كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 48258
تحميل: 6348


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48258 / تحميل: 6348
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

على الفساد لظهر فساده لطلبة الحق و إنما يقع الاشتباه لامتزاج قضاياه الصادقة بالقضايا الكاذبة.مثال ذلك:احتجاج من أجاز الرؤية بأن البارئ تعالى ذات موجودة،و كل موجود يصح أن يرى فإحدى المقدمتين حق و الأخرى باطل،فالتبس أمر النتيجة على كثير من الناس.و مثال ما يكون المقدمتان جميعا باطلتين:قول قوم من الباطنية البارئ لا موجود و لا معدوم،و كل ما لا يكون موجودا و لا معدوما يصح أن يكون حيا قادرا،فالبارئ تعالى يصح أن يكون حيا قادرا،فهاتان المقدمتان جميعا باطلتان،لا جرم أن هذه المقالة مرغوب عنها عند العقلاء.و مثال ما تكون مقدماته حقا:كلها العالم متغير و كل متغير ممكن،فالعالم ممكن فهذا مما لا خلاف فيه بين العقلاء.فإن قيل فما معنى قوله(عليه‌السلام ):فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه و ينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى،أليس هذا إشعارا بقول المجبرة و تلويحا به.قيل:لا إشعار في ذلك بالجبر،و مراده(عليه‌السلام )أنه إذا امتزج في النظر الحق بالباطل،و تركبت المقدمات من قضايا صحيحة و فاسدة تمكن الشيطان من الإضلال و الإغواء،و وسوس إلى المكلف،و خيل له النتيجة الباطلة و أماله إليها،و زينها عنده بخلاف ما إذا كانت المقدمات حقا كلها،فإنه لا يقدر الشيطان على أن يخيل له ما يخالف العقل الصريح،و لا يكون له مجال في تزيين الباطل عنده،ألا ترى أن الأوليات لا سبيل للإنسان إلى جحدها و إنكارها لا بتخييل الشيطان و لا بغير ذلك.

٢٤١

و معنى قوله على أوليائه،أي:على من عنده استعداد للجهل و تمرن على اتباع الهوى،و زهد في تحقيق الأمور العقلية على وجهها تقليدا للأسلاف،و محبة لأتباع المذهب المألوف،فذاك هو الذي يستولي عليه الشيطان و يضله و ينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى،و هم الذين يتبعون محض العقل،و لا يركنون إلى التقليد،و يسلكون مسلك التحقيق،و ينظرون النظر الدقيق،يجتهدون في البحث عن مقدمات أنظارهم،و ليس في هذا الكلام تصريح بالجبر،و لا إشعار به على وجه من الوجوه و هذا واضح.و حمل الراوندي قوله(عليه‌السلام ):فلو أن الباطل خلص إلى آخره على أن المراد به نفي القياس في الشرع.قال:لأن القائسين يحملون المسكوت عنه على المنطوق،فيمتزج المجهول بالمعلوم فيلتبس و يظن لامتزاج بعضه ببعض حقا،و هذا غير مستقيم ؛ لأن لفظ الخطبة أن الحق يمتزج بالباطل،و أصحاب القياس لا يسلمون أن استخراج العلة من الحكم المعلوم باطل،بل يقولون إنه حق و إن الدليل الدال على ورود العبارة بالقياس قد أمنهم من كونه باطلا.و اعلم أن هذا الكلام الذي قاله(عليه‌السلام ):حق إذا تأملته و إن لم تفسره على ما قدمناه من التفسير،فإن الذين ضلوا من مقلدة اليهود و النصارى و أرباب المقالات الفاسدة من أهل الملة الإسلامية و غيرها،إنما ضل أكثرهم بتقليد الأسلاف و من يحسن الظن فيه من الرؤساء و أرباب المذاهب،و إنما قلدهم الأتباع لما شاهدوا من إصلاح ظواهرهم،و رفضهم الدنيا و زهدهم فيها،و إقبالهم على العبادة و تمسكهم بالدين،و أمرهم بالمعروف،و نهيهم عن المنكر،و شدتهم في ذات الله،و جهادهم في سبيله،و قوتهم في

٢٤٢

مذاهبهم،و صلابتهم في عقائدهم،فاعتقد الأتباع و الخلف و القرون التي جاءت بعدهم أن هؤلاء يجب اتباعهم و تحرم مخالفتهم،و أن الحق معهم و أن مخالفهم مبتدع ضال،فقلدوهم في جميع ما نقل إليهم عنهم و وقع الضلال و الغلط بذلك ؛ لأن الباطل استتر و انغمر بما مازجه من الحق الغالب الظاهر المشاهد عيانا أو الحكم الظاهر،و لولاه لما تروج الباطل و لا كان له قبول أصلا.

٢٤٣

51.و من كلام له(عليه‌السلام )لما غلب أصحاب معاوية أصحابه(عليه‌السلام )على شريعة الفرات بصفين و منعوهم من الماء

(قَدِ اِسْتَطْعَمُوكُمُ اَلْقِتَالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ وَ تَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ أَوْ رَوُّوا اَلسُّيُوفَ مِنَ اَلدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ اَلْمَاءِ فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ وَ اَلْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ أَلاَ وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ اَلْغُوَاةِ وَ عَمَّسَ عَلَيْهِمُ اَلْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ اَلْمَنِيَّةِ)استطعموكم القتال كلمة مجازية و معناها طلبوا القتال منكم،كأنه جعل القتال شيئا يستطعم،أي:يطلب أكله و في الحديث إذا استطعمكم الإمام فأطعموه يعني إمام الصلاة،أي:إذا ارتج فاستفتحكم فافتحوا عليه و تقول فلان يستطعمني الحديث،أي:يستدعيه مني و يطلبه.و اللممة بالتخفيف جماعة قليلة.و عمس عليهم الخبر يجوز بالتشديد و يجوز بالتخفيف،و التشديد يعطي الكثرة و يفيدها،و معناه أبهم عليهم الخبر و جعله مظلما ليل عماس،أي:مظلم و قد عمس الليل نفسه

٢٤٤

بالكسر إذا أظلم و عمسه غيره و عمست عليه عمسا إذا أريته أنك لا تعرف الأمر و أنت به عارف.و الأغراض جمع غرض و هو الهدف.و قوله:فأقروا على مذلة و تأخير محلة،أي:أثبتوا على الذل و تأخر المرتبة و المنزلة أو فافعلوا كذا و كذا.و نحو قوله(عليه‌السلام )فالموت في حياتكم مقهورين،قول أبي نصر بن نباتة و الحسين الذي رأى الموت في العز حياة و العيش في الذل قتلا.و قال التهامي:

و من فاته نيل العلا بعلومه

و أقلامه فليبغها بحسامه

فموت الفتى في العز مثل حياته

و عيشته في الذل مثل حمامه

الأشعار الواردة في الإباء و الأنف من احتمال الضيم

و الأشعار في الإباء الأنف من احتمال الضيم و الذل و التحريض على الحرب كثيرة،و نحن نذكر منها هاهنا طرفا فمن ذلك قول عمرو بن براقة الهمداني:

و كيف ينام الليل من جل ماله

حسام كلون الملح أبيض صارم

كذبتم و بيت الله لا تأخذونها

مراغمة ما دام للسيف قائم

و من يطلب المال الممنع بالقنا

يعش ماجدا أو تخترمه الخوارم

٢٤٥

و مثله:

و من يطلب المال الممنع بالقنا

يعش ماجدا أو يؤذ فيما يمارس

و قال حرب بن مسعر:

عطفت عليه المهر عطفة باسل

كمي و من لا يظلم الناس يظلم

فأوجرته لدن الكعوب مثقفا

فخر صريعا لليدين و للفم

و قال الحارث بن الأرقم:

و ما ضاق صدري يا سليمى بسخطكم

و لكنني في الحادثات صليب

تروك لدار الخسف و الضيم منكر

بصير بفعل المكرمات أريب

إذا سامني السلطان ذلا أبيته

و لم أعط خسفا ما أقام عسيب

و قال العباس بن مرداس السلمي:

بأبي فوارس لا يعرى صواهلها

أن يقبلوا الخسف من ملك و إن عظما

لا و السيوف بأيدينا مجردة

لا كان منا غداة الروع منهزما

و قال وهب بن الحارث:

لا تحسبني كأقوام عبثت بهم

لن يأنفوا الذل حتى تأنف الحمر

لا تعلقني قذاة لست فاعلها

و احذر شباتي فقدما ينفع الحذر

فقد علمت بأني غير مهتضم

حتى يلوح ببطن الراحة الشعر

و قال المسيب بن علس:

أبلغ ضبيعة أن البلاد

فيها لذي قوة مغضب

٢٤٦

و قد يقعد القوم في دارهم

إذا لم يضاموا و إن أجدبوا

و يرتحل القوم عند الهوان

عن دارهم بعد ما أخصبوا

و قد كان سامة في قومه

له مطعم و له مشرب

فساموه خسفا فلم يرضه

و في الأرض عن ضيمهم مهرب

و قال آخر:

إن الهوان حمار القوم يعرفه

و الحر ينكره و الرسلة الأجد

و لا يقيم على خسف يراد به

إلا الأذلان عير الحي و الوتد

هذا على الخسف مشدود برمته

و ذا يشج فلا يأوي له أحد

فإن أقمتم على ضيم يراد بكم

فإن رحلي له وال و معتمد

و في البلاد إذا ما خفت بادرة

مكروهة عن ولاة السوء مفتقد

و قال بعض بني أسد:

إني امرؤ من بني خزيمة لا

أطعم خسفا لناعب نعبا

لست بمعط ظلامة أبدا

عجما و لا أتقي بها عربا

دخل مويلك السدوسي إلى البصرة يبيع إبلا فأخذ عامل الصدقة بعضها،فخرج إلى البادية و قال:

ناق إني أرى المقام على الضيم

عظيما في قبة الإسلام

قد أراني و لي من العامل النصف

بحد السنان أو بالحسام

٢٤٧

و وثقت بالدنيا و أنت ترى جماعتها شتاتا

و عزمت ويك على الحياة و طولها عزما بتاتا

يا من رأى أبويه فيمن قد رأى كانا فماتا

هل فيهما لك عبرة أم خلت إن لك انفلاتا

و من الذي طلب التفلت من منيته ففاتا

كل تصبحه المنية أو تبيته بياتا

و له:

أرى الدنيا لمن هي في يديه

عذابا كلما كثرت لديه

تهين المكرمين لها بصغر

و تكرم كل من هانت عليه

إذا استغنيت عن شي‏ء فدعه

و خذ ما أنت محتاج إليه

و له:

ألم تر ريب الدهر في كل ساعة

له عارض فيه المنية تلمع

أيا باني الدنيا لغيرك تبتني

و يا جامع الدنيا لغيرك تجمع

أرى المرء وثابا على كل فرصة

و للمرء يوما لا محالة مصرع

ينازل ما لا يملك الملك غيره

متى تنقضي حاجات من ليس يشبع

و أي امرئ في غاية ليس نفسه

إلى غاية أخرى سواها تطلع

و له:

سل الأيام عن أمم تقضت

ستخبرك المعالم و الرسوم

٢٤٨

و إلا حساما يبهر العين لمحه كصاعقة في عارض قد تبسما

أباة الضيم و أخبارهم

سيد أهل الإباء الذي علم الناس الحمية و الموت تحت ظلال السيوف اختيارا له على الدنية،أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )عرض عليه الأمان و أصحابه،فأنف من الذل و خاف من ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان إن لم يقتله،فاختار الموت على ذلك.و سمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول:كان أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين(عليه‌السلام ):

و قد كان فوت الموت سهلا فرده

إليه الحفاظ المر و الخلق الوعر

و نفس تعاف الضيم حتى كأنه

هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله

و قال لها من تحت أخمصك الحشر

تردى ثياب الموت حمرا فما أتى

لها الليل إلا و هي من سندس خضر

لما فر أصحاب مصعب عنه و تخلف في نفر يسير من أصحابه كسر جفن سيفه و أنشد:

فإن الألى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا

فعلم أصحابه أنه قد استقتل.و من كلام الحسين(عليه‌السلام )يوم الطف المنقول عنه نقله عنه زين العابدين علي ابنه(عليه‌السلام ):ألا و إن الدعي بن الدعي قد خيرنا بين اثنتين السلة

٢٤٩

أو الذلة،و هيهات منا الذلة،يأبى الله ذلك لنا و رسوله و المؤمنون،و حجور طابت و حجز طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية.و هذا نحو قول أبيه(عليه‌السلام )،و قد ذكرناه فيما تقدم إن امرأ أمكن عدوا من نفسه يعرق لحمه،و يفري جلده و يهشم عظمه لعظيم عجزه ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره،فكن أنت ذاك إن شئت،فأما أنا فدون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام و تطيح السواعد و الأقدام.و قال العباس بن مرداس السلمي:

مقال امرئ يهدي إليك نصيحة

إذا معشر جادوا بعرضك فابخل

و إن بوءوك منزلا غير طائل

غليظا فلا تنزل به و تحول

و لا تطعمن ما يعلفونك إنهم

أتوك على قرباهم بالمثمل

أراك إذا قد صرت للقوم ناضحا

يقال له بالغرب أدبر و أقبل

فخذها فليست للعزيز بخطة

و فيها مقام لامرئ متذلل

٢٥٠

و له أيضا:

فحارب فإن مولاك حارد نصره

ففي السيف مولى نصره لا يحارد

و قال مالك بن حريم الهمداني:

و كنت إذا قوم غزوني غزوتهم

فهل أنا في ذا يا ل همدان ظالم

متى تجمع القلب الذكي و صارما

و أنفا حميا تجتنبك المظالم

و قال رشيد بن رميض العنزي:

باتوا نياما و ابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلم

خدلج الساقين خفاق القدم

قد لفها الليل بسواق حطم

ليس براعي إبل و لا غنم

و لا بجزار على ظهر و ضم

من يلقني يود كما أودت إرم

و قال آخر:

و لست بمبتاع الحياة بسبة

و لا مرتق من خشية الموت سلما

و لما رأيت الود ليس بنافعي

عمدت إلى الأمر الذي كان أحزما

٢٥١

و من أباة الضيم يزيد بن المهلب كان يزيد بن عبد الملك يشنؤه قبل خلافته لأسباب ليس هذا موضع ذكرها،فلما أفضت إليه الخلافة خلعه يزيد بن المهلب،و نزع يده من طاعته،و علم أنه إن ظفر به قتله و ناله من الهوان ما القتل دونه،فدخل البصرة و ملكها عنوة و حبس عدي بن أرطاة عامل يزيد بن عبد الملك عليها،فسرح إليه يزيد بن عبد الملك جيشا كثيفا،و يشتمل على ثمانين ألفا من أهل الشام و الجزيرة،و بعث مع الجيش أخاه مسلمة بن عبد الملك،و كان أعرف الناس بقيادة الجيوش و تدبيرها،و أيمن الناس نقيبه في الحرب و ضم إليه ابن أخيه العباس بن الوليد،بن عبد الملك،فسار يزيد بن المهلب من البصرة،فقدم واسط فأقام بها أياما،ثم سار عنها فنزل العقر،و اشتملت جريدة جيشه على مائة و عشرين ألفا و قدم مسلمة بجيوش الشام،فلما تراءى العسكران و شبت الحرب،أمر مسلمة قائدا من قواده أن يحرق الجسور التي كان عقدها يزيد بن المهلب فأحرقها،فلما رأى أهل العراق الدخان قد علا انهزموا،فقيل ليزيد بن المهلب قد انهزم الناس،قال:و مم انهزموا ؟ هل كان قتال ينهزم الناس من مثله ؟ فقيل له:إن مسلمة أحرق الجسور فلم يثبتوا،فقال:قبحهم الله بق دخن عليه فطار،ثم وقف و معه أصحابه،فقال:اضربوا وجوه المنهزمين،ففعلوا ذلك حتى كثروا عليه و استقبله منهم أمثال الجبال،فقال:دعوهم قبحهم الله غنم عدا في نواحيها الذئب و كان يزيد لا يحدث نفسه بالفرار،و قد كان أتاه يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي بواسط،فقال له:

فعش ملكا أو مت كريما فإن تمت

و سيفك مشهور بكفك تعذر

فقال:ما شعرت ؟ فقال:

٢٥٢

إن بني مروان قد باد ملكهم

فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر

فقال:أما هذا فعسى فلما رأى يزيد انهزام أصحابه نزل عن فرسه و كسر جفن سيفه و استقتل فأتاه آت،فقال:إن أخاك حبيبا قد قتل فزاده ذلك بصيرة في توطينه نفسه على القتل،و قال:لا خير في العيش بعد حبيب،و الله لقد كنت أبغض الحياة بعد الهزيمة و قد ازددت لها بغضا امضوا قدما،فعلم أصحابه أنه مستميت فتسلل عنه من يكره القتال و بقي معه جماعة خشية،فهو يتقدم كلما مر بخيل كشفها و هو يقصد مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره،فلما دنا منه أدنى مسلمة فرسه ليركب و حالت خيول أهل الشام بينهما،و عطفت على يزيد بن المهلب فجالدهم بالسيف مصلتا حتى قتل،و حمل رأسه إلى مسلمة،و قتل معه أخوه محمد بن المهلب و كان أخوهما المفضل بن المهلب،يقاتل:أهل الشام في جهة أخرى و لا يعلم بقتل أخويه يزيد و محمد،فأتاه أخوه عبد الملك بن المهلب و قال له:ما تصنع و قد قتل يزيد و محمد و قبلهما قتل حبيب و قد انهزم الناس.و قد روي أنه لم يأته بالخبر على وجهه و خاف أن يخبره بذلك فيستقتل و يقتل،فقال له:إن الأمير قد انحدر إلى واسط فاقتص أثره فانحدر المفضل حينئذ،فلما علم بقتل إخوته حلف ألا يكلم أخاه عبد الملك أبدا،و كانت عين المفضل قد أصيبت من قبل في حرب الخوارج،فقال:فضحني عبد الملك فضحه الله ما عذري إذا رآني الناس،فقالوا:شيخ أعور مهزوم ألا صدقني فقتلت،ثم قال:

و لا خير في طعن الصناديد بالقنا

و لا في لقاء الناس بعد يزيد

فلما اجتمع من بقي من آل المهلب بالبصرة بعد الكسرة أخرجوا عدي بن أرطاة أمير البصرة من الحبس فقتلوه و حملوا عيالهم في السفن البحرية،و لججوا في البحر فبعث إليهم مسلمة بن عبد الملك بعثا عليه قائد من قواده،فأدركهم في قندابيل فحاربهم

٢٥٣

و حاربوه،و تقدم بنو المهلب بأسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم،و هم المفضل بن المهلب،و زياد بن المهلب،و مروان بن المهلب،و عبد الملك بن المهلب،و معاوية بن يزيد بن المهلب،و المنهال بن أبي عيينة بن المهلب،و عمرو و المغيرة ابنا قبيصة بن المهلب،و حملت رءوسهم إلى مسلمة بن عبد الملك،و في أذن كل واحد منهم رقعة فيها اسمه،و استؤسر الباقون في الوقعة،فحملوا إلى يزيد بن عبد الملك بالشام و هم أحد عشر رجلا،فلما دخلوا عليه قام كثير بن أبي جمعة فأنشد:

حليم إذا ما نال عاقب مجملا

أشد العقاب أو عفا لم يثرب

فعفوا أمير المؤمنين و حسبة

فما تأته من صالح لك يكتب

أساءوا فإن تصفح فإنك قادر

و أفضل حلم حسبة حلم مغضب

فقال يزيد:أطت بك الرحم يا أبا صخر،لو لا أنهم قدحوا في الملك لعفوت عنهم،ثم أمر بقتلهم فقتلوا و بقي منهم صبي صغير،فقال:اقتلوني فلست بصغير،فقال يزيد بن عبد الملك:انظروا هل أنبت ؟ فقال:أنا أعلم بنفسي قد احتلمت و وطئت النساء فاقتلوني فلا خير في العيش بعد أهلي،فأمر به فقتل.قال أبو عبيدة معمر بن المثنى،و أسماء الأسارى الذين قتلوا صبرا،و هم أحد عشر مهلبيا المعارك،و عبد الله،و المغيرة،و المفضل،و المنجاب بنو يزيد بن المهلب،و دريد،و الحجاج،و غسان،و شبيب،و الفضل بنو المفضل بن المهلب لصلبه،و الفضل بن قبيصة بن المهلب قال:و لم يبق بعد هذه الوقعة الثانية لأهل المهلب باقية إلا أبو عيينة بن المهلب،و عمر بن يزيد بن المهلب،و عثمان بن المفضل بن المهلب،فإنهم لحقوا برتبيل،ثم أومنوا بعد ذلك.

٢٥٤

و قال الرضي الموسويرحمه‌الله تعالى:

ألا لله بادرة الطلاب

و عزم لا يروع بالعتاب

و كل مشمر البردين يهوي

هوى المصلتات إلى الرقاب

أعاتبه على بعد التنائي

فيعذلني على قرب الإياب

رأيت العجز يخضع لليالي

و يرضى عن نوائبها الغضاب

و آمل أن تطاوعني الليالي

و ينشب في المنى ظفري و نابي

و لو لا صولة الأقدار دوني

هجمت على العلا من كل باب

و قال أيضا:

لا يبذ الهموم إلا غلام

يركب الهول و الحسام رديف

ما يذل الزمان بالفقر حرا

كيفما كان فالشريف شريف

و قال أيضارحمه‌الله تعالى:

و لست أضل في طرق المعالي

و نار العز عالية الشعاع

و دون المجد رأي مستطيل

و باع غير مجبوب الذراع

و يعجبني البعاد كان قلبي

يحدث عن عدي بن الرقاع

فرد نهي العلاء بلا رقيب

و شمر في الأمور بلا نزاع

و لا تغررك قعقعة الأعادي

فذاك الصخر خر من اليفاع

و نحن أحق بالدنيا و لكن

تخيرت القطوف على الوساع

٢٥٥

و قال حارثة بن بدر الغداني:

أهان و أقصى ثم ينتصحونني

و من ذا الذي يعطي نصيحته قسرا

رأيت أكف المصلتين عليكم

ملاء و كفى من عطائكم صفرا

متى تسألوني ما علي و تمنعوا

الذي لي لا أستطيع في ذلكم صبرا

و قال بعض الخوارج:

تعيرني بالحرب عرسي و ما درت

بأني لها في كل ما أمرت ضد

لحا الله قوما يقعدون و عندهم

سيوف و لم يعصب بأيديهم قد

و قال الأعشى:

أبالموت خشتني عباد و إنما

رأيت منايا القوم يسعى دليلها

و ما موتة إن متها غير عاجز

بعار إذا ما غالت النفس غولها

و قال آخر:

فلا أسمعن فيكم بأمر هضيمة

و ضيم و لا تسمع به هامتي بعدي

فإن السنان يركب المرء حده

من الضيم أو يعدو على الأسد الورد

و مثله:

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته

على طرف الهجران إن كان يعقل

و يركب حد السيف من أن تضيمه

إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل

٢٥٦

و قال آخر:

كرهوا الموت فاستبيح حماهم

و أقاموا فعل اللئيم الذليل

أ من الموت تهربون فإن

الموت الذليل غير جميل

و قال بشامة بن الغدير:

و إن التي سامكم قومكم

هم جعلوها عليكم عدولا

أ خزي الحياة و كره الممات

فكلا أراه طعاما وبيلا

فإن لم يكن غير إحداهما

فسيروا إلى الموت سيرا جميلا

و لا تقعدوا و بكم منة

كفى بالحوادث للمرء غولا

قال يزيد بن المهلب في حرب جرجان لأخيه أبي عيينة:ما أحسن منظر رأيت في هذه الحرب ؟ قال:سيف بن أبي سبرة و بيضته،و كان عبد الله بن أبي سبرة حمل على غلام تركي قد أفرج الناس له و صدوا عنه لبأسه و شجاعته،فتضاربا ضربتين،فقتله ابن أبي سبرة بعد أن ضربه التركي في رأسه فنشب سيفه في بيضة ابن أبي سبرة،فعاد إلى الصف و سيفه مصبوغ بدم التركي و سيف التركي ناشب في بيضته كجزء منها يلمع،فقال الناس:هذا كوكب الذنب و عجبوا من منظره.و قال هدبة بن خشرم:

و إني إذ ما الموت لم يك دونه

قدى الشبر أحمى الأنف أن أتأخرا

و لكنني أعطي الحفيظة حقها

فأعرف معروفا و أنكر منكرا

و قال آخر:

إني أنا المرء لا يغضي على ترة

و لا يقر على ضيم إذا غشما

٢٥٧

ألقى المنية خوفا أن يقال فتى

أمسى و قد ثبت الصفان منهزما

و قال آخر:

قوض خيامك و التمس بلدا

تنأى عن الغاشيك بالظلم

أو شد شدة بيهس فعسى

أن يتقوك بصفحة السلم

استنصر سبيع بن الخطيم التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة زيد الفوارس الضبي فنصره،فقال:

نبهت زيدا فلم أفزع إلى وكل

رث السلاح و لا في الحي مغمور

سالت عليه شعاب الحي حين دعا

أنصاره بوجوه كالدنانير

و قال أبو طالب بن عبد المطلب:

كذبتم و بيت الله نخلي محمدا

و لما نطاعن دونه و نناضل

و ننصره حتى نصرع حوله

و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

لما برز علي و حمزة و عبيدة(عليه‌السلام )يوم بدر إلى عتبة و شيبة و الوليد،قتل علي(عليه‌السلام )الوليد،و قتل حمزة شيبة على اختلاف في رواية ذلك،هل كان شيبة قرنه أم عتبة،و تجالد عبيدة و عتبة بسيفيهما،فجرح عبيدة عتبة في رأسه،و قطع عتبة ساق عبيدة،فكر علي و حمزة(عليه‌السلام )على صاحبهما فاستنقذاه من عتبة،و خبطاه بسيفيهما حتى قتلاه،و احتملا صاحبهما فوضعاه بين يدي رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )في العريش،و هو يجود بنفسه،و إن مخ ساقه ليسيل،فقال:يا رسول الله،لو كان أبو طالب حيا لعلم أني أولى منه بقوله:

٢٥٨

كذبتم و بيت الله نخلي محمدا

و لما نطاعن دونه و نناضل

و ننصره حتى نصرع حوله

و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

فبكى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و قال:اللهم أنجز لي ما وعدتني،اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.لما قدم جيش الحرة إلى المدينة،و على الجيش مسلم بن عقبة المري أباح المدينة ثلاثا،و استعرض أهلها بالسيف جزرا كما يجزر القصاب الغنم،حتى ساخت الأقدام في الدم،و قتل أبناء المهاجرين و الأنصار،و ذرية أهل بدر،و أخذ البيعة ليزيد بن معاوية على كل من استبقاه من الصحابة و التابعين،على أنه عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية،هكذا كانت صورة المبايعة يوم الحرة إلا علي بن الحسين بن علي(عليه‌السلام )،فإنه أعظمه و أجلسه معه على سريره و أخذ بيعته على أنه أخو أمير المؤمنين يزيد بن معاوية و ابن عمه دفعا له عما بايع عليه غيره،و كان ذلك بوصاة من يزيد بن معاوية له،فهرب علي بن عبد الله بن العباسرحمه‌الله تعالى إلى أخواله من كندة،فحموه من مسلم بن عقبة و قالوا لا يبايع ابن أختنا إلا على ما بايع عليه ابن عمه علي بن الحسين،فأبى مسلم بن عقبة ذلك و قال:إني لم أفعل ما فعلت إلا بوصاة أمير المؤمنين،و لو لا ذلك لقتلته،فإن أهل هذا البيت أجدر بالقتل أو لأخذت بيعته على ما أخذت عليه بيعة غيره،و سفر السفراء بينه و بينهم حتى وقع الاتفاق على أن يبايع و يقول أنا أبايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية،و ألتزم طاعته و لا يقول غير ذلك،فقال علي بن عبد الله بن العباس:

أبي العباس رأس بني قصي

و أخوالي الملوك بنو وليعه

هم منعوا ذماري يوم جاءت

كتائب مسرف و بنو اللكيعه

٢٥٩

أراد بي التي لا عز فيها

فحالت دونه أيد منيعه

مسرف كناية عن مسلم،و أم علي بن عبد الله بن العباس زرعة بنت مشرح،بن معديكرب،بن وليعة،بن شرحبيل،بن معاوية،بن كندة.قال الحسين بن الحمام:

و لست بمبتاع الحياة بسبة

و لا مرتق من خشية الموت سلما

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد

لنفسي حياة مثل أن أتقدما

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

و لكن على أقدامنا تقطر الدما

نفلق هاما من رجال أعزة

علينا و هم كانوا أعق و أظلما

أبى لابن سلمى أنه غير خالد

ملاقي المنايا أي صرف تيمما

ابن سلمى يعني نفسه و سلمى أمه.و قال الطرماح بن حكيم:

و ما منعت دار و لا عز أهلها

من الناس إلا بالقنا و القنابل

و قال آخر:

و إن التي حدثتها في أنوفنا

و أعناقنا من الإباء كما هيا

و قال آخر:

فإن تكن الأيام فينا تبدلت

ببؤسي و نعمى و الحوادث تفعل

فما لينت منا قناة صليبة

و لا ذللتنا للتي ليس تجمل

و لكن رحلناها نفوسا كريمة

تحمل ما لا يستطاع فتحمل

٢٦٠