كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة8%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 143225 / تحميل: 8008
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

مدّته، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت، و أصبحت الديار منه خالية، و المساكن معطّلة، و ورثها قوم آخرون. و إنّ لكم في القرون السالفة لعبرة أين العمالقة و أبناء العمالقة أين الفراعنة و أبناء الفراعنة أين أصحاب مدائن الرّسّ الذين قتلوا النبيّين و أطفأوا سنن المرسلين، و أحيوا سنن الجبّارين أين الذين ساروا بالجيوش، و هزموا بالألوف، و عسكروا العساكر، و مدّنوا المدائن

اين عمّار

و من الخطبة السابقة نفسها: ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا، و أقبل منها ما كان مدبرا، و أزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم و هم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص و يشربون الرّنق(١) ؟ أين إخواني الذين ركبوا الطريق و مضوا على الحقّ؟ أين عمّار؟

و أين ابن التّيهان؟ و أين ذو الشّهادتين(٢) ؟ و أين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على النيّة، و أبرد برؤوسهم إلى الفجرة(٣) ؟

____________________

(١) الرنق: الكدر.

(٢) عمار: عمار بن ياسر، و كان ممّن عذّب هو و أبوه و أخوه و أمه في بدء الدعوة.

و ابن التيهان: ابو الهيثم مالك بن التيهان، من أكابر الصحابة. ذو الشهادتين: خزيمة بن ثابت الانصاري، من الصحابة. و هؤلاء الثلاثة شهدوا صفين و استشهدوا بها.

(٣) أبرد برووسهم: أرسلت رؤوسهم مع البريد بعد قتلهم إلى البغاة للتشفّي منهم.

١٤١

الكبر و التّعصّب و البغي

من خطبة له طويلة تسمّى «القاصعة(١) »: و لا تكونوا كالمتكبّر على ابن أمّه من غير ما فضل جعله اللّه فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، و قدحت الحميّة في قلبه من نار الغضب، و نفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه اللّه به الندامة.

فاللّه اللّه في كبر الحميّة و فخر الجاهلية، فإنه منافخ الشيطان التي خدع بها الأمم الماضية و القرون الخالية.

و لا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم، و أدخلتم في حقكم باطلهم، و هم أساس الفسوق اتّخذهم إبليس مطايا ضلال و جندا بهم يصول على الناس، و تراجمة ينطق على ألسنتهم استراقا لعقولكم و دخولا في عيونكم و نفثا في أسماعكم، فجعلكم مرمى نبله و موطى‏ء قدمه و مأخذ يده. فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس اللّه، و اتّعظوا بمثاوي خدودهم(٢) و مصارع جنوبهم. و استعيذوا باللّه من لواقح الكبر(٣) كما تستعيذون به من طوارق الدهر

____________________

(١) قصع فلان فلانا: حقّره. و قد سميت هذه الخطبة «القاصعة» لأن ابن أبي طالب حقّر فيها حال المتكبرين و أهل البغي.

(٢) مثاوي، جمع مثوى، بمعنى المنزل. و منازل الخدود: مواضعها من الأرض بعد الموت. و مصارع الجنوب: مطارحها على التراب.

(٣) لواقح الكبر: محدثاته في النفوس.

١٤٢

و لقد نظرت فما وجدت أحدا من العاملين يتعصّب لشي‏ء من الأشياء إلاّ عن علّة تحتمل تمويه الجهلاء أو حجّة تليط بعقول السفهاء، غيركم، فإنكم تتعصبون لأمر لا يعرف له سبب و لا علّة: أما إبليس فتعصّب على آدم لأصله، و طعن عليه في خلقته، فقال: «أنا ناريّ و أنت طينيّ» و أمّا الأغنياء من مترفة الأمم فتعصّبوا لآثار مواقع النّعم فقالوا: «نحن أكثر أموالا و أولادا و ما نحن بمعذّبين» فإن كان لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصبكم لمكارم الخصال و محامد الأفعال و محاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء و النّجداء بالأخلاق الرغيبة و الأحلام العظيمة، فتعصّبوا لخلال الحمد: من الحفظ للجوار و الوفاء بالذمام، و الطاعة للبرّ، و المعصية للكبر، و الكفّ عن البغي، و الإعظام للقتل، و الإنصاف للخلق، و الكظم للغيظ، و اجتناب الفساد في الأرض.

و احذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات(١) بسوء الأفعال و ذميم الأعمال، فتذكّروا في الخير و الشرّ أحوالهم و احذروا أن تكونوا أمثالهم.

أ لا و قد أمرني اللّه بقتال أهل البغي و النكث(٢) و الفساد في الأرض: فأمّا الناكثون فقد قاتلت. و أما القاسطون فقد جاهدت(٣) . و أمّا المارقة

____________________

(١) المثلات: العقوبات.

(٢) النكث: نقض العهد.

(٣) القاسطون: الجائرون على الحق.

١٤٣

فقد دوّخت. و أمّا شيطان الرّدهة(١) فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه و رجّة صدره. و بقيت بقيّة من أهل البغي، و لئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لأديلنّ منهم(٢) إلاّ ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذّرا(٣) .

و إني لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم: سيماهم سيما الصدّيقين، و كلامهم كلام الأبرار، عمّار الليل و منار النهار(٤) لا يستكبرون و لا يعلون و لا يغلّون(٥) و لا يفسدون: قلوبهم في الجنان و أجسادهم في العمل.

الدّنيا تطوى من خلفكم

من عهد له إلى محمد بن أبي بكر حين قلّده مصر. و فيه تذكير بأحوال الدنيا و ترغيب للولاة في أن يعدلوا و يرحموا لئلاّ يعذّبوا، و ذلك بأروع ما تجري به ريشة العبقرية من بيان: و أنتم طرداء الموت: إن أقمتم له أخذكم، و إن فررتم منه أدرككم،

____________________

(١) الردهة: النقرة في الجبل قد يجتمع فيها. و شيطانها ذو الثدية من رؤساء الخوارج وجد مقتولا في ردهة.

(٢) لأديلن منهم: لأمحقننهم ثم أجعل الدولة لغيرهم.

(٣) يتشذّر: يتفرق، أي: لا يفلت مني إلاّ من يتفرّق في أطراف البلاد.

(٤) عمار، جمع عامر، أي: يعمرون الليل بالسهر للفكر و العبادة.

(٥) يغلون. يخونون.

١٤٤

و هو ألزم لكم من ظلّكم الموت معقود بنواصيكم(١) ، و الدنيا تطوى من خلفكم، فاحذروا نارا قعرها بعيد، و حرّها شديد، و عذابها جديد، ليس فيها رحمة و لا تسمع فيها دعوة

دستور الولاة

من رسالة كتبها للأشتر النخعي لما ولاّه على مصر و أعمالها في عهد خلافته. و هي من جلائل رسائله و وصاياه، و أجمعها لقوانين المعاملات المدنية و الحقوق العامة و التصرّفات الخاصة في نهج الإمام. كما انها من أروع ما أنتجه العقل و القلب جميعا في تقرير علاقة الحاكم بالمحكوم، و في مفهوم الحكومة، حتى أن الإمام سبق عصره أكثر من ألف سنة بجملة ما ورد في هذه الرسالة الدستور، من إشراق العقل النيّر و القلب الخيّر.

ثم اعلم يا مالك أني قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور، و أن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم، و إنّما يستدلّ على الصالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده، فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك و شحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك

____________________

(١) النواصي، جمع ناصية، و هي: مقدّم شعر الرأس.

١٤٥

فإنّ الشّحّ بالنفس الإنصاف منها في ما أحبّت أو كرهت(١) . و أشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبّة لهم، و اللطف بهم. و لا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغنتم أكلهم فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل(٢) ، و تعرض لهم العلل، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ(٣) ، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه و صفحه، فإنك فوقهم و والي الأمر عليك فوقك، و اللّه فوق من ولاّك و لا تندمنّ على عفو، و لا تبجحنّ بعقوبة و لا تسرعنّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة(٤) .

أنصف اللّه و أنصف الناس من نفسك و من خاصّة أهلك و من لك فيه هوى من رعيّتك(٥) ، فإنك إلاّ تفعل تظلم و من ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده. و ليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة اللّه و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإنّ اللّه سميع دعوة المضطهدين و هو للظالمين بالمرصاد.

و ليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ، و أعمّها في العدل و أجمعها لرضا الرعية، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصة،

____________________

(١) الشح: البخل. يقول: انتصف من نفسك في ما أحبت و كرهت، أي ابخل بها و لا تمكّنها من الاسترسال في ما أحبّت، و احرص على صفائها كذلك بأن تحملها على ما تكره إن كان ذلك في الحق.

(٢) يفرط: يسبق. الزلل: الخطأ.

(٣) يؤتى على أيديهم: تأتي السيئات على أيديهم.

(٤) بجح بالشي‏ء: فرح به. البادرة: ما يبدر من الحدة عند الغضب في قول أو فعل.

المندوحة: المتّسع الذي يمكّن المرء من التخلّص.

(٥) من لك فيه هوى، أي: من تميل اليه ميلا خاصا.

١٤٦

و إن سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة(١) . و ليس أحد من الرعيّة أثقل على الوالي مؤونة في الرّخاء و أقلّ معونة له في البلاء، و أكره للإنصاف، و أسأل بالإلحاف(٢) ، و أقلّ شكرا عند الإعطاء، و أبطأ عذرا عند المنع، و أضعف صبرا عند ملمّات الدهر، من أهل الخاصة(٣) .

أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد، و اقطع عنك سبب كلّ وتر(٤) ، و لا تعجلنّ إلى تصديق ساع فإنّ الساعي غاشّ و إن تشبّه بالناصحين.

إن شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الآثام، فلا يكوننّ لك بطانة(٥) فإنهم أعوان الأثمة و إخوان

____________________

(١) يحجف: يذهب. يقول للحاكم: إذا رضي عليك الخاصة و سخط عليك العامة، فلا ينفعك رضا أولئك مع سخط هؤلاء. أما إذا رضي عليك العامة، و هؤلاء لا يرضيهم إلا العدل، فسخط الخاصة مغتفر.

(٢) الإلحاف: الإلحاح.

(٣) يقول: ليس هنالك من هم أثقل على الحاكم، و أقل نفعا له و أكثر ضررا عليه من خاصته و المتقربين اليه من ذوي الثروة و الوجاهة يلازمونه و يلحون عليه في قضاء حاجاتهم و يرهقونه بالمسائل و الشفاعات و يغنمون عن سبيله المغانم و يثرون على حساب العامة، ثم يجحدون كل ذلك و لا يساندون الحاكم أو الجمهور في نائبة أو أزمة. فهم لذلك فئة يجب على الحاكم الصالح أن ينبذها و يعتمد على العامة دون سواهم.

(٤) الوتر: العداوة: يقول: احلل عقدة الأحقاد من قلوب الناس بالعدل فيهم و حسن السيرة معهم. و اقطع السبب في عداء الناس لك بالإحسان اليهم قولا و عملا.

(٥) البطانة: الخاصة.

١٤٧

الظّلمة(١) ، و أنت واجد منهم خير الخلف ممّن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه. ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحق لك(٢) و أقلّهم مساعدة في ما يكون منك ممّا كره اللّه لأوليائه واقعا [ذلك] من هواك حيث وقع. و الصق بأهل الورع و الصدق ثم رضهم على أن لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله(٣) .

و لا يكوننّ المحسن و المسي‏ء عندك بمنزلة سواء، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلاّ منهم ما ألزم نفسه(٤) و اعلم أنه ليس شي‏ء بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم(٥) و تخفيفه المؤونات عنهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس قبلهم(٦) ، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به

____________________

(١) الأثمة: جمع آثم. الظلمة: جمع ظالم.

(٢) آثرهم: أفضلهم. مرارة الحق. صعوبته. يقول: ليكن أفضل وزرائك و أعوانك في نظرك أصدقهم و أكثرهم قولا بالحق مهما كان الحق صعبا على نفسك.

(٣) رضهم: عوّدهم. يطروك: يطنبوا في مدحك. يبجحوك بباطل لم تفعله: يفرّحوك بأن ينسبوا اليك عملا عظيما لم تكن فعلته.

(٤) أي: أحسن الى المحسن بما ألزم نفسه، و هو استحقاق الإحسان. و عاقب المسي‏ء بما ألزم نفسه كذلك، و هو استحقاق العقاب.

(٥) ليس هنالك ما يحمل الوالي على الاطمئنان إلى أن قلوب الناس معه كالاحسان اليهم و العدل فيهم و تخفيف الاثقال عن كواهلهم. و هم في غير هذه الحال أعداء له ينتهزون الفرصة للثورة عليه، و إذ ذاك يسوء ظنه بهم.

(٦) قبلهم، بكسر ففتح: عندهم.

١٤٨

حسن الظنّ برعيّتك، و إنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده، و إنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده(١) .

و أكثر مدارسة العلماء و مناقشة الحكماء(٢) في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و إقامة ما استقام به الناس قبلك.

ولّ من جنودك أنصحهم في نفسك للّه و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا و أفضلهم حلما: ممّن يبطى‏ء عن الغضب، و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضعفاء، و ينبو على الأقوياء(٣) و ممن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضعف.

و إنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، و ظهور مودّة الرعية، و إنه لا تظهر مودّتهم إلا بسلامة صدورهم، و لا تصحّ نصيحتهم إلاّ بحيطتهم على ولاة الأمور و قلّة استثقال دولهم(٤) .

ثم اعرف لكلّ امرى‏ء منهم ما أبلى، و لا تضيفنّ بلاء امرى‏ء إلى

____________________

(١) البلاء: الصنع، حسنا أو سيئا.

(٢) المنافثة: المحادثة.

(٣) ينبو: يشتدّ و يعلو. يأمر الحاكم بأن يولّي من جنوده من لا يضعف أمام الأقوياء و الأثرياء و النافذين بل يعلو عليهم و يشتدّ ليمنعهم من ظلم الضعفاء و الفقراء و البسطاء.

(٤) الحيطة، بكسر الحاء: مصدر «حاط» بمعنى: صان و حفظ، يقول: ان مودة الرعية لا تظهر و نصيحتهم لا تصحّ إلا بقدر ما يرغبون في المحافظة على ولاتهم و يحرصون على بقائهم و لا يستثقلون مدة حكمهم.

١٤٩

غيره(١) ، و لا يدعونّك شرف امرى‏ء إلى أن تعظّم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعة امرى‏ء إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما.

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك(٢) ممّن لا تضيق به الأمور و لا تمحكه الخصوم(٣) و لا يتمادى في الزلّة، و لا تشرف نفسه على طمع، و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه(٤) ، و أوقفهم في الشّبهات(٥) و آخذهم بالحجج، و أقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشّف الأمور، و أصرمهم عند اتّضاع الحق، ممن لا يزدهيه إطراء، و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه(٦) و أفسح له في البذل ما يزيل علّته و تقلّ معه حاجته الى الناس و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.

ثم انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا، و لا تولّهم محاباة

____________________

(١) لا تنسبنّ صنيع امرى‏ء إلى غيره.

(٢) انتقال من الكلام في الجند الى الكلام في القضاة.

(٣) تمحكه: تغضبه.

(٤) لا يكتفي بما يبدو له بأول فهم و أقربه، بل يتأمل و يدرس حتى يأتي على أقصى الفهم و أدناه من الحقيقة.

(٥) الشبهات، جمع شبهة، و هي ما لا يتضح الحكم فيها بالنص، فينبغي العمل لردّ الحادثة التي ينظر فيها إلى أصل صحيح.

(٦) أي: تتبع قضاءه بالاستكشاف و التعرف.

١٥٠

و أثرة فإنهم جماع من شعب الجور و الخيانة(١) . ثم تفقّد أعمالهم و ابعث العيون(٢) من أهل الصدق و الوفاء عليهم، فإنّ تعاهدك في السرّ لأمورهم حدوة لهم(٣) على استعمال الأمانة و الرفق بالرعية. و تحفّظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه(٤) عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب به من عمله، ثم نصبته بمقام المذلّة، و وسمته بالخيانة، و قلّدته عار التهمة.

و تفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإنّ في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم. و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأنّ الناس كلّهم عيال على الخراج و أهله. و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنّ ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة. و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد و لم يستقم أمره إلاّ قليلا.

و لا يثقلنّ عليك شي‏ء خفّفت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك.

و إن العمران محتمل ما حمّلته، و إنما يؤتى خراب الأرض من

____________________

(١) أي: ولّهم الأعمال بالاختبار و التجربة، لا ميلا منك لمعاونتهم و لا استبدادا منك برأيك، فإن المحاباة و الأثرة يجمعان الظلم و الخيانة معا.

(٢) العيون: الرقباء.

(٣) حدوة: سوق و حثّ.

(٤) اجتمعت عليها أخبار عيونك: اتفقت عليها أخبار رقبائك.

١٥١

إعواز أهلها، و إنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع(١) و سوء ظننهم بالبقاء و قلّة انتفاعهم بالعبر.

ثم انظر في حال كتّابك فولّ على أمورك خيرهم، ممّن لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.

ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك و استنامتك(٢) و حسن الظنّ منك، فإنّ الرجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصنّعهم و حسن خدمتهم(٣) ، و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شي‏ء. و مهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته(٤) .

ثم استوص بالتجّار و ذوي الصّناعات و أوص بهم خيرا: المقيم منهم و المضطرب بماله(٥) ، فإنهم موادّ المنافع و أسباب المرافق، و تفقّد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك. و اعلم مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقا فاحشا و شحّا قبيحا و احتكارا للمنافع و تحكّما في البياعات، و ذلك باب مضرّة للعامّة و عيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فإن رسول اللّه صلى

____________________

(١) إشراف انفس الولاة على الجمع: تطلّعهم الى جمع المال و ادّخاره لأنفسهم طمعا و جشعا.

(٢) الفراسة: قوة الظن و إدراك الباطن من النظر في الظاهر. الاستنامة: الاطمئنان إلى حسن الرأي. أي: لا يكن اختيارك للكتاب متأثرا بميلك الخاص و فراستك التي قد تخطى‏ء.

(٣) أي يخدمون الولاء بما يطيب لهم توسّلا إلى حسن ظنّ هؤلاء بهم.

(٤) إذا تغابيت عن عيب في كتابك كان ذلك العيب لاصقا بك.

(٥) المتردد بأمواله بين البلدان.

١٥٢

اللّه عليه و سلّم منع منه. و ليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع(١) فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكّل به و عاقبه في غير إسراف(٢) .

ثم يتحدّث الإمام في رسالته هذه إلى مالك الأشتر عن الطققة المعوزة فيقول: و احفظ للّه ما استحفظك من حقّه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، و كلّ قد استرعيت حقّه، فلا يشغلنّك عنهم بطر(٣) فإنك لا تعذر بتضييعك التافه(٤) لإحكامك المهمّ، فلا تشخص همّك عنهم(٥) و لا تصعّر خدّك لهم(٦) و تفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون(٧) و تحقره الرجال، فإنّ هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم. و تعهّد

____________________

(١) المبتاع: المشتري.

(٢) قارف: خالط. الحكرة: الاحتكار. نكل به: أوقع به العذاب عقوبة له. يقول: من احتكر بعد النهي عن الاحتكار عاقبه لكن من غير إسراف في العقوبة يتجاوز عن حد العدل فيها.

(٣) البطر: طغيان النعمة.

(٤) يقول: لا عذر لك بإهمالك القليل إذا أحكمت الكثير.

(٥) لا تشخص همك عنهم: لا تصرف همك عنهم.

(٦) صعّر خده: أماله عن النظر إلى الناس تهاونا و كبرا.

(٧) تقتحمه العيون: تكره أن تنظر اليه احتقارا.

١٥٣

أهل اليتم و ذوي الرقّة في السن(١) ممّن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك على الولاة ثقيل، و الحقّ كلّه ثقيل و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه للّه الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك(٢) من أحراسك و شرطك حتى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع(٣) فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول في غير موطن(٤) : «لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع» ثم احتمل الخرق منهم و العيّ(٥) و نحّ عنهم الضيق و الأنف(٦) .

ثم أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها: منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه كتّابك. و منها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك(٧) ، و أمض لكلّ يوم عمله فإنّ لكلّ يوم ما فيه.

____________________

(١) ذوو الرقة في السن: المتقدمون فيه.

(٢) أي: تأمر بأن يقعد عنهم جندك و أعوانك و بألا يتعرضوا لهم.

(٣) التعتعة في الكلام: التردد فيه من عجز و عيّ، أو من خوف.

(٤) في مواطن كثيرة.

(٥) الخرق: العنف. العي: العجز عن النطق. أي: لا تضجر من هذا و لا تغضب من ذاك.

(٦) الأنف: الاستنكاف و الاستكبار.

(٧) تحرج: تضيق. يقول: إن الأعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، و يحبون المماطلة في قضائها، استجلابا للمنفعة أو إظهارا للجبروت.

١٥٤

و لا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيّة شعبة من الضيق و قلّة علم بالأمور. و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير و يعظم الصغير، و يقبح الحسن و يحسن القبيح، و يشاب الحقّ بالباطل. و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، و ليست على الحقّ سمات(١) تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و إنما أنت أحد رجلين: إمّا امرؤ سخت نفسه بالبذل في الحق ففيم احتجابك(٢) من واجب حقّ تعطيه أو فعل كريم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك(٣) ، مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

ثم إنّ للوالي خاصّة و بطانة فيهم استئثار و تطاول، و قلّة إنصاف في معاملة، فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال(٤) و لا تقطعنّ لأحد من حاشيتك و حامّتك قطيعة(٥) و لا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على

____________________

(١) سمات: علامات.

(٢) لأي سبب تحتجب عن الناس في أداء حقهم، أو في عمل تمنحهم إياه؟

(٣) يقول: و إن قنط الناس من قضاء مطالبهم منك أسرعوا الى البعد عنك، فلا حاجة للاحتجاب.

(٤) احسم: اقطع. يقول: اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعدّيهم، و إنما يكون ذلك بالأخذ على أيديهم و منعهم من التصرّف في شؤون العامة.

(٥) الاقطاع: المنحة من الأرض. القطيعة: الممنوح منها. الحامة، كالطّامة: الخاصة و القرابة. الاعتقاد: الامتلاك. العقدة: الضيعة.

١٥٥

غيرهم فيكون مهنأ ذلك(١) لهم دونك، و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة.

و ألزم الحقّ من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصّتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإنّ مغبّة ذلك محمودة(٢) .

و إن ظنّت الرعيّة بك حيفا فأصحر(٣) لهم بعذرك، و اعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك(٤) و رفقا برعيّتك و إعذارا(٥) تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.

و لا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك و للّه فيه رضا، فإنّ في الصلح دعة لجنودك و راحة من همومك و أمنا لبلادك. و إن عقدت بينك و بين عدوّك عقدة أو ألبسته منك ذمّة فحط عهدك بالوفاء و ارع ذمّتك بالأمانة و اجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت(٦) و لا تغدرنّ بذمّتك و لا تخيسنّ بعهدك

____________________

(١) المهنأ: المنفعة الهنيئة.

(٢) المغبة: العاقبة، يقول: إن إلزام الحق لمن لزمهم، و إن ثقل على الوالي و عليهم، محمود العاقبة يحفظ الدولة.

(٣) الحيف: الظلم. أصحر بهم: ابرز لهم.

(٤) رياضة منك لنفسك: تعويدا لنفسك على العدل.

(٥) الإعذار: تقديم العذر أو إبداؤه.

(٦) أصل معنى الذمة: وجدان مودع في جبلة الانسان ينبهه لرعاية حق ذوي الحقوق و يدفعه لأداء ما يجب عليه منها، ثم أطلقت على معنى العهد. الجنة: الوقاية.

يقول: حافظ بروحك على ما أعطيت من العهد.

١٥٦

و لا تختلنّ(١) عدوّك. و لا تعقد عقدا تجوّز فيه العلل(٢) و لا تعوّلنّ على لحن قول بعد التأكيد و التوثقة، و لا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد اللّه إلى طلب انفساخه بغير الحقّ(٣) .

و لا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك ممّا يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله، و لا عذر لك عند اللّه و لا عندي في قتل العمد و إيّاك و المنّ على رعيّتك بإحسانك، أو التزيّد في ما كان من فعلك(٤) أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإنّ المنّ يبطل الإحسان، و التزيّد يذهب بنور الحق، و الخلف يوجب المقت عند اللّه و الناس.

و إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقّط فيها عند إمكانها(٥) أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كلّ أمر موضعه، و أوقع كلّ أمر موقعه.

____________________

(١) خاس بعهده: خانه و نقضه. الختل: الخداع.

(٢) العلل: جمع علة و هي في النقد و الكلام بمعنى ما يصرفه عن وجهه و يحوّله الى غير المراد، و ذلك يطرأ على الكلام عند إبهامه و عدم صراحته.

(٣) لحن القول: ما يقبل التوجيه كالتورية و التعريض. يقول: إذا ريت ثقلا من التزام العهد فلا تركن إلى لحن القول لتتملص منه، بل خذ بأصرح الوجوه لك و عليك.

(٤) التزيّد: إظهار الزيادة في الأعمال و المبالغة في وصف الواقع منها في معرض الافتخار.

(٥) التسقط: يريد به هنا: التهاون.

١٥٧

و إياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة(١) ، و التغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، و عمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور و ينتصف منك للمظلوم. إملك حميّة أنفك(٢) و سورة حدّك و سطوة يدك و غرب لسانك(٣) و احترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة(٤) و تأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار.

و الواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن تقدّمك من حكومة عادلة أو سنّة فاضلة، و تجتهد لنفسك في اتّباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، و استوثقت به من الحجّة لنفسي عليك، لكي لا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها. و أنا أسأل اللّه أن يوفّقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح اليه و إلى خلقه(٥) .

____________________

(١) احذر أن تخصّ نفسك بشي‏ء تزيد به عن الناس، و هو مما تجب فيه المساواة من الحقوق العامة.

(٢) أي: أملك نفسك عند الغضب.

(٣) السورة: الحدة: و الحد: البأس. و الغرب: الحد، تشبيها للسان بحدّ السيف و نحوه.

(٤) البادرة: ما يبدر من اللسان عند الغضب، و إطلاق اللسان يزيد الغضب اتقادا، و السكون يطفى‏ء من لهبه.

(٥) يريد من العذر الواضح: العدل، فإنه عذر لك عند من قضيت عليه، و عذر عند اللّه في من أجريت عليه عقوبة أو حرمته من منفعة.

١٥٨

حدود الضّريبة

من وصية كان الإمام يكتبها لمن يستعمله على الصدقات، و هي تزخر بحنان الحاكم الأب على أبنائه، و تصلح لأن تدخل في دستور الدولة المثالية التي يحلم بها صفوة الخلق إذا قدمت على الحيّ فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة و الوقار حتى تقوم بينهم فتسلّم عليهم، و لا تخدج بالتحية لهم(١) ، ثم تقول: عباد اللّه، أرسلني اليكم وليّ اللّه و خليفته لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟

فإن قال قائل: لا فلا تراجعه. و إن أنعم لك منعم(٢) فانطلق معه من غير أن تخيفه و توعده أو تعسفه أو ترهقه(٣) فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة. فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه. فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّط عليه و لا عنيف به، و لا تنفّرنّ بهيمة و لا تفزّعنّها و لا تسوءنّ صاحبها فيها. و اصدع المال صدعين(٤) ثم خيّره:

____________________

(١) أخدجت السحابة: قلّ مطرها.

(٢) أنعم لك منعم، أي: قال لك: نعم.

(٣) تعسفه: تأخذه بشدة. ترهقه: تكلفه ما يصعب عليه.

(٤) أي: اقسمه قسمين.

١٥٩

فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره. فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله، فاقبض حقّ اللّه منه. فإن استقالك فأقله(١) ، ثم اخلطهما، ثم اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق اللّه في ماله.

السفهاء و التجار

من كتاب بعث به الإمام الى أهل مصر مع مالك الاشتر لما ولاّه إمارتها: إني و اللّه لو لقيتهم واحدا و هم طلاع الأرض كلّها(٢) ما باليت و لا استوحشت. و إني من ضلالهم الذي هم فيه و الهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي و يقين من ربّي، و لكني آسى(٣) أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجّارها فيتّخذوا مال اللّه دولا و عباده خولا(٤) و الصالحين حربا و الفاسقين حزبا، فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم و تأنيبكم، و جمعكم و تحريضكم

____________________

(١) أي: فإن ظنّ في نفسه سوء الاختيار و أنّ ما أخذت منه من الزكاة اكرم مما في يده، و طلب الإعفاء من هذه القسمة، فاعفه منها، و اخلط، و أعد القسمة.

(٢) الطلاع: مل‏ء الشي‏ء. يقول: لو كنت واحدا و هم يملأون الأرض للقيتهم غير مبال بهم. و الضمير يعود هنا على خصومه و محاربيه من وجهاء ذلك الزمان.

(٣) آسى: أحزن.

(٤) دولا، جمع دولة «بالضم»: أي شيئا يتداولونه بينهم و يتصرفون به في غير حق اللّه. الخول: العبيد.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين الثقفيِّ، عن صالح بن عقبة(١) عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: لمّا هلك أبو بكر واستخلف عمر رجع عمر إلى المسجد فقعد فدخل عليه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي رجل من اليهود، وأنا علّامتهم وقد أردت أن أسألك عن مسائل أن أجبتني عنها أسلمت، قال: وما هي؟ فقال ثلاث: وثلاث وواحدة، فإنَّ شئت سألتك وإن كان في قومك أحدٌ أعلم منك فأرشدني إليه، فقال: عليك بذلك الشابِّ (يعني عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام ) فأتى عليّاًعليه‌السلام فقال له: لم قلت: ثلاث وثلاث وواحدة، إلّا قلت: سبعاً؟ قال: [ أنا إذا جاهل إنك ] أن لم تجبني في الثلاث اكتفيت، قال: فإنَّ أجبتك تسلم؟ قال: نعم، قال: سل، فقال: أسألك عن أوَّل حجر وضع على وجه الأرض وأوَّل عين نبعت على وجه الأرض، وأول شجرة نبتت على وجه الأرض، فقالعليه‌السلام : يا يهودي أنتم تقولون: [ إن ] أول حجر وضع على وجه الأرض الحجر الّذي في بيت المقدس وكذبتم بل هو الحجر الّذي نزل به آدمعليه‌السلام من الجنّة، قال: صدقت والله أنَّه لبخط هارون وإملاء موسىعليهما‌السلام قال: وأنتم تقولون: إنَّ أول عين نبعت على وجه الأرض العين الّتي نبعت ببيت المقدس وكذبتم هي عين الحياة الّتي غسل فيها يوشع بن نون السمكة وهي الّتي شرب منها الخضر وليس يشرب منها أحد إلّا حيي، قال: صدقت والله أنَّه لبخط هارون وإملاء موسىعليهما‌السلام ، قال: وأنتم تقولون: أنَّ أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض الزّيتونة وكذبتم وهي العجوة نزل بها آدمعليه‌السلام من الجنّة، قال: صدقت والله أنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسىعليهما‌السلام . قال: فالثلاث الاخرى؟ قال: كم لهذه الاُمّة من إمام هدى، لا يضرُّهم من خالفهم؟ قال: اثنا عشر إماماً، قال: صدقت والله إنَّه لبخط هارون وإملاء موسىعليهما‌السلام ، قال: وأين يسكن نبيكم من الجنّة، قال: في أعلاها درجة وأشرافها مكاناً في جنّات عدن، قال: صدقت والله أنَّه لبخط هارون وإملاء موسىعليهما‌السلام قال: فمن ينزل معه في منزله؟ قال: اثنا عشر إماماً. قال: صدقت والله أنَّه لبخطِّ هارون وإملاء موسىعليهما‌السلام .

____________

(١) هو صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة: قال العلامة في (صه). كذاب غال لا يلتفت إليه.

٣٠١

قال: السابعة؟ قال: فأسألك كم يعيش وصيّه بعده؟ قال: ثلاثين سنة، قال: ثمّ يموت أو يقتل؟ قال: يقتل فيضرب على قرنه فتخضب لحيته، قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسىعليهما‌السلام [ فأسلم اليهودي ].

٩ - حدّثنا محمّد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفيُّ قال: حدّثني إسحاق بن محمّد الصيرفيُّ، عن أبي هاشم، عن فرات بن أحنف، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنَّه ذكر القائمعليه‌السلام فقال: أما ليغيبنَّ حتّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة.

١٠ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، والهيثم بن أبي مسروق النهديِّ، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي إسحاق الهمدانيّ قال: حدّثني الثقة من أصحابنا أنَّه سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: اللّهمّ إنّك لا تخلّي الأرض من حجّة لك على خلقك ظاهر أو خاف مغمور لئلّا تبطل حججك وبيّناتك.

١١ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا هارون ابن مسلم، عن سعدان، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن عليٍّعليهم‌السلام أنَّه قال في خطبة له على منبر الكوفة: اللّهمّ إنَّه لابدّ لارضك من حجّة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك ويعلّمهم علمك لئلّا تبطل حجّتك ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم مترقّب، إن غاب عن النّاس شخصه في حال هدايتهم، فإنَّ علمه(١) وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون.

١٢ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريِّ، عن عباد بن يعقوب، عن الحسن بن حمّاد(٢) ، عن

__________________

(١) في بعض النسخ « لم يغب مثبت علمه ».

(٢) في بعض النسخ « الحسين بن محمّد ».

٣٠٢

أبي الجارود، عن يزيد الضخم(١) قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: كأنّي بكم تجولون جولان النعم، تطلبون المرعى فلا تجدونه.

١٣ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن موسى بن عمرانرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عبد الحميد؛ وعبد الصّمد بن محمّد(٢) جميعاً، عن حنان بن سدير، عن عليّ بن الحزور، عن الاصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: صاحب هذا الامر الشريد الطّريد الفريد الوحيد.

١٤ - حدّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفيُّ قال: حدّثنا سهل بن زياد الادميُّ قال: حدّثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسنيُّرضي‌الله‌عنه ، عن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام قال: للقائم منّا غيبة أمدها طويل كأنّي بالشّيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، إلّا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ثمّ قالعليه‌السلام : إنَّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.

حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسىرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفيُّ عن عبد الله بن موسى الرُّويانيِّ(٣) ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ، عن محمّد بن عليٍّ الرِّضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام بهذا الحديث مثله سواء.

١٥ - حدّثنا عليُّ بن عبد الله الوراق قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم ابن هاشم، عن إسحاق بن محمّد الصيرفي [ عن هشام ]، عن فرات بن أحنف، عن الاصبغ ابن نباتة قال: ذكر عند أمير المؤمنينعليه‌السلام القائمعليه‌السلام فقال: أما ليغيبن حتّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة.

__________________

(١) كذا، ولم اجده.

(٢) في بعض النسخ « عبد الله بن محمّد ».

(٣) سيأتي الكلام فيه.

٣٠٣

١٦ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليِّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن عليِّ بن موسى الرِّضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليِّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام : إنَّه قال: التّاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقِّ، المظهر للدِّين، والباسط للعدل، قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين وإنَّ ذلك لكائن؟ فقالعليه‌السلام : إي والّذي بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوَّة واصطفاه على جميع البريّة ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينه إلّا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الّذين أخذ الله عزَّ وجلَّ ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الايمان وأيّدهم بروح منه.

١٧ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد ابن سنان، عن زياد المكفوف، عن عبد الله بن أبي عقبة الشاعر(١) قال: سمعت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: كأنّي بكم تجولون جولان الابل تبتغون المرعي فلا تجدونه يا معشر الشيعة.

١٨ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن عبد الله بن أبي عقبة الشاعر(٢) قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: كأنّي بكم تجولون جولان الابل تبتغون المرعى فلا تجدونه يا معشر الشيعة.

١٩ - حدّثنا محمّد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن سهل بن زياد الادميِّ، وأحمد بن محمّد بن عيسى قالا: حدَّثنا الحسن بن العبّاس ابن الحريش الرَّازيُّ(٣) ، عن أبي جعفر محمّد بن عليِّ الثاني، عن آبائهعليهم‌السلام

__________________

(١) و (٢) كذا ولم أجده وفي بعض النسخ « عبد الله بن أبي عقب » وفي بعضها « عبد الله ابن عفيف ».

(٣) الرَّجل ضعيف جداً قال ابن الغضائري بعد عنوانه: ضيعف روى عن أبن جعفر الثاني فضل « إنّا أنزلناه في ليلة القدر » كتاباً مصنفاً (أي موضوعاً) فاسد الالفاظ تشهد مخائله أنَّه موضوع وهذا الرَّجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه (صه).

٣٠٤

أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال لابن عبّاس: أنَّ ليلة القدر في كلِّ سنة وإنّه ينزل في تلك اللّيلة أمر السنة ولذلك الامر ولاة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال ابن عبّاس: من هم؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدِّثون(١) .

٢٧

( باب )

* (ما روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة [ الزهراء ] بنت رسول الله) *

* (صلى الله عليهما من حديث الصحيفة وما فيها من أسماء الائمة) *

* (وأسماء أمهاتهم وأن الثاني عشر منهم القائم صلوات الله عليهم) *

١ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل قال: حدّثنا أبو عمرو سعيد بن محمّد بن نصر القطّان قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد السلميُّ قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن(٢) قال: حدّثنا محمّد بن سعيد بن محمّد قال: حدّثنا العبّاس بن أبي عمرو، عن صدقة بن أبي موسى، عن أبي نضرة قال: لمّا احتضر أبو جعفر محمّد بن عليِّ الباقرعليهما‌السلام عند الوفاة دعا بابنه الصادقعليه‌السلام ، فعهد إليه عهداً فقال له أخوه زيد بن عليٍّ بن الحسين: لو امتثلت فيَّ تمثال الحسن والحسينعليهما‌السلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً، فقال: يا أبا الحسن إنَّ الامانات ليست بالتمثال، ولا العهود بالرّسوم، وإنّما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى، ثمّ دعا بجابر بن عبد الله(٣) فقال له: يا جابر حدِّثنا

_________________ِ_

(١) هذا الخبر وان كان سنده ضعيفاً لكن متنه صحيح موافق للحق.

(٢) في العيون « محمّد بن عبد الرحيم ».

(٣) سند هذا الخبر ضعيف ومشتمل على مجاهيل ومتنه لا يلائم ما جاء في غيره من الأخبار ففي تفسير القمي بسند صحيح عن الباقرعليه‌السلام سئل عن جابر فقالعليه‌السلام : « رحم الله جابراً بلغ من فقهه أنَّه كان يعرف تأويل هذه الآية:أنَّ الّذي فرض عليك

٣٠٥

بما عاينت في الصحيفة؟ فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر دخلت على مولاتي فاطمةعليهما‌السلام لاهنّئها بمولود الحسنعليه‌السلام (١) فإذا هي بصحيفة بيدها من درَّة بيضاء، فقلت: يا

__________________

القرآن - الآية » وهو ظاهر في موته في حياة ابي جعفرعليه‌السلام وروى نحوه الكشي، وقد أجمعت أرباب السير ومعاجم التراجم على أنَّه مات قبل سنه ٨٠ قال ابن قتيبة: مات جابر بالمدينة نسة ٧٨ وهو ممّن تأخر موته من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة. وقال ابن سعد: مات سنة ٧٣. وفي المحكى عن عمرو بن عليّ ويحيى بن بكير وغيرهما أنَّه مات سنة ٧٨ كما في تهذيب التهذيب. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: أنَّه شهد العقبة الثانية مع أبيه وكف بصره في آخر عمره وتوفي سنة ٧٤ وقيل ٧٨ وقيل ٧٧ بالمدينة وصلى عليه أميرها أبان بن عثمان، وقيل توفى وهو ابن اربع وتسعين. وعلى أي كان وفاته قبل ميلاد أبي - عبد الله جعفر بن محمّد (ع) بسنين لأنّهعليه‌السلام ولد سنة ٨٣، وكانت وفاة الباقرعليه‌السلام سنة ١١٤ وفي قول ١١٦ فكيف يمكن حضور جابر عندهعليه‌السلام حين حضرته الوفاة، مع أنَّ الظاهر من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له: « إنّك ستدرك رجلاً من أهل بيتي - الخ » أنَّه أدرك محمّد بن على الباقرعليهما‌السلام فحسب ولم يدرك بعده من الائمّةعليهم‌السلام أحداً. والاخبار الّتي تتضمن حياته بعد على بن الحسينعليهما‌السلام كلّها مخدوشة لأنّه (ع) توفى سنة ٩٤ وأبو عبد الله حينذاك ابن أحد عشر سنة وتوفى جابر قبل ذلك نحواً من عشرين سنة، وما قال المامقاني (ره) من أنَّ الكشي روى أنَّه (يعني جابر) آخر من بقي من الصحابة من أنَّ عامر بن واثلة مات سنة ١١٠ فلازم ذلك بقاء جابر بعد سنة ١١٠. اشتباه محض لأنّ عامر لم يكن صحابياً إنّما ذكروه في جملة الصحابة لتولده قبل وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولعل مراد الكشي أنَّه آخر من بقى من الصحابة بالمدينة ممّن شهد العقبة كما قال الجزرى: حيث قال: جابر آخر من مات ممّن شهد العقبة. ثمّ اعلم إنّي أظن أنَّ العلاج بان نقول: سقطت جملة من لفظ الرواة أو قلم النساخ وصحف « يا أبا جعفر » والاصل « ثمّ قال دعا أبي يوماً بجابر بن عبد الله فقال له جابر نعم يا ابا محمّد - الخ » فيرفع الاشكال، وأمثال هذا السقط والتحريف كثيرة في الاحاديث.

ثم اعلم أيضاً أنَّ قولها « لكنه نهى أن يمسها إلّا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي » يخالف ما سيأتي في حديث اللوح لأنّ فيه « فأعطتنيه امك فاطمة فقرأته وانتسخته ».

(١) كذا.

٣٠٦

سيّدة النسوان ما هذه الصحيفة الّتي أراها معك؟ قالت: فيها أسماء الائمّة من ولدي فقلت لها: ناوليني لانظر فيها، قالت: يا جابر لو لا النهي أفعل لكنّه نهي أن يمسّها إلّا نبيٌّ أو وصيٌّ نبيٍّ، أو أهل بيت نبيٍّ، ولكنّه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.

قال جابر: فقرأت فإذا فهيا: « أبو القاسم محمّد بن عبد الله المصطفى، أمّه آمنة بنت وهب. أبو الحسن عليُّ بن أبي طالب المرتضى، أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. أبو محمّد الحسن بن عليٍّ البرُّ. أبو عبد الله الحسين بن عليٍّ التقيُّ، أمّهما فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أبو محمّد عليّ بن الحسين العدل، أمّه شهربانويه(١) بنت يزدجرد ابن شاهنشاه، أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر، أمه أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليِّ بن أبي طالب. أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أمّه أم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة، أمه جارية اسمها حميدة. أبو الحسن عليُّ بن موسى الرِّضا، أمّه جارية اسمها نجمة. أبو جعفر محمّد بن عليّ الزكيُّ، أمّه جارية اسمها خيزران. أبو الحسن عليّ بن محمّد الامين، أمه جارية اسمها سوسن(٢) أبو محمّد الحسن بن عليٍّ الرفيق، أمه جارية اسمها سمانة(٣) وتكنّى بأمِّ الحسن. أبو القاسم محمّد بن الحسن، هو حجّة الله تعالى على خلقه القائم(٤) ، أمّه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين.

قال مصنف هذا الكتابرحمه‌الله : جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائمعليه‌السلام ، والّذي أذهب إليه ما روي في النهي من تسميته، وسيأتي ذكر ما روينا(٥) في ذلك من الأخبار في باب أضعه في هذا الكتاب لذلك إن شاء الله [ تعالى ذكره ].

__________________

(١) في بعض النسخ « شاه بانويه ».

(٢) المشهور كما في اخبار اخر اسمها « سمانة ».

(٣) المشهور اسمها « حديث » مصغراً أو « سليل ».

(٤) في بعض النسخ « هو الحجّة القائم ».

(٥) في بعض النسخ « رويت ».

٣٠٧

٢٨

( باب )

* (ذكر النص على القائمعليه‌السلام في اللوح الّذي أهداه الله عز) *

* (وجل إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفعه إلى فاطمة عليها) *

* (السلام فعرضته على جابر بن عبد الله الانصاريّ حتّى قرأه) *

* (وانتسخه وأخبر به أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما) *

* (السلام بعد ذلك) *(١)

١ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن أبي الحسن صالح بن أبي حمّاد؛ والحسن بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح.

وحدّثنا أبي، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل، ومحمّد بن عليٍّ ماجيلويه؛ وأحمد ابن عليِّ بن إبراهيم؛ والحسن بن أبراهيم بن ناتانة؛(٢) وأحمد بن زياد الهمدانيُّ رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه أبراهيم بن هشام، عن بكر بن صالح، عن عبد الرّحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أبيعليه‌السلام لجابر بن عبد الله الأنصاريِّ: إنَّ لي إليك حاجة فمتى يخفُّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها، فقال له جابر: في أي الاوقات شئت، فخلى به أبو جعفرعليه‌السلام ، قال له: يا جابر أخبرني عن اللّوح الّذي رأيته في يد [ ي ] أمّي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أخبرتك به أنَّه في ذلك اللوح مكتوباً، فقال جابر: أشهد بالله إنّي دخلت على

__________________

(١) دأب الصدوقرحمه‌الله اطناب العناوين بخلاف الكليني (ره).

(٢) في بعض النسخ « الحسين بن ابراهيم » واحتمل الاستاد وحيد البهبهاني في هامش المنهج كونه أخا الحسن.

٣٠٨

أمّك فاطمةعليها‌السلام في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهنّئها بولادة الحسينعليه‌السلام (١) فرأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنَّه من زمرُّد، ورأيت فيه كتابةً بيضاء شبيهة بنور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت وأمّي يا بنت رسول الله ما هذا اللّوح؟ فقالت: هذا اللّوح أهداه الله عزَّ وجلَّ إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيَّ وأسماء الاوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرنِّي بذلك.

قال جابر: فأعطتنيه أمّك(٢) فاطمةعليهما‌السلام فقرأته وانتسخته فقال له أبيعليه‌السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه علىَّ؟ فقال: نعم، فمشى معه أبيعليه‌السلام حتّى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى أبي صحيفة من رقٍّ، فقال: يا جابر انظر أنت في كتابك لاقرأه أنا عليك، فنظر جابر في نسخته(٣) فقرأه عليه أبيعليه‌السلام فوالله ما خالف حرف حرفا، قال جابر: فانّي أشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللّوح مكتوباً:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الرُّوح الامين من عند ربِّ العالمين، عظّم يا محمّد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا قاصم الجبارين (ومبير المتكبّرين) ومذلُّ الظالمين وديّان يوم الدِّين، إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فمن رجا

__________________

(١) كذا في النسخ المخطوطة عندي وفي نسخة منها « الحسن خ ل ».

(٢) يخالف ما مر أنفاً في وفاة أبى جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام .

(٣) إنّما كانت ملاقاة جابر مع أبي جعفرعليه‌السلام بعد زيارة الاربعين في المدينة قطعاً وقد قيل أنَّه في زيارة الاربعين مكفوف البصر فكيف يمكن معه قراءة النسخة؟ ويمكن أن نقول: إنّما يكون عماه في آخر أيّام حياته فاشتبه على بعض من ترجمه فتوهم عماه في الاربعين سنة ٦١ وهو خلاف ما نصوا عليه من أنَّه كف بصره آخر عمره. وما في بشارة المصطفى في خبر زيارته في الاربعين من قول عطية « قال: فالمسنيه فألمسته فخر على القبر » لا يدلُّ على العمى ولعل من شدة الحزن وكثرة البكاء ابيضت عيناه، أو غمرتهما العبرة في ذلك اليوم. ويؤيده ما في هذا الخبر « ثمّ جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم - الخ ».

٣٠٩

غير فضلي، أو خاف غير عدلي عذَّبته عذاباً لا اُعذِّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكّل، إنّي لم أبعث نبيّاً فاكملت أيامه وانقضت مدَّته إلّا جعلت له وصيّاً وإني فضّلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيك على الاوصياء وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين، وجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدَّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامّة معه، والحجّة البالغة عنده، بعترته اُثيب واعاقب، أوّلهم عليّ سيّد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه سُمّي جدِّه(١) المحمود، محمّد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالرَّادُّ عليَّ، حقّ القول منّي لاكرمنَّ مثوى جعفر، ولاسرنَّه في أوليائه واشياعه وأنصاره وانتحبّت بعد موسى فتنة عمياء حندس(٢) ، لأنّ خيط فرضي لا ينقطع(٣) وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي لا يشقون أبداً، إلّا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدَّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، [ ألا ] إنَّ المكذِّب بالثامن مكذِّب بكل أوليائي. وعليُّ وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوَّة وأمتحنه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة الّتي بناها العبد الصالح ذو القرنين إلى جنب شرٍّ خلقي، حقّ القول منّي لاقرَّنَّ عينه بمحمّد ابنه(٤) وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمتي وموضع سرِّي وحجّتي على خلقي، جعلت الجنّة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النّار، وأختم بالسعادة لابنه عليٍّ وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الدّاعي إلي سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب، ستذلُّ أوليائي في زمانه ويتهادون رؤوسهم كما تهادى

__________________

(١) في بعض النسخ « شبيه جده ».

(٢) انتحب أي تنفس شديداً.

(٣) في بعض النسخ « لأنّ خيط وصيتي ».

(٤) في الكافي « بابنه م ح م د ».

٣١٠

رؤوس الترك والدّيلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض من دمائهم، ويفشو الويل والرَّنين في نسائهم(١) أولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلِّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزَّلازل، وأرفع عنهم الاصار(٢) والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.

قال عبد الرّحمن بن سالم قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلّا هذا الحديث لكفاك فصنه إلّا عن أهله.

٢ - حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدِّب، وأحمد بن هارون القاضي رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد ابن مالك الفزاريِّ الكوفيِّ، عن مالك السلوليِّ(٣) ، عن درست بن عبد الحميد، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفيِّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقرعليهما‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: دخلت على مولاتي فاطمةعليها‌السلام وقدَّ امها لوح يكاد ضوؤه يغشي الأبصار، فيه اثنا عشر اسماً ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر إسماً، فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت: هذه أسماء الاوصياء أوّلهم ابن عمّي وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم [ صلوات الله عليهم أجمعين ]، قال جابر، فرأيت فيها محمّداً محمّداً محمّداً في ثلاثة مواضع، وعليّاً وعليّاً وعليّاً وعليّاً في أربعة مواضع.

٣ - وحدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّاررضي‌الله‌عنه قال: حدّثني أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: دخلت على فاطمةعليهما‌السلام وبين يديها

__________________

(١) كلّ ذلك في زمان الغيبة لا في أيّام ظهوره عجل الله تعالى فرجه. لأنّ المؤمنين في أيامه. في كمال العزة.

(٢) في بعض النسخ « القيود ».

(٣) كذا. والظاهر هو مالك بن حصين السلولي. وفزارة حي من غطفان. والفزار أبو قبيلة من تميم منهم جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري.

٣١١

لوح [ مكتوب ] فيه أسماء الاوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد وأربعة منهم عليٌّعليهم‌السلام .

وحدّثنا أبو محمّد الحسن بن حمزة العلويِّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن الحسين بن درست السرويُّ، عن جعفر بن محمّد بن مالك قال: حدّثنا محمّد بن عمران الكوفيُّ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران؛ وصفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنَّه قال: يا إسحاق إلّا ابشّرك، قلت: بلى جعلت فداك يا ابن رسول الله فقال: وجدنا صحيفة باملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطِّ أمير المؤمنينعليه‌السلام فيها:

بسم الله الرّحمن الرّحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، وذكر حديث اللّوح كما ذكرته في هذا الباب مثله سواء إلّا أنَّه قال في آخره، « ثمَّ قال الصادقعليه‌السلام : يا إسحاق هذا دين الملائكة والرُّسل فصنه عن غير أهله يصنك الله ويصلح بالك، ثمّ قالعليه‌السلام : من دان بهذا أمن عقاب الله عزَّ وجلَّ.

وحدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل قال: حدّثنا سعيد بن محمّد بن القطّان قال: حدّثنا عبد الله ابن موسى الرُّوياني أبو تراب(١) ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ، عن عليِّ بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب، قال: حدّثني عبد الله بن محمّد بن جعفر، عن أبيه عن جده أنَّ محمّد بن عليِّ باقر العلمعليهما‌السلام جمع ولده وفيهم عمّهم زيد بن عليٍّ، ثمّ أخرج كتاباً إليهم بخطِّ عليٍّعليه‌السلام وإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكتوب فيه:

__________________

(١) في هامش بعض المخطوطة « عبيد الله » بالياء ابن موسى الروباني بالباء المنقطة تحتها نقطة قبل الالف والنون بعدها. والروبان قرية بالكوفة » انتهى. لكن لم أجده والرويان بالياء المثناة التحتية وضم الراء مدينة كبيرة من جبال طبرستان خرج منها جماعة من العلماء كما في اللباب لابن الاثير. وما « عبيد الله » كما في التوحيد وبعض النسخ أو « عبد الله » كما في المتن فلا أعلم الصواب منهما.

٣١٢

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم العليم - [ وذكر ] حديث اللّوح إلى موضع الّذي يقول فيه « اولئك هم المهتدون » -.

ثمَّ قال في آخره قال عبد العظيم: العجب كلّ العجب لمحمّد بن جعفر وخروجه إذ سمع أباهعليه‌السلام يقول هكذا ويحكيه، ثمّ قال: هذا سرُّ الله ودينه ودين ملائكته فصنه إلّا عن أهله وأوليائه.

٤ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى، وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: دخلت على فاطمةعليها‌السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء، فعددت اثني عشر إسماً آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليُّ صلوات الله عليهم [ أجمعين ].

٢٩

( باب )

* (ما أخبر به الحسن بن على بن أبى طالبعليهما‌السلام من وقوع) *

* (الغيبة بالقائمعليه‌السلام وإنّه الثاني عشر من الائمّةعليهم‌السلام ) *

١ - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار، وأحمد بن إدريس جميعاً قالوا: حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ قال: حدّثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريُّ، عن أبي جعفر الثاني محمّد بن عليٍّعليهما‌السلام قال: أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام ذات يوم ومعه الحسن بن عليٍّ وسلمان الفارسيُّرضي‌الله‌عنه ، وأمير المؤمنينعليه‌السلام متكيء على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس إذ أقبل رجلٌ حسن الهيئة واللّباس، فسلم على أمير المؤمنينعليه‌السلام فردَّعليه‌السلام فجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث

٣١٣

مسائل إن أخبرتني بهنَّ(١) علمت أنَّ القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم، وإن تكن الاخرى علمت أنّّك وهم شرع سواء. فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : سلني عمّا بدا لك؟ فقال: أخبرني عن الرَّجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرَّجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرَّجل كيف يشبه ولده الاعمام والاخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمّد الحسن فقال: يا أبا محمّد أجبه، فقال: أمّا ما سألت عنه من أمر الانسان إذا نام أين تذهب روحه، فإنَّ روحه متعلّقة بالرِّيح والرِّيح متعلّقة بالهواء(٢) إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فإنَّ أذن الله عزَّ وجلَّ برد تلك الرُّوح إلى صاحبها(٣) جذبت تلك الرُّوح الرّيح، وجذبت تلك الرّيح الهواء، فرجعت الروح فأسكنت في بدن صاحبها، وإن لم يأذن الله عزَّ وجلَّ برد تلك الروح إلى صاحبها(٣) جذب الهواء الرّيح، وجذبت الرّيح الروح، فلم ترد إلى صاحبها إلى وقت ما يبعث.

وأمّا ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان: فإنَّ قلب الرَّجل في حقّ، وعلى الحق طبق فإنَّ صلى الرَّجل عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحقّ فأضاء القلب(٤) وذكر الرَّجل ما كان نسيه، وإن هو لم يصلِّ على محمّد وآل محمّد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحقِّ فأظلم القلب ونسي الرَّجل ما كان ذكر.

وأمّا ما ذكرت من أمر المولود الّذي يشبه أعمامه وأخواله، فإنَّ الرَّجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب فأسكنت تلك النطفة في جوف الرَّحم(٥) خرج الولد يشبه أباه وأمه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكن و

__________________

(١) في بعض النسخ « أن أجبتني فيهن ».

(٢) في بعض النسخ « معلقة في الهواء ».

(٣) في بعض النسخ « على صاحبها ».

(٤) في بعض النسخ « ممّا يلي القلب » مكان « فأضاء القلب ».

(٥) في بعض النسخ « وانسكبت تلك النطفة فوقعت في جوف الرحم ».

٣١٤

عروق غير هادئة وبدن مضطرب، اضطربت تلك النطفة فوقعت في حال اضطرابها(١) على بعض العروق فإنَّ وقعت على عرق من عروق الاَعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الاخوال أشبه الرَّجل أخواله، فقال الرَّجل: أشهد أن لا إله إلّا الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته [ بعده ] - وأشار [ بيده ] إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام - ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته - وأشار إلى الحسنعليه‌السلام - وأشهد أنَّ الحسين ابن عليّ وصي أبيك والقائم بحجّته بعدك، وأشهد على عليّ بن الحسين أنَّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمّد بن عليّ أنَّه القائم بأمر عليّ بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن عليّ، وأشهد على موسى بن جعفر أنَّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على عليّ بن موسى أنَّه القائم بأمر موسى بن جعفر، واشهد على محمّد بن عليّ أنَّه القائم بأمر عليّ بن موسى، وأشهد على عليّ بن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن عليّ، وأشهد على الحسن بن عليّ أنَّه القائم بأمر عليّ بن محمّد، وأشهد على رجل من ولد الحسن بن عليّ لا يكنّى ولا يسمّى حتّى يظهر أمره فيملأ الأرض(٢) عدلاً كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثمّ قام فمضى.

فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمّد اتبعه فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسنعليه‌السلام في أثره قال: فما كان إلّا أنَّ وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله(٣) فرجعت إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فأعلمته فقال: يا أبا محمّد أتعرفه؟ فقلت: الله ورسوله وامير المؤمنين أعلم، فقال: هو الخضرعليه‌السلام .

٢ - حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد، عن موسى

__________________

(١) في بعض النسخ « في وقت اضطرابها ».

(٢) في بعض النسخ « فيملأها ».

(٣) في بعض النسخ « من الأرض ».

٣١٥

ابن جعفر البغداديّ قال: حدّثني الحسن بن محمّد الصيرفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه سدير بن حكيم، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا قال: لمّا صالح الحسن بن عليّعليهما‌السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه النّاس، فلامه بعضهم على بيعته، فقالعليه‌السلام : ويحكم ما تدرون ما عملت والله الّذي عملت خيرٌ لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت، إلّا تعلمون أنّني إمامكم مفترض الطاعة عليكم وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بنصٍّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليَّ؟ قالوا: بلى، قال: أما علمتم أنَّ الخضرعليه‌السلام لمّا خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً، أما علمتم أنَّه ما منّا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلّا القائم الّذي يصلّي روح الله عيسى بن مريمعليه‌السلام خلفه، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الاماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شابٍّ دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنَّ الله على كلّ شيء قدير.

٣٠

( باب )

* (ما أخبر به الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام من وقوع) *

* (الغيبة بالقائم (ع) وإنّه الثاني عشر من الائمّةعليهم‌السلام ) *

١ - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار قال: حدّثنا أبو عمرو الكشي(١) قال: حدّثنا محمّد بن مسعود قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن شجاع، عن محمّد

__________________

(١) في جميع النسخ « أبو عمرو الليثي » بتصحيف. والصحيح « الكشي » كما في المتن أخذا من هامش بعض النسخ المخطوطة المصححة. والكشي صاحب رجال المعروف وهو من غلمان محمّد بن مسعود العياشي.

٣١٦

ابن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن الحجاج، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسينعليهم‌السلام قال: قال الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام : في التاسع من ولدي سنة من يوسف، وسنّة من موسى بن عمرانعليهما‌السلام وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة.

٢ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق المعاذيُّ(١) رضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد الهمدانيُّ الكوفيُّ قال: حدّثنا أحمد بن موسى بن الفرات قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا عبد الله بن الزُّبير، عن عبد الله ابن شريك، عن رجل من همدان قال: سمعت الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام يقول: قائم هذه الاُمّة هو التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة وهو الّذي يقسم ميراثه وهو حي.

٣ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن - هاشم، عن أبيه، عن عبد السّلام بن صالح الهرويِّ قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح، عن الرَّبيع بن سعد، عن عبد الرّحمن بن سليط قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام منا اثنا عشر مهديّاً أوّلهم أمير المؤمنين عليُّ بن ابي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الامام القائم بالحقِّ، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقِّ على الدِّين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدِّين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: « متى هذا الوعد إن كنم صادقين » أما إنَّ الصابر في غيبته على الاذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ - حدّثنا عليّ بن محمّد بن الحسن القزوينيُّ قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرميُّ قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الاحول قال: حدّثنا خلاد المقريء، عن قيس بن أبي حصين

__________________

(١) كذا في بعض النسخ وفي أكثرها « المعادي » بالدال المهملة. وفي اللباب: المعاذى نسبة إلى معاذ ينسب إليه جماعة، منهم بيت كبير بخراسان.

٣١٧

عن يحيى بن وثّاب، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام يقول: لو لم يبق من الدُّنيا إلّا يوم واحد لطول الله عزَّ وجلَّ ذلك اليوم حتّى يخرج رجلٌ من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول.

٥ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك قال: حدّثني حمدان بن منصور، عن سعد بن محمّد، عن عيسى الخشّاب قال: قلت للحسين بن عليّعليهما‌السلام : أنت صاحب هذا الامر؟ قال: لا ولكن صاحب الامر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنّي بعمّه(١) ، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر(٢) .

٣١

( باب )

* (ما أخبر به سيّد العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ) *

* (من وقوع الغيبة بالقائمعليه‌السلام وإنّه الثاني عشر) *

* (من الائمّةعليهم‌السلام ) *

١ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّاررضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعريّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن الحسن، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي حمزة قال: سمعت عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: أنَّ الله تبارك وتعالى خلق محمّداً وعليّاً والائمّة

__________________

(١) يمكن أن يقرء بشد النون على وزان « الثنى » ويكون المراد أنَّ التعبير بالكنية دون الاسم لاجل عمه. أو يقرء على وزان « المهدى » بمعنى المخفي والمستتر فالمعنى الغائب بسبب عمه. والموتور: من قتل له قتيل ولم يدرك بثاره.

(٢) سيأتي في حديث محمّد بن عليّ بن الحسين: ما يوافقه.

٣١٨

الأحد عشر من نور عظمته أرواحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق، يسبّحون الله عزَّ وجلَّ ويقدِّسونه، وهم الائمّة الهادية من آل محمّدعليهم‌السلام .

قال مصنف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : قد روي هذا الخبر بغير هذا اللّفظ إلّا أنَّ مسموعي ما قد ذكرته.

٢ - حدّثنا عليّ بن عبد الله الورّاق قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفيُّ، عن عبد الله(١) بن موسى، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثني صفوان ابن يحيى، عن إبراهيم بن أبي زياد، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي خالد الكابليِّ قال: دخلت على سيّدي عليِّ بن الحسين زين العابدينعليهما‌السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أخبرني بالّذين فرض الله عزَّ وجلَّ طاعتهم ومودتهم، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال لي: يا كنكر(٢) أنَّ أولي الامر الّذين جعلهم الله عزّ وجلّ أئمّة للنّاس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين ابنا عليِّ بن أبي طالب، ثمَّ انتهى الامر إلينا. ثمَّ سكت.

فقلت له: يا سيّدي روي لنا عن أمير المؤمنين [ عليٍّ ]عليه‌السلام أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله عزَّ وجلَّ على عباده، فمن الحجّة والامام بعدك؟ قال: ابني محمّد، وإسمه في التوراة باقر، يبقر العلم بقراً، هو الحجّة والامام بعدي، ومن بعد محمّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السّماء الصادق، فقلت له: يا سيّدي فكيف صار اسمه الصادق وكلّكم صادقون، قال: حدّثني أبي، عن أبيهعليهما‌السلام أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام فسمّوه الصادق، فإنَّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر يدَّعي الامامة اجتراء على الله وكذباً عليه فهو عند الله جعفر الكذَّاب المفتري على الله عزَّ وجلَّ، والمدعي لمّا ليس له بأهل، المخالف على أبيه والحاسد لأخيه، ذلك الّذي يروم كشف ستر الله عند غيبة ولي الله عزَّ وجلَّ، ثمّ

__________________

(١) في بعض النسخ « عبيد الله » وهو الروياني الذى تقدَّم ص ٣١٢

(٢) كنكر لقب لابي خالد.

٣١٩

بكي عليّ بن الحسينعليهما‌السلام بكاءً شديداً، ثمّ قال: كأني بجعفر الكذَّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليِّ الله، والمغيب في حفظ الله والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته، وحرصاً منه على قتله أنَّ ظفر به، [ و ] طمعاً في ميراثه حتّى يأخذه بغير حقّه.

قال أبو خالد: فقلت له: يا ابن رسول الله وإنَّ ذلك لكائن، فقال: إي وربّي أنَّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة الّتي فيها ذكر المحن الّتي تجري علينا بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول الله ثمّ يكون ماذا، قال: ثمّ تمتدُّ الغيبة(١) بولي الله عزَّ وجلَّ الثاني عشر من أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمّة بعده.

يا أبا خالد إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزَّمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسيف، اولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً، والدُّعاة إلى دين الله عزَّ وجلَّ سراً وجهراً. وقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : إنتظار الفرج من أعظم الفرج.

وحدّثنا بهذا الحديث عليُّ بن أحمد بن موسى. ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ(٢) وعليّ بن عبد الله الورَّاق، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ، عن سهل بن زياد الادميِّ عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّرضي‌الله‌عنه ، عن صفوان، عن إبراهيم أبي زياد عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي خالد الكابليِّ، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام .

قال مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : ذكر زين العابدينعليه‌السلام [ ل‍ ] جعفر الكذَّاب دلالة في إخباره بما يقع منه.

وقد روي مثل ذلك عن أبي الحسن عليِّ بن محمّد العسكريعليهما‌السلام أنَّه لم يسرَّ به لمّا ولد وإنّه أخبرنا بأنه سيضلُّ خلقاً كثيراً كلّ ذلك دلالة لهعليه‌السلام أيضاً لأنّه لا دلالة على الامامة أعظم من الأخبار بما يكون قبل أن يكون كما كان، مثل ذلك

__________________

(١) في بعض النسخ « تشتد الغيبة ».

(٢) كذا والظاهر هو السناني

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686