خلافة الرسول بين الشورى والنص

خلافة الرسول بين الشورى والنص28%

خلافة الرسول بين الشورى والنص مؤلف:
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 133

خلافة الرسول بين الشورى والنص
  • البداية
  • السابق
  • 133 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46876 / تحميل: 6760
الحجم الحجم الحجم
خلافة الرسول بين الشورى والنص

خلافة الرسول بين الشورى والنص

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الإيمان ، وهذا حكم عامّ لا استثناء فيه حتّى في تلك الموارد التي رخّص الله تعالى لرسوله الكريم مشورة الناس فيها.

قال تعالى :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (١) .

فمدار القرار ومحوره عزم الرسول وإقدامه في تحديد أيّ موقف ، ولا رأي للناس في ذلك ، ولم تكن مشورتهم إلاّ لتطيب خواطرهم ، وإشعارهم بشخصيتهم في ميدان العمل والتطبيق ، مضافاً إلى ما للمشورة من تأثير على تمسّكهم بأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتزامهم بما ألزموا به أنفسهم ، خصوصاً في مواطن الشدّة كالحرب.

هذا ، وإنّ الشورى لم تتحقّق بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سقيفة بني ساعدة ، فقد حضرها مجموعة قليلة من الأنصار والمهاجرين ، ولم يكونوا يمثّلون جميع أهل الحلّ والعقد ، خصوصاً وأنّ علياً ‎عليه‌السلام قد أبدى اعتراضه على ما جرى في السقيفة ورفض البيعة ، كما اعترض كبار الصحابة : كالمقداد ، وسلمان ، والزبير ، وعمّار ، وعبد الله بن مسعود ، وسعد بن عبادة ، والعباس ابن عبد المطلب ، وأُسامة بن زيد ، وأُبي بن كعب ، وعثمان بن حنيف.

ولو تنزّلنا وقلنا : حصلت الشورى في انتخاب الخليفة الأوّل ، لكنّها لم تحصل في الخليفة الثاني ، حيث تمّ تعيينه مباشرة ومن دون مشورة أحد.

وهكذا لم تحصل في الخليفة الثالث ، حيث إنّ عمر رشّح ستة أشخاص ، ووضع لهم طريقة خاصّة في انتخاب الخليفة ، كما ورد في كتب التاريخ(٢) .

ثمّ لو كانت الشورى مشروعة في تعيين الخليفة لبيّنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورفع الغموض عنها ، مع أنّه لم يؤثر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيء في هذا المجال.

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٢٩٥ ، تاريخ المدينة ٣ / ٩٢٤.

٦١

وهل يعقل أنّ النبيّ ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يهتمّ في مسألة الحاكم الذي يليه ، بينما يكون غيره ـ كأبي بكر وعمر ـ أكثر حرصاً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقدما على الوصاية من بعدهما ، ولا يقدم نبي الرحمة على ذلك؟

والخلاصة : حيث إنّه لم يؤثر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه تحدّث عن الشورى كأسلوب في تعيين الخليفة من بعده ، فلابدّ من الرجوع إلى النصوص المأثورة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله والدالّة على تنصيب الإمام عليعليه‌السلام كخليفة المسلمين.

( ـ السعودية ـ )

ليست أساس الحكم والخلافة :

س : حاول المتجدّدون من متكلّمي أهل السنّة ، صب صيغة الحكومة الإسلامية على أساس المشورة بجعله بمنزلة الاستفتاء الشعبي ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (١) ، فما هو ردّكم؟

ج : إنّ الآية الشريفة حثّت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أُمورهم ، وكون تعيين الإمام داخلاً في أُمورهم فهو أوّل الكلام ، إذ لا ندري ـ على الفرض ـ هل هو من شؤونهم أو من شؤون الله سبحانه؟ ولا ندري ، هل هي إمرة وولاية إلهية تتمّ بنصبه سبحانه وتعيينه ، أو إمرة وولاية شعبية يجوز للناس التدخّل فيها؟ فما لم يحرز تعيين الإمام أمر مربوط بالمؤمنين لم يجز التمسّك بعموم الآية في أنّها تشمل تعيين الإمام.

____________

١ ـ الشورى : ٣٨.

٦٢

الشيعة :

( فاطمة السنّية ـ سنّية ـ ٢٥ سنة ـ طالبة )

دفع تهم عنهم :

س : أرجو منكم الردّ عليّ فوراً يا شيعة : سئل الإمام مالك عن الشيعة ، فقال : لا تكلّمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنّهم يكذبون.

وقال الشافعي : ما رأيت أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة.

وقال شيخ الإسلام : لا توجد فرقة تقدّس الكذب سوى الرافضة.

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا يُؤخذ هكذا ، ولا يكون بالحكم على الأشياء سلفاً دون الاعتماد على تقصّي الوقائع ، ودون اللجوء إلى استماع الأقاويل ، وتقليد الآخرين في حكمهم ، فإنّ الله غداً سائلنا عن كُلّ ما نقوله ، فماذا نعتذر غداً إذا لم نملك حجّة نعتذر بها عند الله تعالى؟

قال تعالى :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (١) ، نحن مسؤولون عن كُلّ صغيرة وكبيرة ، عن ظلمنا لشخص واحد ، فكيف بظلمنا لطائفةٍ من المسلمين؟

علينا أن نبحث أوّلاً عن نشوء مصطلح الرافضة ، ومن هم؟ فاصطلاح الرافضة ليس من الضروري أن يطلق على الشيعة ، إلاّ أنّ الأنظمة السياسية عزّزت من

____________

١ ـ الإسراء : ٣٦.

٦٣

فكرة استخدام هذا المصطلح على الشيعة ، وقلّدهم الآخرون في ذلك ، فأطلقوا هذا المصطلح على كُلّ شيعي ، من هنا نشكّك في دعوى انتساب هذا المصطلح إلى التشيّع ، ومنه يمكننا إلغاء كُلّ ما تدّعينه في حقّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، وتنسبين أقوال هؤلاء العلماء في حقّهم ، وهذا الكلام يؤيّده ما قاله إمام الشافعية :

إذا نحن فضّلنا علياً فإنّنا

روافضُ بالتفضيل عند ذوي الجهلِ

وقال كذلك :

إذا في مجلس ذكروا علياً

وسبطيه فاطمة الزكية

يقال تجاوزوا يا قوم هـذا

فهذا من حديث الرافضية

برئت إلى المهيمن من أُناسٍ

يرون الرفض حبّ الفاطمية

وقال كذلك :

قالوا ترفّضت قلت كلاّ

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ

خير إمامٍ وخير هادي

إن كان حبّ الولي رفضاً

فإنّني أرفض العبادِ(١)

وهكذا فرّق الشافعي بين مصطلح التشيّع الذي هو ولاء علي وأولادهعليهم‌السلام وبين مصطلح الرافضة الذي أطلقه النظام السياسي الحاكم على معارضيه ، ومن هنا فإنّ الذي تذكرينه عن الشافعي لا يستقيم.

أمّا ما تذكرينه عن مالك في حقّ الشيعة ، فلم يثبت في مصدر يعوّل عليه ، ولم تذكرين لنا المصدر الذي تأخذين هذا القول عنه ، ويستحيل أن ينسب مالك هذا الكلام لشيعة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________

١ ـ نظم درر السمطين : ١١١.

٦٤

واعلمي أنّ الشيعة لم يضعوا الحديث ، ولم يكذّبوا فيه ، فإنّهم كانوا تحت رقابةٍ مشدّدة من التعديلات الرجالية ، بحيث كان الرجاليون يترقّبون كُلّ من وضع الحديث ، أو كذّب فيه ، فيسقطونه عن الاعتبار ، وكانوا يتحرّجون في ذلك أشدّ التحرّج ، ولو كان قد صدر منهم كذب في حديث لوجدتِ أنّ الأنظمة الحاكمة قد جعلت ذلك ذريعة للتشهير بهم ، ومحاربتهم بحجّة وضع الحديث وكذبهم فيه.

إلاّ أنّنا نعلمك : أنّ آفة وضع الحديث قد امتاز بها غير الشيعة ، وشهد لذلك ابن حجر الهيثمي وغيره لهذه المشكلة فقال : « وقد اغتر قوم من الجهلة ، فوضعوا أحاديث الترغيب والترهيب وقالوا : نحن لم نكذب عليه ـ أي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته »(١) .

وأخرج البخاري في تاريخه عن عمر بن صبح ـ وهو من رواة أهل السنّة ـ يقول : أنا وضعت خطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال : إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي ابن إسحاق ، فوصفت هذا الحديث حسبة(٣) .

وهكذا ، فإنّ الوضع لم يكن عند الشيعة كما تذكرين ، بل هؤلاء علماء أهل السنّة يعترفون بمشكلة الوضع عند رواة أهل السنّة ، وهي مشكلة تعمّ الكثير من الأحاديث ، وعليكِ متابعة الموضوع من مصادره ، ليتبيّن لكِ الحقّ والواقع.

نسأل الله تعالى أن يكشف لكِ الكثير من الحقائق لتقفين بنفسكِ على كثيرٍ من الأُمور.

____________

١ ـ فتح الباري ١ / ١٧٨.

٢ ـ التاريخ الصغير ٢ / ١٩٢.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١ / ٧٨ ، البرهان في علوم القرآن ١ / ٤٣٢.

٦٥

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

تعقيب على الجواب السابق :

لقد قرأت سؤال الأُخت فاطمة السنّية ، حيث نقلت عن بعض النواصب : إنّ الشيعة يكذبون ، وأردت أن أبيّن الحقيقة لكُلّ من يطلبها ، وأبيّن من هم الكذّابين؟ وأرجو منكم أن تنشروا هذه الفقرات تبياناً للحقيقة ، وخدمة لأهل البيت عليهم‌السلام .

فأقول بعد الصلاة على محمّد وآل محمّد :

١ ـ قال ابن الأثير في تاريخه : « فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ، ثمّ كتب معاوية بعد ذلك إلى مروان بن الحكم ، فقام مروان فيهم وقال : إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يألُ ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : كذبت والله يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ، ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلّما مات هرقل قام هرقل

فسمعت عائشة مقالته فقامت من وراء الحجاب وقالت : يا مروان كذبت! ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي الله »(١) .

لكن البخاري ذكر الحديث في باب : « والذي قال لوالديه أُفّ لكما ، فقال : كان مروان على الحجاز استعمله معاوية ، فخطب وجعل يذكر يزيد لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إنّ هذا الذي أنزل الله فيه : والذي قال لوالديه أُفّ لكما أتعدانني ، فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلاّ أنّ الله أنزل عذري »(٢) .

لاحظوا جيّداً كيف حذف الشيخ البخاري كلام عبد الرحمن عندما قال : كذبت والله يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ،

____________

١ ـ الكامل في التاريخ ٣ / ٥٠٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ٤٢.

٦٦

ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كُلّما مات هرقل قام هرقل ، وأبدله بعبارة : فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، وحذف قول عائشة لمروان : يا مروان كذبت! ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي الله .

٢ ـ روى الطبري في تاريخه في وصف مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « عن عائشة قالت : فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين رجلين من أهله ، أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر ، قال عبيد الله : فحدّثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس فقال : هل تدري من الرجل؟ قلت : لا ، قال : علي بن أبي طالب ، ولكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع »(١) .

ورواه أيضاً ابن سعد في طبقاته(٢) .

٣ ـ أخذ ابن هشام من سيرة ابن إسحاق برواية البكائي ، وقال في ذكر منهجه في أوّل الكتاب ، وتارك بعض ما أورده ابن إسحاق في هذا الكتاب ، وأشياء يشنع الحديث به ويسوء الناس ذكره ، وكان ممّا يسوء الناس ذكره ممّا حذف : خبر دعوة النبيّ بني عبد المطلب حينما نزلت( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (٣) .

فقد روى الطبري في تاريخه : أنّه بعد نزول هذه الآية دعا النبيّ بني عبد المطلب وقال لعلي : «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »(٤) ، وقد تدارك الطبري أهمّية هذا الحديث ، فتدارك في تفسيره ما غفل عنه في تاريخه ، فلمّا أورد الحديث بنفس الإسناد في تفسير الآية قال : فقال النبيّ لعلي : «إنّ هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا »(٥) .

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣٣.

٢ ـ الطبقات الكبرى ٢ / ٢١٨.

٣ ـ الشعراء : ٢١٣.

٤ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣.

٥ ـ جامع البيان ١٩ / ١٤٩.

٦٧

وكذلك فعل ابن كثير في تاريخه وتفسيره ، حيث حذف كلمة : أخي ووصيي ، وأبدلها بعبارة : كذا وكذا ، وكذلك محمّد حسين هيكل حيث ذكر الحديث بتمامه في الطبعة الأُولى من كتابه حياة محمّد ، لكنّه حذفه في الطبعة الثانية.

٤ ـ أورد الطبري وابن الأثير في تاريخهما خطبة الإمام الحسينعليه‌السلام فقالوا : قال الحسين : « أمّا بعد ، فانسبوني فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم ، وابن وصيّه ، وابن عمّه »؟!(١) .

لكن ابن كثير ذكر الخبر وحذف عبارة : وابن وصيه وابن عمّه!(٢) .

٥ ـ ابن تيمية الذي يتهمّ الشيعة بالكذب ، فحسبنا أنّه أنكر حديث من كنت مولاه فعلي مولاه(٣) .

ويقول الشيخ الألباني : « فزعم ـ ابن تيمية ـ أنّه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها »(٤) .

وبهذه الأمثلة من كتب أهل السنّة يتبيّن للأخوة القرّاء عامّة ، وللأخت فاطمة خاصّة ، من هم الكذّابين الحقّيقيين؟!

وإنّ ما نسب للشيعة وعلمائنا الكبار أنّه محض افتراء ، وفي هذا بيان كافّ إن شاء الله تعالى.

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٢٢ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٦١.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٣.

٣ ـ منهاج السنّة ٧ / ٣١٩.

٤ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٤٤.

٦٨

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

تعقيب ثاني على الجواب السابق :

إتماماً للفقرة الأُولى التي ذكر فيها بعض الأمثلة على كذب علماء العامّة ، أرجو منكم أن تضيفوا هذه الفقرات نظراً لأهمّيتها ، وخدمة للقرّاء الكرام.

١ ـ نقل الذهبي في ترجمة الإمام النسائي قال : « سئل النسائي عن فضائل معاوية : ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال : أيّ شيء أخرج؟ حديث : « اللهم لا تشبع بطنه » ، فسكت السائل ».

قال الذهبي : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبيّ : « اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة »!(١) .

وجاء ابن كثير من بعده فقال : « لقد انتفع معاوية بهذه الدعوة »(٢) .

وقد روى مسلم في صحيحه حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يذمّ فيه معاوية : « لا اشبع الله بطنه » (٣) .

وعندما وقع أهل السنّة في حيرة من هذا الحديث ـ وقد روته صحاحهم ـ نسبوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « اللهم من لعنته أو شتمته فجعل ذلك له زكاة ورحمة » فربطوا بين الحديثين ، وجعلوا منهما منقبة لمعاوية.

سبحان الله ، هل يعقل أنّ سيّد الخلق يسبّ ويشتم المؤمنين! وهل يعقل أنّ النبيّ الذي خاطبه الله تعالى بقوله :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٤) ، وبقوله : ( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) (٥) ،هل يعقل أن يتحوّل هذا النبيّ الكريم من الرسول القدوة إلى من يسبّ ويلعن المؤمنين؟

____________

١ ـ تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٩.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٢٨.

٣ ـ صحيح مسلم ٨ / ٢٧.

٤ ـ صحيح مسلم ٨ / ٢٧.

٥ ـ آل عمران : ١٥٩.

٦٩

٢ ـ ما فعله الطبراني بالحديث الآتي عن سلمان الفارسيرضی‌الله‌عنه قال : قلت يا رسول الله لكُلّ نبي وصي فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : « يا سلمان » ، فأسرعت إليه قلت : لبيك ، قال : « تعلم من وصي موسى »؟ قلت : نعم يوشع بن نون ، قال : « لِمَ »؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم يومئذ ، قال : « فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من اترك بعدي ، وينجز عدّتي ، ويقضي ديني علي بن أبي طالب ».

فبعد روايته للحديث قال الطبراني : « قوله وصيي يعني أنّه أوصاه بأهله لا بالخلافة »(١) .

سبحان الله ، انظروا كيف أوّل الطبراني هذا الحديث حسب هواه ، والحديث واضح ، وهو يؤكّد أنّ علياًعليه‌السلام وصي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصدق الله العظيم حين يقول في كتابه :( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) (٢) ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

٣ ـ قال الذهبي في ترجمة الحاكم النيسابوري : « فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال : لا يصحّ ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد النبيّ.

قلت : ثمّ تغيّر رأي الحاكم ، وأخرج حديث الطير في مستدركه ، ولا ريب أنّ في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحّة ، بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك بإخراجها فيه.

وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً ، قد أفردتها بمصنّف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ، وأمّا حديث : « من كنت مولاه » ، فله طرق جيّدة ، وقد أفردت ذلك أيضاً »(٣) .

____________

١ ـ المعجم الكبير ٦ / ٢٢١.

٢ ـ الجاثية : ٢٣.

٣ ـ تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٢.

٧٠

فالذهبي ينقل فضل الحاكم ، وبما أنّ الحاكم نقل في مستدركه أحاديث في فضائل علي ، وما فيه انتقاص لمعاوية ، طعنوا فيه وقالوا : ثقة في الحديث رافضي خبيث.

قال الذهبي : « أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر ، وأمّا أمر الشيخين فمعظّم لهما بكُلّ حال ، فهو شيعي لا رافضي ، وليته لم يصنّف المستدرك على الصحيحين ، فإنّه غضّ من فضائله بسوء تصرّفه »(١) .

ومن العجيب أنّ ابن كثير بعدما نقل في أربع صفحات من تاريخه ، ملئها بطرق حديث الطير وأسانيده ورواته ، ونحو أكثر من مائة ممّن رووا عن أنس هذا الحديث قال : « وبالجملة ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر ، وإن كثرت طرقه » (٢) .

انظروا إلى هذا التعصّب الأعمى ، كيف جعلهم يتّهمون عالماً من علمائهم بالتشيّع والرفض ، بسبب روايته أحاديث لا تعجبهم ، والأعجب بعد هذا أن يقول ابن كثير بعد روايته للحديث : في القلب من صحّة هذا الحديث نظر!

والجدير بالذكر : أنّ حديث الطير رواه الترمذي في سننه ، والطبراني في المعجم الأوسط ، وغيرهما من أعلام السنّة(٣) ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّه لو كان الحديث يخصّ أحد الصحابة ـ خاصّة الخلفاء الأوائل ـ لدقّوا عليه الطبول.

ومن أمثلة الأحاديث التي رواها الحاكم :

١ ـ عن علي عليه‌السلام قال : « اخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول الله فمحبّونا ، قال : من ورائكم ».

____________

١ ـ المصدر السابق ٣ / ١٠٤٥.

٢ ـ البداية والنهاية ٧ / ٣٩٠.

٣ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٠٠ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٠ ، المناقب : ١٠٨ ، سبل الهدى والرشاد ٧ / ١٩١ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٥٠ ، المستدرك ٣ / ١٣٠ ، أُسد الغابة ٤ / ٣٠ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٠٧ و ٦ / ٩٠ و ٧ / ٢٦٧ و ٩ / ١٤٦ ، تاريخ بغداد ٩ / ٣٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٥٠ و ٢٥٧.

٧١

قال الحاكم : « صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(١) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « الحديث منكر من القول ، يشهد القلب بوضعه ».

٢ ـ عن عليعليه‌السلام قال : « سمعت النبيّ يقول : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب : غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد حتّى تمر » (٢) .

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(٣) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « لا والله بل موضوع ».

وأخرج الحاكم بإسناده إلى عليعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) ، قال علي : « رسول الله المنذر وأنا الهادي ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(٥) ، وقال الذهبي : « بل كذب قبّح الله واضعه ».

وسئل أحمد بن حنبل عن حديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فقال : « قبّح الله أبا الصلت »(٦) .

لاحظوا كيف استدلّوا على وضع الأحاديث التي لم تعجبهم : فتارة يستشهدون بالقلب ، وتارة باليمين ، وتارة بالسبّ ، وهل يعقل أن نستشهد على وضع الحديث بالقلب أو اليمين بلا دليل؟ فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

٤ ـ نقل ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (٧) ، قال

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ١٥١.

٢ ـ ذخائر العقبى : ٤٨ ، نظم درر السمطين : ١٨٢ ، الجامع الصغير ١ / ١٢٧ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٨ ، فيض القدير ١ / ٥٤٩ ، كشف الخفاء ١ / ٩٦ ، أُسد الغابة ٥ / ٥٢٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٨٨ و ١٣٧.

٣ ـ المستدرك ٣ / ١٥٣.

٤ ـ الرعد : ٧.

٥ ـ المستدرك ٣ / ١٣٠.

٦ ـ الموضوعات ١ / ٣٥٤.

٧ ـ النساء : ٦٤.

٧٢

ابن كثير : وقد ذكر جماعة ، منهم الشيخ أبو منصور بن الصبّاغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالساً عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء إعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) ، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربّي ، ثمّ انشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والاكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم فقال : « يا عتبي الحق الإعرابي فبشّره أنّ الله قد غفر له »(١) .

وذكر هذه القصّة النووي الشافعي في كتابه « الأذكار » ، ولكن عندما طبع الكتاب سنة ١٤٠٩ هجري في دار الهدى في الرياض ، حذفت قصّة العتبي ، وحذف قول النووي : « اعلم أنّ على كُلّ من حجّ أن يتوجّه إلى زيارة النبيّ ، فإنّ زيارته من أهمّ القربات ».

لماذا حذفت قصّة العتبي وحذف قول النووي؟ بالطبع لأنّ الوهّابية تحرّم الاستشفاع والتوسّل بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أنّ قصّة العتبي رواها كبار علماء السنّة ، فلم يجدوا المخرج إلاّ بتحريف الكتاب ، فحذفوا ما لا يروقهم ، فهل من الأمانة العلمية أن تحرّف الكتب؟! هذا سؤال يبقى مطروح على علماء الوهّابية.

ويشبه هذا ما يفعله علماء الوهّابية حالياً بكتاب الرحّالة ابن بطّوطة ، إذ إنّ ابن بطوطة عندما يصف رحلته إلى الشام يذكر ابن تيمية ، ويقول عنه : أنّه إنسان مجنون ، ونقل عن ابن تيمية أنّه كان ينزل من أعلى المنبر إلى أسفله ، ثمّ يقول : إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من المنبر(٢) .

____________

١ ـ تفسير القرآن العظيم ١ / ٥٣٢.

٢ ـ رحلة ابن بطّوطة : ٩٥.

٧٣

لكن الكتب التي تطبع حالياً ـ خاصّة في الأوساط الوهّابية ـ تنزع منها هذه العبارة ، ولكن في النسخ القديمة ما زالت موجودة ، والحمد لله.

يقول الشيخ محمّد إبراهيم شقرة في شريط اسمه لا دفاعاً عن ابن تيمية ، ولكن إظهاراً للحقّ : إنّ ابن بطّوطة كان ينقل عن العوام ، وما نقله عن ابن تيمية سمعه ولم يره ، ولهذا فكتب ابن بطّوطة تحذف منها هذه العبارة الآن!

سبحان الله ، كيف يجوّزون لأنفسهم حذف الأخبار والأحاديث ـ التي لا تعجبهم ـ ثمّ يتّهمون الشيعة بالكذب ، وهل يقبل إنسان عاقل هذه التبريرات منهم؟ وهل اصبحوا كاليهود حيث يقول الله تعالى عنهم :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (١) .

هذه بعض الأمثلة سقناها للقرّاء الكرام حول كيفية تحريف علماء العامّة عامّة والوهّابية خاصّة للأخبار والأحاديث التي لا تعجبهم.

والآن نأتي بأمثلة أُخرى من كتبهم حول تركهم للسنّة بدعاوى مختلفة :

١ ـ قال ابن حزم : « وأمّا قولنا في الرجلين فإنّ القرآن نزل بالمسح ، وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، والشعبي ، وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري »(٢) .

قال ابن الجوزي في المنتظم : « كان ابن جرير ـ أي الطبري ـ يرى المسح على القدمين ، ولا يوجب غسلهما ، فلهذا نسب إلى الرفض » (٣) .

لاحظوا كيف ينسبون علماءهم ويتهمونهم بالرفض والتشيّع إذا اقرّوا بالحقيقة ، ومعروف في التاريخ : أنّ الطبري حاصره الحنابلة ـ أجداد الوهّابية والسلفية ـ في داره ، ومنعوا من دفنه ، وادعوا عليه الإلحاد حتّى دفن ليلاً.

____________

١ ـ النساء : ٤٦.

٢ ـ المحلّى ٢ / ٥٦.

٣ ـ المنتظم ١٣ / ٢١٧.

٧٤

وذكر ثابت بن سنان في تاريخه : « أنّه إنّما أخفيت حاله ، لأنّ العامّة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار ، وادعوا عليه الرفض ثمّ ادعوا عليه الإلحاد »(١) .

٢ ـ قال أبو حنيفة ومالك وأحمد : « التسنيم أولى ، لأنّ التسطيح صار شعاراً للشيعة » (٥) .

وقال الغزّالي : « ثمّ التسنيم أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض » !(٢) .

٣ ـ ذكر الزرقاني في شرح المواهب اللدنية في صفة عِمّة النبيّ على رواية علي في إسدالها على منكبه حين عمّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ ذكر قول الحافظ العراقي : « كما يفعله بعضهم ، إلاّ أنّه صار شعار الإمامية فينبغي تجنّبه ، لترك التشبه بهما » (٣) .

٤ ـ قال الزمخشري في كيفية الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ، لأنّ ذلك شعاراً لذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأنّه يؤدّي إلى الاتهام بالرفض » (٤) .

قال ابن تيمية عند بيان التشبّه بالشيعة : « ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبّات إذ صارت شعاراً لهم » (٤) .

سبحان الله ، هل يعقل أن يترك من يدّعي أنّه يتبع السنّة ، السنّة الصحيحة ، بدعوى أنّ من يسمّوهم الرافضة تتبع هذه السنن.

فهل أمر الله تعالى أو نبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله بمخالفة الشيعة؟! وإذا وجب مخالفة الشيعة ، فلماذا لا يفتي علماؤهم لاتباعهم بترك الصلاة والحجّ ، لأنّ الشيعة

____________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ رحمة الأُمّة : ١٠٢.

٣ ـ الوجيز ١ / ٧٨.

٤ ـ شرح المواهب اللدنية ٥ / ١٣.

٥ ـ الكشّاف ٥ / ٩٦.

٦ ـ منهاج السنّة ٤ / ١٥٤.

٧٥

يصومون ويحجّون؟! وهل يعقل أن يخالف المرء السنّة بحجّة أنّ الشيعة يعملون بها؟!

ومن هم الرافضة؟! أهم الذين رفضوا الإسلام كما يروّجه الوهّابية؟ أم من رفضوا البدع ، وحكّام الجور ، وتمسكوا بالسنّة؟! هذه أسئلة نطرحها على كُلّ إنسان له ضمير حيّ ، وعلى كُلّ إنسان جرّد نفسه من التعصّب الأعمى.

وممّا يجدر بالذكر أنّ كُلّ الأمثلة التي ذكرت هي من أُمّهات كتب السنّة ، ولا يوجد حديث أو رواية واحدة من كتب الشيعة حتّى تكون الحجّة عليهم ، وكما قيل : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله المعصومين.

( عاشق التوحيد ـ السعودية ـ سنّي )

الأئمّة لم يذمّوا شيعتهم :

س : إنّ علياًرضی‌الله‌عنه وأولاده ، كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم ـ المدّعين حبّهم واتباعهم ـ وكانوا يذمّونهم على رؤوس الإشهاد.

فهذا علي يذمّ شيعته ، ويدعو عليهم فيقول : « لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظا ، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان »(١) .

ويروي الكليني عن أبي الحسن أنّه قال : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين »(٢) .

وقال الحسين بن علي مخاطباً الرافضة : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم؟ حين استصرختمونا ولهين ، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٢ / ٧٥.

٢ ـ الكافي ٨ / ٢٢٨.

٧٦

وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ، من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منّا إليكم » (١) .

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا تأتي هكذا اعتباطاً ، ما لم يعزّز البحث عنها بالدليل والبرهان ، وإلاّ ستكون محاولات يائسة تجرّ صاحبها إلى سخط الله تعالى ، وتحيله إلى مقلّدٍ أعمى لا يعي ما يقول ، فالغيور على دينه ، ينبغي عليه أن يتحرّى الأُمور بحقائقها ، ويتابع الأشياء بوقائعها ، وأن لا يقلّد كُلّ ما سمعه وردّده الآخرون.

إنّ ما ذكرته : إنّ علياًعليه‌السلام قد ذمّ شيعته ، فهذا ما لا ينبغي أن يصدر منك ، فإنّ شيعة عليعليه‌السلام هم خير من عرفهم التاريخ ، واعتزّ بذكرهم بكُلّ إجلال ، منهم سلمان الفارسي وعمّار وأبو ذر ومحمّد بن أبي بكر وعبد الله بن مسعود وأبو الهيثم بن التيّهان وأمثالهم ، فهم خيرة من عرفت وأحصيت ، فكيف فات عليك ذكر هؤلاء؟ وكيف أنّ علياًعليه‌السلام قد ذمّ أمثال هؤلاء ووبّخهم؟!

وعليك أن ترجع إلى تاريخ ما حدث أيّام خلافة عليعليه‌السلام ، وتابع بنفسك ما أحدثه المنشقوّن على طاعته ، والخارجون على إمامته ، فأشعلوا حروب صفّين والجمل والنهروان ، فقد كانت مجموعة من رعية الإمام وقت ذاك أناس مخالفون لطاعته ، لا ينصاعون لأوامره ، يثبّطون قومه على الخروج معه ، وكان أشهرهم أبو موسى الأشعري ، الذي تخاذل حين استخلفه الإمامعليه‌السلام على الكوفة ، وثبّط الناس عن الخروج ، فوبّخه وكتب إليه في أمر الحكمين وخيانته قائلاً : «فإنّ شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء »(٢) ، ممّا يعني أنّ هناك عصابة من المنافقين قد تألبوا عليه.

وعبّرعليه‌السلام عن سخطه من طلحة والزبير ، ومن كان معهما في حرب الجمل ، التي تسبّبت في إزهاق آلاف من نفوس المسلمين فقالعليه‌السلام : « فخرجوا يجرّون

____________

١ ـ الاحتجاج ٢ / ٢٤.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٧٤.

٧٧

حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها إلى البصرة ، فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرز حبيس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما ولغيرهما ، في جيش ما منهم رجل إلاّ وقد أعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة »(١) .

فقد أنّب الإمام عليعليه‌السلام كُلّ من خرج في حرب الجمل دون استثناء ، وحمّلهم مسؤولية الخروج على طاعته ، وهؤلاء ـ كما تعلم ـ كانوا يشكّلون الغالبية العظمى من رعايا الإمام ، فكان الإمامعليه‌السلام يوجّه لومه إلى مثل هؤلاء ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى كان رعايا الإمام ممّن انخرطوا في صفٍ معارضٍ خطير ، وهم الخوارج الذين آل الأمر إليهم بالخروج عليه في حرب النهروان ، وأدّى بعد ذلك انحرافهم وخبثهم ، أن سخّروا عبد الرحمن بن ملجم المرادي ـ الذي هو أحد رؤوس الخوارج ـ إلى اغتيال الإمامعليه‌السلام في فاجعة الاعتداء الغشيمة ، وقتله في مسجد الكوفة.

هؤلاء الخوارج ، ومثلهم أصحاب الجمل ، أضف إليهم المتقاعسون القاعدون عن القتال أتباع أبي موسى الأشعري ، إذ كانوا يشكّلون نسبة كبيرة من أتباعه ، وكان الأشعث بن قيس ـ رأس المنافقين ـ طابور خيانة داخل دولة الإمامعليه‌السلام ، فيشعلون الفتن ، ويطعنون بالإمام من خلفه ، كُلّ هؤلاء كان الإمامعليه‌السلام قد خاطبهم بالخطب التي ذكرتها ، وليس كما عبّرت من كون المخاطبين كانوا شيعة الإمام.

كيف يصف الإمام شيعته ومحبّيه بهذه الأوصاف؟ التي لا تنم إلاّ عن أوصاف أعدائه ومخالفيه ، وعليك فيما بعد أن تتابع الأحداث التي عاشها الإمام مع هؤلاء ، فحينئذ تجد قد شكّلوا نسبة كبرى من المنافقين الذين خرجوا على الإمام ، وخرقوا طاعته ومعصيته.

____________

١ ـ المصدر السابق ٩ / ٣٠٨.

٧٨

أمّا ما ذكرته عن خطبة الإمام الحسينعليه‌السلام ، فإنّك خلطت في كثير من القضايا ، فالخطبة كانت للإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطفّ ، وكان يخاطب بها الجيش الأموي ، ومن الخطأ الكبير أن تنسب هؤلاء إلى شيعة الإمام ، إذ إنّ شيعة الإمام هم الذين شكّلوا جيش الإمام ، وقد فدوا نفوسهم دونه ، وكانوا من خيرة الشيعة الذين يعتزّ بهم التاريخ ، بل يذكرهم العالم ـ المسلم وغير المسلم ـ بكُلّ إجلال وإكبار ، لتضحيتهم ووفائهم أمثال : حبيب بن مظاهر الأسدي ، ومسلم بن عوسجة ، وبرير بن خضير ، وأمثالهم الذين ضحّوا بنفوسهم الزكية ، هؤلاء هم شيعة الحسينعليه‌السلام .

فكيف تنسب أعداء الحسين ـ الذين خرجوا لحربه ـ إلى كونهم شيعته؟ فهل هذا إلاّ تناقض وخلط للحقائق؟ أرجو أن تكون دقيقاً في متابعتك للأُمور ، لا أن يغلبك القيل والقال دون تروٍ وتحقيق.

ونفس الكلام سيكون في ما ذكرته من قول الإمام أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، فإنّ الشيعة الذين يقصدهم الإمام لم يكونوا شيعته حقيقة ، بل أنّ ظاهر ما اشتهر عن هؤلاء أنّهم شيعة ، فيظنّ الظانّ أنّ هؤلاء يحسبون من اتباع الإمام اشتباهاً ، وهم ليسوا من أتباعه حقيقة ، فأرادعليه‌السلام أن يرفع شبهة من نسب هؤلاء إلى الإمام بأنّهم من خيرة شيعته ومريديه.

هذا ، وفي الختام نذكّرك بأنّ لفظ الشيعة له معنى خاصّ ، ومعنى عام ، فالمعنى الخاصّ : من اعتقد بالإمامة وأنّها من الله تعالى وبالنصّ ، وذلك يستلزم اعتقاد عصمة الإمام ومقاماته.

والشيعة بالمعنى العام : هو من أحبّ الإمام واتبعه بصفة أنّه خليفة ، أو من أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم يعتقد بإمامته الإلهية ولا بعصمته ، فهذا يعبّر عنه بالشيعة بالمعنى العام ، وفي كلمات الأئمّةعليهم‌السلام إن ورد ذمّ الشيعة فمحمول على معناه العام لا الخاصّ.

٧٩

( أبو أحمد ـ مصر ـ )

موقفهم من أهل السنّة :

س : لماذا هذا العداء بين الشيعة والسنّة؟ مع العلم أنّ العداء من الطرفين.

ج : عليك بالتأمّل في كتب التاريخ لترى بوضوح : إنّ العداء لم يشرع من الشيعة في مقابل إخوانهم السنّة ، ولا أيضاً استمرّ من قبلهم ، فالشيعة وعلى مرّ العصور في موقف دفاع ، فهم دائماً يعانون أنواع الظلم الذي يجري عليهم ، وحتّى يومنا الحاضر ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع ، وأكثر ما استعمله الشيعة في موقف الدفاع هو الردّ بالدليل وتأليف الكتب ، حتّى وإن كان ما واجهوه من الظلم بالاعتداء على النفوس المحترمة والأموال ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع بالطريق العلمي المستدلّ.

( عبد الأمير ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

كيفية انتشارها في إيران :

س : كيف انتشر التشيّع في إيران؟ هل صحيح أنّ أحد حكّام الدولة الصفوية قديماً قام بفرضه على الناس؟ حيث كان وزيره شيعياً ، وذهب معه إلى النجف ، ثمّ اقتنع بالتشيّع ، أو هناك روايات أُخرى؟

ج : إنّ كيفية انتشار التشيّع هي حديث التاريخ لا المذهب والعقيدة ؛ ولكن باختصار نقول :

أوّلاً : إنّ العلّة الأساسية لبسط نفوذ الشيعة في أي منطقة ـ ومنها إيران ـ تكمن وراء ثلاث نقاط :

١ ـ عدالة قضيّتهم وحقّانيتهم المدعومة بالأدلّة الواضحة والمبرهنة.

٢ ـ مظلوميّتهم لما يرونه من السلطات وتحدّيهم لهؤلاء حكّام الجور.

٣ ـ نشاطات علمائهم ومبلّغيهم لنشر أفكارهم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ودواعي الذكرى التي أحاطت به لا تسمح بتناسيه!!

لكن لم يحدّثنا التاريخ أنّ أحداً قد ذكره في تلك الاَيّام الحاسمة التي ينبغي ألاّ تعيد الاَذهان إلى شيء قبله، فهو النصّ الذي يملأ ذلك الفراغ، ويسكن له ذلك الهيجان، وتنقطع دونه الاَمانيّ، أو فرص الاجتهاد..

«إنّي يوشك أن أُدعى فأُجيب..

وإنّي تارك فيكم ما إنْ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي..

مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه..».

والعهدُ، بعدُ، قريبٌ، جدُّ قريب..

فإذا وجدنا اليوم من لم يؤمن بالنصّ على خليفة النبيّ ( ص )، فليس لاَنّ النبيّ لم يَقُلْه، بل لاَنّ الناس يومئذٍ لم يذكروه!!

٧ - قوله ( ص ):«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

حديث متواتر لا خلاف فيه(١) ، لكنّ الكلام في تأويله، وما أغنانا عن التأويل الذي ما أبقى من النصّ إلاّ حروفه!!

غريب جدّاً ما ذهب إليه المتأوَّلون من أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يَقُلْهُ إلاّ تطييباً لخاطر عليٍّ وترغيباً له في البقاء في المدينة لمّا أرجف به المنافقون وقالوا: خلّفك مع النساء والصبيان! وليس فيه من تشابه المنزلتين إلاّ

____________________

(١) مسند أحمد ١: ١٧٣ و ١٧٥ و ١٨٢ و ١٨٤ و ٣٣١، صحيح البخاري - فضائل عليّ - | ٣٥٠٣، صحيح مسلم - فضائل عليّ - | ٢٤٠٤، مصنّف ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - ٧: ٤٩٦ | ١١ - ١٥.

١٠١

القرابة(١) !

غريب في نسبة هذه الاغراض إلى حديث نبويّ ظاهر، إلى حديث النبيّ ( ص ) الذي لا يقول إلاّ حقّاً، ومع عليٍّ ( ع ) بالذات، ربيب النبيّ وبطل الملاحم!!

وغريب في تناسي القرآن، وكأنّ القرآن لم يذكر شيئاً من منزلة هارون من موسى!!

وغريب في الغفلة عمّا يضفيه هذا التأويل إلى الإمام عليّ ( ع ) وسعد وابن عبّاس، على الاَقلّ، من سذاجة في التفكير وقصور في الفهم!!

ألم يكن الإمام عليٌّ ( ع ) يعرف قرابته من رسول الله ( ص ) قبل ذلك اليوم؟!

أم كان سعد لم يتمنّ إلاّ هذه القرابة وهو يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في عليٍّ ثلاث خصال لئن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم، سمعته يقول: «إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي...»(٢) ؟! فهل فهم منه القرابة، لا غير؟!

أم كان ابن عبّاس لا يريد إلاّ القرابة حين يذكر لعليٍّ ( ع ) عشر خصال ليست لاَحدٍ من الناس، فيعدّ فيها هذا الحديث(٣) ؟! فهل كان النبيّ ( ص ) ليس له ابن عمّ إلاّ عليّ ( ع )؟!

____________________

(١) ابن حزم، الفِصَل ٤: ٩٤، ابن تيميّة، منهاج السُنّة ٤: ٨٧ - ٨٨.

(٢) صحيح مسلم - فضائل عليّ - | ٣٢، الخصائص - بتخريج الاَثري - | ح ٩ و ١٠ و ٤٣ و ٥٢، المصنّف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - | ١٥.

(٣) مسند أحمد ١:٣٣١، الخصائص - بتخريج الاَثري - | ٢٣، المستدرك ٣: ١٣٢ - ١٣٣ - ويأتي لاحقاً.

١٠٢

لقد كان لابن عبّاس من قرابة النبيّ ( ص ) مثل مالعليّ عليه السلام فكلاهما ابن عمّه صلى الله عليه وآله وسلم!! ويساويهما في هذه القرابة كلّ أولاد أبي طالب وأولاد العبّاس وأولاد أبي لهب!

ولا يخفى أيضاً أنّ قرابة عليٍّ للرسول ليست كقرابة هارون لموسى ( صلوات الله عليهم أجمعين )، فليست هي المعنيّة في النصّ قطعاً..

وغريب أن يخفى على هؤلاء ما هو ظاهر لمن هو دونهم: فقوله ( ص ): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» ظاهر في عمومه واستيعابه جميع مصاديق تلك المنزلة، ومن هنا استثنى النبوّة، فقال ( ص ): «إلاّ أنّه لانبيَّ بعدي» فلمّا استثنى النبوّة فقد نصّ على ثبات المصاديق الاُخر، وهي: ( الوزارة والخلافة ).

فلو لم يرد النصّ إلاّ في غزوة تبوك، لَما أفاد ذلك تخصيصه بتلك الغزوة مادام الحديث نصّاً في العموم.

ولقد ورد هذا النصّ نفسه في غير غزوة تبوك أيضاً، كما رواه ابن حبّان وغيره في خبر المؤاخاة في السنة الاَولى من الهجرة النبوية(١) .

٨ - قوله ( ص ): «يكون بعدي اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش».

متواتر، لانزاع فيه(٢) !

____________________

(١) السيرة النبوية، لابن حبّان: ١٤٩، وصحّحه سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواصّ: ٢٣ نقله عن الاِمام أحمد في المناقب، وقال: رجاله ثقات.

(٢) صحيح البخاري - الاَحكام | ٨٤٦١، صحيح مسلم - الاِمارة - | ١٨٢١ و ١٨٢٢، مسند أحمد ١: ٣٩٨ و ٤٠٦، سنن أبي داود | ٤٢٨٠، سنن الترمذي - كتاب الفتن ٤ | ٢٢٢٣، مصابيح السُنّة ٤ | ٤٦٨٠. لذا فإنّ قول الدكتور النشّار، نشأة الفكر الفلسفي في الاِسلام ١: ٤٤٨ و ٢: ٢١٨: (إنّ فكرة ١٢ خليفة لا وجود لها في الاِسلام) إنّما هي كبوة فارس!

١٠٣

أهل البيت أوّلاً:

يقول ابن تيميّة: إنّ بني هاشم أفضل قريش، وقريش أفضل العرب، والعرب أفضل بني آدم، كما صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله في الحديث الصحيح: «إنّ الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش»..

ويمكن أن يضاف إلى هذا كثير:

أ - «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهِب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام )، ولا أحد سواهم، ذلك حين نزل قوله تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) فأدار عليهم الكساء وقال فيهم قوله المتّفق عليه هذا(٢) !

ب - «نحن بنو عبد المطّلب سادة أهل الجنّة: أنا، وحمزة، وعليّ، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهديّ»(٣) .

جـ - «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(٤) .

____________________

(١) الاحزاب ٣٣: ٣٣.

(٢) صحيح مسلم - فضائل الصحابة - | ٢٤٢٤، سنن الترمذي | ٣٢٠٥ و ٣٧٨٧ و ٣٨٧١، مسند أحمد ٤: ١٠٧ و ٦: ٢٩١ و ٣٠٤، مصابيح السُنّة ٤: ١٨٣ | ٤٧٩٦، أسباب النزول: ٢٠٠، وسائر كتب التفسير عند هذه الآية من سورة الاَحزاب.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ | ٤٠٨٧.

(٤) مسند أحمد ٣: ٣ و ٦٢ و ٦٤ و ٨٠ و ٨٢.

١٠٤

د - «المهديّ من عترتي، من وُلْد فاطمة»(١) .

فلم يبق في الاَمر أدنى غموض، بعد تقديم بني هاشم الصريح، وتقديم أهل البيت خاصّة على سائر بني هاشم، وصراحة النصوص المتقدّمة، لا سيّما الغدير والولاية والثقلين، وببساطة كبساطة هذا الدين الحنيف، وبعيداً عن شطط التأويل بُعد هذا الدِين عن التعقيد والتنطُّع، تبدو عندئذٍ كم هي ظاهرةٌ إمامة اثني عشر سيّداً من سادة أهل البيت عليهم السلام.. وتحديداً: أوّلهم عليّ، فالحسن، فالحسين، وآخرهم المهديّ (عليهم السلام).

ومن لحظ الاضطراب الشديد والتهافت الذي وقع فيه شرّاح الصحاح عند حديث الخلفاء الاثني عشر(٢) ، ازداد يقيناً في اختصاص سادة أهل البيت بهذا الحديث، دون سواهم.

وقد اهتدى إلى هذا المعنى بعض من شرح الله صدره للاِسلام من أهل الكتاب لمّا رأوا في أسفارهم الخبر عن اثني عشر إماماً يكونون بعد النبيّ العظيم من وُلْد إسماعيل(٣) ، فناقضهم ابن كثير، نقلاً عن شيخه ابن تيميّة، ليجعل هؤلاء العظماء هم الخلفاء الّذين يعدّون فيهم معاوية ويزيد ومروان وعبد الملك وهشام، أو الّذين لا يدرون من هُم(٤) .

____________________

(١) سنن أبي داود | ٤٢٨٤، تاريخ البخاري ٣: ٣٤٦، مصابيح السُنّة | ٤٢١١.

(٢) أُنظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١٣: ١٨٠ - ١٨٣، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ١٥: ٢١٢ - ٢١٣، صحيح مسلم بشرح النووي ١٢: ٢٠١ - ٢٠٣، البداية والنهاية ٦: ٢٧٨ - ٢٨١.

(٣) العهد القديم - سفر التكوين - إصحاح ١٧: آية ٢٠.

(٤) أُنظر: البداية والنهاية ٦: ٢٨٠.

١٠٥

وأهل البيت أوّلاً:

لو لم يكن ثمّة نصّ في الاِمامة، وكان للاُمّة أن تُرشّح لها أهلها، وبعد ما تقدّم في تفضيل بني هاشم، وأهل البيت خاصّة، فهم الاَوْلى بالاِمامة بلا منازع.

وأهل البيت أوّلاً:

لو كانت الخلافة محصورة في قريش، إمّا لنصّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو لقول المهاجرين في السقيفة، (أنّ قريشاً أولياؤه وعشيرته)، (وقومه أوْلى به)، (وهيهات أن يجتمع سيفان في غمد)، (ولا تمتنع العرب أن تولّي أمرها مَن كانت النبوّة فيهم).

وأخيراً: (فمَن ينازعنا سلطان محمّد ونحن أولياؤه وعشيرته، إلاّ مُدلٍ بباطلٍ، أو متجانف لاِثمٍ، أو متورّط في هَلَكة)(١) ؟!

فإنّ هذا كلّه لا يرشّح أحداً قبل بني هاشم، فإذا كان قومه أوْلى به فلا ينازعهم إلاّ ظالم، فما من أحد أوْلى به من بني هاشم، ثمّ أهل البيت خاصّة!

فبنو هاشم، دون سواهم من بطون قريش، هم المعنيّون بآية الاِنذار في بدء الدعوة النبوية:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) .

وبنو هاشم هم المعنيّون بالمحاصرة في شعب أبي طالب ثلاث سنين، وليس معهم إلاّ بني المطّلب، أمّا بطون قريش الاُخر، تَيم وعديّ

____________________

(١) أُنظر: الاِمامة والسياسة: ١٢ - ١٦، الكامل في التاريخ ٢: ٣٢٩ - ٣٣٠.

(٢) سورة الشعراء ٢٦: ٢١٤.

١٠٦

وأُميّة ومخزوم وزهرة وغيرها، فهم الّذين تحالفوا على محاصرة عشيرة محمّد الاَقربين، بني هاشم وبني المطّلب!!

فهل خفي هذا على أحد، لو خفيت عليه النصوص؟!

فالذي جادل في النصوص ودَفَعها بأنّها لو صحّت، أو لو أفادت الخلافة، لَمّا خفيت على عظماء الصحابة وجمهورهم.. عليه أن يقف أمام هذه الحقيقة، كيف خفيت عليهم؟!

سلوك النبيّ في ابلاغ إمامة عليّ:

عمليّاً كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يمارس إعداد الإمام عليّ ( ع ) لخلافته، ومنذ بدء الدعوة، ويُظهر لصحبه وللناس أنّه ينصبه لذلك، عملاً مشفوعاً بالقول أحياناً، مصرحاً بين الحين والحين بأنّ ذلك من الله تعالى وبأمره..

منذ البدء، نشأ عليٌّ ( ع ) في بيت النبيّ ( ص ) يتبعه اتّباع الظلّ، حتّى بُعث صلى الله عليه وآله وسلم فكان عليٌّ أوّل من آمن به مع زوجته خديجة(١) .

وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يخرج إلى البيت الحرام ليصلّي فيه، فيصحبه عليٌّ ( ع ) وخديجة فيصلّيان خلفه، على مرأىً من الناس، ولم يكن على الاَرض من يصلّي تلك الصلاة غيرهم(٢) .

____________________

(١) الطبقات الكبرى ٣: ٢١، سيرة ابن هشام ١: ٢٢٨، كتاب الاَوائل: ٩١ - ٩٣، البدء والتاريخ ٤: ١٤٥، السيرة النبوية، ابن حبّان: ٦٧، جوامع السيرة، ابن حزم: ٤٥، السيرة النبوية، الذهبي: ٧٠، الاِصابة ٤: ٢٦٩.

(٢) مسند أحمد ١: ٢٠٩، المستدرك ٣: ١٨٣ وتلخيصه للذهبي، الخصائص - بتخريج الاَثري - | ٢ و ٣، تاريخ الطبري ٢: ٣١١، مجمع الزوائد ٩: ١٠٣.

١٠٧

وكان الإمام عليٌّ ( ع ) يصف أيّامه تلك، فيقول: «وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حِجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره... وكان يمضغُ الشيء ثمّ يُلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خَطلةً في فِعل... ولقد كنتُ أتّبعه اتّباع الفصيل أثَرَ أُمّه، يرفعُ لي في كلّ يوم من أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنةٍ بحِراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الاِسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة...»(١) .

ويوم أنذر عشيرته الاَقربين، رفع شأن عليٍّ عليهم جميعاً، وخصّه بمنزلة لا يشركه فيها غيره.

ويوم هجرته إلى المدينة، اختار عليّاً يبيت في فراشه، ثمّ يؤدّي ما كان عند النبيّ ( ص ) من أمانات، ثمّ يهاجر بمن بقي من نساء بني هاشم.

ثمّ اختصّه بمصاهرته في خير بناته سيّدة نساء العالمين(٢) ، بعد أن تقدّم لخطبتها أبو بكر ثمّ عمر فردّهما صلى الله عليه وآله وسلم(٣) ! وقال لها: «زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً»(٤) .

وآخى بين المهاجرين والاَنصار، ثمّ اصطفى عليّاً ( ع ) لنفسه فقال له: «أنت

____________________

(١) نهج البلاغة - شرح صبحي الصالح -: ٣٠٠ - ٣٠١ خطبة ١٩٢.

(٢) الخصائص - بتخريج الاَثري - | ١٢٧ و ١٢٨ و ١٢٩.

(٣) الخصائص - بتخريج الاَثري - | ١٢٠.

(٤) مسند أحمد ٥: ٢٦.

١٠٨

أخي في الدنيا والآخرة»، أو: «أنت أخي وأنا أخوك»(١) . فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيّد المرسلين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، والإمام عليّ بن أبي طالب ( ع )، أخوَين(٢) .

وفي سائر حروبه كان لواؤه صلى الله عليه وآله وسلم أو راية المهاجرين بيد الامام عليٍّ عليه السلام(٣) .

وفي خيبر بعث أبا بكرٍ براية، فرجع ولم يصنع شيئاً، فبعث بها عمر، فرجع ولم يصنع بها شيئاً، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لاُعطينَّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، لا يخزيه الله أبداً، ولا يرجع حتّى يفتح عليه» فدعا عليّاً ( ع ) ودفع إليه الراية ودعا له، فكان الفتح على يديه(٤) .

وفي عبارة بعضهم: بعث أبا بكر فسار بالناس فانهزم حتّى رجع إليه، وبعث عمر فانهزم بالناس حتّى انتهى إليه(٥) . وفي عبارة بعضهم: فعاد يُجبِّن أصحابه ويجبّنونه(٦) !

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم لاَصحابه: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله» فيستشرفون له، كلٌّ يقول: أنا هو؟ وفيهم أبو بكر

____________________

(١) مسند أحمد ١: ٢٣٠، سنن الترمذي ٥ | ٣٧٢٠، مصابيح السُنّة ٤ | ٤٧٦٩، الطبقات الكبرى ٣: ٢٢، البداية والنهاية ٧: ٣٧١، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٤: ٢٠٩.

(٢) سيرة ابن هشام ٢: ١٠٩.

(٣) الاِصابة ٢: ٣٠ ترجمة سعد بن عبادة.

(٤) المصنّف لابن أبي شيبة - فضائل علي - ٧ | ١٧، سنن النسائي ٥ | ٨٤٠٢، الخصائص - بتخريج الاَثري - | ١٤ وصحّحه، المستدرك ٣: ٣٧ وصحّحه ووافقه الذهبي، سيرة ابن هشام ٣: ٢١٦، تاريخ الطبري ٣: ١٢، الكامل في التاريخ ٢: ٢١٩، البداية والنهاية ٧: ٣٧٣.

(٥) ابن أبي شيبة، المصنّف ٧: ٤٩٧ | ١٧ فضائل عليّ.

(٦) الحاكم والذهبي، المستدرك ٣: ٣٧ وتلخيصه.

١٠٩

وعمر، فيقول: «لا، لا، لكنّه عليّ»(١) .

ويبعث أبا بكر بسورة براءة أميراً على الحجّ، ثمّ يبعث خلفه الإمام عليّاً ( ع ) فيأخذها منه، فيعود أبو بكر إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: أحَدَث فيَّ شيءٌّ، يارسول الله؟!

فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: «لا، ولكنّي أُمرتُ ألاّ يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي»(٢) !

وكان لبعض الاَصحاب أبواب شارعة في المسجد، فقال لهم ( ص ): «سدّوا هذه الاَبواب، إلاّ باب عليّ»(٣) .

وكان الصحابة عنده في المسجد، فدخل عليٌّ ( ع )، فلمّا دخل خرجوا، فلمّا خرجوا تلاوموا! فرجعوا، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: «والله ما أنا أدخلته وأخرجتكم، بل الله أدخله وأخرجكم»(٤) .

ودعاه يوم الطائف يناجيه، فقال بعضهم: لقد طال نجواه مع ابن عمّه!!

____________________

(١) مسند أحمد ٣: ٨٢، صحيح ابن حبّان ٩: ٤٦ | ٦٨٩٨، المصنّف لابن أبي شيبة - فضائل عليّ - ٧ | ١٩، البداية والنهاية ٧: ٣٩٨.

(٢) مسند أحمد ١: ٣ و ٣٣١ و ٣: ٢١٢ و ٢٨٣ و ٤: ١٦٤ و ١٦٥، سنن الترمذي ٥ | ٣٧١٩، سنن النسائي ٥ | ٨٤٦١، الخصائص - بتخريج الاَثري - | ٢٣ و ٧٢ و ٧٣ وصحّحها جميعاً، البداية والنهاية ٧: ٣٧٤ و ٣٩٤، تفسير الطبري ١٠: ٤٦.

(٣) مسند أحمد ١: ٣٣١، سنن الترمذي ٥ | ٣٧٢٢، الخصائص - بتخريج الاَثري - | ٢٣ و ٤١، البداية والنهاية ٧: ٣٧٤ و ٣٧٩، فتح الباري ٧: ١٣، الاِصابة ٤: ٢٧٠.

(٤) الخصائص - بتخريج الاَثري - | ٣٨.

١١٠

فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أنا انتجيته، ولكنّ الله انتجاه»(١) .

في حجّة الوداع أشركه في هديه، دون غيره من أصحابه أو ذوي قرباه(٢) .

وفيها خطب خطبته الشهيرة في عليٍّ وأهل البيت عليهم السلام بغدير خمّ، وتقدّم نصّها آنفاً.

وخصّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مدّة حياته الشريفة بمنزلةٍ ليست لاَحد! خصّه بساعةٍ من السحر يأتيه فيها كلّ ليلة(٣) .

وإذ نزل قوله تعالى:( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ) (٤) كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يأتي باب عليٍّ صلاة الغداة كلّ يوم، ويقول: «الصلاة، رحمكم الله، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً»(٥) .

وحين يُتوَفّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخصُّ عليّاً بميراثه دون عمّه العباس، فسُئل وُلْدُ العبّاس عن ذلك فقالوا: إنّ عليّاً كان أوّلنا به لحوقاً، وأشدّنا به لصوقاً(٦) .

وغير هذا كثير، وقد عرفه الصحابة في حياة الرسول ( ص )..

____________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٣٧٢٦، مصابيح السنة ٤ / ٤٧٧٣، جامع الاصول ٩ / ٦٤٩٣، البداية والنهاية ٧: ٣٦٩.

(٢) الكامل في التاريخ ٢: ٣٠٢، وانظر حجة الوداع في سائر كتب السنن المفصّلة.

(٣) الخصائص - بتخريج الأثري - / ١١٢ - ١١٣، وخرجه على النسائي وابن ماجة وابن خزيمة من وجوه.

(٤) طه ٢٠: ١٣٢.

(٥) تفسير القرطبي ١١: ١٧٤، تفسير الرازي ٢٢: ١٣٧، روح المعاني ١٦: ٢٨٤ والنصّ عنه.

(٦) السنن الكبرى ٥: ١٣٩ / ٨٤٩٣ و ٨٤٩٤.

١١١

الصحابة والمعرفة بالتعيين:

سمع الصحابة وشهدوا نصوص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسلوكه في نصب الإمام عليٍّ عليه السلام وتعيينه لخلافته مباشرةً، فأدركوا ذلك ووعوه، حتّى ظهر في أقوال بعضهم، وظهر عند آخرين قولاً وعملاً.

فاشتهر عن بعضهم تمنّيه أن لو كانت له واحدة من تلك الخصال التي خُصَّ بها عليٌّ عليه السلام، كما عُرف ذلك عن: عمر بن الخطّاب، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الله بن عمر(١) .

واشتهر عن آخرين متابعتهم له حتّى عُرفوا في ذلك العهد بشيعة عليّ ( ع )، منهم: أبو ذرّ، وعمّار، وسلمان، والمقداد(٢) .

بل كان عامّة المهاجرين والاَنصار لا يشكّون في أنّ عليّاً عليه السلام هو صاحب الاَمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(٣) .

وأبو بكر سمع بنفسه قول ابنته عائشة لرسول الله ( ص ) بصوت عال: «والله لقد علمتُ أنّ عليّاً أحبّ إليك من أبي»! فأهوى إليها ليلطمها، وقال: ياابنة فلانة، أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله(٤) .

____________________

(١) منهاج السُنّة ٣: ١١ - ١٢، المستدرك ٣: ١٢٥، مجمع الزوائد ٩: ١٣٠، الصواعق المحرقة: ١٢٧ باب ٩ فصل ١، تاريخ الخلفاء: ١٦١.

(٢) أبو حاتم الرازي: كتاب الزينة: ٢٥٩ تحقيق عبد الله سلّوم السامرّائي، محمّد كرد علي: خطط الشام، تاريخ ابن خلدون ٣: ٢١٤ - ٢١٥.

(٣) الاستيعاب ٣: ٥٥، تاريخ اليعقوبي ٢: ١٢٤، تاريخ الطبري ٣: ٢٠٢، الكامل في التاريخ ٢: ٣٣٥، شرح نهج البلاغة ٦: ٢١.

(٤) أخرجه النسائي بإسناد صحيح في السنن الكبرى ٥: ١٣٩ | ٨٤٩٥.

١١٢

قال معاوية بن أبي سفيان في رسالته إلى محمّد بن أبي بكر، وهي الرسالة التي أشار إليها الطبري ثمّ قال: ( كرهتُ ذِكرها لاُمور لا تحتملها العامّة(١) ! قال فيها معاوية مخاطباً محمّد بن أبي بكر: «قد كنّا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نرى حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرَّزاً علينا»(٢) .

وشهيرةٌ كلمة عمر بن الخطّاب يوم غدير خمّ: «هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحتَ مولى كلّ مؤمن ومؤمنة»(٣) .

علماً أنّ هذه الكلمة «مولى» و «وليّ» لم تُعرف لاَحد من الصحابة إلاّ لعليٍّ عليه السلام في جملة من الاَحاديث النبويّة الشريفة كما تقدّم آنفاً.

بل في القرآن أيضاً:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٤) .

قال الآلوسي: ( غالب الاَخباريّين على أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(٥) ، وعليه شِبهُ إجماعٍ لدى المفسِّرين(٦) ، وطائفة من أصحاب

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٥٥٧.

(٢) مروج الذهب ٣: ٢١، وقعة صِفّين: ١١٨ - ١٢٠، شرح نهج البلاغة ٣: ١٨٨. وللرسالة تتمّة تأتي في محلّها من بحث لاحق.

(٣) مسند أحمد ٤: ٢٨١، تفسير الرازي ١٢: ٤٩ - ٥٠، سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواصّ: ٢٩ - ٣٠.

(٤) سورة المائدة ٥: ٥٥.

(٥) روح المعاني ٦: ١٦٧.

(٦) معالم التنزيل - للبغوي - ٢: ٢٧٢، الكشّاف ١: ٦٤٩، تفسير الرازي ١٢: ٢٦، تفسير أبي السعود ٢: ٥٢، تفسير النسفي ١: ٤٢٠، تفسير البيضاوي ١: ٢٧٢، فتح القدير - للشوكاني - ٢: ٥٣، أسباب النزول - للواحدي -: ١١٤، لباب النقول - للسيوطي -: ٩٣.

١١٣

الحديث )(١) .

وهذا كلّه كان يعرفه الصحابة من المهاجرين والاَنصار خاصّة لقربهم من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن قول محمّد بن أبي بكر في رسالته إلى معاوية، يصف عليّاً عليه السلام: (وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيّه، وأبو وُلْده، أوّل الناس له اتّباعاً، وأقربهم به عهداً، يخبره بسرّه، ويُطلعه على أمره)(٢) .

وعبد الله بن عبّاس، حبر الاُمّة، يصفه أيضاً لمعاوية، فيسميّه (سيّد الاَوصياء)(٣) .

والحسن السبط عليه السلام خطب خطبته الاُولى بعد وفاة أبيه فذكر: «عليّاً خاتم الاَوصياء»(٤) .

وخزيمة بن ثابت، ذو الشهادتين، يصفه لعائشة، فيقول:

وصيّ رسول الله من دون أهلِه * وأنتِ على ما كان مِن ذاكَ شاهِدَهْ(٥)

وهكذا ثبت لقب (الوصي) لعليٍّ عليه السلام عن عدد من الصحابة غير من ذكرنا، منهم: أبو ذر الغفاري، وحذيفة بن اليمان، وعمرو بن الحمق

____________________

(١) أخرجه: عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب في (المتّفق والمفترق). أُنظر: فتح القدير - للشوكاني - ٢: ٥٣.

(٢) مروج الذهب ٣: ٢١، وقعة صِفّين: ١١٨، شرح نهج البلاغة ٣: ١٨٨.

(٣) مروج الذهب ٣: ٨.

(٤) مجمع الزوائد ٩: ١٤٦.

(٥) شرح نهج البلاغة ١: ١٤٣ - ١٥٠.

١١٤

الخزاعي، وحُجر بن عَدي ( حجر الخير )، وأبو الهيثم بن التيّهان وغيرهم(١) ؟.

فكما عرفوه «وليّاً» عرفوه «وصيّاً» أيضاً، وذو الشهادتين حين أدلى، في حديثه المتقدّم، بشهادتيه على أنّ عليّاً وصيّ النبيّ، لم يقف عند هذا الحدّ، بل ألزم عائشة أيضاً الشهادة على ذلك.

إذن لم يكن لقب «الوصيّ» محدَثاً كما صوّره بعض الدارسين الّذين أغفلوا شهادة التاريخ ثمّ أسقطوا نزعاتهم الشخصية على المفاهيم، وعلى التاريخ كلّه، فصوّروا «الوصيّ» وكأنّه من صنع اليهود، ومنهم انتقل إلى المسلمين(٢) »؟، عن طريق عبد الله بن سبأ المزعوم أو غيره(٣) ، أو هو من صنع الشيعة ابتدعه هشام بن الحكم ( ت /١٩١ هـ) ولم يكن معروفاً قبله لا من ابن سبأ ولا من غيره(٤) ! فالاَشعار والنصوص المتقدّمة المحفوظة عن الصحابة سبقت ميلاد هشام بن الحكم بنحو ثمانين سنة!

كلاّ، بل ذاك ممّا عرفه الصحابة أو بعضهم لعليٍّ ( ع )، وحفظه تاريخهم، لهم أو عليهم!

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧١، وقعة صفين: ١٠٣ - ١٠٤، شرح نهج البلاغة ٣: ٨١ - ٨٢، وأيضاً ١: ١٤٣ - ١٥٠، فصل (ما ورد في وصايا عليّ من الشِعر) أورد فيه أربعاً وعشرين مقطوعةً للصحابة والتابعين، ثمّ قال: والاَشعار التي تتضمّن هذه اللفظة كثيرة جدّاً، تجلّ عن الحصر، وتعظم عن الاِحصاء والعدّ.

وانظر أيضاً: الكامل - للمبرّد - ٢: ١٧٠ - ١٧١ في رثاء عليّ بن أبي طالب.

(٢) د. مصطفى حلمي، نظام الخلافة: ١٥٧.

(٣) كما نقله الكشّي في رجاله، ترجمة عبد الله بن سبأ.

(٤) د. محمّد عمارة، الخلافة ونشأة الاَحزاب الاِسلامية: ١٥٥.

١١٥

ربّما يقال إنّ في تلك المصادر نزعة شيعية، والشيعة ليس من حقّهم أن يساهموا في كتابة التاريخ، بل ليس من حقّهم أن يكتبوا تاريخهم الخاصّ أيضاً!

لكن هل يقال هذا في ابن حجر العسقلاني؟!

ففي شرحه لصحيح البخاري يُثبت ابن حجر أنّ (الشيعة) كانوا يتداولون أحاديث الوصيّة، فنهضت عائشة في مواجهة ذلك التيّار بحديثها الذي أثبته البخاري، تقول فيه إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزل به الموت ورأسه على فخذي غُشِيَ عليه ثمّ أفاق، فقال: «اللّهمّ الرفيق الاَعلى» فكانت آخر كلمة تكلّم بها «اللّهمّ الرفيق الاَعلى».

قال العسقلاني نقلاً عن الزهري في ما يرويه عن جماعة من أهل العلم فيهم عروة بن الزبير: كأنّ عائشة أشارت إلى ما أشاعته الرافضة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم أوصى إلى عليٍّ ( ع ) بالخلافة وأن يوفي ديونه(١) !

لكن لا العسقلاني ولا الزهري ولا جماعة أهل العلم يشاءون أن يتقدّموا في التحقيق خطوة واحدة إلى الاَمام؛ لاَنّ الخطوة اللاحقة سوف تنفض أيديهم ممّا وضعه فيها حديث عائشة!

فالسيّدة أُمّ سَلَمة أقسمت على كذب الحديث المرويّ عن عائشة، حين أقسمت أنّ آخر الناس عهداً بالنبيّ هو عليّ بن أبي طالب! قالت: (والذي أحلف به، إنْ كان عليٌّ لاَقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عُدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداةً بعد غداة يقول: «جاء عليّ»؟ مراراً، فجاء

____________________

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٨: ١٢٢.

١١٦

بعد، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنتُ من أدناهم إلى الباب، فأكبّ عليه عليٌّ، فجعل يُسارّه ويناجيه، ثمّ قُبض صلى الله عليه وآله وسلم من يومه ذاك وكان أقرب الناس به عهداً)(١) .

فالصحابة كانوا يعرفون ذلك وإنْ أنكرته عائشة، فدخل حديثها صحيح البخاري دون حديث أُمّ سلمة الذي كان رجاله من رجال الصحيح!

والحوارات التي أدارها عمر بن الخطّاب مع ابن عبّاس هي الاُخرى حوارات كاشفة عن هذا المعنى:

ففي أحدها: يكشف عمر عن معرفته بذلك فيقول: (لقد كان النبيّ يَربَع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه، فمنعتُ من ذلك، إشفاقاً وحيطةً على الاِسلام! وربِّ هذه البَنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً).

أمّا ابن عبّاس فيؤكّد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد نصّ على عليٍّ ( ع )، وأنّه سمع ذلك من عليٍّ والعبّاس(٢) .

وفي أُخرى: يؤكّد عمر إرادة قريش، فيقول: كرهت قريش أن تجتمع فيكم النبوّة والخلافة فتجخفوا جخفاً(٣) ، فنظرتْ قريش لنفسها فاختارت!!

____________________

(١) مسند أحمد ٦: ٣٠٠، وصحّحه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ١١٢.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٢: ٢١ عن أحمد بن أبي طاهر في (تاريخ بغداد).

(٣) الجخف: التكبّر.

١١٧

لكنّ ابن عبّاس يحمل على هذه الحجّة حملاً عنيفاً، متسلّحاً بآي القرآن هذه المرّة، فيقول: (أمّا قولك: كرهت قريش! فإنّ الله تعالى قال لقوم:( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) (١) .

وأمّا قولك: إنّا كنّا نجخف! فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، لكنّا قوم أخلاقنا مشتقّة من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال له الله تعالى:( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) وقال له:( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) .

وأمّا قولك: فإنّ قريشاً اختارت! فإنّ الله تعالى يقول:( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (٤) .

وقد علمتَ يا أمير المؤمنين أنّ الله اختار من خَلقه لذلك مَن اختار! فلو نظرتْ قريش من حيث نظر الله لها لَوُفِّقَت وأصابت)!!

ولهذا الحوار مصادره المهمّة أيضاً(٥) .

وهذه هي نظريّة النصّ في إطارها التامّ:( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) ، وإنّ الله اختار مِن خلقه لهذا الاَمر مَن اختار..

والحوار الطويل الذي أداره عثمان أيّام خلافته مع ابن عبّاس، يكشف

____________________

(١) سورة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ٤٧: ٩.

(٢) سورة القلم ٦٨: ٤.

(٣) سورة الشعراء ٢٦: ٢١٥.

(٤) سورة القصص ٢٨: ٦٨.

(٥) تاريخ الطبري ٤: ٢٢٣، الكامل في التاريخ ٣: ٦٣ - ٦٥، شرح نهج البلاغة ١٢: ٥٣ - ٥٤.

١١٨

عن وضوح تامّ لهذه القضيّة، إذ يختم عثمان حديثه بقوله: (ولقد علمتُ أنّ الاَمر لكم، ولكنّ قومكم دفعوكم عنه، واختزلوه دونكم)!

فأكّد ابن عبّاس هذا المعنى في جوابه، وذكر العلّة فيه كما يراها، ويرى أنّها لم تكن خفيّةً أيضاً على عثمان، فيقول: (أمّا صَرفُ قومِنا عنّا الاَمرَ فعن حسدٍ قد والله عرفتَه...)(١) .

هذا كلّه وكثير غيره عرفه الصحابة، وحفظه التاريخ، لهم أو عليهم!

فحقَّ إذن لقائل أن يقول: إنّ غالبية المسلمين حين توفّي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانوا مع الاتّجاه الذي يمثّله الامام عليٌّ بن أبي طالب ( ع ) وأصحابه، لاَنّ النبيّ ( ص ) كان زعيم هذا الاتّجاه(٢) .

لقد كان عامّة المهاجرين والاَنصار لا يشكّون في أنّ الامام علياً هو صاحب الاَمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

النصّ في حديث عليّ:

واضح جدّاً في قراءة تلك الحقبة من التاريخ أنّ عليّاً عليه السلام هو أكثر مَن تبنّى إظهار النصوص والاِشارات الدالّة على اختياره من الله لخلافة الرسول، أو النصّ عليه بالاسم.

فكلماته دالّة على ثبوت الخلافة له بعد الرسول بلا فصل، وأنّ انتقال

____________________

(١) أخرجه الزبير بن بكّار في (الموفّقيّات)، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٩: ٩.

(٢) أحمد عبّاس صالح، مجلّة (الكاتب) القاهرية - يناير ١٩٦٥ م، وعنه محمّد جواد مغنية، الشيعة في الميزان: ٤٣١.

١١٩

الخلافة إلى غيره كان بغير حقّ، بل استئثار وغلَبَة، بل كلماته نصوص صريحة في هذه المعاني كما سنرى هنا.

في حقّه خاصّة:

الامام عليّ عليه السلام هو الذي أعاد إلى الاَذهان أحاديث نبويّةً تبرز حقّه في الخلافة بلا منازع، لم يكن مأذوناً بها أيّام الخلفاء، إذ منعوا من الحديث إلاّ ما كان في فريضة، يريدون بها الاَحكام وفروع العبادات:

١ - فقد جمع الناس أيّام خلافته فخطبهم خطبته المنقولة بالتواتر، يناشد فيها أصحاب رسول الله مَن سمع منهم رسولَ الله بغدير خمّ يخطب فيقول: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» إلاّ قام فشهد(١) .

٢ - وعليٌّ ( ع ) هو الذي أعاد نشر حديث آخر يقدّمه على أبي بكر وعمر خاصّة، إذ أخبر النبيّ أنّ مِن أصحابه مَن يقاتل بعده على تأويل القرآن كما قاتل هو صلى الله عليه وآله وسلم على تنزيله، فتمنّى أبو بكر أن يكون هو ذلك الرجل، فلم يصدّق النبيّ أُمنيّته، بل قال له «لا»! فتمنّى ذلك عمر لنفسه فلم يكن أحسن حظّاً من أبي بكر، ثمّ قطع النبيّ الاَمانيّ كلّها حين أخبرهم أنّه عليٌّ، لا غير(٢) !

هذه الاَحاديث وغيرها وإنْ رُويت عن غيره إلاّ أنّ روايتها عنه امتازت بكونها خُطَباً على جمهور الناس، لا حديثاً لواحد أو لبضعة نفر، وهذا أبلغ في التأكيد على حقّه الثابت له، وأيقن بأنّ كثيراً من الصحابة كانوا يعرفونه ولا يجهلونه!

____________________

(١) تقدّم مع مصادره، راجع صفحة ٩١.

(٢) سنن الترمذي ٥ | ٣٧١٥، السنن الكبرى - للنساني - ٥ | ٨٤١٦. وقد تقدّم.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133