النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام0%

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 153

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

مؤلف: محمد مهدي الآصفي
تصنيف:

الصفحات: 153
المشاهدات: 30341
تحميل: 3685

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 153 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30341 / تحميل: 3685
الحجم الحجم الحجم
النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

مؤلف:
العربية

٣ - الشركات

بعد ما انتهينا عن «التداول الفردي» ننتقل إلى «الشركات». والشركة: هو الإشتراك في الملك وخلط السهام.

وقد يكون سببه «الإرث» كما إذا ورثا معاً شيئاً.

وقد يكون سببه «العقد».. كما إذا اشتريا بعقد واحد داراً.

وقد يكون سببه «الحيازة».. كما إذا حازا معاً أرضاً وأصلحاه.

وقد يكون سببه غير ذلك...

والشركة قد تتعلق ب «الأعيان».. كما إذا اشتركا في شراء بضاعة.

وقد تتعلق ب «المنافع».. كما إذا اشتركا في إيجار دار.

وقد يتعلق ب «الحقوق» كحق الخيار والشفعة وغيرهما.

شرعية الشركة:

أقر الإسلام الشركة وأجازها.

وقد روي: ان البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين

١٤١

فاشتريا بنقد ونسيئة. فبلغ ذلك رسول الله (ص) فأمرهما بقوله: «إن ما كان نقداً فأجيزوه، وما كان نسيئة فردوه».

أقسام الشركة:

والمشروع من الشركة قسمان:

١ - شركة العنان.

٢ - شركة المقارضة (المضاربة).

١ - شركة العنان:

وهي شركة الأموال، نسبة إلى «العنان»، وهو اللجام الذي تمسك به الدابة، لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف(١) .

ويساهم المشتركون فيها بالعمل وتجهيز الشركة بالرأسمال الذي يقوم بتسييرها، وليس لأحد أن يتصرف في المال من غير إذن الشركاء الآخرين. ويتساويان في الربح وتحمل الخسارة مع تساوي المال، أو يقتسمان الربح والخسارة على ما اتفقا عليه.

٢ - شركة المضاربة:

وهو أن يدفع مالاً إلى غيره ليعمل فيه بحصة معينة من

____________________

(١) شرح اللمعة: ١ / ٣٣٦.

١٤٢

الربح(١) .

أي يشترك اثنان أو أكثر.. بأن يقدم جانب منهما رأس المال، ويقوم الجانب الآخر بالعمل، ويقتسمان الربح بينهما حسبما يتفقان، وتقع الخسارة كلها على جانب رأس المال، ولا يتحمل العامل شيئاً من الخسارة.

والعامل أمين لا يضمن.

ذلك هو الشكل المشروع للشركة في الفقه الإسلامي، وأما ما عدا ذلك من شركات المفاوضة والوجوه والأبدان، فلا يجوز.

____________________

(١) شرح اللمعة: ١ / ٣٣٩.

١٤٣

الغايات والنتائج الرئيسية لنظام التداول

مما تقدم من شرح عن التخطيط الإسلامي لنظام التداول، يجد الباحث أن هذا التخطيط، تخطيط هادف يؤدي إلى تحقيق غايات ونتائج كبيرة في حقل الانتاج والتوزيع والاستهلاك والقضايا الإنسانية الأُخرى.

ولا يتسع هذا البحث لاستعراض هذه النتائج بصورة موسعة وبشكل واف، إلاّ إننا نحاول أن نلمح إلى أهم هذه النتائج بصورة موجزة، في حدود ما يسمح به حجم هذا البحث.

١ - سرعة التداول:

لا ريب أن «السرعة في التداول» مما يطلبه الإسلام في الثروات على نحو الإجمال، ويمنع من تجميد الثروة وحبسها عن التداول والحركة في الاسواق، في البضاعة والنقد على نحو سواء.

فالثروة، في النظرية الإسلامية، لابد أن تتصف بصفة الحركة والسيولة الدائمة في الأسواق حتى تؤدي دورها في تنشيط الحركة الاقتصادية، وإشباع حاجات المستهلكين، ومتى تتوقف الثروة عن الحركة والتداول في السوق، وتفقد صفة السيولة

١٤٤

لا تستطيع أن تفي بدورها في تنشيط الأسواق وإشباع الحاجات الاستهلاكية المختلفة القائمة بأنواع الثروات المختلفة.

فحين يتداول الناس ثروة في الأسواق وتنتقل في الأيدي، وتتضافر عليها الجهود، تؤدي هذه الحركة إلى نمو عام في ثروة البلاد وواردها، ونشاط وحركة قوية في الأسواق، وإشباع الحاجات المختلفة. وبالعكس تماماً تضمير ثروة البلاد عندما تركد، وتتوقف عن الحركة والتقلب في الأسواق في وجوه النشاط المالي، كما تضطرب حياة الناس وتختل عندما لا تستطيع الأسواق أن تفي بحاجات الناس الاستهلاكية المختلفة.

ولذلك فقد أكد الإسلام على سرعة تداول الثروة في الأسواق بشكل عام.

فمنع من كنز النقدين - الذهب والفضة - وحبسهما من الحركة والجري في الأسواق، وأمر بتوظيفهما في مجاري النشاط المالي وإنفاقهما في سبيل الله.

فقال تعالى:

( وَ الَّذِينَ يَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‌ ) (١) .

وبذلك فقد أكد الإسلام على ضرورة توفير عنصر السيولة

____________________

(١) سورة التوبة: ٣٤.

١٤٥

والحركة في النقدين، وشجع على توظيفهما في الأسواق وإنفاقهما في سبيل الله.

هذا في النقد، وأما في البضاعة... فقد حرم الإسلام احتكار البضاعة التي يحتاج إليها المسلمون في معاشهم ومأكلهم.

فعن رسول الله (ص):

«ولئن يلقى الله العبد سارقاً أحب إليّ من أن يلقاه قد احتكر طعاماً أربعين يوماً»(١) .

ومما يجدر الانتباه اليه هذه المقارنة في الرواية بين السرقة والاحتكار، فان الاحتكار لون من السرقة لأرزاق الناس ومعاشهم، ويزيد المحتكر على السارق أنه يغتصب أرزاق المجتمع ومعاشه، بينما السارق لا يزيد على اغتصاب مال فرد أو أفراد معدودين.

فالثروة المحتكرة، وإن كانت ملكاً لصاحبها، ولكن من وجه آخر ملك للمجتمع أو حق له بحيث لا يجوز لصاحبه أن يمنع المجتمع من ابتياع هذه الثروة وصرفها في مصارفها، فاذا شاء صاحبها أن يمنع المجتمع من هذه الثروة ويحبسها عن السوق فهو «سارق» يحرم المجتمع حقه في هذه الثروة.

ومن هنا كان الاحتكار أشد في نظر الإسلام من السرقة.

وقال... (ص): «أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه

____________________

(١) سفينة البحار: ١ / ٢٩١ - وسائل الشيعة: ٦ / ٣١٤.

١٤٦

أربعين صباحاً، يريد به غلاء المسلمين، ثمّ باعه فتصدق بثمنه... لم يكن كفارة لما صنع به»(١) .

وكأنه تصدق بمال مسروق، ومن الطبيعي أن الصدقة لا تكون كفارة للسرقة.

وقال... (ص): «المحتكر ملعون»(٢) .

وعهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى واليه على مصر مالك الأشتر -رحمه‌الله - من أن «امنع الاحتكار، فان رسول الله (ص) منع منه، فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه، فنكل به (ص) وعاقبه في غير إسراف»(٣) .

وكذلك يجد الباحث من دراسة مجموعة النصوص الإسلامية في هذه المسألة، أن الإسلام يطلب سرعة تداول الثروة، ويمنع من تجميد الثروة وحبسها عن التحرك في السوق، بضاعة كانت الثروة أو نقداً، ويعتبر السيولة والتحرك شيئاً من طبيعة الثروة، وحبس الثروة عن الحركة يعتبر تحريفاً للثروة عن أداء دورها الذي خلقها الله تعالى له.

٢ - تحديد الثروة الفردية:

ومما يلاحظ في نظام التداول في الإسلام، أن الفقه الإسلامي

____________________

(١) سفينة البحار: ١ / ٢٩١ ووسائل الشيعة ٦ / ٣١٤.

(٢) سفينة البحار: ١ / ٢٩١ ووسائل الشيعة ٦ / ٣١٥.

(٣) نفس المصدر.

١٤٧

يحول دون تورم الثروة الفردية بصورة غير طبيعية.

وسلك في ذلك مسلكين؛ يندرج أحدهما في إطار «نظام التداول»، الذي هو موضع حديثنا، ويندرج الآخر في اطار «نظام المال» الذي سبق الحديث عنه في هذه الرسالة.

أحدهما يحول دون تورم الثروة من داخل أعمال الانتاج والتداول، ويحول الآخر دون تورم الثروة من الخارج.

ففي المسلك الأول يلغي الإسلام شرعية المعاملات والأساليب الانتاجية التي تؤدي الى التضخم المالي في حقل الملكية الفردية، ويعتبرها أساليب غير مشروعة في الانتاج والتداول كالربا والغش والمقامرة والرشوة.

( وأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ، وَحَرَّمَ الرِّبا ) (١) .

( وَلا تَأكُلوا أَمْوالَكُم بَيْنَكُمْ بِالباطِلِ، وَتُدْلوا بِها إلىَ الْحُكّامِ، لِتأكُلوا فَرِيقاً مِن أَمْوالِ النّاسِ بِالاِثمِ، وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٢) .

في هذه المرحلة يضع الفقه الإسلامي قيوداً وحدوداً على أعمال الانتاج والتداول، تؤدي إلى تقليص الوارد الفردي - إلى حد ما - والحيلولة دون تورم الملكية الفردية.

فان تورم الملكية الفردية ينشأ غالباً عن عدم تخطيط تشريعي

____________________

(١) سورة البقرة: ٢٧٥.

(٢) سورة البقرة: ١٨٨.

١٤٨

صحيح لعملية الانتاج والتداول في مرحلة انتاج الثروة. وبهذه العملية يحول الفقه الإسلامي دون تضخم الثروة الفردية في هذه المرحلة.

وفي المسلك الثاني، يحيط الفقه الإسلامي الثروة الفردية بسلسلة من التشريعات من الخارج، بعد إنتهاء مرحلة الانتاج، لتحديد الثروة الفردية، وإعادة الفائض منها إلى الفئات الفقيرة والحاجات والمرافق الاجتماعية.

وهذه التشريعات، هي الضرائب المالية التي يفرضها الفقه الإسلامي على الثروة بعد إنجاز إنتاجها.

وقد سبق أن استعرضنا هذه الضرائب بتفصيل في البحث عن النظام المالي، في القسم الاول من هذه الرسالة.

ووجدنا هناك أن الغاية من التشريعات الضريبية في الفقه الإسلامي، هي تقليص الوارد الفردي عن الحد المعقول في المجتمع وصرف الفائض منها في حاجات المجتمع، وتعديل توزيع الثروة:

( كَيْ لا تَكُونَ دَوُلةً بَيْنَ الأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ) (١) .

فالفقه الإسلامي اذن، كي يحول دون تورم الثروة، يحيط الثروة بسلسلة من التخطيطات والتشريعات الدقيقة في مرحلتين:

في مرحلة الانتاج، ومرحلة التوزيع، وفي كل من حقل

____________________

(١) سورة الحشر: ٨.

١٤٩

«تداول الثروة» و«نظام المال».

كل ذلك دون أن يمس الفقه الإسلامي أصل الملكية الفردية، فهي في نظر الفقه الإسلامي، حاجة أصيلة ذات جذور بعيدة في حياة الفرد والمجتمع، لا يجوز الغاؤها بحال من الأحوال، وانما يجب تحديدها بصورة دقيقة، لا تؤدي الى تعطيل الأجهزة الاقتصادية العامة في المجتع من القطاع الخاص.

٣ - رعاية المصالح الإنسانية:

وهذه غاية أخرى من الغايات التي ينطوي عليها التخطيط الإسلامي في تداول الثروة.

فان الفقه الإسلامي، لا يخطط لنظام التداول في المجتمع الإسلامي بمعزل عن ملاحظة المصالح الإنسانية المرتبطة بجهاز الانتاج والتداول، وانما يعتبر هذه الاجهزة والمصالح مرتبطة بعضها ببعض، ومتشابكة، ولا بد من لحاظها جميعاً في التشريع كلاً لا يتجزأ.

ومن هذا المنطلق، نجد أن الفقه الإسلامي يعالج مسألة التداول بشكل مرتبط بالمصالح الإنسانية، فيلغي من المعاملات وأساليب التداول والانتاج ما يضر بهذه المصالح والشؤون الإنسانية، فيحرم إنتاج آلات اللهو واخراج الافلام الخليعة، وتصدير الكتب الضالة والمجلات الضارة، وبيع الاسلحة للعدو وانتاج وتداول البضائع التي تسبب اضراراً للمجتمع كالخمر وآلات

١٥٠

القمار وما يتصل بذلك.

وهذا التماسك التشريعي، يلحظ في كل جوانب الفقه الإسلامي ويجد الباحث أن هذا الفقه في كل مسائله وأبوابه وحدة مترابطة لا يمكن تجزيئه وتفكيكه.

وهذا التماسك والترابط والتوازن في التخطيط والتشريع من خصائص «التشريع الإلهي».

«والقانون الوضعي» مهما كان، لا يمكن أن ينطوي على هذه الوحدة الكلية في التخطيط، فان العقل والعلم البشري لا يمكن أن يتسعا لمثل هذه الكلية الإنسانية، التي تحتضن كل المسائل الإنسانية بشكل مترابط متماسك(١) .

وبعد، فهذا عرض موجز للتخطيط الإسلامي لتداول الثروة، حاولنا فيه تبسيط التخطيط الفقهي وعرضه بصورة واضحة ومختصرة.

ولله الحمد وله الشكر...

محمد مهدي الآصفي

____________________

(١) للتوسع يراجع في هذه المسألة كتاب «المدخل الى التشريع الإسلامي» للمؤلف.

١٥١

الفهرس

مقدمة الطبعة الثالثة ٥

مقدمة الطبعة الثانية١١

النِّظام المَالي في الإسِلام١٥

موارد الدولة١٧

موارد الدولة المالية٢١

١ - الضرائب المالية٢٣

أقسام الضرائب المالية٢٥

٢ - الدومين العقاري ٣٤

عقارات الدولة٣٧

٣ - مشاريع الإنتاج والزراعة الحكومية٤٤

٤ - القرض ٥٠

٥ - شؤون الولاية العامة٥٣

نفقات الدولة٥٧

عرض لنفقات الدولة٦١

آية الزكاة٦١

(أ) النفقات الشخصية٦٢

(ب) الجهات والمرافق العامة «وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله» ٧٢

آية الخمس ٧٧

مراجع البحث ٨١

تَدَاول الثَّروة في الإسلام٨٥

أهمية تداول الثروة٨٥

١٥٢

أطراف التداول ٨٨

١ - المعوَّض ٩٠

٢ - العوض أو (النقد)٩٢

النظام المصرفي الحديث ١٠١

الشكل المشروع للنظام المصرفي في المجتمع الإسلامي ١١٢

أنحاء التداول في الفقه١٢٣

١ - البيع ١٢٥

٢ - الإجارة١٣٠

٣ - الشركات ١٤١

الغايات والنتائج الرئيسية لنظام التداول ١٤٤

الفهرس ١٥٢

١٥٣