كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة5%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 143687 / تحميل: 8062
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومن الدّليل على أنَّ الحسن بن عليعليهما‌السلام قد نصَّ ثبات إمامته، وصحّة النصّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفساد الاختيار، ونقل الشيع عمّن قد أوجبوا بالادلّة تصديقه أنَّ الامام لا يمضي أو ينصّ على إمام كما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كان النّاس محتاجين في كلّ عصر إلى من يكون خبره لا يختلف ولا يتكاذب كما اختلفت أخبار الاُمّة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت وأن يكون إذا أمر ائتمر بطاعته ولا يد فوق يده ولا يسهو ولا يغلط وأن يكون عالماً ليعلم النّاس ما جهلوا، وعادلاً ليحكم بالحق، ومن هذا حكمه فلابدّ من أن ينصَّ عليه علّام الغيوب على لسان من يؤدِّي ذلك عنه إذ كان ليس في ظاهر خلقته ما يدلُّ على عصمته.

فإن قالت المعتزلة: هذه دعاوي تحتاجون إلى أن تدلّوا على صحّتها، قلنا: أجل لابدّ من الدلائل على صحّة ما ادعيناه من ذلك وأنتم، فإنما سألتم عن فرع والفرع لا يدلُّ عليه دون أن يدلَّ على صحّة أصله، ودلائلنا في كتبنا موجودة على صحّة هذه الاصول ونظير ذلك أنَّ سائلا لو سألنا الدّليل على صحّة الشرايع لاحتجنا أن ندل على صحّة الخبر وعلى صحّة نبوَّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أنَّه أمر بها، وقبل ذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ واحدٌ حكيمٌ، وذلك بعد فراغنا من الدّليل على أنَّ العالم محدث، وهذا نظير ما سألونا عنه، وقد تأمّلت في هذه المسألة فوجدت غرضها ركيكاً وهو أنّهم قالوا: لو كان الحسن بن عليُّعليهما‌السلام قد نصَّ على من تدَّعون إمامته لسقطت الغيبة.

و الجواب في ذلك أنَّ الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الانسان إلى بلد يكون معروفاً فيه ومشاهداً لأهله، ويكون غائباً عن بلد آخر، وكذلك قد يكون الانسان غائباً عن قوم دون قوم، وعن أعدائه لا عن أوليائه فيقال: إنَّه غائب وإنّه مستتر، وإنّما قيل غائب لغيبته عن أعدائه وعمّن لا يوثق بكتمانه من أوليائه وإنّه ليس مثل آبائهعليهم‌السلام ظاهراً للخاصّة والعامّة وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه وهم عندنا ممّن تجب بنقلهم الحجّة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم، ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائهعليهم‌السلام وإن خالفهم مخالفوهم فيها وكما تجب بنقل المسلمين صحّة آيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى القرآن وإن خالفهم

٦١

أعداؤهم من أهل الكتاب والمجوس والزَّنادقة والدَّهريّة في كونها. ولبست هذه مسألة تشتبه على مثلك مع ما أعرفه من حسن تأمّلك.

و أما قولهم(١) إذا ظهر فكيف يعلم أنَّه محمّد بن الحسن بن عليٍّعليهم‌السلام ؟.

فالجواب في ذلك أنَّه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجّة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم.

و جواب آخر وهو أنَّه قد يجوز أن يظهر معجزاً يدلُّ على ذلك. وهذا الجواب الثّاني هو الّذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به وإن كان الأوّل صحيحاً.

وأمّا قول المعتزلة: فكيف لم يحتجَّ عليهم عليُّ بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشورى؟ فإنا نقول: أنَّ الأنبياء والحججعليهم‌السلام إنّما يظهرون من الدلالات والبراهين حسب ما يأمرهم الله عزَّ وجلَّ به ممّا يعلم الله أنَّه صالح للخلق فإذا ثبتت الحجّة عليهم بقول النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ونصّه عليه فقد استغني بذلك عن إقامة المعجزات اللّهم إلّا أن يقول قائل: أنَّ إقامة المعجزات كانت أصلح في ذلك الوقت، فنقول له: وما الدّليل على صحّة ذلك؟ وما ينكر الخصم من أن تكون إقامته لها ليس بأصلح وأن يكون الله عزَّ وجلَّ لو أظهر معجزاً على يديه في ذلك الوقت لكفروا أكثر من كفرهم ذلك الوقت ولادَّعوا عليه السحر والمخرقة وإذا كان هذا جائزاً لم يعلم أنَّ إقامة المعجز كانت أصلح.

فإن قالت المعتزلة: فبأيّ شيء تعلمون أنَّ إقامة(٢) من تدعون إمامته المعجز على أنَّه ابن الحسن بن عليّعليهما‌السلام إصلح؟ قلنا لهم: لسنا نعلم أنَّه لابدّ من إقامة المعجز في تلك الحال وإنّما نجوز ذلك، اللّهمّ إلّا أن يكون لا دلالة غير المعجز فيكون لابدّ منه لاثبات الحجّة وإذا كان لابدّ منه كان واجباً وما كان واجباً كان صلاحاً لا فساداً، وقد علمنا أنَّ الأنبياءعليهم‌السلام قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت ولم يقيموها في كلِّ يوم ووقت ولحظة وطرفة وعند كلّ محتجٍّ عليهم ممّن أراد الاسلام، بل في

__________________

(١) أي قول المعتزلة.

(٢) في بعض النسخ « أن أقام ».

٦٢

وقت دون وقت على حسب ما يعلم الله عزَّ وجلَّ من الصلاح. وقد حكى الله عزَّ وجلَّ عن المشركين أنّهم سألوا نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّ يرقى في السّماء وأن يسقط السّماء عليهم كسفاً أو ينزِّل عليهم كتاباً يقرؤونه وغير ذلك ممّا في الآية، فما فعل ذلك بهم، وسألوه أن يحيى لهم قصيَّ بن كلاب وأن ينقل عنهم جبال تهامة فما أجابهم إليه وإن كانعليه‌السلام قد أقام لهم غير ذلك من المعجزات، وكذا حكم ما سألت المعتزلة عنه، ويقال لهم كما قالوا لنا لم نترك أوضح الحجج وأبين الادلّة من تكرُّر المعجزات والاستظهار بكثرة الدّلالات.

وأمّا قول المعتزلة: إنَّه احتجّ بما يحتمل التأويل، فيقال: فما احتجَّ عندنا على أهل الشورى إلّا بما عرفوا من نصِّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ أولئك الروساء لم يكونوا جهّالاً بالامر وليس حكمهم حكم غيرهم من الاتباع، ونقلب هذا الكلام على المعتزلة فيقال لهم لم لم يبعث الله عزَّ وجلَّ بأضعاف من بعث من الانبياء؟ ولم لم يبعث في كلّ قرية نبيّاً وفي كلّ عصر ودهر نبيّاً أو أنبياء إلى أن تقوم الساعة؟ ولم لم يبيّن معاني القرآن حتّى لا يشك فيه شاك ولم تركه محتملاً للتأويل؟ وهذه المسائل تضطرُّهم إلى جوابنا. إلى ههنا كلام أبي جعفر بن قبة -رحمه‌الله -.

كلام لأحد المشايخ في الرد على الزيدية:

وقال غيره من متكلّمي مشايخ الاماميّة: إنَّ عامّة مخالفينا قد سألونا في هذا الباب عن مسائل ويجب عليهم أن يعلموا أنَّ القول بغيبة صاحب الزَّمانعليه‌السلام مبنيٌّ على القول بإمامة آبائهعليهم‌السلام ، والقول بأمامة آبائهعليهم‌السلام مبنيٌّ على القول بتصديق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمامته، وذلك أنَّ هذا باب شرعيٌّ وليس بعقليٍّ محض والكلام في الشرعيات مبني على الكتاب والسنة كما قال الله عزَّ وجلَّ: « فإنَّتنازعتم في شيء (يعني في الشرعيّات)فردُّوه إلى الله وإلى الرَّسول »(١) فمتى شهد لنا الكتاب والسنّة وحجّة العقل فقولنا هو المجتبى، ونقول: أنَّ جميع طبقات الزيديّة و

__________________

(١) النساء: ٥٩.

٦٣

الاماميّة قد اتفقوا على أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الخليفتان من بعدي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض » وتلقّوا هذا الحديث بالقبول فوجب أنَّ الكتاب لا يزال معه من العترة من يعرف التنزيل والتأويل علما يقينا يخبر عن مراد الله عزَّ وجلَّ كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر عن المراد ولا يكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطاً ولا استخراجاً كما لم تكن معرفة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك استخراجاً ولا استنباطاً ولا استدلالاً ولا على ما تجوز عليه اللّغة وتجري عليه المخاطبة، بل يخبر عن مراد الله ويبيّن عن الله بيانا تقوم بقوله الحجّة على النّاس، كذلك يجب أن يكون معرفة عترة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكتاب على يقين ومعرفة وبصيرة، قال الله عزَّ وجلَّ في صفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني »(١) فأتباعه من أهله وذريّته وعترته هم الّذين يخبرون عن الله عزَّ وجلَّ مراده من كتابه على يقين ومعرفة وبصيرة، ومتى لم يكن المخبر عن الله عزَّ وجلَّ مراده ظاهراً مكشوفاً فانّه يجب علينا أن نعتقد أنَّ الكتاب لا يخلو من مقرون به من عترة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف التأويل والتنزيل إذ الحديث يوجب ذلك.

وقال علماء الاماميّة: قال الله عزَّ وجلَّ: «إنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذريّة بعضها من بعض »(٢) فوجب بعموم هذه الآية أن لا يزال في آل إبراهيم مصطفى وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ جنّس النّاس في هذا الكتاب جنسين فاصطفى جنسا منهم وهم الأنبياء والرسل والخلفاءعليهم‌السلام وجنساً اُمروا باتباعهم، فما دام في الأرض من به حاجة إلى مدبّر وسائس ومعلّم ومقوِّم يجب أن يكون بازائهم مصطفى من آل إبراهيم ويجب أن يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض لقوله عزَّ وجلَّ « ذرّيّة بعضها من بعض » وقد صحَّ أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم المصطفون من آل إبراهيم فوجب

__________________

(١) يوسف: ١٠٨.

(٢) آل عمران: ٣٣.

٦٤

أن يكون المصطفى بعد الحسينعليه‌السلام منه لقوله عزَّ وجلَّ «ذرّيّة بعضها من بعض » ومتى لم تكن الذّرّية منه لا تكون الذّرّية بعضها من بعض إلّا أن تكون في بطن دون جميعهم وكانت الامامة قد انتقلت عن الحسن إلى أخيه الحسينعليهما‌السلام وجب أن يكون منه ومن صلبه من يقوم مقامه وذلك معنى قوله تعالى «ذرّيّة بعضها من بعض والله سميع عليم »، فدلّت الآية على ما دلّت السنّة عليه.

استدلال على وجود امام غائب من العترة يظهر ويملا الأرض عدلا:

وقال بعض علماء الاماميّة: كان الواجب علينا وعلى كلّ عاقل يؤمن بالله وبرسوله وبالقرآن وبجميع الأنبياء الّذين تقدَّم كونهم كون نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتأمّل حال الاُمم الماضية والقرون الخالية فإذا تأمّلنا وجدنا حال الرُّسل والامم المتقدّمة شبيهة بحال أمّتنا وذلك أنَّ قوّة كلّ دين كانت في زمن أنبيائهمعليهم‌السلام إنّما كانت متى قبلت الاُمم الرُّسل فكثر أتباع الرَّسول في عصره ودهره فلم تكن أمة كانت أطوع لرسولها بعد أنَّ قوي أمر الرَّسول من هذه الاُمّة لأنّ الرُّسل الّذين عليهم دارت الرحى قبل نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نوح وإبراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام هم الرُّسل الّذين في يد الاُمم آثارهم وأخبارهم، ووجدنا حال تلك الاُمم اعترض في دينهم الوهن في المتمسّكين به لتركهم كثيراً ممّا كان يجب عليهم محافظته في أيّام رسلهم وبعد مضيِّ رسلهم وكذلك ما قال الله عزّ وجلّ: «قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً ممّا كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير »(١) .

وبذلك وصف الله عزَّ وجلَّ أمر تلك القرون فقال عزَّ وجلَّ: «فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً »(٢) وقال الله عزّ وجلّ لهذه الاُمّة: «ولا يكونوا كالّذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم »(٣) .

__________________

(١) المائدة: ١٨.

(٢) مريم: ٥٩.

(٣) الحديد: ١٦.

٦٥

وفي الاثر « أنَّه يأتي على النّاس زمان لا يبقى فيهم من الاسلام إلّا اسمه ومن القرآن إلّا رسمه » وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنَّ الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء » فكان الله عزَّ وجلَّ يبعث في كلّ وقت رسولاً يجدِّد لتلك الاُمم ما انمحى من رسوم الدِّين واجتمعت الاُمّة إلّا من لا يلتفت إلى اختلافه، ودلّت الدّلائل العقليّة أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد ختم الأنبياء بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا نبيَّ بعده، ووجدنا أمر هذه الاُمّة في استعلاء الباطل على الحقّ والضلال على الهدى بحال زعم كثيرٌ منهم أنَّ الدّار اليوم دار كفر وليست بدار الاسلام، ثمّ لم يجر على شيء من اُصول شرايع الاسلام ما جرى في باب الامامة، لأنّ هذه الاُمّة يقولون: لم يقم [ لهم ] بالامامة منذ قتل الحسينعليه‌السلام إمامٌ عادلٌ لا من نبي اُميّة ولا من ولد عبّاس الّذين جارت أحكامهم على أكثر الخلق، ونحن والزّيديّة وعامة المعتزلة وكثير من المسلمين يقولون: أنَّ الامام لا يكون إلّا من ظاهره ظاهر العدالة، فالاُمّة في يد الجائرين يلعبون بهم ويحكمون في أموالهم وأبدانهم بغير حكم الله، وظهر أهل الفساد على أهل الحقِّ وعدم اجتماع الكلمة، ثمّ وجدنا طبقات الاُمّة كلّهم يكفر بعضهم بعضاً، ويبرأ بعضهم من بعض.

ثمّ تأمّلنا أخبار الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدناها قد وردت بأن الأرض تملا قسطاً وعدلاً كما ملئت جورا وظلما برجل من عترته، فدلنا هذا الحديث على أنَّ القيامة لا تقوم على هذه الاُمّة إلّا بعد ما ملئت الأرض عدلا، فإنَّ هذا الدِّين الّذي لا يجوز عليه النسخ ولا التبديل سيكون له ناصر يؤيّده الله عزَّ وجلَّ كما أيّد الأنبياء والرُّسل لمّا بعثهم لتجديد الشرايع وإزالة ما فعله الظالمون فوجب لذلك أن تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودةً غير معدومة، وقد علمنا عامة اختلاف الاُمّة وسبرنا أحوال الفرق، فدلّنا أنَّ الحقَّ مع القائلين بالأئمّة الاثنى عشرعليهم‌السلام دون من سواهم من فرق الاُمّة، ودلّنا ذلك على أنَّ الامام اليوم هو الثاني عشر منهم وأنّه الّذي أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ونصَّ عليه. وسنورد في هذا الكتاب ما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدد الائمّةعليهم‌السلام وإنّهم اثنا عشر والنص على القائم الثاني عشر،

٦٦

والاخبار بغيبته قبل ظهوره وقيامه بالسيف إن شاء الله تعالى.

اعتراضات للزيدية:

قال بعض الزّيديّة: إنَّ الرِّواية الّتي دلت على أنَّ الائمّة اثنا عشر قول أحدثه الاماميّة قريباً وولّدوا فيه أحاديث كاذبة.

فنقول - وبالله التوفيق -: إنَّ الأخبار في هذا الباب كثيرة والمفزع والملجأ إلى نقلة الحديث وقد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً مستفيضاً من حديث عبد الله ابن مسعود ما حدّثنا به أحمد بن الحسن القطّان المعروف بأبي عليِّ بن عبد ربّه الرّازيُّ وهو شيخ كبير لاصحاب الحديث قال: حدّثنا أبو يزيد محمّد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزيُّ بالري في شهر ربيع الأوّل سنة اثنين وثلاثمائة، عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين المعروف باسحاق بن راهويه، عن يحيى بن يحيى(١) ، عن هشام، عن مجالد(٢) عن الشعبيِّ، عن مسروق قال: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شابٌّ: هل عهد إليكم نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنّك لحدث السنِّ وإنَّ هذا شيء ما سألني عنه أحد [ من ] قبلك، نعم

__________________

(١) هو يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي أبو زكريا النيسابوري ثقة. وأما اسحاق بن راهويه فهو أبو يعقوب الحنظلي المروزي المحدث الفقيه، قال ابن حنبل: اسحاق عندنا امام من أئمّة المسلمين وما عبر جسر أفضل منه (راجع تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٢٩٦ وج ١ ص ٢١٦).

(٢) في بعض النسخ « هشام بن خالد » وفى أكثرها « هشام بن مجالد » وفى مسند أحمد ج ١ ص ٣٩٨ هذا الحديث بعينه « عن حماد بن زيد، عن المجالد، عن الشبعى » وعليه فالمراد هشام بن سنبر الدستوائي الّذي يأتي، يروى عن مجالد بن سعيد بن عمير أبي عمرو هو كما قال ابن حجر ليس بالقوي. وفي كفاية الاثر أيضاً « عن هشام الدستوائي، عن مجالد بن سعيد » وهذا هو الصواب لمّا في طريق الشيخ في كتاب الغيبة « عن عميس بن يونس عن مجالد بن سعيد » وقلنا المراد بهشام أبو بكر البصري واسم ابيه « سنبر » وهو ثقة ثبت. وفي الخصال « هيثم بن خالد » وهو تصحيف. وأما الشعبي فهو عامر بن شراحيل أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل كما في التقريب. وأما مسروق فهو مسروق بن الاجدع بن مالك الهمداني الوادعي ثقة فقيه عابد.

٦٧

عهد إلينا نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني اسرائيل.

وقد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب وبعضها في كتاب النصِّ على الائمّة الاثنى عشرعليهم‌السلام . بالامامة. ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً ظاهراً مستفيضاً من حديث جابر بن سمرة ما حدّثنا به أحمد بن محمّد بن إسحاق الدّينوريِّ، وكان من أصحاب الحديث قال: حدّثني أبو بكر بن أبي داود(١) ، عن إسحاق بن إبراهيم ابن شاذان، عن الوليد بن هشام، عن محمّد بن ذكوان(٢) قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن سيرين، عن جابر بن سَمُرة السوائي قال: كنّا عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يلي هذه الاُمّة اثنا عشر، قال: فصرخ النّاس فلم أسمع ما قال: فقلت لابي - وكان أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي: ما قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: قال: كلّهم من قريش وكلّهم لا يرى مثله.

و قد أخرجت طرق هذا الحديث أيضاً، وبعضهم روى « اثنا عشر أميرا »، وبعضهم روى « اثنا عشر خليفة » فدلَّ ذلك على أنَّ الاخبار الّتي في يد الاماميّة، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمّةعليهم‌السلام بذكر الائمّة الاثنى عشر أخبارٌ صحيحة(٣) .

قالت الزّيديّة: فإنَّ كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عرَّف اُمّته أسماء الأئمّة الاثنى عشر فلم ذهبوا عنه يميناً وشمالاً وخبطوا هذا الخبط العظيم؟

فقلنا لهم: إنّكم تقولون: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلف عليّاًعليه‌السلام وجعله الامام بعده ونصِّ عليه وأشار إليه وبيّن أمره وشّهره، فما بال أكثر الاُمّة ذهبت عنه و

__________________

(١) في الخصال « أبو بكر بن أبي زواد » ولم أظفر به.

(٢) في بعض النسخ من الخصال « مخول بن ذكوان » ولم أجده.

(٣) روى أحمد في مسنده هذا الحديث ونحوه من أربع وثلاثين طريقا عن جابر بن سمرة راجع المسند ج ٥ ص ٨٧ إلى ص ١٠٨. ورواه الخطيب أيضاً في التاريخ ج ١٤ ص ٣٥٣ من حديث جابر بن سمرة ونحوه في ج ٦ ص ٢٦٣ من حديث عبد الله بن عمرو وأخرجه مسلم في صحيحة كتاب الامارة بطرق عديدة من حديث جابر.

٦٨

تباعدت منه حتّى خرج من المدينة إلى ينبع(١) وجرى عليه ما جرى، فإنَّ قلتم: إنَّ علياعليه‌السلام لم يستخلفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم أودعتم كتبكم ذلك وتكلّمتم عليه، فإنَّ النّاس قد يذهبون عن الحق وإن كان واضحاً، وعن البيان وإن كان مشروحاً كما ذهبوا عن التوحيد إلى التلحيد، ومن قوله عزَّ وجلَّ: «ليس كمثله شيء » إلى التشبيه.

اعتراض آخر للزيدية:

قالت الزّيديّة: وممّا تكذب به دعوى الاماميّة أنّهم زعموا أنَّ جعفر بن محمّدعليهما‌السلام نصَّ لهم على إسماعيل وأشار إليه في حياته، ثمّ أنَّ إسماعيل مات في حياته فقال: « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني » فإنَّ كان الخبر الاثنا عشر صحيحاً فكان لا أقل من أن يعرفه جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ويعرِّف خواصَّ شيعته لئلّا يغلط هو وهم هذا الغلط العظيم.

فقلنا لهم: بم قلتم: أنَّ جعفر بن محمّدعليهما‌السلام نصَّ على إسماعيل بالامة؟ وما ذلك الخبر؟ ومن رواه؟ ومن تلقّاه بالقبول؟ فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، وإنّما هذه حكاية ولّدها قوم قالوا بامامة إسماعيل، ليس لها أصلٌ لأنّ الخبر بذكر الائمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام قد رواه الخاصُّ والعامُّ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمّةعليهم‌السلام ، وقد أخرجت ما روي عنهم في ذلك في هذا الكتاب. فأمّا قوله: « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني » فانه يقول: ما ظهر لله أمر كما ظهر له في أسماعيل ابني إذا اخترمه في حياتي(٢) ليعلم بذلك أنَّه ليس بامام بعدى. وعندنا من زعم أنَّ الله عزَّ وجلَّ يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس فهو كافرٌ والبراءة منه واجبة، كما روي عن الصادقعليه‌السلام .

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن - يحيى بن عمران الأشعريِّ قال: حدّثنا أبو عبد الله الرازي، عن الحسن بن الحسين

__________________

(١) في بعض النسخ « البقيع ».

(٢) اخترمة: أهلكه واستأصله.

٦٩

اللؤلؤيِّ، عن محمّد بن سنان، عن عمّار، عن أبي بصير؛ وسماعة، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: من زعم أنَّ الله يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه.

وإنّما البداء الّذي ينسب إلى الاماميّة القول به هو ظهور أمره. يقول العرب بدا لي شخص أي ظهر لي، لا بدا ندامة، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

وكيف ينصُّ الصادقعليه‌السلام على إسماعيل بالامامة مع قوله فيه: إنَّه عاص لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.

حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكّلرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعريّ، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد ابن أبي عمير، عن الحسن بن راشد قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن إسماعيل فقال: عاص، لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.

حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريسرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد ابن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، والبرقيِّ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد، عن عبيد بن زرارة قال: ذكرت إسماعيل عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال: والله لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.

حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن أبي نجران، عن الحسين بن المختار، عن الوليد بن - صبيح قال: جاءني رجلٌ فقال لي: تعال حتّى اريك ابن الرَّجل قال: فذهبت معه، قال: فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر، قال: فخرجت مغموماً فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلَّ أستار الكعبة بدموعه، قال: فخرجت أشتدَّ فإذا إسماعيل جالس مع القوم، فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه، قال: فذكرت ذلك لأبي عبد اللهعليه‌السلام فقال: لقد ابتلى ابني بشيطان يتمثل في صورته.

وقد روي أنَّ الشيطان لا يتمثّل في صورة نبيٍّ ولا في صورة وصيِّ نبيٍّ، فكيف يجوز أن ينصّ عليه بالامامة مع صحّة هذا القول منه فيه.

٧٠

اعتراض آخر:

قالت الزّيديّة: بأيّ شيء تدفعون إمامة إسماعيل وما حجّتكم على الاسماعيليّة القائلين بامامته؟

قلنا لهم: ندفع إمامته بما ذكرنا من الاخبار وبالأخبار الواردة بالنصِّ على الائمّة الاثنى عشرعليهم‌السلام وبموته في حياة أبيه.

فأمّا الاخبار الواردة بالنصِّ على الأئمّة الاثنى عشر فقد ذكرناها في هذا الكتاب.

وأمّا الاخبار الواردة بموته في حياة الصادقعليه‌السلام ما حدّثنا به أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، والحسن بن عليّ بن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن سعيد بن - عبد الله الاعرج قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لمّا مات إسماعيل أمرت به وهو مسجّى أن يكشف عن وجهه فقبلت جبهته وذقنه ونحره، ثمّ أمرت به فغطّي، ثمّ قلت: اكشفوا عنه فقبلت أيضاً جبهته وذقنه ونحره، ثمّ أمرتهم فغطّوه، ثمّ أمرت به فغسل ثمّ دخلت عليه وقد كفّن فقلت: اكشفوا عن وجهه، فقبّلت جبهته وذقنه ونحره وعوَّذته، ثمَّ قلت: درِّجوه. فقلت: بأي شيء عوذته؟ قال: بالقرآن.

قال مصنّف هذا الكتاب: في هذا الحديث فوائد أحدها الرُّخصة بتقبيل جبهة الميّت وذقنه ونحره قبل الغسل وبعده إلّا أنَّه من مسّ ميّتاً قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليه، فإنَّ مسّه بعد ما يبرد فعليه الغسل، وإن مسه بعد الغسل فلا غسل عليه، فلو ورد في الخبر أنَّ الصادقعليه‌السلام اغتسل بعد ذلك أو لم يغتسل لعلمنا بذلك أنَّه مسه قبل الغسل بحرارته أو بعد ما برد.

وللخبر فائدة أخرى وهي أنَّه قال: أمرت به فغسّل ولم يقل غسّلته وفي هذا الحديث أيضاً ما يبطل إمامة إسماعيل لأنّ الامام لا يغسّله إلّا إمام إذا حضره(١) .

__________________

(١) فيه نظر لأنّه يمكن أن يقال الاخبار الّتى وردت بان الامام لا يغسله إلّا الامام مع ضعف سندها لا تدل على وجوب المباشرة إنّما دلالته على أنَّ ولى الامام في التجهيز هو الامام الّذي بعده

٧١

حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرحمه‌الله قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أيوب بن نوح، ويعقوب يزيد، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن شعيب، عن أبي كهمس قال: حضرت موت إسماعيل وأبو عبد اللهعليه‌السلام جالس عنده فلمّا حضره الموت شدَّ لحييه وغطّاء بالملحفة ثمّ أمر بتهيئته، فلمّا فرغ من أمره دعا بكفنه وكتب في حاشية الكفن « إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله ».

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن إبراهيم ابن مهزيار، عن أخيه عليِّ بن مهزيار، عن محمّد بن أبي حمزة، عن مرّة مولى محمّد بن - خالد قال: لمّا مات إسماعيل فانتهى أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى القبر أرسل نفسه فقعد على جانب القبر لم ينزل في القبر، ثمّ قال: هكذا صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بابراهيم ولده.

حدثنا محمّد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن الحسين بن عمر، عن رجل من بني هاشم قال: لمّا مات إسماعيل خرج إلينا أبو عبد اللهعليه‌السلام فتقدّم السّرير بلا حذاء ولارداء.

حدثنا أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن جرير، عن إسماعيل بن جابر والارقط ابن عمِّ أبي عبد الله - قال: كان أبو عبد اللهعليه‌السلام عند إسماعيل حين قبض فلمّا رأي الارقط جزعه قال: يا أبا عبد الله قد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: فارتدع ثمّ قال: صدقت أنا لك اليوم أشكر.

حدثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّاررحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عمرو بن عثمان الثقفي،

__________________

سواء باشر ذلك بنفسه أو أمر من يفعل باذنه أو برضاه أن غاب، وفى التهذيب ج ١ ص ٨٦ والاستبصار ج ١ ص ٢٠٧. باب كيفيّة غسل الميت بطريق صحيح أعلائي عن معاوية بن عمار قال: « أمرني أبو عبد اللهعليه‌السلام أن أغمز بطنه، ثمّ أوضيه بالاشنان، ثمّ اغسل رأسه بالسدر ولحييه، ثمّ أفيض على جسده منه، ثمّ أدلك به جسده، ثمّ أفيض عليه ثلاثا، ثمّ أغسله بالماء القراح، ثمّ أفيض عليه الماء بالكافور وبالماء القراح وأطرح فيه سبع ورقات سدر ».

٧٢

عن أبي كهمس قال: حضرت موت إسماعيل بن أبي عبد اللهعليه‌السلام : فرأيت أبا عبد اللهعليه‌السلام وقد سجد سجدة فأطال السجود، ثمّ رفع رأسه فنظر إليه قليلا ونظر إلى وجهه [ قال: ] ثمّ سجد سجدة اخرى أطول من الاولى، ثمّ رفع رأسه وقد حضره الموت فغمضه وربط لحييه وغطّى عليه ملحفة، ثمّ قام وقد رأيت وجهه وقد دخله منه شيءٌ الله أعلم به، قال: ثمّ قام فدخل منزله فمكث ساعة، ثمّ خرج علينا مدهنا مكتحلا عليه ثياب غير الثياب الّتي كانت عليه ووجهه غير الّذي دخل به فأمر ونهي في أمره(١) حتّى إذا فرغ منه دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن « إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله ».

حدثنا أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن - عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبى الحسن ظريف بن ناصح، عن الحسن ابن زيد قال: ماتت ابنة لابي عبد اللهعليه‌السلام فناح عليها سنة، ثمّ مات له ولدٌ آخر فناح عليه سنة، ثمّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعاً شديداً فقطع النوح، قال: فقيل لابي عبد اللهعليه‌السلام : أصلحك الله أيناح في دارك؟ فقال: أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمّا مات حمزة: ليبكينَّ حمزة لا بواكي له(٢) .

حدثنا محمّد بن الحسنرحمه‌الله قال: حدّثنا الحسن بن متّيل الدَّقّاق قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن محمّد بن عبد الله الكوفيّ قال: لمّا حضرت إسماعيل بن أبي عبد الله الوفاة جزع أبو عبد اللهعليه‌السلام جزعاً شديداً قال: فلمّا غمضه دعا بقميص غسيل أو جديد فلبسه ثمّ تسرَّح وخرج يأمر وينهى قال: فقال له بعض أصحابه: جعلت فداك لقد ظنّنا أن لا ينتفع بك زماناً لمّا رأينا من جزعك، قال: إنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا.

حدثنا عليُّ بن أحمد بن محمّد الدّقّاقرحمه‌الله قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال: حدّثنا الحسين بن الهيثم قال:

__________________

(١) يعني في تجهيز اسماعيل.

(٢) في بعض النسخ « لكنّ حمزة لا بواكي له ».

٧٣

حدّثنا عبّاد بن يعقوب الاسديُّ قال: حدّثنا عنبسة بن بجّاد العابد قال: لمّا مات إسماعيل بن جعفر بن محمّد وفرغنا من جنازته جلس الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وجلسنا حوله وهو مطرقٌ، ثمّ رفع رأسه فقال: أيّها النّاس أنَّ هذه الدُّنيا دار فراق ودار التواء(١) لا دار استواء على أنَّ فراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا تردُّ(٢) وإنّما يتفاضل النّاس بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه، ومن لم يقدّم ولداً كان هو المقدَّم دون الولد، ثمّ تمثّلعليه‌السلام بقول أبي خراش الهذليُّ يرثي أخاه.

ولا تحسبي إنّي تناسيت عهده

ولكن صبري يا إمام جميل(٣)

اعتراض آخر:

قالت الزّيديّة: لو كان خبر الائمّة الاثنى عشر صحيحا لمّا كان النّاس يشكون بعد الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام في الامامة حتّى يقول طائفة من الشيعة بعبد الله وطائفة بإسماعيل وطائفة تتحير حتّى أنَّ الشيعة منهم من امتحن عبد الله بن الصادقعليه‌السلام فلمّا لم يجد عنده ما أراد خرج وهو يقول: إلى أين؟ إلى المرجئة أم إلى القدريّة؟ أم إلي الحروريّة وإن موسى بن جعفر سمعه يقول هذا فقال له: لا إلى المرجئة، ولا إلى القدريّة، ولا إلى الحروريّة ولكن إلىَّ. فانظروا من كم وجه يبطل خبر الاثنى عشر أحدها جلوس عبد الله للامامة، والثاني إقبال الشيعة إليه، والثالث حيرتهم عند امتحانه، والرّابع أنّهم لم يعرفوا أنَّ إمامهم موسى بن جعفرعليهما‌السلام حتّى دعاهم موسى إلى نفسه وفي هذه المدَّة مات فقيههم زرارة بن أعين وهو يقول والمصحف على صدره: « اللّهمَّ إنّي أئتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف ».

فقلنا لهم: أنَّ هذا كله غرور من القول وزخرف، وذلك أنّا لم ندع أنَّ

__________________

(١) التواء: الاعوجاج.

(٢) اللوعة: حرقة الحزن.

(٣) في بعض النسخ « يا أميم جميل » والاميم هو المضروب على أم رأسه.

٧٤

جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الائمّة الاثني عشرعليهم‌السلام بأسمائهم، وإنّما قلنا: أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر أنَّ الائمّة بعده الاثنا عشر، الّذين هم خلفاؤه وأن علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ولا ينكر أن يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث، فأمّا زرارة بن أعين فانه مات قبل انصراف من كان وفده ليعرف الخبر ولم يكن سمع بالنص على موسى بن جعفرعليهما‌السلام من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الّذي هو القرآن على صدره، وقال: اللّهم إنّي أئتمُ بمن يثبت هذا المصحف إمامته، وهل يفعل الفقيه المتديّن عند اختلاف الامر عليه إلّا ما فعله زرارة، على أنَّه قد قيل: أنَّ زرارة قد كان عمل بأمر موسى بن جعفرعليهما‌السلام وبامامته وإنّما بعث ابنه عبيداً ليتعرَّف من موسى بن جعفرعليهما‌السلام هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقيّة في كتمانه، وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته.

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيِّرضي‌الله‌عنه قال: قلت للرِّضاعليه‌السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حقَّ أبيكعليه‌السلام ؟ فقال: نعم، فقلت له: فلم بعث ابنه عبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ؟ فقال: أنَّ زرارة كان يعرف أمر أبيعليه‌السلام ونص أبيه عليه وإنّما بعث ابنه ليتعرف من أبيعليه‌السلام هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونصَّ أبيه عليه وإنّه لمّا أبطأ عنه ابنه طولب باظهار قوله في أبيعليه‌السلام فلم يحبّ أن يقدّم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال: اللّهمّ إنَّ إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّدعليهما‌السلام .

والخبر الّذي احتجّت به الزّيديّة ليس فيه أنَّ زرارة لم يعرف إمامة موسى بن - جعفرعليهما‌السلام وإنّما فيه أنَّه بعث ابنه عبيداً ليسأل عن الخبر.

حدثنا أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد ابن يحيى بن عمران الاشعريّ، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن أبيه قال: لمّا بعث زرارة عبيداً ابنه إلى المدينة ليسأل عن الخبر بعد مضيِّ أبي عبد الله

٧٥

عليه‌السلام فلمّا اشتدَّ به الامر أخذ المصحف وقال: من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي. وهذا الخبر لا يوجب أنَّه لم يعرف، على أنَّ راوي هذا الخبر أحمد بن هلال(١) وهو مجروح عند مشايخنا - رضي الله عنهم -.

حدثنا شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: سمعت سعد بن عبد الله يقول: ما رأينا ولا سمعنا بمتشيّع رجع عن التشيّع إلى النصب إلّا أحمد بن هلال، وكانوا يقولون: إنَّ ما تفرَّد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله، وقد علمنا أنَّ النبيّ والائمّة صلوات الله عليهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه. والشاك في الامام على غير دين الله، وقد ذكر موسى جعفرعليهما‌السلام أنَّه سيستوهبه من ربّه يوم القيامة.

حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن أبي الصهبان، عن منصور بن العبّاس، عن مروك بن عبيد، عن درست ابن أبي منصور الواسطيّ، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: ذكر بين يديه زرارة بن أعين فقال: والله إنّي سأستوهبه من ربّي يوم القيامة فيهبه لي، ويحك أنَّ زرارة بن أعين أبغض عدونا في الله وأحبَّ وليّنا في الله.

حدثنا أبي ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - قالا: حدّثنا أحمد بن إدريس؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام أنَّه قال: أربعة أحبُّ النّاس إليَّ أحياء وأمواتاً: بريد العجليُّ، وزرارة بن أعين، ومحمّد بن مسلم، والاحول(٢) أحبُّ النّاس إليَّ أحياء وأمواتاً.

فالصادقعليه‌السلام لا يجوز أن يقول لزرارة: إنَّه من أحبِّ النّاس إليه وهو لا يعرف إمامة موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

__________________

(١) هو أحمد بن هلال العبرتائي وردت فيه ذموم عن الامام العسكريعليه‌السلام كما في (كش).

(٢) يعنى محمّد بن النعمان البجلي مؤمن الطاق.

٧٦

اعتراض آخر:

قالت الزيدية: لا يجوز أن يكون من قول الأنبياء: إنَّ الائمّة اثنا عشر لأنّ الحجّة باقية على هذه الاُمّة إلى يوم القيامة، والاثنا عشر بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مضى منهم أحد عشر، وقد زعمت الاماميّة أنَّ الأرض لا تخلو من حجة.

فيقال لهم: إنَّ عدد الائمّةعليهم‌السلام اثنا عشر والثاني عشر هو الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ثمّ يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلّا بالاقرار باثني عشر إماماً إعتقاد كون ما يذكره الثاني عشرعليه‌السلام بعده.

حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى قال: حدّثنا إبراهيم بن فهد، عن محمّد بن عقبة، عن حسين بن الحسن، عن إسماعيل بن عمر، عن عمر بن موسى الوجيهي(١) عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن - الحارث قال: قلت لعليعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الاحداث بعد قائمكم؟ قال: يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول إليه، وإن رسول الله صلى الله عهد إلي أن لا اخبر به إلّا الحسن والحسينعليهما‌السلام .

حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق - رحمة الله عليه - قال: حدّثنا عبد العزيز بن - يحيى الجلوديُّ، عن الحسين بن معاذ، عن قيس بن حفص، عن يونس بن أرقم، عن أبي سنان الشيبانيِّ(٢) عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في

__________________

(١) عمر بن موسى الوجيهي زيدي له كتاب قراءة زيد بن عليعليه‌السلام وقال: سمعت زيد ابن علي يقول: هذا قراءة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) اما الحسين بن معاذ فالظاهر هو الحسين بن معاذ بن خليف البصري الذى ذكره ابن حبان في الثقات، وأما قيس بن حفص فالظاهر هو قيس بن حفص بن القعقاع التميمي الدارمي مولاهم أبو محمّد البصري المتوفى ٢٢٧ الذى ذكره ابن حبان في الثقات أيضاً. وأما يونس بن أرقم فلم أجد من ذكره، وأما أبو سنان الشيباني المصحف في نسخ الكتاب بابي سيار فهو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني الكوفي الّذي ذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عابداً فاضلاً انتهى، يروي عن ضحاك بن مزاحم الهلالي أبي القاسم ويقال أبو محمّد

٧٧

حديث يذكر فيه أمر الدّجّال ويقول في آخره: لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا فانّه عهد إليَّ حبيبيعليه‌السلام أن لا اخبر به غير عترتي. قال النزال بن سبرة: فقلت لصعصعة ابن صوحان: ماعنى أمير المؤمنين بهذا القول؟ فقال صعصعة: يا ابن سبرة أنَّ الّذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام وهو الشمس الطالعة من مغربها، يظهر عند الرُّكن والمقام، فيطهّر الأرض ويضع الميزان بالقسط فلا يظلم أحدٌ أحداً، فأخبر أمير المؤمنينعليه‌السلام أنَّ حبيبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمّة.

ويقال للزيّديّة: أفيكذب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله « إنَّ الائمّة اثنا عشر ». فإنَّ قالوا: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل هذا القول، قيل لهم: أن جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقّى طبقات الاماميّة إيّاه بالقبول فما أنكرتم ممّن يقول: أنَّ قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كنت مولاه » ليس من قول الرَّسولعليه‌السلام .

اعتراض آخر:

قالت الزّيديّة: اختلفت الاماميّة في الوقت الّذي مضى فيه الحسن بن عليِّعليهما‌السلام فمنهم من زعم أنَّ ابنه كان ابن سبع سنين، ومنهم من قال: إنَّه كان صبيّاً(١) أو رضيعاً وكيف كان فانّه في هذه الحال لا يصلح للامامة ورئاسة الاُمّة وأن يكون خليفة الله في بلاده وقيّمه في عباده، وفئة المسلمين إذا عضّتهم الحروب، ومدبّر جيوشهم، والمقاتل عنهم والذاب عن حوزتهم، والدَّافع عن حريمهم لأنّ الصبىَّ الرَّضيع والطفل لا يصلحان لمثل هذه الامور، ولم تجر العادة فيما سلف قديماً وحديثاً أن تلقى الاعداء بالصبيان ومن لا يحسن الرُّكوب ولا يثبت على السرج، ولا يعرف كيف يصرف العنان، ولا ينهض

__________________

قال عبد الله بن أحمد: ثقة مأمون وقال ابن معين وكذا أبو زرعة: ثقة. وهو يروى عن النزال ابن سبرة - بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي وهو كوفى تابعي من كبار التابعين ذكره ابن حيان في الثقات كما في التهذيب.

(١) في بعض النسخ « جنيناً ».

٧٨

بحمل الحمائل، ولا بتصريف القناة، ولا يمكنه الحمل على الأعداء في حومة الوغا، فإنَّ أحد أوصاف الامام أن يكون أشجع النّاس.

الجواب:

يقال لمن خطب بهذه الخطبة: إنّكم نسيتم كتاب الله عزَّ وجلَّ: ولولا ذلك لم ترموا الاماميّة بأنّهم لا يحفظون كتاب الله وقد نسيتم قصّة عيسىعليه‌السلام وهو في المهد حين يقول: «إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مباركاً أينما كنت - الآية(١) أخبرونا لو آمن به بنو إسرائيل ثمّ حزبهم أمر من العدو(٢) كيف كان يفعل المسيحعليه‌السلام وكذلك القول في يحيىعليه‌السلام ، وقد أعطاه الله الحكم صبيّاً فإنَّ جحدوا ذلك فقد جحدوا كتاب الله، ومن لم يقدر على دفع خصمه إلّا بعد أن يجحد كتاب الله فقد وضح بطلان قوله.

ونقول في جواب هذا الفصل: إنَّ الامر لو أفضى بأهل هذا العصر إلى ما وصفوا لنقض الله العادة فيه، وجعله رجلاً بالغاً كاملاً فارساً شجاعاً بطلاً قادراً على مبارزة الأعداء والحفظ لبيضة الاسلام والدفع عن حوزتهم. وهذا جواب لبعض الاماميّة على أبي القاسم البلخي.

اعتراض آخر:

قالت الزّيديّة: قد شكَّ النّاس في صحّة نسب هذا المولود إذ أكثر النّاس يدفعون أن يكون للحسن بن عليٍّعليهما‌السلام ولد.

فيقال لهم: قد شكَّ بنو إسرائيل في المسيح ورموا مريم بما قالوا «لقد جئت شيئاً فرياً »(٣) فتكلّم المسيح ببراءة أمّهعليه‌السلام فقال: «إنّي عبد الله آتاني الكتاب

__________________

(١) مريم: ٣٢.

(٢) حزبه أمر أي أصابه.

(٣) مريم: ٢٨. وقوله « فريا » أي عظيماً بديعاً أو قبيحاً منكراً، من الافتراء وهو الكذب.

٧٩

وجعلني نبيّاً » فعلم أهل العقول أنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يختار لاداء الرِّسالة مغمور النسب ولا غير كريم المنصب، كذلك الامامعليه‌السلام إذا ظهر كان معه من الايات الباهرات والدلائل الظاهرات ما يعلم به أنَّه بعينه دون النّاس هو خلف الحسن بن عليعليهما‌السلام .

قال بعضهم : ما الدّليل على أنَّ الحسن بن عليعليه‌السلام توفي؟

قيل له : الأخبار الّتي وردت في موته هي أوضح وأشهر وأكثر من الأخبار الّتى وردت في موت أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام لأنّ أبا الحسنعليهما‌السلام مات في يد الأعداء ومات أبو محمّد الحسن بن عليعليهما‌السلام في داره على فراشه، وجرى في أمره ما قد أوردت الخبربه مسنداً في هذا الكتاب.

فقال قائل منهم: فهلّا دلّكم تنازع أمّ الحسن وجعفر في ميراثه أنَّه لم يكن له ولد؟ لأنّا بمثل هذا نعرف من يموت ولا عقب له أن لا يظهر ولده ويقسم ميراثه بين ورثته؟

فقيل له: هذه العادة مستفيضة وذلك أنَّ تدبير الله في أنبيائه ورسله وخلفائه ربما جرى على المعهود المعتاد وربما جرى بخلاف ذلك، فلا يحمل أمرهم في كلِّ الاحوال على العادات كما لا يحمل أمر المسيحعليه‌السلام على العادات.

قال : فإنَّ جاز له أن يشكّ(١) في هذا لم لا يجوز أن نشكّ في كلّ من يموت ولا عقب له ظاهر.

قيل له: لا نشكُّ في أنَّ الحسنعليه‌السلام كان له خلف من عقبه بشهادة من أثبت له ولدا من فضلاء ولد الحسن والحسينعليهما‌السلام والشيعة الأخبار لأنّ الشهادة الّتي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة النافي وإن كان عدد النافين أكثر من عدد المثبتين، ووجدنا لهذا الباب فيما مضى مثالا وهو قصّة موسىعليه‌السلام لأنّ الله سبحانه لمّا أراد أن ينجّي بني إسرائيل من العبوديّة ويصير دينه على يديه غضّاً طريّاً أوحى إلى أمه «فإذا خفت عليه فألقيه في اليمِّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادُّوه إليك وجاعلوه من المرسلين »(٢) فلو أنَّ أباه عمران مات في ذلك الوقت لمّا كان الحكم في ميراثه إلّا كالحكم في ميراث

__________________

(١) في بعض النسخ « فإنَّ جاز لنا أن نشك ».

(٢) القصص: ٧.

٨٠

الحسنعليه‌السلام ، ولم يكن في ذلك دلالة على نفي الولد.

و خفي على مخالفينا فقالوا: إنَّ موسى في ذلك الوقت لم يكن بحجّة والامام عندكم حجّة، ونحن إنّما شبّهنا الولادة والغيبة بالولادة والغيبة، وغيبة يوسفعليه‌السلام أعجب من كلّ عجب لم يقف على خبره أبوه وكان بينهما من المسافة ما يجب أن لا ينقطع لولا تدبير الله عزَّ وجلَّ في خلقه أن ينقطع خبره عن أبيه وهؤلاء إخوته دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون.

و شبّهنا أمر حياته بقصّة أصحاب الكهف فانهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، وهم أحياء.

فان قال قائل: إنَّ هذه أمور قد كانت ولا دليل معنا على صحّة ما تقولون.

قيل له: أخرجنا بهذه الامثلة أقوالنا من حدِّ الاحالة إلى حدِّ الجواز، وأقمنا الادلة على صحّة قولنا بأن الكتاب لا يزال معه من عترة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يعرف حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه، وبما أسندناه في هذا الكتاب من الأخبار عن النبيّ والائمّة صلوات الله عليهم.

فان قال: فكيف التمسّك به؟ ولا نهتدي إلى مكانه ولا يقدر أحدٌ علي إتيانه؟ قيل له: نتمسّك بالاقرار بكونه وبامامته وبالنجباء الاخيار والفضلاء الابرار القائلين بامامته، المثبتين لولادته وولايته، المصدِّقين للنبيِّ والائمّةعليهم‌السلام في النص عليه باسمه ونسبه من أبرار شيعته، العالمين بالكتاب والسنّة، العارفين بوحدانيّة الله تعالى ذكره النافين عنه شبه المحدثين المحرّمين للقياس، المسلمين لمّا يصحُّ وروده عن النبيّ والائمّةعليهم‌السلام .

فان قال قائل: فإنَّ جاز أن يكون نتمسّك بهؤلاء الّذين وصفتهم ويكون تمسّكناً بهم تمسكا بالامام الغائب فلم لا يجوز أن يموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يخلّف أحدا فيقتصر أمته على حجج العقول والكتاب والسنّة؟ قيل له: ليس الاقتراح على الله عزَّ وجلَّ علينا وإنّما علينا فعل ما نؤمر به وقد دلت الدلائل على فرض طاعة هؤلاء الائمّة الاحد عشرعليهم‌السلام الّذين مضوا ووجب القعود معهم إذا قعدوا والنّهوض معهم إذا نهضوا، و

٨١

الاسماع منهم إذا نطقوا. فعلينا أن نفعل في كلّ وقت ما دلت الدّلائل على أنَّ علينا أن نفعله.

اعتراض آخر لبعضهم:

قال بعض الزّيديّة فإنَّ للواقفه ولغيرهم أن يعارضوكم في ادِّعائكم أنَّ موسى بن جعفرعليهما‌السلام مات وأنّكم وقفتم على ذلك بالعرف والعادة والمشاهدة وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أخبر في شأن المسيحعليه‌السلام فقال: «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم » وكان عند القوم في حكم المشاهدة والعادة الجارية أنّهم قد رأوه مصلوبا مقتولا فليس بمنكر مثل ذلك في سائر الائمّة الّذين قال بغيبتهم طائفة من الناس.

الجواب يقال لهم: ليس سبيل الائمّةعليهم‌السلام في ذلك سبيل عيسى بن مريمعليه‌السلام وذلك أنَّ عيسى بن مريم ادَّعت اليهود قتله فكذبهم الله تعالى ذكره بقوله «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم »(١) وأئمّتناعليهم‌السلام لم يرد في شأنهم الخبر عن الله أنّهم شبهوا وإنّما قال ذلك قوم من طوائف الغلاة، وقد أخبر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله: « إنَّه ستخضب هذه من هذا » يعني لحيته من دم رأسه، وأخبر مَن بعده من الائمّةعليهم‌السلام بقتله، وكذلك الحسن والحسينعليهما‌السلام قد أخبر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل بأنهما سيقتلان، وأخبرا عن أنفسهما بأنّ ذلك سيجري عليهما، وأخبر من بعدهما من الائمّةعليهم‌السلام بقتلهما، وكذلك سبيل كلّ إمام بعدهما من عليّ بن الحسين إلى الحسن بن عليّ العسكريّعليهما‌السلام قد أخبر الاوَّل بما يجري على من بعده وأخبر من بعده بما جرى على من قبله، فالمخبرون بموت الائمّةعليهما‌السلام هم النبيّ والائمّةعليهم‌السلام واحد بعد واحد، والمخبرون بقتل عيسىعليه‌السلام كانت اليهود، فلذلك قلنا: إنَّ ذلك جرى عليهم على الحقيقة والصحّة لا على الحسبان والحيلولة ولا على الشكِّ والشبهة لأنّ الكذب على المخبرين بموتهم غير جائز لأنّهم معصومون وهو على اليهود جائز.

__________________

(١) النساء: ١٥٦.

٨٢

شبهات من المخالفين ودفعها:

قال مخالفونا: إنَّ العادات والمشاهدات تدفع قولكم بالغيبة، فقلنا: إنَّ البراهمة(١) تقدر أن تقول مثل ذلك في آيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول للمسلمين إنّكم بأجمعكم لم تشاهدوها فلعلّكم قلّدتم من لم يجب تقليده أو قبلتم خبراً لم يقطع العذر، ومن أجل هذه المعارضة قالت عامة المعتزلة - على ما يحكى عنهم -: إنَّه لم تكن للرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزة غير القرآن فأمّا من اعترف بصحّة الايات الّتي هي غير القرآن احتاج إلى أن يطلق الكلام في جواز كونها بوصف الله - تعالى ذكره - بالقدرة عليها، ثمّ في صحّة وجود كونها على أُمور قد وقفنا عليها وهي غير كثيرة الرُّواة.

فقالت الاماميّة: فارضوا منّا بمثل ذلك وهو أن نصحّح هذه الأخبار الّتى تفرَّدنا بنقلها عن أئمّتناعليهم‌السلام بأن تدلَّ على جواز كونها بوصف الله - تعالى ذكره - بالقدرة عليها وصحة كونها بالادلّة العقليّة والكتابيّة والأخبار المرويّة المقبولة عند نقلة العامّة.

قال الجدليُّ فنقول: إنَّه ليس بازائنا جماعة تروي عن نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضدَّ ما نروي ممّا يبطله ويناقضه، أو يدَّعون أنَّ أوَّلنا ليس كآخرنا؟

فيقال له: ما أنكرت من برهميٍّ قال لك: إنَّ العادات والمشهادات والطبيعيّات تمنع أن يتكلم ذراع مسمومٌ مشويّ وتمنع من انشقاق القمر وأنّه لو انشق القمر وانفلق لبطل نظام العالم.

و أمّا قوله: « ليس بازائهم من يدفع أنَّ أوَّلنا ليس كاخرنا » فانّه يقال له: إنّكم تدفعون عن ذلك أشدَّ الدَّفع ولو شهد هذه الايات الخلق الكثير لكان حكمه حكم القرآن فقد بان أنَّ الجدليَّ مستعملٌ للمغالطة، مستفرق فيما لم يستفرق.

قال الجدلي: أو تدفعونا عن قولنا إنَّه كان لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاتباع في حياته وبعد وفاته جماعةٌ لا يحصرهم العدد يروون آياته ويصحّحونها؟ فيقال له: إنَّ جماعة لم لم يحصرهم العدد قد عاينوا آيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّتي هي تظليل الغمامة وكلام الذّراع

__________________

(١) البراهمة قوم لا يجوزون على الله تعالى بعثة الرسل.

٨٣

المسمومة وحنين الجذع وما في بابه ولكن هذه عامّة الاُمّة تقول: إنَّ هذه آيات رواها نفر يسير في الأصل فلم ادَّعيت أنَّ أحداً لا يدفعك عن هذه الدَّعوى؟.

قال الجدليُّ: ولمّا كان هذا هكذا كانت أخبارنا عن آيات نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالاخبار عن آيات موسى والاخبار عن آيات المسيح الّتي ادَّعتها النصارى لها ومن أجلها ما ادعوا وكأخبار المجوس والبراهمة عن أيّام آبائهم وأسلافهم.

قلنا : قد عرفنا أنَّ البراهمة تزعم أنَّ لابائهم وأسلافهم أمثالا موجودة ونظائر مشاهدة فلذلك قبلوه على طريق الاقناع، وليس هذا ممّا تنكره، وإنّما عرفناه للوجه الّذي من أجله عورض بما عورض به، فليكن من وراء الفصل من حيث طولب(١) .

قال الجدليُّ: وبازاء هذه الفرقة من القطعيّة جماعات تفضلها وجماعات في مثل حالها تروي عمّن يسندون إليه الخبر خبرهم في النص ضدّ ما يروون.

فيقال له: ومن هذه الجماعات الّتي تفضلها؟ وأين هم في ديار الله؟ وأين يسكنون من بلاد الله؟ أو ما وجب عليك أن تعلم أنَّ كتابك يقرء؟ ومن ليس من أهل الصناعة يعلم استعمالك للمغالطة.

قال الجدليُّ: وما كنت أحسب أنَّ امرءاً مسلماً تسمح نفسه بأن يجعل الأخبار عن آيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عروضاً(٢) للاخبار في غيبة ابن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليِّ ابن موسى بن جعفرعليهم‌السلام ويدّعى تكافؤ التواتر فيهما. والله المستعان.

فيقال له: إنّا قد بينّا الوجه الّذي من أجله ادّعينا التساوي في هذا الباب وعرّفناك أنَّ الّذي نسمّيه الخبر المتواتر هو الّذي يرويه ثلاثة أنفس فما فوقهم وأن الأخبار عن آيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأصل إنّما يرويها العدد القليل، والمحنة(٣) بيننا وبينك أن نرجع إلى أصحاب الحديث فنطلب منهم من روى انشقاق القمر وكلام الذِّراع المسمومة وما يجانس ذلك من آياته، فإنَّ أمكنه أن يروي كلِّ آية من هذه الايات عن عشرة أنفس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاينوا أو شاهدوا فالقول قوله، وإلّا فإنَّ الموافق

__________________

(١) في بعض النسخ « فليكن من ذكر الفضل - الخ ».

(٢) العروض من الكلام فحواه. يقال: « هذه المسألة عروض هذه » أي نظيره.

(٣) في بعض النسخ « والمجنة » وهي الترس.

٨٤

ادَّعى التكافؤ فيما هما مثلان ونظيران ومشبهان، والحمد لله.

وأقول - وبالله التوفيق -: إنّا قد استعبدنا بالاقرار بعصمة الامام كما استعبدنا بالقول به، والعصمة ليست في ظاهر الخليقة فترى وتشاهده ولو أقررنا بامامة إمام وأنكرنا أن يكون معصوماً لم نكن أقررنا به، فإذا جاز أن نكون مستعبدين من كلّ إمام بالاقرار بشيء غائب عن أبصارنا فيه جاز أن نستعبد بالاقرار بامامة إمام غائب عن أبصارنا لضرب من ضروب الحكمة يعلمه الله تبارك وتعالى اهتدينا إلى وجهه أو لم نهتد ولافرق.

وأقول أيضاً: إنَّ حال إمامناعليه‌السلام اليوم في غيبته حال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظهوره، وذلك أنَّهعليه‌السلام لمّا كان بمكة لم يكن بالمدينة، ولمّا كان بالمدينة لم يكن بمكّة، ولمّا سافر لم يكن بالحضر، ولمّا حضر لم يكن في السفر، وكانعليه‌السلام في جميع أحواله حاضراً بمكان، غائباً عن غيره من الاماكن، ولم تسقط حجّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أهل الأماكن الّتي غاب عنها، فهكذا الامامعليه‌السلام لا تسقط حجّته وإن كان غائبا عنا كما لم تسقط حجّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّن غاب عنه، وأكثر ما استعبد به النّاس من شرائط الاسلام وشرائعه فهو مثل ما استعبدوا به من الاقرار بغيبة الامام، وذلك أنَّ الله تبارك وتعالى مدح المؤمنين على إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والايمان بسائر ما أنزل الله عزَّ وجلَّ على نبيه وعلى من قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وبالاخرة فقال: «هدى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة وممّا رزقناهم ينفقون *والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون *أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفحلون »(١) وإن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه وهو يتصاب عرقا فإذا أفاق قال: قال الله عزَّ وجلَّ كذا وكذا، أمركم بكذا، ونهاكم عن كذا. وأكثر مخالفينا يقولون: أنَّ ذلك كان يكون عند نزول جبرئيلعليه‌السلام عليه، فسئل الصادقعليه‌السلام عن الغشية الّتي كانت تأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكانت تكون عند هبوط جبرئيلعليه‌السلام فقال: لا إنَّ جبرئيل كان إذ أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخل عليه حتّى يستأذنه وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد وإنّما ذلك عند

__________________

(١) البقرة: ٣ و ٤ و ٥.

٨٥

مخاطبة الله عزَّ وجلَّ إيّاه بغير ترجمان وواسطة.

حدثنا بذلك الحسن بن أحمد بن إدريس - رضي لله عنه - عن أبيه، عن جعفر ابن محمّد بن مالك، عن محمّد بن الحسين بن زيد(١) ، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : فالناس لم يشاهدوا الله تبارك وتعالى يناجي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخاطبه ولا شاهدوا الوحي ووجب عليهم الاقرار بالغيب الّذي لم يشاهدوه وتصديق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك وقد أخبرنا الله عزَّ وجلَّ في محكم كتابه أنَّه ليس منا أحد «يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد (٢) » وقال عزَّ وجلَّ «وإنَّ عليكم لحافظين *كراماً كاتبين *يعلمون ما تفعلون »(٣) ونحن لم نرهم ولم نشاهدهم ولو لم نوقع التصديق بذلك لكنّا خارجين من الاسلام، رادِّين على الله تعالى ذكره قوله، وقد حذّرنا الله تبارك وتعالى من فتنة الشيطان فقال: «يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة »(٤) ونحن لا نرى ويجب علينا الايمان بكونه والحذر منه، وقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذكر المسألة في القبر: « إنَّه إذا سئل الميّت فلم يجب بالصواب ضربه منكرٌ ونكيرٌ ضربة من عذاب الله، ما خلق الله من دابّة إلّا تذعر لها(٥) ما خلا الثقلين » ونحن لا نرى شيئاً من ذلك، ولا نشاهده ولا نسمعه، وأخبرنا عنهعليه‌السلام أنَّه عرج به إلى السماء. ونحن لم نر [ شيئا من ] ذلك [ ولا نشاهده ولا نسمعه ]. وأخبرناعليه‌السلام « من زار أخاه في الله عزَّ وجلَّ شيّعه سبعون ألف ملك يقولون: إلّا طبت وطابت لك الجنة » ونحن لا نراهم ولا نسمع كلامهم ولو لم نسلّم الأخبار الواردة في مثل ذلك وفيما يشبهه من أمور الاسلام لكنّا كافرين بها، خارجين من الاسلام.

__________________

(١) هو أبو جعفر الزيات. وفى بعض النسخ « محمّد بن الحسين بن يزيد » ولم أجده.

(٢) ق: ١٨. والآية هكذا « ما يلفظ من قول - الآية »

(٣) الانفطار: ١١ - ١٣.

(٤) الاعراف: ٢٧.

(٥) أي تفزع. وذعرته ذعرا: أفزعته، وقد ذعر فهو مذعور.

٨٦

مناظرة المؤلف مع ملحد عند ركن الدولة:

ولقد كلمني بعض الملحدين في مجلس الأمير السعيد ركن الدَّولةرضي‌الله‌عنه فقال لي: وجب على إمامكم أن يخرج فقد كاد أهل الروم يغلبون على المسلمين. فقلت له: إنَّ أهل الكفر كانوا في أيّام نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر عدداً منهم اليوم وقد أسرَّعليه‌السلام أمره وكتمه أربعين سنة بأمر الله جلَّ ذكره وبعد ذلك أظهره لمن وثق به وكتمه ثلاث سنين عمّن لم يثق به، ثمّ آل الامر إلى أن تعاقدوا على هجرانه وهجران جميع بني هاشم والمحامين عليه لأجله، فخرجوا إلى الشعب وبقوا فيه ثلاث سنين فلو أنَّ قائلاً قال في تلك السنين: لم لا يخرج محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانّه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على المسلمين، ما كان يكون جوابنا له إلّا أنَّهعليه‌السلام بأمر الله تعالى ذكره خرج إلى الشعب حين خرج وباذنه غاب(١) ومتى أمره بالظهور والخروج خرج وظهر، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي في الشعب هذه المدّة حتّى أوحى الله عزَّ وجلَّ إليه أنَّه قد بعث أرضة على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجميع بني هاشم، المختومة بأربعين خاتماً، المعدلة(٢) عند زمعة بن الاسود فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من اسم الله عزَّ وجلَّ، فقام أبو طالب فدخل مكّة، فلمّا رأته قريش قدروا أنَّه قد جاء ليسلم إليهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوَّته، فاستقبلوه وعظّموه فلمّا جلس قال لهم: يا معشر قريش أنَّ ابن أخي محمّد لم أجرِّب عليه كذباً قطُّ وإنّه قد أخبرني أنَّ ربّه أوحى إليه أنَّه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الأرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من أسماء الله عزّ وجلّ. فأخرجوا الصحيفة وفكّوها فوجدوها كما قال، فآمن بعضٌ وبقي بعض على كفره، ورجع النبيُّعليه‌السلام وبنو هاشم إلى مكة. هكذا الامامعليه‌السلام إذا أذن الله له في الخروج خرج.

وشيء آخر وهو أنَّ الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الامام فلو أنَّ قائلاً قال: لِمَ يمهل الله أعداءه ولا يبيدهم وهم يكفرون به ويشركون؟ لكان جوابنا له

__________________

(١) مثل قوله تعالى: «واهجرهم هجراً جميلا ».

(٢) كذا، ولعل الصواب « المحفوظة » أو « المودعة ».

٨٧

أنَّ الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة، ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. ولا يقال له: لم ولا كيف، وهكذا إظهار الامام إلى الله الّذي غيّبه فمتى أراده أذن فيه فظهر.

فقال الملحد: لست اُومن بامام لا أراه ولا تلزمني حجّته ما لم أره، فقلت له: يجب أن تقول: أنَّه لا تلزمك حجّة الله تعالى ذكره لانّك لا تراه ولا تلزمك حجّة الرَّسولعليه‌السلام لانّك لم تره.

فقال للامير السعيد ركن الدولةرضي‌الله‌عنه : أيّها الأمير راع ما يقول هذا الشيخ فانه يقول: إنَّ الامام إنّما غاب ولا يرى لأنّ الله عزَّ وجلَّ لا يرى، فقال له الأميررحمه‌الله : لقد وضعت كلامه غير موضعه وتقولت عليه وهذا انقطاع منك وإقرار بالعجز.

وهذا سبيل جميع المجادلين لنا في أمر صاحب زمانناعليه‌السلام ما يلفظون في دفع ذلك وجحوده إلّا بالهذيان والوساوس والخرافات الممّوهة.

وذكر أبو سهل اسماعيل بن عليٍّ النوبختي(١) في آخر كتاب التنبيه: وكثيراً ما يقول خصومنا: لو كان ما تدَّعون من النصِّ حقّاً لادِّعاه عليعليه‌السلام بعد مضيِّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فيقال لهم: كيف يدّعيه فيقيم نفسه مقام مدَّع يحتاج إلى شهود على صحّة دعواه وهم لم يقبلوا قول النبيِّعليه‌السلام فكيف يقبلون دعواه لنفسه، وتخلّفه عن بيعة

__________________

(١) هو اسماعيل بن عليّ بن اسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، كان شيخ المتكلمين من أصحابنا الاماميّة ببغداد ووجههم، متقدم النوبختيين في زمانه، له جلالة في الدِّين والدنيا، يجري مجرى الوزارء، صنف كتباً كثيرة جملة منها في الرد على أرباب المقالات الفاسدة، وله كتاب الانوار في تواريخ الائمّة الاطهار (ع). رأى مولانا الحجّةعليه‌السلام عند وفاة أبيه الحسن بن علىعليهما‌السلام ، وله احتجاج على الحلاج صار ذلك سبباً لفضيحة الحلاج وخذلانه. (الكنى والالقاب للمحدث القمي ره)

٨٨

أبي بكر ودفنه فاطمةعليهما‌السلام من غير أن يعرّفهم جمعياً خبرها حتّى دفنها سرّاً أدلُّ دليل على أنَّه لم يرض بما فعلوه.

فان قالوا: فلم قبلها بعد عثمان؟ قيل لهم: اعطوه بعض ما وجب له فقبله، وكان في ذلك مثل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قبل المنافقين والمؤلّفة قلوبهم.

وربما قال خصومنا - إذا عضّهم الحجاج(١) ولزمتهم الحجّة في أنَّه لابدّ من إمام منصوص عليه، عالم بالكتاب والسنّة، مأمون عليهما، لا ينساهما ولا يغلط فيها، ولا تجوز مخالفته، واجب الطاعة بنصِّ الأوَّل عليه - فمن هو هذا الامام سمّوه لنا ودلّونا عليه؟.

فيقال لهم: هذا كلام في الأخبار وهو انتقال من الموضع الّذي تكلمنا فيه لأنّا إنّما تكلّمنا فيما توجبه العقول إذا مضى النبيّعليه‌السلام وهل يجوز أن لا يستخلف وينّص على إمام بالصّفة الّتي ذكرناها؟ فإذا ثبت ذلك بالادلّة فعلينا وعليهم التفتيش عن عين الامام في كلّ عصر من قبل الأخبار ونقل الشيع النص على عليٍّعليه‌السلام وهم الان من الكثرة واختلاف الأوطان والهمم على ما هم عليه يوجب العلم والعمل لاسيّما وليس بازائهم فرقةٌ تدّعي النصِّ لرجل عبد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير عليٍّعليه‌السلام ، فإنَّ عارضونا بما يدَّعيه أصحاب زرادشت(٢) وغيرهم من المبطلين، قيل لهم: هذه المعارضة تلزمكم في آيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا انفصلتم بشيء فهو فصلنا لأنّ صورة الشيع في هذا الوقت كصورة المسلمين في الكثرة فانّهم لا يتعارفون وإنّ أسلافهم يجب أن يكونوا كذلك(٣) بل أخبار الشيع أوكد لأنّه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة وإنّما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدُّول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك وإذا صحَّ بنقل الشيعة النصَّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عليٍّعليه‌السلام صحَّ بمثل ذلك نقلها النصَّ من عليٍّ على الحسن ومن الحسن على الحسين ثمّ على إمام إمام إلى الحسن بن عليٍّ، ثمّ

__________________

(١) عض الرَّجل بصاحبه يعض عضيضاً أي لزمه (الصحاح).

(٢) كناية عن المخالفين للحق. وزرادشت رئيس مذهب المجوس.

(٣) في بعض النسخ « وان اسلامهم يجب أن يكون كذلك ».

٨٩

على الغائب الامام بعدهعليهم‌السلام لأنّ رجال أبيه الحسنعليه‌السلام الثقات كلّهم قد شهدوا له بالامامة، وغابعليه‌السلام لأنّ السّلطان طلبه طلباً ظاهراً، ووكّل بمنازله وحرمه سنتين.

فلو قلت: إنَّ غيبة الامامعليه‌السلام في هذا العصر من أدلَّ الادلة على صحّة الامامة قلت: صدقاً لصدق الأخبار المتقدِّمة في ذلك وشهرتها.

وقد ذكر بعض الشيعة ممّن كان في خدمة الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام وأحد ثقاته أنَّ السبب بينه وبين ابن الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام متّصل وكان يخرج من كتبه وأمره ونهيه على يده إلى شيعته إلى أن توّفي وأوصى إلى رجل من الشّيعة مستور فقام مقامه في هذا الامر.

وقد سألونا في هذه الغيبة(١) وقالوا: إذا جاز أن يغيب الامام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تنكرون من رفع عينه عن العالم؟ فيقال لهم: في ارتفاع عينه ارتفاع الحجّة من الأرض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها. وأما إذا استتر الامام للخوف على نفسه بأمر الله عزَّ وجلَّ وكان له سببٌ معروفٌ متّصل به وكانت الحجّة قائمة إذ كانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان وإنّما عدم إفتائه وأمره ونهيه ظاهراً وليس في ذلك بطلان للحجة، ولذلك نظائر قد أقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الشعب مدة طويلة وكان يدعو النّاس في أوّل أمره سرّاً إلى أن أمِنَ وصارت له فئةٌ وهو في كلّ ذلك نبيٌّ مبعوثٌ مرسلٌ فلم يبطل توقّيه وتستّره من بعض النّاس بدعوته نبوَّته ولا أدحض ذلك حجّته، ثمّ دخلعليه‌السلام الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه ولم يبطل ذلك نبوَّته ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوَّته وكذلك الامام يجوز أن يحبسه السّلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتّى لا يفتي ولا يعلم ولا يبيّن، والحجة قائمة ثابتة واجبة وإن لم يفت ولم يبيّن لأنّه موجود العين في العالم، ثابت الذَّات، ولو أنَّ نبيّاً أو إماماً لم يبيّن ويُعلّم ويفت(٢) لم تبطل نبوَّته ولا إمامته ولا حجّته، ولو ارتفعت ذاته لبطلت

__________________

(١) في بعض النسخ « وقد سألونا في ذلك ».

(٢) في بعض النسخ « ويقل ».

٩٠

الحجّة، وكذلك يجوز أن يستتر الامام المدَّة الطويلة إذا خاف ولا تبطل حجّة الله عزوجل.

فان قالوا: فكيف يصنع من احتاج إلى أن يسأل عن مسالة؟ قيل له: كما كان يصنع والنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار من جاء إليه ليسلم وليتعلّم منه، فإنَّ كان ذلك سائغاً في الحكمة كان هذا مثله سائغاً.

ومن أوضح الادلّة على الامامة أنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل آية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه أتى بقصص الأنبياء الماضينعليهم‌السلام وبكلِّ عليم [ من ] توراة وإنجيل وزبور من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهراً، أو لقى نصرانياً أو يهوديّاً فكان ذلك أعظم آياته، وقتل الحسين بن عليِّعليهما‌السلام وخلّف عليّ بن الحسينعليهما‌السلام متقارب السنِّ كانت سنّة أقلَّ من عشرين سنة، ثمّ انقبض عن النّاس فلم يلق أحداً ولا كان يلقاه إلّا خواص أصحابه وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلّا يسيرا لصعوبة الزَّمان وجور بني امية ثمّ ظهر ابنه محمّد بن علي المسمى بالباقرعليه‌السلام لفتقه العلم(١) فأتى من علوم الدِّين والكتاب والسنّة والسير والمغازي بأمر عظيم، وأتى جعفر بن محمّدعليهما‌السلام من بعده من ذلك بما كثر وظهر وانتشر، فلم يبق فن في فنون العلم إلّا أتى فيه بأشياء كثيرة، وفسر القرآن والسنن، ورويت عنه المغزي وأخبار الأنبياء من غير أن يرى هو وأبوه محمّد بن عليٍّ أو عليُّ بن الحسينعليهم‌السلام عند أحد من رواة العامة أو فقهائهم يتعلمون منهم شيئاً، وفي ذلك أدل دليل على أنّهم إنّما أخذوا ذلك العلم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ عن عليٍّعليه‌السلام ، ثمّ عن واحد واحد من الائمّة، وكذلك جماعة الائمّةعليهم‌السلام هذه سنّتهم في العلم(٢) يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متّفقة من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من النّاس، فأي دليل أدل من هذا على إمامتهم وأنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصبهم وعلّمهم وأودعهم علمه وعلوم الأنبياءعليهم‌السلام قبله، وهل رأينا في العادات

__________________

(١) في بعض النسخ « لبقره العلم ».

(٢) في بعض النسخ « سبيلهم في العلم ».

٩١

من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمّد بن عليٍّ وجعفر بن محمّدعليهم‌السلام من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس.

فان قال قائل: لعلّهم كانوا يتعلّمون ذلك سرّاً، قيل لهم: قد قال مثل ذلك الدّهرية في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه كان يتعلّم الكتابة ويقرأ الكتاب سرّاً. وكيف يجوز أن يظنَّ ذلك بمحمد بن عليّ وجعفر بن محمّد بن عليّعليهم‌السلام وأكثر ما أتوا به لا يعرف إلّا منهم، ولا سمع من غيرهم.

وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهورا تامّاً للخاصة والعامّة فمن أين علمتم وجوده في العالم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة [ قد ] تواترت أخبارها أنّها شاهدته وعاينته؟

فيقال لهم: إنَّ أمر الدِّين كله بالاستدلال يُعلم، فنحن عرفنا الله عزَّ وجلَّ بالادلّة ولم نشاهده، ولا أخبرنا عنه من شاهده، وعرفنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكونه في العالم بالاخبار، وعرفنا نبوَّته وصدقه بالاستدلال، وعرفنا أنَّه استخلف عليّ بن - أبي طالبعليه‌السلام بالاستدلال، وعرفنا أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الائمّةعليهم‌السلام بعده عالمون بالكتاب والسنّة ولا يجوز عليهم في شيء من ذلك الغلط ولا النسيان ولا تعمد الكذب بالاستدلال، وكذلك عرفنا أنَّ الحسن بن عليّعليهما‌السلام إمام مفترض الطاعة، وعلمنا بالاخبار المتواترة عن الائمّة الصادقينعليهم‌السلام أنَّ الامامة لا تكون بعد كونها في الحسن والحسينعليهما‌السلام إلّا في ولد الامام ولا يكون في أخ ولا قرابة، فوجب من ذلك أنَّ الامام لا يمضي إلّا أن يخلف من ولده إماماً(١) فلمّا صحّت إمامة الحسنعليه‌السلام وصحت وفاته ثبت أنَّه قد خلف من ولده إماماً، هذا وجه من الدّلالة عليه.

ووجه آخر: وهو أنَّ الحسنعليه‌السلام خلّف جماعة من ثقاته ممّن يروي(٢) عنه الحلال والحرام ويؤدِّي كتب شيعته وأموالهم ويخرجون الجوابات وكانوا بموضع من الستر(٣) والعدالة بتعديله إيّاهم في حياته، فلمّا مضى أجمعوا جميعاً على أنَّه قد خلف

__________________

(١) في بعض النسخ « من بعده إماماً ».

(٢) في بعض النسخ « يؤدى عنه الحلال ».

(٣) في بعض النسخ « في الستر ».

٩٢

ولداً هو الامام وأمروا النّاس أن لا يسألوا عن اسمه وأن يستروا ذلك من أعدائه، وطلبه السّلطان أشدَّ طلب ووكّل بالدور والحبالى من جواري الحسنعليه‌السلام ، ثمّ كانت كُتُب ابنه الخلف بعده تخرج إلى الشّيعة بالأمر والنهي على أيدي رجال أبيه الثّقات أكثر من عشرين سنة، ثمّ انقطعت المكاتبة ومضى أكثر رجال الحسنعليه‌السلام الّذين كانوا شهدوا بأمر الامام بعده وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا على عدالته وثقته فأمر النّاس بالكتمان وأن لا يذيعوا شيئاً من أمر الامام، وانقطعت المكاتبة فصح لنا ثبات عين الامام بما ذكرت من الدّليل، وبما وصفت عن أصحاب الحسنعليه‌السلام ورجاله ونقلهم خبره، وصحّة غيبته بالاخبار المشهورة في غيبة الامامعليه‌السلام وأنَّ له غيبتين احديهما أشدُّ من الاُخرى.

ومذهبنا في غيبة الامام في هذا الوقت لا يشبه مذهب الممطورة(١) في موسى بن جعفر لأنّ موسى مات ظاهراً ورآه النّاس ميتاً ودفن دفناً مكشوفاً ومضى لموته أكثر من مائة سنة وخمسين سنة لا يدعي أحد أنَّه يراه ولا يكاتبه ولا يراسله، ودعواهم أنَّه حيٌّ فيه إكذاب الحواسَّ الّتي شاهدته ميتاً وقد قام بعده عدَّة أئمّة فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسىعليه‌السلام . وليس في دعوانا هذه - غيبة الامام - إكذاب للحسِّ ولا محال ولا دعوى تنكرها العقول ولا تخرج من العادات وله إلى هذا الوقت مَن يدَّعي من شيعته الثّقات المستورين أنَّه باب إليه وسبب يؤدِّي عنه إلى شيعته أمره ونهيه ولم تطل

__________________

(١) المراد بالممطورة: الواقفية. كما في المجمع قال فيه: والممطر - كمنبر - ما يلبس في المطر يتوقى به. والممطورة: الكلاب المبتلة بالمطر. وقال أبو محمّد الحسن ابن موسى النوبختي في كتابه « فرق الشيعة » وقد لقب الواقفة بعض مخالفيها ممّن قال بامامة عليّ بن موسى « الممطورة » وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها. وكان سبب ذلك أنَّ عليّ ابن اسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضهم فقال له على بن اسماعيل - وقد اشتدَّ الكلام بينهم -: ما أنتم إلّا كلاب ممطورة. أراد إنّكم أنتن من جيف لأنّ الكلاب إذا أصابها المطر فهى أنتن من الجيف. فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم، لأنّه إذا قيل للرجل أنَّه ممطور فقد عرف أنَّه من الواقفة عليّ موسى بن جعفرعليهما‌السلام خاصة لأنّ كلّ من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه وهذا اللقب لاصحاب موسى خاصة. انتهى.

٩٣

المدَّة في الغيبة طولاً يخرج من عادات من غاب، فالتصديق بالاخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسنعليه‌السلام على ما شرحت وأنّه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة فانّها جاءت مشهورة متواترة وكانت الشّيعة تتوقّعها وتترجّاها(١) كما ترجون بعد هذا من قيام القائمعليه‌السلام بالحقِّ وإظهار العدل. ونسأل الله عزَّ وجلَّ توفيقاً وصبراً جميلاً برحمته.

وقال أبو جعفر محمّد بن عبد الرَّحمن بن قبة الرَّازيُّ في نقض كتاب الاشهاد لأبي زيد العلويِّ، قال صاحب الكتاب بعد أشياء كثيرة ذكرها لا منازعة فيها: وقالت الزّيديّة والمؤتمّة(٢) : الحجّة من ولد فاطمة بقول الرَّسول المجمع عليه في حجّة الوداع، ويوم خرج إلى الصلاة في مرضه الّذي توّفي فيه: « أيّها النّاس قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي إلّا إنّهما لن يفترقا حتّى يردا علىَّ الحوض، إلّا وإنكم لن تضلّوا ما استمستكم بهما ». ثمَّ أكد صاحب الكتاب هذا الخبر وقال فيه قولاً لا مخالفة فيه، ثمّ قال بعد ذلك: أنَّ المؤتمّة خالفت الاجماع وادَّعت الامامة في بطن من العترة ولم توجبها لسائر العترة(٣) ، ثمّ لرجل من ذلك البطن في كلّ عصر.

فأقول - وبالله الثقة: إنَّ في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما يقول الاماميّة دلالة واضحة وذلك أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » دلَّ على أنَّ الحجّة من بعده ليس من العجم ولا من سائر قبايل العرب بل من عترته أهل بيته، ثمّ قرن قوله بما دلَّ [ به ] على مراده فقال: إلّا وإنها لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض « فأعلمنا أنَّ الحجّة من عترته لا تفارق الكتاب، وانّا متى تمسّكنا بمن لا يفارق الكتاب لن نضلّ، ومن لا يفارق الكتاب ممّن فرض على الاُمّة أن يتمسّكوا به، ويجب في العقول أن يكون عالماً بالكتاب مأمونا عليه يعلم ناسخه من منسوخه، وخاصّه من عامه، وحتمه من ندبه، ومحكمه من متشابهه

__________________

(١) في بعض النسخ « تتوخاها ».

(٢) يعني الاماميّة - الاثنى عشرية -.

(٣) يريد أنَّ لفظ العترة عام يشملهم جميعاً فجميع العترة داخل.

٩٤

ليضع كلّ شيء من ذلك موضعه الّذي وضعه الله عزَّ وجلَّ، لا يقدم مؤخّراً، ولا يؤخّر مقدَّماً. ويجب أن يكون جامعاً لعلم الدِّين كلّه ليمكن التمسّك به والاخذ بقوله فيما اختلفت فيه الاُمّة وتنازعته من تأويل الكتاب والسنّة، ولأنّه إن بقي منه شئ لا يعلمه لم يمكن التّمسّك به ثمّ متى كان بهذا المحلِّ أيضاً لم يكن مأموناً على الكتاب، ولم يؤمن أن يغلط فيضع النّاسخ منه مكان المنسوخ، والمحكم مكان المتشابه، والندب مكان الحتم، إلى غير ذلك ممّا يكثر تعداده، وإذا كان [ هذا ] هكذا صار الحجّة والمحجوج سواء، وإذا فسد هذا القول صحَّ ما قالت الاماميّة من أنَّ الحجّة من العترة لا يكون إلّا جامعاً لعلم الدِّين معصوماً مؤتمناً على الكتاب، فإنَّ وجدت الزّيديّة في أئمتها من هذه صفته فنحن أوَّل من ينقاد له، وإن تكن الاخرى فالحقُّ أولى ما اتُّبع.

وقال شيخ من الاماميّة: إنّا لم نقل: إنَّ الحجّة من ولد فاطمةعليهما‌السلام قولاً مطلقاً وقلناه بتقييد وشرائط، ولم نحتجَّ لذلك بهذا الخبر فقط بل احتججنا به وبغيره، فأوَّل ذلك أنّا وجدنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد خصَّ من عترته أهل بيته أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام بما خصَّ به ودلَّ على جلالة خطرهم وعِظَم شأنهم وعلوِّ حالهم عند الله عزَّ وجلَّ بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن والموقف بعد الموقف ممّا شهرته تغني عن ذكره بيننا وبين الزّيديّة، ودلَّ الله تبارك وتعالى على ما وصفناه من علو شأنهم بقوله: « إنّمايريد الله ليذهب عنك الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(١) وبسورة هل أتى وما يشاكل ذلك، فلمّا قدمعليه‌السلام هذه الامور وقرر عند امته أنَّه ليس في عترته من يتقدمهم في المنزلة والرفعة ولم يكنعليه‌السلام ممّن ينسب إلى المحاباة ولا ممّن يولي ويقدم إلّا على الدِّين علمنا أنّهمعليهم‌السلام نالوا ذلك منه استحقاقاً بما خصهم به، فلمّا قال بعد ذلك كلّه: « قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي » علمنا أنَّه عنى هؤلاء دون غيرهم لأنّه لو كان هناك من عترته من له هذه المنزلة لخصّهعليه‌السلام و

__________________

(١) الاحزاب: ٣٣.

٩٥

نبّه على مكانه، ودلَّ على موضعه لئلّا يكون فعله بأمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام محاباة، وهذا واضح، والحمد لله، ثمّ دلّنا على أنَّ الامام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنينعليه‌السلام إيّاه واتّباع أخيه له طوعاً.

و أمّا قوله: « إنَّ المؤتمّة خالفت الاجماع وادعت الامامة في بطن من العترة » فيقال له: ما هذا الاجماع السّابق الّذي خالفناه فانّا لا نعرفه، اللّهمّ إلّا أن تجعل مخالفة الاماميّة للزّيديّة خروجاً من الاجماع، فإنَّ كنت إلى هذا تومي فليس يتعذَّر على الاماميّة أن تنسبك إلى مثل ما نسبتها إليه وتدَّعي عليك من الاجماع مثل الّذي ادّعيته عليها، وبعد فأنت تقول: إنَّ الامامة لا تجوز(١) إلّا لولد الحسن والحسينعليهما‌السلام فبين لنا لم خصصت ولدهما دون سائر العترة لنبيّن لك بأحسن من حجتك ما قلناه، وسيأتي البرهان في موضعه إن شاء الله.

ثم قال صاحب الكتاب: وقالت الزّيديّة: الامامة جائزة للعترة وفيهم لدلالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم عامّاً لم يخصّص بها بعضاً دون بعض، ولقول الله عزَّ وجلَّ لهم دون غيرهم باجماعهم: «ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا - الآية »(٢) .

فأقول - وبالله التوفيق -: قد غلط صاحب الكتاب فيما حكى لأنّ الزّيديّة إنّما تجيز الامامة لولد الحسن والحسينعليهما‌السلام (٣) خاصّة، والعترة في اللّغة العمِّ وبنو العم، الأقرب فالأقرب، وما عرف أهل اللّغة قطُّ ولا حكى عنهم أحدٌ أنّهم قالوا: العترة لا تكون إلّا ولد إلّا بنة من ابن العمِّ، هذا شيء تمنته الزّيديّة وخدعت به أنفسنا وتفرَّدت بادِّعائه بلا بيان ولا برهان، لأنّ الّذي تدّعيه ليس في العقل ولا في الكتاب ولا في الخبر ولا في شئ من اللغات وهذه اللّغة وهؤلاء أهلها فاسألوهم

__________________

(١) في بعض النسخ « لا تكون ».

(٢) فاطر: ٣٢، وتمام الآية «فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير ».

(٣) في منقوله المترجم في كتاب المسمى بنامه دانشوران ج ٤ ص ٢٧٨ « الزّيديّة إنّما تجيز الامامة لولد الحسينعليه‌السلام ».

٩٦

يبيّن لكم أنَّ العترة في اللّغة الاقرب فالأقرب من العمِّ وبني العمِّ.

فان قال صاحب الكتاب: فلم زعمت أنَّ الامامة لا تكون(١) لفلان وولده، وهم من العترة عندك؟

قلنا له: نحن لم نقل هذا قياساً وإنّما قلناه اتّباعاً لمّا فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهؤلاء الثلاثة(٢) دون غيرهم من العترة ولو فعل بفلان(٣) ما فعله بهم لم يكن عندنا إلّا السّمع والطاعة.

وأمّا قوله: إنَّ الله تبارك وتعالى قال: «ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا - الآية ».

فيقال له: قد خالفك خصومك من المعتزلة وغيرهم في تأويل هذه الآية وخالفتك الاماميّة وأنت تعلم من السابق بالخيرات عند الاماميّة، وأقلٌ ما كان يجب عليك - وقد ألفت كتابك هذا لتبيّن الحقّ وتدعو إليه - أن تؤيّد الدَّعوى بحجّة، فإنَّ لم تكن فاقناع، فإنَّ لم يكن فترك الاحتجاج(٤) بما لم يمكنك أن تبيّن أنَّه حجّة لك دون خصومك، فإنَّ تلاوة القرآن وادِّعاء تأويله بلا برهان أمرٌ لا يعجز عنه أحدٌ، وقد ادَّعى خصومنا وخصومك أنَّ قول الله عزَّ وجلَّ: «كنتم خير أمة أخرجت للنّاس - الآية »(٥) هم جميع علماء الاُمّة وأن سبيل علماء العترة وسبيل علماء المرجئة سبيل واحد وأن الاجماع لا يتم والحجة لا تثبت بعلم العترة فهل بينك وبينها فصل؟ وهل تقنع منها بما ادَّعت أو تسألها البرهان؟ فإنَّ قال: بل أسألها البرهان، قيل له: فهات برهانك أوّلاً على أنَّ المعنى بهذه الآية الّتي تلوتها هم العترة، وأنَّ العترة هم الذرّيّة وأنّ الذرية هم ولد الحسن والحسينعليهما‌السلام دون غيرهم من ولد جعفر وغيره ممّن

__________________

(١) في بعض النسخ « لا تجوز ».

(٢) يعني امير المؤمنين والسبطين:.

(٣) أي لو فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلاً بعباس وولديه عبد الله والفضل ما فعل بهؤلاء الثلاثة لم يكن - الخ.

(٤) يعني إن لم تكن حجّة فبدليل اقناعي وان لم يكن دليل اقناعي فترك الاحتجاج بما ليس لك حجّة بل يمكن أن يكون حجّة لخصومك.

(٥) آل عمران: ١١٠.

٩٧

امّهاتهم فاطميّات.

ثم قال: ويقال للمؤتمّة: ما دليلكم على إيجاب الامامة لواحد دون الجميع وحظرها على الجميع، فإنَّ اعتلّوا بالوراثة والوصيّة، قيل لهم: هذه المغيريّة(١) تدَّعي الامامة لولد الحسن ثمّ في بطن من ولد الحسن بن الحسن في كلّ عصر وزمان بالوراثة والوصيّة من أبيه وخالفوكم بعد فيما تدّعون كما خالفتم غيركم فيما يدّعي.

فأقول - وبالله الثقة -: الدّليل على أنَّ الامامة لا تكون إلّا لواحد أنَّ الامام لا يكون إلّا الأفضل والأفضل يكون على وجهين: إمّا أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كلّ واحد من الجميع، فكيف كانت القصّة فليس يكون الأفضل إلّا واحداً لأنّه من المحال أن يكون أفضل من جميع الاُمّة أو من كلّ واحد من الاُمّة وفي الاُمّة من هو أفضل منه، فلمّا لم يجز هذا وصحَّ بدليل تعترف الزّيديّة بصحته أنَّ الامام لا يكون إلّا الأفضل صح أنّها لا تكون إلّا لواحد في كلّ عصر، والفصل فيما بيننا وبين المغيريّة سهلٌ واضح قريب والمنّة لله، وهو أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلَّ على الحسن والحسينعليهما‌السلام دلالة بيّنة وبان بهما من سائر العترة بما خصّهما به ممّا ذكرناه ووصفناه، فلمّا

__________________

(١) المغيرية هم أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي مولى بجيلة الذى خرج بظاهر الكوفة في امارة خالد بن عبد الله القسري فظفر به وأحرقه وأحرق أصحابه سنة ١١٩ كما في تاريخ الطبري وقد تظافرت الروايات بكونه كذاباً وروى الكشى روايات كثيرة في ذمه. وهو وأصحابه أنكروا امامة أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وقالوا بامامة محمّد ابن عبد الله بن الحسن فلمّا قتل صاروا لا امام لهم ولا وصىّ ولا يثبتون لأحد امامة بعد وفى بعض النسخ المصححة « المفترية » وفى هامشه « اعلم أنَّ الفرق بين المفترية والزيدية أنَّ المفترية لا يقولون بامامة الحسين بعد أخيه الحسنعليهما‌السلام بل يقولون: أنَّ الامام بعد الحسنعليه‌السلام ابنه الحسن المثنى والزيدية قائلون بامامة عليّ بن الحسين من بعد أبيه لكن لم يقولوا بامامة محمّد بن عليّ بن الحسين: بل قائلون بامامة زيد بن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام بعد أبيه وأيضاً قائلون بامامة ولد الحسن من كان منهم ادعى الامامة » انتهى. وفي بعض النسخ « المعترية ».

٩٨

مضى الحسن كان الحسين أحقُّ وأولى بدلالة الحسن لدلالة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه واختصاصه إيّاه وإشارته إليه، فلو كان الحسن أوصى بالامامة إلى ابنه لكان مخالفاً للرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاشا له من ذلك، وبعد فلسنا نشكُّ ولا نرتاب في أنَّ الحسينعليه‌السلام أفضل من الحسن ابن الحسن بن عليّ والأفضل هو الامام على الحقيقة عندنا وعند الزّيديّة، فقد تبين لنا بما وصفنا كذب المغيرية وانتقض الأصل الّذي بنوا عليه مقالتهم، ونحن لم نخصَّ عليّ بن الحسين بن عليّعليهم‌السلام بما خصصناه به محاباة، ولا قلّدنا في ذلك أحداً، ولكنّ الأخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن.

ودلنا على أنَّه أعلم منه ما نقل(١) من علم الحلال والحرام عنه، وعن الخلف من بعده، وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ولم نسمع للحسن بن الحسن بشيء يمكننا أن نقابل بينه وبين من سمعناه من علم عليٍّ بن الحسينعليهما‌السلام ، والعالم بالدِّين أحقُّ بالامامة ممّن لا علم له، فإنَّ كنتم يا معشر الزّيديّة عرفتم للحسن بن الحسن علماً بالحلال والحرام فأظهروه وإن لم تعرفوا له ذلك فتفكروا في قول الله عزَّ وجلَّ «أفمن يهدي إلى الحقِّ أحقُّ أن يتبع أمن لا يهدي إلّا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون »(٢) ، فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدُّم وطهارة وزكاة وعدالة، والامامة لا يتمُّ أمرها إلّا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام ربِّ العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزّيديّة بامامته إلّا وهو يقول في التأويل - أعني تأويل القرآن - على الاستخراج وفي الاحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط(٣) ، لأنّ ذلك كان ممكنا لو كان القرآن إنّما أنزل بلغة واحدة وكان علماء أهل تلك اللّغة يعرفون المراد، فأمّا القرآن قد نزل بلغات كثيرة، وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف مثل الصلاة والزَّكاة والحجِّ(٤) وما في هذا الباب منه،

__________________

(١) في بعض النسخ « ما فضل ».

(٢) يونس: ٣٥.

(٣) في بعض النسخ « بالاستخراج ».

(٤) يعنى لفظ « الصلاة » و « الزكاة » و « الحج ».

٩٩

وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف ممّا نعلم وتعلمون أنَّ المراد منه إنّما عرف بالتّوقيف دون غيره، فليس يجوز حمله على اللّغة لانك تحتاج أوّلا أن تعلم أنَّ الكلام الّذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلاً، لا في جمله ولا في تفصيله.

فان قال منهم قائلٌ: لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان سبيله أن يستخرج فقد وكّل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلاً على بعض فاستغنينا بذلك عمّا تدَّعون من التوقيف والموقّف.

قيل له: لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنّا نجد للاية الواحدة تأويلين متضادِّين كلّ واحد منهما يجوز في اللّغة ويحسن أن يتعبد الله به، وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادين.

فان قال : ما ينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدّبروه علموا المراد بعينه دون غيره.

فيقال للمعترض بذلك: أنكرنا هذا الّذي وصفته لامر نخبرك به: ليس تخلو تلك الدّلالة الّتي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة فإنَّ كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية وإن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذا توقيف ونصٌّ على المراد بعينه ويجب أن لا يشكل على أحد علم اللّغة معرفة المراد، وهذا ما لا تنكره العقول، وهو من فعل الحكيم جائز حسن، ولكنّا إذا تدبّرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائماً بين أهل العلم بالدين واللّغة، ولو كان هناك آياتٌ تفسّر آيات تفسيراً لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين، ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي، ولكان من تأوَّل الآية خارجاً من اللّغة ومن لسان أهلها، لأنَّ الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللّغة الّتي وقع الخطاب بها، فدلّونا يا معشر الزّيديّة على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدلُّ نصّاً وتوقيفاً على تأويلها، وهذا أمر متعذِّرٌ وفي تعذُّره دليلٌ على أنَّه لابدّ للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به، وهذا عندي واضحٌ.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686