كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة5%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 143257 / تحميل: 8011
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

رجلٌ منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنّه إلى نفاد، ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره وشرفه. وإذا قيل متى ذلك؟ قال: ستعلمنَّ نبأ ما أقول ولو بعد حين.

وفي ذلك يقول اميّة بن عبد شمس يذكر مسيرهم إلى ابن ذي يزن:

جلبنا الضَّح تحمله المطايا

على أكوار أجمال ونوق(١)

مغلغلة مَغالقها تَغالى(٢)

إلى صنعاء من فجّ عميق

يؤمُّ بنا ابن ذي يزن ويهدي(٣)

ذوات بطونها أمّ الطريق(٤)

وتزجي من مخائله بروقاً

مواصلة الوميض إلى بروق(٥)

فلمّا وافقت صنعاء صارت

بدار الملك والحسب العريق(٦)

إلى ملك يدرُّ لنا العطايا

بحسن بشاشة الوجه الطليق

__________________

(١) قال الجزري: فيه « يكون رسول الله في الضح والريح » قال الهروي: أراد كثرة الخيل والجيش، يقال: جاء فلان بالضح والريح أي بما طلعت عليه الشمس. وهبت عليه الريح. يعنون المال الكثير. وقال: الاكوار جمع كور - بالضم - وهو رحل الناقة بأداته.

(٢) المغلغلة - بفتح الغينين المعجمتين - الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد. و - بكسر الثانية -: المسرعة من الغلغلة: سرعة السير. وقوله « تغالى » من الغلو وفى أكثر النسخ بالعين المهملة وفى البحار أيضاً أي تتصاعد وتذهب.

(٣) في بعض النسخ وأكثر الروايات « وتفرى » أي تقطع.

(٤) أم الطريق: معظمه.

(٥) الازجاء: السوق والدفع. والمخائل جمع المخيلة وهي السحابة الّتي تحسبها ماطرة. والوميض: لمعان البرق.

(٦) أعرق الرَّجل أي صار عريقاً وهو الّذي له عرق في الكرم (الصحاح).

١٨١

١٤

( باب )

* (في خبر بحيرى الراهب) *

وكان بحيرى الرَّاهب(١) ممّن قد عرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوة، وكان من المنتظرين لخروجه.

٣٥ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، وعليُّ بن أحمد بن محمّد؛ ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ(٢) قالوا: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثنا أبي، عن الهيثم(٣) ، عن محمّد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، عن أبيه العبّاس بن - عبد المطلّب، عن أبي طالب قال: خرجت إلي الشّام تاجراً سنة ثمان من مولد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان في أشد ما يكون من الحرِّ، فلمّا أجمعت على السير قال لي رجال من قومي: ما تريد أن تفعل بمحمّد وعلى من تخلفه؟ فقلت: لا أريد أن أخلفه على أحد من النّاس أريد أن يكون معي، فقيل: غلام صغير في حرٍّ مثل هذا تخرجه معك؟ فقلت: والله لا يفارقني حيثما توجَّهت أبدا فاني لاُوطّيء له الرَّحل، فذهبت فحشوت له حشيّة [ كساء وكتانّاً(٤) ] وكنا ركبانا كثيراً فكان والله البعير الّذي عليه محمّد أمامي لا يفارقني

__________________

(١) بحيرى - بفتح الموحدة وكسر الحاء (كذا ضبطه الديار بكري في تاريخ الخميس).

(٢) في بعض النسخ « الشامي » ولعله السناني المكتب.

(٣) مجهول والظاهر الصواب « هشيم » لمّا ذكر هو فيمن يروى عن محمّد بن السائب الكلبي كما في تهذيب التهذيب لكن تقدمت وتأتي رواية عبد الله بن محمّد عن أبيه عن الهيثم بن عمرو. وأما عبد الله بن محمّد فيحتمل أن يكون هو ابن محمّد بن مروان السدي الاصغر المتهم بالكذب، والعلم عند الله.

(٤) في بعض النسخ « ريشا وكتاناً » ولعله هو الصواب.

١٨٢

وكان يسبق الرَّكب كلّهم، فكان إذا اشتدَّ الحرُّ جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلّم عليه فتقف على رأسه لا تفارقه، وكانت ربما أُمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتّى كنا لا نصيب قربة إلّا بدينارين، وكنّا حيث ما نزلنا تمتليء الحياض ويكثر الماء وتخضُّر الأرض، فكنّا في كلِّ خصب وطيب من الخير، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسح يده عليها فسارت، فلمّا قربنا من بُصرى الشام(١) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدّابّة السريعة حتّى إذا قربت منّا وقفت وإذا فيها راهبٌ وكانت السحابة لا تفارق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة واحدة وكان الرَّاهب لا يكلّم النّاس ولا يدري ما الرَّكب ولا ما فيه من التجارة، فلمّا نظر إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرفه فسمعته يقول: أنَّ كان أحد فأنت أنت قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الرّاهب قليلة إلّا غصان ليس لها حمل، وكانت الركبان ننزلون تحتها فلمّا نزلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اهتزت الشجرة وألقت أغصانها(٢) على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء، فتعجّب جميع من معنا من ذلك، فلمّا رأى بحيرى الرّاهب ذلك ذهب فاتّخذ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طعاماً بقدر ما يكفيه.

ثمَّ جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال: أيُّ شيء تكون منه؟ فقلت: أنا عمّه فقال: يا هذا إنَّ له أعمام فأيُّ الأعمام أنت؟ فقلت: أنا أخو أبيه من أم واحدة، فقال: أشهد أنَّه هو وإلّا فلست بحيرى، ثمّ قال لي: يا هذا تأذن لي أن أقرِّب هذا الطعام منه ليأكله؟ فقلت له: قرّبّه إليه، ورأيته كارها لذلك، والتفتُّ إلى

__________________

(١) بصرى - بضم الموحدة -: مدينة حوران، فتحت صلحاً لخمس بقين من ربيع الاوَّل سنة ثلاث عشرة وهي أول مدينة فتحت بالشام. وقد وردها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرتين كما في المواهب المدينة.

(٢) في بعض نسخ الحديث « وتهصرت أغصان الشجرة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الخ » وقال الجزري: أصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه اليك وتعطفه، ومنه الحديث « أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مع أبي طالب فنزل تحت شجرة فهصرت أغصان الشجرة » أي تهدلت عليه.

١٨٣

النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يا بني رجلٌ أحبَّ أن يكرمك فكل فقال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيرى: نعم هو لك خاصّة فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّي لا آكل دون هؤلاء، فقال بحيرى: إنَّه لم يكن عندي أكثر من هذا؟ فقال: أفتأذن يا بحيرى إلى أن يأكلوا معي؟ فقال: بلى، فقال: كلوا بسم الله، فأكل وأكلنا معه فوالله لقد كنّا مائة وسبعين رجلاً وأكل كلُّ واحد منّا حتّى شبع وتجشّأ، وبحيري قائم على رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذبُّ عنه ويتعجب من كثرة الرِّجال وقلّة الطعام، وفي كلّ ساعة يقبل رأسه ويافوخه، ويقول: هو هو وربّ المسيح، والناس لا يفقهون فقال له رجل من الرَّكب: إنَّ لك لشأنا قد كنّا نمرُّ بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البرَّ؟ فقال بحيرى: والله إنَّ لي لشأنا وشأنا، وإنّي لأرى ما لا ترون وأعلم ما لا تعلمون وإن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتّى تردوه إلى وطنه، والله ما أكرمتكم إلّا له، ولقد رأيت له - وقد أقبل - نورا أضاء له ما بين السّماء والارض، ولقد رأيت رجالاً في أيديهم مراوح الياقوت والزَّبرجد يروحونه، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ثمّ هذه السحابة لا تفارقه، ثمّ صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها، ثمّ هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الاغصان ولقد كثرت أغصانها واهتزَّت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه، فاكهتان للصيف وفاكهة للشتّاء، ثمّ هذه الحياض الّتي غارت وذهبت ماؤها أيّام تمرّج بني إسرائيل(١) بعد الحواريّين حين وردوا عليهم فوجدنا في كتاب شمعون الصّفا أنَّه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها، ثمّ قال: متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنَّه لاجل نبيٍّ يخرج في أرض تهامة مهاجراً إلى المدينة اسمه في قومه الامين وفي السّماء أحمد وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه. فوالله أنَّه لهو.

ثمَّ قال بحيرى: يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحقِّ اللّات والعزَّى إلّا [ ما ] أخبرتنيها، فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذكر اللّات والعزى وقال: لا تسألني بهما فوالله

__________________

(١) المرج - بالتحريك -: الفساد والغلق والاضطراب.

١٨٤

ما أبغضت شيئاً كبغضهما، وإنّما هما صنمان من حجارة لقومي، فقال بحيرى: هذه واحدة، ثمَّ قال: فبالله إلّا ما أخبرتني، فقال: سل عمّا بدا لك فإنّك قد سألتني بإلهي وإلهك الّذي ليس كمثله شيء، فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته الّتي عنده، فانكبَّ عليه بحيرى، فقبّل رجليه وقال: يا بنيَّ ما أطيبك وأطيب ريحك، يا أكثر النبيّين أتباعاً، يا من بهاء نور الدُّنيا من نوره، يا من بذكره تعمر المساجد، كأنّي بك قد قدت الاجناد والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعاً وكرهاً وكأنّي باللات والعزى وقد كسرتهما وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه، معك مفاتيح الجنان والنيران، معك الذّبح الأكبر وهلاك الاصنام، أنت الّذي لا تقوم السّاعة حتّى تدخل الملوك كلّها في دينك صاغرة قميئة(١) فلم يزل يقبّل يديه مرَّة ورجليه مرَّة ويقول: لئن أدركت زمانك لاضربنَّ بين يديك بالسّيف ضرب الزَّند بالزَّند(٢) أنت سيّد ولد آدم وسيّد المرسلين وإمام المتّقين وخاتم النبيّين، والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحاً بك، والله لقد بكت البيع والاصنام والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة، أنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى، أنت المقدِّس المطهّر من أنجاس الجاهلية، ثمّ التفت إلى أبي طالب وقال: ما يكون هذا الغلام منك؟ فإني أراك لا تفارقه، فقال أبو طالب: هو ابني، فقال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الّذي ولّده حيّاً ولا أمّه فقال: إنَّه ابن أخي وقد مات أبوه وأمّه حاملة به، وماتت أمه وهو ابن ستَّ سنين، فقال: صدقت هكذا هو، ولكن أرى لك أن تردَّه إلى بلده عن هذا الوجه فإنّه ما بقي على ظهر الأرض يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ولا صاحب كتاب إلّا وقد علم بولادة هذا الغلام، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينّه شرا وأكثر ذلك هؤلاء اليهود، فقال

__________________

(١) أي ذليلة.

(٢) الزند: الّذي يقدح به النار.

١٨٥

أبو طالب: ولم ذلك؟ قال: لأنّه كائن لابن أخيك هذه النبوَّة والرسالة ويأتيه النّاموس الأكبر الّذي كان يأتي موسى وعيسى، فقال أبو طالب: كلّا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه.

ثمَّ خرجنا به إلى الشام فلمّا قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلّها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلمّا توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحموا النّاس وينظرون إلى وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذهب الخبر في جميع الشامات حتّى ما بقي فيها حبرٌ ولا راهب إلّا اجتمع عليه، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا فجلس حذاه ينظر إليه ولا يكلّمه بشيء حتّى فعل ذلك ثلاثة أيّام متوالية فلمّا كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتّى قام إليه فدار خلفه كأنّه يلتمس منه شيئاً فقلت له: يا راهب كأنّك تريد منه شيئاً؟ فقال: أجل إنّي أريد منه شيئاً ما اسمه؟ قلت: محمّد بن عبد الله فتغيّر والله لونه، ثمّ قال: فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لانظر إليه، فكشف عن ظهره، فلمّا رأى الخاتم انكبَّ عليه يقبّله ويبكي، ثمّ قال: يا هذا اسرع بردِّ هذا الغلام إلى موضعه الّذي ولد فيه فانّك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك، فلم يزل يتعاهده في كلِّ يوم ويحمل إليه الطعام، فلمّا خرجنا منها أتاه بقميص من عنده فقال لي: أترى أن يلبس هذا القميص ليذكرني به، فلم يقبله ورأيته كارهاً لذلك، فأخذت إنّا القميص مخافة أن يغتمَّ وقلت: أنا البسه وعجّلت به حتّى رددته إلى مكّة، فوالله ما بقي بمكّة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شابٌّ ولا صغير ولا كبير إلّا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل - لعنه الله - فإنّه كان فاتكاً ماجناً(١) قد ثمل من السكر(٢) .

__________________

(١) الفاتك: الّذي يرتكب ما دعت إليه النفس، والجرى الشجاع. والماجن: الّذي لا يبالى قولا وفعلا. والثمل: السكر. يقال: ثمل - كفرح - والمراد هنا شدته، أو السكر - بالتحريك - وهو الخمر ونبيذ يتخذ من التمر.

(٢) اعلم أنَّ هذه القصة مع ضعف سندها وانقطاعها واشتمالها على الغرائب الّتى كانت شأن الاساطير نقلها جمع من المؤرخين باختلافات في متنها وألفاظها راجع سيرة ابن هشام

١٨٦

٣٦ - وبهذا الاسناد، عن عبد الله بن محمّد قال: حدّثني أبي. وحدثني عبد الرّحمن ابن محمّد، عن [ محمّد بن ](١) عبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدِّه أنَّ أبا طالب قال: لمّا فارقه بحيرى بكى بكاء شديداً وأخذ يقول: يا ابن آمنة كأنّي بك وقد رمتك العرب بوترها، وقد قطعك الأقارب ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الأولاد ثمّ التفت إلىَّ وقال: أما أنت يا عمُّ فارع فيه قرابتك الموصولة واحتفظ فيه وصيّة أبيك فإنَّ قريشا ستهجرك فيه فلا تبال، وإني أعلم إنّك لا تؤمن به ظاهراً ولكن ستؤمن به باطناً، ولكن سيؤمن به ولد تلده وسينصره نصراً عزيزاً اسمه في السّماوات البطل الهاصر، و [ في الأرض ] الشجاع الانزع(٢) منه الفرخان المستشهدان وهو سيّد العرب ورئيسها وذو قرنيها وهو في الكتب أعرف من أصحاب عيسىعليه‌السلام ، فقال أبو طالب: والله قد رأيت كلّ الّذي وصفه بحيرى وأكثر.

٣٧ - حدّثنا أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان يرفعه قال: لمّا بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أبو طالب أن يخرج إلى الشّام في عير قريش، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشبّث بالزِّمام وقال: يا عمّ على من تخلفني لا على اُمٍّ ولا على أب، وقد كانت اُمّه توفيت، فرّق له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه وكانوا إذا ساروا تسير إلى رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غمامة تظلّه من الشمس

__________________

ج ١ ص ١٩١، والمواهب اللدنية وشرحه، واعلام الورى، وتاريخ الطبري، وتاريخ الخميس وغيرها.

(١) ما بين القوسين زائد من النساخ ولا يخفى على من له معرفة بالرجال، والمراد بعبد الرّحمن عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم. وبعبد الله عبد الله ابن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم الانصاري كما يظهر من تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٦٤ وج ٥ ص ١٦٤.

(٢) البطل: الشجاع. والهاصر: الاسد الشديد الّذي يفترس ويكسر، والانزع: الذى ينحسر شعر مقدم رأسه ممّا فوق الجبين، وفي بعض النسخ « الاقرع » والمراد: الاصلع.

١٨٧

فمرُّوا في طريقهم برجل يقال له: بحيرى فلمّا رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته واتّخذ لقريش طعاماً وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه، وقد كانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه فقالوا له: يا بحيرى والله ما كنّا نعهد هذا منك، قال قد أحببت أن تأتوني، فأتوه وخلّفوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرَّحل، فنظر بحيرى إلى الغمامة قائمة، فقال لهم: هل بقي منكم أحدٌ لم يأتني؟ فقالوا: ما بقي منّا إلّا غلام حدث خلّفناه في الرَّحل، فقال: لا ينبغي أن يتخلّف عن طعامي أحدٌ منكم، فبعثوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أقبل أقبلت الغمامة، فلمّا نظر إليه بحيرى قال: من هذا الغلام؟ قالوا: ابن هذا وأشاروا إلى أبي طالب، فقال له بحيرى: هذا ابنك؟ قال أبو طالب: هذا ابن أخي قال: ما فعل أبوه؟ قال: توفّي، وهو حمل، فقال بحيرى لابي طالب: ردَّ هذا الغلام إلى بلاده فإنّه أن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه، فإنَّ لهذا شأنا من الشأن، هذا نبيُّ هذه الاُمّة، هذا نبي السيف.

١٥

( باب )

* (ذكر ما حكاه خالد بن اسيد بن أبى العيص، وطليق بن سفيان بن امية عن) *

* (كبير الرهبان في طريق الشام من معرفته بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) *

٣٨ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان؛ وعليُّ بن أحمد بن محمّد، ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكريّا القطان قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني الهيثم بن عمرو المزني(١) ، عن عمّه، عن يعلى النسّابة قال: خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص، وطليق بن سفيان بن اُميّة تجّاراً إلى الشام سنة خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها فكانا معه، وكان يحكيان أنّهما رأيا في مسيره وركوبه ممّا يصنع الوحش والطير، فلمّا توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرُّهبان قد جاؤوا متغيّر الألوان كأنَّ على

__________________

(١) تقدَّم الكلام فيه ص ١٨٢.

١٨٨

وجوههم الزَّعفران ترى منهم الرَّعدة فقالوا: نحبُّ أن تأتوا كبيرنا فإنّه ههنا قريب في الكنيسة العظمى، فقلنا: ما لنا ولكم؟ فقالوا: ليس يضرُّكم من هذا شئ ولعلّنا نكرمكم، وظنّوا أنَّ واحد منّا محمّد فذهبنا معهم حتّى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البينان فإذا كبيرهم قد توسّطهم وحوله تلامذته، وقد نشر كتاباً في يديه، فأخذ ينظر إلينا مرَّة وفي الكتاب مرة فقال لاصحابه: ما صنعتم شيئاً لم تأتوني بالّذي اُريد، وهو الان ههنا.

ثمَّ قال لنا: من أنتم؟ فقلنا: رهط من قريش، فقال: من أيِّ قريش؟ فقلنا من بني عبد شمس، فقال لنا: معكم غيركم؟ فقلنا: نعم شابٌّ من بني هاشم نسّميه يتيم بني عبد المطلّب، فو الله لقد نخر نخره(١) كاد أن يغشى عليه، ثمّ وثب فقال: أوَّه أوَّه هلكت النصرانيّة والمسيح، ثمّ قام واتّكأ على صليب من صلبانه وهو مفكّر وحوله ثمانون رجلاً من البطارقة والتلامذة، فقال لنا: فيخفُّ عليكم أن ترونيه؟ فقلنا له: نعم فجاء معنا فإذا نحن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائمٌ في سوق بصرى، والله لكأنّا لم نر وجهه إلّا يومئذ كأنَّ هلالاً يتلألأ من وجهه، وقد ربح الكثير واشترى الكثير، فأردنا أن نقول للقسِّ هو هذا؟ فإذا هو قد سبقنا فقال: هو هو، قد عرفته والمسيح، فدنا منه وقبّل رأسه وقال له: أنت المقدَّس، ثمّ أخذ يسأله عن أشياء من علاماته، فأخذ النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره فسمعناه يقول: لئن أدركت زمانك لاعطينَّ السّيف حقّه، ثمّ قال لنا: أتعلمون ما معه؟ معه الحياة والموت، من تعلّق به حيى طويلاً، ومن زاغ عنه مات موتاً لا يحيى بعده أبداً، هو هذا الّذي معه الذّبح الاعظم(٢) ، ثمّ قبل رأسه ورجع راجعاً.

__________________

(١) نخر الانسان: مد الصوت والنفس في خياشيمه.

(٢) في بعض النسخ « الربح الاعظم ».

١٨٩

١٦

(باب)

* (في خبر أبى المويهب الراهب) *

وكان أبوالمويهب الرَّاهب من العارفين بأمر النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبصفته، وبوصيّه أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليه.

٣٩ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان؛ وعليُّ بن أحمد بن محمّد، ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن محمّد قال: حدّثني أبي، وقيس بن سعَّد الديلمي(١) عن عبد الله بحير الفقعسيِّ(٢) ، عن بكر بن عبد الله الاشجعيّ، عن آبائه قالوا: خرج سنةً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعبد مناة بن كنانة، نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نعمامة بن عديٍّ تجّاراً إلى الشام فلقيهما أبوالمويهب الرَّاهب فقال لهما: من أنتما؟ قالا: نحن تجّار من أهل الحرم من قريش، فقال لهما: من أيِّ قريش؟ فأخبراه، فقال لهما: هل قدم معكما من قريش غيركما؟ قالا: نعم شابٌّ من بني هاشم اسمه محمّد، فقال أبوالمويهب، إيّاه والله أردت، فقالا: والله ما في قريش أخمل ذكراً منه إنّما يسمّونه يتيم قريش وهو أجير لامرأة منّا يقال لها: خديجة، فما حاجتك إليه؟ فأخذ يحرِّك رأسه ويقول: هو هو، فقال لهما: تدلاني عليه، فقالا: تركناه في سوق بصرى، فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هو هذا، فخلا به ساعة يناجيه ويكلّمه، ثمّ أخذ يقبّل بين عينيه وأخرج شيئاً من كمّه لا ندري ما هو ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأبى أن يقبله، فلمّا فارقه قال لنا: تسمعان منّي هذا والله نبيُّ آخر الزَّمان، والله

__________________

(١) في بعض النسخ « قيس بن سعيد الديلمي » وفي بعضها « قيس بن سعد الديلي ».

(٢) في بعض النسخ « عبد الله بن يحيى الفقعسي ». وفي بعضها « عبد الله بن بحير الثقفي ». فقعس أبو قبيلة من بني أسد. (الصحاح).

١٩٠

سيخرج قريب فيدعو النّاس إلى شهادة أن لا إله إلّا الله فإذا رأيتم ذلك فاتّبعوه، ثمّ قال: هل ولد لعّمه أبي طالب ولد يقال له عليٌّ؟ فقلنا: لا قال: إمّا أن يكون قد ولد أو يولد في سنته هو أوَّل من يؤمن به، نعرفه، وإنّا لنجد صفته عندنا بالوصيّة كما نجد صفة محمّد بالنبوَّة، وإنّه سيّد العرب وربّانيها وذو قرنيها، يعطى السيف حقّه، اسمه في الملأ الاعلى عليٌّ، هو أعلى الخلائق بعد الأنبياء ذكراً، وتسمّيه الملائكة البطل الازهر المفلج، لا يتوجّه إلى وجه إلّا أفلج وظفر، والله لهو أعرف بين أصحابه في السّماء من الشمس الطالعة.

١٧

( باب )

* (خبر سطيح الكاهن(١) ) *

٤٠ - حدّثنا أحمد بن محمّد رزمة القزوينيُّ(٢) قال: حدّثنا الحسن بن عليِّ بن نصر بن منصور الطوسيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن حرب الموصلي الطائيُّ قال: حدَّثنا أبو أيّوب يعلى بن عمران من ولد جرير بن عبد الله قال: حدّثني مخزوم بن هانيء(٣) المخزوميُّ، عن أبيه وقد أتت له مائة وخمسون سنة قال: لمّا كانت اللّيلة الّتي ولد

__________________

(١) سطيح - كامير - الكاهن الذئبي من بني ذئب كان يتكهن في الجاهلية، سمى بذلك لأنّه كان إذا غضب قعد منبسطاً على الأرض فيما زعموا. وقيل: سمى بذلك لأنّه لم يكن له بين مفاصله قصب تعمده، فكان أبداً منبسطاً منسطحاً على الأرض لا يقدر على قيام ولا قعود، ويقال: كان لاعظم له فيه سوى رأسه (لسان العرب).

(٢) ترجمه الرافعي في التدوين كما في فهرسته تحت رقم ٢٥١ وقال: أحمد بن محمّد ابن رزمة القزويني المعدل.

(٣) في لسان العرب في مادة « سطح » قال: روى الازهرى باسناده عن مخزوم بن هانيء المخزومى عن أبيه. وساق كما في المتن إلى قوله « امارة عثمان » في آخر الخبر.

١٩١

فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتجس أيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرافة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة(١) ، ورأى الموبذان(٢) إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت الدِّجلة وانتشرت في بلادها، فلمّا أصبح كسرى هاله ما رأى فتصبّر عليها تشجّعاً، ثمّ رأى أن لا يسَّر ذلك عن وزرائه، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم وأخبرهم بما رأى، فبينما هم كذلك، إذ ورد عليه الكتاب بخمود نار فارس، فازداد غمّاً إلى غمّه وقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه اللّيلة، ثمَّ قصَّ عليه رؤياه في الابل والخيل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ - وكان أعلمهم في أنفسهم - فقال: حادث يكون في ناحية العرب، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى نعمان بن المنذر: أمّا بعد فوجّه إليَّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيّان بن نفيلة الغسّانيَّ فلمّا قدم عليه قال: عندك علم ما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليسألني الملك أو ليخبرني فإن كان عندي منه علم وإلّا أخبرته بمن يعلمه، فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف الشام(٣) يقال له: سطيح، قال: فأته فاسأله وأخبرني بما يرد عليك، فخرج عبد المسيح حتّى ورد على سطيح وقد أشرف على الموت فسلّم عليه وحيّاه، فلم يردَّ عليه سطيح جواباً فأنشأ عبد المسيح يقول:

أصمَّ أم يسمع غطريف اليمن

أم فاز فاز لمَّ به شأو العنن(٤)

__________________

(١) في اللسان « مائة عام ».

(٢) في القاموس الموبذان - بضم الميم وفتح الباء فقيه الفرس، وحاكم المجوس كالموبذ. والجمع الموابذة واللهاء فيها للعجمة.

(٣) المشارف: القرى الّتي تقرب من المدن، وقيل: القرى الّتى بين بلاد الريف و. جزيرة العرب.

(٤) الغطريف - بالكسر -: السيد. وقوله « فاز » أي مات. وفي بعض النسخ « فاد » بالدال وهو بمعناه و « ازلم » أي ذهب مسرعا. وأصله « ازلام » فحذفت الهمزة تخفيفا والشأو: السبق والغاية. والعنن: الاعتراض، وشأ والعنن: اعتراض الموت وسبقه.

١٩٢

يا فاصل الخطّة أعيت مَن ومَن

وكاشف الكربة في الوجه الغضن(١)

أتاك شيخ الحيِّ من آل سنن

وأمّه من آل ذئب بن حجن(٢)

أروق ضخم الناب صرَّار الاذن

أبيض فضفاض الرَّداء والبدن(٣)

رسول قيلَ العجم كسرى للوسن

لا يرهب الرعد ولا ريب الزَّمن(٤)

تجوب في الأرض علنداةٌ شجن

ترفعني طوراً وتهوي بي وجن(٥)

__________________

(١) الفاصل: المبين، الحاكم. والخطة - بضم الخاء وشد الطاء -: الخطب، والأمر والحال، أي يامن يبين ويظهر امورا أعيت وأعجزت « من ومن » أي جماعة كثيرة. والوجه الغضن هو الوجه الّذي فيه تكسر وتجعد من شدة الهم والكرب الذى نزل به. (النهاية)

(٢) السنن - محركة -: الابل تسنن في عدوها. وفي بعض النسخ « شتن - بالمعجمة والتاء المثناة الفوقانية - وفي القاموس الشتن: النسج والحياكة. وفي تاريخ اليعقوبي « آل يزن ».

(٣) أروق في بعض النسخ « أزرق » وهو صفة للبعير ولونه، وأروق أيضاً بمعناه. وفي بعض الكتب « أصك » أي الذى يصطك قدماه. وقوله « ضخم الناب » كذا في جميع النسخ وفى النهاية: في حديث سطيح « أزرق مهم الناب صرار الاذن » أي حديد الناب، قال الازهري: هكذا روى، وأظنه « مهو الناب » بالواو، يقال: سيف مهو أي حديد ماض وأورده الزمخشري « ممهى الناب » وقال: الممهي: المحدد، من أمهيت الحديدة إذا حددتها، شبه بعيره بالنمر لزرقة عينيه وسرعة سيره. وقال: صر اذنه وصررها: سواها ونصبها. والاصوب كون هذا المصرع بعد ذلك في سياق ذكر البعير كما في سائر الكتب فانه فيها بعد قوله: « والقطن ». والفضفاض: الواسع والبدن: الدرع. قال الجزري: يريد به كثرة العطاء، وقال غيره: كناية عن سعة الصدر.

(٤) الفيل - بالفتح -: الملك. وقيل: الملك من ملوك حمير، وقيل: هو الرئيس دون الملك الاعلى. راجع « ق ول » من أقرب الموارد. وقوله « كسرى » في بعض الكتب « يسرى » أي يجرى. و « للوسن » أي لشأن الرؤيا الّتي رآها الموبذان أو الملك. و « الرعد » في بعض النسخ « الوعد ». وفي بعض الكتب « الدهر ».

(٥) تجوب أي تقطع. والعنلداة: الناقة القوية. والشجن - بالتحريك - الناقة

١٩٣

حتّى أتى عاري الجآجي والقطن

تلفّه في الريح بوغاء الدِّمن(١)

كأنّما حثحث من حضني ثكن(٢)

فلمّا سمع سطيح شعره فتح عينيه وقال: عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح(٣) بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الأيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت الدِّجلة، وانتشرت في بلادها، وغاضت بحيرة ساوة، فقال: يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وبعث صاحب

__________________

المتداخلة الخلق. وفي اللسان « علنداة شرن » أي تمشى من نشاطها على جانب. وفيه أيضاً « ترفعني وجناً وتهوى بي وجن » والوجن: الأرض الغليظة. والوجناء: الناقة الشديدة أي لم تزل الناقة الّتي هذه صفتها ترفعني مرة في الأرض بهذه الصفة وتخففني اخرى. وفي أكثر نسخ الكتاب « تهوى بي دجن » - بالدال المهملة - والظاهر أنَّه تصحيف. ودجن بالمكان دجنا أقام به واستأنس والدجنة: الظلمة.

(١) الجآجى جمع الجؤجؤ وهو الصدر. والقطن - بالتحريك -: ما بين الوركين يعني أنَّ السير قد هزلها وذهب بلحمها. وفي بعض الكتب « عالى الجآجى » وهو قريب من العاري لأنّ العظم إذا عرى عن اللحم يرى مرتفعاً عاليا. والبوغاء: التراب الناعم. والدمن جمع دمنة - بكسر الدال وفتح الميم -: ما تدمن منه أي تجمع وتلبد. كذا في النهاية وقال: كأنه من المقلوب تقديره « تلفه الريح في بوغاء الدمن » وتشهد له الرواية الاخرى « تلفه الريح ببوغاء الدمن ».

(٢) حثحث: أسرع وحث. والحضن: الجانب. وثكن - بفتح أوله وثانيه -: جبل بالبادية. يعني من كثرة التراب والغبار الذى أصابه في سرعة سيره كأنّما أعجل من هذا الموضع الذى اجتمع فيه التراب الكثير.

(٣) « يسيح » كذا في النسخ وفي اللسان والعقد الفريد والنهاية « مشيح » والمشيح - بضم الميم وكسر المعجمة والحاء المهملة -: الجاد المسرع. « وقد أوفى » أي أشرف. والضريح: القبر أي قرب أن يدخل القبر.

١٩٤

الهراوة(١) ، وفاض وادي سماوة، وغاضت بحيرة ساوة فليس الشام لسطيح شاماً،(٢) يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكلّما هو آت آت، ثمّ قضى سطيح مكانه، فنهض عبد المسيح إلى رحله ويقول:

شمّر فانّك ماضي العزم شمّير

لا يفزعنّك تفريق وتغيير(٣)

إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم

فانَّ ذا الدَّهر أطوار دهارير(٤)

وربّما كان قد أضحوا بمنزلة

تهاب صولهم الاُسد المهاصير(٥)

منهم أخو الصرح بهرام وإخوته

والهرمزان وسابور وسابور(٦)

والناس أولاد علّات فمن علموا

أن قد أقلَّ فمحقور ومهجور(٧)

وهم بنو الاُمَّ لمّا أنَّ رأوا نشباً

فذاك بالغيب محفوظ ومنصور(٨)

والخير والشرُّ مقرونان في قرن

فالخير متّبع والشرُّ محذور

قال: فلمّا قدم على كسرى أخبره بما قال سطيح فقال: إلى أن يملك منا أربعة

__________________

(١) المراد بالتلاوة تلاوة القرآن. والهراوة: العصا، وصاحب الهراوة هو النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه يأخذ العنزة بيده.

(٢) أي لم يبق سطيح، أو يتغير أحوال الشام.

(٣) الشمير: الشديد التشمير، وفي اللسان « شمر فانّك ما عمرت شمير ».

(٤) « أفرطهم » أي تركهم وزال عنهم. والاطوار: الحالات. والدهارير: الشديد جمع الدهر يعنى أنَّ الدهر ذو تصاريف ونوائب.

(٥) المهاصير جمع المهصار وهو الشديد الذى يفترس.

(٦) الصرح: القصر. وفي بعض النسخ « وهرمزان » بدون اللام.

(٧) اولاد علات أي لامهات شتى، كناية عن عدم الالفة بينهم. وقوله: « أنَّ قد أقل » أي افتقر وقل ما في يده.

(٨) « وهم بنو أم » أي يعطف بعضهم على بعض. والنشب - بالتحريك -: المال والعقار.

١٩٥

عشر ملكاً قد كانت أمور، قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى إمارة عثمان.

وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس وذلك أكثر من ثلاثين قرناً، وكان مسكنه بالبحرين فيزعم عبد القيس أنَّه منهم وتزعم الازد أنَّه منهم، وأكثر المحَدّثين قالوا: هو من الازد ولا يدرى ممّن هو، غير أنَّ عقبه يقولون: نحن من الازد.

١٨

( باب )

* (خبر يوسف اليهودي بالنبي « ص » وبصفاته وعلاماته) *

٤١ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان رفعه بإسناده قال: لمّا بلغ عبد الله بن عبد المطلّب زوّجه عبد - المطلّب آمنة بنت وهب الزُّهري فلمّا تزوَّج بها حملت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فروي عنها أنّها قالت: لمّا حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كان آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الانام، فلمّا حان وقت الولادة خفَّ عليَّ ذلك حتّى وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلاً يقول: وضعت خير البشر فعوِّذيه بالواحد الصمد من شرٍّ كلّ باغ وحاسد.

« فولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت(١) من ربيع الاوَّل يوم الاثنين ».

فقالت آمنة: لمّا سقط إلى الأرض اتقّى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السّماء، وخرج منّي نور أضاء ما بين السّماء والارض، ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السّماء، ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السّماء، ففزعوا لذلك، وقالوا: هذا قيام السّاعة، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخاً كبيراً مجرباً، فقال: انظروا إلى هذه النجوم الّتى تهتدوا بها في البر والبحر، فإنَّ

__________________

(١) كذا. ولعله يكون « بقيت » فصحف وهذا من كلام المصنف.

١٩٦

كانت قد زالت فهو قيام الساعة وإن كانت هذه ثابته فهو لامر قد حدث.

وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنّهم قد منعوا من السّماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإنَّ أمراً قد حدث، فجالوا في الدُّنيا ورجعوا وقالوا: لم نر شيئاً، فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلمّا انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلمّا أراد أن يدخل صاح به جبرئيلعليه‌السلام فقال: اخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصرد قال: يا جبرئيل ما هذا؟ قال: هذا نبيٌّ قد ولد وهو خير الأنبياء، قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمّته؟ قال: بلى، قال: قد رضيت.

قال: وكان بمكة يهوديٌّ يقال له: يوسف فلمّا رأى النجوم يقذف بها وتتحرَّك قال: هذا نبيٌّ قد ولد في هذه اللّيلة وهو الّذي نجده في كتبنا أنَّه إذا ولد - وهو آخر الأنبياء - رجمت الشياطين وحجبوا عن السّماء، فلمّا أصبح جاء إلى نادي قريش فقال: يا معشر قريش هل ولد فيكم اللّيلة مولود؟ قالوا: لا قال: أخطأتم والتوراة ولد إذاً بفلسطين وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، فتفرَّق القوم فلمّا رجعوا إلى منازلهم أخبر كلُّ رجل منهم أهله بما قال اليهوديُّ فقالوا: لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلّب ابن في هذه الليلة، فأخبروا بذلك يوسف اليهوديَّ فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده؟ قالوا: قبل ذلك، قال: فاعرضوه عليَّ، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا: اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهوديُّ، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه، وكشف عن كتفيه فرأى شامة سوداء بين كتفيه وعليها شعرات، فلمّا نظر إليه وقع على الأرض مغشيّاً عليه، فتعجب منه قريش وضحكوا منه فقال: أتضحكون يا معشر قريش، هذا نبيُّ السيف ليبيرنّكم(١) وقد ذهبت النبوَّة من بني إسرائيل إلى آخر الابد، وتفرق النّاس ويتحدَّثون بخبر اليهوديِّ ونشأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة وينشأ في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر.

__________________

(١) أي ليهلكنكم. وفي بعض النسخ « ليتبرنكم ».

١٩٧

١٩

( باب )

* (خبر (دواس) ابن حواش المقبل من الشام) *

٤٢ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيِّ جميعاً، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: لمّا دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكعب بن أسد(١) ليضرب عنقه فاخرج وذلك في غزوة بني قريظة نظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له: يا كعب أما نفعك وصيّة ابن حوَّاش الحبر الّذي أقبل من الشّام فقال: « تركت الخمر والخمير وجئت إلى الموس والتمور(٢) لنبيٍّ يبعث، هذا أو أنَّ خروجه يكون مخرجه بمكّة وهذه دار هجرته وهو الضحوك القتّال، يجتزي بالكسيرات والتمرات ويركب الحمار العاري، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوَّة، يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخفِّ والحافر »؟! قال كعب: قد كان ذلك يا محمّد، ولو لا أنَّ اليهود تعيّرني إنّي جبنت عند القتل لآمنت بك وصدَّقتك ولكنّي على دين اليهوديّة عليه احيى وعليه أموت، فقال رسول الله صلى عليه وآله: فقد موه واضربوا عنقه، فقدَّم وضرب عنقه.

٢٠

( باب )

* (خبر زيد بن عمرو بن نفيل) *

وكان زيد بن عمرو بن نفيل(٣) يطلب الدِّين الحنيف ويعرف أمر النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و

__________________

(١) هو رئيس بني قريظة.

(٢) كذا وفي بعض النسخ « جئت إلى البؤس والتمور ».

(٣) في المعارف لا بن قتيبة الدينوري: زيد بن عمرو بن نفيل هو أبو سعيد أحد العشرة

١٩٨

٤٣ - حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسين البزَّاز النيسابوريُّ قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب بن يوسف قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار العطارديُّ قال: حدّثنا يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق بن يسار المدني قال: كان زيدٌ بن عمرو بن نفيل أجمع على الخروج من مكّة يضرب في الأرض ويطلب الحنيفيّة - دين إبراهيمعليه‌السلام - وكانت امرأته صفيّه بنت الحضرمي كلّما أبصرته قد نهض إلى الخروج وأراده آذنت به الخطّاب بن نُفيل(٢) فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الاوَّل دين إبراهيمعليه‌السلام ويسأل عنه، فلم يزل في ذلك فيما يزعمون حتّى أتى الموصل والجزيرة كلّها، ثمّ أقبل حتّى أتى الشام فجال فيها حتّى أتى راهباً بميفعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم النّصرانيّة فيما يزعمون فسأله عن الحنيفيّة دين إبراهيمعليه‌السلام فقال له الرَّاهب: إنّك لتسأل عن دين ما أنت بواجد له الان من يحملك عليه اليوم، لقد درس علمه وذهب من كان يعرفه، ولكنّه قد أظلّك خروج نبيٍّ يبعث بأرضك الّتي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفيّة فعليك ببلادك فإنّه مبعوث الان، هذا زمانه ولقد كان سئم اليهوديّة والنّصرانيّة، فلم يرض شيئاً منهما، فخرج مسرعاً حين قال له الرَّاهب ما قال يريد مكّة حتّى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه.

فقال ورقة بن نوفل - وقد كان اتّبع مثل أثر زيد ولم يفعل في ذلك ما فعل - فبكاه ورقة وقال فيه:

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنّما

تجنّبت تنوّراً من النّار حامياً

بدينك ربّا ليس ربٌّ كمثله

وتركك أوثان الطواغي كماهيا(٢)

ينتظر خروجه وخرج في طلبه فقتل في الطريق.

__________________

المسمين للجنة، وكان رغب عن عبادة الاوثان وطلب الدِّين، فقتله النصارى بالشام. وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يبعث أمة وحده ».

(١) وكان الخطاب بن نفيل عمه وأخاه لامه وكان يعاتبه على فراق دين قومه، وكان الخطاب قد وكل صفية به، وقال: إذا رأيته قدهم بأمر فآذنيني به. (قاله ابن هشام).

(٢) في المعارف « وتركك جنان الجبال كماهيا » وجنان - بكسر الجيم وشد النون -

١٩٩

وقد تدرك الانسان رحمةُ ربّه

ولو كان تحت الأرض ستّين وادياً

٤٤ - وبهذا الاسناد، عن أحمد بن محمّد بن إسحاق بن يسار المدني قال: حدّثني محمّد بن جعفر بن الزبير(٤) ومحمّد بن عبد الرّحمن بن عبد الله الحصين التميميُّ: أنَّ عمر بن الخطّاب وسعيد بن زيد قالا: يا رسول الله أنستغفر لزيد؟ قال: نعم فاستغفروا له فإنّه يبعث يوم القيامة امة وحده.

٤٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسين البزَّاز قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب بن - يوسف قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار، عن يونس بن بكير، عن المسعوديّ، عن نفيل بن هشام، عن أبيه أنَّ جدَّه سعيد بن زيد سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبيه زيد بن عمرو، فقال: يا رسول الله إنَّ أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت وكما بلغك فلو أدركك كان آمن بك فأستغفر له؟ قال: نعم فاستغفر له، وقال: إنَّه يجيء يوم القيامة امّة وحده، وكان فيما ذكروا أنَّه يطلب الدِّين فمات وهو في طلبه.

قال مصنّف هذا الكتابرحمه‌الله : حال النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل النبوَّة حال قائمنا وصاحب زمانناعليه‌السلام في وقتنا هذا وذلك أنَّه لم يعرف خبر النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الوقت إلّا الأحبار والرُّهبان والّذين قد انتهى إليهم العلم به فكان الاسلام غريباً فيهم وكان الواحد منهم إذا سأل الله تبارك وتعالى بتعجيل فرج نبيّه وإظهار أمره سخر منه أهل الجهل والضلال وقالوا له: متى يخرج هذا النبيُّ الّذي تزعمون أنَّه نبي السيف وان دعوته تبلغ المشرق والمغرب وإنّه ينقاد له ملوك الأرض كما يقول الجهّال لنا في وقتنا هذا: متى يخرج هذا المهدي الّذي تزعمون أنَّه لابدَّ من خروجه وظهوره وينكره قوم ويقرُّبه آخرون، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ الاسلام بدء غريباً وسيعود غريباً

__________________

جمع جان، ويريد بجنان الجبال: الّذين يأمرون بالفساد من شياطين الانس.

(١) محمّد بن جعفر بن الزبير بن العوام الاسدي المدني قال ابن سعد: كان عالما وقال الدّار قطني ثقة مدني (تهذيب التهذيب)، وفي بعض النسخ « محمّد بن جعفر بن الاثير » وهو تصحيف.

٢٠٠

[ كما بدء ] فطوبى للغرباء، فقد عاد الاسلام كما قالعليه‌السلام غريباً في هذا الزَّمان كما بدء وسيقوي بظهور وليِّ الله وحجّته كما قوى بظهور نبيِّ الله ورسوله وتقرُّ بذلك أعين المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرَّت أعين المنتظرين لرسول الله والعارفين به بعد ظهوره، وإن الله عزَّ وجلَّ لينجّز لاوليائه ما وعدهم ويعلي كلمته ويتم نوره ولو كره المشركون.

٤٦ - حدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغيرة الكوفيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثني جدِّي الحسن بن عليٍّ، عن جدِّه عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل ابن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ الاسلام بدء غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء.

٤٧ - حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلويُّ العمري السمرقنديُّرضي‌الله‌عنه - قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد العمركيِّ ابن عليّ البوفكيّ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ الاسلام بدء غريباً وسيعود غريبا كما بدء، فطوبى للغرباء.

٢١

( باب )

* ( العلة الّتى من أجلها يحتاج إلى الامامعليه‌السلام ) *

١ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: أتبقي الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت.

٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد -

٢٠١

ابن الحسن الصفّار قال: حدّثنا العبّاس بن معروف، عن عليِّ بن مهزيار، عن محمّد ابن الهيثم، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرِّضاعليه‌السلام قال: قلت له: أتبقى الأرض بغير إمام، فقال: لا، قلت: فإنّا نروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّها لا تبقى بغير إمام إلّا أن يسخط الله على أهل الأرض أو على العباد، فقال: لا تبقى إذا لساحت.

٣ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي عبد الله زكريّا بن محمّد المؤمن، عن أبي - هراسة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال: لو أنَّ الامام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله(١) .

٤ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن - محمّد بن عيسى، وإبراهيم بن مهزيار، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن أبي عليٍّ البجليِّ، عن أبان بن عثمان، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في حديث له في الحسين عليٍّعليهما‌السلام أنَّه قال في آخره: ولو لا من على الأرض من حجج الله لنفضت الأرض ما فيها وألقت ما عليها، إنَّ الأرض لا تخلو ساعة من الحجّة.

٥ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق، عن أحمد بن عمر الحلّال قال: قتل لابي الحسن الرِّضاعليه‌السلام : إنّا روِّينا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنَّه قال: إنَّ الأرض لا تبقى بغير إمام، أو تبقى ولا إمام فيها؟ فقال: معاذ الله لا تبقى ساعة إذا لساخت.

٦ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسن بن أحمد المالكيُّ، عن أبيه عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضاعليه‌السلام : نحن حجج الله في خلقه، وخلفاؤه في عباده، وأمناؤه على سرِّه، ونحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته، بنا يمسك الله السموات والارض أنَّ تزولا، وبنا ينزِّل الغيث وينشر الرَّحمة، ولا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجّة

__________________

(١) ماج أي اضطرب.

٢٠٢

 لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.

٧ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ قالا: حدّثنا إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعد ابن أبي خلف، عن الحسن بن زياد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنَّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها [ حجة ] عالم، إنَّ الأرض لا يصلحها إلّا ذلك ولا يصلح النّاس إلّا ذلك.

٨ - وبهذا الاسناد، عن عليِّ بن مهزيار، عن الحسن بن عليٍّ الخزاز، عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: فقال: لا، قلت: فإنّا نروى أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط الله على العباد؟ فقال: لا تبقى إذا لساخت.

٩ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله جعفر قالا: حدّثنا محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبي عبد الله المؤمن، والحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي هراسة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لو أنَّ الامام رفع من الأرض لماجت الأرض بأهلها كما يموج البحر بأهله.

١٠ - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر قالا: حدّثنا محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعاً عن محمّد بن سنان، عن حمزة الطيّار قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: لو لم يبق من أهل الأرض(١) إلّا اثنان لكان أحدهما الحجة. - أو كان الثاني الحجّة - الشك من محمّد بن سنان.

١١ - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي الصّباح، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أنَّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزِّيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم وإذا نقصوا شيئاً أكمله لهم ولو لا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم.

١٢ - وبهذا الاسناد، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يدع الأرض بغير عالم ولو لا ذلك

____________

(١) في بعض النسخ « لو لم يبق في الأرض » وفي بعضها « من الدُّنيا ».

٢٠٣

لما عرف الحقُّ من الباطل.

١٣ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر قالا: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن أحمد بن هلال في حال استقامته(١) عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : يمضي الامام وليس له عقب؟ قال: لا يكون ذلك قلت: فيكون ماذا؟ قال: لا يكون ذلك إلّا أن يغضب الله عزَّ وجلَّ على خلقه فيعاجهلم.

١٤ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر قال: حدّثنا محمّد بن أحمد، عن أبي سعيد العصفريِّ(٢) ، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت بأهلها ولعذَّبهم الله بأشدِّ عذابه، أنَّ الله تبارك وتعالى جعلنا حجّة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لم يزالوا في أمان من أنَّ تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ثمّ لا يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه، ثمّ يفعل الله ما شاء وأحبَّ.

١٥ - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن هلال، عن سعيد بن جناح، عن سليمان الجعفريِّ قال: سألت أبا الحسن الرِّضاعليه‌السلام فقلت: أتخلو الأرض من حجّة؟ فقال: لو خلت من حجّة طرفة عين لساخت بأهلها.

١٦ - حدّثنا محمّد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن إسماعيل الميثميِّ، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الاعلى بن أعين، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: ما

__________________

(١) أحمد بن هلال العبرتائي من أصحاب الهاديعليه‌السلام كان غالبا متهماً في دينه ويظهر من هذا الكلام استقامته في أول الامر ثمّ تحزبه إلى الضلال.

(٢) كذا وهو أبو سعيد العصفوري المعنون في جامع الرواة باب الكنى.

٢٠٤

ترك الله الأرض بغير عالم ينقص ما زادوا ويزيد ما نقصوا، ولولا ذلك لا اختلطت على النّاس اُمورهم.

١٧ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن داود، عن فضيل الرّسّان قال: كتب محمّد بن إبراهيم إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرنا ما فضلكم أهل البيت؟ فكتب إليه أبو عبد اللهعليه‌السلام : أنَّ الكواكب جعلت في السّماء أماناً لأهل السّماء، فإذا ذهبت نجوم السّماء جاء أهل السّماء ما كانوا يوعدون، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جعل أهل بيتي أماناً لاُمّتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء امّتي ما كانوا يوعدون ».

١٨ - حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغداديُّ(١) قال: حدّثنا أحمد بن عبد العزيز ابن الجعد أبو بكر قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن صالح قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيده، عن أياس بن سلمة، عن أبيه يرفعه قال: قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النجوم أمان لاهل السّماء وأهل بيتي أمان لاُمّتي.

١٩ - حدّثنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر محمّد بن السري بن سهل قال: حدّثنا عبّاس بن الحسين(٢) قال: حدّثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: قال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النجوم أمان لاهل السّماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السّماء، وأهل بيتي أمان لاهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الارض.

٢٠ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن عبد الله بن عبد الرّحمن البصريِّ، عن أبي المغرا حميد

__________________

(١) هو محمّد بن عمر بن محمّد بن سالم أبو بكر التميمي يعرف بابن الجعابي.

(٢) يحتمل أن يكون هو عبّاس بن الحسين البلخي أبو الفضل الّذي سكن بغداد وتوفي سنة ٢٥٨. والمراد بمحمد بن السري بن سهل أما أبو المؤمل البغدادي أو أبو بكر القنطري أو أبو بكر البزاز. والعلم عند الله.

٢٠٥

ابن المثنّى العجليِّ، عن أبي بصير، عن خيثمة الجعفيِّ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحن حوزته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن امناء الله عزَّ وجلَّ، ونحن حجج الله، ونحن أركان الايمان، ونحن دعائم الاسلام، ونحن من رحمة الله على خلقه، ونحن من بنا يفتح وبنا يختم، ونحن أئمّة الهدى، ونحن مصابيح الدُّجى، ونحن منار الهدى، ونحن السابقون، ونحن الاخرون، ونحن العلم المرفوع للخلق، من تمسّك بنا لحق، ومن تأخّر عنّا غرق، ونحن قادة الغرّ المحجّلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عزَّ وجلَّ، ونحن من نعمة الله عزَّ وجلَّ على خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوَّة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الّذين إلينا تختلف الملائكة، ونحن السِّراج لمن استضاء بنا، ونحن السّبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنّة، ونحن عرى الاسلام، ونحن الجسور والقناطر(١) ، من مضى عليها لم يسبق، ومن تخلّف عنها محق، ونحن السّنام الاعظم، ونحن الّذين بنا ينزل الله عزَّ وجلَّ الرَّحمة، وبنا يسقون الغيث، ونحن الّذين بنا يصرف عنكم العذاب، فمن عرفنا وأبصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا.

٢١ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الطفيل(٢) ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامير المؤمنينعليه‌السلام : اكتب ما املي عليك، قال: يا نبي الله أتخاف عليّ النسيان؟ فقال: لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا ينسيك، ولكن اكتب لشركائك، قال: قلت: ومن شركائي يا نبيَّ الله؟ قال: الأئمّة من ولدك، بهم تسقى أمّتى الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف الله عنهم البلاء، وبهم تنزل الرَّحمة من السّماء

__________________

(١) الجسور جمع الجسر، والقناطر جمع القنطرة: الجسر.

(٢) كذا ورواية أبي الطفيل عن أبي جعفرعليه‌السلام في غاية البعد بل ممّا لا يكون. وفي بعض النسخ « عن أبي عبد الله الطفيل » ولم أجده.

٢٠٦

وهذا أوّلهم - وأومأ بيده إلى الحسنعليه‌السلام ، ثمّ أومأ بيده إلى الحسينعليه‌السلام - ثمّ قالعليه‌السلام : الائمّة من ولده.

٢٢ - حدّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أحمد بن يحيى ابن زكريّا القطان قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدّثنا الفضل بن صقر العبديِّ(١) قال: حدّثنا أبو معاوية، عن سليمان بن مهران الأعمش، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسينعليهم‌السلام قال: نحن أئمّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرِّ المحجّلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لاهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لاهل السّماء، ونحن الّذين بنا يمسك الله السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها(٢) وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرَّحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، ثمّ قال: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور(٣) ، ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال: سليمان، فقلت للصادقعليه‌السلام : فكيف ينتفع النّاس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب.

٢٣ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا إبراهيم ابن هاشم قال: حدّثنا إسماعيل بن مرَّار قال: حدّثني يونس بن عبد الرّحمن قال: حدّثني يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جماعة من أصحابه فيهم حمران ابن أعين، ومؤمن الطّاق، وهشام بن سالم، والطيار، وجماعة من أصحابه، فيهم هشام بن الحكم وهو شابٌّ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا هشام قال: لبّيك يا ابن رسول الله قال: إلّا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد؟ وكيف سألته؟ قال هشام: جعلت فداك يا ابن رسول الله إنّي اجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا أمرتكم بشيء فافعلوه، قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد

__________________

(١) لم أظفر به.

(٢) في بعض النسخ « أن تمور بأهلها ».

(٣) في بعض النسخ « خائف مغمور ».

٢٠٧

البصرة وعظم ذلك عليَّ فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء من صوف مؤتزرٌ بها، وشملة مرتد بها، والناس يسألونه فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتيَّ، ثمّ قلت: أيّها العالم أنا رجلٌ غريبٌ تأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال: فقال: نعم، قال: قلت له: ألك عينٌ؟ قال: يا بنيَّ أيّ شيء هذا من السؤال إذا ترى شيئاً كيف تسأل عنه؟ فقلت: هكذا مسألتي قال: يا بنيَّ سل وإن كانت مسألتك حمقاء، قلت: أجبني فيها، قال: فقال لي: سل، قال: قلت: ألك عينٌ؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تري بها؟ قال: الألوان والأشخاص، قال: قلت: ألك أنف؟ قال: نعم قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أشمُّ به الرّائحة، قال: قلت: ألك لسان؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أتكلّم به قال: قلت: ألك أذن؟ قال: نعم قال: قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الأصوات، قال: قلت: أفلك يدان؟ قال: نعم قال: قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أبطش بهما وأعرف بهما الليّن من الخشن، قال: قلت: ألك رجلان؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أنتقل بهما من مكان إلى مكان، قال: قلت: ألك فمٌ؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أعرف به المطاعم على اختلافها، قال: قلت: أفلك قلب؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: اميّز به كلما ورد على هذه الجوارح(١) ، قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة؟ قال: يا بنيَّ إنَّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته ردَّته إلى القلب فليقرُّ به اليقين ويبطل الشّك، قال: قلت: فإنّما أقام الله عزَّ وجلَّ القلب لشكِّ الجوارح؟ قال: نعم، قال: قلت: ولابدَّ من القلب وإلّا لم يستيقن الجوارح؟ قال: نعم، قال: قلت: يا أبا مروان أنَّ الله لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح وينفي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ويقيم لك إماماً لجوارحك يردُّ إليك شكك وحيرتك؟ قال: فسكت، ولم يقل لي شيئاً، قال: ثمّ التفت إليَّ فقال:

__________________

(١) في بعض النسخ « أميز به الامور الواردة على هذه الجوارح ».

٢٠٨

أنت هشام؟ فقلت: لا، قال: فقال لي: أجالسته؟ فقلت: لا، قال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: فأنت إذاً هو، قال: ثمّ ضمّني إليه فأقعدني في مجلسه، وما نطق حتّى قمت، فضحك أبو عبد اللهعليه‌السلام ، ثمَّ قال: يا هشام من علّمك هذا؟ قال: قلت: يا ابن رسول الله جرى على لساني، قال: يا هشام هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسىعليهم‌السلام .

قال مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : وتصديق قولنا إنَّ الامام يحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه أنَّه ما عذب الله عزَّ وجلَّ أمّة إلّا وأمر نبيّها بالخروج من بين أظهرهم كما قال الله عزَّ وجلَّ في قصّة نوحعليه‌السلام «حتّى إذا جاء أمرنا وفار التّنور قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلّا من سبق عليه القول (١) » منهم وأمره الله عزَّ وجلَّ أن يعتزل عنهم مع أهل الايمان به ولا يبقى مختلطا بهم وقال عزَّ وجلَّ: «ولا تخاطبني في الّذين ظلموا أنّهم مغرقون (٢) » وكذلك قال عزَّ وجلَّ في قصّة لوطعليه‌السلام «فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك أنَّه مصيبها ما أصابهم (٣) » فأمره الله عزَّ وجلَّ بالخروج من بين أظهرهم قبل أن أنزل العذاب بهم لأنّه لم يكن عزَّ وجلَّ لينزل عليهم ونبيّه لوطعليه‌السلام بين أظهرهم وهكذا أمر الله عزَّ وجلَّ كلّ نبي أراد هلاك أمته أنَّ يعتزلها كما قال إبراهيمعليه‌السلام مخوفا بذلك قومه «وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى إلّا أكون بدعاء ربي شقيا *فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله (٤) » أهلك الله عزَّ وجلَّ الّذين كانوا آذوه وعنتوه وألقوه في الجحيم وجعلهم الاسفلين ونجّاه ولوطاً كما قال الله تعالى: «ونجّيناه ولوطاً إلى الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين (٥) » ووهب الله [ جلت عظمته ] لابراهيم إسحاق ويعقوب كما قال عزَّ وجلَّ: «ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين (٦) ».

__________________

(١) هود: ٤٣.

(٢) هود: ٤٠.

(٣) هود: ٨١.

(٤) مريم: ٥٠ و ٥١.

(٥) و (٦) الأنبياء: ٧٢.

٢٠٩

وقال الله عزَّ وجلَّ لنبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم »(١) .

وروي في الأخبار الصحيحة عن أئمّتناعليهم‌السلام أنَّ من رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو واحداً من الائمّة صلوات الله عليهم قد دخل مدينة أو قرية في منامه فإنّه أمن لاهل تلك المدينة أو القرية ممّا يخافون ويحذرون وبلوغ لمّا يأملون ويرجون.

و في حديث هشام مع عمرو بن عبيد حجّة في الانتفاع بالحجّة الغائبعليه‌السلام وذلك أنَّ القلب غائب عن سائر الجوارح لا يرى بالعين ولا يشمُّ بالأنف ولا يذاق بالفمِّ ولا يلمس باليد وهو مدبّر لهذه الجوارح مع غيبته عنها وبقاؤها على صلاحها ولو لم يكن القلب لانفسد تدبير الجوارح ولم تستقم أمورها فاحتيج إلى القلب لبقاء الجوارح على صلاحها كما احتيج إلى الامام لبقاء العالم على صلاحه ولا قوَّة إلّا بالله.

و كما يعلم مكان القلب من الجسد بالخبر فكذلك يعلم مكان الحجّة الغائبعليه‌السلام بالخبر وهو ما ورد عن الائمّةعليهم‌السلام من الأخبار في كونه بمكّة وخروجه منها في وقت ظهوره، ولسنا نعني بالقلب المضغة الّتي من اللحم لأنّ بها لا يقع الانتفاع للجوارح وإنّما نعني بالقلب اللطيفة الّتي جعلها الله عزَّ وجلَّ في هذه المضغة لا تدرك بالبصر وإن كشف عن تلك المضغة، ولا تلمس ولا تذاق ولا توجد إلّا بالعلم بها لحصول التمييز واستقامة التّدبير من الجوارح والحجّة بتلك اللّطيفة على الجوارح [ قائمة ما وجدت والتكليف لها لازم ما بقيت فإذا عدمت تلك اللطيفة انفسد تدبير الجوارح وسقط التكليف عنها فكما يجوز أن تحتجَّ الله عزَّ وجلَّ بهذه اللّطيفة الغائبة عن الحواسِّ على الجوارح فكذلك جائز أن يحتجَّ عزَّ وجلَّ على جميع الخلق بحجّة غائب عنهم به يدفع عنهم وبه يرزقهم وبه ينزل عليهم الغيث ولا قوة إلّا بالله ].

__________________

(١) الانفال: ٣٣. وتمام الآية «وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون » وفي بعض النسخ كانت هذه الزيادة في المتن.

٢١٠

٢٢

( باب )

* (اتصال الوصية من لدن آدمعليه‌السلام وأن الأرض لا تخلو) *

* (من حجّة لله عزَّ وجلَّ على خلقه إلى يوم القيامة) *

١ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن - الحسن الصفّار؛ وسعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ والهيثم بن أبي مسروق النهديُّ وإبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب السَّراد، عن مقاتل بن سليمان بن دوال - دوز(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا سيّد النبيّين ووصيّي

__________________

(١) مقاتل بن سليمان الازدي الخراساني أبو الحسن البلخي نزيل مرو، يقال له: ابن دوال دوز عامي بتري اختلفوا في شأنه فبعضهم رفعوه فوق مقامه وبجلوه وقالوا: « ما علم مقاتل بن سليمان في علم النّاس إلّا كالبحر الاخضر في سائر البحور »، وبعضهم كذبوه وهجروه ورموه بالتجسيم ففي تهذيب التهذيب عن أحمد بن سيار المروزي قال: « مقاتل متهم متروك الحديث مهجور القول، سمعت اسحاق ابراهيم يقول: أخبرني حمزة بن عميرة أنَّ خارجة مر بمقاتل وهو يحدّث النّاس فقال: حدّثنا أبو النضر - يعني الكلبي - قال: فمررت عليه مع الكلبي فقال الكلبي: والله ما حدثته قط بهذا، ثمّ دنا منه فقال له: يا أبا الحسن أنا أبو النضر وما حدثتك بهذا قط، فقال مقاتل: اسكت يا أبا النضر فإنَّ تزيين الحديث لنا إنّما هو بالرجال ».

وفيه قال أبو اليمان: قام مقاتل بن سليمان فقال: سلوني عمّا دون العرش حتّى أخبركم به، فقال له يوسف السمتي: من حلق رأس آدم اول ما حج؟ قال: لا أدري.

وفيه أيضاً عن العبّاس بن الوليد بن مزيد عن أبيه قال: سألت مقاتل عن أشياء فكان يحدثني بأحاديث كلّ واحد ينقض الاخر، فقلت: بأيها آخذ؟ قال: بأيها شئت، وقال ابن معين: أنَّه (يعنى مقاتل) ليس بثقة وقال عمرو بن عليّ: متروك الحديث كذاب. وقال ابن سعد:

٢١١

سيّد الوصيّين وأوصياؤه سادة الأوصياء إنَّ آدمعليه‌السلام سأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل له وصيّاً صالحا فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه إنّي أكرمت الأنبياء بالنبوَّة ثمّ اخترت خلفي فجعلت خيارهم الاوصياء، فقال آدمعليه‌السلام : يا ربّ فاجعل وصيّي خير الاوصياء، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: يا آدم أوص إلى شيث وهو هبة الله بن آدم، فأوصى آدم إلى شيث وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء(١) الّتي أنزلها الله عزَّ وجلَّ على آدم من الجنّة فزوَّجها شيثاً، وأوصى شبان إلى ابنه مجلث، وأوصى مجلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى غثميشا، وأوصى غثميشا إلى أخنوخ وهو إدريس النبيّعليه‌السلام ، وأوصى إدريس إلى ناخور ودفعها ناخور إلى نوحعليه‌السلام ، وأوصى نوح إلى سام؛ وأوصى سام إلى عثامر وأوصى عثامر إلى برعيثاشا، وأوصى برعيثاشا إلى يافث؛ وأوصى يافث إلى برّة؛ وأوصى برة إلى جفيسة(٢) وأوصى جفيسة، إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثرياء، وأوصى بثرياء إلى شعيب، وأوصى شعيب إلى موسى بن عمران، وأوصى موسى إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع إلى داود(٣) وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى

__________________

أصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه. وقال النسائي: كذاب. وفي موضع آخر، الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعة وعد منهم مقاتل بن سليمان راجع تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٩.

وعنونه العلامة قدَّس سرّه في قسم الضعفاء وقال: مقاتل بن سليمان من أصحاب الباقر عليه السلام بتري قاله الشيخ الطوسي رحمه الله والكشي. وقال البرقي. أنَّه عامي

(١) في بعض النسخ « هو ابن له من الحوراء ».

(٢) في بعض النسخ والفقيه « جفسية ».

(٣) مضطرب لأنّ بين يوشع بن نون وداودعليهما‌السلام ازيد من ثلاثمائة عام فإنَّ خروج بني إسرائيل من مصر في عام ١٥٠٠ قبل الميلاد، وكان داودعليه‌السلام في ١٠٠٠ قبل الميلاد فكيف يوصي يوشع إلى داود. والبلاء من مقاتل بن سليمان العامي البتري.

٢١٢

آصف بن برخيا إلى زكريّا، ودفعها زكريّا إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام وأوصى عيسى إلى شمعون ابن حمون الصّفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا(١) وأوصى يحيى بن زكريّا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها إليك يا عليُّ وأنت تدفعها إلى وصيّك ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك، واحداً بعد واحد حتّى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرنَّ بك الاُمّة ولتختلفن عليك اختلافاً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي والشاذُّ عنك في النّار، والنّار مثوى للكافرين.

٢ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال: عن أبيه، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليهما‌السلام قال: أنَّ الله تبارك وتعالى عهد إلى آدمعليه‌السلام أن لا يقرب الشجرة، فلمّا بلغ الوقت الّذي كان في علم الله تبارك وتعالى أن يأكل منها نسي فأكل منها، وهو قول الله تبارك وتعالى: «ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً (٢) » فلمّا أكل آدم من الشجرة أُهبط إلى الأرض فولد له هابيل وأخته توأماً، وولد له قابيل وأخته توأماً، ثمّ أنَّ آدم أمر هابيل وقابيل أن يقرِّبا قرباناً، وكان هابيل صاحب غنم، وكان قابيل صاحب زرع فقرب هابيل كبشاً وقرَّب قابيل من زرعه ما لم ينق، وكان كبش هابيل من أفضل غنمه وكان زرع قابيل غير منقّى، فتقبّل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: «واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقِّ إذ قربّا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبّل من الاخر - الآية »(٣) وكان القربان إذا قبل تأكله النار فعمد قابيل إلى النّار فبنى لها بيتاً وهو أول من بنى للنّار البيوت، وقال: لاعبدنَّ هذه النار حتّى يتقبل قرباني، ثمّ إنَّ عدو الله إبليس قال لقابيل: إنَّه قد تقبّل قربان هابيل

__________________

(١) وهذا أيضاً خلاف ما وقع وإنّما قتل يحيى في أيّام عيسىعليه‌السلام على التحقيق.

(٢) طه: ١١٥

(٣) المائدة: ٢٧.

٢١٣

ولم يتقبّل قربانك فإنَّ تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك، فقتله قابيل، فلمّا رجع إلى آدمعليه‌السلام قال له: يا قابيل أين هابيل؟ فقال: ما أدري وما بعثتني له راعياً فانطلق آدم فوجد هابيل مقتولاً فقال: لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل، فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة، ثمّ إنَّ آدمعليه‌السلام سأل: ربّه عزَّ وجلَّ أن يهب له ولداً فولد له غلامٌ فسمّاه هبة الله لأنّ الله عزَّ وجلَّ وهبه له فأحبّه آدم حبّاً شديدا فلمّا انقضت نبوَّة آدمعليه‌السلام واستكملت أيامه أوحى الله تعالى إليه أن يا آدم أنَّه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الّذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوَّة في العقب من ذرّيّتك عند ابنك هبة الله فإنّي لن أقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوَّة في العقب من ذرّيّتك إلى يوم القيامة ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح، وذكر آدمعليه‌السلام نوحاًعليه‌السلام وقال: أنَّ الله تعالى باعث نبيّاً اسمه نوح وإنّه يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ فيكذِّبوه فيقتلهم الله بالطوفان، وكان بين آدم وبين نوحعليهما‌السلام عشرة آباء كلّهم أنبياء الله، وأوصى آدم إلى هبة الله: أنَّ من أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه وليصدق به فإنّه ينجو من الغرق.

ثم إنَّ آدمعليه‌السلام لمّا مرض المرضة الّتي قبض فيها أرسل إلى هبة الله فقال له: إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فأقرئه منّى السّلام وقل له: يا جبرئيل إنَّ أبي يستهديك من ثمار الجنّة، ففعل فقال له جبرئيل: يا هبة الله إنَّ أباك قد قبض وما نزلت إلّا للصلاة عليه فارجع فرجع فوجد أباه قد قُبض، فأراه جبرئيلعليه‌السلام كيف يغسّله، فغسّله حتّى إذا بلغ الصّلاة عليه قال هبة الله: يا جبرئيل تقدَّم فصلِّ على آدم فقال له جبرئيلعليه‌السلام : يا هبة الله إنَّ الله أمرنا أن نسجد لابيك في الجنّة فليس لنا أن نؤمَّ أحداً من ولده، فتقدم هبة الله فصلّى على آدم وجبرئيل خلفه وحزب من الملائكة وكبّر عليه ثلاثين تكبيرة بأمر جبرئيل فرُفع من ذلك خمساً وعشرون تكبيرة والسنّة فينا اليوم خمس تكبيرات، وقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبّر على أهل بدر سبعاً وتسعاً.

ثم أنَّ هبة الله لمّا دفن آدم أباه أتاه قابيل فقال له: يا هبة الله إنّي قد رأيت آدم أبي

٢١٤

خصّك من العلم بما لم أخصَّ به وهو العلم الّذي دعا به أخوك هابيل فتقبّل قربانه وإنّما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون: نحن أبناء الّذي تقبّل قربانه وأنتم أبناء الّذي لم يتقبل قربانه فانّك أن أظهرت من العلم الّذي اختصك به أبوك شيئاً قتلتك كما قتلت أخاك هابيل.

فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة حتّى بعث نوح وظهرت وصيّة هبة الله حين نظروا في وصيّة آدم فوجدوا نوحاًعليه‌السلام قد بشّر به أبوهم آدم، فآمنوا به واتّبعوه وصدقوه، وقد كان آدم وصىّ هبة الله أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلِّ سنة فيكون يوم عيد لهم، فيتعاهدون بعث نوحعليه‌السلام في زمانه الّذي بعث فيه، وكذلك جرى في وصية كلِّ نبيٍّ حتّى بعث الله تبارك وتعالى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإنّما عرفوا نوحاً بالعلم الّذي عندهم وهو قول الله عزَّ وجلَّ «ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه - الاية.(١) وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين ولذلك خفى ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء وهو قول الله عزَّ وجلَّ «ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك (٢) » يعني من لم يسمّهم من المستخفين كما سمّي المستعلنين من الأنبياء، فمكث نوحعليه‌السلام في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً لم يشاركه في نبوَّته أحد ولكنّه قدم على قوم مكذبين للأنبياء الّذين كانوا بينه وبين آدم وذلك قوله تبارك وتعالى: «كذَّبت قوم نوح المرسلين »(٣) يعني من كان بينه وبين آدم إلى أن ينتهي إلى قوله: «وإنَّ ربّك لهو العزيز الرَّحيم » ثمّ إنَّ نوحاً لمّا انقضت نبوَّته واستكملت أيّامه أوحى الله عزَّ وجلَّ إليه يا نوح أنَّه قد انقضت نبوَّتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الّذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوَّة في العقب من ذرّيّتك عند سام فإنّي لن أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين بينك وبين آدم ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني، وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بين

__________________

(١) هود: ٢٥، المؤمنون: ٢٣٠.

(٢) النساء: ١٦٤.

(٣) الشعراء: ١٠٥.

٢١٥

قبض النبيِّ إلى خروج النبيِّ الاخر، وليس بعد سام إلّا هود، فكان ما بين نوح وهود من الأنبياء مستخفين ومستعلنين، وقال نوح: أنَّ الله تبارك وتعالى باعث نبيّاً يقال له: هود وإنّه يدعو قومه إلى الله عزَّ وجلَّ فيكذِّبونه، وإن الله عزَّ وجلَّ مهلكهم بالرِّيح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإنَّ الله تبارك وتعالى ينجيه من عذاب الرِّيح وأمر نوح ابنه سام أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة، ويكون يوم عيد لهم فيتعاهدون فيه بعث هود وزمانه الّذي يخرج فيه، فلمّا بعث الله تبارك وتعالى هوداً نظروا فيما عندهم من العلم والايمان وميراث العلم والاسم الاكبر وآثار علم النبوَّة فوجدوا هودا نبيّاً وقد بشّرهم به أبوهم نوح فآمنوا به وصدَّقوه واتّبعوه فنجوا من عذاب الرِّيح، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: «وإلى عاد أخاهم هوداً »(١) وقوله «كذّبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود إلّا تتّقون »(٢) وقال عزَّ وجلَّ: «ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب »(٣) وقوله: «ووهبنا له إسحق ويعقوب كلّا هدينا [ لنجعلها في أهل بيته ]ونوحاً هدينا من قبل »(٤) لنجعلها في أهل بيته، فآمن العقب من ذرّيّة الأنبياء من كان من قبل إبراهيم لابراهيمعليه‌السلام ، وكان بين هود وإبراهيم من الأنبياء عشرة أنبياء وهو قوله عزَّ وجلَّ: «وما قوم لوط منكم ببعيد »(٥) وقوله: «فآمن له لوط وقال إنّي مهاجر إلى ربي [ »(٦) وقول إبراهيم «إنّي ذاهب إلى ربي )سيهدين »(٧) وقوله جلَّ وعزَّ: «وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم »(٨) فجرى بين كلّ نبيٍّ ونبيٍّ عشرة آباء وتسعة آباء وثمانية آباء كلهم أنبياء، وجرى لكلّ نبيٍّ ما جري لنوح وكما جري لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيمعليه‌السلام حتّى انتهى إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيمعليه‌السلام ، ثمّ صارت بعد يوسف في الاسباط إخوته حتّى انتهت إلى موسى بن عمران وكان بين يوسف وموسىعليهما‌السلام عشرة من الأنبياء فأرسل الله عزَّ وجلَّ موسى وهارون

__________________

(١) الاعراف: ٦٥.

(٢) الشعراء: ١٢٣.

(٣) البقرة: ١٢٧.

(٤) الانعام: ٨٤.

(٥) هود: ٨٩.

(٦) العنكبوت: ٢٦.

(٧) الصافات: ٩٨.

(٨) العنكبوت: ١٦.

٢١٦

إلى فرعون وهامان وقارون، ثمّ أرسل الله عزَّ وجلَّ الرُّسل تترى «كلّما جاء أمّة رسولها كذَّبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلنا هم أحاديث »(١) وكانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم نبيّين وثلاثة وأربعة حتّى أنَّه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبيّاً ويقوم سوق قتلهم في آخر النّهار، فلمّا أنزلت التوراة على موسى بن عمرانعليه‌السلام تبشّر بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان بين يوسف وموسىعليهما‌السلام من الأنبياء عشرة، وكان وصيُّ موسى بن عمران يوشع بن نون وهو فتاه الّذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه(٢) فلم تزل الأنبياءعليهم‌السلام تبشّر بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك قوله: « يجدونه » يعني اليهود والنصاري « مكتوبا » يعني صفة محمّد واسمه «عندهم في التورية والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهيهم عن المنكر »(٣) وهو قول الله عزَّ وجلَّ يحكي عن عيسى بن مريم «ومبّشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد »(٤) فبشّر موسى وعيسىعليهما‌السلام بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما بشرت الأنبياء بعضهم بعضاً حتّى بلغت محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قضى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوَّته واستكملت أيّامه أوحي الله عزَّ وجلَّ إليه أن يا محمّد قد قضيت نبوَّتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الّذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة عند عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام فإنّي لن أقطع العلم والايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، وذلك قوله عزَّ وجلَّ: «إنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّيّة بعضها من بعض والله سميع عليم »(٥) فإنَّ الله تبارك وتعالى لم يجعل

__________________

(١) المؤمنون: ٤٤.

(٢) في سورة الكهف: ٦٠ « إذ قال موسى لفتيه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين ».

(٣) الاعراف: ١٥٧.

(٤) الصف: ٦.

(٥) آل عمران: ٣٣.

٢١٧

العلم جهلاً، ولم يكل أمره إلى ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل ولكنّه أرسل رسولاً من ملائكته إلى نبيّه فقال له كذا وكذا، وأمره بما يحب، ونهاه عمّا ينكر، فقص عليه ما قبله وما خلفه بعلم، فعلّم ذلك العلم أنبياءه وأصفياءه من الاباء والاخوان بالذّرّية الّتى بعضها من بعض، فذلك قوله عزَّ وجلَّ: «فقد آيتنا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً »(١) فأمّا الكتاب فالنبوَّة وأمّا الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء والاصفياء من الصفوة، وكلُّ هؤلاء من الذُّرّية الّتي بعضها من بعض الّذين جعل الله عزَّ وجلَّ فيهم النبوَّة وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتّى تنقضي الدُّنيا، فهم العلماء وولاة الامر وأهل استنباط العلم والهداة فهذا بيان الفضل في الرُّسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الّذين هم ولاة أمر الله وأهل استنباط علم الله وأهل آثار علم الله عزَّ وجلَّ من الذّرّية الّتي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء من الال والاخوان والذّرّية من بيوتات الأنبياء فمن عمل بعملهم وانتهى إلى أمرهم نجا بنصرهم، ومن وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله في غير أهل الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله عزَّ وجلَّ وجعل الجهّال ولاة أمر الله والمتكلّفين بغير هدى، وزعموا أنّهم أهل استنباط علم الله فكذبوا على الله(٢) وزاغوا عن وصيّة الله وطاعته فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى فضلوا وأضلوا أتباعهم فلا تكون(٣) لهم يوم القيامة حجّة إنّما الحجّة في آل إبراهيم لقول الله عزَّ وجلَّ: «فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً » فالحجة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء حتّى تقوم الساعة لأنّ كتاب الله ينطق بذلك ووصيّة الله جرت بذلك في العقب من البيوت الّتي رفعها الله تبارك وتعالى على النّاس فقال: «في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه »(٤) وهي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى، فهذا بيان عروة الايمان الّتي بها نجا من نجا قبلكم وبها ينجو من اتّبع الائمّة، وقد قال الله

__________________

(١) النساء: ٥٤.

(٢) الزيغ: الميل عن الحق. وفى بعض النسخ « فقد كذبوا ».

(٣) « في بعض النسخ « ولم تكن ».

(٤) النور: ٣٦

٢١٨

تبارك وتعالى في كتابه «ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته داود وسليمن وأيّوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزى المحسنين *وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلّ من الصالحين *وإسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلّا فضّلنا على العالمين *ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ]أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوَّة فإنَّ يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين »(١) فإنّه وكّل بالفضل من أهل بيته من الاباء والاخوان والذُّريّة وهو قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه: « فإنَّ يكفر بها (أمّتك) فقد ولكنا » أهل بيتك بالايمان الّذي أرسلتك به فلا يكفرون بها أبداً ولا أضيع الايمان الّذي أرسلتك به وجعلت أهل بيتك بعدك علما على أمتك(٢) وولاة من بعدك وأهل استنباط علمي الّذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا وزر ولا بطر ولا رياء، فهذا تبيان ما بيّنه الله عزَّ وجلَّ من أمر هذه الاُمّة بعد نبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنَّ الله تعالى طهر أهل بيت نبيّه وجعل لهم أجر المودة واجرى لهم الولاية وجعلهم أوصياءه وأحبّاءه وأئمّته بعده في أمّته(٣) ، فاعتبروا أيّها النّاس فيما قلت وتفكّروا حيث وضع الله عزَّ وجلَّ ولايته وطاعته ومودّته واستنباط علمه وحجّته، فإياه فتعلّموا، وبه فاستمسكوا تنجوا، وتكون لكم به حجّة يوم القيامة والفوز، فإنّهم صلة ما بينكم وبين ربّكم ولا تصل الولاية إلى الله عزَّ وجلَّ إلّا بهم فمن فعل ذلك كان حقا على الله عزَّ وجلَّ أن يكرمه ولا يعذِّبه، ومن يأت الله بغير ما أمره كان حقّاً على الله أن يذلّه ويعذّبه(٤) .

وان ّ الأنبياء بعثوا خاصّة وعامّة، فأمّا نوح فإنّه أرسل إلى من في الأرض

__________________

(١) الانعام ٨٤ إلى ٩٠.

(٢) في بعض النسخ « بعدك علماء امتك » وفي بعضها « بعدك علماء عنك وولاة - الخ ».

(٣) في بعض النسخ « وحججه ثابتة بعده في امته ».

(٤) هنا تمام الخبر كما في روضة الكافي تحت رقم ٩٢، والظاهر أنَّ الباقي من كلام المؤلف أخذه من الاخبار.

٢١٩

بنبوَّة عامّة ورسالة عامّة، وأمّا هود فإنّه أرسل إلى عاد بنبوَّة خاصّة، وأمّا صالح فإنّه أرسل إلى ثمود وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتاً على ساحل البحر صغيرة(١) وأمّا شعيب فإنه أرسل إلى مدين وهي لا تكمل أربعين بيتاً، وأمّا إبراهيم نبوَّته بكوثى ربّا وهي قرية من قرى السواد فيها بدا أوّل أمره، ثمّ هاجر منها وليست بهجرة قتال، وذلك قوله عزَّ وجلَّ: «إنّي مهاجر إلى ربّي سيهدين »(٢) فكانت هجرة إبراهيم بغير قتال، وأما إسحاق فكانت نبوَّته بعد إبراهيم، وأما يعقوب فكانت نبوَّته بأرض كنعان ثمّ هبط إلى أرض مصر فتوفي بها، ثمّ حمل بعد ذلك جسده حتّى دفن بأرض كنعان؛ والرّؤيا الّتي رأي يوسف الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين فكانت نبوَّته في أرض مصر بدؤها، ثمّ أنَّ الله تبارك وتعالى أرسل الاسباط اثني عشر بعد يوسف، ثمّ موسى وهارون إلى فرعون وملائه إلى مصر وحدها، ثمّ أنَّ الله تبارك وتعالى أرسل يوشع بن نون إلى بني إسرائيل من بعد موسى فنبوَّته بدؤها في البريّة الّتي تاه فيها بنو إسرائيل، ثمّ كانت أنبياء كثيرون منهم من قصه الله عزَّ وجلَّ على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنهم من لم يقصّه على محمّد، ثمّ أنَّ الله عزَّ وجلَّ أرسل عيسىعليه‌السلام إلى بني إسرائيل خاصّة فكانت نبوَّته ببيت المقدس وكان من بعده الحواريّون اثنا عشر، فلم يزل الايمان يستسرُّ في بقية أهله منذ رفع الله عزَّ وجلَّ عيسىعليه‌السلام وأرسل الله عزَّ وجلَّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الجنِّ والانس عامّة وكان خاتم الأنبياء، وكان من بعده الاثنا عشر الاوصياء، منهم من أدركنا ومنهم من سبقنا، ومنهم من بقي، فهذا أمر النبوَّة والرِّسالة، فكلّ نبيٍّ أرسل إلى بني إسرائيل خاصٌّ أو عامٌّ له وصيٌّ جرت به السنّة وكان الاوصياء الّذين بعد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سنّة أوصياء عيسىعليه‌السلام ، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سنّة المسيحعليه‌السلام ، فهذا تبيان السنّة وأمثال الاوصياء بعد الأنبياءعليهم‌السلام .

٣ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله،

__________________

(١) أي بيوتا صغيرة.

(٢) سهو من المؤلف أو الراوي وفي المصحف « إنّي ذاهب » أو بدون « سيهدين ».

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686