة كابن سينا و غيره.القول التاسع:قول من زعم أنه تعالى لا يعلم شيئا أصلا لا كليا و لا جزئيا،و إنما وجد العالم عنه لخصوصية ذاته فقط من غير أن يعلمه كما أن المغناطيس يجذب الحديد لقوة فيه من غير أن يعلم بالجذب،و هذا قول قوم من قدماء الفلاسفة.فهذا تفصيل المذاهب في هذه المسألة.و اعلم أن حجة المتكلمين على كونه عالما بكل شي‏ء،إنما تتضح بعد إثبات حدوث العالم،و أنه فعله بالاختيار فحينئذ لا بد من كونه عالما ؛ لأنه لو لم يكن عالما بشي‏ء أصلا لما صح أن يحدث العالم على طريق الاختيار ؛ لأن الإحداث على طريق الاختيار إنما يكون بالغرض و الداعي و ذلك يقتضي كونه عالما،فإذا ثبت أنه عالم بشي‏ء أفسدوا حينئذ أن يكون عالما بمعنى اقتضى له العالمية أو بأمر خارج عن ذاته مختارا كان أو غير مختار

٢٢٠