كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 48270
تحميل: 6352


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48270 / تحميل: 6352
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

الوصية في عبيد الله بن عمر فدافع عن ذلك و عللهم،و لو كان هو ولي الدم على ما ذكروا لم يكن له أن يعفو،و أن يبطل حدا من حدود الله تعالى،و أي شماتة للعدو في إقامة حد من حدود الله تعالى،و إنما الشماتة كلها من أعداء الإسلام في تعطيل الحدود،و أي حرج في الجمع بين قتل الإمام و ابنه حتى يقال:كره أن ينتشر الخبر بأن الإمام و ابنه قتلا،و إنما قتل أحدهما ظلما و الآخر عدلا أو أحدهما بغير أمر الله،و الآخر بأمره سبحانه.

و قد روى زياد بن عبد الله البكائي،عن محمد بن إسحاق،عن أبان بن صالح،أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )أتى عثمان بعد ما استخلف فكلمه في عبيد الله و لم يكلمه أحد غيره،فقال:اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل أميرا مسلما،فقال عثمان:قتلوا أباه بالأمس و أقتله اليوم و إنما هو رجل من أهل الأرض،فلما أبى عليه مر عبيد الله على علي(عليه‌السلام )،فقال له:إيه يا فاسق،أما و الله لئن ظفرت بك يوما من الدهر لأضربن عنقك،فلذلك خرج مع معاوية عليه،و روى القناد عن الحسن بن عيسى،بن زيد،عن أبيه،أن المسلمين لما قال عثمان:إني قد عفوت عن عبيد الله بن عمر قالوا:ليس لك أن تعفو عنه.قال:بلى،إنه ليس لجفينة و الهرمزان قرابة من أهل الإسلام،و أنا ولي أمر المسلمين،و أنا أولى بهما و قد عفوت،فقال علي(عليه‌السلام ):إنه ليس كما تقول،إنما أنت في أمرهما بمنزلة أقصى المسلمين،إنه قتلهما في إمرة غيرك،و قد حكم الوالي الذي قتلا في إمارته بقتله،و لو كان قتلهما في إمارتك لم يكن لك العفو عنه فاتق الله،فإن الله سائلك عن هذا فلما رأى عثمان أن المسلمين قد أبوا إلا قتل عبيد الله أمره،فارتحل إلى الكوفة و أقطعه بها دارا و أرضا،و هي التي يقال لها:كويفة بن عمر فعظم ذلك عند المسلمين و أكبروه و كثر كلامهم فيه.

٦١

و روي عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )أنه قال:ما أمسى عثمان يوم ولي حتى نقموا عليه في أمر عبيد الله بن عمر حيث لم يقتله بالهرمزان،فأما قوله إن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لم يطلبه ليقتله بل ليضع من قدره ف،هو بخلاف ما صرح به(عليه‌السلام )من أنه إن تمكن ليضربن عنقه.و بعد،فإن ولي الدم إذا عفا عنه على ما ادعوا لم يكن لأحد أن يستخف به،و لا يضع من قدره كما ليس له أن يقتله.و أما قوله إن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لا يجوز أن يتوعده مع عفو الإمام عنه،فإنما يكون صحيحا لو كان ذلك العفو مؤثرا،و قد بينا أنه غير مؤثر.و أما قوله يجوز أن يكون(عليه‌السلام )رأى أن قتله أقوى في الاجتهاد،و أقرب إلى التشدد في دين الله فلا شك أنه كذلك،و هذا بناء منه على أن كل مجتهد مصيب،و قد بينا أن الأمر بخلاف ذلك،و إذا كان اجتهاد أمير المؤمنين(عليه‌السلام )يقتضي قتله فهو الذي لا يسوغ خلافه.الطعن الحادي عشر:و هو إجمالي،قالوا:وجدنا أحوال الصحابة دالة على تصديقهم المطاعن فيه و براءتهم منه،و الدليل على ذلك أنهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيام لم يدفنوه،و لا أنكروا على من أجلب عليه من أهل الأمصار،بل أسلموه و لم يدفعوا عنه،و لكنهم أعانوا عليه و لم يمنعوا من حصره،و لا من منع الماء عنه و لا من قتله مع تمكنهم من خلاف ذلك،و هذا من أقوى الدلائل على ما قلناه،و لو لم يدل على أمره عندهم إلا ما روي عن علي(عليه‌السلام )أنه قال:الله قتله و أنا معه و أنه كان في أصحابه(عليه‌السلام )من يصرح بأنه قتل

٦٢

عثمان،و مع ذلك لا يقيدهم بل و لا ينكر عليهم و كان أهل الشام يصرحون بأن مع أمير المؤمنين قتلة عثمان،و يجعلون ذلك من أوكد الشبه و لا ينكر ذلك عليهم مع أنا نعلم أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لو أراد أن يتعاضد هو و أصحابه على المنع عنه لما وقع في حقه ما وقع،فصار كفه و كف غيره عن ذلك من أدل الدلائل على أنهم صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث،و أنهم لم يقبلوا منه ما جعله عذرا.و أجاب قاضي القضاة عن هذا،فقال:أما تركه بعد القتل ثلاثة أيام لم يدفن فليس بثابت،و لو صح لكان طعنا على من لزمه القيام به،و قد قال شيخنا أبو عليرحمه‌الله تعالى:إنه لا يمتنع أن يشتغلوا بإبرام البيعة لأمير المؤمنين(عليه‌السلام )خوفا على الإسلام من الفتنة،فيؤخروا دفنه.قال:و بعيد مع حضور قريش و قبائل العرب و سائر بني أمية و مواليهم أن يترك عثمان،و لا يدفن هذه المدة و بعيد أن يكون أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لا يتقدم بدفنه،و لو مات في جواره يهودي أو نصراني،و لم يكن له من يواريه ما تركه أمير المؤمنين ألا يدفن،فكيف يجوز مثل ذلك في عثمان و قد روي أنه دفن في تلك الليلة و هذا هو الأولى.فأما التعلق بأن الصحابة لم تنكر على القوم و لا دفعت عنه فقد سبق القول في ذلك،و الصحيح عن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )أنه تبرأ من قتل عثمان،و لعن قتلته في البر و البحر و السهل و الجبل،و إنما كان يجري من جيشه هذا القول منه على جهة المجاز ؛ لأنا نعلم أن جميع من كان يقول نحن قتلناه لم يقتله ؛ لأن في الخبر أن العدد الكثير كانوا يصرحون بذلك،و الذين دخلوا عليه و قتلوه اثنان أو ثلاثة،و إنما كانوا يقصدون بهذا القول،أي:احسبوا أنا قتلناه فما لكم و ذلك أن الإمام هو الذي يقوم بأمر القود،و ليس للخارج عليه أن يطالب بذلك،و لم يكن لأمير المؤمنين(عليه‌السلام )أن يقتل قتلته لو عرفهم ببينة أو إقرار و ميزهم من غيرهم إلا عند مطالبة ولي الدم،و الذين كانوا أولياء

٦٣

الدم لم يكونوا يطالبونه و لا كانت صفتهم صفة من يطالب ؛ لأنهم كانوا كلهم أو بعضهم يدعون أن عليا(عليه‌السلام )ليس بإمام،و لا يحل لولي الدم مع هذا الاعتقاد أن يطالب بالقود،فلذلك لم يقتلهم(عليه‌السلام )هذا لو صح أنه كان يميزهم فكيف و ذلك غير صحيح.

فأما ما روي عنه من قوله(عليه‌السلام ):قتله الله و أنا معه،فإن صح فمعناه مستقيم يريد أن الله أماته و سيميتني و سائر العباد.ثم قال:سائلا نفسه كيف يقول ذلك و عثمان مات مقتولا من جهة المكلفين و أجاب بأنه،و إن قتل فالإماتة من قبل الله تعالى و يجوز أن يكون ما ناله من الجراح لا يوجب انتفاء الحياة لا محالة،فإذا مات صحت الإماتة على طريق الحقيقة.اعترض المرتضىرحمه‌الله تعالى هذا الكلام،فقال:أما تضعيفه أن يكون عثمان ترك بعد القتل ثلاثة أيام لم يدفن فليس بحجة ؛ لأن ذلك قد رواه جماعة الرواة و ليس يخالف في مثله أحد يعرف بالرواية،و قد ذكر ذلك الواقدي و غيره و روى أن أهل المدينة منعوا الصلاة عليه حتى حمل بين المغرب و العتمة،و لم يشهد جنازته غير مروان و ثلاثة من مواليه،و لما أحسوا بذلك رموه بالحجارة و ذكروه بأسوإ الذكر،و لم يقع التمكن من دفنه إلا بعد أن أنكر أمير المؤمنين(عليه‌السلام )المنع من دفنه،و أمر أهله بتولي ذلك منه.فأما قوله:إن ذلك إن صح كان طعنا على من لزمه القيام بأمره،فليس الأمر على ما ظنه بل يكون طعنا على عثمان من حيث لا يجوز أن يمنع أهل المدينة،و فيها وجوه الصحابة من دفنه و الصلاة عليه إلا لاعتقاد قبيح أو ؛ لأن أكثرهم و جمهورهم يعتقد ذلك،و هذا طعن لا شبهة فيه و استبعاد صاحب المغني لذلك مع ظهور الرواية به

٦٤

لا يلتفت إليه،فأما أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و استبعاد صاحب المغني منه ألا يتقدم بدفنه،فقد بينا أنه تقدم بذلك بعد مماكسة و مراوضة و أعجب من كل شي‏ء قول صاحب المغني إنهم أخروا دفنه تشاغلا بالبيعة لأمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و أي شغل في البيعة لأمير المؤمنين يمنع من دفنه و الدفن فرض على الكفاية لو قام به البعض و تشاغل الباقون بالبيعة لجاز،و ليس الدفن و لا البيعة أيضا مفتقرة إلى تشاغل جميع أهل المدينة بها.فأما قوله:إنه قد روي أن عثمان دفن تلك الليلة،فما تعرف هذه الرواية،و قد كان يجب أن يسندها و يعزوها إلى راويها أو الكتاب الذي أخذها منه،فالذي ظهر في الرواية هو ما ذكرناه.فأما إحالته على ما تقدم في معنى الإنكار من الصحابة على القوم المجلبين على عثمان،فقد سبق القول في ذلك.فأما روايته عن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )تبرؤه من قتل عثمان،و لعنه قتلته في البر و البحر،و السهل و الجبل،فلا شك في أنه(عليه‌السلام )كان بريئا من قتله،و قد روي عنه(عليه‌السلام )أنه قال:و الله ما قتلت عثمان و لا مالأت في قتله،و الممالأة هي المعاونة و الموازرة،و قد صدق(عليه‌السلام )في أنه ما قتل و لا وازر على القتل.فأما لعنه قتلته فضعيف في الرواية،و إن كان قد روي فأظهر منه ما رواه الواقدي عن الحكم بن الصلت،عن محمد بن عمار بن ياسر،عن أبيه قال:رأيت عليا(عليه‌السلام )على منبر رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )حين قتل،و هو يقول ما أحببت قتله،و لا كرهته،و لا أمرت به و لا نهيت عنه،و قد روى محمد بن سعد،عن عفان بن جرير،بن بشير،عن أبي جلدة أنه سمع عليا

٦٥

(عليه‌السلام )يقول،و هو يخطب فذكر عثمان و قال:و الله الذي لا إله إلا هو ما قتلته،و لا مالأت على قتله و لا ساءني،و روى ابن بشير عن عبيدة السلماني قال:سمعت عليا(عليه‌السلام )يقول من كان سائلي عن دم عثمان،فإن الله قتله و أنا معه،و قد روي هذا اللفظ من طرق كثيرة.و قد روى شعبة عن أبي حمزة الضبعي قال:قلت لابن عباس إن أبي أخبرني أنه سمع عليا يقول ألا من كان سائلي على دم عثمان،فإن الله قتله و أنا معه،فقال:صدق أبوك هل تدري ما معنى قوله:إنما عنى الله قتله و أنا مع الله.قال:فإن قيل كيف يصح الجمع بين معاني هذه الأخبار.قلنا لا تنافي بينها ؛ لأنه(عليه‌السلام )تبرأ من مباشرة قتله و المؤازرة عليه،ثم قال:ما أمرت بذلك،و لا نهيت عنه،يريد أن قاتليه لم يرجعوا إلي،و لم يكن مني قول في ذلك بأمر و لا نهى،فأما قوله الله قتله و أنا معه فيجوز أن يكون المراد به الله حكم بقتله و أوجبه و أنا كذلك ؛ لأن من المعلوم أن الله تعالى لم يقتله على الحقيقة فإضافة القتل إليه لا تكون إلا بمعنى الحكم و الرضا،و ليس يمتنع أن يكون مما حكم الله تعالى به ما لم يتوله بنفسه و لا آزر عليه و لا شايع فيه.فإن قال قائل هذا ينافي ما روي عنه من قوله:ما أحببت قتله و لا كرهته،و كيف يكون من حكم الله،و حكمه أن يقتل و هو لا يحب قتله.قلنا يجوز أن يريد بقوله ما أحببت قتله و لا كرهته أن ذلك لم يكن مني على سبيل التفصيل و لا خطر لي ببال،و إن كان على سبيل الجملة يحب قتل من غلب المسلمين

٦٦

على أمورهم و طالبوه بأن يعتزل ؛ لأنه مستول عليهم بغير حق،فامتنع من ذلك و يكون فائدة هذا الكلام التبرؤ من مباشرة قتله و الأمر به على سبيل التفصيل أو النهي عنه،و يجوز أن يريد أنني ما أحببت قتله إن كانوا تعمدوا القتل،و لم يقع على سبيل الممانعة،و هو غير مقصود و يريد بقوله ما كرهته أني لم أكرهه على كل حال و من كل وجه.فأما لعنه قتلته فقد بينا أنه ليس بظاهر ظهور ما ذكرناه و إن صح فهو،مشروط بوقوع القتل على الوجه المحظور من تعمد له و قصد إليه و غير ذلك،على أن المتولي للقتل على ما صحت به الرواية كنانة بن بشير التجيبي و سودان بن حمران المرادي،و ما منهما من كان غرضه صحيحا في القتل،و لا له أن يقدم عليه فهو ملعون به،فأما محمد بن أبي بكر فما تولى قتله،و إنما روي أنه لما جثا بين يديه قابضا على لحيته قال له:يا ابن أخي،دع لحيتي،فإن أباك لو كان حيا لم يقعد مني هذا المقعد،فقال محمد:أن أبي لو كان حيا،ثم يراك تفعل ما تفعل لأنكره عليك،ثم وجأه بجماعة قداح كانت في يده فحزت في جلده و لم تقطع،و بادره من ذكرناه في قتله بما كان فيه قتله.فأما تأويله قول أمير المؤمنين(عليه‌السلام ):قتله الله و أنا معه،على أن المراد به الله أماته و سيميتني فبعيد من الصواب ؛ لأن لفظة أنا لا تكون كناية عن المفعول و إنما تكون كناية عن الفاعل،و لو أراد ما ذكره لكان يقول:و إياي معه،و ليس له أن يقول إننا نجعل قوله،و أنا معه مبتدأ محذوف الخبر،و يكون تقدير الكلام و أنا معه مقتول و ذلك ؛ لأن هذا ترك للظاهر و إحالة على ما ليس فيه،و الكلام إذا أمكن حمله على معنى يستقل ظاهره به من غير تقدير،و حذف كان أولى مما يتعلق بمحذوف على أنهم إذا جعلوه مبتدأ و قدروا خبرا لم يكونوا بأن يقدروا ما يوافق مذهبهم بأولى من تقدير خلافه،و يجعل بدلا من لفظة المقتول المحذوفة لفظة معين أو ظهير.

٦٧

و إذا تكافأ القولان في التقدير و تعارضا سقطا،و وجب الرجوع إلى ظاهر الخبر على أن عثمان مضى مقتولا،فكيف يقال:إن الله تعالى أماته،و القتل كاف في انتفاء الحياة،و ليس يحتاج معه إلى ناف للحياة يسمى موتا.و قول صاحب المغني يجوز أن يكون ما ناله من الجراح لا يوجب انتفاء الحياة ليس بشي‏ء ؛ لأن المروي أنه ضرب على رأسه بعمود عظيم من حديد،و أن أحد قتلته قال:جلست على صدره فوجأته تسع طعنات علمت أنه مات في ثلاث،و وجأته الست الأخر لما كان في نفسي عليه من الحنق.و بعد فإذا كان جائزا فمن أين علمه أمير المؤمنين(عليه‌السلام )حتى يقول إن الله أماته و إن الحياة لم تنتف بما فعله القاتلون،و إنما انتفت بشي‏ء زاد على فعلهم من قبل الله تعالى مما لا يعلمه على سبيل التفصيل إلا علام الغيوب سبحانه.و الجواب عن هذه المطاعن على وجهين إجمالا و تفصيلا:أما الوجه الإجمالي،فهو أننا لا ننكر أن عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين،و لكنا ندعي مع ذلك أنها لم تبلغ درجة الفسق،و لا أحبطت ثوابه،و أنها من الصغائر التي وقعت مكفرة،و ذلك لأنا قد علمنا أنه مغفور له،و أنه من أهل الجنة لثلاثة أوجه.أحدها:أنه من أهل بدر،و قد قال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):إن الله اطلع على أهل بدر،فقال:اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم،و لا يقال إن عثمان لم يشهد بدرا ؛ لأنا نقول صدقتم أنه لم يشهدها و لكنه تخلف على رقية ابنة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

٦٨

بالمدينة لمرضها،و ضرب له رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )بسهمه و أجره باتفاق سائر الناس.و ثانيها:أنه من أهل بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى فيهم:( لَقَدْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ اَلشَّجَرَةِ ) و لا يقال:إنه لم يشهد البيعة تحت الشجرة ؛ لأنا نقول صدقتم أنه لم يشهدها و لكنه كان رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أرسله إلى أهل مكة،و لأجله كانت بيعة الرضوان حيث أرجف بأن قريشا قتلت عثمان،فقال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):إن كانوا قتلوه لأضرمنها عليهم نارا،ثم جلس تحت الشجرة و بايع الناس على الموت،ثم قال:إن كان عثمان حيا فأنا أبايع عنه،فصفح بشماله على يمينه و قال:شمالي خير من يمين عثمان.روى ذلك جميع أرباب أهل السيرة متفقا عليه.و ثالثها:أنه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنهم من أهل الجنة.و إذا كانت الوجوه الثلاثة دالة على أنه مغفور له،و أن الله تعالى قد رضي عنه و هو من أهل الجنة بطل أن يكون فاسقا ؛ لأن الفاسق يخرج عندنا من الإيمان و يحبط ثوابه و يحكم له بالنار،و لا يغفر له و لا يرضى عنه و لا يرى الجنة و لا يدخلها،فاقتضت هذه الوجوه الصحيحة الثابتة أن يحكم بأن كل ما وقع منه،فهو من باب الصغائر المكفرة توفيقا بين هذه الوجوه و بين روايات الأحداث المذكورة.و أما الوجه التفصيلي:فهو مذكور في كتب أصحابنا المطولة في الإمامة،فليطلب من مظانه،فإنهم قد استقصوا في الجواب عن هذه المطاعن استقصاء لا مزيد عليه

٦٩

بيعة جرير بن عبد الله البجلي لعلي(عليه‌السلام )

فأما خبر جرير بن عبد الله البجلي و بعث أمير المؤمنين(عليه‌السلام )إياه إلى معاوية فنحن نذكره نقلا من كتاب صفين لنصر بن مزاحم بن بشار المنقري،و نذكر حال أمير المؤمنين(عليه‌السلام )منذ قدم الكوفة بعد وقعة الجمل،و مراسلته معاوية و غيره،و مراسلة معاوية له و لغيره،و ما كان من ذلك في مبدأ حالتهما إلى أن سار علي(عليه‌السلام )إلى صفين.قال نصر:حدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال:لما قدم علي(عليه‌السلام )الكوفة بعد انقضاء أمر الجمل كاتب العمال،فكتب إلى جرير بن عبد الله البجلي مع زحر بن قيس الجعفي و كان جرير عاملا لعثمان على ثغر همذان،أما بعد:( فإِنَّ اَللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اَللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ،و إني أخبرك عن نبإ من سرنا إليه من جموع طلحة و الزبير عند نكثهم بيعتي،و ما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف إني نهضت من المدينة بالمهاجرين و الأنصار،حتى إذا كنت بالعذيب بعثت إلى أهل الكوفة الحسن بن علي،و عبد الله بن عباس،و عمار بن ياسر،و قيس بن عبادة،فاستنفرتهم فأجابوا فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة،فأعذرت في

٧٠

الدعاء و أقلت العثرة و ناشدتهم عهد بيعتهم فأبوا إلا قتالي،فاستعنت الله عليهم فقتل من قتل،و ولوا مدبرين إلى مصرهم و سألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء،فقبلت العافية و رفعت السيف و استعملت عليهم عبد الله بن العباس،و سرت إلى الكوفة و قد بعثت إليك زحر بن قيس فاسأله عما بدا لك و السلام.قال:فلما قرأ جرير الكتاب قام،فقال:أيها الناس،هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،و هو المأمون على الدين و الدنيا،و قد كان من أمره و أمر عدوه ما نحمد الله عليه،و قد بايعه الناس الأولون من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان،و لو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها،ألا و إن البقاء في الجماعة و الفناء في الفرقة،و إن عليا حاملكم على الحق ما استقمتم،فإن ملتم أقام ميلكم،فقال الناس:سمعا و طاعة رضينا رضينا.فكتب جرير إلى علي(عليه‌السلام )جواب كتابه بالطاعة.قال نصر:و كان مع علي رجل من طيئ ابن أخت لجرير،فحمل زحر بن قيس شعرا له إلى خاله جرير و هو:

جرير بن عبد الله لا تردد الهدى

و بايع عليا إنني لك ناصح

فإن عليا خير من وطي‏ء الحصا

سوى أحمد و الموت غاد و رائح

و دع عنك قول الناكثين فإنما

أولاك أبا عمرو كلاب نوابح

و بايع إذا بايعته بنصيحة

و لا يك منها من ضميرك قادح

فإنك إن تطلب بها الدين تعطه

و إن تطلب الدنيا فإنك رابح

٧١

و إن قلت عثمان بن عفان حقه

علي عظيم و الشكور مناصح

فحق علي إذ وليك كحقه

وشكرك ما أوليت في الناس صالح

و إن قلت لا أرضى عليا إمامنا

فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح

أبى الله إلا أنه خير دهره

و أفضل من ضمت عليه الأباطح

قال نصر،ثم إن جريرا قام في أهل همذان خطيبا،فقال:الحمد لله الذي اختار لنفسه الحمد،و تولاه دون خلقه لا شريك له في الحمد،و لا نظير له في المجد،و لا إله إلا الله وحده الدائم القائم إله السماء و الأرض،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالنور الواضح،و الحق الناطق داعيا إلى الخير،و قائدا إلى الهدى،ثم قال:أيها الناس،إن عليا قد كتب إليكم كتابا لا يقال بعده إلا رجيع من القول،و لكن لا بد من رد الكلام إن الناس بايعوا عليا بالمدينة عن غير محاباة له ببيعتهم لعلمه بكتاب الله،و سنن الحق و إن طلحة و الزبير نقضا بيعته على غير محاباة حدثت،و ألبا عليه الناس،ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب،و أخرجا أم المؤمنين فلقيهما،فأعذر في الدعاء و أحسن في البقية،و حمل الناس على ما يعرفون،فهذا عيان ما غاب عنكم و إن سألتم الزيادة زدناكم و لا قوة إلا بالله،ثم قال:

أتانا كتاب علي فلم

ترد الكتاب بأرض العجم

و لم نعص ما فيه لما أتى

و لما نذم و لما نلم

و نحن ولاة على ثغرنا

نضيم العزيز و نحمي الذمم

نساقيهم الموت عند اللقاء

بكأس المنايا و نشفي القرم

٧٢

فصلى الإله على أحمد

رسول المليك تمام النعم

رسول المليك و من بعده

خليفتنا القائم المدعم

عليا عنيت وصي النبي

نجالد عنه غواة الأمم

له الفضل و السبق و المكرمات

و بيت النبوة لا يهتضم

قال نصر:فسر الناس بخطبة جرير و شعره.و قال ابن الأزور القسري في جرير يمدحه بذلك:

لعمر أبيك و الأنباء تنمي

لقد جلى بخطبته جرير

و قال مقالة جدعت رجالا

من الحيين خطبهم كبير

بدا بك قبل أمته علي

و مخك إن رددت الحق رير

أتاك بأمره زحر بن قيس

و زحر بالتي حدثت خبير

فكنت لما أتاك به سميعا

و كدت إليه من فرح تطير

فأنت بما سعدت به ولي

و أنت لما تعد له نصير

و أحرزت الثواب و رب حاد

حدا بالركب ليس له بعير

بيعة الأشعث لعلي

قال نصر:و كتب علي(عليه‌السلام )إلى الأشعث،و كان عامل عثمان على آذربيجان

٧٣

يدعوه إلى البيعة و الطاعة،و كتب جرير بن عبد الله البجلي إلى الأشعث يحضه على طاعة أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و قبول كتابه أما بعد،فإني أتتني بيعة علي فقبلتها،و لم أجد إلى دفعها سبيلا ؛ لأني نظرت فيما غاب عني من أمر عثمان،فلم أجده يلزمني و قد شهد المهاجرون و الأنصار،فكان أوفق أمرهم فيه الوقوف فأقبل بيعته،فإنك لا تنقلب إلى خير منه و اعلم أن بيعة علي خير من مصارع أهل البصرة و السلام.قال نصر:فقبل الأشعث البيعة و سمع و أطاع،و أقبل جرير سائرا من ثغر همذان حتى ورد علي(عليه‌السلام )الكوفة فبايعه،و دخل فيما دخل فيه الناس من طاعته و لزوم أمره.

دعوة علي معاوية إلى البيعة و الطاعة و رد معاوية عليه

قال نصر:فلما أراد علي(عليه‌السلام )أن يبعث إلى معاوية رسولا قال له جرير:ابعثني يا أمير المؤمنين إليه،فإنه لم يزل لي مستخصا و ودا آتيه،فأدعوه على أن يسلم لك هذا الأمر و يجامعك على الحق على أن يكون أميرا من أمرائك و عاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله و اتبع ما في كتاب الله و أدعو أهل الشام إلى طاعتك و ولايتك فجلهم قومي و أهل بلادي،و قد رجوت ألا يعصوني.فقال له الأشتر:لا تبعثه و لا تصدقه فو الله إني لأظن هواه هواهم و نيته نيتهم.فقال له علي(عليه‌السلام ):دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا،فبعثه علي(عليه‌السلام )و قال له(عليه‌السلام ):حين أراد أن يبعثه إن حولي من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله وسلم)من أهل الرأي،و الدين من قد رأيت،و قد اخترتك عليهم لقول رسول الله فيك

٧٤

إنك من خير ذي يمن ائت معاوية بكتابي،فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون و إلا فانبذ إليه و أعلمه إني لا أرضى به أميرا،و أن العامة لا ترضى به خليفة.فانطلق جرير حتى أتى الشام و نزل بمعاوية فلما دخل عليه حمد الله و أثنى عليه،و قال:أما بعد،يا معاوية،فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين،و أهل المصرين،و أهل الحجاز،و أهل اليمن،و أهل مصر،و أهل العروض،و العروض عمان،و أهل البحرين،و اليمامة فلم يبق إلا هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها،و قد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك و يهديك إلى مبايعة هذا الرجل و دفع إليه كتاب علي(عليه‌السلام )،و فيه أما بعد ،فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام ؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بويعوا عليه ،فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد ،و إنما الشورى للمهاجرين و الأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضا ،فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه ،فإن أبى قاتلوه على اتباع سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى ،و يصليه جهنم و ساءت مصيرا ،و إن طلحة و الزبير بايعاني،ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق ،و ظهر أمر الله و هم كارهون ،فادخل فيما دخل فيه المسلمون ،فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء،فإن تعرضت له قاتلتك و استعنت بالله عليك.و قد أكثرت في قتلة عثمان ،فادخل فيما دخل فيه الناس،ثم حاكم القوم إلي أحملك

٧٥

و إياهم على كتاب الله ، فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن و لعمري ، لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان ، و اعلم أنك من الطلقاء الذين لا يحل لهم الخلافة ، و لا تعرض فيهم الشورى ، و قد أرسلت إليك و إلى من قبلك جرير بن عبد الله البجلي ، و هو من أهل الإيمان و الهجرة فبايع و لا قوة إلا بالله فلما قرأ الكتاب قام جرير فخطب ، فقال:الحمد لله المحمود بالعوائد ، و المأمول منه الزوائد المرتجى منه الثواب المستعان على النوائب أحمده ، و أستعينه في الأمور التي تحير دونها الألباب ، و تضمحل عندها الأسباب ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كل شي‏ء هالك إلا وجهه ، له الحكم و إليه ترجعون ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بعد فترة من الرسل الماضية و القرون الخالية ، و أبدان البالية ، و الجبلة الطاغية فبلغ الرسالة و نصح للأمة ، و أدى الحق الذي استودعه الله ، و أمره بأدائه إلى أمته(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )من رسول و مبتعث و منتجب أيها الناس ، إن أمر عثمان قد أعيا من شهده ، فكيف بمن غاب عنه و إن الناس بايعوا عليا غير واتر و لا موتور ، و كان طلحة و الزبير ممن بايعاه ، ثم نكثا بيعته على غير حدث ، ألا و إن هذا الدين لا يحتمل الفتن ألا و إن العرب لا تحتمل الفتن ، و قد كانت بالبصرة أمس روعة ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها ، فلا بقاء للناس

٧٦

و قد بايعت الأمة عليا ، و لو ملكنا و الله الأمور لم نختر لها غيره ، و من خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية ، فيما دخل فيه الناس فإن قلت استعملني عثمان ، ثم لم يعزلني ، فإن هذا قول لو جاز لم يقم لله دين ، و كان لكل امرئ ما في يديه ، و لكن الله جعل للآخر من الولاة حق الأول و جعل الأمور موطأة ينسخ بعضها بعضا ، ثم قعد قال نصر:فقال معاوية:أنظر و تنظر و أستطلع رأي أهل الشام فمضت أيام و أمر معاوية مناديا ينادي الصلاة جامعة ، فلما اجتمع الناس صعد المنبر ، ثم قال:الحمد لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركانا ، و الشرائع للإيمان برهانا يتوقد قبسه في الأرض المقدسة جعلها الله محل الأنبياء و الصالحين من عباده ، فأحلهم أرض الشام و رضيهم لها و رضيها لهم لما سبق في مكنون علمه من طاعتهم ، و مناصحتهم خلفاءه و القوام بأمره ، و الذابين عن دينه و حرماته ، ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما و في سبيل الخيرات أعلاما يردع الله بهم الناكثين ، و يجمع بهم ألفة المؤمنين ، و الله نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام و تباعد بعد القرب ، اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا ، و يخيفون آمننا ، و يريدون إراقة دمائنا ، و إخافة سبلنا ، و قد علم الله أنا لا نريد لهم عقابا ، و لا نهتك لهم حجابا و لا نوطئهم زلقا غير أن الله الحميد كسانا

٧٧

من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى ، و سقط الندى ، و عرف الهدى ، حملهم على ذلك البغي و الحسد ، فنستعين الله عليهم ، أيها الناس ، قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، و خليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان عليكم ، و أني لم أقم رجلا منكم على خزاية قط ، و أني ولي عثمان و قد قتل مظلوما ، و الله تعالى يقول:( وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) ، و أنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان فقام أهل الشام بأجمعهم ، فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان و بايعوه على ذلك ، و أوثقوا له على أن يبذلوا بين يديه أموالهم و أنفسهم حتى يدركوا بثأره أو تلتحق أرواحهم بالله قال:نصر فلما أمسى معاوية اغتم بما هو فيه و جنة الليل و عنده أهل بيته ، فقال:

تطاول ليلي و اعترتني وساوسي

لآت أتى بالترهات البسابس

أتاني جرير و الحوادث جمة

بتلك التي فيها اجتداع المعاطس

أكايده و السيف بيني و بينه

و لست لأثواب الدني‏ء بلابس

إن الشام أعطت طاعة يمنية

تواصفها أشياخها في المجالس

فإن يفعلوا أصدم عليا بجبهة

تفت عليه كل رطب و يابس

و إني لأرجو خير ما نال نائل

و ما أنا من ملك العراق بآيس

F قلت الجبهة هاهنا الخيل ، و منه قول النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )ليس في الجبهة صدقة ، أي:زكاة

٧٨

قال نصر:فاستحثه جرير بالبيعة ، فقال:يا جرير ، إنها ليست بخلسة و إنه أمر له ما بعده ، فأبلعني ريقي حتى أنظر و دعا ثقاته فأشار عليه أخوه بعمرو بن العاص ، و قال له:إنه من قد عرفت و قد اعتزل عثمان في حياته ، و هو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن يثمن له دينه و قد ذكرنا فيما تقدم خبر استدعائه عمرا و ما شرط له من ولاية مصر ، و استقدامه شرحبيل بن السمط رئيس اليمنية و شيخها و المقدم عليها و تدسيس الرجال إليه ، يغرونه بعلي(عليه‌السلام )، و يشهدون عنده أنه قتل عثمان ، حتى ملئوا صدره و قلبه حقدا و ترة و إحنة على علي(عليه‌السلام )و أصحابه بما لا حاجة إلى إعادته قال نصر:فحدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني ، قال:جاء شرحبيل إلى حصين بن نمير فقال:ابعث إلى جرير فليأتنا ، فبعث حصين بن نمير إلى جرير أن زرنا ، فعندنا شرحبيل فاجتمعا عند حصين ، فتكلم شرحبيل

٧٩

فقال:يا جرير ، أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد ، و أردت أن تخلط الشام بالعراق ، و أطريت عليا و هو قاتل عثمان ، و الله سائلك عما قلت يوم القيامة فأقبل عليه جرير و قال:يا شرحبيل ، أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون ملففا ، و قد اجتمع عليه المهاجرون و الأنصار ، و قوتل على رده طلحة و الزبير و أما قولك إني ألقيك في لهوات الأسد ، ففي لهواتها ألقيت نفسك و أما خلط أهل الشام بأهل العراق فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل و أما قولك:إن عليا قتل عثمان فو الله ما في يديك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد ، و لكنك ملت إلى الدنيا و شي‏ء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص فبلغ ما قالاه إلى معاوية فبعث إلى جرير فزجره قال نصر:و كتب إلى شرحبيل كتاب لا يعرف كاتبه فيه

شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى

فما لك في الدنيا من الدين من بدل

و لا تك كالمجرى إلى شر غاية

فقد خرق السربال و استنوق الجمل

و قل لابن حرب ما لك اليوم خلة

تروم بها ما رمت و اقطع له الأمل

شرحبيل إن الحق قد جد جده

فكن فيه مأمون الأديم من النغل

و أرود و لا تفرط بشي‏ء نخافه

عليك و لا تعجل فلا خير في العجل

٨٠