إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء ١

إعلام الورى بأعلام الهدى0%

إعلام الورى بأعلام الهدى مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555

إعلام الورى بأعلام الهدى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (أمين الإسلام)
تصنيف: ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555
المشاهدات: 119982
تحميل: 8492


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 555 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119982 / تحميل: 8492
الحجم الحجم الحجم
إعلام الورى بأعلام الهدى

إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء 1

مؤلف:
ISBN: 964-319-010-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمّة منه ومن ولده موتاً أحمر »(1) .

فكان كما قالعليه‌السلام .

ومن ذلك : قولهعليه‌السلام : «أما إنّه سيليكم من بعدي ولاة لايرضون منكم بهذا ، يعذبوكم بالسياط والحديد ، إنّه من عذّب الناس في الدنيا عذّبه الله في الاخرة ، وآية ذلك أنّه يأتيكم صاحب اليمن حتى يحلبين أظهركم ، فيأخذ العمّال ، وعمّال العمّال رجل يقال له : يوسف بن عمر»(2).

فكان كما قالعليه‌السلام .

ومن ذلك : قوله لجويرية بن مسهر : «ليقتلنّك العتلّ الزنيم ، وليقطعنّ يدك ورجلك ، ثمّ ليصلبنّك تحت جذع كافر».

فلمّا ولي زياد في أيّام معاوية قطع يده ورجله ، وصلبه على جذع ابن معكبر(3) .

ومن ذلك : حديث ميثم التمّاررحمه‌الله ، فقد روى نقلة الاثار : أنّه كان عند امرأة من بني أسد ، فاشتراه أمير المؤمنينعليه‌السلام منها ، فأعتقه وقال له : « ما اسمك؟ » فقال : سالم ، قال : « فأخبرني رسول الله أنّ اسمك الذى سمّاك به أبوك في العجم ميثم » قال : صدق الله ورسوله وصدقت يا أمّير المؤمنين ، قال : « فارجع إلى اسمك الذي سمّاك به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودع سالماً » فرجع إلى ميثم واكتن بأبي سالم.

____________

(1) نهج البلاغة 1 : 120 | 70 ، وفيه : يوماً ، بدل موتاً.

(2) ارشاد المفيد 1 : 322 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 306.

(3) ارشاد المفيد 1 : 323 ، الخرائج والجرائح 1 : 202 | 44 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 291.

٣٤١

فقال له أميرالمؤمنين ذات يوم : «إنّك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة ، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً فتخضّب لحيتك ، فانتظر ذلك الخضاب ، وتصلب على باب دار عمرو بن حريث ، أنت عاشر عشرة ، أنت اقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة».

وأراه النخلة التي يصلب على جذعها ، وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول : بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذّيت ، ولم يزل يتعاهدها حتى قطعت ، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنّي مجاورك فأحسن جواري. وهو لا يعلم ما يريد.

وحجّ في السنة التي قتل فيها ، فدخل على اُمّ سلمة فقالت : من أنت؟ قال : أنا ميثم. قالت : والله لربّما سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي بك عليّاً في جوف الليل ، فسألها عن الحسينعليه‌السلام فقالت : هو في حائط له ، قال : فأخبريه إني قد أحببت السلام عليه ، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله تعالى. فدعت بطيب وطيّبت لحيته وقالت له : أما إنّها تخضب بدم.

فقدم الكوفة فاخذه عبيداللهّ بن زياد لعنه الله وقال له : ما أخبر كصاحبك أنّي فاعل بك؟ قال : أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة أنا أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة ، قال : لنخالفنّه ، قال : كيف تخالفه و فوالله ما أخبرني إلاّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيلعليه‌السلام عن اللهّ عزّ تعالى ، فكيف تخالف هؤلاء؟! ولقد عرفت الموضع الذي اُصلب عليه أين هو من الكوفة ، وأنا أوّل خلق الله ألجم في الإسلام.

فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد ، فقال ميثم للمختار : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يقتلنا.

فلمّا دعا عبيدالله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد يأمره بتخلية

٣٤٢

سبيله فخلاّه ، وأمر بميثم أن يصلب فاُخرج فقال له رجل لقيه : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم ، فتبسّم وقال وهو يومئ إلى النخلة : لها خلقت ولي غذَيت ، فلمّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث قال عمرو : قد كان والله يقول لي : إنّي مجاورك ، فلمّا صُلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشّه وتجميره ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم فقيل لابن زياد لعنه اللهّ : قد فضحكم هذا العبد ، فقال : ألجموه.

فكان أوّل خلق الله اُلجم في الإسلام.

وكان مقتل ميثم قبل قدوم الحسين بن عليعليهما‌السلام على العراق بعشرة أيّام ، فلمّا كان اليوم الثالث من صلبه طُعن ميثم بالحربة ، فكبّر ثمّان بعث في آخر النهار أنفه وفمه دماً(1) .

ومن ذلك : ما رواه مجاهد ، عن الشعبي ، عن زياد بن النضر الحارثي قال : كنت عند زياد إذ اُتي برشيد الهجري فقال له : ما قال لك صاحبك ـ يعني عليّاًعليه‌السلام ـ إنّا فاعلون بك؟ قال : تقطعون يدي ورجلي وتصلبوني ، فقال زياد : أما والله لاُكذّبنّ حديثه ، خلّوا سبيله.

فلمّا أراد أن يخرج قال زياد : والله ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال له صاحبه ، اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه.

فقال رشيد : هيهات ، قد بقي لكم عندي شيء أخبرني أمير المؤمنينعليه‌السلام به ، قال زياد : اقطعوا لسانه.

فقال رشيد : الآن والله جاء تصديق خبر أمير المؤمنينعليه‌السلام (2) .

____________

(1) ارشاد المفيد1 : 323 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 291 ، الاصابة 3 : 504 ، ومختصراً في خصائص الرضي : 54 ، ونحوه في الاختصاص : 75 ، رجال الكشي 1 : 293 | 136.

(2) ارشاد المفيد 1 : 325 ، شرح نهح البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 294.

٣٤٣

ومن ذلك : اخباره مولاه قنبر وصاحبه كميل بن زياد بأن الحجاج بن يوسف يقتلهما(1) .

فكان كما قال.

ومن ذلك : ما اشتهرت به الرواية أنّهعليه‌السلام خطب فقال فيخطبته : «سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله ما تسألونني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة» فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟

فقالعليه‌السلام : «لقد حدّثني خليلي رسول اللهّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سألت عنه ، وأنّ على كلّ طاقة شعر في رأسك ملكاً يلعنك ، وعلى كلّ طاقة شعرفي لحيتك شيطاناً يستفزّك ، وأنّ في بيتك لسخلاً يقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به ، ولولاأنّ الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرت به ، ولكن اية ذلك ما نبّأته عن سخلك الملعون »(2) .

وكان ابنه في ذلك الوقت صغيراً يحبو ، فلمّا كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولّى قتله ، فكان كما قال.

____________

(1) انظر : ارشاد المفيد 1 : 327 و 328 ، الاصابة 3 : 318.

(2) كامل الزيارات : 74 ، أمالي الصدوق : 115 | 1 ، خصائص الرضي : 62 ، ارشاد المفيد1 : 330 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 269 ، الاحتجاج : 261 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 286 و 10 : 14.

لقد صح عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام قوله « سلوني قبل أن تفقدوني » ونقلت ذلك الكثير من مصادر الفرقين ، بحيث يعسر علينا حصرها هنا. وللاطلاع على ذلك انظر : الغدير 6 : 193 ـ 194 و 7 : 107 ـ 108.

٣٤٤

ومن ذلك : ما روي عن سويد بن غفلة : أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فأخبره أنّ خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له ، فقال : « إنّه لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب ابن جمّاز».

فقام رجل من تحت المنبر فقال : يا أمير المؤمنين ، والله إنّي لك شيعة ، وإنّي لك محبّ ، وأنا حبيب بن جفّاز.

فقال : «إيّاك أن تحملها ، ولتحملنّها فتدخل من هذا الباب » وأومأ بيده إلى باب الفيل.

فلمّا كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان بعث ابن زياد بعمر بن سعد إلى الحسين ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته ، وحبيب بن جمّاز صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل(1). وهذا الخبر مستفيض في أهل العلم بالآثار من أهل الكوفة.

ومن ذلك : ما رواه إسماعيل بن زياد قال : إنّ عليّاًعليه‌السلام قال للبراء بن عازب : « يا براء ، يُقتل ابني الحسين وأنت حيّ لاتنصره ».

فلمّا قُتل الحسينعليه‌السلام كان البراء يقول : صدق والله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، قُتل الحسين بن عليّ وأنا لم أنصره. ويظهر الندم على ذلك والحسرة(2).

____________

(1) بصائر الدرجات : 318 | 11 ، الهداية الكبرى : 161 ، ارشاد المفيد1 : 329 ، الاختصاص : 0 28 ، الخرائج والجرائح 2 : 745 | 63 لابن شهرآشوب 2 : 270 ، الثاقب في المناقب : 267 | 6 ، مقاتل الطالبيين : 71 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد2 : 286 ـ 287.

(2) ارشاد المفيد 1 : 331 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 270 ، كشف الغمة 1 : 279 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10 و 15.

٣٤٥

وهذا الذي ذكرناه ـ من جملة إخباره بالغائبات وإعلامه بالكائنات قبلكونها ـ غيض من فيض ، ويسير من كثير ، ولو لم تكن إلاّ خطبته القاصة ، وخطبة البصرة المستفيضة الشائعة ، وما فيها من الملاحم والحوادث في العباد والبلاد ، وأسامي ملوك بني اُميّة وبني العباس ، وما حلّ من عظائم بليّاتهم بالناس لكفى بهما اُعجوبة لا يعادلها سواها إلاّ ما ساواها في معناها ، وفيما ذكرناه كفاية ومقنع لذوي الألباب.

فصل :

وأمّا الفن الآخر من المعجزات والايات الخارقة للعادات التي هي غير الإخبار بالغائبات فمما لا يدخل تحت الضبط والانحصار ، ونحن نذكر طرفاً منها على شريطة الاختصار :

فمن ذلك : قصة عين راحوما والراهب بأرض كربلاء والصخرة ، والخبر بذلك مشهور بين الخاصّ والعامّ ، وحديثها :

أنّهعليه‌السلام لمّا توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش ، فأخذوا يميناً وشمالاً يطلبون الماء فلم يجدوه ، فعدل بهم أمير المؤمنين عن الجادّة ، وسار قليلاً ، فلاح لهم دير فسار بهم نحوه ، وأمر من نادى ساكنه بالإطّلاع إليهم ، فنادوه فاطّلع ، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : «هل قرب قائمك ماء؟» فقال : هيهات ، بينكم وبين الماء فرسخان ، وما بالقرب منّي شيء من الماء. فلوىعليه‌السلام عنق بغلته نحو القبلة وأشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال : «اكشفوا الأرض في هذا المكان» فكشفوه بالمساحي فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ههنا صخرة لا تعمل فيها المساحي ، فقالعليه‌السلام : ، «إنّ هذه الصخرة على الماء ، فاجتهدوا في

٣٤٦

قلعها »(1) فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً واستصعبت عليهم ، فلوىعليه‌السلام رجله عن سرجه حتّى صار إلى الأرض وحسر ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها ثمّ قلعها بيده ودحا بها أذرعاً كثيرة ، فلمّا زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء فتبادروا إليه فشربوا منه ، فكان أعذب ماءٍ وأبرده وأصفاه ، فقال لهم : «تزوّدوا وارتووا» ففعلوا ذلك.

ثمّ جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت ، وأمر أن يعفى أثرها بالتراب ، والراهب ينظر من فوق ديره ، فلمّا علم ما جرى نادى : يا معشر الناس أنزلوني أنزلوني ، فانزلوه فوقف بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له : أنت نبيّ مرسل؟ قال : «لا» ، قال : فملك مقرّب؟ قال : «لا» ، قال : فمن أنت؟ قال : «أنا وصيّ رسول اللهّ محمّد بن عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيّين» قال : ابسط يدك اُسلم للّه على يدك. فبسطعليه‌السلام يده وقال له : «اشهد الشهادتين» فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشِهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأشهد أنّك وصيّ رسول اللهّ وأحقّ الناس بالأمر من بعده ، وقال : يا أمير المؤمنين إنّ هذا الدير بُني على طلب قالع هذه الصخرة ومُخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم كثير قبلي ولم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه الله عزّ وجل ، إنّا نجد في كتاب من كتبنا مآثرعن علمائنا إنّ في هذا الصقع عيناً عليها صخرة لا يعرف مكانها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ ، وإنّه لا بدّ من وليّ للّه يدعو إلى الحقّ ، آيته معرفة مكان هذه الصخرة وقدرته على قلعها ، وإنّي لمّا رأيتك قد بلغت ذلك تحقّقت ما كنّا ننتظره ، وبلغت الاُمنية منه ، فانا اليوم مسلم على يدك ومؤمن بحقّك ومولاك.

____________

(1) في نسختي «ق» و«ط» : قلبها ، وما أثبتناه من نسخة «م».

٣٤٧

فلمّا سمع بذلك أميرالمؤمنين بكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع وقال : « الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكوراً ، الحمد لله الذي لم أك عنده منسيّاً ] ثمّ دعا الناس وقال : «اسمعوا ما يقوله أخوكم المسلم»[(1) فسمع الناس مقال له وشكروا الله على ذلك ، وساروا والراهب بين يديه حتى لقي أهل الشام ، فكان الراهب في جملة من استشهد معه ، فتولّى الصلاة عليه ودفنه وأكثر من الاستغفار له ، وكان إذا ذكره يقول : «ذاك مولاي »(2) .

وفي هذا الخبر ضروب من الأيات : أحدها : علم الغيب(3).

والآخر : القوّة الخارقة للعادة.

والثالث : ثبوت البشارة به في كتب الله الاُولى كما جاء في التنزيل : «ذلِكَ مَثَلُهُم فِي التّوَراة وَمَثَلُهُم فِي الإنجِيلِ »(4).

وفي ذلك يقول السيّد إسماعيل بن محمد الحميري :

[1] ولَقَد سرى فِي يُسَيِّر ُلَيلة

بَعد العِشاءِ بِكَربَلا فِي مَوكِبِ

[2] حَتّى أتى مُتَبَتِّلاً في قائِم

ألقى قَواعِدَهُ بقاعٍ مجدبِ

[3] يأتِيهِ لَيسَ بِحَيثُ يَلفيَ عامراً

غَيرَ الوُحُوش وَغَيرَ أصلَعَ أشيَبِ

[4] َفدَنا فَصاحَ بِهِ فَاشرفَ ماثلاً

كَالنَّسرِ فوقَ شظيّةٍ مِن مَرقَبِ

____________

(1) ما بين المعقوفين لم يرد في نسخنا وأثبتناه من الارشاد ليستقيم السياق.

(2) ارشاد المفيد 1 : 334 كشف الغمة 1 : 279 وباختلاف يسير في خصائص الرضي : 50 ، ووقعة صفين : 144 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 : 204 ، مختصراً في فضائل ابن شاذان : 104 ، والخرائج والجرائح 1 : 222 | 67 ، ونحوه في أمالي الصدوق : 155 | 14.

(3) لقد أفرد علماء الطائفة ومفكروها جملة واسعة من الابحاث والدراسات المبينة لابعاد هذا العلم تراجع في مظانها.

(4) الفتح 48 : 29.

٣٤٨

[5]هَل قُربَ قائِمِكَ الذِي بُوِّئتَهُ

ماء يُصابُ فَقالَ ما مِن مَشرَبِ

[6] إلاّ بِغايَةِ فَرسَخَينِ وَمَن لَنا

بالماء ِبَينَ نَقاً وَقيٍّ سَبسبِ

[7] فَثَنى الأعنَّةَ نَحوَ وَعثٍ فَاجتَلى

مَلساءَ تَرقُ كَاللُّجينِ المُذهبِ

[8] قالَ اقلبونا إنَّكُم إن تقلِبوا

تَرووُا وَلا تَروونَ إن لَم تُقلبِ

[9] فَاعصَوصَبوافِي قَلبِها فَتمنّعت

مِنهُم تَمنُّع صَعبَةٍ لَم تُركَبِ

[10] حَتّى إذا أعيَتهُمُ أهوى لَها

كَفّاً مَتى تَردِ المُغالبَ تَغلِبِ

[11] فكأنّها كرَةٌ بِكَفٍّ حَزوَّر

عَبلٍ الذراعِ دَحا بها في مَلعَبِ

[12] قالَ اشربُوا مِن تَحتها مُتسَلسِلاً

عَذباَ يَزيدُ عَلَى الألذًّ الأعذبِ

[13]حَتّى إذا شَرِبُوا جَميعاً رَدَّها

وَمَضى فَخِلتَ مَكانَها لَم يُقرَب

[14] أعنيِ ابنَ فاطِمَةَ الوَصيّ وَمن يَقُل

فِي فَضلِهِ وَفَعالِهِ لا يَكذِبِ(1)

__________________

(1) خصائص الرضي : 51 ، ارشاد المفيد 1 : 337 كشف الغمة 1 : 281.

قال السيد المرتضى ـ رضي الله عنه ـ في شرح هذه القصيدة ـ وقد وزعناه على تسلسلالأبيات ـ :

[1] السري : سير الليل كله.

[2] والمتبتّل : الراهب ، والقائم : صومعته ، والقاع : الأرض الحرّة الطين التي لا حزونةفيها ولا انهباط ، والقاعدة : أساس الجدار وكلّ ما يبنى ، والجدب : ضدّ الخصب.

[3] ومعنى «يأتيه» : أي يأتي هذا الموضع الذي فيه الراهب ، ومعنى ]ليس بحيث يُلفي[«عامراً» : انه لا مقيم فيه سوى الوحوش ، ويمكن أن يكون ماخوذاً من العمرة التي هي الزيارة ، والأصلع الأشيب : هو الراهب.

[4] الماثل : المنتصب ، وشبَّه الراهب بالنسر لطول عمره والشظيّة : قطعة من الجبل مفردة ، والمرقب : المكان العالي.

[6] والنقا : قطعة من الرمل تنقاد محدودبة ، والقيّ : الصحراء الواسعة ، والسبسب : القفر.

[7] والوعث : الرمل الذي لايسلك فيه ، ومعنى«اجتلى ملساء» نظر إلى صحراء ملساء فتجلًت لعينه ، ومعنى «تبرق» : تلمع ، ووصف اللجين بالمذهّب لأنّه اشدّ لبريقه ولمعانه.

=

٣٤٩

ومن ذلك : ما استفاضت به الأخبار ونظمت فيه الأشعار من رجوع الشمس لهعليه‌السلام مرّتين : في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة ، وبعد وفاته اُخرى ، فالأولى قد روتها أسماء بنت عميس ، وأمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجابر بن عبدالله ، وأبو سعيد الخدريّ في جماعةمن الصحابة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذات يوم في منزله وعليٌّعليه‌السلام بين يديه إذ جاءه جبرئيل يناجيه عن الله عزّ وجلّ ، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنينعليه‌السلام فلم يرفع رأسه عنه حتّى غابت الشمس وصلّىعليه‌السلام صلاة العصر جالساً بالإيماء ، فلمّا أفاق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : «ادع الله ليردّ عليك الشمس ، فإنّ الله يجيبك لطاعتك الله ورسوله» فسأل الله عزّ وجلّ أمير المؤمنين في ردّ الشمس ، فردّت عليه حتّى صارت في موضعها من السماء وقت العصر ، فصلّى أمير المؤمنين الصلاة في وقتها ثمّ غربت ، وقالت أسماء بنت عميس : أما والله لقد سمعنا لها عند غروبها صريراً كصرير المنشار في الخشب(1) .

__________________

[9] ومعنى «اعصوصبوا» : اجتمعوا على قلعها وصاروا عصبة واحدة.

[10] ومعنى «اهوى لها» : مدّ إليها ، والمغالب : الرجل المغالب.

[11] والحزوّر : الغلام المترعرع ، والعبل : الغليظ الممتلئ.

[12] والمتسلسل : الماء السلسل في الحلق ، ويقال أنه البارد أيضاً.

[14] وابن فاطمة : هو أمير المؤمنينعليه‌السلام . انتهى كلامه ، رفع الله مقامه. نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 41 : 262 ـ 266.

(1) ارشاد المفيد 1 : 345 ، مناقب ابن شهرآشوب2 : 317 ، كشف الغمة 1 : 282 ، ودون ذيله في فضائل ابن شاذان 68 ، وارشاد القلوب : 277 ، ونحوه في قرب الاسناد : 175 | 644 والكافي 4 : 561 | 7 ، وعلل الشرائع : 351 | 3 ، والذرية الطاهرة للدولابي : 129 | 156 ، ومشكل الاثار للطحاويَ 2 : 8 ـ 9 و 4 | 388 ـ 389 ، والمعجم الكبير للطبراني 24 : 144 | 382 ومناقب ابن المغازلي : 96 | 140 ـ 141 ، ومناقب الخوارزمي : 217

٣٥٠

وأما الثانية : أنّه لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ورحالهم ، وصلّى بنفسه في طائفة معه العصر ، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفات كثيراً منهم الصلاة ، وفات جمهورهم فضل الجماعة معه ، فتكلّموا في ذلك ، فلمّا سمع كلامهم فيه سأل الله عزّوجلّ ردّ الشمس عليه فاجابه بردّها عليه ، فكانت في الأفق على الحالة التي تكون وقت العصر ، فلمّا سلّم بالقوم غابت فسمع لها وجيب شديد.

وفي ذلك يقول السيد الحميري :

ردت عَلَيهِ الشَّمسُ لمّا فاتَهُ

وَقتُ الصَّلاةِ وَقَد دَنَت للمغربِ

حَتّى تبلَّجَ نورها في وَقتِها

لَلعَصرِ ثُمَّ هوت هَوِيَّ الكَوكَبِ

وَعَليهِ قَد حُبِسَت بِبابلَ مَرّةً

اُخرى وما حُبِست لِخلقٍ مُعرب

إلاّ لَيُوشَعَ أَو لَهُ مِن بَعدهِ

وَلِرَدِّها تَأوِيلُ أمرٍ مُعجب(1)

ومن ذلك : ما رواه نقلة الأخبار من حديث الثعبان ، والأية فيه أنَّه كَانعليه‌السلام يخطب ذات يوم على منبر الكوفة إذ ظهر ثعبان من جانب المنبر ، فجعل يرقى حتى دنا من منبره ، فارتاع لذلك الناس وهمّوا بقصده ودفعه عنه ، فاومأ إليهم بالكفّ عنه ، فلمّا صار إلى المرقاة التي كان أمير المؤمنينعليه‌السلام قائماً عليها انحنى إلى الثعبان وتطاول الثعبان إليه حتّى التَقَمَ اُذنه ، وسكت الناس وتحيّروا لذلك ، فنقّ نقيقاً سمعه كثيرٌ منهم ، ثمّ إنّه زال عن مكانه وأمير المؤمنينعليه‌السلام يحرّك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ، ثمّ

_________

=

وتذكرة الخواص : 55 ، فتح الباري 6 : 168 ، وانظر طرقه في تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ 2 : 283 ـ 305 ، والغدير 3 : 127 ـ 141.

(1)ارشاد المفيد 1 : 346 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 318 وأورد الأبيات الشعرية في ص 317 كشف الغمة 1 : 282 ، وباختلاف يسير دون ذكر أبيات السيد الحميري في إرشاد القلوب : 227 ، ونحوه في إثبات الوصية 1 : 346.

٣٥١

انساب فكأنّ الأرض ابتلعته ، وعاد أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى خطبته فتممها ، فلمّا فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه يسألونه عن حال الثعبان ، فقال لهم : «إنّما هو حاكم من حكّام الجنّ التبست عليه قضيّة فصار إليّ يستفتيني عنها ، فافهمته إيّاها ودعا إليَّ بخير وانصرف»(1).

ومن ذلك : حديث الحيتان وكلامهم له في فرات الكوفة ، وذلك أنّ الماء طغى في الفرات حتّى أشفق أهل الكوفة من الغرق ، ففزعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فركب بغلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج الناس معه حتّى أتى شاطىء الفرات فنزلعليه‌السلام وأسبغ الوضوء وصلّى ، والناس يرونه ، ودعا الله عزّ وجلّ بدعوات سمعها أكثرهم ، ثمّ تقدّم إلى الفرات متوكّئاً على قضيب بيده حتّى ضرب به صفحة الماء وقال : «انقص بإذن الله ومشيئته» فغاض الماء حتّى بدت الحيتان من قعره ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ولم ينطق منها اصناف من السمك وهي الجرّيّ والمارماهي ، فتعجّب الناس لذلك ، وسألوه عن علّة نطق ما نطق وصمت ما صمت ، فقال : «أنطق الله لي ما طهر من السمك ، وأصمت عنّي ما نجس وحرم»(2).

وهذا الخبر مستفيض أيضاً كاستفاضة كلام الذئب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتسبيح الحصى في كفّه وأمثال ذلك.

ومن ذلك : ما جاء في الآثار عن ابن عبّاس قال : لمّا خرج النبيّ

_________

(1) ارشاد المفيد 1 : 348 ، روضة الواعظين : 119 ونحوه في بصائر الدرجات 117 ، واثبات الوصية : 129 ، وبشارة المصطفى : 164 ، والفضائل لابن شاذان : 70.

(2) ارشاد المفيد1 : 347 ، روضة الواعظين : 119 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 330 ، ومختصراً في خصائص الرضي : 58 ، واثبات الوصية : 128 ، ونحوه في فضائل ابن شاذان : 106 ، وكشف الغمة 1 : 275.

٣٥٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بني المصطلق ونزل بقرب واد وعر ، فلمّا كان آخر الليل هبط عليه جبرئيلعليه‌السلام يخبره عن طائفة من كفّار الجنّ قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشرّ باصحابه ، فدعا أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال : «اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجنّ من يريدك ، فادفعه بالقوّة التي أعطاك الله عزّ وجلّ إيّاها ، وتحصّن منه بأسماء الله التي خصّك بها وبعلمها» وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس وقال لهم : «كونوا معه وامتثلوا أمره».

فتوجّه أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الوادي ، فلما قارب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئاً حتّى يأذن لهم ، ثمّ تقدّم فوقف على شفير الوادي وتعوّذ باللهّ من أعدائه ، وسمّاه باحسن أسمائه ، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه ، فقربوا ، وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة ، ثمّ رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدّتها ، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هو لما لحقهم ، فصاح أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمّه ، اثبتوا إنشئتم» فظهر للقوم أشخاص مثل الزط(1) تخيّل في أيديهم شعل النار ، قد اطمانّوا وأطافوا بجنبات الوادي.

فتوغّل أمير المؤمنينعليه‌السلام بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً ، فما لبثت الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود ، وكبّر أمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ صعد من حيث هبط ، فقام مع القوم الذين

_________

(1) الزُط (بالضم ) : جيل من الهند معرب جت بالفتح ، الواحد زطي وهو المستوي الوجه.«القاموس المحيط 2 : 362».

٣٥٣

اتّبعوه حتّى أسفر الموضع عمّا اعتراه ، فقال له أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لقيت يا أبا الحسن ، فقد كدنا نهلك خوفاً وإشفاقاً عليك؟ فقالعليه‌السلام : «لمّا تراءى لي العدو جهرت فيهم باسماء الله فتضاءلوا وعلمت ما حلّ بهم من الجزع ، فتوغّلت الوادي غير خائف منهم ، ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم ، وكفى الله كيدهم وكفى المسلمين شرّهم ، وستسبقني بقيّتهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيؤمنوا به».

وانصرف أمير المؤمنينعليه‌السلام بمن معه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاخبره الخبر فسرى عنه ودعا له بخير وقال له : «قد سبقكيا علي إليّ من أخافه الله بك فاسلم وقبلت إسلامه»(1) .

ومن ذلك : ما أبانه الله تعالى به من القوّة الخارقة للعادة في قلعِ باب خيبر ودحوه به ، وكان من الثقل بحيث لا يحمله أقلّ من أربعين رجلاّ ، ثمّ حمله إيّاه على ظهره فكان جسراً للناس يعبرون عليه إلى ذلك الجانب ، فكان ذلك علماً معجزاً(2) .

ومن ذلك : إنقضاض الغراب على خفه وقد نزعه ليتوضّأ وضوء الصلاة ، فانساب فيه أسود ، فحمله الغراب حتّى صار به في الجوّ ثمّ ألقاه فوقع منه الأسود ووقاه الله عزّ وجلّ من ذلك(3).

وفي ذلك يقول الرضي الموسوي رضي الله عنه :

أما في باب خيبر معجزات

تصدّق أو مناجاة الحباب

ــــــــــــــــــ

(1) ارشاد المفيد 1 : 339 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 18 : 84 | 3.

(2) انظر : سيرة ابن هشام 3 : 349 و 350 ، تاريخ الطبري 3 : 13 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 56 ، تاريخ الاسلام للذهبي (المغازي) : 441 و 412.

(3) مناقب ابن شهر اشوب 2 : 356.

٣٥٤

أرادت كيده والله يأبى

فجاء النصر من قبل الغراب(1)

ومن ذلك : ما رواه عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر الباقرعليهما‌السلام من قولهعليه‌السلام لجويرية بن مسهر وقد عزم علىالخروج : «أما إنّه سيعرض لك في طريقك الأسد» قال : فما الحيلة له؟ قال : «تقرظ منّي السلام وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان».

فخرج جويرية ، فبينا هو كذلك يسير على دابّته إذ أقبل نحوه أسد لا يريد غيره ، فقال له جويرية : يا أبا الحارث ، إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقرؤك السلام ، وانّه قد آمنني منك ، قال : فولّى الليث عنه مطرقاً برأسه يهمهم حتّى غاب في الأجمة ، فهمهم خمساً ثمّ غاب ، ومضى جويرية في حاجته.

فلمّا انصرف إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وسلّم عليه وقال : كان من الأمر كذا وكذا فقال : «ما قلت للّيث وما قال لك؟».

فقال جويرية : قلت له ما أمرتني به وبذلك انصرف عنّي ، وأمّا ما قال الليث فالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّ رسوله أعلم.

قال : «إنّه ولّى عنك يهمهم ، فاحصيت له خمس همهمات ثمّ انصرف عنك».

قال جويرية : صدقت يا أمير المؤمنين هكذا هو.

فقالعليه‌السلام : «فإنّه قال لك : فاقرأ وصيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله منّي السلام» وعقد بيده خمساً(2) .

ولو ذهبنا نجتهد في إيراد أمثال هذه من الأيات والمعجزات لطال به

_________

(1) ديوان الشريف الرضي 1 : 116.

(2) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 304.

٣٥٥

الكتاب ، وفيما أثبتناه من ذلك غنى عمّا سواه ، وبالله نستعين ، وإيّاه نستهدي إلى الهدى والحقّ والصواب.

***

٣٥٦

( الباب الرابع )

في ذكر بعض مناقبه

وفضائله وخصائصهعليه‌السلام

التي أبانه الله سبحانه بها عن غيره

سوى ما تقدّم ذكره في جملة من النصوص على إمامته

والإرهاص لإيجاب طاعته

وذكر مختصر من أخباره وحسن اثاره

٣٥٧

إعلم : أنّ فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ومناقبه وخصائصه كثيرة لايتّسع لها كتاب ولا يحويها خطاب ، وليست الشيعة مختصّة بروايتها وإن اختصّت بكثير منها ، فقد روت العامّة والمخالفون من ذلك ما لا يحصى عدده ، ولا ينقطع مدده ، ولقد قال الأجلّ المرتضى علم الهدى قدّس الله روحه : سمعت شيخاً مقدّماً في الرواية من أصحاب الحديث يقال له : أبو حفص عمر بن شاهين(1) ، يقول : إنّي جمعت من فضائل عليّعليه‌السلام خاصّة ألف جزء.

وأمّا ما رواه أصحابنا من ذلك فلا تجتمع أطرافه ، ولا تعدّ آلافه ، وأنا اُورد من جملتها اُناسي العيون ونفوس الفصوص ومتخيِّر المتحيّر سالكاً طريقة منصور الفقيه في قوله :

_________

(1) أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين.

ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين ، وأصله مروروذ من كورخراسان.

روي عنه أنه قال : أول ما كتبت الحديث في سنة ثمان وثلاثمائة وكان لي إحدى عشرة سنة ، وصنفت ثلاثمائة مصنّف ، أحدها : «التفسير الكبير» ألف جزء ، و«المسند» ألف وثلاثمائة جزء و«التاريخ» مائة وخمسين جزء و«الزهد» مائة جزء ، وأول ما حدّثت بالبصرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.

سمع أبا بكرمحمد بن محمد الباغندي ، وأبا القاسم البغوي ، وأبا خُبيب العباس بن البرتي ، وأبا بكر بن أبي داود ، وغيرهم.

وحدَث عنه : أبا بكر محمد بن إسماعيل الوراق رفيقه ، وأبو سعد المالني ، وأبو بكر البرقاني ، وأحمد بن محمد العتيقي.

وثقه أبو الفتح بن أبي الفوارس ، وأبو بكر الخطيب ، والأمير أبو نصر ، وأبو الوليد الباجي ، وأبو القاسم الأزهري.

توفي في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، ودفن بباب حرب عند قبر أحمد بن حنبل.

انظر : تاريخ بغداد 11 : 265 ـ 268 ، سير أعلام النبلاء 16 : 431.

٣٥٨

قالوا : خُذِ العَنَ مِن كلّ ، فقلتُ لهم

فِي العَينِ فَضلٌ ، وَلكِن ناظرُ العَينِ

حَرفَينِ مِن ألفِ طُومارٍ مُسوّدة

وَربّما لَم تجدْ فِي الألفِ حَرفينِ

وأثبتها محذوفة الأسانيد تعويلاً في ذلك على إشتهارها بين نقلة الآثار ، واعتماداً على أنّ نقلها من كتب محكومة بالصحّة عند نقّاد الأخبار ، وجعلتها أربعة فصول :

٣٥٩

( الفصل الأول )

في ذكر نبذ من خصائصه

التي لم يشركه فيها غيره

وهي فنون كثيرة ، وفوائدها جمّة غزيرة ، وبينونتهعليه‌السلام بها عن جميع البشر واضحة منيرة.

فمنها : سبقه كافّة الخلق إلى الايمان.

فقد صحّ عنهعليه‌السلام أنّه قال : «أنا عبدالله وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر ، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين »(1).

وعن أبي ذرّ : أنّه سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في عليّ : «أنت أوّل من امن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرّق بين الحقّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين».(2)

_________

(1) انظر : الخصال : 401 | 110 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 16 ، العمدة لابن بطريق : 64 | 76 ، الطرائف لابن طاووس 20 | 12 ، المصنف لابن أبي شيبة 12 : 65 | 12133 ، سنن ابن ماجة 1 : 4 4 | 120 ، السنة لابن أبي عاصم 2 : 598 ، فضائلأحمد : 78 | 117 ، خصائص النسائي 24 : 7 ، تاريخ الطبري 2 : 212 ، الأوائل لأبي هلال العسكري 1 : 194 ، مستدرك الحاكم 3 : 13 ، نقض العثمانية للاسكافي : 290 ، فرائد السمطين 1 : 248 | 192 ، ميزان الاعتدال 3 : 101 و 102.

(2) انظر : أمالي الصدوق : 171 | 5 ، ارشاد المفيد ا : 31 و 32 ، امالي الطوسي 1 : 147 ، اختيار معرفة الرجال 1 : 113 | 51 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 6 ، اليقين لابن طاووس : 195 ، انساب الأشراف للبلاذري2 : 118 | 74 ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي

=

٣٦٠