إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء ١

إعلام الورى بأعلام الهدى0%

إعلام الورى بأعلام الهدى مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555

إعلام الورى بأعلام الهدى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (أمين الإسلام)
تصنيف: ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555
المشاهدات: 120050
تحميل: 8492


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 555 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 120050 / تحميل: 8492
الحجم الحجم الحجم
إعلام الورى بأعلام الهدى

إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء 1

مؤلف:
ISBN: 964-319-010-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقلت له : «ما برحت المسجد».

فقالعليه‌السلام : «أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلآ بالورع »(1) .

وروى غيره عن أبي بصير قال : دخلت المدينة وكانت معي جويرة لي فاصبت منها ، ثمّ خرجت إلى الحمّام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجّهون إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدخول عليه ، فمشيت معهم حتّى دخلت الدار معهم ، فلمّا مثلت بين يدي أبي عبداللهعليه‌السلام نظر إليّ ثمّ قال لي : «يا أبا بصير ، أما علمت أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب؟» فاستحييت وقلت : يا ابن رسول الله إنّي لقيت أصحابنا فخفت أن يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها ، وخرجت(2) .

ومن كتاب (نوادر الحكمة) : عن محمد بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : دخل شعيب العقرقوفي على أبي عبداللهعليه‌السلام ومعه صرّة فيها دنانير فوضعها بين يديه ، فقال له أبو عبداللهعليه‌السلام : « أزكاة أم صلة؟ »

فسكت ثمّ قال : زكاة وصلة.

قال : «فلا حاجة لنا في الزكاة».

__________________

=

لعل المعنى : أين كان في الليل اقصى اثرك ، ومنتهى عملك في هذا اليوم ، من التقوى والعبادة ، أو أين كان اليوم آخر فعلك البارحة ، ومهزم لم يفهم كلامهعليه‌السلام إلآ بعد إتمامه.

ويحتمل أن يكون قوله اقصى اثرك سؤالاً عن فعله في هذا اليوم ثم أشار إلى ما فعله في الليلة الماضية بقوله : أما تعلم.

(1) بصائر الدرجات : 263 | 2 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 226 ، دلائل الامامة : 116 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 72| 31.

(2) ارشاد المفيد 2 : 185 ، روضة الواعظين : 209 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 226 ، كشف الغمة 2 : 169.

٥٢١

قال : فقبض أبو عبداللهعليه‌السلام قبضة فدفعها إليه ، فلمّا خرج قال أبو بصير : قلت له : كم كانت الزكاة من هذه؟ قال : بقدر ما أعطاني ، والله لم يزد حبّة ولم ينقص حبّة(1) .

وعن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبدالحميد قاِل : خرجت إلى قبا(2) لأشتري نخلاً فلقيته وقد دخل المدينة فقال : «أين تريد؟»

فقلت : لعلّنا نشتري نخلاً.

فقال : «أوقد أمنتم الجراد؟ ».

فقلت : لا والله لا أشتري نخلة ، فوالله ما لبثنا إلاّ خمساً حتّى جاء من الجراد ما لم يترك في النخل حملاً(3) .

علي بن الحكم ، عن عروة بن موسى الجعفي قال : قال لنا يوماً ونحن نتحدّث : «الساعة انفقأت عين هشام في قبره ».

قلنا : ومتى مات؟

قال : « اليوم الثالث ».

قال : فحسبنا موته وسألنا عنه فكان كذلك(4) .

أحمد بن محمد ، عن محمد بن فضيل ، عن شهاب بن عبدربه قال : قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : «كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان؟».

__________________

(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 27 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 0 5 1 |5 0 2.

(2) قبا : اسم بئر هناك عرفت القرية بها ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الانصار ، وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة. «معجم البلدان 4 : 302».

(3) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 228 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 131 | 180.

(4) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 226 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 151 | ذيل حديث 207.

٥٢٢

قال : فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان ، ولا علمت من هو؟ قال : ثمّ كثر مالي وعرضت تجارتي بالكوفة والبصرة ، فإني يوماً بالبصرة عند محمد ابن سليمان وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتاباً وقال لي : يا شهاب ، أعظم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد ، قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة ، فخرجت فاتيت منزلي وجعلت أبكي على أبي عبداللهعليه‌السلام (1) .

وروىَ عليّ بن إِسماعيل بن عمّار ، عن إِسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام إنّ لنا أموالاً ونحن نعامل الناس ، وأخاف إن حدث حدث أن تفرّق أموالنا.

قال : فقال : «إجمع مالك في كلّ شهر ربيع ».

قال عليّ بن إسماعيل : فمات إسحاق في شهر ربيع(2) .

وأحمد بن قابوس ، عن أبيه ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : دخل عليه قوم من أهل خراسان فقال إبتداء من غير مسألة : «من جمع مالاً من مهاوش(3) أذهبه الله في نهابر»(4) .

فقالوا له : جعلنا الله فداك لا نفهم هذا الكلام.

فقالعليه‌السلام : «از باد آيد به دم بشود»(5) (6) .

__________________

(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 222 ، دلاثل الامامة : 138 ، رجال الكشي 2 : 172 | 781 ، وباختلاف يسير في : بحار الأنوار 47 : 150 | 205.

(2) رجال الكشي 2 : 709 | 767 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 243 ، كشف الغمة 2 : 197 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 140 | 190

(3) مهاوش : ما غُصب وسُرق «القاموس المحيط 2 : 4 29)).

(4) النهابر : المهالك. «القاموس المحيط 2 : 151 ».

(5) كلام بالفارسية معناه ان الذي يأتي به الهواء يذهب به النسيم.

(6) بصائر الدرجات 356 : 14 ، المناقب لابن شهراشوب 4 : 218 ، ونقله المجلسي في

=

٥٢٣

وروي : أنّ داود بن عليّ بن عبدالله بن عبّاس قتل المعلّى بن خنيس ـ مولى الصادقعليه‌السلام ـ وأخذ ماله ، فدخل عليه وهو يجرّ رداءه فقال له : «قتلت مولاي وأخذت ماله ، أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب ، أما والله لأدعونّ الله عليك ».

فقال له داود : تهددنا بدعائك. كالمستهزئ بقوله.

فرجع أبو عبداللهعليه‌السلام إلى داره ، ولم يزل ليله كلّه قائماً وقاعداً حتّى إذا كان السحر سُمع وهو يقول في مناجاته : «يا ذا القوّة القولّة ، ويا ذا المحال الشديد ، ويا ذا العزّة التي كلّ خلقك لها ذليل اكفني. هذا الطاغية ، وانتقم لي منه ».

فما كان إلاّ ساعة حتّى ارتفعت الأصوات بالصّياح وقيل : قد مات داود ابن عليّ الساعة(1) .

واشتهر في الرواية : أن المنصور أمر الربيع بإحضار أبي عبداللهعليه‌السلام ، فاحضره ، فلمّا بصر به قال : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل؟

فقال له أبو عبداللهعليه‌السلام : «والله ما فعلت ولا أردت ، فإن كان بلغك فمن كاذب ، ولو كنت فعلت لقد ظُلم يوسف فغفر وابتُلي أيّوب فصبر واُعطي سليمان فشكر ، فهؤلاء أنبياء الله تعالى وإليهم يرجع نسبك ».

فقال له المنصور : أجل ارتفع هاهنا ، فارتفع فقال له : ان فلان بن فلان

__________________

=

بحار الأنوار 47 : 84 | 78.

(1) ارشاد المفيد 2 : 184 ، روضة الواعظين : 209 ، ومختصراً في : الفصول المهمة : 226 ، وباختلاف في ذيل الحديث في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 230 ، ونحوه في : الكافي2 : 372 | 5.

٥٢٤

أخبرني عنك بما ذكرت.

فقال : «أحضره يا أمير المؤمنين ليواقفني على ذلك ».

فأحضر الرجل المذكور ، فقال له المنصور : أنت سمعت ما حكيت عن جعفر؟.

قال : نعم.

قال له أبو عبداللهعليه‌السلام : «فاستحلفه على ذلك ».

فقال له المنصور : أتحلف؟

قال : نعم. فابتدأ باليمين.

فقال أبو عبدالله : «دعني يا أمير المؤمنين اُحلِّفه أنا».

فقال له : افعل.

فقال أبو عبداللهعليه‌السلام للساعي : «قل : برئت من حول اللهّ وقوّته والتجأت إلى حولي وقوّتي لقد فعل كذا وكذا جعفر».

فامتنع منها هنيهة ثمّ حلف بها ، فما برح حتّى اضطرب برجله ، فقال أبو جعفر : جرّوا برجله ، فاخرجوه لعنه الله(1) .

قال الربيع : وكنت رأيت جعفر بن محمدعليه‌السلام حين دخل على المنصور يحرّك شفتيه ، فكلّما حرّكهما سكن غضب المنصور حتّى أدناه منه ورضي عنه ، فلمّا خرج أبو عبداللهعليه‌السلام من عند أبي جعفر اتبعته فقلت له : إنّ هذا الرجل كان أشدّ الناس غضباً عليك ، فلمّا دخلت عليه وحرّكت شفتيك سكن غضبه ، فبأيّ شيء كنت تحركهما؟

قال : «بدعاء جدّي الحسين بن عليّعليهما‌السلام ».

فقلت : جعلت فداك ، وما هذا الدعاء؟

__________________

(1) ارشاد المفيد 2 : 183 ، روضة الواعظين : 208 ـ 209 ، كشف الغمة 2 : 168

٥٢٥

قال : «يا عدّتي عند شدّتي ، ويا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لايرام ».

قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء ، فما نزلت بي شدّة قطّ فدعوت بهإ لاّ فرّج الله عنّي.

قال : وقلت لجعفر بن محمد : لم منعت الساعي أن يحلف بالله تعالى؟

قال : «كرهت أن يراه الله تعالى يوحّده ويمجّده فيحلم عنه ويؤخّر عقوبته ، فاستحلفته بما سمعت فاخذه الله أخذة رابية(1) »(2) .

وأمثال ما ذكرناه من الأخبار في آياته ودلالته وإخباره بالغيوب كثيرة يطول تعداده

فمن ذلك : ما أورده أبو الفرج عليّ بن الحسين الاصفهاني في كتاب (مقاتل الطالبيّين ) : ورواه بالأسانيد المتّصلة عن رجاله : أنّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء ، منهم : إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبدالله بن عبّاس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن عليّ ، وعبدالله بن الحسن بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم ، فحمد الله واثنى عليه ثمّ قال : قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهدي ، فهلمّ نبايعه ، فقال أبو جعفر : لأي شيء تخدعون أنفسكم ، والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصوَر(3) أعناقاً ولا أسرع إجابة

__________________

(1) أخذة رابية : أي أخذة تزيد على الأخذات. «لسان العرب 14 : 305».

(2) ارشاد المفيد 2 : 184 ، روضة الواعظين : 209 ، كشف الغمة 2 : 168 ، وباختلاف يسير في الفصول المهمة : 225 ، وباختصار في : تذكرة الخواص : 309 ، وكفاية الطالب : 455.

(3) أصوَر : أميل. «اُنظر الصحاح ـ صور ـ 2 : 716».

٥٢٦

منهم إلى هذا الفتى ـ يريد به محمد بن عبدالله ـ. فبايعوا محمداً جميعاً ومسحوا على يده.

وأرسل إلى جعفر بن محمد بن عليّ الصادقعليهم‌السلام فجاء وأوسع له عبدالله بن الحسن إلى جنبه ثمّ تكلّم بمثل كلامه فقال جعفر : «لاتفعلوا ، فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد ، إن كنت ترى ـ يعني عبدالله ـ أنّ ابنك هذا هو المهديّ فليس به ، ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنّما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر».

فغضب عبدالله وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، ووالله ما اطلعك الله على غيبه ولكنّه يحملك على هذا الحسد لابني.

فقال : «والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وابناؤهم دونكم » وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس ، ثمّ ضرب بيده على كتف عبدالله بن الحسن وقال : «إنّها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم ، وإنّ ابنيك لمقتولان » ثمّ نهض وتوكّأ على يد عبدالعزيز بن عمران الزهريّ فقال : «أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟» يعني أبا جعفر.

فقال له : نعم.

فقال : «أنّا والله نجده يقتله ».

قال له عبدالعزيز : أيقتل محمداً؟

قال : « نعم ».

قال : فقلت في نفسي : حسده وربّ الكعبة ، قال : ثم والله ما خرجت من الدنيا حتّى رأيته قتلهما.

قال : فلمّا قال جعفر ذلك نهض القوم فافترقوا وتبعه عبدالصمد وأبو جعفر فقالا : يا ابا عبدالله أتقول هذا؟

٥٢٧

قال : «نعم ، أقر له والله وأعلمه ».

قال أبو الفرج : وحدّثني علي بن العبّاس قال : أخبرنا بكار بن أحمد قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، عن عنبسة بن بجاد العابد قال : كان جعفر ابن محمد إذا رأى محمد بن عبدالله تغرغرت عيناه وقال : «بنفسي هو ، إنّ الناس ليقولون فيه إنّه المهديّ وإنّه لمقتول ، ليس في كتاب عليّ من خلفاء هذه الاُمّة»(1) .

ومن ذلك : ما رواه صاحب كتاب (نوادر الحكمة) : عن أحمد بن أبي عبداللهّ ، عن أبي محمد الحميري ، عن الوليد بن العلاء بن سيابة ، عن زكار ابن أبي زكار الواسطي قال : كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام إذ أقبل رجل فسلّم ثمّ قبّل رأس أبي عبداللهعليه‌السلام قال : فمسّ أبو عبدالله ثيابه وقال : «ما رأيت كاليوم ثياباً أشدّ بياضاً ولا أحسن منها».

فقال : جعلت فداك ، هذه ثياب بلادنا وجئتك منها بخير من هذه.

قال : فقال : «يا معتّب اقبضها منه ».

ثمّ خرج الرجل فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : «صدق الوصف وقرب الوقت ، هذا صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان » ثمّ قال : «يا معتّب ، ألحقه فسله ما اسمه؟» ثمّ قال لي : «إن كان عبدالرحمن فهو والله هو».

قال : فرجع معتب فقال : قال : اسمي عبدالرحمن.

قال زكار بن أبي زكار : فمكثت زماناً ، فلمّا ولي ولد العبّاس نظرت إليه وهو يعطي الجند فقلت لأصحابه : من هذا الرجل؟ فقالوا : هذا

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 206.

٥٢٨

عبد الرحمن ، أبو مسلم(1) .

ـ وذكر ابن جمهور العمّي في كتاب (الواحدة) قال : حدّث أصحابنا : أنّ محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن قال لأبي عبدالله : والله إنّي لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك.

فقال : «أمّا ما قلت : إنّك أعلم منّي ، فقد أعتق جدّي وجدّك ألف نسمة من كدّ يده فسمّهم لي ، وإن أحببت أن اُسمّهم لك إلى آدم فعلت.

وأما ما قلت : إنّك أسخى منّي ، فوالله ما بتّ ليلة ولله عليّ حقّ يطالبني به.

وأما ما قلت : إنّك أشجع منّي فكأني أرى رأسك وقد جيءَ به ووضع على حجر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا».

قال : فصار إلى أبيه فقال : يا أبه كلّمت جعفر بن محمد بكذا فردّ عليّ كذا فقال أبوه : يا بنيّ آجرني الله فيك ، إنّ جعفراً أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير(2) .

ومن الأخبار الصريحة الدالة على إمامته :

ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن جماعة من رجاله ، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال : إنّي رجلٌ صاحب كلام وفقه وفرائض ، وقد جئت لمناظرة أصحابك.

فقال له أبو عبداللهعليه‌السلام : «كلامك هذا من كلام رسول الله

____________

(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 229 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 274 | 15.

(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 228 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 275 | 15.

٥٢٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من عندك؟»

فقال : من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعضه ومن عندي بعضه.

فقال له أبو عبدالله : «فأنت شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟»

قال : لا.

قال : «فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك؟»

قال : لا.

قال : «فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟»

قال : لا.

فالتفت أبو عبداللهعليه‌السلام إليّ فقال : «يا يونس بن يعقوب ، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم » ثمّ قال : «يا يونس ، لو كنت تحسن الكلام كلّمته ».

قال يونس : فيا لها من حسرة ، فقلت : جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام ، يقولون : هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله؟

فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : «إنّما قلت : ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون ».

ثمّ قال : «اُخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فادخله ».

قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين ـ وكان يحسن الكلام ـ ومحمد بن النعمان الأحول ـ وكان متكلّماً ـ وهشام بن سالم وقيس الماصرـ وكانا متكلّمين ـ فأدخلتهم عليه ، فلمّا استقرّ بنا المجلس ـ وكنّا في خيمة

٥٣٠

لأبي عبدالله على طرف جبل في طرف الحرم وذلك قبل الحجّ بأيّام ـ أخرج أبو عبدالله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ(1) فقال : «هشام وربّ الكعبة».

قال : فظنّنا أنّ هشاماً رجلٌ من ولد عقيل كان شديد المحبّة لأبي عبداللهعليه‌السلام ، فإذا هو هشام بن الحكم قد ورد ـ وهو أوّل ما اختطّت لحيته وليس فينا إلاّ من هو أكبر سنّاً منه ـ فوسّع له أبو عبداللهعليه‌السلام وقال : «هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده » ثمّ قال لحمران : «كلّم الرجل » ـ يعني الشامي ـ فكلّمه حمران فظهر عليه.

ثمّ قال : « يا طاقي ، كلمه » فكلمه فظهرعليه محمد بن النعمان.

ثمّ قال : «يا هشام بن سالم كلّمه » فتعارفا.

ثمّ قال لقيس الماصر : لأكلّمه » فكلّمه.

وأقبل أبو عبداللهعليه‌السلام يتبسّم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ، ثمّ قال للشامي : «كلّم هذا الغلام» يعني هشام بن الحكم.

فقال : نعم.

ثمّ قال الشامي لهشام : يا غلام ، سلني في إمامة هذا ـ يعني أبا عبداللهعليه‌السلام ـ فغضب هشام حتّى ارتعد ، ثم قال له : خبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم؟

قال : بل ربّي أنظر لخلقه.

قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟

قال الشامي : كلّفهم وأقام لهم حجّة ودليلاً على ما كلّفهم ، وأزاح في ذلك عللهم.

__________________

(1) الخبب : ضرب من العدو. «الصحاح ـ خبب ـ 1 : 117 ».

٥٣١

فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟

قال الشامي : هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال له هشام : فبعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من؟

قال : الكتاب والسنّة.

قال له هشام : فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنّة فيما اختلفنا فيه حتّى يرفع عنّا الاختلاف ويمكّنا من الاتّفاق؟

قال الشامي : نعم.

قال له هشام : فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أنّ الرأي طريق الدين ، وأنت مقر بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين؟

فسكت الشامي كالمفكر ، فقال له أبو عبداللهعليه‌السلام : «ما لك لاتتكلّم؟»

قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إن الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت لأنّهما يحتملان الوجوه ، ولكن لي عليه مثل ذلك.

فقال له أبوعبداللهعليه‌السلام : «سله تجده مليّاً».

فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ، ربّهم أم أنفسَهم؟

قال هشام : بل ربّهم أنظر لهم.

فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع إختلافهم ويبيّن لهم حقّهم من باطلهم؟

قال هشام : نعم.

قال الشاميّ : من هو؟

قال هشام : أمّا في ابتداء الشريعة فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٥٣٢

وسلّم ، وأمّا بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فغيره.

قال الشاميّ : ومن هو غير النبيّ القائم مقامه في حجّته.

قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله؟

قال الشامي : بل في وقتنا هذا.

فقال هشام : هذا الجالس ـ يعني أبا عبداللهعليه‌السلام ـ الذي تشدّ إليه الرّحال ، ويخبرنا عن أخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ.

قال الشامي : فكيف لي بعلم ذلك؟

قال هشام : سله عمّا بدا لك.

قال الشامي : قطعت عذري ، فعليّ السؤال..

فقال له أبو عبداللهعليه‌السلام : «أنا أكفيك المسالة يا شامي ، اُخبرك عن مسيرك وسفرك ، خرجت يوم كذا ، وكان طريقك كذا ، ومررت على كذا ، ومرّ بك كذا».

فاقبل الشامي كلّما وصف له شيئاً من أمره يقول : صدقت والله ، ثم قال الشامي : أسلمت الساعة.

فقال له أبو عبداللهعليه‌السلام : «إنّك امنت بالله الساعة ، إنّ الإسلام قبل الإيمان ، وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون ».

قال الشامي : صدقت ، فانا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ الأوصياء.

قال : فاقبل أبو عبداللهعليه‌السلام على حمران فقال : « يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب ».

والتفت إلى هشام بن سالم فقال : «تريد الأثر ولا تعرف ».

ثمّ التفت إلى الأحول فقال : «قيّاس روّاغ تكسر باطلاً بباطل ، إلاّ أنّ باطلك أظهر».

٥٣٣

ثمّ التفت إلى قيس الماصر فقال : تتكلّم وأقرب ما تكون من الخبرعن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما تكون منه ، تمزج الحقّ بالباطل ، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل ، أنت والأحول قفّازان حاذقان ».

قال يونس بن يعقوب : فظننت والله أنّه يقول لهشام قريباً مما قال لهما ، فقال : « يا هشام لا تكاد تقع ، تلوي رجليك إِذا هممت بالأرض طرت ، مثلك فليكلّم الناس ، اتق الزلّة والشفاعة من ورائك »(1) .

وهذا الخبر مع ما فيه من المعجز الدالّ على إمامة أبي عبداللهعليه‌السلام يتضمّن إثبات حجة النظر ودلالة الإِمامة من طريق النظر والاستدلال.

__________________

(1) الكافي 1 : 130 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 194 ، وباختصار في المنافب لابن شهرآشوب 4 : 243.

٥٣٤

(الفصل الرابع )

في ذكر طرف من مناقبه ومختصر من

أخباره ومآثره عليه السلام

كانعليه‌السلام أعلم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه بالاتّفاق ، وأنبههم ذكراً ، وأعلاهم قدراً ، وأعظمهم منزلة عند العامّة والخاصة ، ولم يُنقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه ، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل.

روى أبو محمد الحسن بن حمزة الحسيني في كتاب ( التفهيم ) : بإسناده ، عن سدير الصيرفي قال : قال الصادقعليه‌السلام : «نحن تراجمة وحي الله ، نحن خزّان علم الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله بطاعتنا ونهىعن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض »(1) .

وفيه أيضاً : بإسناده ، عن جميل قال : سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول : «الناس ثلاثة : عالم ، ومتعلّم ، وغثاء ، فنحن العلماء ، وشيعتنا المتعلّمون ، وسائر الناس غثاء»(2) .

وكان يقول :عليه‌السلام «علمنا غابر ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقرٌ في الأسماع ، وإنّ عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمةعليها‌السلام ، وإنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه ،.

__________________

(1) بصائر الدرجات : 124 | 6 ، الكافي 1 : 212 ذيل الحديث 6.

(2) بصائر الدرجات : 28 |ح 1 ـ 5 ، الكافي 1 : 4 | 26 ، الخصال 1 : 123 | 115.

٥٣٥

فسئل عن تفسير كلامهعليه‌السلام ، فقال : «أمّا الغابر : فالعلم بما يكون.

وأمّا المزبور : فالعلم بما كان.

وأمّا النكت في القلوب : فهو الإلهام.

وأمّا النقر في الأسماع : فحديث الملائكةعليهم‌السلام نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم.

وأمّا الجفر الأحمر : فوعاء فيه سلاح رسول اللهّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت.

وأمّا الجفر الأبيض : فوعاء فيه توراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وزبور داودعليهم‌السلام ، وكتب الله المنزلة.

وأمّا مصحف فاطمة :عليها‌السلام ففيه ما يكون من حادثٍ ، وأسماء كلّ من يملك إلى أنّ تقوم الساعة.

وأمّا الجامعة : فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً ، إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بيده ، فيه والله جميعما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة ، وفيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة »(1) .

وكانعليه‌السلام يقول : «حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحديث رسول الله

__________________

(1) ارشاد المفيد 2 : 186 ، الاحتجاج 2 : 372 ، روضة الواعظين : 210 ، كشف الغمة 2 : 169 ، وباختلاف يسير في : الكافي 1 : 307 | 3.

٥٣٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله حديث الله عزّ وجلّ »(1) .

وروى عنه محمد بن شريح أنه قال : «لولا أن الله تعالى فرض ولايتنا وأمر بمودّتنا ما وقفناكم على أبوابنا ، ولا أدخلناكم بيوتنا ، والله ما نقول باهوائنا ، ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا ، اُصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم »(2) .

وروى عنه أبو حمزة الثمالي أنه قال : «ألواح موسىعليه‌السلام عندنا ، وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيّين »(3) .

وروى معاوية بن وهب ، عن سعيد السمّان قال : كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة فقالا له : أفيكم إمام مفترض الطاعة؟

قال : فقال : «لا».

فقالا : قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تقول به؟ وسمّوا قوماً.

فغضبعليه‌السلام وقال : «ما أمرتهم بهذا».

فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا ، فقال لي : «أتعرف هذين؟»

قلت : نعم ، هما من أهل سوقنا ، وهما من الزيديّة ، وهما يزعمان أنّ سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند عبدالله بن الحسن.

فقال : «كذبا لعنهما الله ، والله ما رآه عبدالله بن الحسن بعينيه ولابواحدة من عينيه ، ولا رآه أبوه إلاّ أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين ، فإن كانا

__________________

(1) الكافي1 : 42 | 14 ، ارشاد المفيد 2 : 186 ، روضة الواعظين : 211 ، كشف الغمة 2 : 170.

(2) بصائر الدرجات : 321 | 10 وباختلاف يسير في 320 | 5 و 7.

(3) بصائر الدرجات 160 |ذيل ح 4 ، الكافي 1 : 180 | 2 ، ارشاد المفيد 2 : 187 ، روضة الواعظين : 210 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 276 ، كشف الغمة 2 : 170.

٥٣٧

صادقين فما علامة فى مقبضه؟ وما أثر في موضع مضربه؟ وإنّ عندي لسيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورايته ودرعه ولامته(1) ومغفره(2) ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن عندي لراية رسول الله المغلّبة ، وإن عندي ألواح موسى وعصا موسى ، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست التي كان موسى يقرب بها القربان ، وإن عندي الاسم الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة ، وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة ، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت فيبني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل في أيّ أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اُوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منّا اُوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخطّت على الأرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله»(3) .

ووجدت في كتاب (كمال الدين ) للشيخ أبي جعفر بن بابويه ـ رضي الله عنه ـ : حدّثنا عبدالواحد بن محمد العطّار قال : حدّثنا عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع ، عن حيّان السراج قال : سمعت السيد إسماعيل بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن الحنفيّة زماناً ، فمنّ

__________________

(1) اللأمة : الدرع ، وقيل : السلاح ، ولأمة الحرب : أداتها ، وقد يترك الهمز تخفيفاً. ويقال للسيف لأمة ، وللرمح لأمة ، وإنما سمي لأمة لأنها تلائم الجسد وتلازمه. «لسان العرب 12 : 532.

(2) المغفر : زرد يخج من الدروع على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة. «الصحاح ـ غفر ـ 2 : 771 ».

(3) بصائر الدرجات : 194 | 2 ، الكافي 1 : 181 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 187.

٥٣٨

الله عليّ بالصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام فانقذني من النار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته ـ بعد ما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنّه حجّة الله على خلقه وأنّه الإمام الذي افترض الله طاعته ـ فقلت له : يا ابن رسول الله ، قد روي لنا أخبار عن آبائكعليهم‌السلام في الغيبة وصحّة كونها ، فاخبرني بمن تقع؟

فقالعليه‌السلام : «إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أوّلهم أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».

قال السيد : فلما سمعت ذلك من مولاي الصادقعليه‌السلام تبت إلى الله تعالى على يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها :

تجعفرتُ باسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ

يقنتُ أن اللهَ يعفو ويغفرُ

ودنتُ بدينِ غير ما كنتُ دائناً

ونهاني سيّدُ الناس جعفرُ

فقلتُ هب إنّي قد تهوّدت برهة

لاّ فديني دين من يتنصّرُ

فإنّي إلى الرحمن من ذاكَ تائبٌ

نّي قد أسلمتُ واللهُ أكبرُ

فلستُ بغال ماحييتُ وراجع

لى ما عليه كنتُ اُخفي واُضمرُ

ولا قائلاً حيّ برضوى محمد

ن عاب جهّالٌ مقالي وأكثروا

ولكنّه ممّن مضى لسبيله

لى أفضل الحالاتِ يقفي ويخبرُ

مع الطيّبين الطاهرين الأولى لهم

ن المصطفى فرع زكيّ وعنصرُ

إلى آخرها ، وقلت بعد ذلك أيضاً أبيات شعر وهي :

٥٣٩

أيا راكباً نحوَ المدينةِ جسرةً(1)

عُذافِرَةً(2) يَطوي بها كلّ سَبسب(3)

إذا ما هداكَ اللهُ عاينتَ جعفراً

فقل لوليّ اللهِ وابنِ المهذَّبِ

ألا يا أمينَ اللهِ وابنَ أمينه

أتوبُ إلى الرحمنِ ثمّ تأوّبي

إليكَ من الأمرِ الذي كنتُ مطنباً

اُحاربُ فيه جاهداً كلّ مُعرب

وماكان قولي في ابنِ خولةَ(4) مبطناً

معاندةً منّي لنسل المطيّبِ

ولكن روينا عن وصي نبيّنا

وما كان فيما قاله بالمكذّبِ

بأنّ وليّ الأمر يفقدُ لايُرى

ستيراً كفعل الخائفِ المترقّب

فتقسمُ أموالُ الفقيدِ كأنّما

تغيّبهُ بين الصفيحِ المنصّبَ

فيمكثُ حيناً ثمّ يشرقُ شخصهُ

مضيئا ًبنور العدلِ إشراق كوكبِ

يسير بنصرِ اللهِ من بيت ربّه

على سؤددٍ منه وأمر مسبّب

يسير إلى أعدائهِ بلوائهِ

فيقتلهم قتلاً كحرّان مغضبِ

فلمّا رُوي أنّ ابن خولةَ غائب

صرفنا اليه قوله لم نكذّبِ

وقلنا هو المهديّ والقائم الذي

يعيش به من عدله كلّ مجدبِ

فإن قلت : لا ، فالقول قولك والذي

أمرت فحتمٌ غير ما متعصبِ

وأشهد ربّي أنّ قولكَ حجّة

على الناس من مطيعٍ ومذنبِ

بأنّ وليّ الأمر والقائم الذي

تطلّع نفسي نحوهُ بتطرّبِ

له غيبة لابدّ من أن يغيبها

فصلّى عليه اللهُ من متغيّبِ

فيمكثُ حيناً ثمّ يظهر حينهُ

فيملأ عدلاً كلّ شرقٍ ومغربِ

بذاكَ أدين اللهَّ سرّاً وجهرةً

ولستُ وإن عوتبتُ فيه بمعتبِ

__________________

(1) الجسرة : العظيمة من الابل. «الصحاح ـ جسر ـ 2 : 613).

(2) العذافرة : العظيمة الشديدة من الابل. «الصحاح ـ عذفر ـ 2 : 2 74».

(3) السبسب : المفازة أو البادية. «الصحاح ـ سبب ـ 1 : 145».

(4) ابن خولة : هو محمد بن الحنفيةرحمه‌الله .

٥٤٠