كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٥

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 260

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 260
المشاهدات: 40446
تحميل: 5577


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40446 / تحميل: 5577
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

فأبلغونا مأمننا فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا ذاك لكم فساروا معهم بجمعهم حتى أبلغوهم المأمن و قال أبو العباس أتي عبد الملك بن مروان برجل من الخوارج فبحثه فرأى منه ما شاء فهما و علما ثم بحثه فرأى منه ما شاء أدبا و ذهنا فرغب فيه فاستدعاه إلى الرجوع عن مذهبه فرآه مستبصرا محققا فزاده في الاستدعاء فقال تغنيك الأولى عن الثانية و قد قلت و سمعت فاسمع أقل قال قل فجعل يبسط من قول الخوارج و يزين له من مذهبهم بلسان طلق و ألفاظ بينة و معان قريبة فقال عبد الملك بعد ذلك على معرفته و فضله لقد كاد يوقع في خاطري أن الجنة إنما خلقت لهم و أني أولى العباد بالجهاد منهم ثم رجعت إلى ما ثبت الله علي من الحجة و قرر في قلبي من الحق فقلت له الدنيا و الآخرة لله و قد سلطنا الله في الدنيا و مكن لنا فيها و أراك لست تجيبنا إلى ما نقول و الله لأقتلنك إن لم تطع فأنا في ذلك إذ دخل علي بابني مروان قال أبو العباس و كان مروان أخا يزيد بن عبد الملك لأمه أمهما عاتكة بنت يزيد بن معاوية و كان أبيا عزيز النفس فدخل به على أبيه في هذا الوقت باكيا

٨١

لضرب المؤدب إياه فشق ذلك على عبد الملك فأقبل عليه الخارجي و قال له دعه يبك فإنه أرحب لشدقه و أصح لدماغه و أذهب لصوته و أحرى ألا تأبى عليه عينه إذا حضرته طاعة و استدعى عبرتها فأعجب ذلك من قوله عبد الملك و قال له متعجبا أ ما يشغلك ما أنت فيه و يعرضك عن هذا فقال ما ينبغي أن يشغل المؤمن عن قول الحق شي‏ء فأمر بحبسه و صفح عن قتله و قال بعد معتذرا إليه لو لا أن تفسد بألفاظك أكثر رعيتي ما حبستك ثم قال عبد الملك لقد شككني و وهمني حتى مالت بي عصمة الله و غير بعيد أن يستهوي من بعدي

مرداس بن حدير

قال أبو العباس و كان من المجتهدين من الخوارج البلجاء و هي امرأة من بني حرام بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم و كان مرداس بن حدير أبو بلال أحد بني ربيعة بن حنظلة ناسكا تعظمه الخوارج و كان كثير الصواب في لفظه مجتهدا فلقيه غيلان بن خرشة الضبي فقال يا أبا بلال إني سمعت الأمير البارحة يعني عبيد الله بن زياد يذكر البلجاء و أحسبها ستؤخذ فمضى إليها أبو بلال فقال إن الله قد وسع على المؤمنين في التقية فاستتري فإن هذا

٨٢

المسرف على نفسه الجبار العنيد قد ذكرك قالت إن يأخذني فهو أشقى به فأما أنا فما أحب أن يعنت إنسان بسببي فوجه إليها عبيد الله بن زياد فأتي بها فقطع يديها و رجليها و رمى بها في السوق فمر بها أبو بلال و الناس مجتمعون فقال ما هذا قالوا البلجاء فعرج إليها فنظر ثم عض على لحيته و قال لنفسه لهذه أطيب نفسا من بقية الدنيا منك يا مرداس قال ثم إن عبيد الله أخذ مرداسا فحبسه فرأى صاحب السجن منه شدة اجتهاده و حلاوة منطقه فقال له إني أرى لك مذهبا حسنا و إني لأحب أن أوليك معروفا أ فرأيتك إن تركتك تنصرف ليلا إلى بيتك أ تدلج إلي قال نعم فكان يفعل ذلك به و لج عبيد الله في حبس الخوارج و قتلهم و كلم في بعضهم فأبى و قال أقمع النفاق قبل أن ينجم لكلام هؤلاء أسرع إلى القلوب من النار إلى اليراع فلما كان ذات يوم قتل رجل من الخوارج رجلا من الشرطة فقال ابن زياد ما أدري ما أصنع بهؤلاء كلما أمرت رجلا بقتل رجل منهم فتكوا بقاتله لأقتلن من في حبسي منهم و أخرج السجان مرداسا إلى منزله كما كان يفعل فأتى مرداسا الخبر فلما كان في السحر تهيأ للرجوع إلى السجن فقال له أهله اتق الله في نفسك فإنك إذا رجعت قتلت فأبى و قال و الله ما كنت لألقى الله غادرا فرجع إلى السجان فقال إني قد علمت ما عزم عليه صاحبك قال أعلمت ثم جئت

٨٣

قال أبو العباس و يروى أن مرداسا مر بأعرابي يهنأ بعيرا له فهرج البعير فسقط مرداس مغشيا عليه فظن الأعرابي أنه صرع فقرأ في أذنه فلما أفاق قال له الأعرابي إني قرأت في أذنك فقال مرداس ليس بي ما خفته علي و لكني رأيت بعيرا هرج من القطران فذكرت به قطران جهنم فأصابني ما رأيت فقال الأعرابي لا جرم و الله لا أفارقك أبدا قال أبو العباس و كان مرداس قد شهد مع علي ع صفين ثم أنكر التحكيم و شهد النهروان و نجا فيمن نجا ثم حبسه ابن زياد كما ذكرناه و خرج من حبسه فرأى جد ابن زياد في طلب الشراة فعزم على الخروج فقال لأصحابه إنه و الله ما يسعنا المقام مع هؤلاء الظالمين تجري علينا أحكامهم مجانبين للعدل مفارقين للقصد و الله إن الصبر على هذا لعظيم و إن تجريد السيف و إخافة الناس لعظيم و لكنا ننتبذ عنهم و لا نجرد سيفا و لا نقاتل إلا من قاتلنا فاجتمع إليه أصحابه زهاء ثلاثين رجلا منهم حريث بن حجل و كهمس بن طلق الصريمي و أرادوا أن يولوا أمرهم حريثا فأبى فولوا أمرهم مرداسا فلما مضى بأصحابه لقيه عبد الله بن رباح الأنصاري و كان له صديقا فقال يا أخي أين تريد قال أريد أن أهرب بديني و دين أصحابي من أحكام هؤلاء الجورة فقال أ علم بكم أحد قال لا قال فارجع قال أ و تخاف علي نكرا قال نعم و أن يؤتى بك قال لا تخف فإني لا أجرد سيفا و لا أخيف أحدا و لا أقاتل إلا من قاتلني ثم مضى حتى نزل آسك و هي ما بين رامهرمز و أرجان فمر به مال يحمل إلى ابن

٨٤

زياد و قد قارب أصحابه الأربعين فحط ذلك المال و أخذ منه عطاءه و عطاء أصحابه و رد الباقي على الرسل و قال قولوا لصاحبكم إنا قبضنا أعطياتنا فقال بعض أصحابه علام ندع الباقي فقال إنهم يقيمون هذا الفي‏ء كما يقيمون الصلاة فلا نقاتلهم على الصلاة قال أبو العباس و لأبي بلال مرداس في الخروج أشعار اخترت منها قوله

أ بعد ابن وهب ذي النزاهة و التقى

و من خاض في تلك الحروب المهالكا

أحب بقاء أو أرجي سلامة

و قد قتلوا زيد بن حصن و مالكا

فيا رب سلم نيتي و بصيرتي

و هب لي التقى حتى ألاقي أولئكا

قال أبو العباس ثم إن عبيد الله بن زياد ندب جيشا إلى خراسان فحكى بعض من كان في ذلك الجيش قال مررنا بآسك فإذا نحن بهم ستة و ثلاثين رجلا فصاح بنا أبو بلال أ قاصدون لقتالنا أنتم قال و كنت أنا و أخي قد دخلنا زربا فوقف أخي ببابه فقال السلام عليكم فقال مرداس و عليكم السلام ثم قال لأخي أ جئتم لقتالنا قال لا إنما نريد خراسان قال فأبلغوا من لقيتم أنا لم نخرج لنفسد في الأرض و لا لنروع أحدا و لكن هربا من الظلم و لسنا نقاتل إلا من يقاتلنا و لا نأخذ من الفي‏ء إلا أعطياتنا ثم قال أ ندب لنا أحد قلنا نعم أسلم بن زرعة الكلابي قال فمتى ترونه يصل إلينا قلنا يوم كذا و كذا فقال أبو بلال حسبنا الله و نعم الوكيل. قال أبو العباس و جهز عبيد الله بن زياد أسلم بن زرعة في أسرع مدة و وجهه إليهم

٨٥

في ألفين و قد تتام أصحاب مرداس أربعين رجلا فلما صار أسلم إليهم صاح به أبو بلال اتق الله يا أسلم فإنا لا نريد فسادا في الأرض و لا نحتجر فيئا فما الذي تريد قال أريد أن أردكم إلى ابن زياد قال إذن يقتلنا قال و إن قتلكم قال تشرك في دمائنا قال إني أدين بأنه محق و أنتم مبطلون فصاح به حريث بن حجل أ هو محق و هو يطيع الفجرة و هو أحدهم و يقتل بالظنة و يخص بالفي‏ء و يجور في الحكم أ ما علمت أنه قتل بابن سعاد أربعة برآء و أنا أحد قتلته و قد وضعت في بطنه دراهم كانت معه ثم حملوا على أسلم حملة رجل واحد فانهزم هو و أصحابه من غير قتال و كاد يأسره معبد أحد الخوارج فلما عاد إلى ابن زياد غضب عليه غضبا شديدا و قال ويلك أ تمضي في ألفين فتهزم بهم من حملة أربعين فكان أسلم يقول لأن يذمني ابن زياد و أنا حي أحب إلي أن يمدحني و أنا ميت و كان إذا خرج إلى السوق أو مر بصبيان صاحوا به أبو بلال وراءك و ربما صاحوا به يا معبد خذه حتى شكا إلى ابن زياد فأمر الشرط أن يكفوا الناس عنه ففي ذلك يقول عيسى بن فاتك من بني تيم اللات بن ثعلبة أحد الخوارج

فلما أصبحوا صلوا و قاموا

إلى الجرد العتاق مسومينا

فلما استجمعوا حملوا عليهم

فظل ذوو الجعائل يقتلونا

بقية يومهم حتى أتاهم

سواد الليل فيه يراوغونا

يقول نصيرهم لما أتاهم

فإن القوم ولوا هاربينا

أألفا مؤمن فيكم زعمتم

و يهزمكم بآسك أربعونا

٨٦

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم

و لكن الخوارج مؤمنونا

هم الفئة القليلة غير شك

على الفئة الكثيرة ينصرونا

قال أبو العباس أما قول حريث بن حجل أ ما علمت أنه قتل بابن سعاد أربعة برآء و أنا أحد قتلته فابن سعاد هو المثلم بن مسروح الباهلي و سعاد اسم أمه و كان من خبره أنه ذكر لعبيد الله بن زياد رجل من سدوس يقال له خالد بن عباد أو ابن عبادة و كان من نساك الخوارج فوجه إليه فأخذه فأتاه رجل من آل ثور فكذب عنه و قال هو صهري و في ضمني فخلى عنه فلم يزل الرجل يتفقده حتى تغيب فأتى ابن زياد فأخبره فلم يزل يبعث إلى خالد بن عباد حتى ظفر به فأخذه فقال أين كنت في غيبتك هذه قال كنت عند قوم يذكرون الله و يسبحونه و يذكرون أئمة الجور فيتبرءون منهم قال ادللني عليهم قال إذن يسعدوا و تشقى و لم أكن لأروعهم قال فما تقول في أبي بكر و عمر فقال خيرا قال فما تقول في عثمان و في معاوية أ تتولاهما فقال إن كانا وليين لله فلست معاديهما فأراغه مرارا ليرجع عن قوله فلم يفعل فعزم على قتله فأمر بإخراجه إلى رحبة تعرف برحبة الرسي و قتله بها فجعل الشرطة يتفادون من قتله و يروغون عنه توقيا لأنه كان متقشفا عليه أثر العبادة حتى أتى المثلم بن مسروح الباهلي و كان من الشرطة فتقدم فقتله فائتمر به الخوارج أن يقتلوه و كان مغرما باللقاح يتبعها فيشتريها من مظانها و هم في تفقده فدسوا إليه رجلا في هيئة الفتيان عليه ردع

٨٧

زعفران فلقيه بالمربد و هو يسأل عن لقحة صفي فقال له الفتى إن كنت تبتغي فعندي ما يغنيك عن غيره فامض معي فمضى المثلم معه على فرسه يمشي الفتى أمامه حتى أتى به بني سعد فدخل دارا و قال له أدخل علي فرسك فلما دخل و توغل في الدار أغلق الباب و ثارت به الخوارج فاعتوره حريث بن حجل و كهمس بن طلق الصريمي فقتلاه و جعلا دراهم كانت معه في بطنه و دفناه في ناحية الدار و حكا آثار الدم و خليا فرسه في الليل فأصيب في الغد في المربد و تجسس عنه الباهليون فلم يروا له أثرا فاتهموا بني سدوس به فاستعدوا عليهم السلطان و جعل السدوسية يحلفون فتحامل ابن زياد مع الباهليين فأخذ من السدوسيين أربع ديات و قال ما أدري ما أصنع بهؤلاء الخوارج كلما أمرت بقتل رجل اغتالوا قاتله فلم يعلم بمكان المثلم حتى خرج مرداس و أصحابه فلما واقفهم ابن زرعة الكلابي صاح بهم حريث و قال أ هاهنا من باهلة أحد قالوا نعم قال يا أعداء الله أخذتم للمثلم من بني سدوس أربع ديات و أنا قتلته و جعلت دراهم كانت معه في بطنه و هو في موضع كذا مدفون فلما انهزم ابن زرعة و أصحابه صاروا إلى الدار فأصابوا أشلاءه ففي ذلك يقول أبو الأسود

و آليت لا أغدو إلى رب لقحة

أساومه حتى يئوب المثلم

٨٨

قال أبو العباس فأما ما كان من مرداس فإن عبيد الله بن زياد ندب إليه الناس فاختار عباد بن أخضر المازني و ليس بابن أخضر بل هو عباد بن علقمة المازني و كان أخضر زوج أمه و غلب عليه فوجهه إلى مرداس و أصحابه في أربعة آلاف فارس و كانت الخوارج قد تنحت من موضعها بدارابجرد من أرض فارس فصار إليهم عباد فكان التقاؤهم في يوم جمعة فناداه أبو بلال اخرج إلي يا عباد فإني أريد أن أحاورك فخرج إليه فقال ما الذي تبغي قال أن آخذ بأقفيتكم فأردكم إلى الأمير عبيد الله بن زياد قال أ و غير ذلك إن نرجع فإنا لا نخيف سبيلا و لا نذعر مسلما و لا نحارب إلا من يحاربنا و لا نجبي إلا ما حمينا فقال عباد الأمر ما قلت لك فقال له حريث بن حجل أ تحاول أن ترد فئة من المسلمين إلى جبار عنيد ضال فقال لهم أنتم أولى بالضلال منه و ما من ذاك من بد قال و قدم القعقاع بن عطية الباهلي من خراسان يريد الحج فلما رأى الجمعين قال ما هذا قالوا الشراة فحمل عليهم و نشبت الحرب بينهم فأخذت الخوارج القعقاع أسيرا فأتوا به أبا بلال فقال له من أنت قال ما أنا من أعدائك إنما قدمت للحج فحملت و غررت فأطلقه فرجع إلى عباد و أصلح من شأنه و حمل على الخوارج ثانية و هو يقول

أقاتلهم و ليس علي بعث

نشاطا ليس هذا بالنشاط

أكر على الحروريين مهري

لأحملهم على وضح الصراط

فحمل عليه حريت بن حجل السدوسي و كهمس بن طلق الصريمي فأسراه و قتلاه و لم يأتيا به أبا بلال و لم يزل القوم يجتلدون حتى جاء وقت صلاة الجمعة فناداهم أبو بلال يا قوم هذا وقت الصلاة فوادعونا حتى نصلي و تصلوا قالوا لك ذاك فرمى القوم

٨٩

أجمعون بأسلحتهم و عمدوا للصلاة فأسرع عباد و من معه و قضوا صلاتهم و الحرورية مبطئون فيهم ما بين راكع و ساجد و قائم في الصلاة و قاعد حتى مال عليهم عباد و من معه فقتلوهم جميعا و أتي برأس أبي بلال قال و يرى الشراة أن مرداسا أبا بلال لما عقد على أصحابه و عزم على الخروج رفع يديه فقال اللهم إن كان ما نحن فيه حقا فأرنا آية فرجف البيت و قال آخرون فارتفع السقف و يقال إن رجلا من الخوارج ذكر ذلك لأبي العالية الرياحي يعجبه من الآية و يرغبه في مذهب القوم فقال أبو العالية كاد الخسف ينزل بهم ثم أدركتهم نظرة من الله قال فلما فرغ عباد من الجماعة أقبل بهم فصلب رءوسهم و فيهم داود بن شبيب و كان ناسكا و فيهم حبيبة البكري من عبد القيس و كان مجتهدا و يروى عنه أنه قال لما عزمت على الخروج فكرت في بناتي فقلت ذات ليلة لأمسكن عن نفقتهن حتى أنظر فلما كان في جوف الليل استسقت بنية لي فقالت يا أبت اسقني فلم أجبها و أعادت فقامت أخت لها فسقتها فعلمت أن الله عز و جل غير مضيعهن فأتممت عزمي و كان في القوم كهمس و كان من أبر الناس بأمه فقال لها يا أمه لو لا مكانك لخرجت فقالت يا بني وهبتك لله ففي مقتلهم يقول عيسى بن فاتك الخطي

ألا في الله لا في الناس سالت

بداود و إخوته الجذوع

مضوا قتلا و تمزيقا و صلبا

تحوم عليهم طير وقوع

إذا ما الليل أظلم كابدوه

فيسفر عنهم و هم ركوع

أطار الخوف نومهم فقاموا

و أهل الأرض في الدنيا هجوع

٩٠

و قال عمران بن حطان

يا عين بكي لمرداس و مصرعه

يا رب مرداس اجعلني كمرداس

تركتني هائما أبكي لمرزئه

في منزل موحش من بعد إيناس

أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه

ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

إما شربت بكأس دار أولها

على القرون فذاقوا جرعة الكأس

فكل من لم يذقها شاربا عجلا

يسقى بأنفاس ورد بعد أنفاس

و قال أيضا

لقد زاد الحياة إلي بغضا

و حبا للخروج أبو بلال

أحاذر أن أموت على فراشي

و أرجو الموت تحت ذرا العوالي

فمن يك همه الدنيا فإني

لها و الله رب البيت قال

عمران بن حطان

و قال أبو العباس و عمران هذا أحد بني عمرو بن يسار بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عك بن بكر بن وائل و كان رأس القعد من الصفرية و فقيههم و خطيبهم و شاعرهم و شعره هذا بخلاف شعر أبي خالد القناني و كان من قعد الخوارج أيضا و قد كان كتب قطري بن الفجاءة المازني يلومه على القعود

٩١

أبا خالد أيقن فلست بخالد

و ما جعل الرحمن عذرا لقاعد

أ تزعم أن الخارجي على الهدى

و أنتم مقيم بين لص و جاحد

فكتب إليه أبو خالد

لقد زاد الحياة إلي حبا

بناتي إنهن من الضعاف

أحاذر أن يرين الفقر بعدي

و أن يشربن رنقا بعد صاف

و أن يعرين إن كسي الجواري

فتنبو العين عن كرم عجاف

و لو لا ذاك قد سومت مهري

و في الرحمن للضعفاء كاف

و قال أبو العباس و مما حدثني به العباس بن أبي الفرج الرياشي عن محمد بن سلام أن عمران بن حطان لما طرده الحجاج جعل يتنقل في القبائل و كان إذا نزل بحي انتسب نسبا يقرب منهم ففي ذلك يقول

نزلنا في بني سعد بن زيد

و في عك و عامر عوبثان

و في لخم و في أدد بن عمرو

و في بكر و حي بني الغدان

ثم خرج حتى لقي روح بن زنباع الجذامي و كان روح يقري الأضياف و كان مسايرا لعبد الملك بن مروان أثيرا عنده و قال ابن عبد الملك فيه من أعطي مثل ما أعطي أبو زرعة أعطي فقه الحجاز و دهاء أهل العراق و طاعة أهل الشام و انتمى عمران إليه أنه من الأزد فكان روح لا يسمع شعرا نادرا و لا حديثا غريبا

٩٢

عند عبد الملك فيسأل عنه عمران إلا عرفه و زاد فيه فقال روح لعبد الملك إن لي ضيفا ما أسمع من أمير المؤمنين خبرا و لا شعرا إلا عرفه و زاد فيه فقال أخبرني ببعض أخباره فأخبره و أنشده فقال إن اللغة لغة عدنانية و لا أحسبه إلا عمران بن حطان حتى تذاكروا ليلة البيتين اللذين أولهما يا ضربة . . فلم يدر عبد الملك لمن هما فرجع روح فسأل عمران عنهما فقال هذا الشعر لعمران بن حطان يمدح عبد الرحمن بن ملجم فرجع روح إليه فأخبره فقال ضيفك عمران بن حطان فاذهب فجئني به فرجع إليه فقال أمير المؤمنين قد أحب أن يراك فقال له عمران قد أردت أن أسألك ذاك فاستحييت منك فاذهب فإني بالأثر فرجع روح إلى عبد الملك فخبره فقال أما إنك سترجع فلا تجده فرجع فوجد عمران قد احتمل و خلف رقعة فيها

يا روح كم من أخي مثوى نزلت به

قد ظن ظنك من لخم و غسان

حتى ذا خفته زايلت منزله

من بعد ما قيل عمران بن حطان

قد كنت جارك حولا لا يروعني

فيه طوارق من إنس و لا جان

حتى أردت بي العظمى فأدركني

ما أدرك الناس من خوف ابن مروان

فاعذر أخاك ابن زنباع فإن له

في الحادثات هنات ذات ألوان

يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن

و إن لقيت معديا فعدناني

٩٣

لو كنت مستغفرا يوما لطاغية

كنت المقدم في سري و إعلاني

لكن أبت ذاك آيات مطهرة

عند التلاوة في طه و عمران

ثم ارتحل حتى نزل بزفر بن الحارث أحد بني عمرو بن كلاب فانتسب له أوزاعيا و كان عمران يطيل الصلاة فكان غلمان بني عامر يضحكون منه فأتاه رجل ممن كان عند روح فسلم عليه فدعاه زفر فقال له من هذا فقال رجل من الأزد رأيته ضيفا لروح بن زنباع فقال له زفر يا هذا أزديا مرة و أوزاعيا أخرى إن كنت خائفا أمناك و إن كنت فقيرا جبرناك فلما أمسى خلف في منزله رقعة و هرب فوجدوا فيها

إن التي أصبحت يعيا بها زفر

أعيت عياء على روح بن زنباع

ما زال يسألني حولا لأخبره

و الناس ما بين مخدوع و خداع

حتى إذا انقطعت مني وسائله

كف السؤال و لم يولع بإهلاع

فاكفف لسانك عن لومي و مسألتي

ما ذا تريد إلى شيخ بلا راع

فاكفف كما كف عني إنني رجل

إما صميم و إما فقعة القاع

٩٤

أما الصلاة فإني غير تاركها

كل امرئ للذي يعنى به ساع

أكرم بروح بن زنباع و أسرته

قوم دعا أوليهم للعلا داع

جاورتهم سنة مما أسر به

عرضي صحيح و نومي غير تهجاع

فاعمل فإنك منعي بواحدة

حسب اللبيب بهذا الشيب من داع

ثم ارتحل حتى أتى عمان فوجدهم يعظمون أمر أبي بلال و يظهر فيهم فأظهر أمره فيهم فبلغ ذلك الحجاج فكتب فيه إلى أهل عمان فهرب حتى أتى قوما من الأزد في سواد الكوفة فنزل بهم فلم يزل عندهم حتى مات و في نزوله فيهم يقول

نزلنا بحمد الله في خير منزل

نسر بما فيه من الأنس و الخفر

نزلنا بقوم يجمع الله شملهم

و ليس لهم دعوى سوى المجد يعتصر

من الأزد إن الأزد أكرم أسوة

يمانية طابوا إذا انتسب البشر

فأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر

أتوني فقالوا من ربيعة أو مضر

أم الحي قحطان فتلكم سفاهة

كما قال لي روح و صاحبه زفر

و ما منهما إلا يسر بنسبة

تقربني منه و إن كان ذا نفر

فنحن عباد الله و الله واحد

و أولى عباد الله بالله من شكر

٩٥

قال أبو العباس و من الخوارج من مشى في الرمح و هو في صدره خارجا من ظهره حتى خالط طاعنه فضربه بالسيف فقتله و هو يقول( و عجلت إليك رب لترضى ) و منهم الذي سأل عليا ع يوم النهروان المبارزة في قوله

أطعنهم و لا أرى عليا

و لو بدا أوجرته الخطيا

فخرج إليه علي فضربه بالسيف فقتله فلما خالطه السيف قال يا حبذا الروحة إلى الجنة و منهم ابن ملجم و قطع الحسن بن علي يديه و رجليه و هو في ذلك يذكر الله ثم عمد إلى لسانه فقطعه فجزع فقيل له في ذلك قال أحببت ألا يزال لساني رطبا من ذكر الله و منهم القوم الذين وثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فلفظها تورعا و منهم أبو بلال مرداس الذي ينحله من الفرق لتقشفه و تصرمه و صحة عبادته و صلابة نيته أما المعتزلة فتنتحله و تقول إنه خرج منكرا لجور السلطان داعيا إلى الحق و إنه من أهل العدل و يحتجون لذلك بقوله لزياد و قد كان قال في خطبته على المنبر و الله لآخذن المحسن بالمسي‏ء و الحاضر بالغائب و الصحيح بالسقيم فقام إليه مرداس فقال قد سمعنا ما قلت أيها الإنسان و ما هكذا قال الله تعالى لنبيه إبراهيم إذ يقول

٩٦

( وَ إِبْراهِيمَ اَلَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) ‏ ثم خرج عليه عقيب هذا اليوم و أما الشيعة فتنتحله و تزعم أنه كتب إلى الحسين بن علي إني و الله لست من الخوارج و لا أرى رأيهم و إني على دين أبيك إبراهيم

المستورد السعدي

و منهم المستورد أحد بني سعد بن زيد بن مناة كان ناسكا مجتهدا و هو أحد من ترأس على الخوارج في أيام علي و له الخطبة المشهورة التي أولها أن رسول الله ص أتانا بالعدل تخفق راياته و تلمع معالمه فبلغنا عن ربه و نصح لأمته حتى قبضه الله تعالى مخيرا مختارا و نجا يوم النخيلة من سيف علي فخرج بعد مدة على المغيرة بن شعبة و هو والي الكوفة فبارزه معقل بن قيس الرياحي فاختلفا ضربتين فخر كل واحد منهما ميتا و من كلام المستورد لو ملكت الدنيا بحذافيرها ثم دعيت إلى أن أستفيد بها خطيئة ما فعلت و من كلامه إذا أفضيت بسري إلى صديقي فأفشاه لم ألمه لأني كنت أولى بحفظه و من كلامه كن أحرص على حفظ سرك منك على حقن دمك و كان يقول أول ما يدل على عيب عائب الناس معرفته بالعيوب و لا يعيب إلا معيب

٩٧

و كان يقول المال غير باق عليك فاشتر به من الحمد و الأجر ما يبقى عليك

حوثرة الأسدي

قال أبو العباس و خرج من الخوارج على معاوية بعد قتل علي حوثرة الأسدي و حابس الطائي خرجا في جمعهما فصارا إلى مواضع أصحاب النخيلة و معاوية يومئذ بالكوفة قد دخلها في عام الجماعة و قد نزل الحسن بن علي و خرج يريد المدينة فوجه إليه معاوية و قد تجاوز في طريقه يسأله أن يكون المتولي لمحاربة الخوارج فكان جواب الحسن و الله لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين و ما أحسب ذاك يسعني أ فأقاتل عنك قوما أنت و الله أولى بالقتال منهم قلت هذا موافق لقول أبيه لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه مثل من طلب الباطل فأدركه و هو الحق الذي لا يعدل عنه و به يقول أصحابنا فإن الخوارج عندهم أعذر من معاوية و أقل ضلالا و معاوية أولى بأن يحارب منهم قال أبو العباس فلما رجع الجواب إلى معاوية أرسل إلى حوثرة الأسدي أباه و قال له اذهب فاكفني أمر ابنك فصار إليه أبوه فدعاه إلى الرجوع فأبى فماراه فصمم فقال يا بني أجيئك بابنك فلعلك تراه فتحن إليه فقال يا أبت أنا و الله إلى طعنة نافذة أتقلب فيها على كعوب الرمح أشوق مني إلى ابني

٩٨

فرجع إلى معاوية فأخبره فقال يا أبا حوثرة لقد عتا بحق هذا جدا ثم وجه إليه جيشا أكثره أهل الكوفة فلما نظر إليهم حوثرة قال لهم يا أعداء الله أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدوا سلطانه و أنتم اليوم تقاتلون معه لتشدوا سلطانه فخرج إليه أبوه فدعاه إلى البراز فقال يا أبت لك في غيري مندوحة و لي في غيرك مذهب ثم حمل على القوم و هو يقول

أكرر على هذي الجموع حوثرة

فعن قليل ما تنال المغفرة

فحمل عليه رجل من طيئ فقتله فلما رأى أثر السجود قد لوح جبهته ندم على قتله

الرهين المرادي

و قال الرهين المرادي أحد فقهاء الخوارج و نساكها:

يا نفس قد طال في الدنيا مراوغتي

لا تأمنن لصرف الدهر تنغيصا

إني لبائع ما يفنى لباقية

إن لم يعقني رجاء العيش تربيصا

و أسأل الله بيع النفس محتسبا

حتى ألاقي في الفردوس حرقوصا

و ابن المنيح و مرداسا و إخوته

إذ فارقوا هذه الدنيا مخاميصا

قال أبو العباس و أكثرهم لم يكن يبالي بالقتل و شيمتهم استعذاب الموت و الاستهانة بالمنية و منهم الهازئ بالأمراء و قد قدم إلى السيف ولى زياد شيبان بن عبد الله الأشعري صاحب مقبرة بني شيبان باب عثمان و ما يليه بالبصرة فجد في طلب الخوارج و أخافهم فلم

٩٩

يزل على ذلك حتى أتاه ليلة و هو متكئ بباب داره رجلان من الخوارج فضرباه بأسيافهما فقتلاه فأتي زياد بعد ذلك برجل من الخوارج فقال اذهبوا به فاقتلوه متكئا كما قتل شيبان متكئا فصاح به الخارجي يا عدلاه يهزأ به

عباد بن أخضر المازني

قال و أما عباد بن أخضر قاتل أبي بلال مرداس بن أدية و قد ذكرنا قصته فإنه لم يزل بعد قتله مرداسا محمودا في المصر موصوفا بما كان منه حتى ائتمر جماعة من الخوارج أن يقتلوه فذمر بعضهم بعضا على ذلك فجلسوا له يوم جمعة بعد أن أقبل على بغلته و ابنه رديفه فقام إليه رجل منهم فقال له أسألك عن مسألة قال قل قال رأيت رجلا قتل رجلا بغير حق و للقاتل جاه و قدر و ناحية من السلطان و لم يعد عليه السلطان لجوره أ لولي ذلك المقتول أن يقتل القاتل إن قدر عليه فقال بل يرفعه إلى السلطان قال إن السلطان لا يعدي عليه لمكانه منه و لعظم جاهه عنده قال أخاف عليه إن فتك به فتك به السلطان قال دع ما تخافه من السلطان أ يلحقه تبعة فيما بينه و بين الله قال لا فحكم هو و أصحابه ثم خبطوه بأسيافهم و رمى عباد بابنه فنجا و تنادي الناس قتل عباد فاجتمعوا فأخذوا أفواه الطرق و كان مقتل عباد في سكة بني مازن عند مسجد بني كليب بن يربوع فجاء معبد بن أخضر أخو عباد و هو معبد

١٠٠