كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 280

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 280
المشاهدات: 35211
تحميل: 5705


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 280 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35211 / تحميل: 5705
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

فقد كان من أمرنا ما قد بلغك،و كنا نحن و عدونا على حالين مختلفين يسرنا منهم أكثر مما يسوءنا و يسوءهم منا أكثر مما يسرهم على اشتداد شوكتهم،فقد كان علا أمرهم حتى ارتاعت له الفتاة و نوم به الرضيع،فانتهزت الفرصة منهم في وقت إمكانها و أدنيت السواد من السواد حتى تعارفت الوجوه،فلم نزل كذلك حتى بلغ الكتاب أجله،(فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين).فكتب إليه الحجاج:أما بعد،فقد فعل الله بالمسلمين خيرا،و أراحهم من بأس الجلاد و ثقل الجهاد،و لقد كنت أعلم بما قبلك،فالحمد لله رب العالمين،فإذا ورد عليك كتابي فأقسم في المجاهدين فيئهم،و نفل الناس على قدر بلائهم،و فضل من رأيت تفضيله،و إن كانت بقيت من القوم بقية فخلف خيلا تقوم بإزائهم،و استعمل على كرمان من رأيت،و ول الخيل شهما من ولدك،و لا ترخص لأحد في اللحاق بمنزلة دون أن تقدم بهم علي،و عجل القدوم إن شاء الله.فولى المهلب يزيد ابنه كرمان و قال له:يا بني،إنك اليوم لست كما كنت إنما لك من كرمان ما فضل عن الحجاج،و لن تحتمل إلا على ما احتمل عليه أبوك،فأحسن إلى من تبعك،و إن أنكرت من إنسان شيئا فوجه إلي و تفضل على قومك إن شاء الله.

٢٢١

ثم قدم المهلب على الحجاج،فأجلسه إلى جانبه،و أظهر بره و إكرامه،و قال:يا أهل العراق،أنتم عبيد قن للمهلب،ثم قال:أنت و الله كما لقيط:

فقلدوا أمركم لله دركم

رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه

هم يكاد حشاه يقصم الضلعا

لا مترفا إن رخاء العيش ساعده

و لا إذا عض مكروه به خشعا

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره

يكون متبعا طورا و متبعا

حتى استمرت على شرر مريرته

مستحكم الرأي لا قحما و لا ضرعا

و روى أنه قام إليه رجل فقال:أصلح الله الأمير،و الله لكأني أسمع الساعة قطريا،و هو يقول لأصحابه المهلب،و الله كما قال لقيط الأيادي،ثم أنشد هذا الشعر،فسر الحجاج حتى امتلأ سرورا،فقال المهلب:أما و الله ما كنا أشد من عدونا و لا أحد،و لكن دمغ الحق الباطل،و قهرت الجماعة الفتنة،و العاقبة للمتقين،و كان ما كرهناه من المطاولة خيرا لنا مما أحببناه من المعاجلة.

٢٢٢

فقال الحجاج:صدقت اذكر لي القوم الذين أبلوا و صف لي بلاءهم،فأمر الناس فكتبوا ذلك إلى الحجاج،فقال لهم المهلب:ما ذخر الله لكم خير لكم من عاجل الدنيا إن شاء الله،فذكرهم المهلب على مراتبهم في البلاء،و تفاضلهم في الغناء،و قدم بنيه المغيرة،و يزيد،و مدركا،و حبيبا،و قبيصة،و المفضل،و عبد الملك،و محمدا،و قال:و الله،لو واحد يقدمهم في البلاء لقدمته عليهم،و لو لا أن أظلمهم لآخرتهم،فقال الحجاج:صدقت و ما أنت أعلم بهم مني و إن حضرت،و غبت إنهم لسيوف من سيوف الله،ثم ذكر معن بن المغيرة و الرقاد و أشباههما.فقال الحجاج:من الرقاد،فدخل رجل طويل أجنأ،فقال المهلب:هذا فارس العرب،فقال الرقاد للحجاج:أيها الأمير،إني كنت أقاتل مع غير المهلب،فكنت كبعض الناس،فلما صرت مع من يلزمني الصبر،و يجعلني أسوة نفسه و ولده و يجازيني على البلاء صرت أنا و أصحابي فرسانا.فأمر الحجاج بتفضيل قوم على قوم على قدر بلائهم،و زاد ولد المهلب ألفين ألفين و فعل بالرقاد و بجماعة شبيها بذلك.و قال يزيد بن حبناء من الأزارقة:

دعي اللوم إن العيش ليس بدائم

و لا تعجلي باللوم يا أم عاصم

فإن عجلت منك الملامة فاسمعي

مقالة معني بحقك عالم

و لا تعذلينا في الهدية إنما

تكون الهدايا من فضول المغانم

٢٢٣

و ليس بمهد من يكون نهاره

جلادا و يمسي ليله غير نائم

يريد ثواب الله يوما بطعنه

غموس كشدق العنبري بن سالم

أبيت و سربالي دلاص حصينة

و مغفرها و السيف فوق الحيازم

حلفت برب الواقفين عشية

لدى عرفات حلفة غير آثم

لقد كان في القوم الذين لقيتهم

بسابور شغل عن بزوز اللطائم

توقد في أيديهم زاعبية

و مرهفة تفري شئون الجماجم

و قال المغيرة الحنظلي من أصحاب المهلب:

إني امرؤ كفني ربي و أكرمني

عن الأمور التي في غبها وخم

و إنما أنا إنسان أعيش كما

عاشت رجال و عاشت قبلها أمم

ما عاقني عن قفول الجند إذ قفلوا

عي بما صنعوا حولي و لا صمم

و لو أردت قفولا ما تجهمني

إذن الأمير و لا الكتاب إذ رقموا

إن المهلب إن أشتق لرؤيته

أو أمتدحه فإن الناس قد علموا

أنه الأريب الذي ترجى نوافله

و المستنير الذي تجلى به الظلم

و القائل الفاعل الميمون طائره

أبو سعيد إذا ما عدت النعم

أزمان كرمان إذ غص الحديد بهم

و إذ تمنى رجال أنهم هزموا

٢٢٤

و قال حبيب بن عوف من قواد المهلب:

أبا سعيد جزاك الله صالحة

فقد كفيت و لم تعنف على أحد

داويت بالحلم أهل الجهل فانقمعوا

و كنت كالوالد الحاني على الولد

و قال عبيدة بن هلال الخارجي يذكر رجلا من أصحابه:

يهوي فترفعه الرماح كأنه

شلو تنشب في مخالب ضار

يهوي صريعا و الرماح تنوشه

إن الشراة قصيرة الأعمار

شبيب بن يزيد الشيباني

و منهم شبيب بن يزيد الشيباني،و كان في ابتداء أمره يصحب صالح بن مسرح أحد الخوارج الصفرية،و كان ناسكا مصفر الوجه صاحب عبادة،و له أصحاب يقرئهم القرآن و يفقههم و يقص عليهم و يقدم الكوفة فيقيم بها الشهر و الشهرين و كان بأرض الموصل و الجزيرة،و كان إذا فرغ من التحميد،و الصلاة على النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )ذكر أبا بكر فأثنى عليه،و ثنى بعمر،ثم ذكر عثمان و ما كان من أحداثه،ثم عليا(عليه‌السلام )و تحكيمه الرجال في دين الله،و يتبرأ من عثمان و علي،ثم

٢٢٥

يدعو إلى مجاهدة أئمة الضلال،و قال:تيسروا يا إخواني للخروج من دار الفناء إلى دار البقاء،و اللحاق بإخواننا المؤمنين الذين باعوا الدنيا بالآخرة،و لا تجزعوا من القتل في الله،فإن القتل أيسر من الموت و الموت نازل بكم،مفرق بينكم و بين آبائكم،و إخوانكم،و أبنائكم،و حلائلكم،و دنياكم،و إن اشتد لذلك جزعكم ألا فبيعوا أنفسكم طائعين و أموالكم تدخلوا الجنة،و أشباه هذا من الكلام.و كان فيمن يحضره من أهل الكوفة سويد،و البطين فقال يوما لأصحابه:ما ذا تنتظرون ما يزيد أئمة الجور إلا عتوا و علوا و تباعدا من الحق،و جراءة على الرب،فراسلوا إخوانكم حتى يأتوكم،و ننظر في أمورنا ما نحن صانعون،و أي وقت إن خرجنا نحن خارجون.فبينا هو كذلك إذ أتاه المحلل بن وائل بكتاب من شبيب بن يزيد،و قد كتب إلى صالح:أما بعد،فقد أردت الشخوص،و قد كنت دعوتني إلى أمر أستجيب لك،فإن كان ذلك من شأنك فإنك شيخ المسلمين،و لم يعدل بك منا أحد،و إن أردت تأخير ذلك أعلمني،فإن الآجال غادية و رائحة و لا آمن أن تخترمني المنية،و لما أجاهد الظالمين فيا له غبنا،و يا له فضلا جعلنا الله و إياكم ممن يريد الله بعلمه و رضوانه،و النظر إلى وجهه،و مرافقة الصالحين في دار السلام و السلام عليك.

٢٢٦

فأجابه صالح بجواب جميل،يقول فيه إنه لم يمنعني من الخروج مع ما أنا فيه من الاستعداد إلا انتظارك،فأقدم علينا،ثم اخرج بنا،فإنك ممن لا تقضى الأمور دونه و السلام عليك.فلما ورد كتابه على شبيب دعا القراء من أصحابه،فجمعهم إليه منهم أخوه مصاد بن يزيد،و المحلل بن وائل،و الصقر بن حاتم،و إبراهيم بن حجر،و جماعة مثلهم،ثم خرج حتى قدم على صالح بن مسرح،و هو بدارات أرض الموصل،فبث صالح رسله و واعدهم بالخروج في هلال صفر ليلة الأربعاء سنة ست و تسعين.فاجتمع بعضهم إلى بعض،و اجتمعوا عنده تلك الليلة،فحدث فروة بن لقيط قال:إني لمعهم تلك الليلة عند صالح و كان رأيي استعراض الناس لما رأيت من المكر و الفساد في الأرض،فقمت إليه فقلت:يا أمير المؤمنين،كيف ترى السيرة في هؤلاء الظلمة،أنقتلهم قبل الدعاء أم ندعوهم قبل القتال ؟ فإني أخبرك برأيي فيهم قبل أن تخبرني بذلك،إنا نخرج على قوم طاغين قد تركوا أمر الله أو راضين بذلك،فأرى أن نضع السيف،فقال:لا بل ندعوهم و لعمري لا يجيبك إلا من يرى رأيك،و ليقاتلنك من يزري عليك و الدعاء أقطع لحجتهم،و أبلغ في الحجة عليهم لك،فقلت:

٢٢٧

و كيف ترى فيمن قاتلنا فظفرنا به و ما تقول في دمائهم و أموالهم،فقال:إن قتلنا،و غنمنا فلنا،و إن تجاوزنا،و عفونا فموسع علينا.ثم قال صالح لأصحابه ليلته تلك:اتقوا الله عباد الله،و لا تعجلوا إلى قتال أحد من الناس إلا أن يكونوا قوما يريدونكم و ينصبون لكم،فإنكم إنما خرجتم غضبا لله حيث انتهكت محارمه،و عصي في الأرض،و سفكت الدماء بغير حقها،و أخذت الأموال غصبا،فلا تعيبوا على قوم أعمالا،ثم تعملونها،فإن كل ما أنتم عاملون أنتم عنه مسئولون و إن عظمكم رجالة،و هذه دواب لمحمد بن مروان في هذا الرستاق،و ابدءوا بها فاحملوا عليها راجلكم،و تقووا بها على عدوكم.ففعلوا ذلك و تحصن منهم أهل دارا.و بلغ خبرهم محمد بن مروان،و هو يومئذ أمير الجزيرة،فاستخف بأمرهم و بعث إليهم عدي بن عميرة في خمسمائة،و كان صالح في مائة و عشرة،فقال عدي:أصلح الله

٢٢٨

الأمير تبعثني إلى رأس الخوارج منذ عشرين سنة و معه رجال سموا لي كانوا يعازوننا،و إن الرجل منهم خير من مائة فارس في خمسمائة،فقال له:إني أزيدك خمسمائة،فسر إليهم في ألف فارس.فسار من حران في ألف رجل و كأنما يساقون إلى الموت،و كان عدي رجلا ناسكا،فلما نزل دوغان نزل بالناس و أنفذ إلى صالح بن مسرح رجلا دسه إليه،فقال:إن عديا بعثني إليك يسألك أن تخرج عن هذا البلد و تأتي بلدا آخر فتقاتل أهله،فإني للقتال كاره،فقال له صالح:ارجع إليه فقل له:إن كنت ترى رأينا فأرنا من ذلك ما نعرف،ثم نحن مدلجون عنك و إن كنت على رأي الجبابرة و أئمة السوء رأينا رأينا،فإما بدأنا بك و إلا رحلنا إلى غيرك.فانصرف إليه الرسول فأبلغه،فقال له عدي:ارجع إليه،فقل له:إني و الله لا أرى رأيك،و لكني أكره قتالك و قتال غيرك من المسلمين.فقال صالح لأصحابه:اركبوا فركبوا و احتبس الرجل عنده،و مضى بأصحابه حتى أتى عديا في سوق دوغان،و هو قائم يصلي الضحى فلم يشعر إلا بالخيل طالعة عليهم،فلما دنا صالح منهم رآهم على غير تعبئة،و قد تنادوا و بعضهم يجول في بعض،فأمر شبيبا فحمل عليهم في كتيبة،ثم أمر سويدا فحمل في كتيبة فكانت هزيمتهم

٢٢٩

و أتى عدي بدابته فركبها و مضى على وجهه،و احتوى صالح على عسكره و ما فيه،و ذهب فل عدي حتى لحقوا بمحمد بن مروان فغضب،ثم دعا بخالد بن جزء السلمي فبعثه في ألف و خمسمائة،و دعا الحارث بن جعونة في ألف و خمسمائة،و قال لهما اخرجا إلى هذه الخارجة القليلة الخبيثة،و عجلا الخروج و أغذا السير،فأيكما سبق فهو الأمير على صاحبه فخرجا و أغذا في السير،و جعلا يسألان عن صالح،فقيل لهما:توجه نحو آمد فاتبعاه حتى انتهيا إليه بأمد،فنزلا ليلا و خندقا،و هما متساندان كل واحد منهما على حدته،فوجه صالح شبيبا إلى الحارث بن جعونة في شطر أصحابه،و توجه هو نحو خالد السلمي،فاقتتلوا أشد قتال اقتتله قوم حتى حجز بينهم الليل،و قد انتصف بعضهم من بعض.فتحدث بعض أصحاب صالح قال:كنا إذا حملنا عليهم استقبلنا رجالهم بالرماح،و نضحنا رماتهم بالنبل،و خيلهم تطاردنا في خلال ذلك،فانصرفنا عند الليل و قد كرهناهم و كرهونا،فلما رجعنا و صلينا و تروحنا،و أكلنا من الكسر دعانا صالح،و قال:يا أخلائي،ما ذا ترون ؟ فقال شبيب:إنا إن قاتلنا هؤلاء القوم و هم معتصمون بخندقهم لم ننل منهم طائلا و الرأي أن نرحل عنهم،فقال صالح:و أنا أرى ذلك،فخرجوا من تحت ليلتهم حتى قطعوا أرض الجزيرة و أرض الموصل،و مضوا حتى قطعوا أرض الدسكرة،فلما بلغ ذلك الحجاج سرح عليهم الحارث بن عميرة في ثلاثة آلاف

٢٣٠

،فسار و خرج صالح نحو جلولاء و خانقين،و اتبعه الحارث حتى انتهى إلى قرية يقال لها المدبج،و صالح يومئذ في تسعين رجلا،فعبى الحارث بن عميرة أصحابه ميمنة و ميسرة،و جعل صالح أصحابه ثلاثة كراديس،و هو في كردوس،و شبيب في ميمنة في كردوس،و سويد بن سليم في كردوس في ميسرته في كل كردوس،منهم ثلاثون رجلا،فلما شد عليهم الحارث بن عميرة انكشف سويد بن سليم،و ثبت صالح فقتل و ضارب شبيب حتى صرع عن فرسه،فوقع بين رجاله فجاء حتى انتهى إلى موقف صالح فوجده قتيلا فنادى إلى يا معشر المسلمين فلاذوا به فقال لأصحابه ليجعل كل رجل منكم ظهره إلى ظهر صاحبه و ليطاعن عدوه إذا قدم عليه حتى ندخل هذا الحصن و نرى رأينا.ففعلوا ذلك حتى دخلوا الحصن و هم سبعون رجلا مع شبيب،و أحاط بهم الحارث بن عميرة ممسيا،و قال لأصحابه:أحرقوا الباب،فإذا صار جمرا فدعوه فإنهم لا يقدرون على الخروج حتى نصبح فنقتلهم،ففعلوا ذلك بالباب،ثم انصرفوا إلى معسكرهم.فقال شبيب لأصحابه:يا هؤلاء،ما تنتظرون فو الله إن صبحوكم غدوة إنه لهلاككم،فقالوا له:مرنا بأمرك،فقال لهم:إن الليل أخفى للويل بايعوني إن شئتم أو بايعوا من شئتم منكم،ثم اخرجوا بنا حتى نشد عليهم في عسكرهم،فإنهم آمنون منكم،و إني أرجو أن ينصركم الله عليهم،قالوا ابسط يدك فبايعوه،فلما جاءوا

٢٣١

إلى الباب وجدوه جمرا فأتوه باللبود فبلوها بالماء،ثم ألقوها عليه و خرجوا،فلم يشعر الحارث بن عميرة إلا و شبيب و أصحابه يضربونهم بالسيوف في جوف عسكرهم،فضارب الحارث حتى صرع،و احتمله أصحابه و انهزموا و خلوا لهم المعسكر و ما فيه،و مضوا حتى نزلوا المدائن و كان ذلك الجيش أول جيش هزمه شبيب.

دخول شبيب الكوفة و أمره مع الحجاج

ثم ارتفع في أداني أرض الموصل،ثم ارتفع إلى نحو آذربيجان يجبي الخراج،و كان سفيان بن أبي العالية قد أمر أن يحارب صاحب طبرستان،فأمر بالقفول،نحو:شبيب و أن يصالح صاحب طبرستان فصالحه،فأقبل في ألف فارس،و قد ورد عليه كتاب من الحجاج.أما بعد،فأقم بالدسكرة فيمن معك حتى يأتيك جيش الحارث بن عميرة قاتل صالح بن مسرح،ثم سر إلى شبيب حتى تناجزه.ففعل سفيان ذلك و نزل إلى الدسكرة حتى أتوه،و خرج مرتحلا في طلب شبيب،فارتفع شبيب عنهم كأنه يكره قتالهم و لقاءهم،و قد أكمن لهم أخاه مصادا في خمسين رجلا في هضم من الأرض،فلما رأوا شبيبا جمع أصحابه و مضى في سفح من الجبل

٢٣٢

مشرقا قالوا:هرب عدو الله و اتبعوه،فقال لهم عدي بن عميرة الشيباني:أيها الناس،لا تعجلوا عليهم حتى نضرب في الأرض و نستبرئها،فإن يكونوا أكمنوا كمينا حذرناه،و إلا كان طلبهم بين أيدينا لن يفوتنا،فلم يسمعوا منه فأسرعوا في آثارهم.فلما رأى شبيب أنهم قد جازوا الكمين عطف عليهم،فحمل من أمامهم و خرج الكمين من ورائهم فلم يقاتل أحد،و إنما كانت الهزيمة و ثبت سفيان بن أبي العالية في مائتي رجل،فقاتل قتالا شديدا حتى انتصف من شبيب،فقال سويد بن سليم لأصحابه:أمنكم أحد يعرف أمير القوم ابن أبي العالية ؟ فقال له شبيب:أنا من أعرف الناس به،أما ترى صاحب الفرس الأغر الذي دونه المرامية،فإنه هو،فإن كنت تريده فأمهله قليلا.ثم قال:يا قعنب،اخرج في عشرين فأتهم من ورائهم،فخرج قعنب في عشرين فارتفع عليهم،فلما رأوه يريد أن يأتيهم من ورائهم جعلوا ينتقصون و يتسللون،و حمل سويد بن سليم على سفيان بن أبي العالية يطاعنه فلم تصنع رماحهما شيئا،ثم اضطربا بسيفهما،ثم اعتنق كل واحد منهما صاحبه فوقعا إلى الأرض يعتركان،ثم تحاجزا و حمل عليهم شبيب،فانكشف من كان مع سفيان،و نزل غلام له يقال له:غزوان عن برذونه،و قال لسفيان:اركب يا مولاي،فركب سفيان و أحاط به أصحاب شبيب،فقاتل دونه غزوان حتى قتل و كان معه رايته،و أقبل سفيان منهزما حتى انتهى

٢٣٣

إلى بابل مهروذ،فنزل بها و كتب إلى الحجاج،و كان الحجاج أمر سورة بن أبجر أن يلحق بسفيان،فكاتب سورة سفيان،و قال له:انتظرني فلم يفعل و عجل نحو الخوارج ف،لما عرف الحجاج خبر سفيان و قرأ كتابه.قال للناس:من صنع كما صنع هذا،و أبلى كما أبلى،فقد أحسن،ثم كتب إليه يعذره و يقول:إذا خف عليك الوجع فأقبل مأجورا إلى أهلك،و كتب إلى سورة بن أبجر.أما بعد،يا ابن أم سورة فما كنت خليقا أن تجترئ على ترك عهدي،و خذلان جندي،فإذا أتاك كتابي فابعث رجلا ممن معك صليبا إلى المدائن،فلينتخب من جندها خمسمائة رجل،ثم ليقدم بهم عليك،ثم سر بهم حتى تلقى هذه المارقة،و احزم أمرك و كد عدوك،فإن أفضل أمر الحروب حسن المكيدة و السلام.فلما أتى سورة كتاب الحجاج بعث عدي بن عمير إلى المدائن،و كان بها ألف فارس فانتخب منهم خمسمائة،ثم رحل بهم حتى قدم على سورة ببابل مهروذ

٢٣٤

فخرج بهم في طلب شبيب،و خرج شبيب يجول في جوخى،و سورة في طلبه،فجاء شبيب إلى المدائن فتحصن منه أهلها،فانتهب المدائن الأولى و أصاب دواب من دواب الجند،و قتل من ظهر له و لم يدخل البيوت،ثم أتى فقيل له هذا سورة قد أقبل إليك،فخرج في أصحابه حتى انتهى إلى النهروان،فنزلوا به و توضئوا و صلوا،ثم أتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم علي بن أبي طالب،فاستغفروا لهم و تبرءوا من علي و أصحابه و بكوا،فأطالوا البكاء،ثم عبروا جسر النهروان،فنزلوا جانبه الشرقي،و جاء سورة حتى نزل بنفطرانا،و جاءته عيونه فأخبروه بمنزل شبيب بالنهروان،فدعا سورة رءوس أصحابه،فقال لهم:إن الخوارج قلما يلقون في صحراء أو على ظهر إلا انتصفوا،و قد حدثت أنهم لا يزيدون على مائة رجل،و قد رأيت أن انتخبكم و أسير في ثلاثمائة رجل منكم من أقويائكم و شجعانكم فأبيتهم،فإنهم آيسون من بياتكم،و إني و الله أرجو أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم في النهروان من قبل،فقالوا:اصنع ما أحببت.فاستعمل على عسكره حازم بن قدامة،و انتخب ثلاثمائة من شجعان أصحابه،ثم أقبل بهم حتى قرب من النهروان و بات،و قد أذكى الحرس،ثم بيتهم،فلما دنا أصحاب سورة منهم نذروا بهم فاستووا على خيولهم،و تعبوا تعبيتهم،فلما انتهى إليهم سورة و أصحابه أصابوهم،و قد نذروا،فحمل عليهم سورة فصاح شبيب بأصحابه فحمل عليهم

٢٣٥

حتى تركوا له العرصة،و حمل شبيب و جعل يضرب و يقول:

من ينك العير ينك نياكا

فرجع سورة مفلولا قد هزم فرسانه،و أهل القوة من أصحابه،و أقبل نحو المدائن،و تبعه شبيب حتى انتهى سورة إلى بيوت المدائن،و انتهى شبيب إليهم،و قد دخل الناس البيوت،و خرج ابن أبي عصيفير،و هو أمير المدائن يومئذ في جماعة فلقيهم في شوارع المدائن،و رماهم الناس بالنبل و الحجارة من فوق البيوت.ثم سار شبيب إلى تكريت فبينا ذلك الجند بالمدائن إذ أرجف الناس،فقالوا:هذا شبيب قد أقبل يريد أن يبيت أهل المدائن،فارتحل عامة الجند فلحقوا بالكوفة،و إن شبيبا بتكريت،فلما أتى الحجاج الخبر قال قبح الله سورة ضيع العسكر و خرج يبيت الخوارج و الله لأسوءنه.

٢٣٦

ثم دعا الحجاج بالجزل،و هو عثمان بن سعيد،فقال له:تيسر للخروج إلى هذه المارقة،فإذا لقيتهم فلا تعجل عجلة الخرق النزق،و لا تحجم إحجام الواني الفرق أفهمت ؟ قال:نعم أصلح الله الأمير قد فهمت.قال:فاخرج و عسكر بدير عبد الرحمن حتى يخرج الناس إليك،فقال:أصلح الله الأمير لا تبعث معي أحدا من الجند المهزوم المفلول،فإن الرعب قد دخل قلوبهم،و قد خشيت ألا ينفعك و المسلمين منهم أحد.قال:ذلك لك و لا أراك إلا قد أحسنت الرأي و وفقت،ثم دعا أصحاب الدواوين،فقال:اضربوا على الناس البعث و أخرجوا أربعة آلاف من الناس و عجلوا،فجمعت العرفاء و جلس أصحاب الدواوين و ضربوا البعث،فأخرجوا أربعة آلاف،فأمرهم باللحاق بالعسكر،ثم نودي فيهم بالرحيل،فارتحلوا و نادى منادي الحجاج أن برئت الذمة من رجل أصبناه من بعث الجزل متخلفا.فمضى بهم الجزل و قد قدم بين يديه عياض بن أبي لينة الكندي على مقدمته،فخرج حتى أتى المدائن،فأقام بها ثلاثا،ثم خرج و بعث إليه ابن أبي عصيفير بفرس و برذون و ألفي درهم،و وضع للناس من الحطب و العلف ما كفاهم ثلاثة أيام،و أصاب الناس ما شاءوا من ذلك.ثم إن الجزل خرج بالناس أثر شبيب،فطلبه في أرض جوخى،فجعل شبيب يريه الهيبة فيخرج من رستاق إلى رستاق و من طسوج إلى طسوج و لا يقيم له

٢٣٧

يريد بذلك أن يفرق الجزل أصحابه و يتعجل إليه فيلقاه في عدد يسير على غير تعبئة،فجعل الجزل لا يسير إلا على تعبئة،و لا ينزل إلا خندق على نفسه و أصحابه،فلما طال ذلك على شبيب دعا يوما أصحابه،و هم مائة و ستون رجلا هو في أربعين و مصاد أخوه في أربعين،و سويد بن سليم في أربعين،و المحلل بن وائل في أربعين،و قد أتته عيونه فأخبرته أن الجزل بن سعيد قد نزل ببئر سعيد،فقال لأخيه و للأمراء الذين ذكرناهم:إني أريد أن أبيت الليلة هذا العسكر،فأتهم أنت يا مصاد من قبل حلوان،و سآتيهم أنا من أمامهم من قبل الكوفة،و ائتهم أنت يا سويد،من قبل المشرق،و ائتهم أنت يا محلل من قبل المغرب،و ليلج كل امرئ منكم على الجانب الذي يحمل عليه و لا تقلعوا عنهم حتى يأتيكم أمري.قال فروة بن لقيط:و كنت أنا في الأربعين الذين كانوا معه،فقال لجماعتنا:تيسروا و ليسر كل امرئ منكم مع أميره،و لينظر ما يأمره به أميره فليتبعه،فلما قضمت دوابنا و ذلك أول ما هدأت العيون خرجنا حتى انتهينا إلى دير الخرارة،فإذا القوم عليهم مسلحة ابن أبي لينة،فما هو إلا أن رآهم مصاد أخو شبيب حتى حمل عليهم في أربعين رجلا،و كان شبيب أراد أن يرتفع عليهم حتى يأتيهم من ورائهم كما أمره.

٢٣٨

فلما لقي هؤلاء قاتلهم،فصبروا له ساعة و قاتلوه،ثم إنا دفعنا إليهم جميعا فهزمناهم و أخذوا الطريق الأعظم،و ليس بينهم و بين عسكرهم بدير يزدجرد إلا نحو ميل،فقال لنا شبيب:اركبوا معاشر المسلمين أكتافهم حتى تدخلوا معهم عسكرهم إن استطعتم فاتبعناهم ملظين بهم ملحين عليهم ما نرفه عنهم،و هم منهزمون ما لهم همة إلا عسكرهم.فمنعهم أصحابهم أن يدخلوا عليهم،و رشقوهم بالنبل،و كانت لهم عيون قد أتتهم،فأخبرتهم بمكاننا و كان الجزل قد خندق عليهم،و تحرز و وضع هذه المسلحة الذين لقيناهم بدير الخرارة،و وضع مسلحة أخرى مما يلي حلوان.فلما اجتمعت المسالح و رشقوهم بالنبل،و منعونا من خندقهم رأى شبيب أنه لا يصل إليهم،فقال لأصحابه:سيروا و دعوهم،فلما سار عنهم أخذ على طريق حلوان حتى كان منهم على سبعة أميال.قال لأصحابه انزلوا،فاقضموا دوابكم و قيلوا و تروحوا فصلوا ركعتين،ثم اركبوا ففعلوا ذلك،ثم أقبل بهم راجعا إلى عسكر الكوفة،و قال سيروا على تعبيتكم التي عبأتكم عليها أول الليل،و أطيفوا بعسكرهم كما أمرتكم فأقبلنا معه،و قد أدخل أهل العسكر مسالحهم إليهم و أمنوا،فما شعروا حتى سمعوا وقع حوافر الخيل،فانتهينا إليهم قبيل الصبح،و أحطنا بعسكرهم،و صحنا بهم من كل ناحية،فقاتلونا و رمونا بالنبل،فقال شبيب لأخيه مصاد:و كان يقاتلهم من الجانب

٢٣٩

الذي يلي الكوفة خل لهم سبيل [ طريق ] الكوفة فخلى لهم و قاتلناهم من تلك الوجوه الثلاثة الأخرى إلى الصبح،ثم سرنا و تركناهم ؛ لأنا لم نظفر بهم،فلما سار شبيب سار الجزل في أثره يطلبه،و جعل لا يسير إلا على تعبية و ترتيب و لا ينزل إلا على خندق،و أما شبيب،فضرب في أرض جوخى،و ترك الجزل،فطال أمره على الحجاج،فكتب إلى الجزل كتابا قرئ على الناس،و هو أما بعد،فإني بعثتك في فرسان أهل المصر و وجوه الناس و أمرتك باتباع هذه المارقة و ألا تقلع عنها حتى تقتلها و تفنيها،فجعلت التعريس في القرى و التخييم في الخنادق أهون عليك من المضي لمناهضتهم و مناجزتهم و السلام.قال:فشق كتاب الحجاج على الجزل و أرجف الناس بأمره،و قالوا سيعزله فما لبث الناس أن بعث الحجاج سعيد بن المجالد أميرا بدله،و عهد إليه إذا لقي المارقة أن يزحف إليهم،و لا يناظرهم و لا يطاولهم،و لا يصنع صنع الجزل،و كان الجزل يومئذ قد انتهى في طلب شبيب إلى النهروان،و قد لزم عسكره و خندق عليهم،فجاء سعيد حتى دخل عسكر أهل الكوفة أميرا،فقام فيهم خطيبا فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:يا أهل الكوفة،إنكم قد عجزتم و وهنتم و أغضبتم عليكم أميركم أنتم في طلب هذه الأعاريب العجف منذ شهرين قد أخربوا بلادكم،و كسروا خراجكم،و أنتم

٢٤٠