كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٥

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 260

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 260
المشاهدات: 40472
تحميل: 5577


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40472 / تحميل: 5577
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

قلت هذا حريث بن جابر هو الذي كتب معاوية إلى زياد في أمره بعد عام الجماعة و حريث عامل لزياد على همدان أما بعد فاعزل حريث بن جابر عن عمله فما ذكرت مواقفه بصفين إلا كانت حزازة في صدري فكتب إليه زياد خفض عليك يا أمير المؤمنين فإن حريثا قد بلغ من الشرف مبلغا لا تزيده الولاية و لا ينقصه العزل قال نصر فاضطرب الناس يومئذ بالسيوف حتى تقطعت و تكسرت و صارت كالمناجل و تطاعنوا بالرماح حتى تقصفت و تناثرت أسنتها ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب يحثو بعضهم التراب في وجه بعض ثم تعانقوا و تكادموا بالأفواه ثم تراموا بالصخر و الحجارة ثم تحاجزوا فكان الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام فيقول كيف آخذ إلى رايات بني فلان فيقولون هاهنا لا هداك الله و يمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق فيقول كيف آخذ إلى راية بني فلان فيقولون هاهنا لا حفظك الله و لا عافاك قال نصر و قال معاوية لعمرو بن العاص أ ما ترى يا أبا عبد الله إلى ما قد دفعنا كيف ترى أهل العراق غدا صانعين إنا لبمعرض خطر عظيم فقال له إن أصبحت غدا ربيعة و هم متعطفون حول علي ع تعطف الإبل حول فحلها لقيت منهم جلادا صادقا و بأسا شديدا و كانت التي لا يتعزى لها فقال معاوية أ يجوز أنك تخوفنا يا أبا عبد الله قال إنك سألتني فأجبتك فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا و ربيعة محدقة بعلي ع إحداق بياض العين بسوادها

٢٤١

قال نصر فحدثني عمرو قال لما أصبح علي ع هذا اليوم جاء فوقف بين رايات ربيعة فقال عتاب بن لقيط البكري من بني قيس بن ثعلبة يا معشر ربيعة حاموا عن علي منذ اليوم فإن أصيب فيكم افتضحتم أ لا ترونه قائما تحت راياتكم و قال لهم شقيق بن ثور يا معشر ربيعة ليس لكم عذر عند العرب إن وصل إلى علي و فيكم رجل حي فامنعوه اليوم و اصدقوا عدوكم اللقاء فإنه حمد الحياة تكسبونه فتعاهدت ربيعة و تحالفت بالأيمان العظيمة منها تبايع سبعة آلاف على ألا ينظر رجل منهم خلفه حتى يردوا سرادق معاوية فقاتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا لم يكن قبله مثله و أقبلوا نحو سرادق معاوية فلما نظر إليهم قد أقبلوا قال

إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت

كتائب منها كالجبال تجالد

ثم قال لعمرو يا عمرو ما ترى قال أرى ألا تحنث أخوالي اليوم فقام معاوية و خلى لهم سرادقه و رحله و خرج فارا عنه لائذا ببعض مضارب العسكر في أخريات الناس فدخله و انتهبت ربيعة سرادقه و رحله و بعث إلى خالد بن المعمر إنك قد ظفرت و لك إمرة خراسان أن لم تتم فقطع خالد القتال و لم يتمه و قال لربيعة قد برت أيمانكم فحسبكم فلما كان عام الجماعة و بايع الناس معاوية أمره معاوية على خراسان و بعثه إليها فمات قبل أن يبلغها قال نصر في حديث عمرو بن سعد أن عليا ع صلى بهم هذا اليوم صلاة الغداة ثم زحف بهم فلما أبصروه قد خرج استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثم إن خيل أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب علي ع ألف رجل أو أكثر فأحاطوا بهم و حالوا بينهم و بين أصحابهم فلم يروهم فنادى

٢٤٢

علي ع يومئذ أ لا رجل يشري نفسه لله و يبيع دنياه بآخرته فأتاه رجل من جعف يقال له عبد العزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه غراب مقنع في الحديد لا يرى منه إلا عيناه فقال يا أمير المؤمنين مرني بأمرك فو الله لا تأمرني بشي‏ء إلا صنعته فقال علي ع

سمحت بأمر لا يطاق حفيظة

و صدقا و إخوان الوفاء قليل

جزاك إله الناس خيرا فإنه

لعمرك فضل ما هناك جزيل

يا أبا الحارث شد الله ركنك احمل على أهل الشام حتى تأتي أصحابك فتقول لهم إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام و يقول لكم هللوا و كبروا من ناحيتكم و نهلل نحن و نكبر من هاهنا و احملوا من جانبكم و نحمل نحن من جانبنا على أهل الشام فضرب الجعفي فرسه حتى إذا أقامه على أطراف سنابكه حمل على أهل الشام المحيطين بأصحاب علي ع فطاعنهم ساعة و قاتلهم فأفرجوا له حتى خلص إلى أصحابه فلما رأوه استبشروا به و فرحوا و قالوا ما فعل أمير المؤمنين قال صالح يقرئكم السلام و يقول لكم هللوا و كبروا و احملوا حملة شديدة من جانبكم و نهلل نحن و نكبر و نحمل من جانبنا ففعلوا ما أمرهم به و هللوا و كبروا و هلل علي ع و كبر هو و أصحابه و حمل على أهل الشام و حملوا هم من وسط أهل الشام فانفرج القوم عنهم و خرجوا و ما أصيب منهم رجل واحد و لقد قتل من فرسان الشام يومئذ زهاء سبعمائة إنسان قال علي ع من أعظم الناس اليوم غناء فقالوا أنت يا أمير المؤمنين فقال كلا و لكنه الجعفي

٢٤٣

قال نصر و كان علي ع لا يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق ذلك على مضر و أظهروا لهم القبيح و أبدوا ذات أنفسهم فقال الحضين بن المنذر الرقاشي شعرا أغضبهم به من جملته

أرى مضرا صارت ربيعة دونها

شعار أمير المؤمنين و ذا الفضل

فأبدوا لنا مما تجن صدورهم

هو السوء و البغضاء و الحقد و الغل

فأبلوا بلانا أو أقروا بفضلنا

و لن تلحقونا الدهر ما حنت الإبل

فقام أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني و عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي و قبيصة بن جابر الأسدي و عبد الله بن الطفيل العامري في وجوه قبائلهم فأتوا عليا ع فتكلم أبو الطفيل فقال أنا و الله يا أمير المؤمنين ما نحسد قوما خصهم الله منك بخير و إن هذا الحي من ربيعة قد ظنوا أنهم أولى بك منا فاعفهم عن القتال أياما و اجعل لكل امرئ منا يوما يقاتل فيه فإنا إذا اجتمعنا اشتبه عليك بلاؤنا فقال علي ع نعم أعطيكم ما طلبتم و أمر ربيعة أن تكف عن القتال و كانت بإزاء اليمن من صفوف أهل الشام فغدا أبو الطفيل عامر بن واثلة في قومه من كنانة و هم جماعة عظيمة فتقدم أمام الخيل و يقول طاعنوا و ضاربوا ثم حمل و ارتجز فقال

قد ضاربت في حربها كنانه

و الله يجزيها به جنانه

من أفرغ الصبر عليه زانه

أو غلب الجبن عليه شانه

أو كفر الله فقد أهانه

غدا يعض من عصى بنانه

٢٤٤

فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف أبو الطفيل إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين إنك أنبأتنا أن أشرف القتل الشهادة و أحظى الأمر الصبر و قد و الله صبرنا حتى أصبنا فقتيلنا شهيد و حينا سعيد فليطلب من بقي ثأر من مضى فإنا و إن كنا قد ذهب صفونا و بقي كدرنا فإن لنا دينا لا يميل به الهوى و يقينا لا تزحمه الشبهة فأثنى علي ع عليه خيرا ثم غدا في اليوم الثاني عمير بن عطارد بجماعة من بني تميم و هو يومئذ سيد مضر الكوفة فقال يا قوم إني أتبع آثار أبي الطفيل فاتبعوا آثار كنانة ثم قدم رايته و ارتجز فقال

قد ضاربت في حربها تميم

إن تميما خطبها عظيم

لها حديث و لها قديم

إن الكريم نسله كريم

دين قويم و هوى سليم

إن لم تردهم رايتي فلوموا

ثم طعن برايته حتى خضبها و قاتل أصحابه قتالا شديدا حتى أمسوا و انصرف عمير إلى علي ع و عليه سلاحه فقال يا أمير المؤمنين قد كان ظني بالناس حسنا و قد رأيت منهم فوق ظني بهم قاتلوا من كل جهة و بلغوا من عفوهم جهد عدوهم و هم لهم إن شاء الله ثم غدا في اليوم الثالث قبيصة بن جابر الأسدي في بني أسد و قال لأصحابه يا بني أسد أما أنا فلا أقصر دون صاحبي و أما أنتم فذاك إليكم ثم تقدم برايته و قال

قد حافظت في حربها بنو أسد

ما مثلها تحت العجاج من أحد

٢٤٥

أقرب من يمن و أنأى من نكد

كأننا ركنا ثبير أو أحد

لسنا بأوباش و لا بيض البلد

لكننا المحة من ولد معد

فقاتل القوم إلى أن دخل الليل ثم انصرفوا ثم غدا في اليوم الرابع عبد الله بن الطفيل العامري في جماعة هوازن فحارب بهم حتى الليل ثم انصرفوا قال نصر فانتصفوا المضرية من الربعية و ظهر أثرها و عرف بلاؤها و قال أبو الطفيل

و حامت كنانة في حربها

و حامت تميم و حامت أسد

و حامت هوازن يوم اللقا

فما خام منا و منهم أحد

لقينا الفوارس يوم الخميس

و العيد و السبت ثم الأحد

لقينا قبائل أنسابهم

إلى حضرموت و أهل الجند

فأمدادهم خلف آذانهم

و ليس لنا من سوانا مدد

فلما تنادوا بآبائهم

دعونا معدا و نعم المعد

فظلنا نفلق هاماتهم

و لم نك فيها ببيض البلد

و نعم الفوارس يوم اللقا

فقل في عديد و قل في عدد

و قل في طعان كفرغ الدلاء

و ضرب عظيم كنار الوفد

و لكن عصفنا بهم عصفة

و في الحرب يمن و فيها نكد

طحنا الفوارس وسط العجاج

و سقنا الزعانف سوق النقد

٢٤٦

و قلنا علي لنا والد

و نحن له طاعة كالولد

قال نصر و حدثنا عمرو عن الأشعث بن سويد عن كردوس قال كتب عقبة بن مسعود عامل علي على الكوفة إلى سليمان بن صرد الخزاعي و هو مع علي بصفين أما بعد فإنهم( إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم و لن تفلحوا إذا أبدا ) فعليك بالجهاد و الصبر مع أمير المؤمنين و السلام

قال نصر و حدثنا عمرو بن سعد و عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر قال قام علي ع فخطب الناس بصفين فقال الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر و الفاجر و على حججه البالغة على خلقه من أطاعه فيهم و من عصاه أن يرحم فبفضله و منه و إن عذب فبما كسبت أيديهم و إن الله ليس بظلام للعبيد أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و أستعينه على ما نابنا من أمر الدنيا و الآخرة و أتوكل عليه و كفى بالله وكيلا ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحق ارتضاه لذلك و كان أهله و اصطفاه لتبليغ رسالته و جعله رحمة منه على خلقه فكان علمه فيه رءوفا

٢٤٧

رحيما أكرم خلق الله حسبا و أجملهم منظرا و أسخاهم نفسا و أبرهم لوالد و أوصلهم لرحم و أفضلهم علما و أثقلهم حلما و أوفاهم لعهد و آمنهم على عقد لم يتعلق عليه مسلم و لا كافر بمظلمة قط بل كان يظلم فيغفر و يقدر فيصفح حتى مضى ص مطيعا لله صابرا على ما أصابه مجاهدا في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ص فكان ذهابه أعظم المصيبة على أهل الأرض البر و الفاجر ثم ترك فيكم كتاب الله يأمركم بطاعة الله و ينهاكم عن معصيته و قد عهد إلى رسول الله عهدا فلست أحيد عنه و قد حضرتم عدوكم و علمتم أن رئيسهم منافق يدعوهم إلى النار و ابن عم نبيكم معكم و بين أظهركم يدعوكم إلى الجنة و إلى طاعة ربكم و العمل بسنة نبيكم و لا سواء من صلى قبل كل ذكر لم يسبقني بصلاة مع رسول الله أحد و أنا من أهل بدر و معاوية طليق و ابن طليق و الله أنا على الحق و إنهم على الباطل فلا يجتمعن على باطلهم و تتفرقوا عن حقكم حتى يغلب باطلهم حقكم قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم فقام أصحابه فقالوا يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى عدونا و عدوك إذا شئت فو الله ما نريد بك بدلا بل نموت معك و نحيا معك فقال لهم و الذي نفسي بيده لنظر إلى النبي ص أضرب بين يديه بسيفي هذا فقال لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي و قال لي يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي

٢٤٨

و موتك و حياتك يا علي معي و الله ما كذب و لا كذبت و لا ضل و لا ضللت و لا ضل بي و لا نسيت ما عهد إلى و إني على بينة من ربي و على الطريق الواضح ألقطه لقطا ثم نهض إلى القوم فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق الأحمر و ما كانت صلاة القوم في ذلك اليوم إلا تكبيرا قال و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن صعصعة بن صوحان قال برز في بعض أيام صفين رجل من حمير من آل ذي يزن اسمه كريب بن الصباح ليس في الشام يومئذ رجل أشهر بالبأس و النجدة منه فنادى من يبارز فخرج إليه المرتفع بن الوضاح الزبيدي فقتله ثم نادى من يبارز فخرج إليه الحارث بن الجلاح فقتله ثم نادى من يبارز فخرج إليه عابد بن مسروق الهمداني فقتله ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض و قام عليها بغيا و اعتداء و نادى من يبارز فخرج إليه علي و ناداه ويحك يا كريب إني أحذرك الله و بأسه و نقمته و أدعوك إلى سنة الله و سنة رسوله ويحك لا يدخلنك معاوية النار فكان جوابه له أن قال ما أكثر ما قد سمعت منك هذه المقالة و لا حاجة لنا فيها أقدم إذا شئت من يشتري سيفي و هذا أثره فقال علي لا حول و لا قوة إلا بالله ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها قتيلا يشحط في دمه ثم نادى من يبرز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتله ثم نادى من يبرز فبرز إليه المطاع بن مطلب العنسي

٢٤٩

فقتله ثم نادى من يبرز فلم يبرز إليه أحد فنادى يا معشر المسلمين( الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم و اتقوا الله و اعلموا أن الله مع المتقين ) ويحك يا معاوية هلم إلي فبارزني و لا يقتلن الناس فيما بيننا فقال عمرو بن العاص اغتنمه منتهزا قد قتل ثلاثة من أبطال العرب و إني أطمع أن يظفرك الله به فقال معاوية و الله لن تريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدي اذهب إليك عني فليس مثلي يخدع قال نصر و حدثنا عمرو قال حدثنا خالد بن عبد الواحد الجريري قال حدثني من سمع عمرو بن العاص قبل الوقعة العظمى بصفين و هو يحرض أهل الشام و قد كان منحنيا على قوس فقال الحمد لله العظيم في شأنه القوي في سلطانه العلي في مكانه الواضح في برهانه أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء في كل رزية من بلاء أو شدة أو رخاء و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله ثم إنا نحتسب عند الله رب العالمين ما أصبح في أمة محمد ص من اشتعال نيرانها و اضطراب حبلها و وقوع بأسها بينها فإنا لله و إنا إليه راجعون و الحمد لله رب العالمين أ و لا تعلمون أن صلاتنا و صلاتهم و صيامنا و صيامهم و حجنا و حجهم و قتلنا و قتلهم

٢٥٠

و ديننا و دينهم واحد و لكن الأهواء مختلفة اللهم أصلح هذه الأمة بما أصلحت به أولها و احفظ في ما بينها مع أن القوم قد وطئوا بلادكم و نعوا عليكم فجدوا في قتال عدوكم و استعينوا بالله ربكم و حافظوا على حرماتكم ثم جلس

قال نصر و خطب عبد الله بن العباس أهل العراق يومئذ فقال الحمد لله رب العالمين الذي دحا تحتنا سبعا و سمك فوقنا سبعا و خلق فيما بينهن خلقا و أنزل لنا منهن رزقا ثم جعل كل شي‏ء قدرا يبلى و يفنى غير وجهه الحي القيوم الذي يحيا و يبقى إن الله تعالى بعث أنبياء و رسلا فجعلهم حججا على عباده عذرا أو نذرا لا يطاع إلا بعلمه و إذنه يمن بالطاعة على من يشاء من عباده ثم يثيب عليها و يعصى بعلم منه فيعفو و يغفر بحلمه لا يقدر قدره و لا يبلغ شي‏ء مكانه أحصى كل شي‏ء عددا و أحاط بكل شي‏ء علما و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله إمام الهدى و النبي المصطفى و قد ساقنا قدر الله إلى ما ترون حتى كان مما اضطرب من حبل هذه الأمة و انتشر من أمرها أن معاوية بن أبي سفيان وجد من طغام الناس أعوانا على علي ابن عم رسول الله و صهره و أول ذكر صلى معه بدري قد شهد مع رسول الله ص كل مشاهدة التي فيها الفضل و معاوية مشرك كان يعبد الأصنام و الذي ملك الملك وحده و بان به و كان أهله لقد قاتل علي بن أبي طالب مع رسول الله و هو يقول صدق الله و رسوله و معاوية يقول كذب الله و رسوله فعليكم بتقوى الله و الجد و الحزم و الصبر و الله إنا لنعلم

٢٥١

إنكم لعلى حق و إن القوم لعلى باطل فلا يكونن أولى بالجد على باطلهم منكم في حقكم و إنا لنعلم أن الله سيعذبهم بأيديكم أو بأيدي غيركم اللهم أعنا و لا تخذلنا و انصرنا على عدونا و لا تحل عنا و افتح بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الفاتحين

قال نصر و حدثنا عمرو قال حدثنا عبد الرحمن بن جندب عن جندب بن عبد الله قال قام عمار يوم صفين فقال انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالإحسان فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم و لو درس هذا الدين لم قتلتموه فقلنا لإحداثه فقالوا إنه لم يحدث شيئا و ذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها و يرعونها و لا يبالون لو انهدمت الجبال و الله ما أظنهم يطلبون بدم و لكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها و استمرءوها و علموا أن صاحب الحق لو وليهم لحال بينهم و بين ما يأكلون و يرعون منها إن القوم لم يكن لهم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة و الولاية فخدعوا أتباعهم بأن قالوا قتل إمامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون و لولاها ما بايعهم من الناس رجل اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت و إن تجعل

٢٥٢

لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم ثم مضى و مضى معه أصحابه فدنا من عمرو بن العاص فقال يا عمرو بعت دينك بمصر فتبا لك و طالما بغيت للإسلام عوجا ثم قال اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم انحنى عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت اللهم إني أعلم مما علمتني أني لا أعمل عملا صالحا هذا اليوم هو أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين و لو أعلم اليوم عملا هو أرضى لك منه لفعلته. قال نصر و حدثني عمرو بن سعيد عن الشعبي قال نادى عمار عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له بعت دينك بالدنيا من عدو الله و عدو الإسلام معاوية و طلبت هوى أبيك الفاسق فقال لا و لكني أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم قال كلا أشهد على علمي فيك أنك أصبحت لا تطلب بشي‏ء من فعلك وجه الله و أنك إن لم تقتل

٢٥٣

اليوم فستموت غدا فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك و روى ابن ديزيل في كتاب صفين عن صيف الضبي قال سمعت الصعب بن حكيم بن شريك بن نملة المحاربي يروي عن أبيه عن جده شريك قال كان الناس من أهل العراق و أهل الشام يقتتلون أيام صفين و يتزايلون فلا يستطيع الرجل أن يرجع إلى مكانه حتى يسفر الغبار عنه فاقتتلوا يوما و تزايلوا و أسفر الغبار فإذا علي تحت رايتنا يعني بني محارب

فقال هل من ماء فأتيته بإداوة فخنثتها له ليشرب فقال لا إنا نهينا أن نشرب من أفواه الأسقية ثم علق سيفه و إنه لمخضب بالدم من ظبته إلى قائمه فصببت له على يديه فغسلهما حتى أنقاهما ثم شرب بيديه حتى إذا روى رفع رأسه ثم قال أين مضر فقلت أنت فيهم يا أمير المؤمنين فقال من أنتم بارك الله فيكم فقلنا نحن بنو محارب فعرف موقفه ثم رجع إلى موضعه قلت خنثت الإداوة إذا ثنيت فاها إلى خارج و إنما نهى رسول الله ص عن اختناث الأسقية لأن رجلا اختنث سقاء فشرب فدخل إلى جوفه حية كانت في السقاء

قال ابن ديزيل و روى إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني عبد الملك بن قدامة بن إبراهيم بن حاطب الجمحي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال لي رسول الله ص كيف بك يا عبد الله إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم و مواثيقهم و كانوا هكذا و خالف بين أصابعه فقلت تأمرني بأمرك يا رسول الله قال تأخذ مما تعرف و تدع ما تنكر و تعمل بخاصة نفسك و تدع الناس و هوام أمرهم قال فلما كان يوم صفين قال له أبوه عمرو بن العاص يا عبد الله اخرج فقاتل فقال

٢٥٤

يا أبتاه أ تأمرني أن أخرج فأقاتل و قد سمعت ما سمعت يوم عهد إلى رسول الله ص ما عهد فقال أنشدك الله يا عبد الله أ لم يكن آخر ما عهد إليك رسول الله ص أن أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال أطع أباك فقال اللهم بلى قال فإني أعزم عليك أن تخرج فتقاتل فخرج عبد الله بن عمرو فقاتل يومئذ متقلدا سيفين قال و إن من شعر عبد الله بن عمرو بعد ذلك يذكر عليا بصفين

فلو شهدت جمل مقامي و مشهدي

بصفين يوما شاب منها الذوائب

عشية جا أهل العراق كأنهم

سحاب ربيع رفعته الجنائب

إذا قلت قد ولت سراعا بدت لنا

كتائب منهم و ارجحنت كتائب

و جئناهم فرادى كأن صفوفنا

من البحر مد موجه متراكب

فدارت رحانا و استدارت رحاهم

سراة النهار ما تولى المناكب

فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا

فقلنا بلى إنا نرى أن تضاربوا

و روى ابن ديزيل عن يحيى بن سليمان الجعفي قال حدثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني قال حدثني أبي عن عبد خير الهمداني قال كنت أنا و عبد خير في سفر قلت يا أبا عمارة حدثني عن بعض ما كنتم فيه بصفين فقال لي يا ابن أخي و ما سؤالك فقلت أحببت أن أسمع منك شيئا فقال يا ابن أخي إنا كنا لنصلي الفجر فنصف و يصف أهل الشام و نشرع الرماح إليهم و يشرعون بها نحونا أما لو دخلت تحتها لأظلتك و الله يا ابن أخي إنا كنا لنقف و يقفون في الحرب لا نفتر و لا يفترون حتى نصلي

٢٥٥

العشاء الآخرة ما يعرف الرجل منا طول ذلك اليوم من عن يمينه و لا من عن يساره من شدة الظلمة و النقع إلا بقرع الحديد بعضه على بعض فيبرز منه شعاع كشعاع الشمس فيعرف الرجل من عن يمينه و من عن يساره حتى إذا صلينا العشاء الآخرة جررنا قتلانا إلينا فتوسدناهم حتى نصبح و جروا قتلاهم فتوسدوهم حتى يصبحوا قال قلت له يا أبا عمارة هذا و الله الصبر و روى ابن ديزيل قال كان عمرو بن العاص إذا مر عليه رجل من أصحاب علي فسأل عنه فأخبر به فقال يرى علي و معاوية أنهما بريئان من دم هذا قال ابن ديزيل و روى ابن وهب عن مالك بن أنس قال جلس عمرو بن العاص بصفين في رواق و كان أهل العراق يدفنون قتلاهم و أهل الشام يجعلون قتلاهم في العباء و الأكسية يحملونهم فيها إلى مدافنهم فكلما مر عليه برجل قال من هذا فيقال فلان فقال عمرو كم من رجل أحسن في الله عظيم الحال لم ينج من قتله فلان و فلان قال يعني عليا و معاوية قلت ليت شعري لم برأ نفسه و كان رأسا في الفتنة بل لولاه لم تكن و لكن الله تعالى أنطقه بهذا الكلام و أشباهه ليظهر بذلك شكه و أنه لم يكن على بصيرة من أمره و روى نصر بن مزاحم قال حدثني يحيى بن يعلى قال حدثني صباح المزني عن الحارث بن حصن عن زيد بن أبي رجاء عن أسماء بن حكيم الفزاري قال كنا بصفين مع علي تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى و قد استظللنا برداء أحمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا فقال أيكم عمار بن ياسر فقال عمار أنا عمار قال أبو اليقظان قال نعم قال إن لي إليك حاجة أ فأنطق بها

٢٥٦

سرا أو علانية قال اختر لنفسك أيهما شئت قال لا بل علانية قال فانطق قال إني خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم و أنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصرا حتى ليلتي هذه فإني رأيت في منامي مناديا تقدم فأذن و شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ص و نادى بالصلاة و نادى مناديهم مثل ذلك ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة و تلونا كتابا واحدا و دعونا دعوة واحدة فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلة لا يعلمها إلا الله تعالى حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له فقال هل لقيت عمار بن ياسر قلت لا قال فالقه فانظر ما ذا يقول لك عمار فاتبعه فجئتك لذلك فقال عمار تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي فإنها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول الله ص ثلاث مرات و هذه الرابعة فما هي بخيرهن و لا أبرهن بل هي شرهن و أفجرهن أ شهدت بدرا و أحدا و يوم حنين أو شهدها أب لك فيخبرك عنها قال لا قال فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله ص يوم بدر و يوم أحد و يوم حنين و إن مراكز رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب فهل ترى هذا العسكر و من فيه و الله لوددت أن جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته و ذبحته و الله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور أ فترى دم عصفور حراما قال لا بل حلال قال فإنهم حلال كذلك أ تراني بينت لك قال قد بينت لي قال فاختر أي ذلك أحببت

٢٥٧

فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال أما إنهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا لو لم يكونوا على حق ما أظهروا علينا و الله ما هم من الحق على ما يقذى عين ذباب و الله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق و أنهم على باطل

قال نصر و حدثنا يحيى بن يعلى عن الأصبغ بن نباتة قال جاء رجل إلى علي فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الذين نقاتلهم الدعوة واحدة و الرسول واحد و الصلاة واحدة و الحج واحد فما ذا نسميهم قال سمهم بما سماهم الله في كتابه قال ما كل ما في الكتاب أعلمه قال أ ما سمعت الله تعالى يقول( تِلْكَ اَلرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ ) إلى قوله( وَ لَوْ شاءَ اَللَّهُ مَا اِقْتَتَلَ اَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ اَلْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اِخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ) فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله و بالكتاب و بالنبي و بالحق فنحن الذين آمنوا و هم الذين كفروا و شاء الله قتالهم فقاتلهم بمشيئته و إرادته.

٢٥٨

الفهرس

کتاب شرح نهج البلاغة الجزء الخامس ابن ابي الحديد 1

ذكر الخبر عن ظهور الغلاة 5

طرق الإخبار عن الغيوب 9

الكناية و الرموز و التعريض مع ذكر مثل منها 15

حقيقة الكناية و التعريض و الفرق بينهما 59

مقتل الوليد بن طريف الخارجي و رثاء أخته له 73

خروج ابن عمرو الخثعمي و أمره مع محمد بن يوسف الطائي 74

ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76

عود إلى أخبار الخوارج و ذكر رجالهم و حروبهم 80

مرداس بن حدير 82

عمران بن حطان 91

المستورد السعدي 97

حوثرة الأسدي 98

الرهين المرادي 99

عباد بن أخضر المازني 100

أبو الوازع الراسبي 102

عمران بن الحارث الراسبي 103

عبد الله بن يحيى طالب الحق 106

أبو حمزة الشاري 114

بعت سواري بعضب مخذم 123

أخبار متفرقة عن معاوية 129

٢٥٩

اختلاف الناس في الآجال 133

عظة للحسن البصري 147

من خطب عمر بن عبد العزيز 150

من خطب ابن نباتة 151

اختلاف الأقوال في خلق العالم 157

من أخبار يوم صفين 175

الفهرس 259

٢٦٠