كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٥

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 260

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 260
المشاهدات: 40198
تحميل: 5500


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40198 / تحميل: 5500
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء الخامس

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله أجمعين

58 و قال ع لما عزم على حرب الخوارج و قيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان

مَصَارِعُهُمْ دُونَ اَلنُّطْفَةِ وَ اَللَّهِ لاَ يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَ لاَ يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ قال الرضيرحمه‌الله يعنى بالنطفة ماء النهر و هي أفصح كناية عن الماء و إن كان كثيرا جما و قد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند مضي ما أشبهه هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره و نقل الناس كافة له و هو من معجزاته و أخباره المفصلة عن الغيوب و الأخبار على قسمين أحدهما الأخبار المجملة و لا إعجاز فيها نحو أن يقول الرجل لأصحابه إنكم

٣

ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا فإن نصر جعل ذلك حجة له عند أصحابه و سماها معجزة و إن لم ينصر قال لهم تغيرت نياتكم و شككتم في قولي فمنعكم الله نصره و نحو ذلك من القول و لأنه قد جرت العادة أن الملوك و الرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر و النصر و يمنونهم الدول فلا يدل وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمن إعجاز. و القسم الثاني في الأخبار المفصلة عن الغيوب مثل هذا الخبر فإنه لا يحتمل التلبيس لتقييده بالعدد المعين في أصحابه و في الخوارج و وقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة و لا نقصان و ذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول الله ص و عرفه رسول الله ص من جهة الله سبحانه و القوة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا و لقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره و بمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته و أحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا حتى نسب إلى أن الجوهر الإلهي حل في بدنه كما قالت النصارى في عيسى ع و قد أخبره النبي ص بذلك

فقال يهلك فيك رجلان محب غال و مبغض قال و قال له تارة أخرى و الذي نفسي بيده لو لا أني أشفق أن يقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة

٤

ذكر الخبر عن ظهور الغلاة

و أول من جهر بالغلو في أيامه عبد الله بن سبإ قام إليه و هو يخطب فقال له أنت أنت و جعل يكررها فقال له ويلك من أنا فقال أنت الله فأمر بأخذه و أخذ قوم كانوا معه على رأيه

و روى أبو العباس أحمد بن عبيد الله عن عمار الثقفي عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه و عن غيره من مشيخته أن عليا قال يهلك في رجلان محب مطر يضعني غير موضعي و يمدحني بما ليس في و مبغض مفتر يرميني بما أنا منه بري‏ء و قال أبو العباس و هذا تأويل الحديث المروي عن النبي ص فيه و هو

قوله إن فيك مثلا من عيسى ابن مريم أحبته النصارى فرفعته فوق قدره و أبغضته اليهود حتى بهتت أمه قال أبو العباس و قد كان علي عثر على قوم خرجوا من محبته باستحواذ الشيطان عليهم إلى أن كفروا بربهم و جحدوا ما جاء به نبيهم و اتخذوه ربا و إلها و قالوا أنت خالقنا و رازقنا فاستتابهم و توعدهم فأقاموا على قولهم فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها طمعا في رجوعهم فأبوا فحرقهم بالنار

و قال

أ لا ترون قد حفرت حفرا

إني إذا رأيت أمرا منكرا

وقدت ناري و دعوت قنبرا

٥

و روى أصحابنا في كتب المقالات أنه لما حرقهم صاحوا إليه الآن ظهر لنا ظهورا بينا أنك أنت الإله لأن ابن عمك الذي أرسلته قال: لا يعذب بالنار إلا رب النار.

و روى أبو العباس عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه و مشيخته أن عليا مر بهم و هم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال أ سفر أم مرضى قالوا و لا واحدة منهما قال أ فمن أهل الكتاب أنتم قالوا لا قال فما بال الأكل في شهر رمضان نهارا قالوا أنت أنت لم يزيدوه على ذلك ففهم مرادهم فنزل عن فرسه فألصق خده بالتراب ثم قال ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله و ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على أمرهم فنهض عنهم ثم قال شدوهم وثاقا و علي بالفعلة و النار و الحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل إحداهما سربا و الأخرى مكشوفة و ألقى الحطب في المكشوفة و فتح بينهما فتحا و ألقى النار في الحطب فدخن عليهم و جعل يهتف بهم و يناشدهم ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فأمر بالحطب و النار و ألقى عليهم فاحترقوا فقال الشاعر :

لترم بي المنية حيث شاءت

إذا لم ترم بي في الحفرتين

إذا ما حشتا حطبا بنار

فذاك الموت نقدا غير دين

قال فلم يبرح واقفا عليهم حتى صاروا حمما قال أبو العباس ثم إن جماعة من أصحاب علي منهم عبد الله بن عباس شفعوا في عبد الله بن سبإ خاصة و قالوا يا أمير المؤمنين إنه قد تاب فاعف عنه فأطلقه بعد أن اشترط عليه ألا يقيم بالكوفة فقال أين أذهب قال المدائن فنفاه إلى المدائن

٦

فلما قتل أمير المؤمنين ع أظهر مقالته و صارت له طائفة و فرقة يصدقونه و يتبعونه و قال لما بلغه قتل علي و الله لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة لعلمنا أنه لم يمت و لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه فلما بلغ ابن عباس ذلك قال لو علمنا أنه يرجع لما تزوجنا نساءه و لا قسمنا ميراثه قال أصحاب المقالات و اجتمع إلى عبد الله بن سبإ بالمدائن جماعة على هذا القول منهم عبد الله بن صبرة الهمداني و عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي و آخرون غيرهما و تفاقم أمرهم و شاع بين الناس قولهم و صار لهم دعوة يدعون إليها و شبهة يرجعون إليها و هي ما ظهر و شاع بين الناس من إخباره بالمغيبات حالا بعد حال فقالوا إن ذلك لا يمكن أن يكون إلا من الله تعالى أو ممن حلت ذات الإله في جسده و لعمري إنه لا يقدر على ذلك إلا بإقدار الله تعالى إياه عليه و لكن لا يلزم من إقداره إياه عليه أن يكون هو الإله أو تكون ذات الإله حالة فيه و تعلق بعضهم بشبهة ضعيفة نحو قول عمر و قد فقأ علي عين إنسان ألحد في الحرم ما أقول في يد الله فقأت عينا في حرم الله و نحو

قول علي و الله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية بل بقوة إلهية و نحو

قول رسول الله ص لا إله إلا الله وحده صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده و الذي هزم الأحزاب هو علي بن أبي طالب لأنه قتل بارعهم و فارسهم عمرا لما اقتحموا الخندق فأصبحوا صبيحة تلك الليلة هاربين مفلولين من غير حرب سوى قتل فارسهم و قد أومأ بعض شعراء الإمامية إلى هذه المقالة فجعلها من فضائله و ذلك قوله

إذا كنتم ممن يروم لحاقه

فهلا برزتم نحو عمرو و مرحب

٧

و كيف فررتم يوم أحد و خيبر

و يوم حنين مهربا بعد مهرب

أ لم تشهدوا يوم الإخاء و بيعة

الغدير و كل حضر غير غيب

فكيف غدا صنو النفيلي ويحه

أميرا على صنو النبي المرجب

و كيف علا من لا يطأ ثوب أحمد

على من علا من أحمد فوق منكب

إمام هدى ردت له الشمس جهرة

فصلى أداء عصره بعد مغرب

و من قبله أفنى سليمان خيله

رجاء فلم يبلغ بها نيل مطلب

يجل عن الأفهام كنه صفاته

و يرجع عنها الذهن رجعة أخيب

فليس بيان القول عنه بكاشف

غطاء و لا فصل الخطاب بمعرب

و حق لقبر ضم أعضاء حيدر

و غودر منه في صفيح مغيب

٨

يكون ثراه سر قدس ممنع

و حصباؤه من نور وحي محجب

و تغشاه من نور الإله غمامة

تغاديه من قدس الجلال بصيب

و تنقض أسراب النجوم عواكفا

على حجرتيه كوكب بعد كوكب

فلولاك لم ينج ابن متى و لا خبا

سعير لإبراهيم بعد تلهب

و لا فلق البحر ابن عمران بالعصا

و لا فرت الأحزاب عن أهل يثرب

و لا قبلت من عابد صلواته

و لا غفر الرحمن زلة مذنب

و لم يغل فيك المسلمون جهالة

و لكن لسر في علاك مغيب

و قالوا أيضا إن بكريا و شيعيا تجادلا و احتكما إلى بعض أهل الذمة ممن لا هوى له مع أحد الرجلين في التفضيل فأنشدهما

كم بين من شك في عقيدته

و بين من قيل إنه الله

طرق الإخبار عن الغيوب

فأما الإخبار عن الغيوب فلمعترض أن يقول قد يقع الإخبار عن الغيوب من طريق النجوم فإن المنجمين قد اتفقوا على أن شكلا من أشكال الطالع إذا وقع لمولود اقتضى أن يكون صاحبه متمكنا من الإخبار عن الغيوب و قد يقع الإخبار عن الغيوب من الكهان كما يحكى عن سطيح و شق و سواد بن قارب و غيرهم.

٩

و قد يقع الإخبار عن الغيوب لأصحاب زجر الطير و البهائم كما يحكى عن بني لهب في الجاهلية و قد يقع الإخبار عن الغيوب للقافة كما يحكى عن بني مدلج و قد يخبر أرباب النيرنجات و أرباب السحر و الطلسمات بالمغيبات و قد يقع الإخبار عن الغيوب لأرباب النفس الناطقة القوية الصافية التي تتصل مادتها الروحانية على ما تقوله الفلاسفة و قد يقع الإخبار عن الغيوب بطريق المنامات الصادقة على ما رآه أكثر الناس و قد وردت الشريعة نصا به و قد يقع الإخبار عن الغيوب بأمر صناعي يشبه الطبيعي كما رأيناه عن أبي البيان و ابنه و قد يقع الإخبار عن الغيوب بواسطة إعلام ذلك الغيب إنسانا آخر لنفسه بنفس ذلك المخبر اتحاد أو كالاتحاد و ذلك كما يحكي أبو البركات بن ملكا الطبيب في كتاب المعتبر قال و المرأة العمياء التي رأيناها ببغداد و تكررت مشاهدتنا لها منذ مدة مديدة قدرها ما يقارب ثلاثين سنة و هي على ذلك إلى الآن تعرض عليها الخبايا فتدل عليها بأنواعها و أشكالها و مقاديرها و أعدادها غريبها و مألوفها دقيقها

١٠

و جليلها تجيب على أثر السؤال من غير توقف و لا استعانة بشي‏ء من الأشياء إلا أنها كانت تلتمس أن ترى الذي يسأل عنه أبوها أو يسمعه في بعض الأوقات دون بعض و عند قوم دون قوم فيتصور في أمرها أن الذي تقوله بإشارة من أبيها و كان الذي تقوله يبلغ من الكثرة إلى ما يزيد على عشرين كلمة إذا قيل بصريح الكلام الذي هو الطريق الأخصر و إنما كان أبوها يقول إذا رأى ما يراه من أشياء كثيرة مختلفة الأنواع و الأشكال في مدة واحدة كلمة واحدة و أقصاه كلمتان و هي التي يكررها في كل قول و مع كل ما يسمع و يرى سلها و سلها تخبرك أو قولي له أو قولي يا صغيرة قال أبو البركات و لقد عاندته يوما و حاققته في ألا يتكلم البتة و أريته عدة أشياء فقال لفظة واحدة فقلت له الشرط أملك فاغتاظ و احتد طيشه عن أن يملك نفسه فباح بخبيئته قال و مثلك يظن أنني أشرت إلى هذا كله بهذه اللفظة فاسمع الآن ثم التفت إليها و أخذ يشير بإصبعه إلى شي‏ء و هو يقول تلك الكلمة و هي تقول هذا كذا و هذا كذا على الاتصال من غير توقف و هو يقول تلك الكلمة لا زيادة عليها و هي لفظة واحدة بلحن واحد و هيئة واحدة حتى ضجرنا و اشتد تعجبنا و رأينا أن هذه الإشارة لو كانت تتضمن هذه الأشياء لكانت أعجب من كل ما تقوله العمياء قال أبو البركات و من عجيب ما شاهدناه من أمرها أن أباها كان يغلط في شي‏ء يعتقده على خلاف ما هو به فتخبر هي عنه على معتقد أبيها كان نفسها هي نفسه قال أبو البركات و رأيناها تقول ما لا يعلمه أبوها من خبيئة في الخبيئة التي اطلع عليها أبوها فكانت تطلع على ما قد علمه أبوها و على ما لم يعلمه أبوها و هذا أعجب و أعجب

١١

قال أبو البركات و حكاياتها أكثر من أن تعد و عند كل أحد من الناس من حديثها ما ليس عند الآخر لأنها كانت تقول من ذلك على الاتصال لشخص شخص جوابا بحسب السؤال قال و ما زلت أقول إن من يأتي بعدنا لا يصدق ما رأيناه منها فإن قلت لي أريد أن تفيدني العلة في معرفة المغيبات هذه قلت لك العلة التي تصلح في جواب لم في نسبة المحمول إلى الموضوع تكون الحد الأوسط في القياس و هذه فالعلة الفاعلة الموجبة لذلك فيها هي نفسها بقوتها و خاصتها فما الذي أقوله في هذا و هل لي أن أجعل ما ليس بعلة علة و اعلم أنا لا ننكر أن يكون في نوع البشر أشخاص يخبرون عن الغيوب و لكن كل ذلك مستند إلى البارئ سبحانه بإقداره و تمكينه و تهيئة أسبابه فإن كان المخبر عن الغيوب ممن يدعي النبوة لم يجز أن يكون ذلك إلا بإذن الله سبحانه و تمكينه و أن يريد به تعالى استدلال المكلفين على صدق مدعى النبوة لأنه لو كان كاذبا لكان يجوز أن يمكن الله تعالى الجن من تعليمه ذلك إضلالا للمكلفين و كذلك لا يجوز أن يمكن سبحانه الكاذب في ادعاء النبوة من الإخبار عن الغيب بطريق السحر و تسخير الكواكب و الطلسمات و لا بالزجر و لا بالقيافة و لا بغير ذلك من الطرق المذكورة لما فيه من استفساد البشر و إغوائهم و أما إذا لم يكن المخبر عن الغيوب مدعيا للنبوة نظر في حاله فإن كان ذلك من الصالحين الأتقياء نسب ذلك إلى أنه كرامة أظهرها الله تعالى على يده إبانة له و تمييزا

١٢

من غيره كما في حق علي ع و إن لم يكن كذلك أمكن أن يكون ساحرا أو كاهنا أو نحو ذلك و بالجملة فصاحب هذه الخاصية أفضل و أشرف ممن لا تكون فيه من حيث اختصاصه بها فإن كان للإنسان العاري منها مزية أخرى يختص بها توازيها أو تزيد عليها فنرجع إلى التمييل و الترجيح بينهما و إلا فالمختص بهذه الخاصية أرجح و أعظم من الخالي منها على جميع الأحوال

١٣

59 و قال لما قتل الخوارج

و قيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم : كَلاَّ وَ اَللَّهِ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلاَبِ اَلرِّجَالِ وَ قَرَارَاتِ اَلنِّسَاءِ وَ كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلاَّبِينَ نجم ظهر و طلع قرارات النساء كناية لطيفة عن الأرحام و من الكنايات اللطيفة الجارية هذا المجرى قوله تعالى( أَوْ لامَسْتُمُ اَلنِّساءَ ) يعني الجماع و قوله تعالى( إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً ) . و قوله( شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ ) يعني الفروج

١٤

و قول رسول الله ص للحادي يا أنجشة رفقا بالقوارير يعني النساء

الكناية و الرموز و التعريض مع ذكر مثل منها

و الكناية إبدال لفظة يستحى من ذكرها أو يستهجن ذكرها أو يتطير بها و يقتضي الحال رفضها لأمر من الأمور بلفظة ليس فيها ذلك المانع و من هذا الباب قول إمرئ القيس

سموت إليها بعد ما نام أهلها

سمو حباب الماء حالا على حال

فقالت لك الويلات إنك فاضحي

ألست ترى السمار و الناس أحوالي

فلما تنازعنا الحديث و أسمحت

هصرت بغصن ذي شماريخ ميال

فصرنا إلى الحسنى و رق كلامنا

و رضت فذلت صعبة أي إذلال

قوله فصرنا إلى الحسنى كناية عن الرفث و مقدمات الجماع و قال ابن قتيبة تمازح معاوية و الأحنف فما رئي مازحان أوقر منهما قال

١٥

معاوية يا أبا بحر ما الشي‏ء الملفف في البجاد فقال السخينة يا أمير المؤمنين و إنما كنى معاوية عن رمي بني تميم بالنهم و حب الأكل بقول القائل:

إذا ما مات ميت من تميم

فسرك أن يعيش فجي‏ء بزاد

بخبز أو بتمر أو بسمن

أو الشي‏ء الملفف في البجاد

تراه يطوف في الآفاق حرصا

ليأكل رأس لقمان بن عاد

و أراد الشاعر وطب اللبن فقال الأحنف هو السخينة يا أمير المؤمنين لأن قريشا كانت تعير بأكل السخينة قبل الإسلام لأن أكثر زمانها كان زمان قحط و السخينة ما يسخن بالنار و يذر عليه دقيق و غلب ذلك على قريش حتى سميت سخينة قال حسان:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

و ليغلبن مغالب الغلاب

فعبر كل واحد من معاوية و الأحنف عما أراده بلفظ غير مستهجن و لا مستقبح و علم كل واحد منهما مراد صاحبه و لم يفهم الحاضرون ما دار بينهما و هذا من باب التعريض و هو قريب من الكناية و من كنايات الكتاب العزيز أيضا قوله تعالى( وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها ) كنى بذلك عن مناكح النساء و منها قوله تعالى( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) كنى عن مواقع النسل بمواقع الحرث

١٦

و مما ورد في الأخبار النبوية في هذا الباب الخبر الذي فيه أن المرأة قالت للرجل القاعد منها مقعد القابلة لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فقام عنها و تركها و قد أخذ الصاحب بن عباد هذه اللفظة فقال لأبي العلاء الأسدي الأصفهاني و قد دخل بزوجة له بكر

قلبي على الجمرة يا أبا العلا

فهل فتحت الموضع المقفلا

و هل فضضت الكيس عن ختمه

و هل كحلت الناظر الأحولا

و أنشد الفرزدق في سليمان بن عبد الملك شعرا قال فيه

دفعن إلي لم يطمثن قبلي

و هن أصح من بيض النعام

فبتن بجانبي مصرعات

و بت أفض أغلاق الختام

فاستنكر سليمان ذلك و كان غيورا جدا و قال له قد أقررت بالزنا فلأجلدنك فقال يا أمير المؤمنين إني شاعر و إن الله يقول في الشعراء( وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ) و قد قلت ما لم أفعل قال سليمان نجوت بها

و من الأخبار النبوية أيضا : قوله ع في الشهادة على الزنا حتى تشاهد الميل في المكحلة

١٧

و منها قوله ع للمرأة التي استفتته في الذي استخلت له و لم يستطع جماعها لا حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسيلتك و منها قول المرأة التي شكت إلى عائشة زوجها أنه يطمح بصره إلى غيرها إني عزمت على أن أقيد الجمل إشارة إلى ربطه

و منها قول عمر يا رسول الله هلكت قال و ما أهلكك قال حولت رحلي فقال ع أقبل و أدبر و اتق الحيضة ففهم ص ما أراد و رأى عبد الله بن سلام على إنسان ثوبا معصفرا فقال لو أن ثوبك في تنور أهلك لكان خيرا لك فذهب الرجل فأحرق ثوبه في تنور أهله و ظن أنه أراد الظاهر و لم يرد ابن سلام ذلك و إنما أراد لو صرف ثمنه في دقيق يخبزه في تنور أهله

و من ذلك قوله ص : إياكم و خضراء الدمن و الدمن جمع دمنة و هي المزبلة فيها البعر تنبت نباتا أخضر و كنى بذلك عن المرأة الحسناء في منبت السوء و من ذلك قولهم إياك و عقيلة الملح لأن الدرة تكون في الماء الملح و مرادهم النهي عن المرأة الحسناء و أهلها أهل سوء و من ذلك قولهم لبس له جلد النمر و قلب له ظهر المجن و قال أبو نواس

لا أذود الطير عن شجر

قد بلوت المر من ثمره

١٨

و قد فسر قوم قوله تعالى( وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ) فقالوا أراد و إذا عبروا عن اللفظ بما يقبح ذكره كنوا عنه فسمى التعبير عن الشي‏ء مرورا به و سمى الكناية عنه كرما و من ذلك أن بنت أعرابية صرخت و قالت لسعتني العقرب فقالت أمها أين فقالت موضع لا يضع الراقي فيه أنفه كنت بذلك عن السوأة. و من هذا الباب قوله سبحانه( مَا اَلْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ اَلطَّعامَ ) قال كثير من المفسرين هو كناية عن الغائط لأنه يكون من الطعام فكني عنه إذا هو منه مسبب كما كنوا عن السمة بالنار فقالوا ما نار تلك أي ما سمتها و منه قول الشاعر:

قد وسموا آبالهم بالنار

و النار قد تشفي من الأوار

و هذا من أبيات المعاني يقول هم أهل عز و منعة فسقى راعيهم إبلهم بالسمات التي على الإبل و علم المزاحمون له في الماء أنه لا طاقة لهم بمنازعتهم عليه لعزهم فكانت السمات سببا لسقيها و الأوار العطش فكنى سبحانه بقوله( يَأْكُلانِ اَلطَّعامَ ) عن إتيان الغائط لما كان أكل الطعام سببا له كما كنى الشاعر بالنار عن السمة لما كانت النار سبب السمة

١٩

و من هذا الباب قوله سبحانه( وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضى‏ بَعْضُكُمْ إِلى‏ بَعْضٍ ) كنى بالإفضاء عن الجماع

و من الأحاديث النبوية : من كشف قناع امرأة وجب عليه مهرها كنى عن الدخول بها بكشف القناع لأنه يكشف في تلك الحالة غالبا و العرب تقول في الكناية عن العفة ما وضعت مومسة عنده قناعا

و من حديث عائشة كان رسول الله ص يصيب من رءوس نسائه و هو صائم كنت بذلك عن القبلة و من ذلك قوله تعالى( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ ) كنى بذلك عن الجماع و المخالطة و قال النابغة الجعدي:

إذا ما الضجيع ثنى عطفها

تثنت فكانت عليه لباسا

و قد كنت العرب عن المرأة بالريحان و بالسرحة قال ابن الرقيات:

لا أشم الريحان إلا بعيني

كرما إنما تشم الكلاب

أي أقنع من النساء بالنظر و لا أرتكب منهن محرما و قال حميد بن ثور الهلالي:

أبى الله إلا أن سرحة مالك

على كل أفنان العضاه تروق

فيا طيب رياها و برد ظلالها

إذا حان من حامي النهار وديق

٢٠