• البداية
  • السابق
  • 47 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9471 / تحميل: 3773
الحجم الحجم الحجم
البخاري و صحيحه

البخاري و صحيحه

مؤلف:
الناشر: محفوظة للمركز
العربية

٣ ـ متابعات(١) .

٤ ـ شواهد، وهي في الاغلب من المرسلات(٢) .

ولكل قسم منها حكمه الخاص.

وما ادعاه البخاري حول صحيحه ينحصر في الروايات المسندة، يعني اتصال السند بالمتون الخبرية، وما يخرج عن هذا العموم متابعات وشواهده وتعليقاته، ولذا فاننا وعندما نريد الاستدلال على صحيح البخاري فانه ينبغي الاشارة في الاستدلال إلى أي قسم من هذه الاقسام: الشواهد، التعليقات، المسندات؟

والمسألة الاخرى في هذا الكتاب، وتطرح بعنوان إشكال، وهي مسألة التراجم، والعناوين الواردة تحت الصحيح..

____________________

(١) التابع: المتابعة في الرواية هي أن يوافق الحديث على ما رواه من قبل راو آخر وهي نوعان تامة وقاصرة.

(٢) الشاهد: هو حديث مروي عن صحابي آخر يشابه الحديث سواء في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط، فالفرق بين الشواهد والمتابعات الاختلاف في الصحابي في الشواهد واتحاده في المتابعات على الاصح.

انظر: علوم الحديث لابن الصلاح: ٧٤، الباعث الحثيث لابن كثير ١: ١٨٦، المقنع لابن الملقن ٢: ١٨٨، التقييد والايضاح للعراقي: ١٠٩، فتح المغيث للسخاوي ١: ١٠٨، تدريب الراوي للسيوطي ١: ٢٠٣، توضيح الافكار للصنعاني ٢: ١٤.

٢١

هناك مقولة مشهورة تقول: إن فقه البخاري يكمن في تراجمه، وهذا يعني أن فقاهة محمد بن اسماعيل البخاري تستكشف من هذا القسم، أي تحسب من اجتهاداته وآرائه الفقهية، ومن المحتمل أن يكون هذا صحيحاً أو غير صحيح.

والمسألة الاخرى التي ترتبط بذلك الكتاب هي العناوين التي لم يرد تحتها أي من الروايات، يعني انحصارها في الترجمة فقط دون وجود ذكر للرواية.

ويعدّ هذا نقصاً في الكتاب; وعادة ما يبرره البعض بأن البخاري يبتدأ عمله بادراج العنوان أولاً فاذا وجد رواية سجلها وإلاّ فلا(١) .

* * *

____________________

(١) هدى الساري: ٦ و ١٢.

٢٢

القسم الثاني: شخصية البخاري

شخصية محمد بن اسماعيل البخاري من وجه نظر رجالية هناك توثيقات كثيرة له، كما ذكر أيضاً اسمه في طبقات المدلسين! وتدليسه ورد على لسان جماعة من المحدِّثين منهم ابن حجر في «طبقات المدلسين»(١) ، «تبيين اسماء المدلِّسين» لسبط بن العجمي طبع في كراس ذكر فيه محمد بن اسماعيل البخاري وجماعة من مشايخه(٢) .

وبالطبع هذا بحث رجالي في أن تدليس الائمة مضرّ أم لا، فيناقش في محلّه.

* * *

____________________

(١) طبقات المدلِّسين لابن حجر: ٢٤ رقم ٢٣.

(٢) تبيين أسماء المدلِّسين لابن العجمي: ٧٧ رقم ٦٤.

٢٣

٢٤

القسم الثالث:

معارضة البخاري لفقه أبي حنيفة

ويبحث في هذه المسألة فقه أبي حنيفة، وخلافات أهل الحديث وأهل الرأي بهذا الخصوص.

رأى المحدّثون انتشار الصحابة بعد النبي في البلدان، وتحديثهم الناس بقدر ما سمعوه من أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فاذا صادفهم شيء لم يسمعوا فيه من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حديثاً فامّا توقفوا حتى استفتوا أهل المدينة عنه، أو يعملون بآرائهم الشخصية، ففتح بذلك أبواب الرأي والنظر.

وعبدالله بن مسعود من الذين قدموا الكوفة فلم يكن على غرار الصحابة في موقفه، فقد كان يحدّث ما سمعه عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فاذا صادفته مسألة لم يسمع فيها حديثاً أشار إلى ذلك بقوله: أقول برأيي(١) ، فهو إذن

____________________

(١) أنظر: مسند أحمد ـ مسند المكثرين من الصحابة رقم ٣٨٩١، سنن النسائي الاسماء المبهمة في الانباء المحكمة للخطيب البغدادي: ٤٧٦.

٢٥

اجتهاد منه.

وجاء بعد ابن مسعود تلميذه علقمة الذي سار على خطى معلمه، وجاء بعد علقمة إبراهيم النخعي(١) ، وبعد إبراهيم حماد بن أبي سليمان(٢) ، وبعد حماد جاء أبو حنيفة.

وقد صعّد أبو حنيفة من اتجاه أهل الرأي في دمجه الاجتهاد بالقياس.

فمثلاً قوله: إن أبا هريرة لم يكن مجتهداً، وكان يسمع أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، ولا علم له بالناسخ والمنسوخ، وإذن فلم يكن مجتهداً ولا طائل من وراء رواياته.

وينسحب رأيه أيضاً على بعض رواة الحديث مثل طاووس اليماني وعطاء بن أبي رباح وطعنه على بعض التابعين.

ومن هنا فقد انتشر فقه أبي حنيفة في البلدان وتلقفه الناس دونما اعتراض حتى بلغ ذروة انتشاره في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن

____________________

(١) ابراهيم بن يزيد النخعي الكوفي المتوفى ٩٦هـ ، كان مفتي الكوفة وهو مختف من الحجاج، روى عن خاله الاسود بن يزيد بن قيس، وقال: «أدخلني خالي الاسود على عائشة وهو يقول: لم يكن أبو هريرة فقيهاً. ميزان الاعتدال ١: ٧٥.

(٢) حماد بن أبي سليمان الكوفي المتوفى ١٢٠هـ، انه قال لاهل الكوفة: «ابشروا يا أهل الكوفة! رأيت عطاءً وطاووساً ومجاهداً، فصبيانكم بل صبيان صبيانكم أفقه منهم» إنّما قال هذا تحديثاً بالنعمة وردّاً على بعض شيوخ الرواية ممَّن لم يؤت نصيباً من الفقه، وكانوا يسألون عن رأيه. ميزان الاعتدال ١: ٥٩٦.

٢٦

الثالث.

وقد أثار ذلك حنق المحدّثين، فقد أُعتبروا «صيادلة» في قبال الفقهاء الذين هم «أطباء».

فالاطباء من طبقة أبي حنيفة هم القادرون على استنباط الاحكام الفقهية، والافادة من نبوغهم الفكري.

ولان أبا حنيفة يقول بصحة الحديث الذي يقول: «من كذب علي متعمداً..» ولذا خطّأ العمل بالاخبار قائلاً بأن العقل هو حجة الباطن وملاكه في الافتاء رأيه الذاتي في تصويب حديث ورواية ما، إضافة إلى الاستناد إلى آيات القرآن ولا حاجة لاعتماد أخبار الاحاد.

هذا هو فكر أبي حنيفة وحجته الشرعية، فهو لا يريد كما يزعم التورّط في الكذب على النبي، لانه غير واثق من صحة الروايات والاحاديث النبوّية، ولذا كان لديه كمّ ضئيل من الاخبار الصحاح في رأيه، مما جعله يتشبث بالقياس.

وقد دفع إعلانه حول المحدّثين واعتبارهم صيادلة مقابل الفقهاء دفع بالمحدّثين إلى اللجوء إلى أجهزة الدولة والافادة من سلطات الخلفاء في قمع أهل الرأي(١) .

____________________

(١) وذلك أحد الدواعي إلى وضع الحديث وانتشارها بين الناس، هذا أبو عصمة نوح بن أبي مريم يسأل: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال: «إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الاحاديث حسبة.

انظر موضوعات ابن الجوزي ١: ٤١، التقييد والايضاح للعراقي ١٣٢، تدريب الراوي ١: ٢٨٢.

٢٧

ومن هنا فأنا أوصي بمطالعة التاريخ، لانه ينطوي على كثير من الحقائق التي تلقي الضوء على المسار الفكري والحركة الفقهية في تاريخ الاسلام، وسوف نواجه من خلال ذلك صوراً مؤلفة من ثلاثة أبعاد، ويجب أن ندقق في هذه الصور جيداً، لتبدو الصورة الحقيقية في كيفية تدوين تاريخ الاسلام؟ وكيف اتجهت المسيرة الفكرية والفقهية؟ وكيف وصل كل ذلك إلى أيدي المسلمين؟

فمثلاً ورد في التاريخ أن أول من نهض ضد أبي حنيفة هو عبدالله بن الزبير الحميدي في مكة، وهذا الاخير وصفه البخاري: شيخ كبير كثير الرواية، ولعبدالله الحميدي هذا كتاب «مسند الحميدي» مطبوع وموجود في المكتبات.

ويعد الحميدي من أبرز ثقات المشايخ الذين اعتمدهم البخاري في الرواية.

وهناك امتياز للحميدي في الصحيح حيث يتعدّى الرواية عنه، وخلو الكتاب من مقدّمة، والرواية عن الحميدي هي بمثابة افتتاحية للكتاب وخطبة له، كما يشرع كتابه: بسم الله.. وبعدها: حدثنا الحميدي.

٢٨

والحميدي هذا وكما نقل الخطيب البغدادي في تاريخه والذهبي في تاريخ الاسلام والسير: أنه شيخ الحرم كان يجلس في المسجد الحرام ويحدّث فإذا وصل إلى ذكر أبي حنيفة قال: «أبو جيفة» فهو يعبّر عن أبي حنيفة ـ بأبي جيفة!!

ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن البخاري إنما يريد من وراء ذلك الاعلان عن موقفه من أبي حنيفة.

كما أن البدء برواية حديث «النيات»(١) يؤكد ذلك، لان الاحناف يشكلون على هذا الحديث وشموليته في أحكام العبادات والمعاملات(٢) !

وقد كرر البخاري ذلك الحديث سبع مرّات(٣) ، ليؤكد نافذيته في

____________________

(١) «إنما الاعمال بالنيات».

(٢) قال فخر الاسلام البزدوي الحنفي في «كشف الاسرار» من كتب الاصولية للاحناف: اما قوله(عليه السلام): «الاعمال بالنيات...» فمن القسم الرابع (أي: ظني الثبوت والدلالة كأخبار الاحاد التي مفهومها ظني).

وقال أبو جعفر الطبري: «حديث الاعمال بالنيات...» على طريقة بعض الناس مردود، لكونه فرداً، لا يروى عن عمر إلاّ علقمة، ولا عن علقمة إلاّ من رواية محمد بن إبراهيم... كشف الاسرار ١: ٨٤.

(٣) ١ ـ افتتاح الكتاب.

٢ ـ كتاب الايمان.

٣ ـ كتاب العتق.

٤ ـ كتاب مناقب الانصار.

٥ ـ كتاب النكاح.

٦ ـ كتاب الايمان والنذور.

٧ ـ كتاب الحيل.

٢٩

المعاملات والنكاح وحتى في الطلاق.

هناك مسألة هامّة في هذا الموضوع، وهي كتاب الحيل الذي لم يكتب فيه أي من محدّثي أهل السنة.

فأبو حنيفة أو بعض تلاميذه ربما كان الشيباني أو أبو يوسف، إذ دوّن أحدهم كتاباً بعنوان «كتاب الحيل»، وهو يشتمل على طرق الالتفاف على الاحكام وبكلمة واحدة تحليل الحرام.

فهناك أحكام تنص على حرمة موضوع معيّن، ولكن عند تغيير الموضوع فان حكم الحرمة سوف يتغير بالتبع، فمثلاً في باب الزكاة.. فهي مثلاً تجب عند اكتمال النصاب، ولكن أبا حنيفة يفتح باباً للهروب من دفع الزكاة بأن يعمد صاحب المال الى هبة ابناءه جزءً منه فيخرج المال قبل حلول رأس السنة بليلة واحدة من حدّ النصاب، وهكذا في كثير من المسائل الاخرى التي وضعت لها طرق التفاف على الموضوع والحكم بصورة مدهشة.

وقد سبب هذا الاتجاه ردّ فعل عنيف لدى أهل الحديث، الذي عدّو اهمال الحديث النبوي اهانة كبرى.

وقد أسفر موقفهم عن تأليف كتاب الحيل، وقد تم ذلك على يد

٣٠

محمد بن اسماعيل البخاري، حيث بدأه بحديث الاعمال بالنيات.

فأصبح الملاك في العمل النيّة في العبادات والمعاملات، سواء بقي الموضوع أو تغيّر، فالنية هي وحدها الاساس في العقاب والثواب الالهي.

وهل أن نيّتي من وراء هذا الفعل مثلاً ضرب النصاب الموجب للزكاة للفرار من أدائها فان فعلاً كهذا سيكون حراماً.. غير أن أبا حنيفة يرى ألاّ مدخليّة للقصد والنية في ذلك، ومن هنا برزت الحاجة إلى إجراء مقارنة بين فقه أبي حنيفة وروايات صحيح البخاري، حيث تظهر بوضوح العلاقة خاصّة في كتاب الحيل(١) .

وذكر البخاري أئمة المذاهب الاربعة بالاسم باستثناء أبي حنيفة، فقد ذكر اسم الشافعي صراحة وذكر اسم أحمد بن حنبل ومالك، ولكنه عندما يتعرض إلى أبي حنيفة فانه يكنّي عنه بهذه العبارة: «وقال بعض الناس» أو «قول بعض الناس».

وقد ورد هذا التعبير ٢٧ مرّة، أربع عشر منها في كتاب الحيل وحده.

____________________

(١) انظر كتابنا «الامام البخاري وفقه أهل العراق» الثاني عشر: في الزكاة: ١٨٩ ـ ١٩٠.

٣١

ويؤكد الشارحون أن هذه العبارة هي كناية عن أبي حنيفة وبعض تلامذته كالشيباني وأبي يوسف.

والجدير ذكره في هذا الموضوع أن البخاري قد شدَّد بصورة أخرى على أبي حنيفة في كتاب الهبة، فانه بعد عبارته: «وقال بعض الناس، يصرّح أن ما يقوله «بعض الناس» يعدّ مخالفة لسنّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)(١) .

وفي الكتاب الذي ذكر في أسماء الكتب تحت عنوان «الضعفاء والمتروكين» للبخاري يورد ابن عبدالبر لعن أبا حنيفة(٢) ، وفي التاريخ الاوسط المطبوع مواضع أخرى عن قول نعيم بن حماد المروزي وهو من مشايخ البخاري، وهذه مسألة هامّة في تأثر البخاري

____________________

(١) وهذا نصّه: وقال بعض الناس: إن وهب هبة ألف درهم أو أكثر، حتى مكث عنده سنين واحتال في ذلك ثم رجع الواهب فيهما، فلا زكاة على واحد منهما، فخالف الرسول(صلى الله عليه وسلم) في الهبة واسقط الزكاة.

صحيح البخاري كتاب الحيل، وانظر في ذلك «الامام البخاري وفقه أهل العراق»: ١٩٧ ـ ١٩٩.

(٢) قال ابن عبدالبر في كتاب «الانتقاء في فضائل الثلاثة الائمة الفقهاء»: فممن طعن عليه وجرحه: أبو عبدالله محمد بن اسماعيل البخاري فقال: في كتابه «الضعفاء والمتروكين»: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي.. وقال نعيم بن حماد: كنت عند سفيان فجاء نعي أبي حنيفة فقال: لعنه الله كان يهدم الاسلام عروةً عروةً، وما ولد في الاسلام مولودا أشرّ منه، هذا ما ذكره البخاري.

راجع: «الانتقاء في فضائل الائمة الثلاثة الفقهاء»: ١٤٩، وليست العبارة موجودة في كتاب «الضعفاء والمتروكين» المطبوع اليوم.

٣٢

بشيوخه.

وهناك مزاعم حول انتماء محمد بن اسماعيل البخاري إلى المذهب الحنفي حتى وصوله مكّة، فالمذهب الحنفي هو المذهب السائد في بخارى ومرو وخراسان بشكل عام، والفقه الحنفي هو الفقه المعمول به في تلك الاقاليم.

كما أن آباء البخاري كانوا أحنافاً، باستثناء جدّه الثالث الذي كان مجوسياً في الاصل.

فمذهب البخاري كان في البدء على مذهب أبي حنيفة، ولكنه انتقل إلى الشافعي لدى وروده مكة، وهو كما يقال قد تلقاه عن شيوخه!

فمن شيوخه نعيم بن حماد المروزي، ونعيم هذا كان من شيوخ البخاري بلا واسطة، وهو وضاع للحديث يفعل ذلك من أجل تعزيز موقع السنة.

فابن حجر ومعه الذهبي يقولان بأن نعيم المروزي وضاع للحديث في تقوية السنة(١) .

وقد وضع الاحاديث نكاية بأبي حنيفة، وهي مزورة تفتقد إلى الصحة، ومسألة تأثر البخاري بشيوخه تصل إلى تبلور عقائده وافكاره،

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٠: ٥٩٥ رقم ٢٠٩، تهذيب التهذيب ١٠: ٩ رقم ٨٣٣.

٣٣

فهو متأثر بكل من حسين الكرابيسي وابن كلاب كما نجد ذلك في فتح الباري، وعندما نبحث في ترجمة ابن كلاب نجده نصرانياً(١) بل رأس الكلابية(٢) وهي فرقة من الفرق الكلامية.

وابن حجر يصرّح بأن البخاري أخذ عقائده من هذين الشخصين(٣) وكلاهما مجروح لدى أهل الرجال.

ومن الشيوخ الذين تأثر بهم البخاري في أفكاره وعقائده أبو بكر بن أبي شيبة صاحب كتاب «المصنف»، وله في الجزء الاخير كتاب سماه بـ«الرد على أبي حنيفة»، وفيه مسائل الخلاف بين أهل الرأي وأهل الحديث جمعها ابن أبي شيبة وطبع.

ويعتقد البعض أن البخاري في معارضة أبي حنيفة قد تأثر باسحاق ابن راهويه ونعيم بن حماد المروزي والحميدي وأبي بكر بن أبي شيبة هذا.

ولذا فان من يريد قراءة أفكار البخاري ينبغي عليه أن يأخذ ما ذكرنا

____________________

(١) تهذيب التهذيب ٢: ٣١٠.

(٢) الفصل في الملل والنحل ابن حزم ٥: ٧٧، معجم الفرق الاسلامية شريف يحيى: ٢٠٠، المقالات للاشعري ١: ١٥٤، سير أعلام النبلاء ١١: ١٧٥.

(٣) قال ابن حجر: أما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي، وابن كلاّب ونحوهما. فتح الباري ١: ٤٢٣.

٣٤

بنظر الاعتبار، يعني يتعيّن عليه أولاً أن يتعرّف شيوخه وطبيعة عقائدهم، وما هي أفكارهم، ومواقعهم لدى الخلفاء المعاصرين لهم، ومدى استقلالية اتجاههم الفكري وعدم تأثرهم بمتبنيات وسياسة الخلفاء الفكرية.

وهذه مسألة جوهرية جداً، لانه من المستحيل البحث في فقه وحديث أهل السنة دون التحقيق في شكل العلاقة مع أجهزة الدولة والخلفاء، ولذا من الضروري بمكان دراسة سياسات الخلفاء الفكرية في العهدين الاموي والعباسي، خاصّة الفترات التي شهدت عملية تدوين الحديث.

ومن الضروري أيضاً التركيز على الخليفة العباسي المتوكل الذي مارس سياسة اتسمت بالارهاب والعنف الجنوني، حتى وصلت سياسته العدائية لعلي وأبناءه مثلاً إلى أن يقدم علي بن الجهم الشاعر ـ ومن ندماء المتوكل ـ على شتم أبيه لانه سمّاه عليّاً(١) !!

واذن، فان المتوكل كان يقود بنفسه ومعه امكاناته الضخمة تياراً ناصبياً تجلّى واضحاً في إقدامه على تدمير مرقد الحسين وتسويته بالتراب وحرث الارض وغمرها بالمياه، كما فرض حصاراً رهيباً حول

____________________

(١) تاريخ الاسلام الذهبي حوادث ٢٤١ ـ ٢٥٠ ص٣٥٧.

٣٥

المنطقة ومنع المسلمين من زيارة سبط النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وريحانته.

إن دراسة هذه الفترة السوداء ضرورية عند دراسة شيوخ البخاري وفي دراسة صحيح البخاري أيضاً(١) .

* * *

____________________

(١) انظر: «الامام البخاري وفقه أهل العراق» باب خطة المتوكل العباسي لنشر النصب.

٣٦

٣٧

القسم الرابع:

دراسة تاريخ أهل الحديث في القرون الثلاثة

هنا ينبغي دراسة أفكار محمد بن اسماعيل البخاري وطبقة أهل الحديث تاريخياً، خاصّة في عهد المتوكل العباسي، باعتباره أول من أظهر السنّة كما ورد ذلك في تاريخ الرجال، فهو أول خليفة نقض سيرة آبائه وأجداده، فاستخدم طبقة من المحدّثين ووهبهم الجوائز والمرتّبات المغرية في الردّ على المعتزلة والجهمية، فانتشرت في عهده أخبار التجسيم والتشبيه، فكان البخاري في طليعة من ضبط هذه الاخبار التي أخذها عن مشايخه دون واسطة.

فابنا أبي شيبة محمد بن عبدالله بن محمد بن شيبة وعثمان بن أبي شيبة هما أخوان ومن المكثرين في رجال البخاري.

فهؤلاء من هذه الطبقة التي اغدق عليها المتوكل بجوائزه لوضع الاخبار في الرد على أخبار المعتزلة والجهمية، إذ جلسوا يحدّثون الناس في مسجد الرصافة ومدينة المنصور.

يقول الذهبي: «أنّه أشخص الفقهاء والمحدّثين، فكان فيهم: مصعب

٣٨

الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبدالله الهروي، وعبدالله وعثمان ابني محمد بن أبي شيبة، فقُسِّمت بينهم الجوائز، وأُجريت عليهم الارزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس ويحدِّثوا بالاحاديث التي فيها الردّ على المعتزلة والجهمية، وأن يحدّثوا بالاحاديث في الرؤية.

فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفرالمنصور، ووُضِع له منبر واجتمع عليه نحوٌ من ثلاثين ألف من الناس، وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشدَّ تقدُّماً من أخيه عثمان، واجتمع عليه نحوٌ من ثلاثين ألف»(١) .

* * *

____________________

(١) تاريخ بغداد ١٠: ٦٦، تاريخ الاسلام ـ وفيات ٢٣٠ ـ ٢٤٠ ص٢٣٠.

٣٩

القسم الخامس:

الاسرائيليات في صحيح البخاري

للوهلة الاولى يبدو الموضوع مدهشاً لا يصدّق، فهل يمكن لكتاب يورد لعناً في بعض أبوابه لليهود والنصارى أن يتضمن ترويجاً لهم في بعض أبوابه؟ كما هو الحال في باب الذبائح!! في الرواية التالية

وفي كتاب «الذبائح» نسب إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أكل لحوم ما ذُبح على الاصنام! فروى:

«حَدَّثَنا مُعَلى بنُ أسَد، حَدَّثَنا عَبدُالعَزيزِ ـ يَعني ابنَ المُختارِ ـ : أخبَرَنا مُوسى بنُ عُقبَةَ قالَ: أخبَرَني سالِمُ أنَّهُ سَمِعَ عَبدَاللهِ يُحَدِّثُ عَن رَسُولِ الله: أنَّهُ لَقِيَ زَيدَ بنَ عَمروبنَ نُفَيل بِأسفَل بَلْدَح ـ وَذاكَ قَبلَ أنْ يُنزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ الوَحيُ ـ فَقَدَّمَ إلَيهِ رَسُولُ اللهِ سُفرَةً فِيها لَحْمٌ، فَأبى أنْ يَأكُلَ مِنْها، ثُمَّ قالَ: إنّي لاآكُلُ مِما تَذْبَحونَ عَلَى أنْصابِكُمْ، وَ لاآكُلُ إلاّ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيهِ»(١) !!

____________________

(١) صحيح البخاري ٦: ٢٢٥، كتاب الذبائح، باب: ما ذبح على النصب والاَصنام ط باموق، فتح الباري ٩ : ٥١٨.

٤٠