كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٥

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 260

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 260
المشاهدات: 40437
تحميل: 5576


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40437 / تحميل: 5576
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

أخذه الرضيرحمه‌الله تعالى فقال يرثي امرأة

إن لم تكن نصلا فغمد نصول

غالته أحداث الزمان بغول

أو لم تكن بأبي شبول ضيغم

تدمى أظافره فأم شبول

و من الكنايات ما يروى أن رجلا من خواص كسرى أحب الملك امرأته فكان يختلف إليها سرا و تختلف إليه فعلم بذلك فهجرها و ترك فراشها فأخبرت كسرى فقال له يوما بلغني أن لك عينا عذبة و أنك لا تشرب منها فقال بلغني أيها الملك أن الأسد يردها فخفته فتركتها له فاستحسن ذلك منه و وصله و من الكنايات الحسنة قول حاتم

و ما تشتكيني جارتي غير أنني

إذا غاب عنها بعلها لا أزورها

سيبلغها خيري و يرجع بعلها

إليها و لم يسبل على ستورها

فكنى بإسبال الستر عن الفعل لأنه يقع عنده غالبا فأما

قول عمر من أرخى سترا أو أغلق بابا فقد وجب عليه المهر فيمكن أن يكنى بذلك عن الجماع نفسه و يمكن أن يكنى به عن الخلوة فقط و هو مذهب أبي حنيفة و هو الظاهر من اللفظ لأمرين أحدهما قوله أغلق بابا فإنه لو أراد الكناية لم يحسن الترديد بأو و ثانيهما أنه قد كان مقررا عندهم أن الجماع نفسه يوجب كمال المهر فلم يكن به حاجة إلى ذكر ذلك و يشبه قول حاتم في الكناية المقدم ذكرها قول بشار بن بشر

٤١

و إني لعف عن زيارة جارتي

و إني لمشنوء إلى اغتيابها

و لم أك طلابا أحاديث سرها

و لا عالما من أي حوك ثيابها

إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها

زءورا و لم تنبح علي كلابها

و قال الأخطل في ضد ذلك يهجو رجلا و يرميه بالزنا

سبنتى يظل الكلب يمضغ ثوبه

له في ديار الغانيات طريق

السبنتى النمر يريد أنه جري‏ء وقح و أن الكلب لأنسه به و كثرة اختلافه إلى جاراته يعرفه و يمضغ ثوبه يطلب ما يطعمه و العفيف ينكره الكلب و لا يأنس به ثم أكد ذلك بأنه قد صار له بكثرة تردده إلى ديار النساء طريق معروف و من جيد الكناية عن العفة قول عقيل بن علفة المري

و لست بسائل جارات بيتي

أ غياب رجالك أم شهود

٤٢

و لا ملق لذي الودعات سوطي

ألاعبه و ريبته أريد

و من جيد ذلك و مختاره قول مسكين الدارمي

ناري و نار الجار واحدة

و إليه قبلي تنزل القدر

ما ضر جارا لي أجاوره

ألا يكون لبابة ستر

أعمى إذا ما جارتي برزت

حتى يواري جارتي الخدر

و العرب تكني عن الفرج بالإزار فتقول هو عفيف الإزار و بالذيل فتقول هو طاهر الذيل و إنما كنوا بهما لأن الذيل و الإزار لا بد من رفعهما عند الفعل و قد كنوا بالإزار عن الزوجة في قول الشاعر

أ لا أبلغ أبا بشر رسولا

فدا لك من أخي ثقة إزاري

يريد به زوجتي أو كنى بالإزار هاهنا عن نفسه و قال زهير

٤٣

الحافظون ذمام عهدهم

و الطيبون معاقد الأزر

الستر دون الفاحشات و لا

يلقاك دون الخير من ستر

و يقولون في الكناية عن العفيف ما وضعت مومسة عنده قناعها و لا رفع عن مومسة ذيلا و قد أحسن ابن طباطبا في قوله

فطربت طربة فاسق متهتك

و عففت عفة ناسك متحرج

الله يعلم كيف كانت عفتي

ما بين خلخال هناك و دملج

و من الكناية عن العفة قول ابن ميادة

و ما نلت منها محرما غير أنني

أقبل بساما من الثغر أفلجا

و ألثم فاها آخذا بقرونها

و أترك حاجات النفوس تحرجا

فكنى عن الفعل نفسه بحاجات النفوس كما كنى أبو نواس عنه بذلك العمل في قوله

مر بنا و العيون ترمقه

تجرح منه مواضع القبل

٤٤

أفرغ في قالب الجمال فما

يصلح إلا لذلك العمل

و كما كنى عنه ابن المعتز بقوله

و زارني في ظلام الليل مستترا

يستعجل الخطو من خوف و من حذر

و لاح ضوء هلال كاد يفضحه

مثل القلامة قد قصت من الظفر

فقمت أفرش خدي في الطريق له

ذلا و أسحب أذيالي على الأثر

فكان ما كان مما لست أذكره

فظن خيرا و لا تسأل عن الخبر

و مما تطيروا من ذكره فكنوا عنه قولهم مات فإنهم عبروا عنه بعبارات مختلفة داخلة في باب الكناية نحو قولهم لعق إصبعه و قالوا اصفرت أنامله لأن اصفرار الأنامل من صفات الموتى قال الشاعر

فقرباني بأبي أنتما

من وطني قبل اصفرار البنان

و قبل منعاي إلى نسوة

منزلها حران و الرقتان

و قال لبيد

و كل أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفر منها الأنامل

يعني الموت و يقولون في الكناية عنه صك لفلان على أبي يحيى و أبو يحيى كنية الموت كني عنه بضده كما كنوا عن الأسود بالأبيض و قال الخوارزمي

سريعة موت العاشقين كأنما

يغار عليهم من هواها أبو يحيى

٤٥

و كنى رسول الله ص عنه بهاذم اللذات

فقال أكثروا من ذكر هاذم اللذات و قال أبو العتاهية

رأيت المنايا قسمت بين أنفس

و نفسي سيأتي بينهن نصيبها

فيا هاذم اللذات ما منك مهرب

تحاذر نفسي منك ما سيصيبها

و قالوا حلقت به العنقاء و حلقت به عنقاء مغرب قال

فلو لا دفاعي اليوم عنك لحلقت

بشلوك بين القوم عنقاء مغرب

و قالوا فيه زل الشراك عن قدمه قال

لا يسلمون العداة جارهم

حتى يزل الشراك عن قدمه

أي حتى يموت فيستغني عن لبس النعل فأما قولهم زلت نعله فيكنى به تارة عن غلطه و خطئه و تارة عن سوء حاله و اختلال أمره بالفقر و هذا المعنى الأخير أراده الشاعر بقوله

سأشكر عمرا ما تراخت منيتي

أيادي لم تمنن و إن هي جلت

٤٦

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه

و لا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

رأى خلتي من حيث يخفى مكانها

فكانت قذى عينيه حتى تجلت

و يقولون فيه شالت نعامته قال

يا ليت أمي قد شالت نعامتها

أيما إلى جنة أيما إلى نار

ليست بشبعى و لو أوردتها هجرا

و لا بريا و لو حلت بذي قار

أي لا يشبعها كثرة التمر و لو نزلت هجر و هجر كثيرة النخل و لا تروى و لو نزلت ذا قار و هو موضع كثير الماء قال ابن دريد و النعامة خط باطن القدم في هذه الكناية و يقال أيضا للقوم قد تفرقوا بجلاء عن منازلهم شالت نعامتهم و ذلك لأن النعامة خفيفة الطيران عن وجه الأرض كأنهم خفوا عن منزلهم و قال ابن السكيت يقال لمن يغضب ثم يسكن شالت نعامته ثم وقعت و قالوا أيضا في الكناية عن الموت مضى لسبيله و استأثر الله به و نقله إلى جواره و دعي فأجاب و قضى نحبه و النحب النذر كأنهم رأوا أن الموت لما كان حتما في الأعناق كان نذرا و قالوا في الدعاء عليه اقتضاه الله بذنبه إشارة إلى هذا و قالوا ضحا ظله و معناه صار ظله شمسا و إذا صار الظل شمسا فقد عدم صاحبه و يقولون أيضا خلى فلان مكانه و أنشد ثعلب للعتبي في السري بن عبد الله

كان الذي يأتي السري لحاجة

أباح إليه بالذي جاء يطلب

إذا ما ابن عبد الله خلى مكانه

فقد حلقت بالجود عنقاء مغرب

٤٧

و قال دريد بن الصمة

فإن يك عبد الله خلى مكانه

فما كان وقافا و لا طائش اليد

و كثير ممن لا يفهم يعتقد أنه أراد بقوله خلى مكانه فر و لو كان كذلك لكان هجاء و يقولون وقع في حياض غتيم و هو اسم للموت و يقولون طار من ماله الثمين يريدون الثمن يقال ثمن و ثمين و سبع و سبيع و ذلك لأن الميت ترث زوجته من ماله الثمن غالبا قال الشاعر يذكر جوده بماله و يخاطب امرأته

فلا و أبيك لا أولى عليها

لتمنع طالبا منها اليمين

فإني لست منك و لست مني

إذا ما طار من مالي الثمين

أي إذا مت فأخذت ثمنك من تركتي و قالوا لحق باللطيف الخبير قال

و من الناس من يحبك حبا

ظاهر الود ليس بالتقصير

فإذا ما سألته ربع فلس

ألحق الود باللطيف الخبير

و قال أبو العلاء

لا تسل عن عداك أين استقروا

لحق القوم باللطيف الخبير

٤٨

و يقولون قرض رباطه أي كاد يموت جهدا و عطشا و قالوا في الدعاء عليه لا عد من نفره أي إذا عد قومه فلا عد معهم و إنما يكون كذلك إذا مات قال إمرؤ القيس

فهو لا تنمي رميته

ما له لا عد من نفره

و هذا إنما يريد به وصفه و التعجب منه لا أنه يدعو عليه حقيقة كما تقول لمن يجيد الطعن شلت يده ما أحذقه و قالوا في الكناية عن الدفن أضلوه و أضلوا به قال الله تعالى( وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي اَلْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) أي إذا دفنا في الأرض و قال المخبل السعدي

أضلت بنو قيس بن سعد عميدها

و سيدها في الدهر قيس بن عاصم

و يقولون للمقتول ركب الأشقر كناية عن الدم و إليه أشار الحارث بن هشام المخزومي في شعره الذي يعتذر به عن فراره يوم بدر عن أخيه أبي جهل بن هشام حين قتل

الله يعلم ما تركت قتالهم

حتى علوا فرسي بأشقر مزبد

٤٩

و علمت أني إن أقاتل واحدا

أقتل و لا يضرر عدوي مشهدي

فصددت عنهم و الأحبة فيهم

طمعا لهم بعقاب يوم مرصد

أراد بدم أشقر فحذف الموصوف و أقام الصفة مقامه كناية عنه و العرب تقيم الصفة مقام الموصوف كثيرا كقوله تعالى( وَ حَمَلْناهُ عَلى‏ ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ ) أي على سفينة ذات ألواح و كقول عنترة

تمكو فريصته كشدق الأعلم

أي كشدق الإنسان الأعلم أو البعير الأعلم و يقولون ترك فلان بجعجاع أي قتل قال أبو قيس بن الأسلت

من يذق الحرب يجد طعمها

مرا و تتركه بجعجاع

أي تتركه قتيلا مخلى بالفضاء و مما كنوا عنه قولهم للمقيد هو محمول على الأدهم و الأدهم القيد قال الشاعر

أوعدني بالسجن و الأداهم

رجلي و رجلي شثنة المناسم

و قال الحجاج للغضبان بن القبعثرى لأحملنك على الأدهم فتجاهل عليه و قال مثل الأمير حمل على الأدهم و الأشهب

٥٠

و قد كنوا عن القيد أيضا بالأسمر أنشد ابن عرفة لبعضهم

فما وجد صعلوك بصنعاء موثق

بساقيه من سمر القيود كبول

قليل الموالي مسلم بجريرة

له بعد نومات العيون غليل

يقول له البواب أنت معذب

غداة غد أو رائح فقتيل

بأكثر من وجدي بكم يوم راعني

فراق حبيب ما إليه سبيل

و هذا من لطيف شعر العرب و تشبيهها و من كناياتهم عنه ركب ردعه و أصله في السهم يرمى به فيرتدع نصله فيه يقال ارتدع السهم إذا رجع النصل في السنخ متجاوزا فقولهم ركب ردعه أي وقص فدخل عنقه في صدره قال الشاعر و هو من شعر الحماسة

تقول و صكت صدرها بيمينها

أ بعلي هذا بالرحا المتقاعس

فقلت لها لا تعجلي و تبيني

بلاي إذا التفت علي الفوارس

أ لست أرد القرن يركب ردعه

و فيه سنان ذو غرارين يابس

لعمر أبيك الخير إني لخادم

لضيفي و إني إن ركبت لفارس

و أنشد الجاحظ في كتاب البيان و التبيين لبعض الخوارج

و مسوم للموت يركب ردعه

بين الأسنة و القنا الخطار

يدنو و ترفعه الرماح كأنه

شلو تنشب في مخالب ضاري

٥١

فثوى صريعا و الرماح تنوشه

إن الشراة قصيرة الأعمار

و قد تطيرت العرب من لفظة البرص فكنوا عنه بالوضح فقالوا جذيمة الوضاح يريدون الأبرص و كني عنه بالأبرش أيضا و كل أبيض عند العرب وضاح و يسمون اللبن وضحا يقولون ما أكثر الوضح عند بني فلان و مما تفاءلوا به قولهم للفلاة التي يظن فيها الهلاك مفازة اشتقاقا من الفوز و هو النجاة و قال بعض المحدثين

أحب الفأل حين رأى كثيرا

أبوه عن اقتناء المجد عاجز

فسماه لقلته كثيرا

كتلقيب المهالك بالمفاوز

فأما من قال إن المفازة مفعلة من فوز الرجل أي هلك فإنه يخرج هذه اللفظة من باب الكنايات و من هذا تسميتهم اللديغ سليما قال

كأني من تذكر ما ألاقي

إذا ما أظلم الليل البهيم

سليم مل منه أقربوه

و أسلمه المجاور و الحميم

٥٢

و قال أبو تمام في الشيب

شعلة في المفارق استودعتني

في صميم الأحشاء ثكلا صميما

تستثير الهموم ما اكتن منها

صعدا و هي تستثير الهموما

دقة في الحياة تدعى جلالا

مثلما سمي اللديغ سليما

غرة بهمة ألا إنما كنت

أغرا أيام كنت بهيما

حلمتني زعمتم و أراني

قبل هذا التحليم كنت حليما

و من هذا قولهم للأعور ممتع كأنهم أرادوا أنه قد متع ببقاء إحدى عينيه و لم يحرم ضوءهما معا و من كناياتهم على العكس قولهم للأسود يا أبا البيضاء و للأسود أيضا يا كافور و للأبيض يا أبا الجون و للأقرع يا أبا الجعد و سموا الغراب أعور لحدة بصره قال ابن ميادة

إلا طرقتنا أم عمرو و دونها

فياف من البيداء يعشى غرابها

٥٣

خص الغراب بذلك لحدة نظره أي فكيف غيره و مما جاء في تحسين اللفظ ما روي أن المنصور كان في بستان داره و الربيع بين يديه فقال له ما هذه الشجرة فقال وفاق يا أمير المؤمنين و كانت شجرة خلاف فاستحسن منه ذلك و مثل هذا استحسان الرشيد قول عبد الملك بن صالح و قد أهدي إليه باكورة فاكهة في أطباق خيزران بعثت إلى أمير المؤمنين في أطباق قضبان تحمل من جنايا باكورة بستانه ما راج و أينع فقال الرشيد لمن حضر ما أحسن ما كنى عن اسم أمنا و يقال إن عبد الملك سبق بهذه الكناية و إن الهادي قال لابن دأب و في يده عصا ما جنس هذه فقال من أصول القنا يعني الخيزران و الخيزران أم الهادي و الرشيد معا و شبيه بذلك ما يقال إن الحسن بن سهل كان في يده ضغث من أطراف الأراك فسأله المأمون عنه ما هذه فقال محاسنك يا أمير المؤمنين تجنبا لأن يقول مساوئك و هذا لطيف و من الكنايات اللطيفة أن عبد الملك بعث الشعبي إلى أخيه عبد العزيز بن مروان و هو أمير مصر يومئذ ليسبر أخلاقه و سياسته و يعود إليه فيخبره بحاله فلما عاد سأله فقال وجدته أحوج الناس إلى بقائك يا أمير المؤمنين و كان عبد العزيز يضعف و من الألفاظ التي جاءت عن رسول الله ص من باب الكنايات

قوله ص بعثت إلى الأسود و الأحمر يريد إلى العرب و العجم فكنى عن العرب بالسود و عن العجم بالحمر و العرب تسمى العجمي أحمر لأن الشقرة تغلب عليه

٥٤

قال ابن قتيبة خطب إلى عقيل بن علفة المري ابنته هشام بن إسماعيل المخزومي و كان والي المدينة و خال هشام بن عبد الملك فرده لأنه كان أبيض شديد البياض و كان عقيل أعرابيا جافيا غيورا مفرط الغيرة و قال

رددت صحيفة القرشي لما

أبت أعراقه إلا احمرارا

فرده لأنه توسم فيه أن بعض أعراقه ينزع إلى العجم لما رأى من بياض لونه و شقرته و منه قول جرير يذكر العجم

يسموننا الأعراب و العرب اسمنا

و أسماؤهم فينا رقاب المزاود

و إنما يسمونهم رقاب المزاود لأنها حمراء و من كناياتهم تعبيرهم عن المفاخرة بالمساجلة و أصلها من السجل و هي الدلو الملي‏ء كان الرجلان يستقيان فأيهما غلب صاحبه كان الفوز و الفخر له قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب

و أنا الأخضر من يعرفني

أخضر الجلدة من بيت العرب

من يساجلني يساجل ماجدا

يملأ الدلو إلى عقد الكرب

برسول الله و ابني عمه

و بعباس بن عبد المطلب

و يقال إن الفرزدق مر بالفضل و هو ينشد من يساجلني فقال أنا أساجلك

٥٥

و نزع ثيابه فقال الفضل برسول الله و ابن عمه فلبس الفرزدق ثيابه و قال أعض الله من يساجلك بما نفت المواسي من بظر أمه و رواها أبو بكر بن دريد بما أبقت المواسي و قد نزل القرآن العزيز على مخرج كلام العرب في المساجلة فقال تبارك و تعالى( فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ ) الذنوب الدلو و المراد ما ذكرناه و قال المبرد المراد بقوله و أنا الأخضر أي الأسمر و الأسود و العرب كانت تفتخر بالسمرة و السواد و كانت تكره الحمرة و الشقرة و تقول إنهما من ألوان العجم و قال ابن دريد مراده أن بيتي ربيع أبدا مخصب كثير الخير لأن الخصب مع الخضرة و قال الشاعر

قوم إذا اخضرت نعالهم

يتناهقون تناهق الحمر

أي إذا أعشبت الأرض اخضرت نعالهم من وطئهم إياها فأغار بعضهم على بعض و التناهق هاهنا أصواتهم حين ينادون للغارة و يدعو بعضهم بعضا و نظير هذا البيت قول الآخر

قوم إذا نبت الربيع لهم

نبتت عداوتهم مع البقل

أي إذا أخصبوا و شبعوا غزا بعضهم بعضا و مثله قول الآخر

يا ابن هشام أهلك الناس اللبن

فكلهم يغدو بسيف و قرن

أي تسفهوا لما رأوا من كثرة اللبن و الخصب فأفسدوا في الأرض و أغار بعضهم على بعض و القرن الجعبة

٥٦

و قيل لبعضهم متى يخاف من شر بني فلان فقال إذا ألبنوا و من الكنايات الداخلة في باب الإيماء قول الشاعر

فتى لا يرى قد القميص بخصره

و لكنما يوهي القميص عواتقه

لما كان سلامة القميص من الخرق في موضع الخصر تابعا لدقة الخصر و وهنه في الكاهل تابعا لعظم الكاهل ذكر ما دل بهما على دقة خصر هذا الممدوح و عظم كاهله و منه قول مسلم بن الوليد

فرعاء في فرعها ليل على قمر

على قضيب على حقف النقا الدهس

كأن قلبي وشاحاها إذا خطرت

و قلبها قلبها في الصمت و الخرس

تجري محبتها في قلب عاشقها

مجرى السلامة في أعضاء منتكس

فلما كان قلق الوشاح تابعا لدقة الخصر ذكره دالا به عليه و من هذا الباب قول القائل

إذا غرد المكاء في غير روضة

فويل لأهل الشاء و الحمرات

أومأ بذلك إلى الجدب لأن المكاء يألف الرياض فإذا أجدبت الأرض سقط في غير روضة و غرد فالويل حينئذ لأهل الشاء و الحمر و منه قول القائل

لعمري لنعم الحي حي بني كعب

إذا جعل الخلخال في موضع القلب

٥٧

القلب السوار يقول نعم الحي هؤلاء إذا ريع الناس و خافوا حتى إن المرأة لشدة خوفها تلبس الخلخال مكان السوار فاختصر الكلام اختصارا شديدا و منه قول الأفوه الأودي

إن بني أود هم ما هم

للحرب أو للجدب عام الشموس

أشار إلى الجدب و قلة السحب و المطر أي الأيام التي كلها أيام شمس و صحو لا غيم فيها و لا مطر فقد ذكرنا من الكنايات و التعريضات و ما يدخل في ذلك و يجري مجراه من باب الإيماء و الرمز قطعة صالحة و سنذكر شيئا آخر من ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى إذا مررنا في شرح كلامه ع بما يقتضيه و يستدعيه

٥٨

حقيقة الكناية و التعريض و الفرق بينهما

و قد كنا وعدنا أن نذكر كلاما كليا في حقيقة الكناية و التعريض و الفرق بينهما فنقول الكناية قسم من أقسام المجاز و هو إبدال لفظة عرض في النطق بها مانع بلفظة لا مانع عن النطق بها كقوله ع قرارات النساء لما وجد الناس قد تواضعوا على استهجان لفظة أرحام النساء و أما التعريض فقد يكون بغير اللفظ كدفع أسماء بن خارجة الفص الفيروز الأزرق من يده إلى ابن معكبر الضبي ادكارا له بقول الشاعر

كذا كل ضبي من اللؤم أزرق

فالتعريض إذا هو التنبيه بفعل أو لفظ على معنى اقتضت الحال العدول عن التصريح به و أنا أحكي هاهنا كلام نصر الله بن محمد بن الأثير الجزري في كتابه المسمى بالمثل السائر في الكناية و التعريض و أذكر ما عندي فيه قال خلط أرباب هذه الصناعة الكناية بالتعريض و لم يفصلوا بينهما فقال ابن سنان إن قول إمرئ القيس

فصرنا إلى الحسنى و رق كلامنا

و رضت فذلت صعبة أي إذلال

٥٩

من باب الكناية و الصحيح أنه من باب التعريض قال و قد قال الغانمي و العسكري و ابن حمدون و غيرهم نحو ذلك و مزجوا أحد القسمين بالآخر قال و قد حد قوم الكناية فقالوا هي اللفظ الدال على الشي‏ء بغير الوضع الحقيقي بوصف جامع بين الكناية و المكنى عنه كاللمس و الجماع فإن الجماع اسم لموضوع حقيقي و اللمس كناية عنه و بينهما وصف جامع إذ الجماع لمس و زيادة فكان دالا عليه بالوضع المجازي. قال و هذا الحد فاسد لأنه يجوز أن يكون حدا للتشبيه و المشبه فإن التشبيه هو اللفظ الدال على الوضع الحقيقي الجامع بين المشبه و المشبه به في صفة من الأوصاف أ لا ترى إذا قلنا زيد أسد كان ذلك لفظا دالا على غير الوضع الحقيقي بوصف جامع بين زيد و الأسد و ذلك الوصف هو الشجاعة قال و أما أصحاب أصول الفقه فقالوا في حد الكناية إنها اللفظ المحتمل و معناه أنها اللفظ الذي يحتمل الدلالة على المعنى و على خلافه و هذا منقوض بالألفاظ المفردة المشتركة و بكثير من الأقوال المركبة المحتملة للشي‏ء و خلافه و ليست بكنايات قال و عندي أن الكنايات لا بد أن يتجاذبها جانبا حقيقة و مجاز و متى أفردت جاز حملها على الجانبين معا أ لا ترى أن اللمس في قوله سبحانه( أَوْ لامَسْتُمُ اَلنِّساءَ )

٦٠