كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة8%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 143689 / تحميل: 8062
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أنحاء العالم الإسلامي بإحضار كبار العلماء من المتمرّسين في مختلف أنواع العلوم بالحضور إلى خراسان ليسألوا الإمام عن أعقد المسائل العلمية، ولمّا حضروا عنده عرض عليهم الأمر، ووعد بالثراء العريض كل مَن يسأل الإمامعليه‌السلام سؤالاً يعجز عن إجابته، والسبب في ذلك - فيما نحسب - يعود إلى ما يلي:

أوّلاً: إنّ المأمون أراد أن ينسف عقيدة الشيعة ويقضي على جميع معالمها فيما إذا عجز الإمام الرضاعليه‌السلام فإنّه يتخذ من ذلك وسيلة لنقض ما تذهب إليه الشيعة من أنّ الإمام أعلم أهل عصره، وأدراهم بجميع أنواع العلوم، ومن الطبيعي أنّ ذلك يؤدّي إلى زعزعة كيان التشيّع، وبطلان عقيدتهم في أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ثانياً: إنّ الإمام لو عجز عن أجوبة المسائل التي يقدمها العلماء له فإنّ المأمون يكون في سعة من عزله عن ولاية العهد بعد أن استنفذت أغراضه السياسية منها، فقد أظهر للناس في بداية الأمر أنّه إنّما رشّح الإمام لهذا المنصب الخطير لأنّه أعلم الأمّة، ولكن لما ظهر له خلاف ذلك قام بعزله، وفي نفس الوقت تقوم وسائل إعلامه بإذاعة ذلك، والحط من شأن الإمام، وفي ذلك استجابة لعواطف الأسرة العباسية التي غاظها ترشيح المأمون للإمام لولاية العهد.

فعمدت إلى عزله، ومبايعة المغني إبراهيم - كما سنتحدث عن ذلك - وعلى إي حال فقد قام العلماء بالتفتيش عن أعقد المسائل وأكثرها صعوبة وعمقاً في جميع أنواع العلوم، وعرضوها على الإمام فأجاب عنها جواب العالم الخبير المتمرّس فيها، ويقول الرواة: إنّه سُئل عن أكثر من عشرين ألف مسألة في نوب مفرقة عاد فيها بلاط المأمون إلى مركز علمي، وخرجت الوفود العلمية، وهي مليئة بالإعجاب والإكبار بمواهب الإمام وعبقرياته، وأخذت تذيع على الناس ما يملكه الإمام من طاقات هائلة من العلم والفضل كما ذهب معظمهم إلى القول بإمامته، ممّا اضطر المأمون إلى حجب الإمام عن العلماء خوفاً أن يفتتنوا له ولم يذكر الرواة إلا كوكبة يسيرة منها، نعرض لها ولبعض ما أثر عنه هذا الموضوع، وفيما يلي ذلك:

1 - أسئلة عمران الصابئ:

وكان عمران الصابئ من كبار فلاسفة عصر الإمامعليه‌السلام كما كان الزعيم الروحي لطائفة الصابئة، وقد انتدبه المأمون لامتحان الإمام، فاختار له أعمق المسائل الفلسفية وأكثرها تعقيداً وغموضاً. وقد شرحها وعلّق عليها المحقّق الشيخ

١٠١

محمد تقي الجعفري، قال: وقد اشتمل هذا الاحتجاج على أهم المسائل الإلهية وأغمضها، وهي على إطلاقها عويصات في الحكمة المتعالية، قد أتعبت أفكار الباحثين الناظرين في ذلك الفن، ولم يأت هؤلاء الأساطين بأجوبة كافية لتلك المسائل بل تعقبها أسئلة أخرى ربّما تكون أغمض من نفس الأسئلة، وقد وقعت تلك الغوامض موارد لأسئلة عمران في هذه الرواية، وأجاب عنها الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ثامن حجج الله على عباده وأُمنائه في أرضه، وما بيّنه الإمام في هذا الاحتجاج مناهج واضحة لم يطمسها غبار الحجب المادية التي تثيرها العقول المحدودة في معقل المحسوسات المظلمة، هكذا ينكشف عند المتمسّكين بأذيال أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي حقائق ضل في سبيل الوصول إليها الأفكار الناقصة.

( ونعرض للنص الكامل من أسئلة الصابئ وجواب الإمام عنها حسبما ذكره الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا) مع مقتطفات من تعليقات الشيخ الجعفري عليها... لقد قدم الوفد الذي كان مع عمران جملة من المسائل، وبعدما أجاب الإمامعليه‌السلام عن أسئلة الوفد الذي هو من كبار علماء النصارى، واليهود والصابئة، قال لهم: ( يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام، وأراد أن يسأل، فليسأل غير محتشم... )

فانبرى إليه عمران الصابئ، وكان متطلّعاً بصيراً في علم الكلام فخاطب الإمام بأدب وإكبار قائلا: ( يا عالم الناس لولا أنّك دعوت إلى مسألتك، لم أقدم عليك بالمسائل، فلقد دخلت الكوفة والبصرة، والشام، والجزيرة ولقيت المتكلّمين، فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً - يعني أنّ الله تعالى واحد لا ثاني له - ليس غيره قائماً بوحدانيته أفتأذن لي أن أسألك... )

عرض الصابئ إلى عمق مسألته، وأنّه لم يهتد لحلها علماء الكوفة والبصرة والشام والجزيرة، ويطلب من الإمامعليه‌السلام حلها، فقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً: ( إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو... ).

( أنا هو )

١٠٢

سل يا عمران، وعليك بالنصفة، وإيّاك والخطل(1) والجور... ).

وأطرق الصابئ بوجهه إلى الأرض، وقال بنبرات تقطر أدباً وإجلالاً للإمام: ( والله يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلق به فلا أجوزه... )

لقد أعرب الصابئ عن نواياه الحسنة وأنّه يريد الحقيقة، والوصول إلى الواقع، ولا صلة له بغير ذلك، فقالعليه‌السلام : ( سل عمّا بدا لك... ).

وكان المجلس مكتظاً بالعلماء والقادة، وفي طليعتهم المأمون فانضم بعضهم إلى بعض، وانقطعوا عن الكلام ليسمعوا أسئلة الصابئ وجواب الإمام عنها، وتقدّم الصابئ بأسئلته.

س1: ( أخبرني عن الكائن الأوّل، وعمّا خلق... ) أمّا المسؤول عنه في هذه الكلمات فهو الشيء الأوّل والمادة الأُولى التي خلق الله تعالى الأشياء منها، وليس المسؤول عنه وجود الله المبدع العظيم فإنّه من الأمور الواضحة التي لا يشك فيها من يملك وعيه وإرادته، فإنّ جميع ما في الكون تدلّل على وجود خالقها فإنّه من المستحيل أن يوجد المعلول من دون علّته... ولنستمع إلى جواب الإمامعليه‌السلام عن هذه المسألة.

ج 1: ( أمّا الواحد فلم يزل واحداً كائنا، بلا حدود، ولا أعراض، ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة، لا في شيء أقامه، ولا في شيء حده، ولا على شيء حذاه، ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة، وغير صفوة، واختلافاً وائتلافاً، وألواناً وذوقاً وطعماً لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به ولا رأي لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً... ).

وحكى هذا المقطع من جواب الإمامعليه‌السلام ما يلي:

أوّلاً: إنّ الله تعالى واحد لا شيء معه، وهو مجرّد من الحدود والأعراض التي هي من صفات الممكن، فهو كائن واحد، ما زال ولا يزال، وليست وحدته عددية أو نوعية أو جنسية، وإنّما بمعنى عدم ارتباطه بأي شيء مادي أو غير مادي، فهو بمرتبة من الكمال لا يشابهه أي شيء من الممكنات التي نسبتها إليه نسبة الصانع إلى المصنوع، فتبارك الله.

ثانياً: إنّ النظرة البدوية في الأشياء أنّ كل صورة لا بد لها من مادة تقوم وتحل

___________________________

(1) الخطل: المنطق الفاسد.

١٠٣

بها، ولكن هذا بالنسبة إلى غير الواجب تعالى أمّا هو فإنّه يخلق الأشياء لا من شيء كان، ولا من شيء خلق، وإنّما يقول للشيء كن فيكون، فقد ابتدع خلق الأشياء لا على شيء حذاه، ومثله له، فهو القوّة الكبرى المبدعة لخلق الأشياء لا لحاجة منه إليها، فهو المصدر الوحيد للفيض على جميع الكائنات.

والتفت الإمامعليه‌السلام إلى عمران فقال له: ( تعقل هذا يا عمران...؟ ).

( نعم والله يا سيدي... ).

( اعلم يا عمران أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجة، لم يخلق إلاّ مَن يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه كان لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة أخرى؛ ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة ولكن تقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض، وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل، ولا نقمة منه على من أذل... ).

وهذا الكلام متمّم لما قبله من أنّ الله تعالى خلق الخلق في غنى عنهم فهم المحتاجون إلى فيضه ورحمته وعطائه، فهو الجواد المطلق الذي بسط الرحمة والإحسان على جميع الموجودات والكائنات، وكان من فضله أنّه فضّل بعض مخلوقاته على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل، ولا نقمة منه على من أذل.

س 2: ( يا سيدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه..؟ ).

وهذا السؤال عميق للغاية، وتوضيحه - حسبما ذكره الشيخ الجعفري - أن تحصل شيء وتحققه في الانكشاف العلمي كواقع ذلك الشيء ينحل إلى هوية نفسه، وطارديته لغيره، وبذلك يكون محدوداً، فإنّ الحجر ما لم يضف إلى هويته عدم جميع أضداده لا يتحصّل تحصلاً علمياً... فإنّ النفس المعلومة ما لم يلاحظ طرد جميع ما سواها عنها لا تكون معلومة ومحصلة عند العالم وكأنّ هذا هو الموجب لسؤال عمران عن كونه تعالى معلوماً عند نفسه، فحينئذٍ لو أجاب الإمام بثبوته لاستشكل عمران هل كان تحصيل نفسه عند نفسه ملازماً لطرد غيره من المعقولات أم لا؟.

ج 2: قالعليه‌السلام : ( إنّما يكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه، وليكن الشيء نفسه، بما نفى عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه، فتدعوه الحاجة إلى

١٠٤

نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها... والتفت الإمام إلى عمران فقال له: ( أفهمت يا عمران؟... ).

( نعم والله يا سيدي... ).

وحاصل ما أجاب به الإمامعليه‌السلام أنّ ما ذكره الصابئ إنّما يصح فيما لو كان المعلوم مقارناً بعدّة أشياء تخالفه فيلزم حينئذٍ نفي تلك الأشياء لتحصيل المعلوم إلاّ أنّ الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة ما لم يكن هناك شيء يقارنه فلا حاجة إلى نفيه ليقرّر إرادته بذلك النفي.

س 3: أخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ضمير؟

أراد الصابئ بهذا السؤال إلزام الإمام بالقول بالتركيب في ذاته تعالى، من جهة أنّه ذو ضمير.

ج 3: أرأيت إذا علم بضمير هل يجد بداً من أن يجعل لذلك الضمير حداً تنتهي إليه المعرفة؟ أراد الإمام أنّ ذلك الضمير لا بد أن يعرف حقيقته وماهيته، وقد وجّه الإمام إليه السؤال التالي: ( فما ذلك الضمير؟... ).

فانقطع الصابئ عن الكلام ولم يستطع أن يقول شيئاً، فقد سد الإمام عليه كل نافذة يسلك فيها لإثبات ما يذهب إليه، والتفت الإمام إليه قائلاً: ( لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه فتعرفه بضمير آخر؟ فإن قلت: نعم، أفسدت عليك قولك... ).

وأقام الإمام الحجّة الكاملة والبرهان القاطع على بطلان ما التزم به الصابئ من أنّه تعالى يعلم بواسطة الضمير، وعلى هذا فلا بد من ضمير آخر يقع به الإدراك لذاته تعالى، وهذا الضمير الآخر يتوقّف على ضمير غيره، وهكذا فيلزم التسلسل، وهو ما لا نهاية له، وإن توقف الضمير الثاني على الضمير الأول فيلزم منه الدور والأمران ممّا أجمع على فسادهما، لترتب الأمور الفاسدة عليها حسبما ذكره الفلاسفة والمنطقيون وتمم الإمامعليه‌السلام حجته وبرهانه بقوله: ( يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له: أكثر من فعل وعمل وصنع، وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزية كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم، فاعقل ذلك، وابن عليه ما علمت صواباً... ).

١٠٥

أراد لإمامعليه‌السلام أنّ صدور الأفعال والأعمال المختلفة من الله تعالى ليست على غرار غيره من الممكنات التي تحتاج إلى العلل والأسباب كالعقل، وغيره من سائر الجوارح الظاهرية، فإنّه تعالى يستحيل عليه ذلك.

س 4: ( يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يكون؟... ).

واستفسر عمران عن حدود المخلوقات التي تميز بعضها عن بعض فأجابه الإمام:

ج 4: ( قد سألت فاعلم أنّ حدود خلقه على ستة أنواع: ملموس، وموزون، ومنظور إليه، وما لا ذوق له، وهو الروح، ومنها منظور إليه، وليس له وزن، ولا لمس، ولا حس، ولا لون، ولا ذوق، والتقدير والأعراض، والصور، والطول، والعرض، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها، وتغيّرها من حال إلى حال وتزيدها، وتنقصها، فأمّا الأعمال والحركات فإنّها تنطلق؛ لأنّه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة، وبقي الأثر، ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره... ).

وحفل جواب الإمامعليه‌السلام بذكر الخواص والصفات التي تتميّز بها الأشياء سواء أكانت من الكائنات الحيّة أم من غيرها.

س 5: يا سيدي: ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره، ولا شيء معه، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق... ).

ومعنى هذا السؤال أنّ الحقائق الطبيعية، التي أوجدها الله تعالى، أنّها توجب تغير الخالق العظيم بتغييرها، وهذا إنّما يلزم على القول باتحادها معه تعالى ذاتاً، وهذا مستحيل.

ج 5: ( قديم لم يتغيّر عزّ وجل بخلقه الخلق، ولكن الخلق يتغيّر، بتغييره... ).

وحاصل جواب الإمامعليه‌السلام أنّ الخالق العظيم لما كان هو الصانع والموجد للأشياء، وهو قديم فلا يلزم منه التغيير بتغيير الممكنات والكائنات.

س 6: ( يا سيدي فبأي شيء عرفناه؟... ).

ج 6: ( بغيره... إنّ جميع ما في الكون ممّا يرى، وممّا لا يرى يدلل على وجود الخالق العظيم،

١٠٦

لقد عرفناه بمخلوقاته، وآمنا به بما نشاهده من بدائع صنعته، وقد استبان بصورة واضحة لا غموض فيها في هذه العصور التي غزا الإنسان فيها الفضاء الخارجي، فقد ظهر للبشرية عظيم صنعته تعالى بما أودعه في هذا الفضاء من الكواكب التي لا تحصى ولا تعد، وكلّها تسير بانتظام، ودقّة، ولو اختلفت في مسيرها لحظة لتصادمت، وتلاشت، ولم يبق لها اثر، فسبحان الله المبدع الحكيم.

س 7: أي شيء غيره؟

ج 7: ( مشيئته، واسمه وصفته، وما أشبه ذلك، وكل ذلك محدث، مخلوق، مدبّر... ).

لقد عرفنا الله بمشيئته واسمه وصفاته التي دلّت عليه سبحانه، ففي دعاء الصباح: ( يا مَن دلّ على ذاته بذاته ).

وكل ما في الكون من موجودات تستند إليه استناد المصنوع إلى الصناع.

س 8: يا سيدي أي شيء هو؟

ج 8: ( هو نور، بمعنى أنّه هادٍ خلقه من أهل السماء، وأهل الأرض، وليس لك عليّ أكثر من توحيدي إيّاه... ).

لقد أراد عمران بسؤاله معرفة حقيقة الله تعالى، متوهّماً أنّه تعالى كسائر الممكنات والموجودات، ولمّا كان ذلك مستحيلاً، إذ كيف يحيط الإنسان الذي لا يعرف ذاته وما فيها من الأجهزة الدقيقة، كيف يعرف حقيقة الخالق العظيم المصور والمبدع للأكوان، وقد أجاب الإمامعليه‌السلام أنّه يعرف بأوصافه الظاهرية من هدايته لخلقه وغير ذلك من الأدلة الصريحة الواضحة التي تنادي بوجود خالقها العظيم.

س 9: يا سيدي: أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق، ثم نطق...

ج 9: ( لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إنّ السراج ليضيء، فما يريد أن يفعل بنا لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه، ولا كون، وإنّما هو ليس شيء غيره، فلمّا استضاء لنا، قلنا: قد أضاء لنا، حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك... ).

ومعنى جواب الإمامعليه‌السلام أنّ السكوت والنطق إنّما يعرضان موضوع قابل لهما، توارد العدم والملكة وحيث إنّ نطق الله تعالى ليس على غرار ما يتصف به الناطقون من الممكنات، فيصح عليه النطق، كما يصح عليه السكوت وقد ذهبت

١٠٧

الشيعة إلى أنّ التكلّم من صفات الأفعال، لا يقوم بذاته تعالى قوام الأوصاف الذاتية، فإنّه تعالى هو الذي خلق النطق والكلام إذا أراده، وقد مثّل الإمامعليه‌السلام لذلك بالسراج فإنّه لا يقال له إنّه ساكت لا ينطق، كما أنّ إسناد الإضافة إلى السراج ليس اختياريا له، هذه بعض الاحتمالات في تفسير كلام الإمامعليه‌السلام .

س 10: ( يا سيدي: فإنّ الذي كان عندي أنّ الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق... ).

ج 10: ( يا عمران في قولك إنّ الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه، حتى يصيب الذات منه ما يغيره، هل تجد النار تغيرها تغير نفسها، وهل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قط رأى بصره؟... ).

إنّ هذا السؤال من عمران قد تقدّم، وقد أجابه الإمامعليه‌السلام وقد زادهعليه‌السلام توضيحاً، فقال له إنّ الكائن لا يتغيّر بوجه من الوجوه، فأفعال النفس - مثلاً - التي تصدر منها لا توجب زيادة فيها ولا نقصاناً، وهناك مثال آخر وهو البصر، فإن صدر الرؤية منه لا توجب زيادة فيه ولا نقصانا.

س 11: ( ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق، أم الخلق فيه؟... )

ج 11: ( أجل هو يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق، ولا الخلق فيه تعالى عن ذلك، وسأعلمك ما تعرفه، ولا قوّة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها، أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شيء استدللت بها على نفسك يا عمران...؟ ).

لقد أحال الإمامعليه‌السلام حلول الله تعالى في خلقه، وحلولهم فيه، ومثّل لذلك بالصورة التي تنعكس في المرآة فإنّها لا تحل فيها، وكذلك المرآة لا تحل في الصورة، وإنّما النور هو الذي أوجب رؤية الصورة في المرآة، وهو غير حال في شيء منهما، يقول ابن الفارض:

بوحدته دامت لها كل كثرة

فصحت وقد آنت لها كل علة

فقد صار عين الكل فردا لذاته

وإن دخلت أفراده تحت عدة

نظرت فلم أبصر سوى محض وحدة

بغير شريك فد تغطّت بكثرة

وهنا بحوث فلسفية عميقة أعرضنا عن ذكرها إيثاراً للإيجاز.

س 12: ( بضوء بيني وبينها... ).

١٠٨

وهذا السؤال مرتبط بما قبله، وقد أوضحناه.

ج 12: هل ترى من ذلك الضوء أكثر ممّا تراه في عينك؟

عمران: نعم.

الإمام: فأرناه.

وسكت عمران، ولم يدر ما يقول، فقد سدّ الإمام عليه كل نافذة يسلك منها، وواصل الإمام حديثه قائلاً: ( فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك، ودلّ المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً ولله المثل الأعلى ).

تأجيل المناظرة:

وحضر وقت الصلاة، ولم يجد الإمام بدّاً من تأجيل المناظرة فالتفت إلى المأمون، فقال له: الصلاة حضرت، وخاف عمران من عدم استئناف الحوار بينه وبين الإمام، فقال له: ( يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي، فقد رقّ قلبي... ).

فأوعده الإمامعليه‌السلام بالعودة إلى مناظرته، ونهض الإمام فأدّى فريضة الصلاة.

استئناف المناظرة:

وعادت الجلسة، وقد حضرها المأمون، وكبار العلماء والقادة، والتفت الإمامعليه‌السلام إلى عمران فقال له: ( سل يا عمران... ).

س 13: ( يا سيدي ألا تخبرني عن الله عزّ وجل، هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف؟... ).

ج 13: إنّ الله المبدأ، الواحد الكائن الأول، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه، لا معلوماً - يعني بحقيقته - ولا مجهولاً، ولا محكماً، ولا متشابهاً، ولا مذكوراً، ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون، ولا بشيء قام، ولا إلى شيء يقوم ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كلّه قبل لخلق(1) إذ لا شيء غيره، وما أوقعت عليه من الكل

____________________

(1) في نسخة قبل خلقه الخلق.

١٠٩

فهي صفات محدثة، وترجمة يفهم بها مَن فهم. واعلم أنّ الإبداع والمشيئة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أوّل إبداعه ومشيئته وإرادته التي جعلها أصلاً لكل شيء، ودليلاً على كل شيء مدرك، وفاصلاً لكل مشكل، وبتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلّها ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها، تتناهى ولا وجود لها؛ لأنّها مبدعة بالإبداع. والنور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول التي عليها مدار الكلام، والعبادات كلّها من الله عزّ وجل علّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على لغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في ساير اللغات من العجم والأقاليم، واللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفاً من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً، فأمّا الخمسة المختلفة ( فيتجنح ) لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثم جعل الحروف بعد إحصائها، وأحكام عدتها فعلامته كقوله عزّ وجل:( كن فيكون ) وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عزّ وجلّ الإبداع لا بوزن له، ولا حركة، ولا سمع، ولا لون، ولا حس، والخلق الثاني الحروف، لا وزن لها، ولا لون، وهي مسموعة موصوفة، غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوساً، ملموساً، ذا ذوق منظور إليه والله تبارك وتعالى سابقاً للحروف، والحروف لا تدل على غير نفسها. وبهر المأمون، ولم يفهم أكثر محتويات هذه الكلمات العميقة التي تحتاج إلى وقت طويل لبيانها، وقال للإمام: ( كيف لا تدل - أي الحروف - على غير أنفسها؟... ). فأجابه الإمام موضحاً له الأمر قائلاً:

( إنّ الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألف منها أحرفاً أربعة أو خمسة، أو ستة، أو أكثر من ذلك، أو أقل لم يؤلّفها بغير معنى ولم يكن إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً... ).

س 14: كيف لنا بمعرفة ذلك؟...

ج 14: أمّا المعرفة فوجه ذلك وبيانه: إنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير

١١٠

نفسها ذكرتها فرداً، فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، وإذا ألفتها وجعلت منها أحرفاً، وجعلتها اسماً وصفة لمعنى، ما طلبت، ووجه ما عنيت، كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟

( نعم ).

وواصل الإمام حديثه في بيان معاني الحروف عند تركيبها قائلاً: ( واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف، ولا حد لغير محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال، والوجود ولا مثال على الإحاطة، كما تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث، والتسديس؛ لأنّ الله عزّ وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد، بالطول والعرض، والقلّة والكثرة، واللون والوزن، وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله، وتقدس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا. ولكن يدل على الله عزّ وجل بصفاته، ويدرك بأسمائه، ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع أذن، ولا لمس كف، ولا إحاطة بقلب، ولو كانت صفاته جلّ ثناؤه لا تدل عليه، وأسماؤه لا تدعو إليه، والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أنّ ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لأنّ صفاته وأسماءه غيره... أفهمت يا عمران؟ )

( نعم يا سيدي زدني... )

وواصل الإمام حديثه الممتع، وقد استولى على مَن حضر من العلماء والقادة، قائلاً: ( إيّاك وقول الجهّال من أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب في الثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عزّ وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكن القوم تاهوا وعموا، وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عزّ وجل:( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (1) .

يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا

____________________

(1) سورة الإسراء: آية 72.

١١١

يكون إلاّ بما ها هنا، ومَن أخذ علم ذلك برأيه، وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً؛ لأنّ الله عزّ وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون... ).

س 15: ( يا سيدي ألا تخبرني عن الإبداع أخلق هو أم غير خلق؟... ).

علّق الشيخ الجعفري على هذه المسألة بقوله: إنّ هذه المسألة أيضاً ممّا أعيى الأذهان والعقول البشرية؛ لأنّها التي أوجبت افتراق المسالك والفرق المختلفة فمنهم مَن قال: باستحالة الإبداع مطلقاً أكان من الواجب، أم من الممكن، ومن قبيل المواد والصور أو العقول والنفوس وغيرها، ومنهم من جوزه مطلقاً، ومنهم من حصر إمكان الإبداع على الله تعالى على نحو العموم أي إنّه تعالى قادر على أن يبدع أي موجود شاء دون مادة سابقة له، وقع التغير عليه، وقد قالوا: إنّه مقتضى قدرته المطلقة وقابلية الموضوع ومنهم من ذهب مذاهب أخرى(1) .

ج 15: بل خلق ساكن، لا يدرك بالسكون، وإنّما صار خلقاً لأنّه شيء محدث، والله تعالى الذي أحدثه فصار خلقاً له، وإنّما هو الله عزّ وجل خلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما، فيما خلق الله عزّ وجل لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكناً ومتحركاً ومختلفاً ومؤتلفاً ومعلوماً ومتشابهاً، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزّ وجل، واعلم أنّ كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس، وكل حاسة تدل عل ما جعل الله عزّ وجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كله، واعلم أنّ الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقاً مقدراً بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين: التقدير والمقدر، وليس في كل واحد منهما لون ولا وزن، ولا ذوق، فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما، ولم يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه، ولا يعضده، ولا يكنه، والخلق ممّا يمسك بعضه بعضاً بإذن الله تعالى ومشيئته، وإنّما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم، فازدادوا من الحق بعداً، ولو وصفوا الله عزّ وجل بصفاته،

____________________

(1) تحف العقول (ص 527).

١١٢

ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين، ولما اختلفوا، فلمّا طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه، ارتبكوا، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم... )

س 16: ( أشهد أنّه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة... ).

( سل عمّا أردت... ).

( أسألك عن الحكيم في أي شيء هو؟ وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحوّل من شيء إلى شيء؟ أو به حاجة إلى شيء...؟ ).

ج 16: أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه، فإنّه مَن أغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم، وليس يفهم المتفاوت عقله، العازب حلمه، ولا معجز عن فهمه أولو العقل المنصفون، أمّا أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجة إلى ذلك، ولكنّه عزّ وجل لم يخلق شيئاً لحاجة ولم يزل ثابتا لا في شيء، ولا على شيء إلاّ أنّ الخلق يمسك بعضه بعضاً، ويدخل بعضه في بعض، ويخرج منه،

والله جلّ وتقدّس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه، ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك؟ إلاّ الله عزّ وجل، ومن أطلعه عليه من رسله، وأهل سره، والمستحفظين لأمره وخزانه، القائمين بشريعته، وإنّما أمره كلمح البصر أو هو أقرب، إذا شاء شيئا فإنّما يقول له( كن فيكون ) بمشيئته وإرادته وليس شيء أقرب إليه من شيء، ولا شيء أبعد منه من شيء... أفهمت يا عمران؟... ).

( نعم يا سيدي... ).

إنّ الإنسان مهما أوتي من علم فهو عاجز عن معرفة نفسه وما فيها من الأجهزة الدقيقة المذهلة، فكيف ليعرف أو يحيط علماً بالخالق العظيم، مبدع الأكوان، وواهب الحياة، يقول ابن أبي الحديد:

فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر عليلا

فكري كلّما دان شبراً منك راح ميلا

أنت حيّرت ذوي اللب، وبلبلت العقولا

إنّ فكر الإنسان محدود فكيف يعرف حقيقة الله تعالى، نعم عرفناه وآمنّا به بمخلوقاته، فكل ذرّة في هذا الوجود تنادي بوجود الخالق العظيم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماء والأرض.

١١٣

إسلام الصابئ:

ولمّا رأى عمران الصابئ الطاقات الهائلة من العلم التي يتمتع بها الإمامعليه‌السلام ، والتي منها أجوبته الحاسمة من أعمق المسائل الفلسفية التي لا يهتدي لحلّها إلاّ أوصياء الأنبياء الذين منحهم الله العلم وفصل الخطاب، أعلن عمران إسلامه وطفق يقول: ( أشهد أنّ الله تعالى على ما وصفت، ووحدت، وأشهد أنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده المبعوث بالهدى، ودين الحق... ). ثم خرّ ساجداً لله تعالى وأسلم، وبهر العلماء والمتكلمون من علوم الإمام، ومواهبه وعبقرياته، وراحوا يحدثون الناس عن فضل الإمام وسعة علومه، وانصرف المأمون وهو غارق بالألم، قد أترعت نفسه بالحقد والحسد للإمام:

خوف محمد على الإمام:

وخاف عمّ الإمام محمد بن جعفر عليه من المأمون، وكان حاضرا في المجلس، ورأى كيف تغلب على عمران الصابئ الذي هو في طليعة فلاسفة العصر، فاستدعى الحسن بن محمد النوفلي، وكان من أصحاب الإمام فقال له: ( يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك - يعني الإمام -؟

لا والله ما ظننت أنّ علي بن موسى الرضا خاض في شيءٍ قط، ولا عرفناه به، إنّه كان يتكلّم بالمدينة، أو يجتمع إليه أصحاب الكلام؟...

( وراح النوفلي يعرفه بعلم الإمام وفضله قائلاً: ( قد كان الحجاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم، وربّما كلم مَن يأتيه يحاججه... ).

وراح محمد يبدي مخاوفه من المأمون على ابن أخيه قائلاً: ( إنّي أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمّه أو يفعل به بليّة، فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء... ).

وكان النوفلي يظن خيراً بالمأمون، ولا يخاف منه على الامام، فقال لمحمد: ) ما أراد الرجل - يعني المأمون - إلاّ امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه؟... ).

ولم يقنع محمد بكلام النوفلي، فقد كان يظن السوء بالمأمون وراح يقول له: ( قل له: إنّ عمّك قد كره هذا الباب، وأحب أن تمسك عن هذه الأشياء

١١٤

لخصال شتّى... ).

وكان عمّ الإمام مصيباً في حدسه، عالماً بما تكنّه الأسرة العباسية من العداء والحقد لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد أثارت أسئلة الصابئ وإسلامه على يد الإمام أحقاد المأمون فقدم اغتيال الإمام كما سنوضّح ذلك في غضون هذا الكتاب.

ونقل النوفلي كلمات محمد إلى الإمامعليه‌السلام فشكره على ذلك، ودعا له بالخير.

تكريم الإمام لعمران:

وكسب الإمامعليه‌السلام في مناظرته إسلام عمران الذي هو في طليعة علماء عصره، فقد بعث خلفه، فلمّا مثل عنده رحّب به وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم، ودعا له بكسوة فخلعها عليه وأعطاه عشرة آلاف درهم، ففرح عمران بذلك وأخذ يدعو للإمام ويشكره على ذلك قائلاً: ( جُعلت فداك حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين عليه السلام ).

وجعل عمران يتردد على الإمام ويكتسب من فيض علومه وصار بعد ذلك فيما يقول المؤرّخون داعية من دعاة الإسلام، وجعل المتكلمون من أصحاب المقالات والبدع يفدون عليه، ويسألونه عن مهام المسائل وهو يجيبهم عنها، حتى اجتنبوه، وأوصله المأمون بعشرة آلاف درهم، كما أعطاه الفضل بن سهل مالاً، وولاه الإمام على صدقات بلخ فأصاب الرغائب(1) .

أسئلة سليمان المروزي:

أمّا سليمان المروزي فكان متضلّعاً بالفلسفة، ومتمرسا في البحوث الكلامية وكان يعد في طليعة علماء خراسان، وقد انتدبه المأمون لامتحان الإمام الرضاعليه‌السلام وقد قابله بحفاوة وتكريم، وقال له: إنّ ابن عمي علي بن موسى الرضا، قدم علي من الحجاز، وهو يحب الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته... ).

وخاف سليمان من ذلك، فقد ظن أنّ الإمام سوف يعجز عن أجوبة مسائله فيحقد عليه العلويون، وراح يعتذر من المأمون قائلاً:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 1 / 168 - 178، وذكر الطبرسي ما يقرب من ذلك في الاحتجاج، والمجلسي في البحار، والحسن بن شعبة في تحف العقول.

١١٥

( إنّي أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم، فينتقص عند القوم إذا كلّمني، ولا يجوز الانتقاص عليه... ).

وتعهّد له المأمون، ووعده أن لا يصيبه أي أذى أو مكروه قائلاً: ( إنّما وجهت إليه لمعرفتي بقوتك، وليس مرادي إلاّ تقطعه عن حجّة واحدة فقط... ).

وهذا الكلام يدلل على سوء ما يضمره المأمون للإمام، وما يكنّه له من الحقد والعداء، واطمأن سليمان، من أي اعتداء عليه، وراح يقول للمأمون: ( حسبك يا أمير المؤمنين، اجمع بيني وبينه، وخلّني والذم... ).

ووجّه المأمون في الوقت رسوله إلى الإمام يطلب منه الحضور لمناظرة سليمان فأجابه الإمام إلى ذلك، وحضر معه وفد من أعلام أصحابه ضم عمران الصابئ الذي أسلم على يده وجرى حديث بينه وبين سليمان حول البداء، فأنكره سليمان، وأثبته عمران، وطلب سليمان رأي الإمام فيه فأقره، واستدل عليه بآيات من الذكر الحكيم، والتفت المأمون إلى سليمان فقال له: سل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف، ووجه سليمان الأسئلة التالية للإمامعليه‌السلام :

س 1: ( ما تقول فيمَن جعل الإرادة اسماً وصفة مثل حي، وسميع، وبصير وقدير؟... ).

ج 1: إنّما تقول: حدثت الأشياء واختلفت لأنّه شاء وأراد، ولم تقولوا: حدثت الأشياء واختلفت لأنّه سميع بصير، فهذا دليل على أنّهما - أي الإرادة والمشيئة - ليستا مثل سميع، ولا بصير، ولا قدير.

وانبرى سليمان قائلاً: ( فإنّه لم يزل مريداً... ).

ورد عليه الإمام: ( يا سليمان فإرادته غيره؟... ).

( نعم... ).

وذهب سليمان إلى التعدد مع أنّ الله تعالى متحد مع إرادته، وأبطل الإمام شبهته قائلاً: ( قد أثبت معه شيئاً غيره لم يزل؟... ).

( ما أثبت... ).

١١٦

( أهي - أي الإرادة - محدثة؟... ).

( لا ما هي محدثة... ).

وضيق الإمام على سليمان الخناق، وراحت أقواله تتناقض فتارة يقول بقدم الإرادة، وأخرى يقول بحدوثها، فصاح به المأمون، وطلب منه عدم المكابرة، والإنصاف في حديثه قائلاً: ( عليك بالإنصاف، أما ترى من حولك من أهل النظر؟. )

والتفت المأمون إلى الإمام قائلاً: ( كلّمه يا أبا الحسن، فإنّه متكلّم خراسان ).

وسأله الإمام قائلاً: ( أهي محدثة؟... ).

فأنكر سليمان حدوث الإرادة، فردّ عليه الإمام: ( يا سليمان هي محدثة، فإنّ الشيء إذا لم يكن أزلياً كان محدثاً، وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً... ).

وانبرى سليمان قائلاً:

( إرادته - أي الله - منه؟ كما أنّ سمعه وبصره وعلمه منه ).

وأبطل الإمام عليه قوله، وقائلاً: ( فأراد نفسه؟... ).

( لا... ).

وأخذ الإمام يفند مقالته قائلاً له: ( فليس المريد مثل السميع والبصير ).

وراح سليمان يتخبّط خبط عشواء فقد ضيّق الإمام عليه، وسد كل نافذة يسلك منها، قائلاً: ( إنّما أراد نفسه، كما سمع نفسه، وأبصر نفسه، وعلم نفسه... ).

وانبرى الإمام فأبطل مقالته، قائلاً له: ( ما معنى أراد نفسه؟ أراد أن يكون شيئاً، وأراد أن يكون حياً، أو سميعاً، أو بصيرا أو قديراً؟... ).

ولم يدر سليمان ماذا يقول، فأجاب: ( نعم... ).

١١٧

فقال له الإمام: ( أفبإرادته كان ذلك؟... ).

( نعم... )

وطفق الإمام يبطل مقالته، ويبدي ما فيها من التناقض قائلاً: ( فليس لقولك: أراد أن يكون حياً سميعاً، بصيراً معنى، إذا لم يكن ذلك بإرادته؟... ).

والتبس الأمر على سليمان، وراح يقول: ( بلى قد كان ذلك بإرادته... ). وعجّ المجلس بالضحك، وضحك المأمون والرضاعليه‌السلام من تناقض كلام سليمان، والتفت الإمام إلى الجماعة، وطلب منهم الرفق بسليمان، ثم قال له: ) يا سليمان، فقد حال - أي الله تعالى - عندكم عن حاله وتغير عنها، وهذا ما لا يوصف الله به... ).

وبان العجز على سليمان، وانقطع الكلام، والتفت الإمام إليه ليقيم عليه الحجة قائلاً: ( يا سليمان أسألك عن مسألة...؟ ).

( سل جعلت فداك... ).

( اخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون؟ أو بما لا تفقهون، ولا تعرفون... ).

( بل بما نفقه ونعلم... ).

وأخذ الإمام يقيم الحجّة والبرهان على خطأ ما ذهب إليه سليمان قائلاً: ( فالذي يعلم الناس أنّ المريد غير الإرادة، وأنّ المريد قبل الإرادة، وأنّ الفاعل قبل المفعول، وهذا يبطل قولكم: إنّ الإرادة والمريد شيء واحد... ).

وطفق سليمان قائلاً: ( جعلت فداك، ليس ذلك منه على ما يعرف الناس، ولا على ما يفقهون؟ ).

واندفع الإمام يبطل ما ذهب إليه قائلاً: ( فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة، وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف، ولا يعقل... ).

وحار سليمان ولم يطق جواباً أمام هذه الطاقات الهائلة من العلم التي يملكها

١١٨

الإمامعليه‌السلام ، واستأنف الإمام حديثه ليتم عليه الحجة قائلاً: ( يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة والنار؟... ).

وأسرع سليمان قائلاً: ( نعم ).

وانبرى الإمام قائلاً: ( أفيكون ما علم الله تعالى أنه يكون من ذلك؟... ).

( نعم... ).

( فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء، إلاّ كان يزيدهم أو يطويه عنهم؟... )

فأجاب سليمان: ( بل يزيدهم... ).

وأبطل الإمام قوله: ( فأراه في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه، أنّه يكون... ).

وطفق سليمان يقول: ( جعلت فداك فالمريد لا غاية له... ).

ومضى الإمام يفنّد شبه سليمان قائلاً:

( فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما، لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله عزّ وجل عن ذلك علواً كبيراً... ).

وراح سليمان يعتذر ويوجه ما قاله: ( إنّما قلت: لا يعلمه، لأنه لا غاية لهذا، لان الله عزّ وجل وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً... ).

وراح الإمامعليه‌السلام يفنّد شبهه وأوصافه قائلاً: ( ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم؛ لأنّه قد يعلم ذلك، ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال الله عزّ وجل في كتابه:( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) (1) وقال لأهل الجنّة:( عَطَاءً غَيْرَ

____________________

(1) سورة النساء / آية 56.

١١٩

مجذوذ ) (1) وقال عزّ وجل:( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) (2) فهو عزّ وجل يعلم ذلك لا يقطع عنهم الزيادة... أرأيت ما أكل أهل الجنة، وما شربوا يخلف مكانه؟... ).

( بلى... ).

( أفيكون يقطع ذلك عنهم، وقد أخلف مكانه؟... ).

( لا... ).

ومضى الإمامعليه‌السلام يقرّر ما ذهب إليه قائلاً: ( فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم... ).

وراح سليمان يتمسك بالشبه والأوهام ثم يزيله عنها هذه الحجج البالغة التي أقامها الإمام قائلاً: ( بلى يقطعه عنهم، ولا يزيدهم... ).

وانبرى الإمام فأبطل ذلك بقوله: ( إذا يبيد فيها، وهذا يا سليمان إبطال الخلود، وخلاف الكتاب؛ لأنّ الله عزّ وجل يقول:( لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ) (3) .

ويقول عزّ وجل: (عطاء غير مجذوذ) ويقول عزّ وجل:( وما هم عنها بمخرجين ) (4).

ويقول عزّ وجل:( خالدين فيها أبداً ) (5)

ويقول عزّ وجل:( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) .

ووجم سليمان، وحار في الجواب، وراح يسد عليه كل نافذة يسلك فيها لإثبات شبهة قائلاً له: ( يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة أفعل هي أم غير فعل...؟ ).

( بل هي فعل... ).

ورد الإمام عليه: ( فهي محدثة لأنّ الفعل كله محدث... ). إنّ كل ممكن معلول ومصنوع وحادث إمّا واجب الوجود تعالى فهو عارٍ عن

____________________

(1) سورة هود / آية 108

(2) سورة الواقعة / آية 33.

(3) سورة ق / آية 35.

(4) سورة الحجر / آية 48.

(5) سورة البينة / آية 8.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

وإذا جاز أن يغيب الله عزَّ وجلَّ اسمه الاعظم في الحروف المقطوعة في كتابه الّذي هو حجّته وكلامه، فكذلك جائز أن يغيب حجّته في النّاس عن عباده المؤمنين وغيرهم لعلمه عزَّ وجلَّ أنَّه متى أظهره وقع من أكثر النّاس التعدِّي لحدود الله في شأنه فيستحقّون بذلك القتل، فإنَّ قتلهم لم يجز وفي أصلابهم مؤمنون، وإن لم يقتلهم لم يجز وقد استحقّوا القتل.

فالحكمة للغيبة في مثل هذه الحالة موجبة، فإذا تزيّلوا ولم يبق في أصلابهم مؤمن أظهره الله عزَّ وجلَّ فخسف بأعدائه وأبادهم(١) ، إلّا ترى المحصنة إذا زنت وهي حبلى لم ترجم حتّى تضع ولدها وترضعه إلّا أن يتكفّل برضاعه رجل من المسلمين، فهذا سبيل من في صلبه مؤمن إذا وجب عليه القتل لم يُقتل حتّى يزايله، ولا يعلم ذلك إلّا من يكون حجّة من قبل علام الغيوب، ولهذا لا يقيم الحدود إلّا هو، وهذه هي العلة الّتي من أجلها ترك أمير المؤمنينعليه‌السلام مجاهدة أهل الخلاف خمساً وعشرين سنّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسروررضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسين ابن محمّد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: ما بال أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يقاتل مخالفيه في الاوَّل؟ قال: لآية في كتاب الله تعالى: « لو تزيّلوا لعذبنا الّذين كفروا منهم عذاباً أليماً »، قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين.

وكذلك القائمعليه‌السلام لم يظهر أبداً حتّى تخرج ودائع الله عزَّ وجلَّ فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عزَّ وجلَّ فقتلهم.

حدثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّرضي‌الله‌عنه قال:

____________

(١) أباده أي أهلكه.

٦٤١

حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخيِّ قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام - أو قال له رجل -: أصلحك الله ألم يكن عليٌّعليه‌السلام قوّياً في دين الله عزوجل؟ قال: بلى؟ قال: فكيف ظهر عليه القوم، وكيف لم يدفعهم وما يمنعه(١) من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله عزَّ وجلَّ منعته؟ قال: قلت: وأيّة آية هي؟ قال: قوله عزَّ وجلَّ: « لو تزّيّلوا لعذَّبنا الّذين كفروا منهم عذاباً أليماً » أنَّه كان لله عزَّ وجلَّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن عليّعليه‌السلام ليقتل الآباء حتّى يخرج الودائع فلمّا خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله. وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتّى تظهر ودائع الله عزَّ وجلَّ فإذا ظهرت ظهر على من يظهر فقتله.

حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر السمرقنديُّ العلويُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا جبرئيل ابن أحمد قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرّحمن عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: « لو تزيّلوا لعذبنا الّذين كفروا منهم عذاباً أليماً »، لو أخرج الله عزَّ وجلَّ ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين لعذَّب الّذين كفروا.

* * *

و(٢) حدّثنا أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن أحمد الفقيه الاسواريُّ بايلاق قال: حدّثنا مكّي بن أحمد البرذعي قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الطرسوسيُّ يقول - وكان قد أتى عليه سبع وتسعون سنّة على باب يحيى بن منصور - قال: رأيت سربانك ملك الهند في بلدة تسمّى « قَنّوج »(٣) فسألناه كم أتى عليك من السنين؟ فقال: تسعمائة

__________________

(١) في بعض النسخ « لم يمنعهم وما منعه ».

(٢) عطف على ما سبق من أخبار المعمرين.

(٣) بقتح القاف وتشديد النون وآخره جيم، موضع ببلاد الهند. (المراصد).

٦٤٢

سنة وخمس وعشرون سنّة وهو مسلم وزعم أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنفذ إليه عشرة من أصحابه فيهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن العاص واسامة بن زيد وأبو موسى الاشعريُّ وصهيب الروميُّ وسفينة وغيرهم يدعونه إلى الاسلام فأجاب وأسلم وقبل كتاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت له: كيف تصلّي مع هذا الضعف؟ فقال لي: قال الله تعالى: «الّذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم - الآية » فقلت له: وما طعامك، فقال: آكل ماء اللّحم والكرَّاث، وسألته هل يخرج منك شيء فقال: في كلِّ أسبوع مرّة شيء يسير، قال: وسألته عن أسنانه: فقال أبدلتها عشرين مرة ورأيت [ له ] في اصطبله شيئاً من الدَّوابِّ أكبر من الفيل يقال له: زند فيل، فقلت له: وما تصنع بهذا؟ قال: يحمل بها ثياب الخدم إلى القصّار. ومملكته مسيرة أربع سنين في مثلها، ومدينته طولها خمسون فرسخاً في مثلها، وعلى كلِّ باب منها عسكر في مائة ألف وعشرين ألفاً، إذا وقع في أحد من تلك الابواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا يستعان بغيرها وهو في وسط المدينة وسمعته يقول: دخلت المغرب(١) فبلغت إلى الرَّمل - رمل العالج - وصرت إلى قوم موسىعليه‌السلام ، فرأيت سطوح بيوتهم مستوية وبيدر الطعام(٢) خارج القرية يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك وقبورهم في دورهم وبساتينهم من المدينة على فرسخين ليس فيهم شيخ ولا شيخة ولم أر فيهم علّة ولا يعتلّون إلى أن يموتوا، ولهم أسواق إذا أراد إنسان منهم شراء شيء صار إلى السوق فوزن لنفسه وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر، وإذا أرادوا الصلاة حضروا فصلّوا وانصرفوا، لا يكون بينهم خصومة أبداً ولا كلام يكره إلّا ذكر الله عزَّ وجلَّ والصلاة وذكر الموت.

قال مصنّف هذا الكتابرحمه‌الله : فإذا كان جاز عند مخالفينا مثل هذه الحال لسربانك ملك الهند فينبغي أن لا يحيلوا مثل ذلك في حجّة الله في التعمير ولا قوَّة إلّا بالله.

__________________

(١) في بعض النسخ « دخلت إلى العرب ».

(٢) يعني الموضع الّذي يجمع فيه الحصيد والقمح ويداس.

٦٤٣

٥٥

( باب )

* (ماروى في ثواب المنتظر للفرج) *

١ - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جعفر بن محمّد(١) قال: حدّثني العمركيُّ ابن عليٍّ البوفكيِّ، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن موسى النميريّ(٢) ، عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من مات منكم على هذا الامر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائمعليه‌السلام .

٢ - وبهذا الاسناد، عن ثعلبة، عن عمر بن أبان، عن عبد الحميد الواسطيُّ عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقرعليهما‌السلام قال: قلت له: أصلحك الله لقد تركنا أسواقنا إنتظاراً لهذا الأمر، فقالعليه‌السلام : يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله عزَّ وجلَّ لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى والله ليجعلنَّ الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا؛ رحم الله عبداً أحيا أمرنا، قال: قلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم؟ قال: القائل منكم أن لو أدركت قائم آل محمّد نصرته، كان كالمقارع بين يديه بسيفه، لابل كالشهيد معه.

٣ - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود، عن جعفر بن معروف قال: أخبرني محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن موسى بن بكر الواسطيُّ، عن أبي الحسن عن آبائهعليهم‌السلام أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عزوجل.

__________________

(١) كذا في بعض النسخ وفي بعضها « جعفر بن أحمد » ولعل الصواب « جعفر بن معروف ».

(٢) هو موسى بن أكيل النميري من اصحاب الصادقعليه‌السلام ثقة، وصحف في بعض النسخ « بالهرمزي » وفي بعضها « بالبربري ». وفي بعضها « بالنهريري ».

٦٤٤

٤ - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن محمّد بن الفضيل(١) عن أبي الحسن الرِّضاعليه‌السلام قال: سألته عن الفرج؟ قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: « إنتظروا إنّي معكم من المنتظرين »(٢) .

٥ - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود قال: حدّثني أبو صالح خلف بن حمّاد الكشي قال: حدّثنا سهل بن زياد(٣) قال: حدّثني محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال الرِّضاعليه‌السلام : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله عزَّ وجلَّ: « وارتقبوا إنّي معكم رقيب »(٤) ، « فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين »، فعليكم بالصبر فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم.

٦ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير؛ ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام قال: المنتظر لامرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله.

٧ - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا حيدر بن محمّد؛ وجعفر بن محمّد بن مسعود قالا: حدّثنا محمّد بن مسعود قال: حدّثنا القاسم بن هشام اللّؤلؤيُّ قال: حدّثنا الحسن بن محبوب، عن هشام

__________________

(١) محمّد بن الفضيل من أصحاب الرِّضاعليه‌السلام أزدي صيرفي، يرمى بالغلو (صه) وقال الشيخ (ره) في رجاله: محمّد بن الفضيل الكوفيّ الازدي ضعيف.

(٢) الاعراف: ٧١. والظاهر ومن السياق المراد انتظار العذاب. والتأويل بالصاحبعليه‌السلام غريب جدا والعلم عند الله.

(٣) سهل بن زياد ضعيف في الحديث غير معتمد عليه وكان احمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الرى. (جش)

(٤) تمام الآية في سورة هود: ٩٤ « يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إنّي معكم رقيب »

٦٤٥

ابن سالم، عن عمّار الساباطيِّ قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : العبادة مع الامام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في الظهور الحقِّ ودولته مع الامام الظاهر منكم؟ فقال: يا عمّار الصدقة والله في السرِّ [ في دولة الباطل ] أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوِّكم في دولة الباطل وحال الهدنة ممّن يعبد الله عزَّ وجلَّ في ظهور الحق مع الامام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق، إعلموا أنَّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدوِّه في وقتها فأتمها كتب الله عزَّ وجلَّ له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها قاتمّها كتب الله عزَّ وجلَّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله حسنات المؤمن منكم أذا أحسن أعماله ودان الله عزَّ وجلَّ بالتقيّة على دينه وعلى إمامه وعلى ونفسه وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة كثيرة، أنَّ الله عزَّ وجلَّ كريم.

قال: فقلت: جعلت فداك قد رغبتني في العمل وحثثتني عليه ولكنّي احبُّ أن أعلم كيف صرنا اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الامام منكم الظاهر في دولة الحقِّ ونحن وهم على دين واحد وهو دين الله عزوجل؟

فقال: إنّكم سبقتموهم إلى الدُّخول في دين الله عزَّ وجلَّ وإلى الصلاة والصوم والحجِّ وإلى كلِّ فقه وخير وإلى عبادة الله سرّاً مع عدوِّكم مع الامام المستتر مطيعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحقِّ، خائفون على إمامكم وأنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حقٍّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطرُّوكم إلى حرث الدُّنيا(١) وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم، فهنيئاً لكم هنيئاً.

قال: فقلت له: جعلت فداك فما نتمنّى إذا أن نكون من أصحاب الامام القائم في ظهور الحقِّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة

__________________

(١) في بعض النسخ « إلى جدب الأرض ».

٦٤٦

الحقِّ؟ فقال: سبحان الله: أما تحبّون أن يظهر الله عزَّ وجلَّ الحق والعدل في البلاد، ويحسن حال عامّة العباد(١) ، ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله عزَّ وجلَّ في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويردَّ الله الحقَّ إلى أهله فيظهروه حتّى لا يستخفى بشيء من الحقِّ مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمّار لا يموت منكم ميت على الحال الّتي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند الله عزَّ وجلَّ من كثير ممّن شهد بدراً واحداً فأبشروا.

٨ - حدّثنا عليُّ بن أحمدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن الحسين بن يزيد النوفليِّ، عن أبي إبراهيم الكوفيِّ قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فكنت عنده إذ دخل عليه أبو الحسن موسى ابن جعفرعليهما‌السلام وهو غلام فقمت إليه وقبّلت رأسه وجلست فقال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا أبا إبراهيم أما إنَّه صاحبك من بعدي، أما ليهلكنَّ فيه أقوام ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله، وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجنَّ الله عزَّ وجلَّ من صلبه خير أهل الأرض في زمانه بعد عجائب تمر به حسداً له، ولكن الله تعالى بالغ أمره ولو كره المشركون يخرج الله تبارك وتعالى من صلبه تكملة اثني عشر مهديّاً، واختصّهم الله بكرامته وأحلّهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذبُّ عنه. فدخل رجل من موالي بني اُميّة فانقطع الكلام وعدت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام خمس عشرة مرَّة اريد استتمام الكلام فما قدرت على ذلك، فلمّا كان من قابل دخلت عليه وهو جالس فقال لي: يا أبا إبراهيم هو المفرِّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد وبلاء طويل وجور، فطوبى لمن أدرك ذلك الزَّمان، حسبك الله يا أبا إبراهيم قال أبو إبراهيم: فما رجعت بشيء أسرُّ إليَّ من هذا ولا أفرح لقلبي منه(٢) .

__________________

(١) في بعض النسخ « عامّة النّاس ».

(٢) تقدَّم هذا الخبر بتمامه ص ٣٣٤.

٦٤٧

٥٦

( باب )

* (النهى عن تسمية القائمعليه‌السلام ) *

١ - حدَّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدَّثني سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزبد عن الحسن بن محبوب، عن عليِّ بن رئاب، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: صاحب هذا الامر رجل لا يسميه باسمه إلّا كافر.

٢ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن عليِّ بن الحسن بن فضّال، عن الرّيّان بن الصلت قال: سئل الرِّضاعليه‌السلام عن القائمعليه‌السلام فقال: لا يرى جسمه، ولا يسمّى باسمه

٣ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيِّ قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: سأل عمر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن المهديِّ فقال: يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهديِّ ما اسمه؟ قال أما اسمه فلا، إنَّ حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا اُحدِّث باسمه حتّى يبعثه الله عزَّ وجلَّ وهو ممّا استودع الله عزَّ وجلَّ رسوله في علمه.

٤ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن أحمد العلويّ، عن أبي هاشم الجعفريّ قال: سمعت أبا الحسن العسكريّعليه‌السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن ابني فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ قلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال: لانّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليه وسلامه.

٦٤٨

٥٧

( باب )

* (ما روى في علامات خروج القائمعليه‌السلام ) *

١ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليٍّ، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى عن محمّد بن حكيم، عن ميمون البان، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: خمس قبل قيام القائمعليه‌السلام : اليمانيُّ والسفيانيُّ والمنادي يناديُّ من السّماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.

٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن عبد الله بن محمّد الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن شعيب الحذّاء، عن صالح مولى بني العذراء قال: سمعت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام يقول: ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزّكيّة إلّا خمسة عشر ليلة.

٣ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريِّ، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب الخزّاز، والعلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنَّ قدّام القائم علامات تكون من الله عزَّ وجلَّ للمؤمنين، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال: ذلك قول الله عزَّ وجلَّ « ولنبلونّكم » يعني المؤمنين قبل خروج القائمعليه‌السلام «بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين »(١) قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم « ونقص من الأموال » قال: كساد التجارات وقلة الفضل. ونقص من الانفس قال: موت ذريع(٢) .

__________________

(١) البقرة: ١٥٥.

(٢) الذريع: السريع.

٦٤٩

ونقص من الثمرات قال: قلّة ريع ما يزرع « وبشّر الصابرين » عند ذلك بتعجيل خروج القائمعليه‌السلام .

ثمَّ قال لي: يا محمّد هذا تأويله إنَّ الله تعالى يقول: «وما يعلم تأويله إلّا الله والرَّاسخون في العلم »(١) .

٤ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي عن الحارث بن المغيرة البصريِّ، عن ميمون البان قال: كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام في فسطاطه فرفع جانب الفسطاط فقال: إنَّ أمرنا قد كان أبين من هذه الشمس، ثمّ قال: ينادي مناد من السّماء فلان بن فلان هو الامام باسمه، وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة العقبة.

٥ - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى ابن أعين، عن المعلّي بن خنيس، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنَّ أمر السفيانيِّ من الامر المحتوم، وخروجه في رجب.

٦ - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم ابن عمر، عن أبي أيّوب، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الصيحة الّتي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان.

٧ - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن - حنظلة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: قبل قيام القائم خمس علامات محتومات اليمانيُّ، والسفيانيُّ، والصيحة، وقتل النفس الزّكيّة، والخسف بالبيداء.

٨ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد ابن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ينادي مناد باسم القائمعليه‌السلام ، قلت: خاصٌّ أو عام؟ قال: عام يسمع كلُّ قوم بلسانهم، قلت: فمن يخالف القائمعليه‌السلام وقد نودي باسمه؟ قال: لا

__________________

(١) آل عمران: ٧.

٦٥٠

يدعهم إبليس حتّى ينادي [ في آخر الليل ](١) ويشكّك الناس.

٩ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويهرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليٍّ الكوفيّ، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : قال: أبيعليه‌السلام : قال: أمير المؤمنينعليه‌السلام : يخرج ابن آكلة الاكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة، وحش الوجه(٢) ، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور، إسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان حتّى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين(٣) فيستوي على منبرها.

١٠ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان عن عمر بن يزيد قال: قال لي أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : إنّك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث النّاس، أشقر أحمر أزرق، يقول: يا ربّ ثاري ثاري ثمّ النّار(٤) ، وقد بلغ من خبثه أنَّه يدفن اُمُّ ولد له وهي حية مخافة أن تدلَّ عليه.

١١ - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمّد بن عليٍّ الكوفيِّ قال: حدّثنا الحسين بن سفيان، عن قتيبة بن محمّد، عن عبد الله بن أبي منصور البجليِّ قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن اسم السفيانيِّ فقال: وما تصنع باسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق، وحمص، وفلسطين، و

__________________

(١) قال في البحار: الظاهر « في آخر النهار » كما سيأتي تحت رقم ١٤، ولعله من النساخ ولم يكن في بعض النسخ « في أخر الليل » أصلاً فالزيادة من النساخ.

(٢) أي يستوحش من يراه ولا يستأنس به وفى بعض النسخ « وخش الوجه » بالخاء المعجمة، والوخش: الردي من كلّ شيء، ورذال النّاس وسقاطهم للواحد والجمع والمذكر والمؤمث، (القاموس) وفى بعض النسخ المصححة « خشن الوجه ».

(٣) يعني الكوفة كما جاءت به الاخبار.

(٤) في غيبة النعماني بسند آخر عنهعليه‌السلام « يا ربّ ثارى والنار، يا ربّ ثارى والنار » ولعل المعنى يا ربّ إنّي اطلب ثارى ولو بدخول النار.

٦٥١

الاردن، وقنّسرين، فتوقّعوا عند ذلك الفرج، قلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: لا ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً.

١٢ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أحمد بن عليٍّ الانصاريُّ، عن أبي الصلت الهرويِّ قال: قلت للرضاعليه‌السلام : ما علامات القائم منكم إذا خرج؟ قال: علامته أن يكون شيخ السنِّ، شابَّ المنظر حتّى أنَّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنّة أو دونها، وإنَّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيّام والليالي حتّى يأتيه أجله.

١٣ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويهرضي‌الله‌عنه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن محمّد بن علىٍّ الكوفيِّ، عن أبيه، عن أبي المغرا، عن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: صوت جبرئيل من السّماء، وصوت إبليس من الأرض، فاتّبعوا الصوت الاوَّل، وإياكم والاخير أن تفتتنوا به.

١٤ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّلرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : أنَّ أبا جعفرعليه‌السلام كان يقول: أنَّ خروج السفياني من الامر المحتوم؟ قال [ لي ]: نعم، واختلاف ولد العبّاس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائمعليه‌السلام من المحتوم، فقلت له: كيف يكون [ ذلك ] النداء؟ قال: ينادي مناد من السّماء أول النهار: إلّا أنَّ الحقّ في عليٍّ وشيعته، ثمّ ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: إلّا أنَّ الحقَّ في السفيانيِّ وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون.

١٥ - حدّثنا محمّد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى بن أعين، عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أنَّ أمر السفياني من المحتوم وخروجه في رجب.

١٦ - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم ابن عمر، عن أبي أيّوب، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الصيحة الّتي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان.

٦٥٢

١٧ - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن موسىرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عز محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جدهعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام - وهو على المنبر -: يخرج رجل من ولدي في آخر الزَّمان أبيض اللّون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن(١) عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين(٢) بظهره شامتان: شامة على لون جلده(٣) وشامة على شبه شامة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأمّا الّذي يخفى فأحمد وأمّا الّذي يعلن فمحمد، إذا هزَّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلّا صار قلبه أشدَّ من زبر الحديد، واعطاه الله تعالي قوَّة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلّا دخلت عليه تلك الفرحة [ في قلبه ] وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه.

١٨ - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنَّ العلم بكتاب الله عزَّ وجلَّ وسنّة نبيّةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتّى يراه فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت الرَّحمة والنبوَّة ومعدن العلم وموضع الرسالة.

وروي أنَّ التسليم على القائمعليه‌السلام أن يقال له: « السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه ».

١٩ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي، عن

__________________

(١) مبدح البطن أي واسعه وعريضه - والبداح. المتسع من الارض. والبدح - بالكسر -: الفضاء الواسع وامرأة بيدح أي بادن. والابدح: الرَّجل الطويل [ السمين ] والعريض الجنين من الدواب (القاموس).

(٢) « مشاش » جمع المشاشة - بالضم - وهي رأس العظم الممكن المضغ

(٣) الشامة علامة تخالف البدن الّذي هي فيه اما باللون أو التورم، وهي الخال.

٦٥٣

أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال: أبو جعفرعليه‌السلام : يخرج القائمعليه‌السلام يوم السبب يوم عاشورا يوم الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام .

٢٠ - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد اللهعليه‌السلام : كم يخرج مع القائمعليه‌السلام ؟ فإنّهم يقولون: أنَّه يخرج معه مثل عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، قال: وما يخرج إلّا في أولي قوَّة، وما تكون أولوا القوة أقلَّ من عشرة آلاف.

٢١ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّاررضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن أبي خالد القمّاط، عن ضريس، عن أبي خالد الكابليِّ، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدَّة أهل بدر فيصبحون بمكّة، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: «أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً »(١) وهم أصحاب القائمعليه‌السلام .

٢٢ - حدّثنا محمّد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان بن يحيى، عن مندل(٢) ، عن بكار ابن أبي بكر، عن عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائمعليه‌السلام عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت له: كيف لنا أن نعلم ذلك؟ فقال: يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب « طاعة معروفة ».

وروي أنَّه يكون في راية المهديِّعليه‌السلام « البيعة لله عزَّ وجلَّ ».

٢٣ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن عبيد بن كرب(٣) قال: سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول: إن لنا أهل البيت راية من تقدمها مرق ومن تأخر عنها محق، ومن تبعها(٤) لحق.

__________________

(١) البقرة: ١٤٨.

(٢) في أكثر النسخ « منذر ».

(٣) كذا والظاهر أنَّه تصحيف والصواب عبيد الكندي الكوفيّ ذكره ابن حبان في الثقات.

(٤) في بعض النسخ « من لزمها ».

٦٥٤

٢٤ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ قال: حدّثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ، عن أبيه محمّد بن خالد، عن إبراهيم ابن عقبة، عن زكريّا، عن أبيه، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: يموت سفيه من آل العبّاس بالسر، يكون سبب موته أنَّه ينكح خصيا فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج [ إلى آخر من يخرج ] حتّى يذهب ملكهم.

٢٥ - حدّثنا محمّد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن الحكم الحنّاط، عن محمّد بن همّام، عن ورد، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إثنان بين يدي هذا الامر: خسوف القمر لخمس، وكسوف الشمس لخمس عشرة [ و ] لم يكن ذلك منذ هبط آدمعليه‌السلام إلى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجّمين(١) .

٢٦ - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيِّ، عن معمر بن يحيى، عن أبي خالد الكابليِّ، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: إذا بنى بنو العبّاس مدينة على شاطيء الفرات كان بقاؤهم بعدها سنة.

٢٧ - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرّحمن بن الحجاج، عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: قدّام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض، حتّى يذهب من كلِّ سبعة خمسة، الموت الاحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون.

٢٨ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّلرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ بن الحسين السعد آباديُّ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: تنكسف الشمس لخمس مضين من شهر رمضان قبل قيام القائمعليه‌السلام .

٢٩ - وبهذا الاسناد، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير؛ ومحمّد بن مسلم قالا: سمعنا

__________________

(١) ذلك لأنّ الخسوف في أواسط الشهر والكسوف في أواخره كما هو المعهود.

٦٥٥

أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: لا يكون هذا الامر حتّى يذهب ثلث النّاس، فقيل له: إذا ذهب ثلث النّاس فما يبقى؟ فقالعليه‌السلام : أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي.

قال [ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه ] مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : وقد أخرجت ما روي في علامات القائمعليه‌السلام وسيرته وما يجري في أيّامه في الكتاب السر المكتوم إلى الوقت المعلوم [ ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم ].

٥٨

( باب )

* (في نوادر الكتاب) *

١ - حدّثنا أحمد بن هارون القاضي(١) ؛ وجعفر بن محمّد بن مسرور، وعليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر بن جامع الحميريُّ قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الدقاق، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال: سألت الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: «والعصر إنَّ الانسان لفي خسر » قالعليه‌السلام : العصر عصر خروج القائمعليه‌السلام «إنَّ الانسان لفي خسر » يعني أعداءنا «إلّا الّذين آمنوا » يعني بآياتنا «وعملوا الصالحات » يعني بمواساة الاخوان «وتواصوا بالحقِّ » يعني بالامامة «وتواصوا بالصبر » يعني في الفترة.

قال مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : إنَّ قوماً قالوا بالفترة واحتجوا بها، وزعموا أنَّ الامامة منقطعة كما انقطعت النبوَّة والرِّسالة من نبيٍّ إلى نبيٍّ ورسول إلى رسول بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأقول وبالله التوفيق : إنَّ هذا القول مخالف للحقِّ لكثرة الرِّوايات الّتي وردت أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة إلى يوم القيامة و

__________________

(١) في بعض النسخ « الفامي ».

٦٥٦

لم تخل من لدن آدمعليه‌السلام إلى هذا الوقت، وهذه الأخبار كثيرة شائعة(١) قد ذكرتها في هذا الكتاب وهي شائعة في طبقات الشيعة وفرقها، لا ينكرها منهم منكر، ولا يجحدها جاحد، ولا يتأولها متأوَّل، وإنَّ الأرض لا تخلو من إمام حيٍّ معروف إمّا ظاهر مشهور، أو خاف مستور، ولم يزل إجماعهم عليه إلى زماننا هذا فلامامة لا تنقطع ولا يجوز انقطاعها لانّها متّصلة ما اتصل الليل والنّهار.

٢ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد ابن عيسى بن عبيد قال: حدّثنا عليُّ بن الحكم، وعليّ بن الحسن(٢) ، عن نافع الورّاق عن هارون بن خارجة قال: قال لي هارون بن سعد العجلي(٣) : قد مات إسماعيل الّذي كنتم تمدُّون أعناقكم إليه وجعفر شيخ كبير يموت غداً أو بعد غد، فتبقون بلا إمام، فلم أدر ما أقول له، فأخبرت أبا عبد اللهعليه‌السلام بمقالته، فقال: هيهات هيهات أبى الله والله أن ينقطع هذا الامر حتّى ينقطع الليل والنهار فإذا رأيته فقل له: هذا موسى ابن جعفر، يكبر ويزوِّجه فيولد له ولد فيكون خلفاً إن شاء الله.

فهذا أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام يحلف بالله أنَّه لا ينقطع هذا الامر حتّى ينقطع الليل والنهار، والفترات بين الرُّسلعليهم‌السلام كانت جائزة لأنّ الرُّسل مبعوثة بشرائع الملّة وتجديدها ونسخ بعضها بعضاً، وليس الأنبياء والائمّةعليهم‌السلام كذلك ولا لهم ذلك لأنّه لا ينسخ بهم شريعة ولا يجدِّد بهم ملة، وقد علمنا أنَّه كان بين نوح وإبراهيم، وبين إبراهيم وموسى، وبين موسى وعيسى، وبين عيسى ومحمّدعليهم‌السلام أنبياء وأوصياء كثيرون(٤) وإنّما كانوا مذكّرين لامر الله، مستحفظين مستودعين لمّا جعل الله تعالى عندهم من الوصايا والكتب والعلوم وما جاءت به الرُّسل عن الله عزَّ وجلَّ

__________________

(١) في بعض النسخ « متتابعة ».

(٢) في بعض النسخ « عليّ بن الحسين ».

(٣) زيدي. (رجال ابن دادد).

(٤) في بعض النسخ « يكثر عددهم ».

٦٥٧

إلى أممهم، وكان لكلِّ نبي منهم مذكر عنه ووصيٌّ يؤدِّي ما استحفظه من علومه ووصاياه، فلمّا ختم الله عزَّ وجلَّ الرُّسل بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجز أن يخلو الأرض من وصي هاد مذكّر يقوم بأمره ويؤدِّي عنه ما استودعه، حافظاً لمّا ائتمنه عليه من دين الله عزَّ وجلَّ فجعل الله عزَّ وجلَّ ذلك سبباً لامامة منسوقة منظومة متّصلة ما اتّصل أمر الله عزَّ وجلَّ لأنّه لا يجوز أن تندرس آثار الأنبياء والرسل وأعلام محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وملته وشرائعه وفرائضه وسننه وأحكامه أو تنسخ أو تعفى(١) عليها آثار رسول آخر وشرائعه إذ لا رسول بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نبيُّ.

والامام ليس برسول ولا نبيٍّ ولا داع إلى شريعة ولا ملّة غير شريعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وملّته، فلا يجوز أن يكون بين الامام والامام الّذي بعده فترة، فالفترات جائزة بين الرُّسلعليهم‌السلام وفي الامامة غير جائزة، فلذلك وجب أنَّه لابدّ من إمام محجوج به.

ولا بدَّ أيضاً أن يكون بين الرَّسول والرَّسول - وإن كان بينهما فترة - إمامٌ وصيٌّ يلزم الخلق حجّته ويؤدِّي عن الرُّسل ما جاؤوا به عن الله تعالى، وينبّه عباده على ما أغفلوا، ويبيّن لهم ما جهلوا، ليعلموا أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يتركهم سدّى ولم يضرب عنهم الذّكر صفحاً، ولم يدعهم من دينهم في شبهة، ولا من فرائضه الّتي وظفّها عليهم في حيرة، والنبوَّة والرِّسالة سنّة من الله جلَّ جلاله، والامامة فريضة، والسنن تنقطع ويجوز تركها في حالات، والفرائض لا تزول ولا تنقطع بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأجل الفرائض وأعظمها خطراً الامامة الّتي تؤدَّى بها الفرائض والسنن، وبها كمل الدِّين وتمت النعمة، فالائمة من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه لا نبيَّ بعده، ليحملوا العباد على محجّة دينهم، ويلزموهم سبيل نجاتهم ويجنّبوهم موارد هلكتهم، ويبيّنوا لهم من فرائض الله عزَّ وجلَّ ما شذَّ عن أفهامهم ويهدوهم بكتاب الله عزَّ وجلَّ إلى مراشد، امورهم، فيكون

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ولعله « تقفي عليها ».

٦٥٨

الدِّين بهم محفوظاً لا تعترض فيه الشبهة، وفرائض الله عزَّ وجلَّ بهم مؤدَّاة لا يدخلها باطل، وأحكام الله ماضية لا يلحقها تبديل ولا يزيلها تغيير.

فالرِّسالة والنبوَّة سنن، ولامامة فرض وفرائض الله عزَّ وجلَّ الجارية علينا بمحمّد لازمة لنا، ثابتة لا تنقطع ولا تتغيّر إلى يوم القيامة مع أنّا لا ندفع الأخبار الّتي رويت أنَّه كان بين عيسى ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فترة لم يكن فيها نبي ولا وصي ولا ننكرها ونقول: أنّها أخبار صحيحة ولكنَّ تأويلها غير ما ذهب إليه مخالفونا من انقطاع الأنبياء والائمّة والرسلعليهم‌السلام .

وإنّما معنى الفترة أنَّه لم يكن بينهما رسولٌ، ولا نبيٌّ. ولا وصيٌّ ظاهر مشهورٌ كمن كان قبله، وعلى ذلك دلَّ الكتاب المنزل أنَّ الله عزَّ وجلَّ بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حين فترة من الرُّسل، لا من الأنبياء والاوصياء، ولكن قد كان بينه وبين عيسىعليهما‌السلام أنبياء وأئمّة مستورون خائفون، منهم خالد بن سنان العبسيُّ نبيٌّ لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر لتواطيء الأخبار بذلك عن الخاصِّ والعامِّ وشهرته عندهم، وأنَّ ابنته أدركت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخلت عليه فقال النبيُّ: هذه ابنة نبي ضيعه قومه خالد بن سنان العبسي، وكان بين مبعثه ومبعث نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسون سنّة، وهو خالد بن سنان بن بعيث(١) بن مريطة بن مخزوم ابن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس حدّثني بذلك جماعة من أهل الفقه والعلم:

٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد

__________________

(١) في بعض النسخ « لعيث ». وفي المعارف لابن قتيبة « أتت ابنته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقرأ « قل هو الله أحد » فقالت: كان أبي يقول هذا.

٦٥٩

ابن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن الوليد الخزَّاز، والسندي بن محمّد البزَّاز جميعاً، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان الاحمر، عن بشير النبّال، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادقعليهما‌السلام قالا: جاءت ابنة خالد بن سنان العبسيِّ إلى رسول الله وصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لها: مرحباً يا ابنة أخي وصافحها وأدناها وبسط لها رداءه، ثمّ أجلسها إلى جنبه، ثمَّ قال: هذه ابنة نبيٍّ ضيّعة قومه خالد بن سنان العبسيّ.

وكان اسمها محياة ابنة خالد بن سنان.

وبعد فلو لا الكتاب المنزل وما أخبرنا الله تعالى به على لسان نبيّنا المرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما اجتمعت عليه الاُمّة من النقل عنهعليه‌السلام في الخبر الموافق للكتاب أنَّه لا نبيَّ بعده لكان الواجب اللّازم في الحكمة أن لا يجوز أن يخلو العباد من رسول منذر ما دام التكليف لازماً لهم، وأن تكون الرُّسل متواترة إليهم على ما قال الله عزَّ وجلَّ: «ثمّ أرسلنا رسلنا تترا كلّما جاء اُمّة رسولها كذَّبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً »(١) ولقوله عزَّ وجلَّ: «لئلّا يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرُّسل »(٢) لأنّ علتهم لا تنزاح إلّا بذلك كما حكى تبارك وتعالى عنهم في قوله عزَّ وجلَّ «لو لا أرسلت إلينا رسولاً فنتّبع آياتك من قبل أن نذلَّ ونخزى »(٣) .

فكان من احتجاج الله عزَّ وجلَّ في جواب ذلك أن قال: «قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين »(٤) فعلل العباد مع التكليف لا تنزاح(٥) إلّا برسول منذر مبعوث إليهم ليقيم أودهم ويخبرهم بمصالح أمورهم ديناً ودنياً، وينصف مظلومهم من ظالمهم، و

__________________

(١) المؤمنون: ٤٤.

(٢) النساء: ١٦٤.

(٣) طه: ١٣٤.

(٤) آل عمران: ١٨٣.

(٥) أي لا تبعد ولا تزول.

٦٦٠

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686