الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة الجزء ١

الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة0%

الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة مؤلف:
الناشر: معهد الرسول الأكرم (ص) العالي للشريعة والدراسات الإسلاميّة
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 198

الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد الرسول الأكرم (ص) العالي للشريعة
الناشر: معهد الرسول الأكرم (ص) العالي للشريعة والدراسات الإسلاميّة
تصنيف: الصفحات: 198
المشاهدات: 85659
تحميل: 5562


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 198 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85659 / تحميل: 5562
الحجم الحجم الحجم
الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة

الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة الجزء 1

مؤلف:
الناشر: معهد الرسول الأكرم (ص) العالي للشريعة والدراسات الإسلاميّة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المجتهد؛ أي أنّ نشاط العلماء هو الّذي يمثّل حركة الفقه نحو التقدّم، لا سيما إذا عرّفنا الفقه بأنّه: عبارة عن الجهود الجمعيّة للفقهاء(٩) . من هذا المنطلَق، فإنّ للمجتهد دوره الأساسي في تطوير الفقه. ولتوضيح هذه الفكرة نشير إلى مجموعة من النقاط الهامّة في هذا المجال، رغم أنّها ليست كلّ الحقيقة.

١ ـ حياة المجتهد:

من المعلوم أنّ الوقائع تحدُث تدريجيّاً عبر العصور، واستكشاف الأحكام الشرعيّة للوقائع المستجَدَّة، يمثّل فلسفة وجود الاجتهاد المطلق والنظام الفقهي المتطوّر. والوسيلة الوحيدة لاستنباط أحكام الوقائع المستجَدَّة، هي خوض الفقيه ومواجهته، لهذه الظواهر الطارئة. وحياة المجتهد شرط ضروري لازم لتحقّق هذا الأمر، ومن هنا، فإنّ أكثر فقهاء الشيعة لا يجوّزون تقليد الميت(١٠) . نعم، يجوّزون ذلك في صورة البقاء؛ فيما إذا كان الميّت أعلم من الحي. (رغم أنّ البعض لا يجوّز ذلك أيضاً).

وهنا لا بدّ من ملاحظة مقدار انسجام اشتراط حياة المجتهد ومواجهته للوقائع المستجَدَّة، مع أصل النظام الفقهي وأهداف الفقه، على ضوء قبولنا واختيارنا لما أسميناه بـ ((الاجتهاد المطلق))، وضرورة إجابة الفقه عن كلّ المسائل المستجَدَّة. وكذلك مسألة تقليد المجتهد ابتداءً أو استدامة ـ حتّى لو لم يكن الأعلم، أو الفتوى بجواز البقاء على تقليد الميت ـ في بعض المسائل الّتي عمل بها، لنرى إلى أيِّ مدى يمكنها أن تتلاءم مع آليّة الاجتهاد الفقهي الشيعي؟

إنّ عدم تجوز تقليد المجتهد الميّت يحقّق لنا هدفين على الأقل، هما:

أوّلاً: الارتباط الدائم بين الأمّة (الشيعة) والقائد الديني (الإمام ونائب الإمام)، الأمر الّذي طُرِح في نظريّة الإمامة والنيابة. وعلاوةً على ذلك، يحقّق الانسجام مع ما هو مطروح في نظريّة الولاية والفقاهة، المطروحة في فكرة ولاية

ــــــــــــــ

٩ ـ صادق لاريجاني، كفتكوهاى فلسفه فقه، (حوارات حول فلسفة الفقه)، ص١٧٧.

١٠ ـ السيّد محمد كاظم اليزدي، العروة الوثقى، ص٥٤، المسألة التَّاسعة.

١٨١

المعصوم أو الفقيه، بناء على هذه النظريّة، فإنّ القادة المعصومين أو نوّابهم غير المعصومين هم الّذين يأخذون بأيدي مريديهم في سبيل السير إلى الله تعالى.

ثانياً: هذا الشرط يؤمِّن كون المرجع أو المجتهد عالماً بظروف الأمّة وشؤونها الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة المعاصرة. وبعبارة عامّة، من شرائط الاجتهاد المطلق المفتوح: أن يكون المجتهد، عند رجوع الأمّة إليه، عالماً بأحوال العصر وظروفه، وأعلم الناس بحلول المشاكل الطارئة. وفي الواقع؛ إنّ فكرة رجوع الجاهل إلى العالم، تتضمّن، في جذورها، كون العالم المرجوع إليه مطّلعاً على الوقائع المراد معرفة حكمها، ومُعايشاً لظروفها وأجوائها. إذاً، من لوازم فتح باب الاجتهاد، وكون المجتهد أعلم بأَحوال الزمان، أن يكون المرجع المراد تقليده حيّاً مطّلعاً على ظروف العصر وأحواله؛ ليضمن حركيّة الفقه وتطوّره، وليصل إلى الأهداف المتوخَّاة، باستعمال الوسائل المناسبة.

٢ ـ المعرفة بالموضوعات:

جعل الشارع الأحكام الّتي أمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإبلاغها إلى الناس على نوعين:

النوع الأوّل: الأوامر الإلهيّة الّتي تشمل كلّ زمان ومكان، وكلّ إنسان، مهما اختلفت الطباع والعادات، وغير ذلك من الأمور.

النوع الثاني: الأوامر والأحكام الإلهيّة الخاصّة بزمان محدّد، أو مكانٍ كذلك. ويوجد أصل فقهي عام وأساسي، مفاده: إنّ الأصل في الأحكام أن تكون من النوع الأوّل، إلاّ إذا تصدّى الشارع، وأشار بطريقة ما، إلى أنّ هذا الحكم الفلاني مؤقّت، وخاص بزمان محدّد. ويسمّى توقيت الحكم الخاص بزمان محدّد بـ ((النَّسخ)). والنوع الأول من الأحكام يُبيَّن دائماً بواسطة القضيّة الحقيقيّة الّتي تشمل كل المصاديق الموجودة عند صدور الحكم، والّتي ستتجدّد فيما بعد. والمراد من القضيّة الحقيقيّة هنا: ((أن يكون وجوده (موضوع القضيّة) في نفس

١٨٢

الأمر والواقع؛ بمعنى أنّ الحكم على الأفراد المحقَّقة الوجود والمقدَّرة الوجود معاً))(١١) . إذاً، وبناءً على هذا الأصل، تكون أكثر الأحكام الإلهيّة عامّة لكل زمان ومكان. والنكتة الأساسيّة لتطوّر الفقه، وكون المجتهد عالماً بزمانه، تكمن في كيفيّة مواجهة الفقهي للحكم وأجزائه، وأنّه في أيّ شيءٍ يفكّر المجتهد، عندما يَعْمَل على استنباط الحكم الشرعي؟. ومثال ذلك، إحدى القضايا الحقيقيّة الّتي قرّرها الشارع، وهي حرمة الرِّبا في قوله تعالى في القرآن:( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) (١٢) ، فالسؤال الأساس الّذي يواجه الفقه المتحرّك، يدور حول ماهيّة الرِّبا والمراد منه.

وهكذا يتَّضح أنّ الخطوة الأولى على طريق تحديث الفقه، تكمن في البحث في مواضيع الأحكام. ومن هنا، ظهرت نظريّة ((العلم بالموضوعات)) إلى الوجود، وطُرِحت إشكاليّة مفادها: أنّه كيف يمكن للفقيه أن يكون عالماً معاصراً ولا يعرف العصر، أو بالعكس؛ أي أن لا يكون عالماً معاصراً، ولكن مع ذلك يعطي أحكاماً لهذا العصر؟، يقول الفقيه الحكيم الإمام الخمينيرحمه‌الله : ((أنا أؤمن بالفقه ((التقليدي)) والاجتهاد الجواهري، الاجتهاد بهذه الطريقة صحيح، ولكن ليس معنى ذلك أنّ الفقه الإسلامي جامد وغير متطور..))(١٣) . وهنا ينبغي تقييم عمل المجتهد في عمليّة الاستنباط الأحكام الشرعيّة، فهو أوّلاً يختار منهجاً للاستنباط، ثُمَّ بعد ذلك يدرس الموضوع المراد استكشاف حكمه، وأخيراً يتوجّه نحو المصادر والمدارك المرتّبة بهذا الموضوع، وعندها يكتشف وجود الربط بين الموضوع وبعض المدارك.. وهكذا يصل إلى مرحلة الفتوى وإعطاء الحكم، أو لا يصل إلى ذلك ويلزم جادة الاحتياط. وفي ثنايا هذا السير الفكري، والتأمّل في الموضوع، يحاول أن يوازن بين الموضوع المدروس، وبين المصاديق المحتمَل انطباقه عليها. وبعبارة أخرى، يضفي على الموضوع حالة عينيّة خارجيّة [ويخرجه من حالته النظريّة المحضة]، ويقول: ((إنّ هذا النوع من التبادل رباً وذاك ليس رباً)) (وهكذا).

ــــــــــــــ

١١ ـ محمد رضا المظفر، ((المنطق))، ص١٤٣.

١٢ ـ سورة البقرة: الآية ٢٧٥.

١٣ ـ الإمام الخميني قدس‌سره ، المصدر السابق، ج٢١، ص٩٦.

١٨٣

والقلق الأساسي للفقه المتحرّك، هو في أنّ إعطاء حكم لموضوع ما لمجرد تشابه اسمي مع موضوعٍ ورد ذكره في المصاديق القديمة، من دون ملاحظة الظروف المحيطة بكلا الموضوعين، من اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة، بعيد غاية البعد عن وادي التحقيق والعلم، وهذا الإمام الخمينيرحمه‌الله يقول: ((عندما نلاحظ العلاقات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، نرى أنّ الموضوع الأوّل الّذي لا يفترق عن الموضوع الثاني بحسب الظاهر، نجده موضوعاً ثانياً وجديداً لا ربط له بالأوّل إلاّ بالاسم؛ ولهذا فهو يحتاج إلى حكمٍ جديد. فعلى المجتهد إذاً، أن يكون محيطاً بقضايا عصره وأوضاعه))(١٤) .

والشاهد على هذه الدعوى، النظر إلى فتاوى الفقهاء المعاصرين حول الفائدة البنكيّة، وحيل الرِّبا، والتجارة بالأوراق النقديّة، والشيكات والسندات، وغير ذلك. فمثلاً يقول أيّة الله معرفت: ((إنّ عمل البنك في هذه الأيام، يصدق عليه أنّه ((منا وإلينا))، فلا يصدق عليه أيُّ مِلاك من مِلاكات الرِّبا الّتي حرّمها الشارع في الصدر الأول. ومن هنا، فلا إشكال في حلّيّة أخذ الفائدة الـبنكيّة وإعـطائها))(١٥) .

وهكذا يتّضح أنّ التحليل الدقيق للموضوع على ضوء التحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، يوصلنا إلى أنّه ربّما كان لشيئين اسم واحد، إلاّ أنّهما في الواقع أمران مختلفان، رغم اتحادهما في الاسم. وهذا أيّة الله التبريزي يقول: ((من المعلوم أنّ هذه الأموال (الأوراق النقديّة) ليست من المكيل أو الموزون؛ ولذلك فإنّ مبادلتها بجنسها مع زيادة ليس من الرِّبا في شيء، وكذلك مبادلة الدين (من الأوراق النقديّة) الّذي في الذمّة، بنقد أقلّ أو أكثر، ليس رباً كذلك. أي إذا تمّت معاوضة عشرة آلاف ريال في الذمّة بتسعة آلاف نقداً لا يكون رباً))(١٦) .

ومن هذا المنطلق، يمكن إيجاد تحوّل وتطوّر أساسي في النظام البنكي الإيراني. وأكثر الدعاوى تفاؤلاً واعتدالاً في نظريّة ((العلم بالموضوع)) هي أن

ــــــــــــــ

١٤ ـ المصدر نفسه، ص٩٨.

١٥ ـ محمد هادي معرفت، مجلة نقد ونظر، ص٢٨، السنة الثانية، العدد ٥.

١٦ ـ جواد تبريزي، ((رسالة توضيح المسائل))، ص٥٠٧.

١٨٤

يُطلَب من الفقهاء أن يبحثوا حول تَغيُّر الموضوعات في عصر تغيُّرها السريع والعجيب. ورغم وجود نظريّة أخرى ترى أنّ تطوّر الفقه يكمن في التغيّر المفهومي، أو القبض والبسط في المفهوم عبر الزمان والمكان، وتنظر إلى تبدّل الحكم من نافذة تغيير مفهوم الموضوع؛ فتطبيق الموضوع الوارد في الأدلّة على مصداق معاصر، مع عدم ملاحظة الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، ليس علمياً، وهو بعيد عن الواقعيّة. ومضافاً إلى ذلك، فإنّه سوف يؤدّي إلى نوع من عدم الانسجام بين الأحكام الفقهيّة، ويؤدّي أيضاً إلى فشلها في تحقيق أهدافها المتوخّاة منها. بناء على ذلك، فإنّ الفقه التقليدي سوف يصل إلى تطوّره وحركيّته عبر النظرة الواقعيّة إلى الأحكام وموضوعاتها، مع المحافظة على قوّته المنهجيّة؛ لذا يمكن القول: إنّ الطريق الحصري للبحث الموضوعي (موضوعات الأحكام) هو البحث الجماعي المشخَّص الحدود.

٣ ـ معرفة الأحكام:

يقول الشهيد الصدررحمه‌الله في تعريف الاحكام: ((الحكم الشرعي هو: التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان. والخطاباتُ الشرعيّة في الكتاب والسنة مبرِزَةٌ للحكم وكاشِفةٌ عنه))(١٧) ، وعرَّفه آخرون بـ : ((الاعتبار الشرعي المتعلِّق بأفعال العباد تعلُّقاً مباشراً أو غير مباشر))(١٨) .

وبشكل عام، قُسّم الحكم إلى أقسام متعدّدة، باعتبار أُسس مختلفة، منها:

١ ـ الحكم الوضعي والتكليفي.

٢ ـ الحكم الأوّلي والثانوي.

٣ ـ الحكم الحكومتي وغير الحكومتي، إلى غير ذلك من التقسيمات(١٩) .

فالحكم التكليفي يتعلّق مباشرة بأفعال الإنسان، مثل: الوجوب، والحرمة، وغيرهما.

ــــــــــــــ

١٧ ـ محمد باقر الصدر رحمه‌سالله : دروس في علم الأصول، (الحلقة الأولى)، ص٦٥.

١٨ ـ محمد تقي الحكيم، (مصدر سابق) ص٥١.

١٩ ـ المصدر نفسه، ص٧٤ و٥١.

١٨٥

وأمّا الحكم الوضعي، فإنّه لا يتعلّق بأفعال المكلَّفين بشكل مباشر، وإنّما يُشّرع وضعاً معيّناً يرتبط بالإنسان، نعم، قد يستتبع حكماً تكليفيّاً، ومثاله: الصحة والفساد(٢٠) (وهذان الحكمان يترتّب عليهما أحكام تكليفيّة كوجوب الإعادة، أو عدمها، إذا كنّا متعلّقين بالعبادة مثلاً، وهكذا).

والحكم الأوّلي هو، الحكم المُشَّرع من دون ملاحظة الأحوال الاستثنائيّة الطارئة على المكلَّف.

وأمّا الحكم الثانوي، فهو الحكم الّذي يُلاحَظ فيه حالات خاصّة؛ من قبيل الاضطرار، أو الإكراه، أو العسر، أو الحرج، أو غير ذلك(٢١) ...

والفرق بين الحكم الحكومتي وغيره، أنّ الأوّل مرتبط وجوداً وعدماً بوجود الدولة الإسلاميّة وعدمها، أو أنّ له ارتباط بشأن الحاكم أو المرجع، ويمكن البحث عنه بشكل تخصّصي في مجال آخر(٢٢) . وكلّ النظريّات الفقهيّة تقبل بوجود النوعين الأوّل والثاني (الأوّلي والثانوي)، وفلسفة الأحكام الثانويّة ترجع إلى المرونة الموجودة في النظام الفقهي، تكيّفه مع حالات المكلَّف المختلفة.

ــــــــــــــ

٢٠ ـ محمد باقر الصدر، (المصدر السابق)، ص٦٧.

٢١ ـ المصدر نفسه، ص٤٨، ولمزيد من الاطلاع راجع: علي أكبر كلانتري، حكم

ثانوى در تشريع إسلامى (الحكم الثانوي في التشريع الإسلامي)، مركز انتشارات دفتر تبليغات، ١٣٧٨هـ. ش.

٢٢ ـ راجع مجموعة المقالات المقدَّمة إلى مؤتمر دراسة المباني الفقهيّة للإمام الخميني رحمه‌الله ، دور الزمان والمكان (مِلاكات الأحكام والحكم الولائي)، ج٧.

١٨٦

بيد أنّ الأصل المهمّ في التفرقة بين الحكم الأوّلي والحكم الثانوي، هو أنّ الحكم الأوّلي ينصبُّ على الحالة العاديّة للمكلَّفين، بينما الحكم الثانوي يتوجّه إلى المكلَّف في الحالات غير الطبيعيّة. وبناءً عليه، لو فرض أنّ الأحكام الأوّليّة لم يمكن تطبيقها في مجتمع ما، فإمّا أن يكون هذا المجتمع في حالة غير طبيعيّة، وإمّا أنّ هذا الحكم ليس أوّليّاً. وإنّ وجهة النظر الّتي تريد أن تنظر إلى تطوّر الفقه من زاويّة الأحكام الأوّليّة والثانويّة، وتحاول أن تُحِّل الأوضاعَ غير الطبيعيّة للمجتمع محلّ الأوضاع العاديّة، خاطئة. ونتيجة هذا النمط من التفكير واضحة!؛ فإدارة المجتمع بواسطة الأحكام الثانويّة والاضطراريّة لها آثار مضرّة به؛ وذلك لأمور:

١ ـ لن يتحقّق هدف الشارع ومقصده من جعله للأحكام الأوّليّة.

٢ ـ سوف يتبيّن أنّ تَوقُّع الشارع للحالات الطبيعيّة لم يكن صحيحاً.

٣ ـ سوف يؤدّي ذلك إلى الشكّ في خلود ودوام الأحكام مع مرور الزمن.

٤ ـ سوف تتبدّل هذه الأحكام الثانويّة إلى أحكام أوّليّة، ثُمَّ تولد بعدها أحكام ثانويّة أخرى، وهكذا، وهذا ما لا يقبله أحد.

إذاً، يبدو أن نظريّة تطوّر الفقه بواسطة تقسيم الأحكام إلى أوليّة وثانويّة لن يحل مشكلة الفقه، بل سوف يعقّد التجديد في الفقه أكثر مما هو معقد. وأما الأحكام الولائيّة، فإنّ البعض عرّفها بما يلـي: ((الحكم الولائي هو حكم يقرّره ويجعله وليّ المجتمع على أساس مصالح محدّدة سلفاً؛ ولأجل حفظ سلامة المجتمع وتنظيم أموره؛ ولإقرار العلاقات

١٨٧

الصحيّة بين المؤسّسات الحكوميّة، وغير الحكوميّة، وهذا الحكم يكون في مجالات متعدّدة، من ثقافيّة، أو ضريبيّة، أو عسكريّة، وحول الحرب والسلام، والصحة وإعمار الطرق، وضرب النقود، وسائر الأمور القانونيّة والاقتصاديّة والسياسيّة وغير ذلك...))(٢٣) .

يؤكّد الإمام الخمينيرحمه‌الله في أكثر من مورد على أنّ الحكومة والأحكام الولائيّة من أحكام الإسلام الأوّليّة، ويقول: ((إنّ الحكومة الّتي هي فرع من الولاية المطلقة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. وهي واحدة من الأحكام الإسلاميّة الأوّليّة، ومقدّمة على كل الأحكام الأوّليّة الأخرى))(٢٤) ، ويمكن أن يكون مراده من كلمة ((أوّليّة)) هنا: ((أنّه يمكن أن تُستنبط بعض الإلزامات والمحظورات، خارج إطار ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلاميّة ومؤسّساتها، إلاّ أنّ هذه الأمور لا قيمة تنظيميّة أو تشريعيّة لها؛ لأنّها لا تعتبر شرعيّة وإسلاميّة))(٢٥) . وهذا المفهوم إذا ضُمَّ إلى أصل آخر يقول: ((إنّ ممارسة الولاية مقيّدة بمراعاة مصلحة المسلمين))(٢٦) . نجد أنّ الجمع بين هذين الأصلين سوف ينتقل بالفقه الشيعي إلى عِراصٍ جديدة من الناحيّة الاجتماعيّة، ويؤمّن له حيويّته ومرونته.

وثَمَّة نظرة أخرى إلى أوّليّة الأحكام الولائيّة؛ وهي النظر إلى الأحكام

ــــــــــــــ

٢٣ ـ أبو القاسم كرجي، ((مقالات حقوقي)، ط جامعة طهران، (١٣٦٩هـ.ش)، ج٢، ص٢٨٧.

٢٤ ـ الإمام الخميني، المصدر السابق، ج٢٠، ص١٧٠.

٢٥ ـ سيف الله صراتي، (مقالات المؤتمر السابق ذكره)، ج٧، ص٣٤١.

٢٦ ـ الإمام الخميني، تحرير الوسلة، ج٢، ص٥٢٦. (لم نجده في التحرير، المترجِم).

١٨٨

الشرعيّة بمنظار تنفيذي: ((أحسن التفسيرات الّتي يمكن أن تُطرح لكلامه (الإمام الخمينيرحمه‌الله ) أن نعتبر أنّ غايات الأحكام الشرعيّة كلّها هي أحكام عمليّة وتنفيذيّة للحاكم الشرعي؛ باعتبار كونه انساناً متديّناً ومراعياً للمصالح والمفاسد))(٢٧) . ولا شكّ في أنّ هذه النظرة تفتح آفاقاً جديدة للبحث في مِلاكات الأحكام، الّتي هي من أفضل موجِبات التطوير والتحديث في الفقه.

٤ ـ تجديد البحث في مِلاكات الأحكام:

يوجَدُ في الفكر الكلامي الشيعي أصول وضوابط تثير إعجاب الباحث، وذلك من جهة توفّر علماء عظام في عصر حاكميّة الجهل والاستبداد، حيث أخذوا أسس الفكر الشيعي عن الأئمّة المعصومينعليه‌السلام وأورثوه للأجيال اللاحقة.

هذه الأسس والضوابط يمكنها أن تكون أفضل سند للعلماء في مواجهتهم النظريات المقابلة. فالحسن والقبح العقليّان، وتبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد، شيء قليل من تلك الأصول المذكورة. إلاّ أنّ هذه النظريات بقيت أصولاً كلّيّة عامّةً، ولم يجرِ تطبيقها على مصاديقها دائماً؛ بحيث إنّ المجتهد يصرف أكثر وقته في البحث في الأدلّة اللّفظيّة، وغيرها من المصادر والمدارك المقرَّرة، وقلّما يحاول البحث عن مِلاك الحكم، أو المصلحة والمفسدة الكامنة فيه، ورغم أنّ الرأي الأكثر قبولاً هو كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ثبوتاً، إلاّ أنّه قلّما يُعمَل على كشف تلك المصالح والمفاسد. وبتقسيم دقيق للأحكام، نجدها على ثلاثة أقسام:

عبادات، ومعاملات، وسياسة.

وكل الآراء الفقهيّة تتّفق على أنّ مِلاكات العبادات ليست واضحة لبني البشر. وعليه، فلا يمكن لأحد أن يكتشف مِلاكات الأحكام في هذا الإطار؛ ولذا لو ورد في بعض المصادر إشارة إلى فلسفة حُكْمٍ أو علةٍ له، فالمراد من ذلك حكمة ذلك الحكم وجزء علّته، لا علّته التامّة ومِلاكه الكامل. وهذه النظريّة في غاية القوّة والمتانة، بحيث لا يمكن الخدش بها.

ــــــــــــــ

٢٧ ـ صادق لاريجاني، مرجع سابق، ص٢٠٩.

١٨٩

غير أنّ الاختلاف وقع في القسمين الأخيرين؛ بحيث يمكن أن يُدّعى أنّ الفقه بواسطة كشف مِلاكات الأحكام في مجال المعاملات والسياسة، سوف يتجدّد ويتطوّر، وبصدور أحكام أكثر واقعيّة سوف يشمخ الفقه الشيعي ثانية في مقابل الأنظمة الفقهيّة الأخرى.

ويجدر الانتباه إلى هذا الكلام الّذي ذكره أحد أفاضل الحوزة العلميّة؛ حيث يقول: ((صحيح أنّ الدين تعبّد، ولكن ذلك في دائرة العبادات، لا في المعاملات... أمّا المعاملات، فالأصل الأوّلي فيها هو كون مِلاكاتها واضحة، وعلى هذا كانت طريقة الفقهاء القدماء، فكانوا يفتشون عن الملاك، ويوسعون [دائرة] الحكم ويضيّقونها على ضوء المِلاك، ولا يقفون عند النصّ بشكل حرفي))(٢٨) .

وهكذا، وعلى أساس الاعتقاد بقدرة غير المعصوم على كشف المِلاكات في مجالي المعاملات والسياسات، يمكن تأمين حركيّة الفقه وتطوّره، خاصّة إذا كانت السلطة بيد الوليّ الفقيه البارعة. ويمكن بهذا (أي بكشف مِلاكات الأحكام السياسيّة والمعاملاتيّة) نظم الأمور الاجتماعيّة والاقتصاديّة للمجتمع الإسلامي في العصر الحديث وما بعده، دون مشكلات بنيويّة أساسيّة.

٥ ـ المجتهد والمنهج:

في عصر الظلم والاستبداد الشاهنشاهي أمسك عالم مشفق القلم بيده، وكتب بقلق عن المستقبل؛ حيث رأى أنّه: ((لا يمكن لأحد أن يدّعي الاجتهاد، وأن يتصدّى للإفتاء، بعد قراءته لمجموعة من الكتب الفقهيّة وكتب النحو والصرف والمعاني والبيان، ثُمَّ قراءة أربعة كتب محدّدة من قبيل: الفرائد، والكفاية، والمكاسب، ثُمَّ دراسة الخارج لسنوات فقط))(٢٩) . إذا كانت هذه

ــــــــــــــ

٢٨ ـ محمد هادي معرفت، مجلة نقد ونظر، مرجع سابق.

٢٩ ـ الشهيد مطهري، ده كفتار، ص٩٩.

١٩٠

الطريقة لا تصنع مجتهداً، وإذا كان هذا المجتهد الادعائي لا يمكنه الإفتاء، فما هو الحلّ؟

عندما نحلّل عمليّة الاجتهاد واستنباط الأحكام نواجه ثلاثة عناصر:

١ ـ مجتهد حيّ وابن عصره.

٢ ـ ظاهرة معاصرة ومتأثّرة بظروف هذا المجتهد المعاصر الحيّ.

٣ ـ منهج استكشاف حكم هذه الظاهرة (الموضوع) من المصادر الإسلاميّة.

وأهمّ عوامل تطوّر الفقه وحركيّته اختصرت في هذه الأمور الثلاثة؛ فعلى المجتهد أن يعرف زمانه وعصره، وأن يطّلع بوضوح على الظواهر الجديدة المراد معرفة أحكامها؛ وذلك لأنّه لا يمكن اكتشاف حكم الله من دون الاطلاع على هذه الأمور الجديدة، والمعرفة بالعصر. ولعله يمكن القول: إنّ أهمّ الحقائق الّتي أتحفنا بها التقدّم العلمي والفنّي، هو أنّ العلم الّذي لا يملك منهجاً متناسباً معه سوف يفقد تطوّره وحركيّته، ويؤول في النهاية إلى الركود والخمول. بناء على هذا، فإنّ النظريّة الّتي تؤمن بأنّ الفقه له قدرة بالقوّة (مقابل الفعل) على استنباط الأحكام في كلّ المجالات العباديّة، والسياسيّة، والتجاريّة، والثقافيّة، هذه النظريّة تبقى في غاية البعد عن الواقع المعاش. وهاك بعض الاقتراحات لتغيير منهج الاستنباط؛ ليستعيد الفقه تطوّره وحركيّته، منها:

أ ـ تقسيم التخصّصات:

هناك نوعان من الاجتهاد: الاجتهاد المطلق، بمعنى القدرة الفعليّة على استنباط جميع الأحكام الشرعيّة(٣٠) ، وهذا ما لا يقبله أحد، فما هو مقبول لدى البعض ـ على الأقل ـ(٣١) ، هو الاجتهاد المطلق؛ بمعنى: حيازةُ المجتهدِ ملكة الاستنباط في جميع المجالات، لا القدرة الفعليّة. ولكن هل يتيسر للمجتهد أن يطّلع على كلّ الظروف المكانيّة والزمانيّة للموضوعات المراد اكتشاف حكمها، وذلك مع تنوّع هذه الموضوعات: اقتصاديّة، أو ثقافيّة، أو اجتماعيّة. وأكثر من ذلك، هل يمكن ادّعاء حيازة ملكة المعرفة بهذه الأمور جميعاً؟

ــــــــــــــ

٣٠ ـ محمد تقي الحكيم، مرجع سابق، ص١٠٢.

٣١ ـ المصدر نفسه، ص١٠٦.

١٩١

ينقل الشهيد مطهريرحمه‌الله عن مؤسّس الحوزة العلميّة في قم أيّة الله الشيخ عبد الكريم الحائري قوله: ((لم يَعُد ممكناً للمجتهد في هذه الأيام أن يطّلع على كل العلوم الّتي يجب أن يطّلع عليها))(٣٢) .

لقد مضى أكثر من نصف قرن على هذه الكلمة الواقعيّة الحكيمة؛ وهي عدم إمكان الاجتهاد المطلق، فلابدّ إذاً من التوجه نحو الاجتهاد التخصّصي. والمُلفت للنظر هو أنّ هذه الرؤية طُرحت في زمن لم يكن فيه الفقه الشيعي ـ عملياً ـ مطروحاً كمنهج سياسي وقيادي، فكيف بنا الآن، وقد أضيف الفقه السياسي إلى الاجتهاد!، وصفوة القول: إن تطوّر الفقه لن يتحقّق دون تقسيمه وتخصّصه. وفي الواقع إنّ التخصّص في بعض فروع الفقه هو عين ما يعرف بالتجزؤ في الاجتهاد، وهو الّذي يمكن أن يعيد إلى الفقه رونقه وعظمته. وأيّ اعتراض يمكن أن يثار في وجه الدعوة إلى التخصّص في أبواب محدّدة من الفقه، أو إلى نظريّة تقليد الأعلم، لا يمكن أن يصمد في مقابل ضرورة تطوير الفقه، وضرورة جعله قادراً على اعطاء الحلول المعاصرة للمشاكل المعاصرة.

وهناك اتّجاه آخر في مجال التخصّص الفقهي: وهو الدعوة إلى جعل الفقه محدَّداً بالعبادات، وفصل المعاملات والسياسة عنه، وذلك بجعلهما مجالين غير فقهيّين. وهذا الاتّجاه بتبنّيه لبعض الأفكار الخاصّة يريد ـ وببساطة وسهولة ـ أن يُخرج من الفقه ما هو من اختصاصه، وفي الصميم منه.

ب ـ الاستفادة من أهل الخبرة:

عندما يريد المجتهد المتجزّئ إبداء رأي في بعض المجالات الّتي ترتبط أيضاً بعلوم أخرى غير فقهيّة، كعلم الاجتماع، والاقتصاد، وغيرهما. عندما يريد ذلك، عليه أن يكون ابتداءً ملمّاً بهذه المجالات، ومطّلعاً عليها، وقادراً على معرفة الموضوعات المراد استكشاف حكمها، أو عليه أن يعتمد على أهل الخبرة المختصين؛ ليكوّن فكرة عن موضوع الحكم المراد استنباطه، ليصل احتمال خطأه في تشخيص الحكم ـ تبعاً لخطأه في معرفة الموضوع ـ إلى الحد الأدنى؛ إذ لا يمكننا التعامل العرفي مع موضوعات العصر المعقّدة؛ وذلك لأنّ آليّات العلاقات الاجتماعيّة في هذا العصر لا يمكن معرفتها وإدراكها بطريقة عرفيّة. وعليه، فلابدّ من معرفة المجتمع، والاحتكاك المباشر مع تحوّلاته وتغيّراته؛

ــــــــــــــ

٣٢ ـ الشهيد المطهري، مرجع سابق، ص١٠٢.

١٩٢

لفهمها، ولمسها، وتذوقها، والإحساس بها. ولابدّ كذلك، من الحوار مع العلماء من أهل الاختصاصات الأخرى؛ غير الفقهيّة. ولابدّ أيضاً، من معرفة الآلام والاستماع إلى الشكاوى، فبعد المعرفة الكاملة بالعصر ومشاكله، تأتي مرحلة إصدار الفتوى.

تطوّر الفقه وشورى الفقهاء:

كان الشهيد مطهريرحمه‌الله يقول بحرقة: ((لو يُشكَّل مجلس علمي فقهي يعمل على تبادل الأفكار بشكل كامل، لتحقق أمران: أحدهما: تطوّر الفقه وتكامله، والآخر: تقليل الاختلاف في الفتاوى الفقهيّة))(٣٣) . يشير الشهيد مطهري في كلمته هذه إلى هدفين من أهداف تَشكُّل مجلس للفقه، ولكن الأمر الأم هو ما الّذي يحصل لو لم يتشكّل مثل هذا المجلس؟، ورغم أنّ الوقت لم يفت حتّى الآن، إلاّ أنّ الحاجة إلى مثل هذا المجلس، في عصر الفقه الحكومتي وولاية الفقه، تبدو أكثر إلحاحاً من أيّ عصر مضى. وفي النتيجة، لا مناص من إعادة تنظيم الحوزات العلميّة على أساس الأهداف والحاجات المطلوبة، والتفاعل مع المشكلات الجديدة، والتنبؤ بالوقائع، والتفكير في حلول فقهيّة تتناسب معها، قبل أن تداهمنا فنحار في كيفيّة مواجهتها. ولا مناص كذلك من المساعدة على التخطيط المتوازن والبعيد المدى للتنميّة المنسجمة مع مقاصد الفقه، وأهداف الشريعة الإسلاميّة، كلّ ذلك يعتبر من الضرورات الأوّليّة لإعادة تنظيم الحوزات.

نتائج السكون الحالي ونظرات الآخرين:

ما هي نتائج التبعيّة للقدماء، وإغماض الطرف عن الواقع المعاش، وعدم الالتفات إلى مقاصد الفقه؟، إنّ بعض الأشخاص ـ مع الأسف ـ يحاولون ـ باسم التطوير ـ إقصاء جهود فقهاء الشيعة عبر آلاف ومئات السنين، ويسعون إلى نسخ الأحكام الإلهيّة ببساطة، فيقولون: ((... مثلاً بحث الاحتكار موجود في الرسائل العمليّة والكتب الفقهيّة منذ ألف سنة أو أكثر، والناس يعملون بتلك الأحكام، ولكن أحكام الاحتكار المدوّنة في تلك الكتب غير قابلة للتطبيق في هذه الأيام، فقد نُسِخَت بمرور الزمان، وفي هذه الأيام توجد قوانين... أكثر قابليّة للتطبيق، وأنفع للناس))(٣٤) .

ــــــــــــــ

٣٣ ـ المصدر نفسه، ص١٠٦.

٣٤ ـ كيهان فرهنكى (مجلّة كيهان الثقافيّة)، عدد ١٣٥، سنة ١٣٧٦ هـ. ش.

١٩٣

والأعجب من هذا الكلام قولهم: ((يمكننا أن نُشْرِع أبواب مجتمعنا على الأديان والمذاهب الأخرى، فإذا وجدنا في تلك الأديان أو المذاهب أحكاماً، رأينا أنّها أصلح لمجتمعنا عقلاً ومنطقاً، يمكننا أن نأخذ بها، ونعتبرها ناسخة لأيّ حكم فرعيٍّ وإسلاميٍّ لا ينسجم معها، فيكون حكماً في قضيّة خارجيّة، وهذا هو مقتضى التسامح))(٣٥) . وهنا نسأل أتسامحٌ هذا أم تساهل في أمر الدين؟!، والأغرب من هذا وذاك، قولهم: إنّه ((ليس من خصائص المجتمع المدني أن يكون متشدِّداً في الأحكام الفقهيّة الفرعيّة، ويترك جانباً كلّ ما سواها. بل من الممكن أن يؤدّي بنا التسامح إلى أن نعطّل بعض أحكامنا ونأخذ بما هو مطروح عند الآخرين؛ وذلك لمصلحة المجتمع))(٣٦) .

هذه النظرة السطحيّة للفقه وتطوّره ناشئة عن السكون الظاهري للفقه، وعدم التفكير بحلول لهذا الجمود الظاهري. وكأصل شامل وعام، نقول: إنّ تطوير الفقه لا يمكن أن يحصل من دون الرجوع إلى الأصول المقبولة في الكتاب والسنّة، فليس فقهاً ما لا سند له من الكتاب والسنّة.

وآخر الكلام، إنّ عدم التفكير الجادِّ في تطوير الفقه، سوف يعطي ـ مع مرور الزمان ـ الفرصة إلى أشخاص يعملون على نسخ ما لم يفكّر حتّى الأئمّة المعصومون بنسخه، وسوف يفعلون ما يشاؤون، بدعوى تشييد وتأسيس المجتمع المدني على أساس التسامح والتساهل. ونضيف أن الإفراط، وطلب العافية، والعقلنة المتساهلة، تسير نحو المجهول. وأنّ الحقيقة تكمن في التفكير لوجه الله، والتجديد المنسجم مع الواقع.

ــــــــــــــ

٣٥ ـ المصدر نفسه، ص٩.

٣٦ ـ المصدر نفسه، ص٩.

١٩٤

الفهرست

الفقه إمكانيّات خصبة للتطوير ٢

مقدِّمة ٢

تطوير الفقه ٣

مراحل تطور الفقه ٣

١ ـ مِلاكات الأحكام: ٤

٢ ـ التَّحول في المنهج: ٥

٣ ـ زيادة المسائل: ٥

٤ ـ التطبيق العملي للفقه: ٦

٥ ـ المقارنة: ٧

مجال الفقه وحدوده  مدخل عام ٨

أوّلاً: عرض المسألة ١٠

١ ـ الفقه والأعمال الباطنيّة ١١

٢ ـ الفقه والأعمال الاجتماعيّة ١٢

٣ ـ الفقه ومشاريع التنفيذ. ١٩

٤ ـ الفقه والإطار المنظومي. ٢٦

٥ ـ الفقه والموضوعات.. ٢٨

ثانياً: المسلّمات الفرضيّة المسبَّقة ٢٩

١ ـ منطقة الفراغ. ٣٠

٢ ـ سيرة المعصوم وفعله ٣١

٣ ـ حدود تدخل العقل. ٣٣

ثالثاً: أسلوب البحث والاستدلال. ٣٤

١ ـ أهداف الدين. ٣٥

٢ ـ الآيات والأحاديث ذات الدلالة على الشموليّة ٣٦

١٩٥

٣ ـ تحليل الموضوعات القرآنيّة والحديثيّة ٣٦

٤ ـ الأدلة العقليّة ٣٧

٥ ـ المفردات القرآنيّة ٣٨

نطاق علم الفقه بين الموقف المبدئي ومعطيات الشَّريعة ٣٩

تمهيد: ٣٩

المرحلة الأولى: ٤١

نطاق الفقه على ضوء الموقف المبدئي. ٤١

ـ الشريعة والفقه ٤١

١ ـ أطروحة التوجيه المباشر ٤٥

٢ ـ أطروحة التوجيه عبر العناوين الكبرى. ٥٢

٣ ـ أطروحة الفصل بين الشأن الديني والشأن الدنيوي (العلمانيّة) ٥٩

المرحلة الثانية: ٦٥

نطاق الفقه على ضوء معطيات الشريعة ٦٥

استقراء أحكام الشريعة ٦٦

الأهداف العامة للشريعة ٧٥

سيرة الفقهاء والتراث الفقهي. ٧٦

استخلاص.. ٧٧

الفقه وعلم الاجتماع دراسة في الرَّوابط والصِّلات.. ٧٩

نماذج لتأثر العلم الديني بالمجتمع. ٨٢

بطء التغييرات الثقافيّة، وتأثير ذلك على تكليف المكلَّفين. ٨٥

عدم تشخيص العرف في المجتمعات الجديدة ٨٦

الفقه والمتغيّرات الثقافيّة ٨٨

الفقه ومِلاكات الأحكام ٩٢

طرائق اكتشاف المِلاكات.. ٩٣

١٩٦

المِلاك والمفاهيم ذات العلاقة به ٩٦

١ ـ المِلاك: ٩٦

٢ ـ المناط: ٩٦

٣ ـ العلّة: ٩٧

٤ ـ الحكمة: ١٠٠

٥ ـ السَّبب: ١٠٢

٦ ـ الشرط: ١٠٤

المِلاك والمناط في نصوص الفقه الشيعي. ١٠٥

١ ـ مِلاك الحكم في فقه الإمام الخميني قدس‌سره... ١٠٧

٢ ـ فقه جواهر الكلام ١١٦

٢ ـ ١٠ ـ وطء الفتاة غير البالغة: ١٢٣

التخصّص في الأبواب الفقهيّة مدخل إلى التَّطوير والمعاصرة ١٢٥

منشأ الحاجة المستمرَّة إلى الاجتهاد: ١٢٦

الاجتهاد الجماعي كبديل عن النمط السائد: ١٢٧

أسلوبان مطروحان لممارسة الاجتهاد الجماعي: ١٢٨

موجبات ((التخصّص في الأبواب الفقهيّة)) وفوائده: ١٣١

كيف ندفع باقتراح التخصّص في اتّجاه التنفيذ؟ ١٣٤

ضرورة ملاءمة التبويب الفقهي للتخصص: ١٣٥

توفر الإرادة العمليّة، لدى فقهاء الحوزة، لتنفيذ الاقتراح: ١٣٩

آليَّات التَّطوير الفقهي ودواعيه ١٤١

نظرة إلى تاريخ علم الفقه ١٤٢

التطور الكيفي للفقه ١٤٤

الفقه في عصرنا ١٤٥

ماذا يعني تطوّر الفقه؟ ١٤٦

١٩٧

تعلّم الفقه ونشره ١٤٨

موانع تطور الفقه ١٤٩

العوامل المؤدِّية إلى تطوُّر الفقه ١٥٣

١ ـ استخدام أساليب جديدة ١٥٣

٢ ـ تبادل وجهات النظر ١٥٦

٣ ـ حرِّيَّة التعبير. ١٦٠

٤ ـ التَّخصُّص في الفقه ١٦٣

٥ ـ الفقه المقارَن. ١٦٦

٦ ـ تحديد الموضوعات ومراعاة العصر ١٦٩

خاتمة: ١٧٥

العوامل المؤثِّرة في تطوُّر الفقه* ١٧٦

مقاصد الفقه وأهدافه ١٧٧

سلامة المنهج الفقهي. ١٧٩

المنهج المنفتح قد يصاب بالشلل. ١٧٩

عوامل التَّطوُّر ١٨٠

١ ـ حياة المجتهد: ١٨١

٢ ـ المعرفة بالموضوعات: ١٨٢

٣ ـ معرفة الأحكام: ١٨٥

٤ ـ تجديد البحث في مِلاكات الأحكام: ١٨٩

٥ ـ المجتهد والمنهج: ١٩٠

تطوّر الفقه وشورى الفقهاء: ١٩٣

نتائج السكون الحالي ونظرات الآخرين: ١٩٣

١٩٨