كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة5%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 143231 / تحميل: 8008
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

٤ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن خالد البرقيُّ، عن عليِّ بن حسّان، عن داود بن كثير الرّقّي قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام عن صاحب هذا الامر قال: هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله، الموتور بأبيهعليه‌السلام .

٥ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السنديِّ، عن يونس بن عبد الرَّحمن قال: دخلت على موسى بن جعفرعليهما‌السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحقِّ ولكن القائم الّذي يطهّر الأرض من أعداء الله عزَّ وجلَّ ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلما هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.

ثمَّ قال: طوبى لشيعتنا، المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمَّ طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.

* * *

قال مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : إحدى العلل الّتي من أجلها وقعت الغيبة الخوف كما ذكر في هذا الحديث، وقد كان موسى بن جعفرعليهما‌السلام في ظهوره كاتماً لأمره وكان شيعته لا تختلف إليه ولا تجترون(١) على الاشارة خوفاً من طاغية زمانه، حتّى أنَّ هشام بن الحكم لمّا سئل في مجلس يحيى بن خالد عن الدّلالة على الامام أخبر بها، فلمّا قيل له: « من هذا الموصوف »؟ قال: صاحب القصر أمير المؤمنين هارون الرَّشيد، وكان هو خلف الستر قد سمع كلامه، فقال: أعطانا والله من جراب النورة(٢) فلمّا علم هشام أنَّه قد أتى هرب وطلب فلم يقدر عليه وخرج إلى الكوفة ومات بها

____________

(١) في بعض النسخ « لا تجسرون ».

(٢) مثل بين العرب والاصل فيه أنَّه سأل محتاج أميراً قسي القلب شيئاً فعلق على رأسه جراباً من النورة (الكلس) عند فمه وأنفه، وكلما تنفس دخل في أنفه شيء فصار مثلاً.

٣٦١

عند بعض الشيعة، فلم يكفِّ الطلب عنه حتّى وضع ميتاً بالكناسة وكتبت رقعة ووضعت معه: « هشام بن الحكم الّذي يطلبه أمير المومنين » حتّى نظر إليه القاضي والعدول وصاحب المعونة والعامل، فحينئذ كفّ الطاغية عن الطلب عنه(١) .

* (ذكر كلام هشام بن الحكمرضي‌الله‌عنه في هذا) *

* (المجلس وما آل إليه أمره) *

حدَّثنا أحمد بن زياد الهمدانيُّ، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد ابن أبي عمير قال: أخبرني عليٌّ الاسواريُّ قال: كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلّمون من كلِّ فرقة وملة يوم الأحد، فيتناظرون في أديانهم، يحتجُّ بعضهم على بعض، فبلغ ذلك الرَّشيد، فقال ليحيى بن خالد: يا عباسي ما هذا المجلس الّذي بلغني في منزلك يحضره المتكلّمون؟ قال: يا أمير المؤمنين ما شيء ممّا رفعني به أمير المؤمنين وبلغ بي من الكرامة والرَّفعة أحسن موقعاً عندي من هذا المجلس، فانّه يحضره كلُّ قوم مع اختلاف مذاهبهم، فيحتجُّ بعضهم على بعض ويعرف المحقُّ منهم، ويتبيّن لنا فساد كلِّ مذهب من مذاهبهم.

فقال له الرَّشيد: أنا اُحبُّ أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم على أن لا يعلموا بحضوري فيحتشموني ولا يظهروا مذاهبهم، قال: ذلك إلى أمير المؤمنين متى شاء، قال: فضع يدك على رأسي أن لا تُعلمهم بحضوري، ففعل [ ذلك ] وبلغ الخبر المعتزلة، فتشاوروا بينهم وعزموا على أن لا يكلّموا هشاماً إلّا في الامامة لعلمهم بمذهب الرَّشيد وإنكاره على من قال بالامامة. قال: فحضروا، وحضر هشام، وحضر عبد الله بن يزيد

__________________

(١) في بعض النسخ « كف الطلب عنه ».

٣٦٢

الاباضيُّ وكان من أصدق النّاس(١) لهشام بن الحكم، وكان يشاركه في التجارة(٢) ، فلمّا دخل هشام سلّم على عبد الله بن يزيد من بينهم، فقال يحيى بن خالد لعبد الله بن يزيد: يا عبد الله كلّم هشاماً فيما اختلفتم فيه من الامامة.

فقال هشام: أيّها الوزير ليس لهم علينا جوابٌ ولا مسألة إنَّ هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل، ثمَّ فارقونا بلا علم ولا معرفة، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحقَّ، ولا حين فارقونا علموا على ما فارقونا، فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.

فقال بيان(٣) - وكان من الحرورية -: أنا أسألك يا هشام، أخبرني عن أصحاب عليٍّ يوم حكّموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟ قال هشام: كانوا ثلاثة أصناف: صنفٌ مؤمنون، وصنفٌ مشركون، وصنفٌ ضلال، فأمّا المؤمنون فمن قال مثل قولي: إنَّ عليّاًعليه‌السلام إمام من عند الله عزوجل. ومعاوية لا يصلح لها، فآمنوا بما قال الله عزَّ وجلَّ في عليّعليه‌السلام وأقرُّوا به.

وأما المشركون فقوم قالوا: علىٌّ إمام، ومعاوية يصلح لها، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع عليٍّعليه‌السلام .

وأما الضلّال: فقوم خرجوا على الحميّة والعصبيّة للقبائل والعشائر [ فـ ]ـلم يعرفوا شيئاً من هذا وهم جهّال. قال: فأصحاب معاوية ما كانوا؟ قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنفٌ كافرون، وصنفٌ مشركون، وصنف ضلّال.

__________________

(١) من الصداقة. والاباض - بكسر الهمزة - ومنه الاباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن اباض التميمي. (الصحاح).

(٢) في بعض النسخ « في المحاورة ».

(٣) في بعض النسخ « بنان » وكذا فيما يأتي.

٣٦٣

فأمّا الكافرون: فالذين قالوا: إنَّ معاوية إمام، وعليٌّ لا يصلح لها، فكفروا من جهتين إذ جحدوا إماماً من الله عزَّ وجلَّ، ونصبوا إماماً ليس من الله.

وأمّا المشركون: فقوم قالوا: معاوية إمامٌ، وعليٌّ يصلح لها، فأشركوا معاوية مع عليٍّعليه‌السلام .

وأمّا الضّلال: فعلى سبيل اولئك خرجوا للحميّة والعصبيّة للقبائل والعشائر. فانقطع بيان عند ذلك.

فقال ضرار: وأنا أسألك يا هشام في هذا؟ فقال هشام: أخطأت قال: ولم؟ قال: لانكم كلكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي، وقد سألني هذا عن مسألة وليس لكم أن تثنوا بالمسألة عليَّ حتّى أسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب؟ قال ضرار: فسل، قال: أتقول: إنَّ الله عزَّ وجلَّ عدلٌ لا يجور؟ قال: نعم هو عدل لا يجور تبارك وتعالى، قال: فلو كلّف الله المقعد المشي إلى المساجد والجهاد في سبيل الله، وكلّف الاعمى قراءة المصاحف والكتب أتراه كان يكون عادلاً أم جائراً؟ قال ضرار: ما كان الله ليفعل ذلك، قال هشام: قد علمتُ أنَّ الله لا يفعل ذلك ولكن ذلك على سبيل الجدل والخصومة، أنَّ لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائراً إذ كلّفه تكليفاً لا يكون له السبيل إلى إقامته وأدائه؟ قال: لو فعل ذلك لكان جائزاً.

قال: فأخبرني عن الله عزَّ وجلَّ كلّف العباد ديناً واحداً لا اختلاف فيه لا يقبل منهم إلّا أن يأتوا به كما كلفهم؟ قال: بلى، قال: فجعل لهم دليلاً على وجود ذلك الدِّين، أو كلّفهم مالا دليل لهم على وجوده فيكون بمنزلة من كلّف الأعمى قراءة الكتب والمعقد المشي إلى المساجد والجهاد؟ قال: فسكت ضرار ساعة، ثمَّ قال: لابدّ من دليل وليس بصاحبك، قال:

٣٦٤

فتبسّم هشام وقال: تشيّع شطرك(١) وصرت إلى الحقِّ ضرورة ولا خلاف بيني وبينك إلّا في التسمية، قال ضرار: فإنّي أرجع القول عليك في هذا، قال: هات، قال ضرار لهشام: كيف تعقد الامامة؟ قال هشام: كما عقد الله عزَّ وجلَّ النبوَّة، قال: فهو إذا نبيٌّ، قال هشام: لا لأنّ النبوَّة يعقدها أهل السّماء، والامامة يعقدها أهل الأرض، فعقد النبوَّة بالملائكة، وعقد الامامة بالنبيِّ(٢) والعقدان جميعاً بأمر الله جلَّ جلاله، قال: فما الدّليل على ذلك؟ قال هشام: الاضطرار في هذا، قال ضرار: وكيف ذلك؟ قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: إمّا أن يكون الله عزَّ وجلَّ رفع التكليف عن الخلق بعد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم الّتي لا تكليف عليها، أفتقول هذا يا ضرار إنَّ التكليف عن النّاس مرفوعٌ بعد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: لا أقول هذا، قال هشام: فالوجه الثاني ينبغي أن يكون النّاس المكلفون(٣) قد استحالوا بعد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علماء في مثل حدِّ الرَّسول في العلم حتّى لا يحتاج أحدٌ إلى أحد، فيكونوا كلّهم قد استغنوا بأنفسهم، وأصابوا الحق الّذي لا اختلاف فيه، أفتقول هذا إنَّ النّاس استحالوا علماء حتّى صاروا في مثل حدِّ الرَّسول في العلم بالدين حتّى لا يحتاج أحدٌ إلي أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحقِّ؟ قال: لا أقول هذا ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم.

قال: فبقي الوجه الثالث وهو أنَّه لابدّ لهم من عالم يقيمه

__________________

(١) أي بعضك، ولعل المراد به لسانه حيث أقر بوجود الدليل.

(٢) في بعض النسخ « إلّا أنَّ النبوَّة تعقد بالملائكة والامامة تعقد بالنبي ».

(٣) صفة للناس. و « استحالوا » أي تحولوا علماء لا يحتاجون إلى علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن يكون في زمان الرَّسول يحتاجون إليه في دينهم.

٣٦٥

الرسول لهم لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف، معصوم من الذُّنوب، مبرَّءٌ، من الخطايا، يحتاج [ النّاس ] إليه ولا يحتاج إلى أحد، قال: فما الدّليل عليه؟ قال هشام: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه، وأربع في نعت نفسه.

فأمّا الاربع الّتي في نعت نسبه: فإنّه يكون معروف الجنس، معروف القبيلة، معروف البيت، وأن يكون من صالب الملّة والدَّعوة إليه إشارة، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الّذين منهم صاحب الملّة والدعوة الّذي ينادى باسمه في كلّ يوم خمس مرَّات على الصوامع « أشهد أنَّ لا إله إلّا الله، وأنَّ محمداً رسول الله » فتصل دعوته إلى كلِّ برٍّ وفاجر وعالم وجاهل، مقرّ ومنكر، في شرق الأرض وغربها ولو جاز أن تكون الحجّة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجنس لاتى على الطالب المرتاد دهرٌ من عصره لا يجده، ولجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم وغيرهم، ولكان من حيث أراد الله عزَّ وجلَّ أن يكون صلاح يكون فساد ولا يجوز هذا في حكمة الله جلَّ وجلاله وعدله أن يفرض على النّاس فريضة لا توجد، فلمّا لم يجز ذلك لم يجز أن يكون إلّا في هذا الجنس لا تصاليه بصاحب الملة والدعوة، فلم يجز أن يكون من هذا الجنس إلّا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملّة وهي قريش، ولمّا لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلّا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلّا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملّة والدَّعوة، ولمّا كثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الامامة لعلوِّها وشرفها ادَّعاها كلُّ واحد منهم فلم يجز إلّا أن يكون من صاحب الملّة والدَّعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه كيلا يطمع فيها غيره.

وأما الاربع الّتي في نعت نفسه: فإنَّ يكون أعلم النّاس كلّهم بفرائض الله وسننه وأحكامه حتّى لا يخفى عليه منها دقيق ولا جليل، وأن

٣٦٦

يكون معصوماً من الذُّنوب كلّها، وأن يكون أشجع النّاس، وأن يكون أسخى النَّاس.

فقال عبد الله بن يزيد الاباضيُّ: من أين قلت: إنَّه أعلم النّاس؟ قال: لأنّه إن لم يكن عالماً بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود، فمن وجب عليه القطع حدَّه، ومن وجب عليه الحد قطعه، فلا يقيم لله عزَّ وجلَّ حدّاً على ما أمر به فيكون من حيث أراد الله صلاحاً يقع فساداً.

قال: فمن أين قلت: إنَّه معصوم من الذنوب؟ قال لأنّه إن لم يكن معصوماً من الذُّنوب دخل في الخطأ، فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ويكتم على حميمه وقريبه، ولا يحتجُّ الله بمثل هذا على خلقه.

قال: فمن أين قلت: إنَّه أشجع النّاس؛ قال: لأنّه فئة للمسلمين الّذي يرجعون إليه في الحروب، وقال الله عزَّ وجلَّ: «ومن يولّهم يومئذ دبره إلّا متحرِّفاً لقتال أو متحيّزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله »(١) فإن لم يكن شجاعاً فر فيبوء بغضب من الله، ولا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله عزَّ وجلَّ حجّة الله على خلقه.

قال: [ فـ ] من أين قلت أنَّه أسخى النّاس؟ قال: لأنّه خازن المسلمين فإنَّ لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم(٢) فأخذها فكان خائناً، ولا يجوز أن يحتجَّ الله على خلقه بخائن.

فعند ذلك قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟ فقال: صاحب القصر أمير المؤمنين. وكان هارون الرَّشيد قد سمع الكلام كلّه، فقال عند ذلك: أعطانا والله من جراب النورة، ويحك يا جعفر - وكان جعفر بن يحيى جالساً معه في الستر - من يعني بهذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين يعني

__________________       

(١) الانفال: ١٦.

(٢) أي اشتاقت ونازعت نفسه إليه.

٣٦٧

به موسى بن جفعر، قال: ما عنى بها غير أهلها(١) ، ثمَّ عضَّ على شفتيه وقال: مثل هذا حيٌّ ويبقى لي ملكي ساعة واحدة؟! فو الله للسان هذا أبلغ في قلوب النّاس من مائة ألف سيف، وعلم يحيى أنَّ هشاما قد إنّي(٢) فدخل الستر فقال: يا عبّاسيُّ ويحك من هذا الرَّجل فقال: يا أمير المؤمنين حسبك تُكفى تُكفى، ثمَّ خرج إلى هشام فغمزه، فلم هشام أنَّه قد اتي فقام يريهم أنَّه يبول أو يقضي حاجة فلبس نعليه وانسلَّ ومر ببيته وأمرهم بالتواري وهرب ومرَّ من فوره نحو الكوفة فوافى الكوفة ونزل على بشير النبّال - وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام - فأخبره الخبر، ثمَّ اعتلَّ علّة شديدة فقال له البشير: آتيك بطبيب؟ قال: لا أنا ميت، فلمّا حضره الموت قال لبشير: إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف اللّيل وضعني بالكناسة واكتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحكم الّذي يطلبه أمير المؤمنين، مات حتف أنفه.

وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به، فلمّا أصبح أهل الكوفة رأوه، وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل والمعدلون بالكوفة، وكتب إلى الرَّشيد بذلك، فقال: الحمد لله الّذي كفانا أمره فخلّى عمّن كان اُخذ به.

* * *

٦ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي أحمد محمّد بن زياد الازديِّ قال: سألت سيدي موسى بن جعفرعليهما‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: «وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة »(٣) فقالعليه‌السلام : النعمة الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب، فقلت له: ويكون في الائمّة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار النّاس شخصه، ولا يغيب عن

__________________

(١) أي ما عني بقوله « أمير المؤمنين » إلّا من هو أمير المؤمنين عنده.

(٢) يعني وقع في الهلكة.

(٣) لقمان: ٢٠.

٣٦٨

قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منّا، يسهّل الله له كلِّ عسير، ويذلّل له كلِّ صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرِّب له كلَّ بعيد، ويبير به كلَّ جبّار عنيد(١) ويهلك على يده كلَّ شيطان مريد، ذلك ابن سيّدة الاماء الّذي تخفى على النّاس ولادته، ولا يحلُّ لهم تسميته حتّى يظهره الله عزَّ وجلَّ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(٢) .

قال مصنف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : لم أسمع هذا الحديث إلّا من أحمد بن زياد ابن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه بهمدان عند منصر في من حَجَّ بيت الله الحرام، وكان رجلاً ثقة ديناً فاضلاً رحمة الله عليه ورضوانه.

__________________

(١) اباره الله: أهلكه. وفي بعض النسخ « يتبر » والتبر: الكسر والاهلاك كالتتبير وفى بعض النسخ « يفنى به ».

(٢) في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا: « الّذي ادعاه المصنف فيما تقدَّم من النهي عن ذكر اسمهعليه‌السلام يقويه ويؤيده هذا الحديث ولا فالروايات الّتى ذكرها في هذه الابواب عن الائمّة: في النهي عن ذكر اسمهعليه‌السلام يمكن أن يحمل النهي فيها على قبل الغيبة في زمان العباسية دون عصرنا هذا لأنّ التقيّة كانت في ذلك الزَّمان أشد من هذا العصر. وإنّما قلنا « يمكن أن يحمل النهى على قبل غيبتهعليه‌السلام » لأنّ النهى لا يخلو من وجهين اما خوفا على الامام وهو مفقود في هذا العصر اذلا يقدر احد أن يظفر به، وأمّا خوفاً على القائل الذاكر باسمه وهذا أيضاً منتف إذ لا يتصور الضرر من مخالفي هذا العصر ولا التعرض به لأنّه لو كان أحد ينادي في الاسواق باعلى صوته يا محمّد بن الحسن لا يرى أحد من المخالفين أنَّه سمع اسمه ويعرفه حتّى يؤذي قائله وإذا كان كذلك فلم لا يجوز للمؤمنين أن يسموه ويتبركوا ويتشرفوا بذكر اسمه (ع). وأمّا قبل غيبته الكبرى كان الضرر متصوراً، لكن هذه الرواية تأبى ذلك والله أعلم ».

٣٦٩

٣٥

باب

* (ما روى عن الرضا عليّ بن موسىعليهما‌السلام في النص على القائم) *

* (وفي غيبتهعليه‌السلام وإنّه الثاني عشر) *

١ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح قال: قلت للرِّضاعليه‌السلام : إنّا لنرجو أن تكون صاحب هذا الامر وأن يردَّه الله(١) عزَّ وجلَّ إليك من غير سيف، فقد بويع لك وضربت الدَّراهم باسمك، فقال: ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب، وسئل عن المسائل وأشارت إليه الاصابع، وحملت إليه الأموال إلّا اغتيل أو مات على فراشه حتّى يبعث الله عزَّ وجلَّ لهذا الامر رجلاً خفي المولد والمنشأ غير خفيٍّ في نسبه.

٢ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد بن مالك الفزاريُّ، عن عليِّ بن الحسن بن فضّال، عن الرَّيّان بن الصلت قال: سمعته يقول: سئل أبو الحسن الرِّضاعليه‌السلام عن القائمعليه‌السلام فقال: لا يرى جسمه ولا يسمى باسمه.

٣ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد ابن هلال العبر تائيِّ، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام قال: قال لي: لابدّ من فتنة صمّاء صيلم(٢) يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة وذلك عند

__________________

(١) في بعض النسخ « يسديه الله » وفي بعضها « يسوقه الله ».

(٢) الصيلم: الامر الشديد والداهية. والفتنة الصماء هي الّتي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها لأنّ الاصم لا يسمع الاستغاثة ولا يقلع عمّا يفعله، وقيل: هي كالحية الصماء الّتى لا تقبل الرقي (النهاية) وبطانة الرَّجل صاحب سره والّذي يشاوره. ووليجة الرَّجل: دخلاؤه وخاصته

٣٧٠

فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السّماء وأهل الأرض وكلُّ جرَّى وحرَّان، وكل حزين ولهفان.

ثم قالعليه‌السلام : بأبي وأمّي سمِّي جدِّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشبيهي وشبيه موسى بن عمرانعليه‌السلام ، عليه جيوب النور، يتوقَّد من شعاع ضياء القدس(١) يحزن لموته أهل الأرض والسماء، كم من حرَّى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسف حرَّان حزين عند فقدان الماء المعين، كأنّي بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداءً يسمع من بُعد كما يسمع من قرب، يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على الكافرين.

٤ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّاررضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد ابن أحمد، عن محمّد بن مهران(٢) ، عن خاله أحمد بن زكريّا قال: قال لي الرِّضا عليُّ ابن موسىعليهما‌السلام : أين منزلك ببغداد؟ قلت: الكرخ، قال: أما إنَّه أسلم موضع ولابدَّ من فتنة صماء صيلم تسقط فيها كلّ وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي.

٥ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليِّ بن معبد، عن الحسين بن خالد قال: قال عليُّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام : لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، إنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة. فقيل له: يا ابن رسول الله إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا

__________________

(١) في بعض النسخ « سناء ضياء القدس » وقال العلامة المجلسي: المعنى أنَّ جيوب الاشخاص النورانية من كمل المؤمنين والملائكة المقربين وأرواح المرسلين تشتعل للحزن على غيبته وحيرة النّاس فيه وإنّما ذلك لنور ايمانهم الساطع من شموس عوالم القدس - إلى أن قال -: ويحتمل أن يكون « على » تعليلية أي بركة هدايته وفيضه (ع) يسطع من جيوب القابلين أنوار القدس من العلوم والمعارف الربانية.

(٢) في بعض النسخ « محمّد بن حمدان »

٣٧١

فقيل له: يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال الرَّابع من ولدي ابن سيّدة الاماء، يطهّر الله به الأرض من كلِّ جور، ويقدِّسها من كلِّ ظلم، [ وهو ] الّذي يشكُّ النّاس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره(١) ، ووضع ميزان العدل بين النّاس فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الّذي تطوي له الأرض ولا يكون له ظلٌّ، وهو الّذي ينادي مناد من السّماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدُّعاء إليه يقول: ألا إنَّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه، فإنَّ الحقَّ معه وفيه، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: «إن نشأ ننزَّل عليهم من السّماء آية فظلَّت أعناقهم لها خاضعين »(٢) .

٦ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليّ ابن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهرويِّ قال: سمعت دعبل بن عليٍّ الخزاعيِّ يقول: أنشدت مولاي الرِّضا عليَّ بن موسىعليهما‌السلام قصيدتي الّتي أوَّلها:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلمّا انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كلّ حقٍّ وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرِّضاعليه‌السلام بكاء شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: يا خزاعيُّ نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي إلّا إنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملاها عدلاً [ كما ملئت جوراً ].

فقال: يا دعبل الامام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليٌّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدُّنيا إلّا يوم واحد لطول الله عزَّ وجلَّ ذلك اليوم حتّى يخرج فيملا

__________________

(١) في بعض النسخ « بنور ربها ».

(٢) الشعراء: ٤.

٣٧٢

الأرض(١) عدلاً كما ملئت جوراً.

وأمّا « متى » فإخبار عن الوقت، فقد حدّثني أبي، عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذرِّيّتك؟ فقالعليه‌السلام : مثله مثل الساعة الّتي « لا يجليها لوقتها إلّا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتة »(٢) .

و لدعبل بن عليٍّ الخزاعيِّرضي‌الله‌عنه خبر آخر أحببت إيراده على أثر هذا الحديث الّذي مضى.

حدَّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشمرضي‌الله‌عنه ، عن أبيه، عن جده إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهرويِّ قال: دخل دعبل بن عليٍّ الخزاعيُّرضي‌الله‌عنه على أبي الحسن عليّ بن موسى الرِّضاعليهما‌السلام بمرو فقال له: يا ابن رسول الله إنّي قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي(٣) أن لا أنشدها أحداً قبلك، فقالعليه‌السلام هاتها، فأنشدها:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلمّا بلغ إلى قوله:

أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً

وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرِّضاعليه‌السلام وقال: صدقت يا خزاعيُّ فلمّا بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدُّوا إلى واتريهم

أكفّاً عن الاوتار منقبضات

جعل أبو الحسنعليه‌السلام يقلّب كفيه وهو يقول: أجل والله منقبضات، فلمّا بلغ إلى قوله:

           

__________________

(١) في بعض النسخ « فيملاها ».

(٢) الاعراف: ١٧٨. وفي اكثر النسخ « لا يجليها لوقتها إلّا الله عزَّ وجلَّ ثقلت في السموات - الآية » لكن في العيون كما في المتن

(٣) أي حلفت أو نذرت وجعلت على نفسي كذا وكذا.

٣٧٣

لقد خفت في الدُّينا وأيّام سعيها

وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال له الرضاعليه‌السلام : آمنك الله يوم الفزع الاكبر.

فلمّا انتهي إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكيّة

تضمنّه الرّحمن في الغرفات

قال له الرِّضاعليه‌السلام : أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين، بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقالعليه‌السلام :

وقبر بطوس يالها من مصيبة

توقّد في الأحشاء بالحرقات(١)

إلى الحشر حتّى يبعث الله قائما

يفرِّج عنّا الهمَّ والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الّذي بطوس قبر من هو؟ فقال الرضاعليه‌السلام : قبري، ولا تنقضي الأيّام واللّيالي حتّى تصير طوس مختلف شيعتي وزوَّاري في غربتي، إلّا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له.

ثمَّ نهض الرِّضاعليه‌السلام بعد فراغ دعبل من إنشاده القصيدة وأمره أنَّ لا يبرح من موضعه فدخل الدّار فلمّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضويّة، فقال له: يقول لك مولاي: إجعلها في نفقتك، فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شئ يصل إليَّ وردَّ الصرة وسأل ثوباً من ثياب الرِّضاعليه‌السلام ليتبرك به ويتشرف، فأنفذ إليه الرضاعليه‌السلام جبة خز مع الصرة وقال الخادم: قل له: يقول لك [ مولاي ]: خذ هذه الصرَّة فانّك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها، فأخذ دعبل الصرة والجبة وانصرف، وسار من مروفي قافلة، فلمّا بلغ ميان - قوهان(٢) وقع عليهم اللّصوص، وأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها، و

           

__________________

(١) في بعض النسخ « ألحت على الاحشاء بالزفرات ».

(٢) كذا أيضاً في العيون. وفي هامش بعض النسخ: قوهان قرية بقرب نيسابور.

٣٧٤

كان دعبل فيمن كتف، وملك اللصوص القافلة، وجعلوا يقسّمونها بينهم، فقال رجلٌ من القوم متمثّلاً بقول دعبل من قصيدته:

أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً

وأيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال له: لرجل من خزاعة يقال له: دعبل بن عليٍّ، فقال له دعبل: فأنا دعبل بن عليّ قائل هذه القصيدة الّتي منها هذا البيت، فوثب الرَّجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تلٍّ وكان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتّى وقف على دعبل قال له: أنت دعبل؟ فقال: نعم، فقال له: أنشد القصيدة، فأنشدها فحلَّ كتافه وكتاف جميع أهل القافلة(١) ، وردَّ إليهم جميع ما اُخذ منهم لكرامة دعبل وسار دعبل حتّى وصل إلى قمّ فسأله أهل قمّ أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في مسجد الجامع، فلمّا اجتمعوا صعد دعبل المنبر فأنشدهم القصيدة، فوصله النّاس من المال والخلع بشيء كثير، واتّصل بهم خبر الجبة، فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار، فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئاً منها بألف دينار، فأبى عليهم، وسار عن قمّ، فلمّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب فأخذوا الجبّة منه، فرجع دعبل إلى قمّ فسألهم ردَّ الجبّة عليه، فامتنع الاحداث من ذلك، وعصوا المشايخ في أمرها وقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبّة، فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم، فلمّا يئس من ردَّ الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئاً منها فأجابوه إلى ذلك فأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللّصوص قد أخذوا جميع ما كان له في منزله، فباع المائة دينار الّتي كان الرِّضاعليه‌السلام وصله بها من الشيعة كلّ دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فتذكّر قول الرضا

       

__________________

(١) الكتاف حبل يشد به.

٣٧٥

عليه‌السلام : « إنّك ستحتاج إليها »، وكانت له جارية لها من قلبه محلُّ فرمدت رمداً عظيماً فأدخل أهل الطبِّ عليها، فنظروا إليها فقالوا: أمّا العين اليمني فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت، أمّا اليسري فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم، فاغتمَّ دعبل لذلك غمّاً شديداً، وجزع عليها جزعاً عظيماً.

ثمَّ إنَّه ذكر ما معه من فضلة الجبّة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أوَّل اللّيل، فأصبحت وعيناها أصحُّ ممّا كانتا [ وكأنه ليس لها أثر مرض قطُّ ] ببركة [ مولانا ] أبي الحسن الرضاعليه‌السلام (١)

* * *

٧ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم، عن أبيه، عن الرَّيّان بن الصلت قال: قلت للرِّضاعليه‌السلام : أنت صاحب هذا الامر؟ فقال: أنا صاحب هذا الامر ولكنّي لست بالّذي أملاها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وإنَّ القائم هو الّذي إذا خرج كان في سنِّ الشيوخ ومنظر الشبّان، قويّاً في بدنه حتّى لو مدَّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمانعليهما‌السلام . ذاك الرَّابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثمَّ يظهره فيملأ [ به ] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً

__________________

(١) لدعبل وقصيدته هذه حكايات، وقيل: أنَّه كتب هذه القصيدة على ثوب وأحرم فيه وأمر أن يجعل في جملة أكفانه وتوفى سنّة ٢٤٦ بشوش

وقيل: أنَّ ابنه رآه في المنام فسئل عن حاله فذكر أنَّه على سوء حال ومشقة لبعض أفعاله فلقى رسول الله ٩ فقال له: انت دعبل؟ قال: نعم قال: فانشدني ما قلت في أولادي فأنشده قوله:

لا أضحك الله سن الدهران ضحكت

وآل أحمد مظلومون قد قهروا

مشردون نفوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

فقال له: احسنت فشفعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وأعطاء ثيابه، فأمن ونجا.

٣٧٦

٣٦

( باب )

(ما روى عن أبي جعفر الثاني محمّد بن على [ الجواد ] في) *

* (النص على القائم وغيبته، وإنّه الثاني عشر من الائمة) *

* (عليهم‌السلام ) *

١ - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى الدَّقّاق(١) رضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن - هارون الصوفي قال: حدّثنا أبو تراب عبد الله موسى الروياني(٢) قال: حدَّثنا عبد العظيم بن عبد الله بن عليِّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام [ الحسنيُّ ] قال: دخلت على سيّدي محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام وأنا اريدُ أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره فابتدائي فقال لي: يا أبا القاسم أنَّ القائم منا هو المهديُّ الّذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والّذي بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوَّة وخصّنا بالامامة إنَّه لو لم يبق من الدُّنيا إلّا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه فيملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإنَّ الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسىعليه‌السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسولٌ نبيٌّ، ثمّ قالعليه‌السلام : أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.

٢ - حدّثنا محمّد بن أحمد الشيباني(٣) رضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ، عن سهل بن زياد الادميِّ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ قال: قلت لمحمّد بن عليِّ بن موسىعليهم‌السلام : إنّي لارجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد

__________________

(١) في بعض النسخ « عليّ بن أحمد بن محمّد الدقاق »

(٢) تقدَّم ويأتي أنَّه في بعض النسخ « عبيد الله بن موسى »

(٣) في بعض النسخ « محمّد بن أحمد السناني » وكلاهما واحد ظاهراً

٣٧٧

الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقالعليه‌السلام : يا أبا القاسم: ما منّا إلّا وهو قائم بأمر الله عزَّ وجلَّ، وهاد إلى دين الله، ولكنَّ القائم الّذي يطهر الله عزَّ وجلَّ به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الّذي تخفى علي النّاس(١) ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سُمّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيه، وهو الّذي تطوي له الأرض، ويذلُّ له كلُّ صعب [ و ] يجتمع إليه من أصحابه عدَّة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: «أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إنَّ الله على كلّ شيء قدير (٢) » فإذا اجتمعت له هذه العدَّة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزَّ وجلَّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى الله عزَّ وجلَّ.

قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيّدي وكيف يعلم أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرَّحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللّات والعزَّى فأحرقهما.

٣ - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد العبدوس العطّاررضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ قال: حدّثنا حمدان بن سليمان قال: حدّثنا الصقر ابن أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليٍّ الرِّضاعليهما‌السلام يقول: إنَّ الامام بعدي إبني عليٌّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمَّ سكت. فقلت له: يا ابن رسول - الله فمن الامام بعد الحسن؟ فبكيعليه‌السلام بكاء شديداً، ثمَّ قال: أنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله لم سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له: ولم سمي المنتظر؟ قال؟ لأنَّ له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزيء بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون.

__________________

(١) في بعض النسخ « عن النّاس »

(٢) البقرة: ١٤٨

٣٧٨

٣٧

( باب )

* (ما روى عن أبى الحسن عليّ بن محمّد الهادي في النص على) *

* (القائمعليه‌السلام وغيبته، وإنّه الثاني عشر من الائمّةعليهم‌السلام ) *

١ - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى الدّقّاق(١) ، وعليُّ بن عبد الله الورّاق رضى الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفيُّ قال: حدّثنا أبو تراب عبد الله بن موسى الرُّويانيُّ،(٢) عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ قال: دخلت عليّ سيّدي عليَّ بن محمّدعليهما‌السلام فلمّا بصربي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّاً قال: فقلت له: يا ابن رسول الله إنّي اريد أنَّ أعرض عليك ديني فإن كان مرضيّاً ثبّت عليه حتّى ألقي الله عزَّ وجلَّ فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إنّي أقول: أنَّ الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء، خارج عن الحدَّين حدَّ الابطال وحدَّ التشبيه، وإنّه ليس بجسم ولا صورة، ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام، ومصوِّر الصور، وخالق الاعراض والجواهر، وربُّ كلِّ شيء ومالكه وجاعله ومحدِّثه، وإنَّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبيَّ بعده إلي يوم القيامة، وإنَّ شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة(٣) .

وأقول: إنَّ الامام والخليفة ووليَّ الامر بعده أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ جعفر بن محمّد،

__________________

(١) في بعض النسخ « عليّ بن أحمد بن محمّد الدقاق ».

(٢) تقدَّم الكلام فيه، وفى بعض النسخ وفى التوحيد « عبيد الله بن موسى ».

(٣) كذا في جميع النسخ ولكن رواه المصنف في التوحيد ص ٨١ وليس فيه قوله: وان شريعته - إلى قوله: - يوم القيامة ».

٣٧٩

ثم موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ أنت يا مولاي. فقالعليه‌السلام : ومن بعدي الحسن ابني فكيف للنّاس بالخلف من بعده؟ قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنّه لا يرى شخصه ولا يحلُّ ذكره باسمه حتّى يخرج فيملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، قال: فقلت: أقررتُ وأقول: إنَّ وليهم ولي الله، وعدوَّهم عدوُّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله. وأقول: إنَّ المعراج حق، والمسألة في القبر حق، وإن الجنّة حقٌّ، والنار حق، والصراط حقٌّ، والميزان حقٌّ، « وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله يبعث من في القبور » وأقول: إنَّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة والزَّكاة والصوم والحجِّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقال عليُّ بن محمّدعليهما‌السلام : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الّذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدُّنيا و [ في ] الاخرة.

٢ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن محمّد ابن عمر الكاتب، عن عليِّ بن محمّد الصيمريُّ، عن عليِّ بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكرعليه‌السلام أسأله عن الفرج، فكتب إلىَّ: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج

٣ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثني إبراهيم ابن مهزيار، عن أخيه، عليّ بن مهزيار، عن عليِّ بن محمّد بن زياد(١) قال: كتبت إلى

__________________

(١) هذا الخبر والذى قبله متحد إلّا أنَّ في السابق عليّ بن محمّد الصيمري عن عليّ بن مهزيار وفى هذا الخبر عليّ بن مهزيار عن عليّ بن محمّد ولعل أحدهما نسخة بدل عن الاخر فتوهم الكتاب وجعلوه على زعمهم خبرين. وقيل: المراد هنا عليّ بن محمّد التستري الّذي عنونة العلامة في الايضاح وهو غير عليّ بن محمّد الصيمري الّذي في الخبر السابق انتهى.

ثم اعلم أنَّ عليّ بن محمّد بن زياد الصيمري هو صهر جعفر بن محمود الوزير عليّ ابنة أم أحمد وكان رجلاً من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدماً في الكتابة والادب والعلم والمعرفة كما في اثبات الوصية ص ٢٤٠طبع النجف والظامر أنَّ الكاتب هو دون عليّ بن مهزيار والله اعلم.

٣٨٠

أبي الحسن صاحب العسكرعليه‌السلام أسأله عن الفرج، فكتب إليَّ: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج

٤ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد ابن عبد الله بن أبي غانم القزوينيُّ قال: حدّثني إبراهيم بن محمّد بن فارس قال: كنت أنا [ ونوح ] وأيوب بن نوح في طريق مكّة فنزلنا على وادي زبالة فجلسنا نتحدَّث فجرى ذكر ما نحن فيه وبعد الامر علينا فقال أيّوب بن نوح: كتبت في هذه السنة أذكر شيئاً من هذا، فكتب إليَّ: إذا رفع علمكم(١) من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم(٢) .

٥ - حدّثنا محمّد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد العلويُّ، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفريِّ قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكرعليه‌السلام يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: لانكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجّة من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله

____________

(١) « علمكم » اما بالتحريك أي من يعلم به سبيل الحق، أو بالكسر يعني صاحب علمكم.

(٢) قال العلامة المجلسيرحمه‌الله : « توقع الفرج من تحت الاقدام كناية عن قربه وتيسر حصوله، فإنَّ من كانت قدماه على شيء فهو أقرب الاشياء به ويأخذه إذا رفعهما، فعلى الاولين المعنى أنَّه لابدّ أن تكونوا في تلك الازمان متوقعين للفرج كذلك غير آيسين منه. ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ظهور الامام أي يحصل لكم فرج اما بالموت والوصول إلى رحمة الله، أو ظهور الامام، أو رفع شر الاعادي بفضل الله. وعلى الوجه الثالث الكلام محمول على ظاهره فانه إذا تمت جهالة الخلق وضلالتهم لابدّ من ظهور الامامعليه‌السلام كما دلت الأخبار وعادة الله في الامم الماضية عليه ».

٣٨١

قال: حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب، عن إسحاق بن محمّد بن أيّوب قال: سمعت أبا الحسن عليَّ بن محمّد [ بن عليِّ بن موسى ]عليهم‌السلام يقول: صاحب هذا الامر من يقول النّاس: لم يولد بعد(١) .

٧ - وحدّثنا بهذا الحديث محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن محمّد بن معقل، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن إسحاق بن محمّد بن أيّوب، عن أبي الحسن عليِّ بن محمّدعليهما‌السلام أنَّه قال: صاحب هذا الامر من يقول النّاس: إنَّه لم يولد بعد.

٨ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفررضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عليِّ بن صدقة، عن عليِّ بن عبد الغفّار قال: لمّا مات أبو جعفر الثانيعليه‌السلام كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكرعليه‌السلام يسألونه عن الامر، فكتبعليه‌السلام : الامر لي ما دمت حيّاً، فإذا نزلت بي مقادير الله عزَّ وجلَّ آتاكم الله الخلف منّي وأنّى لكم بالخلف بعد الخلف.

٩ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن - إبراهيم قال: حدّثني عبد الله بن أحمد الموصليُّ، عن الصقر بن أبي دلف قال: لمّا حمل المتوكّل سيّدنا أبي الحسنعليه‌السلام جئت لاسأل عن خبره قال: فنظر إليَّ حاجب المتوكّل(٢) فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خير أيّها الاستاذ فقال: اقعد، قال الصقر: فأخذني ما تقدَّم وما تأخّر(٣) وقلت: أخطأت في المجييء قال:

__________________

(١) تقدَّم الخبر في باب ما روى عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ص ٣٦٠.

(٢) في معاني الأخبار « فنظر إلى الرازقي وكان حاجباً للمتوكل واومأ إلى أن ادخل ».

(٣) كذا في جميع النسخ المخطوطة عندي وفي الخصال والمعاني أيضاً وفي المطبوع « فأخذ فيما تقدَّم وما تأخر ». وعليه فالمعنى اما أخذ بالسؤال عمّا تقدَّم وعما تأخر من الأُمور المختلفة لاستعلام حالي وسبب مجيئي، فلذا ندم على الذهاب إليه لئلّا يطلع على حاله ومذهبه، أو الموصول فاعل « أخذني » بتقدير أي اخذني التفكر فيما تقدَّم من الأُمور من ظنه التشبع بي وفيما تأخر ممّا يترتب على مجيئي من المفاسد (البحار)،

٣٨٢

فوحى النّاس عنه(١) ، ثمّ قال: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخبر مّا، قال: لعلّك جئت تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين، فقال اسكت مولاك هو الحقُّ لا تتحشمني فإنّي على مذهبك، فقلت: الحمد لله، فقال أتحبُّ أن تراه؟ فقلت: نعم، فقال: اجلس حتّى يخرج صاحب البريد، قال: فجلست فلمّا خرج قال: لغلام له: خذ بيد الصقر فأدخله إلى الحجرة الّتي فيها العلويُّ المحبوس وخلَّ بينه وبينه، قال: فأدخلني الحجرة وأومأ إلى بيت، فدخلت فإذا هوعليه‌السلام جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور، قال: فسلّمت فردَّ [ عليَّ السلام ] ثمّ أمرني بالجلوس فجلست، ثمّ قال لي: يا صقر ما أتى بك؟ قلت: يا سيدي جئت أتعرف خبرك قال ثمّ نظرت إلى القبر وبكيت، فنظر إليَّ وقال: يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء فقلت: الحمد لله ثمّ قلت: يا سيّدي حديث يروي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أعرف معناه، قال: فما هو؟ قلت: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تعادوا الأيّام فتعاديكم » ما معناه؟

فقال: نعم الأيّام نحن، بنا قامت السماوات والأرض، فالسبت: اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلثاء عليُّ بن الحسين ومحمّد بن عليٍّ الباقر وجعفر بن محمّد [ الصادق ]، والاربعاء موسى بن جعفر وعليُّ بن موسى ومحمّد بن عليٍّ وأنا، والخميس ابني الحسن، والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق، وهو الّذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فهذا معنى الأيّام ولا تعادوهم في الدُّنيا فيعادوكم في الاخرة، ثمّ قالعليه‌السلام : ودع واخرج فلا آمن عليك(٢) .

١٠ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد الموصلي قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت عليَّ بن محمّد بن عليٍّ الرِّضاعليهم‌السلام يقول: إنَّ الامام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

__________________

(١) أي أشار إليهم أن يبعدوا عنه، أو على بناء التفعيل أي أعجلهم في الذهاب. وفي المعاني « فأوجئ النّاس عنه » بصيغة المجهول وأوجأ فلاناً عنه أي دفعه ونحاه.

(٢) في الخصال في ذيل الخبر بيان للمصنف وقال: الأيّام ليست بالائمة ولكن كنيعليه‌السلام بها عن الائمّة لئلّا يدرك معناه غير اهل الحق ثمّ ذكر لكلامه شاهدا من آيات القرآن.

٣٨٣

٣٨

( باب )

* (ما روى عن أبي محمّد الحسن بن على العسكريعليهما‌السلام ) *

* (من وقوع الغيبة بابنه القائمعليه‌السلام وإنّه الثاني) *

* (عشر من الائمّةعليهم‌السلام ) *

١ - حدّثنا عليّ بن عبد الله الورّاق قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن إسحاق بن سعد الاشعريّ قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف [ من ] بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخلِّ الأرض منذ خلق آدمعليه‌السلام ولا يخلّيها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزِّل الغيث، وبه يخرج بركات الارض.

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الامام والخليفة بعدك؟ فنهضعليه‌السلام مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلامٌ كان وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله عزَّ وجلَّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سُمّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنّيه، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الاُمّة مثل الخضرعليه‌السلام ، ومثلَه مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّا من ثبته الله عزَّ وجلَّ على القول بإمامته وفّقه [ فيها ] للدُّعاء بتعجيل فرجه.

فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئنُّ إليها قلبي؟ فنطق الغلامعليه‌السلام بلسان عربيٍّ فصيح فقال: أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق.

فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمّا كان من الغد عدت إليه

٣٨٤

فقلت له: يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت [ به ] عليَّ فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد، قلت: يا ابن رسول الله وإنَّ غيبته لتطول؟ قال: إي وربّي حتّى يرجع عن هذا الامر أكثر القائلين به ولا يبقى إلّا من أخذ الله عزَّ وجلَّ عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الايمان وأيّده بروح منه.

يا أحمد بن إسحاق: هذا أمر من أمر الله، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في علّييّن.

قال مصنف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : لم أسمع بهذا الحديث إلّا من عليِّ بن عبد الله الورَّاق وجدت بخطّه مثبتاً فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن إسحاقرضي‌الله‌عنه كما ذكرته(١) .

* (ما روى من حديث الخضرعليه‌السلام (٢) ) *

١ - حدّثني محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى البصريُّ قال: حدّثنا محمّد بن عطية قال: حدّثنا هشام ابن جعفر، عن حمّاد، عن عبد الله بن سليمان(٣) قال: قرأت في بعض كتب الله عزَّ وجلَّ أنَّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله حجّة على عباده ولم يجعله نبيّاً، فمكّن الله له في الأرض وآتاه من كلِّ شيء سبباً، فوصفت له عين الحياة وقيل له: من شرب منها لم يمت حتّى يسمع الصيحة وإنّه خرج في طلبها حتّى انتهى إلى موضع فيه ثلاثمائة وستّون عيناً و

__________________

(١) راجع تتمة احاديث هذا الباب فيما سيأتي ص ٤٠٧ عند قول المصنف: « رجعنا إلى ذكر ما روى عن أبي الحسن بن عليّ العسكري (ع).

(٢) ذكر المصنف هذا الفصل والّذي بعده استطرداداً بين باب أخبار أبي محمّد العسكريعليه‌السلام ولذا جعلناه ممتازاً عن أخبار الباب.

(٣) عبد الله بن سليمان مشترك بين خمسة ولم يوثق أحد منهم والخبر - كما ترى - مقطوع أي غير مروي عن المعصومعليه‌السلام .

٣٨٥

كان الخضر على مقدَّمته(١) ، وكان من أحبّ النّاس إليه فأعطاه حوتاً مالحاً، وأعطى كلّ واحد من أصحابه حوتاً مالحاً، وقال لهم: ليغسل كلُّ رجل منكم حوته عند كلِّ عين، فانطلق الخضرعليه‌السلام إلى عين من تلك العيون فلمّا غمس الحوت في الماء حيي وانساب في الماء، فلمّا رأى الخضرعليه‌السلام ذلك علم أنَّه قد ظفر بماء الحياة فرمى بثيابه وسقط في الماء فجعل يرتمس فيه ويشرب منه فرجع كلُّ واحد منهم إلى ذي القرنين ومعه حوته، ورجع الخضر وليس معه الحوت فسأله عن قصّته فأخبره فقال له: أشربت من ذلك الماء؟ قال: نعم، قال: أنت صاحبها وأنت الّذي خلقت لهذا العين فأبشر بطول البقاء في هذه الدُّنيا مع الغيبة عن الابصار إلى النفخ في الصور.

٢ - حدَّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أبي عبد الله البرقيِّ قال: حدّثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمزة بن حمران وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: خرج أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الباقرعليهما‌السلام (٢) بالمدينة فتضجّر واتّكأ على جدار

__________________

(١) يعنى على مقدمة عسكر ذي القرنين وهو غريب لأنّ الخضر إذا كان معاصراً لموسىعليه‌السلام فكان على التقريب ١٥٠٠ عام قبل الميلاد، وذو القرنين سواء كان اسكندر أو كورش كان بعد موسىعليه‌السلام بقرون كثيرة، فإنَّ اسكندر في عام ٣٣٠ قبل الميلاد وكورش ٥٥٠ قبل الميلاد فلعل المراد بذى القرنين رجل آخر غيرهما هذا، وقد نقل ابن قتيبة في معارفه عن وهب بن منبه قال: « ذو القرنين هو رجل من الاسكندرية اسمه الاسكندروس وكان حلم حلماً رأى فيه أنَّه دنا من الشمس حتّى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها، فقص رؤياه على قومه، فسموه ذا القرنين وكان في الفترة بعد عيسىعليه‌السلام ». انتهى. وعلى أي حال تاريخ ذى القرنين والخضر في غاية تشويه والوهم والاضطراب ونحن لا نقول في حقهما إلّا ما قاله القرآن أو ما وافقه من الأخبار ونترك الزوائد لاهلها.

(٢) وهم الراوي، وإنّما هو عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فاشتبه عليه كما قال

٣٨٦

من جدرانها متفكّراً إذ أقبل إليه رجل فقال له، يا أبا جعفر على م حزنك؟ على الدُّنيا فرزق [ الله عزَّ وجلَّ ] حاضر يشترك فيه البرُّ والفاجر: أم على الاخرة فوعد صادق يحكم فيه ملك قادر، قال، أبو جعفرعليه‌السلام : ما على هذا حزني إنّما حزني على فتنة ابن الزُّبير، فقال له الرَّجل: فهل رأيت أحداً خاف الله فلم ينجه، أم هل رأيت أحداً توكل على الله فلم يكفه؟ وهل رأيت أحداً استجار الله فلم يجره(١) ؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : لا، فولّى الرَّجل، فقيل: من هو ذاك؟ فقال أبو جعفر: هذا هو الخضرعليه‌السلام .

قال مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : جاء هذا الحديث هكذا، وقد روى في خبر آخر أنَّ ذلك كان مع عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام .

٣ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثني سعد بن عبد الله؛ و

__________________

المصنفرحمه‌الله . وذلك لأنّه كانت فتنة ابن الزبير في سنّة ثلاث وستين وهو بمكة وأخرج أهل المدينة عامل يزيد « عثمان بن محمّد بن أبي سفيان » ومروان بن الحكم وسائر بني أمية من المدينة باشارة ابن الزبير وهو بمكة فوجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة في جيش عظيم لقتال ابن الزبير، فسار بهم حتّى نزل المدينة فقاتل أهلها وهزمهم وأباحها ثلاثة أيّام - وهي وقعة الحرة المعروفة - ثمّ سار مسلم بن عقبة إلى مكة قاصداً قتال عبد الله بن الزبير فتوفى بالطريق ولم يصل، فدفن بقديد وولى الجيش الحصين بن نمير السكوني، فمضى بالجيش وحاصروا عبد الله بن الزبير وأحرقت الكعبة حتّى انهدم جدارها وسقط سقفها وأتاهم الخبر بموت يزيد فانكفئوا راجعين إلى الشام. وبويع ابن الزبير على الخلافة سنّة خمس وستين وبني الكعبة وبايعة أهل البصرة والكوفة وقتل في أيّام الحجاج سنّة ٧٣.

هذا، ثمّ اعلم أنَّ أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام في أيّام ابن الزبير ابن ست عشرة سنّة، وفي وقعة الحرة ابن سبع أو ثمان سنين. فكيف يلائم هذا مع ما في المتن. بل كان ذلك مع عليّ بن الحسين عليهما السلام لأنّ فتنة ابن الزبير وخروجه وهدم البيت وبناءه الكعبة وقتله كلّها في أيّام السجاد عليه السلام.

(١) في بعض النسخ « استخار الله فلم يخره ».

٣٨٧

عبد الله بن جعفر الحميريّ قالا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد ابن خالد البرقيُّ، عن أحمد بن زيد النيسابوريِّ قال: حدّثني عمر بن - إبراهيم الهاشمي، عن عبد الملك بن عمير، عن أسيد بن صفوان صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لمّا كان اليوم الّذي قبض فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام إرتجَّ الموضع بالبكاء(١) ، ودهش النّاس كيوم قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء رجل باك وهو مسرع(٢) مسترجعٌ، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوَّة، حتّى وقف على باب البيت الّذي فيه أمير المؤمنين فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيمانا، وأشدَّهم يقيناً، وأخوفهم من الله عزَّ وجلَّ، وأعظمهم عناء(٣) ، وأحوطهم على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله، وأشبههم به هدياً ونطقاً وسمتاً وفعلاً(٤) ، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن المسلمين خيراً، قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ همَّ أصحابه، كنت خليفته حقّاً لم تنازع ولم تضرع(٥) برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وضغن الفاسقين.

فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتّعوا(٦) ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، ولو اتّبعوك لهدوا، وكنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم

__________________

(١) ارتج أي اضطرب.

(٢) في بعض النسخ « متضرع ».

(٣) في بعض النسخ « أعظمهم غنى ». و « أحوطهم » أي أشدهم حياطة وحفظا وصيانة وتعهدا.

(٤) الهدى: الطريقة والسيرة. والسمت: هيئة أهل الخير. وفي نسخة « خلفا » مكان « نطقا »

(٥) أي تذل في بعض النسخ « تصرع » بالصاد المهملة.

(٦) التعتعة: التردد في الكلام من حصر أوعى.

٣٨٨

قوّتاً(١) وأقلهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً، وأكبرهم رأياً، وأشجعهم قلباً، وأشدَّهم يقيناً، وأحسنهم عملاً، وأعرفهم بالامور.

كنت والله للدِّين يعسوباً [ أوّلا حين تفرَّق النّاس وآخراً حين فشلوا ] وكنت بالمؤمنين أبا رحيماً، إذ صاروا عليك عيالاً، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمّرت إذ خنعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت إذ تخلّفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا.

كنت على الكافرين عذاباً صباً، وللمؤمنين غيثاً وخصباً، فطرت والله بنعمائها، وفزت بحبائها، وأحرزت سوابقها(٢) وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجّتك(٣) ، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك [ ولم تخن(٤) ].

كنت كالجبل [ الّذي ] لا تحرِّكه العواصف، ولا تزيله القواصف. وكنت كما قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ضعيفاً في بدنك، قويّاً في أمر الله عزَّ وجلَّ متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله عزَّ وجلَّ، كبيراً في الأرض، جليلاً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لأحد فيك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة(٥) ، الضعيف الذَّليل عندك قويٌّ عزيز

__________________

(١) في الكافي « أعلاهم قنوتا » وفي بعض نسخه « قدما ».

(٢) في هامش بعض النسخ الجديدة « سوابغها ». والظاهر هو الصواب بقرينة النعماء والحباء. ولكن « بنعمائها » في بعض النسخ « بعنانها » و « حبائها » في بعض النسخ « بجنانها ».

(٣) في بعض النسخ « لم يفلل حدك ».

(٤) في بعض نسخ الكافي « لم تخر » من الخرور وهو السقوط.

(٥) المهمز: العيب والوقيعة والمغمز: المطعن والعيب أيضاً والهوادة: اللين والرفق والرخصة والمحاباة أي لا تأخذك عند وجوب حد الله على أحد محاباة ورفق.

٣٨٩

حتى تأخذ له بحقّة، والقويُّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتّى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحقُّ والصدق والرفق وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت(١) ، وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران(٢) واعتدل بك الدِّين، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وقوي بك الايمان، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً فجللت عن البكاء، وعظمت رزيّتك في السّماء، وهدَّت مصيبتك الانام فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. رضينا من الله عزَّ وجلَّ قضاه، وسلّمنا لله أمره، فو الله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً.

كنت للمؤمنين كهفاً وحصناً [ وقنة راسياً ] وعلى الكافرين غلظة وغيظاً، فألحقك الله بنبيّه ولا حرمنا أجرك ولا أضلّنا بعدك. وسكت القوم حتّى انقضى كلامه وبكى وأبكى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمَّ طلبوه فلم يصادفوه.

٤ - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ العمريُّ السمرقنديُّرضي‌الله‌عنه قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال قال: سمعت؟ أبا الحسن عليّ بن موسى الرِّضاعليهما‌السلام يقول: أنَّ الخضرعليه‌السلام شرب من ماء الحياة فهو حىٌّ لا يموت حتّى ينفخ في الصور، وأنّه ليأتينا(٣) فيسلّم فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه، وإنّه ليحضر الموسم كلَّ سنّة فيقضي جميع

__________________

(١) كذا في بعض النسخ وفي الكافي أيضاً لكن في أكثر النسخ « وعزم فأقلعت ».

(٢) في بعض النسخ « وأطفئت بك النّار ».

(٣) في بعض النسخ « ليلقانا ».

٣٩٠

المناسك، ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته.

٥ - وبهذا الاسناد قال: قال أبو الحسن عليُّ بن موسى الرِّضاعليهما‌السلام لمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء الخضرعليه‌السلام فوقف على باب البيت وفيه عليٌّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سجيّ بثوبه فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد « كلُّ نفس ذائقة الموت وإنّما توفون أجوركم يوم القيمة »، إنَّ في الله خلفاً من كلِّ هالك، وعزاءً من كلِّ مصيبة، ودركاً من كلّ فائت، فتوكّلوا عليه، وثقوا به، واستغفر الله لي ولكم فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا أخي الخضرعليه‌السلام جاء يعزِّيكم بنبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرضي‌الله‌عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرِّضاعليهما‌السلام قال: لمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاهم آت فوقف على باب البيت فعزّاهم به، وأهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه فقال عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام : هذا هو الخضرعليه‌السلام أتاكم يعزِّيكم بنبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان اسم الخضر(١) خضرويه بن قابيل بن آدمعليه‌السلام ، ويقال له: خضرون أيضاً ويقال له: جعدا، وإنّه إنّما سمّي الخضر لأنّه جلس على أرض بيضاء فاهتزَّت خضراء فسمي الخضر لذلك وهو أطول الادمييّن عمراً، والصحيح أنَّ اسمه بليا(٢) بن ملكان بن عامر بن أرفخشذ بن سام بن

__________________

(١) من كلام المصنف (ره).

(٢) في معافي الأخبار « تاليا ».

٣٩١

نوح(١) . وقد أخرجت الخبر في ذلك مسنداً في كتاب « علل الشرائع والاحكام والاسباب ».

٧ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبو أحمد عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عيسى قال: حدّثنا عليُّ بن سعيد بن بشير قال: حدّثنا ابن كاسب قال: حدّثنا عبد الله بن ميمون المكّي قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليِّ بن الحسينعليهم‌السلام - في حديث طويل - يقول في آخره: لمّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجاءت التعزية جاءهم آت يسمعون حسِّه(٢) ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته « كلُّ نفس ذائقة الموت وإنّما توفّون اجوركم يوم القيمة » إنَّ في الله عزاء من كلِّ مصيبة، وخلفاً من كلِّ هالك، ودركاً من كلِّ فائت فبالله فثقوا، وإيّاه فارجوا، فإنَّ المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام : هل تدرون من هذا؟ [ قالوا: لا، قال: ] هذا هو الخضرعليه‌السلام .

قال مصنف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : إنَّ أكثر المخالفين يسلمون لنا حديث الخضرعليه‌السلام ويعتقدون فيه أنَّه حي غائب عن الابصار، وأنّه حيث ذكر حضر، ولا ينكرون طول حياته، ولا يحملون حديثه على عقولهم ويدفعون كون القائمعليه‌السلام وطول حياته في غيبته، وعندهم أنَّ قدرة الله عزَّ وجلَّ تتناول إبقاءه إلى يوم النفخ في الصور، وإبقاء إبليس مع لعنته إلى يوم الوقت المعلوم في غيبته، وأنّها لا تتناول إبقاء حجّة الله على عباده مدَّة طويلة في غيبته مع ورود الأخبار الصحيحة بالنص عليه بعينه

__________________

(١) كذا، وفي المعارف لابن قتيبة « بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح ».

(٢) يعني صوته وفي بعض النسخ « صوته ».

(٣) في بعض النسخ « بغيبته »

٣٩٢

واسمه ونسبه عن الله تبارك وتعالى وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الائمّةعليهم‌السلام .

* (ما روى من حديث ذى القرنين) *

١ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن النعمان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنَّ ذا القرنين لم يكن نبيّاً ولكنه كان عبداً صالحاً أحبَّ الله فأحبّه الله وناصح لله فنا صحه الله، أمر قومه بتقوي الله فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً، ثمّ رجع إليهم فضربوه على قرنه الاخر، وفيكم من هو على سنّته.

٢ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسن البزاز قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب بن يوسف قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار العطارديُّ قال: حدّثنا يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق بن يسار المدنيِّ(١) ، عن عمرو ابن ثابت، عن سماك بن حارث، عن رجل من بني أسد قال: سأل رجل عليّاًعليه‌السلام : أرأيت ذا القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب؟ قال: سخر الله له السحاب، ومدَّ له في الاسباب، وبسط له النور، فكان اللّيل والنّهار عليه سواء.

٣ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّاررضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اورمة قال: حدّثني القاسم بن عروة، عن يزيد الارجنيِّ(٢) ، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ ابن نباتة قال: قام ابن الكوَّا إلي أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهو على المنبر فقال له: يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين أنبيٌّ كان أو ملك؟ وأخبرني عن قرنيه أذهب كان أو فضّة؟ فقال لهعليه‌السلام : لم

__________________

(١) محمّد بن اسحاق هو صاحب السيرة وجدّه كما في تهذيب التهذيب « يسار » ولكن ضبط في هامش السيرة لابن هشام « بشار »

(٢) يزيد بن قيس كان عامله على الري وهمدان.

٣٩٣

يكن نبيّاً ولا ملكاً ولا كان قرناه من ذهب ولا فضّة ولكنّه كان عبداً أحبّ الله فأحبّه الله، ونصح لله فنصحه الله، وإنّما سمّي ذا القرنين لأنّه دعا قومه فضربوه على قرنه فغاب عنهم حيناً، ثمَّ عاد إليهم فضرب على قرنه الاخر وفيكم مثله.

٤ - حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثني محمّد بن نصير قال: حدّثنا محمّد بن عيسى [ عن حمّاد بن عيسى ] عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيِّ، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنَّ ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عزَّ وجلَّ حجّة على عباده فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً حتّى قيل: مات أو هلك بأيِّ وادسلك، ثمّ ظهر ورجع إلي قومه فضربوه على قرنه الاخر، وفيكم من هو على سنّته، وانَّ الله عزَّ وجلَّ مكن لذي القرنين في الأرض، وجعل له من كلِّ شيء(١) سبباً، وبلغ المغرب والمشرق، وإنَّ الله تبارك وتعالى سيجري سنّته في القائم من ولدي فيبلّغه شرق الأرض وغربها حتي لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلّا وطئه، ويظهر الله عزَّ وجلَّ له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرُّعب، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

وممّا روي من سياق حديث ذي القرنين.

٥ - حدّثنا به محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى بن سعيد البصريّ قال: حدّثنا محمّد بن عطيّة قال: حدّثنا عبد الله بن عمر [ و ] بن سعيد البصريُّ قال: حدّثنا هشام بن جعفر

__________________

(١) في بعض النسخ « وآتاه من كلّ شيء ».

٣٩٤

ابن حمّاد، عن عبد الله بن سليمان وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في بعض كتب الله عزَّ وجلَّ إنَّ ذا القرنين كان رجلاً من أهل الاسكندريّة وأمه عجوز من عجائزهم وليس لها ولدٌ غيره يقال له: إسكندروس، وكان له أدب وخلق وعفّة من وقت ما كان غلاماً إلى أن بلغ رجلاً، وكان [ قد ] رأى في المنام كأنّه دنا من الشمس حتّى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها فلمّا قصَّ رؤياه على قومه سمّوه ذا القرنين، فلمّا رأى هذه الرُّؤيا بعدت همّته وعلا صوته وعزَّ في قومه.

وكان أول ما اجتمع عليه أمره أن قال: أسلمت لله عزَّ وجلَّ، ثمّ دعا قومه إلى الاسلام فأسلموا هيبة له، ثمّ أمرهم أن يبنوا له مسجداً فأجابوه إلى ذلك فأمر أن يجعلوا طوله أربعمائة ذراع، وعرضه مائتي ذراع، وعرض حائطه اثنين وعشرين ذراعاً، وعلوَّه إلى السّماء مائة ذراع، فقالوا له: يا ذا القرنين كيف لك بخشب يبلغ ما بين الحائطين؟ فقال لهم: إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاكبسوه بالتراب حتّى يستوي الكبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم من ذلك فرضتم على كلِّ رجل من المؤمنين على قدره(١) من الذهب والفضّة، ثمَّ قطعتموه مثل قلامة الظفر وخلطتموه مع ذلك الكبس وعملتم له خشباً من نحاس وصفائح من نحاس تذيبون ذلك وأنتم متمكّنون من العمل كيف شئتم على أرض مستوية، فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب، فيسارعون فيه من أجل ما فيه من الذَّهب والفضّة.

فبنوا المسجد وأخرج المساكين ذلك التراب وقد استقلَّ السقف بما فيه واستغنى، فجندهم أربعة أجناد في كلِّ جند عشرة آلاف، ثمّ نشرهم في البلاد، وحدث نفسه بالمسير، واجتمع إليه قومه فقالوا له: يا ذا القرنين ننشدك بالله ألّا تؤثر علينا بنفسك غيرنا، فنحن أحق برؤيتك وفينا كان

__________________

(١) أي على قدر حاله.

٣٩٥

مسقط رأسك، وبيننا نشأت وربيت، وهذه أموالنا وأنفسنا فأنت الحاكم فيها، وهذه أمّك عجوز كبيرة وهي أعظم خلق الله عليك حقّاً، فليس ينبغي لك أن تعصيها وتخالفها، فقال لهم: والله إنَّ القول لقولكم وإن الرأي لرأيكم ولكنني بمنزلة المأخوذ بقلبه وسمعه وبصره، يقاد ويدفع من خلفه، لا يدري اين يؤخذ به وما يراد به ولكن هلمّوا يا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد وأسلموا عن آخركم ولا تخالفوا عليَّ فتهلكوا.

ثمَّ دعا دهقان(١) الاسكندريّة فقال له: اعمر مسجدي وعزَّ عنّي أمّي، فلمّا رأى الدِّهقان جزع أمّه وطول بكائها احتال لها ليعزِّيها بما أصاب النّاس قبلها وبعدها من المصائب والبلاء، فصنع عيداً عظيماً ثمّ أذَّن مؤذِّنه يا أيّها النّاس إنَّ الدِّهقان يؤذنكم لتحضروا يوم كذا وكذا، فلمّا كان ذلك اليوم أذن مؤذنه اسرعوا واحذروا أن يحضر هذا العيد إلّا رجل قد عرىٌّ من البلايا والمصائب، فاحتبس النّاس كلّهم وقالوا: ليس فينا أحد عري من البلاء ما منّا أحد إلّا وقد أصيب ببلاء أو بموت حميم، فسمعت أمُّ ذي القرنين هذا فأعجبها ولم تدر ما يريد الدِّهقان، ثمّ أنَّ الدهقان بعث مناديا ينادي فقال: يا أيّها النّاس إنَّ الدهقان قد أمركم أن تحضروه يوم كذا وكذا ولا يحضره إلّا رجل قد ابتلي وأصيب وفجع ولا يحضره أحد عرى من البلاء فإنّه لا خير فيمن لا يصيبه البلاء، فلمّا فعل ذلك، قال النّاس: هذا رجل قد كان بخل ثمَّ ندم فاستحيا فتدارك أمره ومحا عيبه، فلمّا اجتمع النّاس خطبهم:

فقال: يا أيّها النّاس إنّي لم أجمعكم لمّا دعوتكم له ولكنّي جمعتكم لاكلّمكم في ذي القرنين وفيما فجعنا به من فقده وفراقه فاذكروا آدم

__________________

(١) الدهقان: رئيس القرية ومقدم أصحاب الزراعة.

٣٩٦

عليه‌السلام فإنَّ الله عزَّ وجلَّ خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، وأكرمه بكرامة لم يكرم بها أحداً ثمَّ ابتلاه بأعظم بليّة كانت في الدُّنيا وذلك الخروج من الجنّة وهي المصيبة الّتي لا جبر لها، ثمّ ابتلى إبراهيمعليه‌السلام من بعده بالحريق وابتلى ابنه بالذبح، ويعقوب بالحزن والبكاء، ويوسف بالرق، وأيوب بالسقم، ويحيى بالذِّبح، وزكريا بالقتل، وعيسى بالاسر(١) وخلقاً من خلق الله كثيراً لا يحصيهم إلّا الله عزوجل.

فلمّا فرغ من هذا الكلام قال لهم: انطلقوا فعزّوا أمَّ الاسكندروس لننظر كيف صبرها فإنّها أعظم مصيبة في ابنها، فلمّا دخلوا عليها قالوا لها: هل حضرت الجمع اليوم وسمعت الكلام؟ قالت لهم: ما خفي عنّي من أمركم شيء ولا سقط عنّي من كلامكم شيء، وما كان فيكم أحدٌ أعظم مصيبة باسكندروس منّي، ولقد صبرني الله تعالى وأرضاني وربط على قلبي، وإنّي لارجو أن يكون أجري على قدر ذلك، وأرجو لكم من الاجر بقدر ما رزيتم من فقد أخيكم وأن تؤجروا على قدر ما نويتم في أمّه وأرجو أن يغفر الله لي ولكم ويرحمني وإياكم، فلمّا رأوا حسن عزائها وصبرها انصرفوا عنها وتركوها، وانطلق ذو القرنين يسير على وجهه

__________________

(١) إن قلت: أنَّ ذا القرنين كان قبل ميلاد عيسىعليه‌السلام بقرون فكيف يصح ذلك القول؟ وقلت أن قلنا أنَّه بعد الميلاد فكيف يلائم قوله في آخر الخبر « وكان عدة ما سار في البلاد من يوم بعثه الله عزَّ وجلَّ إلى يوم قبضه الله خمسمائة عام ».

قلنا: الامر في أمثال هذه القصص الغير المنقولة عن المعصوم سهل. وأوردها المصنف رحمه‌الله طرداً للباب نظير الذيول الّتي تداول في عصرنا في جميع المؤلفات من المؤلفين ولعل المصنف رحمه‌الله أوردها لاجل المواعظ البالغة الّتى ذكر في آخرها ولكن اعلم أنَّه (ره) لم يحتج بامثال هذه القصص وجلت ساحته عن الاحتجاج بها، ثمّ راجع في تحقيق ذي القرنين بحار الانوار ج ١٢ ص ٢٠٨ إلى ٢١٥ من الطبع الحروفي.

٣٩٧

حتى أمعن في البلاد يؤمُّ في المغرب، وجنوده يومئذ المساكين، فأوحى الله جلَّ جلاله إليه يا ذا القرنين أنت حجّتي على جميع الخلائق ما بين الخافقين من مطلع الشمس إلى مغربها، وحجّتي عليهم، وهذا تأويل رؤياك.

فقال ذو القرنين: يا إلهي إنّك قد ندبتني لامر عظيم لا يقدر قدره غيرك، فأخبرني عن هذه الاُمّة بأي قوَّة اكابرهم(١) ؟ وبأيِّ عدد أغلبهم، وبأية حيلة أكيدهم، وبأي صبر اقاسيهم، وبأي لسان اكلّمهم، وكيف لي بأن أعرف لغاتهم، وبأيِّ سمع أعي كلامهم، وبأيِّ بصر أنفذهم وبأيِّ حجّة اخاصمهم، وبأيِّ قلب أعقل عنهم، وبأيِّ حكمة ادبّر امورهم وبأيِّ حلم اصابرهم، وبأيِّ قسط أعدل فيهم، وبأيِّ معرفة أفضل بينهم، وبأيِّ علم أتقن امورهم، وبأيِّ عقل احصيهم، وبأي جند اقاتلهم؟ فإنّه ليس عندي ممّا ذكرت شيء يا ربّ، فقوني عليهم فانّك الرَّبُّ الرحيم الّذي لا تكلّف نفساً إلّا وسعها، ولا تحملها إلّا طاقتها.

فأوحى الله جلّ جلاله إليه أنّي سأطوقك ما حمّلتك، وأشرح لك فهمك فتفقه كلَّ شيء، وأشرح لك صدرك فتسمع كلَّ شيء، وأطلق لسانك بكلِّ شيء، وأفتح لك سمعك فتعي كلَّ شيء، وأكشف لك عن بصرك فتنفذ كلَّ شيء واحصي لك(٢) فلا يفوتك شيء، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شيء، وأشدُّ [ لك ] ظهرك فلا يهولك شيء وألبسك الهيبة فلا يروِّعك شيء، وأسدَّدلك رأيك فتصيب كلَّ شيء، وأسخّرلك جسدك فتحسن كلَّ شيء، وأسخرلك النور والظلمة وأجعلها جندين من جنودك النور يهديك، والظلمة تحوطك، وتُحوشُ عليك الامم(٣) من ورائك.

__________________

(١) في بعض النسخ « اكاثرهم ».

(٢) في بعض النسخ « وأحضر لك ».

(٣) حاش الصيد: جاءه من حواليه لبصرفه إلى الحبالة (القاموس).

٣٩٨

فانطلق ذو القرنين برسالة ربّه عزَّ وجلَّ، وأيده الله تعالى بما وعده فمرَّ بمغرب الشمس فلا يمرُّ بامّة من الامم إلّا دعاهم إلى الله عزَّ وجلَّ فإنَّ أجابوه قبل منهم وإن لم يجيبوه أغشاهم الظلمة، فأظلمت مداينهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم ومنازلهم، واغشيت أبصارهم، ودخلت في أفواههم وآنافهم وآذانهم وأجوافهم، فلا يزالون فيها متحيّرين حتّى يستجيبوا لله عزَّ وجلَّ ويعجّوا إليه حتّى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها الاُمّة الّتي ذكرها الله تعالى في كتابه ففعل بهم ما فعل بمن مرَّ به [ من ] قبلهم حتّى فرغ ممّا بينه وبين المغرب ووجد جمعاً وعدداً لا يحصيهم إلّا الله وبأساً وقوَّة لا يطيقه إلّا الله عزَّ وجلَّ، والسنّة ومختلفة وأهواء متشتّتة وقلوباً متفرّقة، ثمّ مشى على الظلمة ثمانية أيّام وثمان ليال وأصحابه ينظرونه حتّى انتهى إلى الجبل الّذي هو محيط بالارض كلّها فإذا هو بملك من الملائكة قابض على الجبل وهو يقول: سبحان ربي من الان إلى منتهى الدَّهر، سبحان ربّي من أول الدُّنيا إلى آخرها، سبحان ربّي من موضع كفي إلى عرش ربي، سبحان ربي من منتهى الظلمة إلى النور، فلمّا سمع ذاك ذو القرنين خرّ ساجداً، فلم يرفع رأسه حتّى قواه الله تعالى وأعانه على النظر إلى ذلك الملك، فقال له الملك: كيف قويت يا ابن آدم على أن تبلغ إلى هذا الموضع ولم يبلغه أحدٌ من ولد آدم قبلك؟ قال ذو القرنين: قوّاني على ذلك الّذي قوَّاك على قبض هذا الجبل وهو محيط بالارض، قال له الملك: صدقت قال له ذو القرنين: فأخبرني عنك أيّها الملك؟ قال: إنّي موكّل بهذا الجبل وهو محيط بالارض كلّها، ولولا هذا الجبل لانكفأت الأرض بأهلها، وليس على وجه الأرض جبل أعظم منه، وهو أوّل جبل أثبته الله عزَّ وجلَّ(١) ، فرأسه ملصق بسماء الدُّنيا وأسفله في الأرض السابعة السفلى وهو محيط بها كالحلقة، وليس على وجه الأرض مدينة إلّا ولها عرق ألى

__________________

(١) في بعض النسخ « أسسه الله عزَّ وجلَّ ».

٣٩٩

هذا الجبل، فإذا أراد الله عزَّ وجلَّ أن يزلزل مدينة أوحى إلىَّ فحرَّكت العرق الّذي [ متّصل ] إليها فزلزلها.

فلمّا أراد ذو القرنين الرُّجوع قال للملك: أوصني، قال الملك: لا يهمنّك رزق غد، ولا تؤخّر عمل اليوم لغد، ولا تحزن على ما فاتك، وعليك بالرِّفق، ولا تكن جبّاراً متكبراً.

ثمَّ إن ذا القرنين رجع إلى أصحابه، ثمّ عطف بهم نحو المشرق يستقريء ما بينه وبين المشرق من الامم فيفعل بهم مثل ما فعل بأمم المغرب قبلهم حتّى إذا فرغ [ مـ ] ما بين المشرق والمغرب عطف نحو الرَّدم الّذي ذكره الله عزَّ وجلَّ في كتابه فإذا هو باُمّة « لا يكادون يفقهون قولاً » وإذا [ ما ] بينه وبين الردَّم مشحون من امة يقال لها: يأجوج ومأجوج أشباه البهائم يأكلون ويشربون ويتوالدون وهم ذكور وإناث، وفيهم مشابه من النّاس الوجوه والاجساد والخلقة، ولكنّهم قد نقصوا في الابدان نقصاً شديداً وهم في طول الغلمان، ليس منهم انثى ولا ذكر يجاوز طوله خمسة أشبار، وهم على مقدار واحد في الخلق والصورة، عراة حفاة لا يغزلون ولا يلبسون ولا يحتذون، عليهم وبرٌ كوبر الابل يواريهم ويسترهم من الحرّ والبرد(١) ، ولكلِّ واحد منهم اذنان أحدهما ذات شعر والاخرى ذات وبر، ظاهرهما وباطنهما، ولهم مخالب في موضع الاظفار، وأضراس وانياب كأضراس السباع وأنيابها. وإذا نام أحدهم افترش إحدى اذنيه والتحف بالاُخرى فتسعه لحافاً، وهم يرزقون تنّين البحر(٢) في كلِّ عام

__________________

(١) المروي عن أئمتنا: أنّهم اقوام وحشية غير متمدنين، بل يعيشون كالبهائم كما جاء في تفسير العياشيّ عن أبي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال: « لم يعلموا صنعة البيوت » وفي تفسير القمي « لم يعلموا صنعة الثياب ». وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام « ورد على قوم قدأ حرقهم الشمس وغيرت اجسادهم وألوانهم حتّى صيرتهم كالظلمة ».

(٢) التنين نوع من الحيات

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686