كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 48269
تحميل: 6351


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48269 / تحميل: 6351
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

و لهرحمه‌الله :

ما مقامي على الهوان و عندي

مقول صارم و أنف حمي

و إباء محلق بي عن الضيم

كما زاغ طائر وحشي

أبو الطيب المتنبي:

تقولين ما في الناس مثلك عاشق

جدي مثل من أحببته تجدي مثلي

محب كنى بالبيض عن مرهفاته

و بالحسن في أجسامهن عن الصقل

و بالسمر عن سمر القنا غير أنني

جناها أحبائي و أطرافها رسلي

عدمت فؤادا لم يبت فيه فضلة

لغير ثنايا الغر و الحدق النجل

تريدين إدراك المعالي رخيصة

و لا بد دون الشهد من أبر النحل

ابن الهبارية الهمم العلية و المهج الأبية تقرب المنية منك أو الأمنية.أبو تمام:

فتى النكبات من يأوي إذا ما

قطفن به إلى خلق و ساع

يثير عجاجة في كل فج

يهيم بها عدي بن الرقاع

يخوض مع السباع الماء حتى

لتحسبه السباع من السباع

٣٠١

فلب العزم إن حاولت يوما

بأن تستطيع غير المستطاع

فلم تركب كناجية المهاري

و لم تركب همومك كالزماع

و له أيضا:

إن خيرا مما رأيت من الصفح

عن النائبات و الإغماض

غربة تقتدي بغربة قيس

بن زهير و الحارث بن مضاض

غرضي نكبتين ما فتلا رأيا

فخافا عليه نكث انتقاض

من أبن البيوت أصبح في ثوب

من العيش ليس بالفضفاض

صلتان أعداؤه حيث حلوا

في حديث من ذكره مستفاض

و الفتى من تعرقته الليالي

و الفيافي كالحية النضناض

كل يوم له بصرف الليالي

فتكة مثل فتكة البراض

و له أيضا:

إن تريني ترى حساما صقيلا

مشرفيا من السيوف الحداد

ثاني الليل ثالث البيد و السير

نديم النجوم ترب السهاد

أخذ هذا اللفظ أبو عبادة البحتري فقال:

يا نديمي بالسواجير من شمس

بن عمرو و بحتر بن عتود

٣٠٢

اطلبا ثالثا سواي فإني

رابع العيس و الدجى و البيد

لست بالعاجز الضعيف و لا القائل

يوما إن الغنى بالجدود

و إذا استصعبت مقادة أمر

سهلته أيدي المهاري القود

و قال الرضيرحمه‌الله تعالى:

و لم أر كالرجاء اليوم شيئا

تذل له الجماجم و الرقاب

و بعض العدم مأثرة و فخر

و بعض المال منقصة و عاب

بناني و العنان إذا نبت بي

ربا أرض و رجلي و الركاب

و قد عرفت توقلي الليالي

كما عرفت توقلي العقاب

لأمنع جانبا و أفيد عزا

و عز الموت ما عز الجناب

إذا هول دعاك فلا تهبه

فلم يبق الذين أبوا و هابوا

كليب عافصته يد و أودى

عتيبة يوم أقعصه ذؤاب

سواء من أقل الترب منا

و من وارى معالمه التراب

و إن مزايل العيش اعتباطا

مساو للذين بقوا و شابوا

و أولنا العناء إذا طلعنا

إلى الدنيا و آخرنا الذهاب

إلى كم ذا التردد في الأماني

و كم يلوي بناظري السراب

و لا نقع يثار و لا قتام

و لا طعن يشب و لا ضراب

٣٠٣

و لا خيل معقدة النواصي

يموج على شكائمها اللعاب

عليها كل ملتهب الحواشي

يصيب من العدو و لا يصاب

سأخطبها بحد السيف فعلا

إذا لم يغن قول أو خطاب

و آخذها و إن رغمت أنوف

مغالبة و إن ذلت رقاب

قعد سليمان بن عبد الملك يعرض و يفرض،فأقبل فتى من بني عبس وسيم فأعجبه فقال:ما اسمك ؟ قال:سليمان.قال:ابن من ؟ قال ابن عبد الملك،فأعرض عنه و جعل يفرض لمن دونه،فعلم الفتى أنه كره موافقة اسمه و اسم أبيه،فقال:يا أمير المؤمنين،لا عدمت اسمك و لا شقي اسم يوافق اسمك فافرض،فإنما أنا سيف بيدك إن ضربت به قطعت و إن أمرتني أطعت،و سهم في كنانتك أشتد إن أرسلت،و أنفذ حيث وجهت،فقال له سليمان و هو يروزه و يختبره:ما قولك يا فتى لو لقيت عدوا ؟ قال:أقول حسبي الله و نعم الوكيل.قال سليمان:أكنت مكتفيا بهذا لو لقيت عدوك دون ضرب شديد ؟ قال الفتى:إنما سألتني يا أمير المؤمنين ما أنت قائل فأخبرتك،و لو سألتني ما أنت فاعل لأنبأتك أنه لو كان ذلك لضربت بالسيف حتى يتعقف،و لطعنت بالرمح حتى يتقصف،و لعلمت إن ألمت فإنهم يألمون،و لرجوت من الله ما لا يرجون،فأعجب سليمان به و ألحقه في العطاء بالأشراف و تمثل:

إذا ما اتقى الله الفتى ثم لم يكن

على أهله كلا فقد كمل الفتى

٣٠٤

السر تحت قوله ثم لم يكن على أهله كلا يقال في المثل لا تكن كلا على أهلك فتهلك.عدي بن زيد:

فهل من خالد إما هلكنا

و هل بالموت يا للناس عار

الرضي الموسويرحمه‌الله تعالى:

إذا لم يكن إلا الحمام فإنني

سأكرم نفسي عن مقال اللوائم

و ألبسها حمراء تضفو ذيولها

من الدم بعدا عن لباس الملاوم

فمن قبل ما اختار ابن الأشعث عيشه

على شرف عال رفيع الدعائم

فطار ذميما قد تقلد عارها

بشر جناح يوم دير الجماجم

و جاءهم يجرى البريد برأسه

و لم يغن إيغال به في الهزائم

و قد حاص من خوف الردى كل حيصة

فلم ينج و الأفدار ضربة لازم

و هذا يزيد بن المهلب نافرت

به الذل أعراق الجدود الأكارم

فقال و قد عن الفرار أو الردى

لحا الله أخزى ذكرة في المواسم

و ما غمرات الموت إلا انغماسة

و لا ذي المنايا غير تهويم نائم

٣٠٥

رأى أن هذا السيف أهون محملا

من العار يبقى وسمه في المخاطم

و ما قلد البيض المباتير عنقه

سوى الخوف من تقليدها بالأداهم

فعاف الدنايا و امتطى الموت شامخا

بمارن عز لا يذل لخاطم

و قد حلقت خوف الهوان بمصعب

قوادم آباء كرام المقادم

على حين أعطوه الأمان فعافه

و خير فاختار الردى غير نادم

و في خدره غراء من آل طلحة

علاقة قلب للنديم المخالم

تحبب أيام الحياة و إنها

لأعذب من طعم الخلود لطاعم

ففارقها و الملك لما رآهما

يجران إذلال النفوس الكرائم

و لما ألاح الحوفزان من الردى

ذاه المخازي رمح قيس بن عاصم

و غادرها شنعاء إن ذكرت له

من العار طأطأ رأس خزيان واجم

كذاك مني بعد الفرار أمية

بشقشقة لوثاء من آل دارم

و سل لها سل الحسام ابن معمر

فكر على أعقاب ناب بصارم

يردد ذكري كل نجد و غائر

و ألجم خوفي كل باع و ظالم

و هددني الأعداء في المهد لم يحن

نهوضي و لم تقطع عقود تمائمي

و عندي يوم لو يزيد و مسلم

بدا لهما لاستصغرا يوم واقم

على العز مت لا ميتة مستكينة

تزيل عن الدنيا بشم المراغم

و خاطر على الجلى خطار ابن حرة

و إن زاحم الأمر العظيم فزاحم

٣٠٦

و من أباة الضيم و مؤثري الموت على الحياة الذليلة محمد و إبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن،بن الحسن،بن علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،لما أحاطت عساكر عيسى بن موسى بمحمد،و هو بالمدينة قيل له:أنج بنفسك فإن لك خيلا مضمرة و نجائب سابقة فاقعد عليها و التحق بمكة أو باليمن،قال:إني إذا لعبد و خرج إلى الحرب يباشرها بنفسه و بمواليه،فلما أمسى تلك الليلة و أيقن بالقتل أشير عليه بالاستتار،فقال:إذن يستعرض عيسى أهل المدينة بالسيف،فيكون لهم يوم كيوم الحرة لا و الله لا أحفظ نفسي بهلاك أهل المدينة،بل أجعل دمي دون دمائهم،فبذل له عيسى الأمان على نفسه و أهله و أمواله،فأبى و نهد إلى الناس بسيفه لا يقاربه أحد إلا قتله،لا و الله ما يبقي شيئا و إن أشبه خلق الله به فيما ذكر هو حمزة بن عبد المطلب،و رمي بالسهام و دهمته الخيل،فوقف إلى ناحية جدار و تحاماه الناس،فوجد الموت فتحامل على سيفه فكسره فالزيدية تزعم أنه كان سيف رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )ذا الفقار.و روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقال الطالبيين أن محمدا(عليه‌السلام )قال لأخته ذلك اليوم إني في هذا اليوم على قتال هؤلاء،فإن زالت الشمس و أمطرت السماء،فإني مقتول و إن زالت الشمس و لم تمطر السماء و هبت الريح،فإني أظفر بالقوم فأججي التنانير،و هيئي هذه الكتب يعني كتب البيعة الواردة عليه من الآفاق،فإن زالت الشمس و مطرت السماء،فاطرحي هذه الكتب في التنانير،فإن قدرتم على بدني

٣٠٧

فخذوه،و إن لم تقدروا على رأسي فخذوا سائر بدني فأتوا به ظلة بني بلية على مقدار أربعة أذرع أو خمسة منها،فاحفروا لي حفيرة و ادفنوني فيها فمطرت السماء وقت الزوال،و قتل محمد(عليه‌السلام )،و كان عندهم مشهورا أن آية قتل النفس الزكية أن يسيل دم بالمدينة حتى يدخل بيت عاتكة،فكانوا يعجبون كيف يسيل الدم حتى يدخل ذلك البيت،فأمطرت السماء ذلك اليوم و سال الدم بالمطر حتى دخل بيت عاتكة،و أخذ جسده فحفر له حفيرة في الموضع الذي حده لهم،فوقعوا على صخرة فأخرجوها،فإذا فيها مكتوب هذا قبر الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،فقالت زينب أخت محمد(عليه‌السلام ):رحم الله أخي كان أعلم حيث أوصى أن يدفن في هذا الموضع.و روى أبو الفرج قال:قدم على المنصور قادم،فقال:هرب محمد،فقال له:كذبت إنا أهل البيت لا نفر.و أما إبراهيم(عليه‌السلام )فروى أبو الفرج عن المفضل بن محمد الضبي قال:كان إبراهيم بن عبد الله بن الحسن متواريا عندي بالبصرة،و كنت أخرج و أتركه،فقال لي:إذا خرجت ضاق صدري فأخرج إلي شيئا من كتبك أتفرج به،فأخرجت إليه كتبا من الشعر،فاختار منها القصائد السبعين التي صدرت بها كتاب المفضليات،ثم أتممت عليها باقي الكتاب.فلما خرج خرجت معه فلما صار بالمربد مربد سليمان بن علي وقف عليهم و أمنهم،و استسقى ماء فأتي به فشرب فأخرج إليه صبيان من صبيانهم فضمهم إليه

٣٠٨

و قال هؤلاء و الله منا و نحن منهم لحمنا و دمنا،و لكن آباءهم انتزوا على أمرنا و ابتزوا حقوقنا و سفكوا دماءنا،ثم تمثل:

مهلا بني عمنا ظلامتنا

إن بنا سورة من الغلق

لمثلكم نحمل السيوف و لا

تغمز أحسابنا من الرقق

إني لأنمي إذا انتميت إلى

عز عزيز و معشر صدق

بيض سباط كان أعينهم

تكحل يوم الهياج بالعلق

فقلت له:ما أجود هذه الأبيات و أفحلها فلمن هي ؟ فقال:هذه يقولها ضرار بن الخطاب الفهري يوم عبر الخندق على رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و تمثل بها علي بن أبي طالب يوم صفين،و الحسين يوم الطف،و زيد بن علي يوم السبخة،و يحيى بن زيد يوم الجوزجان ف،تطيرت له من تمثله بأبيات لم يتمثل بها أحد إلا قتل،ثم سرنا إلى باخمرى،فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد فتغير لونه و جرض بريقه،ثم أجهش باكيا و قال:اللهم إن كنت تعلم أن محمدا خرج يطلب مرضاتك و يؤثر أن تكون كلمتك العليا،و أمرك المتبع المطاع فاغفر له و ارحمه و ارض عنه،و اجعل ما نقلته إليه من الآخرة خيرا مما نقلته عنه من الدنيا،ثم انفجر باكيا،ثم تمثل:

أبا المنازل يا خير الفوارس من

يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا

الله يعلم إني لو خشيتهم

أو آنس القلب من خوف لهم فزعا

لم يقتلوك و لم أسلم أخي لهم

حتى نعيش جميعا أو نموت معا

قال المفضل:فجعلت أعزيه و أعاتبه على ما ظهر من جزعه،فقال:إني و الله في هذا كما قال دريد بن الصمة:

٣٠٩

يقول ألا تبكي أخاك و قد أرى

مكان البكا لكن بنيت على الصبر

لمقتل عبد الله و الهالك الذي

على الشرف الأعلى قتيل أبي بكر

و عبد يغوث تحجل الطير حوله

و جل مصابا جثو قبر على قبر

فأما ترينا لا تزال دماؤنا

لدى واتر يسعى بها آخر الدهر

فإنا للحم السيف غير نكيرة

و نلحمه طورا و ليس بذي نكر

يغار علينا واترين فيشتفى

بنا إن أصبنا أو نغير على وتر

بذاك قسمنا الدهر شطرين بيننا

فما ينقضي إلا و نحن على شطر

قال المفضل ثم ظهرت لنا جيوش أبي جعفر مثل الجراد فتمثل إبراهيم(عليه‌السلام )قوله:

إن يقتلوني لا تصب أرماحهم

ثأري و يسعى القوم سعيا جاهدا

نبئت أن بني جذيمة أجمعت

أمرا تدبره لتقتل خالدا

أرمي الطريق و إن رصدت بضيقه

و أنازل البطل الكمي الحاردا

فقلت له:من يقول هذا الشعر يا ابن رسول الله ؟ فقال:يقوله خالد بن جعفر بن كلاب يوم شعب جبلة،و هذا اليوم الذي لقيت فيه قيس تميما.قال:و أقبلت عساكر أبي جعفر،فطعن رجلا و طعنه آخر،فقلت له:أتباشر القتال بنفسك و إنما العسكر منوط بك ؟ فقال:إليك يا أخا بني ضبة،فإني لكما قال عويف القوافي:

ألمت سعاد و إلمامها

أحاديث نفس و أحلامها

محجبة من بني مالك

تطاول في المجد أعلامها

٣١٠

و إن لنا أصل جرثومة

ترد الحوادث أيامها

ترد الكتيبة مفلولة

بها أفنها و بها ذامها

و التحمت الحرب و اشتدت،فقال:يا مفضل،احكني بشي‏ء فذكرت أبياتا لعويف القوافي لما كان ذكره هو من شعره فأنشدته:

ألا أيها الناهي فزارة بعد ما

أجدت لسير إما أنت ظالم

أبى كل حر أن يبيت بوتره

و تمنع منه النوم إذ أنت نائم

أقول لفتيان كرام تروحوا

على الجرد في أفواههن الشكائم

قفوا وقفة من يحي لا يخز بعدها

و من يخترم لا تتبعه اللوائم

و هل أنت إن باعدت نفسك عنهم

لتسلم فيما بعد ذلك سالم

فقال:أعد و تبينت من وجهه أنه يستقتل فانتهبت و قلت أو غير ذلك فقال:لا بل أعد الأبيات فأعدتها فتمطى في ركابيه فقطعهما،و حمل فغاب عني و أتاه سهم عائر فقتله،و كان آخر عهدي به(عليه‌السلام )قلت في هذا الخبر ما:

يحتاج إلى تفسير أما قوله إن بنا سورة من الغلق

فالغلق الضجر و ضيق الصدر و الحدة يقال:احتد فلان فنشب في حدته و غلق و السورة الوثوب يقال:إن لغضبه لسورة و إنه لسوار،أي:وثاب معربد و سورة الشراب وثوبه في الرأس،و كذلك سورة السم،و سورة السلطان سطوته و اعتداؤه.و أما قوله:لمثلكم نحمل السيوف فمعناه أن غيركم ليس بكف‏ء لنا لنحمل له السيوف،و إنما نحملها لكم ؛ لأنكم أكفاؤنا فنحن نحاربكم على الملك و الرئاسة،و إن كانت أحسابنا واحدة و هي شريفة لا مغمز فيها.

٣١١

و الرقق بفتح الراء الضعف و منه قول الشاعر:

لم تلق في عظمها وهنا و لا رققا

و قوله:تكحل يوم الهياج بالعلق،فالعلق الدم يريد أن عيونهم حمر لشدة الغيظ و الغضب،فكأنها كحلت بالدم.و قوله:لكن بنيت على الصبر،أي:خلقت و بنيت بنية تقتضي الصبر و الشرف لأعلى العالي،و بنو أبي بكر بن كلاب من قيس عيلان،ثم أحد بني عامر بن صعصعة.و أما قوله:

إن يقتلوني لا تصب أرماحهم

فمعناه أنهم إن قتلوني،ثم حاولوا أن يصيبوا رجلا آخر مثلي يصلح أن يكون لي نظيرا و أن يجعل دمه بواء لدمي و سعوا في ذلك سعيا جاهدا،فإنهم لم يجدوا و لم يقدروا عليه.و قوله أرمي الطريق...البيت يقول أسلك الطريق الضيق،و لو جعل علي فيه الرصد لقتلي.و الحارد المنفرد في شجاعته الذي لا مثل له.

غلبة معاوية على الماء بصفين ثم غلبة علي عليه بعد ذلك

فأما حديث الماء و غلب أصحاب معاوية على شريعة الفرات بصفين،فنحن نذكره من كتاب صفين لنصر بن مزاحم.قال نصر:كان أبو الأعور السلمي على مقدمة معاوية،و كان قد ناوش مقدمة

٣١٢

علي(عليه‌السلام )و عليها الأشتر النخعي مناوشة ليست بالعظيمة،و قد ذكرنا ذلك فيما سبق من هذا الكتاب،و انصرف أبو الأعور عن الحرب راجعا،فسبق إلى الماء فغلب عليه في الموضع المعروف بقناصرين إلى جانب صفين،و ساق الأشتر يتبعه فوجده غالبا على الماء،و كان في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق،فصدموا أبا الأعور و أزالوه عن الماء،فأقبل معاوية في جميع الفيلق بقضه و قضيضه،فلما رآهم الأشتر انحاز إلى علي(عليه‌السلام )،و غلب معاوية و أهل الشام على الماء،و حالوا بين أهل العراق و بينه،و أقبل علي(عليه‌السلام )في جموعه فطلب موضعا لعسكره،و أمر الناس أن يضعوا أثقالهم و هم أكثر من مائة ألف فارس،فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي(عليه‌السلام )على خيولهم إلى جهة معاوية يتطاعنون و يرمون بالسهام،و معاوية بعد لم ينزل فناوشهم أهل الشام القتال فاقتتلوا هويا.قال نصر:فحدثني عمر بن سعد،عن سعد بن طريف،عن الأصبغ بن نباته،فكتب معاوية إلى علي(عليه‌السلام )عافانا الله و إياك:

ما أحسن العدل و الإنصاف من عمل

و أقبح الطيش ثم النفش في الرجل

و كتب بعده:

اربط حمارك لا تنزع سويته

إذا يرد و قيد العير مكروب

ليست ترى السيد زيدا في نفوسهم

كما يراه بنو كوز و مرهوب

إن تسألوا الحق نعط الحق سائله

و الدرع محقبة و السيف مقروب

أو تأنفون فإنا معشر أنف

لا نطعم الضيم إن السم مشروب

٣١٣

فأمر علي(عليه‌السلام )أن يوزع الناس عن القتال حتى أخذ أهل الشام مصافهم،ثم قال:أيها الناس،إن هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة و من فلج فيه فلج يوم القيامة،ثم قال لما رأى نزول معاوية بصفين:

لقد أتانا كاشرا عن نابه

يهمط الناس على اعتزابه

فليأتينا الدهر بما أتى به

قال نصر:و كتب علي(عليه‌السلام )إلى معاوية جواب كتابه،أما بعد:

فإن للحرب عراما شررا

إن عليها قائدا عشنزرا

ينصف من أحجر أو تنمرا

على نواحيها مزجا زمجرا

إذا ونين ساعة تغشمرا

و كتب بعده:

ألم تر قومي إن دعاهم أخوهم

أجابوا و إن يغضب على القوم يغضبوا

هم حفظوا غيبي كما كنت حافظا

لقومي أخرى مثلها إن يغيبوا

بنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم

و آباؤهم آباء صدق فأنجبوا

قال:قد تراجع الناس كل من الفريقين إلى معسكرهم،و ذهب شباب من الناس إلى أن يستقوا،فمنعهم أهل الشام.قلت في هذه الألفاظ ما ينبغي أن يشرح.

٣١٤

قوله:فاقتتلوا هويا بفتح الهاء،أي:قطعة من الزمان و ذهب هوي من الليل،أي:فريق منه.و النفش كثرة الكلام و الدعاوي و أصله من نفش الصوف.و السوية كساء محشو بثمام و نحوه:كالبرذعة و كرب القيد إذا ضيقه على المقيد و قيد مكروب،أي:ضيق يقول لا تنزع برذعة حمارك عنه و اربطه و قيده،و إلا أعيد إليك و قيده ضيق و هذا مثل ضربه لعلي(عليه‌السلام )يأمره فيه بأن يردع جيشه عن التسرع و العجلة في الحرب.و زيد المذكور في الشعر هو زيد بن حصين،بن ضرار،بن عمرو،بن مالك،بن زيد بن كعب،بن بجالة بن ذهل،بن مالك،بن بكر،بن سعد،بن ضبة،بن أد،بن طابخة،بن إلياس،بن مضر،بن نزار،بن معد،بن عدنان،و هو المعروف بزيد الخيل،و كان فارسهم،و بنو السيد من ضبة أيضا،و هم بنو السيد بن مالك،بن بكر،بن سعد بن ضبة،بن أد بن طابخة...إلى آخر النسب و بنو السيد بنو عم زيد الفوارس ؛ لأنه من بني ذهل بن مالك،و هؤلاء بنو السيد بن مالك،و بينهم عداوة النسب يقول إن بني السيد لا يرون زيدا في نفوسهم كما تراه أهله الأدنون منه نسبا،و هم بنو كوز،و بنو مرهوب،فأما بنو كوز فإنهم بنو كوز بن كعب،بن بجالة،بن ذهل بن مالك،و أما بنو مرهوب،فإنهم بنو مرهوب بن عبيد،بن هاجر،بن كعب بن بجالة،بن ذهل بن مالك،يقول:نحن لا نعظم زيدا و لا نعتقد فيه من الفضيلة ما يعتقده أهله،و بنو عمه الأدنون و المثل لعلي(عليه‌السلام )،أي:نحن لا نرى في علي ما يراه أهل العراق من تعظيمه و تبجيله.و قوله:و الدرع محقبة و السيف مقروب،أي:و الدرع بحالها في حقابها ،و هو ما يشد به في غلافها و السيف بحاله ،أي:في قرابه

٣١٥

و هو جفنه يقال:حقبت الدرع و قربت السيف كلاهما ثلاثيان يقول:إن سألتم الحق أعطيناكموه من غير حاجة إلى الحرب بل نجيبكم إليه و الدروع بحالها لم تلبس،و السيوف في أجفانها لم تشهر.و أما إثبات النون في تأنفون،فإن الأصوب حذفها لعطف الكلمة على المجزوم قبلها و لكنه استأنف،و لم يعطف كأنه قال:أو كنتم تأنفون يقول و إن أنفتم و أبيتم إلا الحرب،فإنا نأنف مثلكم أيضا لا نطعم الضيم و لا نقبله،ثم قال:إن السم مشروب،أي:إن السم قد نشربه و لا نشرب الضيم،أي:نختار الموت على الضيم و الذلة و يروى:

و إن أنفتم فإنا معشر أنف

لا نطعم الضيم إن الضيم مرهوب

و الشعر لعبد الله بن عنمة الضبي من بني السيد و من جملته:

و قد أروح أمام الحي يقدمني

صافي الأديم كميت اللون منسوب

محنب مثل شاة الربل محتفز

بالقصريين على أولاه مصبوب

يبذ ملجمه هاد له تلع

كأنه من جذوع العين مشذوب

فذاك ذخري إذا ما خيلهم ركضت

إلى المثوب أو مقاء سرحوب

فأما قوله(عليه‌السلام ):هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة،أي:من تلطخ

٣١٦

فيه بعيب من فرار أو نكول عن العدو يقال:نطف فلان بالكسر إذا تدنس بعيب،و نطف أيضا إذا فسد يقول:من فسدت حاله اليوم في هذا الجهاد فسدت حاله غدا عند الله.قوله:من فلج فيه بفتح اللام،أي:من ظهر و فاز و كذلك يكون غدا عند الله يقال:فلج زيد على خصمه بالفتح يفلج بضم اللام،أي:ظهرت حجته عليه و في المثل من يأت الحكم وحده يفلج.قوله:يهمط الناس،أي:يقهرهم و يخبطهم و أصله الأخذ بغير تقدير.و قوله:على اعتزابه،أي:على بعده عن الإمارة و الولاية على الناس و العرام بالضم الشراسة،و الهوج و العشنزر الشديد القوي.و أحجر ظلم الناس حتى ألجأهم إلى أن دخلوا حجرهم أو بيوتهم و تنمر،أي:تنكر حتى صار كالنمر.يقول هذا القائد الشديد القوي ينصف من يظلم الناس و يتنكر لهم،أي:ينصف منه فحذف حرف الجر كقوله:(وَ اِخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ)،أي:من قومه و المزج بكسر الميم السريع النفوذ،و أصله الرمح القصير كالمزراق.و رجل زمجر،أي:مانع حوزته و الميم زائدة،و من رواها زمخرا بالخاء عنى به المرتفع العالي الشأن،و جعل الميم زائدة أيضا من زخر الوادي،أي:علا و ارتفع.و غشمر السيل أقبل،و الغشمرة إثبات الأمر بغير تثبيت.يقول:إذا أبطأن ساقهن سوقا عنيفا.و الأبيات البائية لربيعة بن مقروم الطائي.قال نصر:حدثنا عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن

٣١٧

الأحمر قال:لما قدمنا على معاوية و أهل الشام بصفين،وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا،و أخذوا الشريعة فهي في أيديهم،و قد صف عليها أبو الأعور الخيل و الرجالة،و قدم الرامية و معهم أصحاب الرماح و الدرق و على رءوسهم البيض،و قد أجمعوا أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،فأخبرناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان،فقال:ائت معاوية و قل له إنا سرنا إليك مسيرنا هذا،و أنا كره لقتالكم قبل الإعذار إليكم،و إنك قدمت خيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك،و بدأتنا بالحرب،و نحن ممن رأينا الكف حتى ندعوك و نحتج عليك،و هذه أخرى قد فعلتموها قد حلتم بين الناس و بين الماء فخل بينهم و بينه حتى ننظر فيما بيننا و بينكم،و فيما قدمنا له و قدمتم له،و إن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له،و ندع الناس يقتتلون حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا.فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية،قال معاوية لأصحابه:ما ترون ؟ فقال الوليد بن عقبة:أمنعهم الماء كما منعوه ابن عفان حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء و لين الطعام،أقتلهم عطشا قتلهم الله.و قال عمرو بن العاص:خل بين القوم و بين الماء،فإنهم لن يعطشوا و أنت ريان،و لكن لغير الماء فانظر فيما بينك و بينهم.فأعاد الوليد مقالته.و قال عبد الله بن سعيد بن أبي سرح،و كان أخا عثمان من الرضاعة:أمنعهم الماء إلى الليل،فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا و كان رجوعهم هزيمتهم أمنعهم الماء منعهم

٣١٨

الله يوم القيامة،فقال صعصعة بن صوحان:إنما يمنعه الله يوم القيامة الفجرة الكفرة شربة الخمر ضربك،و ضرب هذا الفاسق يعني الوليد بن عقبة.فتواثبوا إليه يشتمونه و يتهددونه فقال معاوية:كفوا عن الرجل فإنما هو رسول.قال عبد الله بن عوف بن أحمر:إن صعصعة لما رجع إلينا حدثنا بما قال معاوية،و ما كان منه و ما رده عليه قلنا،و ما الذي رده عليك معاوية ؟ قال:لما أردت الانصراف من عنده قلت ما ترد علي قال:سيأتيكم رأيي قال:فو الله ما راعنا إلا تسوية الرجال و الصفوف و الخيل فأرسل إلى أبي الأعور امنعهم الماء فازدلفنا،و الله إليهم فارتمينا و أطعنا بالرماح و اضطربنا بالسيوف،فطال ذلك بيننا و بينهم حتى صار الماء في أيدينا،فقلنا:لا و الله لا نسقيهم،فأرسل إلينا علي(عليه‌السلام )أن خذوا من الماء حاجتكم،و ارجعوا إلى معسكركم،و خلوا بينهم و بين الماء،فإن الله قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم.و روى نصر بن محمد بن عبد الله قال:قام ذلك اليوم رجل من أهل الشام من السكون يعرف بالشليل بن عمر إلى معاوية،فقال:

اسمع اليوم ما يقول الشليل

إن قولي قول له تأويل

امنع الماء من صحاب علي

أن يذوقوه فالذليل ذليل

و اقتل القوم مثل ما قتل الشيخ

صدى فالقصاص أمر جميل

إننا و الذي تساق له البدن

هدايا كأنهن الفيول

لو علي و صحبه وردوا الماء

لما ذقتموه حتى تقولوا

٣١٩

قد رضينا بأمركم و علينا

بعد ذاك الرضا جلاد ثقيل

فامنع القوم ماءكم ليس للقوم

بقاء و إن يكن فقليل

فقال معاوية:أما أنت فندري ما تقول،و هو الرأي و لكن عمرا لا يدري،فقال عمرو:خل بينهم و بين الماء،فإن عليا لم يكن ليظمأ و أنت ريان و في يده أعنة الخيل،و هو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت،و أنت تعلم أنه الشجاع المطرق،و معه أهل العراق و أهل الحجاز

،و قد سمعته أنا مرارا و هو يقول:لو استمكنت من أربعين رجلا يعني في الأمر الأول.و روى نصر قال:لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة،و قال معاوية:يا أهل الشام،هذا و الله أول الظفر لا سقاني الله،و لا أبا سفيان أن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه و تباشر أهل الشام،فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني ناسك يتأله،و يكثر العبادة يعرف بمعري بن أقبل،و كان صديقا لعمرو بن العاص و أخا له،فقال:يا معاوية،سبحان الله،لأن سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعوهم الماء،أما و الله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات،فينزلوا على فرضة أخرى و يجازوكم بما صنعتم أما تعلمون أن فيهم العبد،و الأمة و الأجير و الضعيف و من لا ذنب له هذا،و الله أول الجور لقد شجعت الجبان و نصرت المرتاب،و حملت من لا يريد قتالك على كتفيك،فأغلظ له معاوية و قال لعمرو:اكفني صديقك فأتاه عمرو فأغلظ له،فقال الهمداني في ذلك شعرا:

لعمر أبي معاوية بن حرب

و عمرو ما لدائمها دواء

٣٢٠