النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام0%

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 153

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

مؤلف: محمد مهدي الآصفي
تصنيف:

الصفحات: 153
المشاهدات: 29999
تحميل: 3642

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 153 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29999 / تحميل: 3642
الحجم الحجم الحجم
النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

مؤلف:
العربية

موارد الدولة المالية

يمتاز النظام المالي في الإسلام - كما سنستعرض جانباً منه في هذا الحديث - عن غيره من النظم المالية بصلاحيته الواسعة لموازنة مواردها المالية بنفقاتها العامة.

والدول الحديثة تنظم نفقاتها عادة على ضوء من رصيدها المالي. وعلى العكس تماماً، نجد أن الدولة الإسلامية تنظم مواردها المالية في حدود نفقاتها العامة ومصروفاتها.

وهذه الظاهرة تدل على وجود صلاحية فائقة في النظام المالي للفقه الإسلامي، لمسايرة الحاجات المادية في المجتمع وتسيير المرافق العامة.. من دون أن يقع عبء هذه «المرونة» على كاهل الطبقة الفقيرة في المجتمع.

وسوف نعرض على القارئ ملامح من التخطيط الشرعي لموارد الدولة؛ ليلمس القارئ بنفسه هذه الصلاحية المالية مقرونة بالعدالة الاجتماعية.

ويمكننا هنا أن نقسّم الموارد المالية للدولة الإسلامية إلى أقسام خمسة:

١ - الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق الضرائب.

٢ - الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق العقارات.

٢١

٣ - الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق قيامها بنشاطات اقتصادية.

٤ - الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق القرض.

٥ - الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق ولايتها العامة على المواطنين.

٢٢

١ - الضرائب المالية

وأهم الضرائب المالية في الإسلام: الزكاة، والخمس، والجزية، والضرائب المالية الأُخرى التي تفرضها الدولة على المسلمين، فيما إذا اقتضت ذلك الضرورة الاجتماعية(١) .

الهدف من تشريع الضريبة في الإسلام:

والمهم في تشريع الضرائب المالية في الإسلام أن الغرض منها ليس فقط تهيئة المال الكافي لتسيير المرافق الاجتماعية وتغطية نفقات الدولة الإسلامية، وإن كان ذلك جزءً كبيراً من الغرض في التشريع الضريبي على كل حال.. بل المهم من تشريع الضرائب المالية امتصاص الثروات الفائضة عن دخول الطبقات الغنية وإعادتها إلى الطبقات الفقيرة أو إلى المرافق الاجتماعية التي تنشأ لصالح الفقراء.وتؤدي هذه العملية إلى توزيع الثروة في البلاد بصورة عادلة وتحقيق العدالة الاجتماعية في التوزيع، كما تحول دون حصول التضخم المالي في المجتمع.

____________________

(١) قد تتم جباية وتوزيع الضرائب المالية بمباشرة واشراف الحاكم الشرعي الأعلى عند وجود الحاكم الشرعي، كما قد يقوم المسلمون أنفسهم بتوزيع الحقوق المالية المفروضة عليهم على المستحقين مباشرة، مع احراز الاستحقاق، حال عدم وجود حكومة شرعية والنتيجة سواء. فالمهم توزيع هذا الفائض المالي على فئات الفقراء وعلى المرافق الاجتماعية، مهما يكن شكل ذلك.

٢٣

وإلى هذا الأصل التشريعي تشير الآية الكريمة:

( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاکِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ کَيْ لاَ يَکُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْکُمْ وَ مَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا... ) (١) .

فالتشريع الضريبي، إذن، يؤدي دوراً مزدوجاً في حياة الأمة، فهو من جانب يؤدي إلى توفير المال الكافي لحاجات الفئات الفقيرة في المجتمع وإدارة المرافق الاجتماعية، ومن جانب آخر يهدف إلى القضاء على التورّم المالي في طبقات أُخرى من المجتمع.

____________________

(١) سورة الحشر: ٨.

٢٤

أقسام الضرائب المالية

تنقسم الضرائب في الإسلام إلى قسمين رئيسيين:

١ - الضرائب المالية المحددة من حيث الكمية والمتعلق والوقت، وهي التي حدد الشارع كميتها ومتعلقها وزمان تعلقها.

٢ - الضرائب المالية غير المحددة من حيث الكمية والمتعلق والوقت، وهي التي لم يحددها الشارع، وإنما ترك أمرها إلى نظر الحاكم فيما تقتضيه الظروف الاجتماعية والاقتصادية الطارئة.

* * *

والضرائب المالية المحددة تنقسم بدورها إلى قسمين هما:

(أ) الضرائب المالية التي تتعلق بالثروات بغضّ النظر عن أصحابها.

(ب) الضرائب المالية التي تتعلق برؤوس الأشخاص، بغضّ النظر عما يملكون من ثروة.

* * *

وعليه فإن الضرائب المالية في الإسلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام بالتفصيل كالآتي:

١ - الضرائب المالية المحددة التي تتعلق بالثروات:

٢٥

وهذا النوع من الضرائب يشكّل الجانب الأكبر والأهم من الضرائب المالية في الإسلام.

ومما يلفت النظر أن الثروات التي يتعلق بها هذا النوع من الضريبة المالية هي من الثروات التي لا تنقطع حاجة الإنسان اليها وإلى تداولها، وطبيعي إن استمرارية تداول هذه الثروات بين أيدي الناس تضمن استمرارية تحصيل هذه الضرائب في المجتمع الإسلامي.

ويجد القارئ - فيما يلي - عرضاً موجزاً لأهم الثروات التي تتعلق بها الضرائب المالية في الإسلام:

(أ) الثروة النقدية:

وهي تتكون من الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة، وتجب عليهما الزكاة بشرط النصاب ومرور حول كامل على تملكها.

(ب) الثروة الحيوانية:

وتتكون من الإبل والبقر والغنم، وتجب فيها الزكاة بعد بلوغها النصاب ومرور حول كامل، لو كانت سائمة وغير عاملة، أما المعلوفة والعاملة - ولو في بعض الحول - فلا يجب فيها شيء.

(ج) الثروة النباتية:

وتتكون من الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وتجب فيها الزكاة بعد بلوغ النصاب، لو تمت في ملك مالكها.

٢٦

(د) الثروة المعدنية:

والمعادن على ثلاثة أقسام: منها ما يقبل الانطباع، كالذهب والفضة والنحاس والحديد، ومنها ما لا يقبل الانطباع، كالياقوت والزبرجد وغيرهما من الأحجار الكريمة، ومنها المايع، كالنفط والزئبق... ويجب فيها الخمس بعد إخراج المؤن.

(ه) الثروة البحرية:

وهي كل ما يستخرج من البحار بالغوص، ويجب فيها الخمس.

(و) الثروة الحربية:

وهي كل ما يستولي عليه المسلمون في الحرب من أموال الكفار، من أموال ثابتة وصالحة للنقل، كالأسلحة والنقود وغير ذلك، ويجب فيها الخمس إذا كانت الحرب والحيازة بإذن النبي أو الإمام -عليهما‌السلام - هذا في غير الأراضي، أما في الأراضي فالمفتوحة العامرة منها تبقى موقوفة لمصالح المسلمين على استمرار العصور، دون أن يحق لأحد من المسلمين تملكها، وغير العامرة منها ملك للإمام.

(ز) الثروة التجارية:

وهي كل ما يفضل للتاجر عن مؤونة عياله سنة كاملة من أرباح التجارة، ويتعلق بها الخمس، ويميل بعض الفقهاء إلى اعتبار الزكاة فيها.

٢٧

(ح) الثروة الصناعية:

وهي كل ما يفضل لذوي الصناعات من أرباح الصناعة بعد وضع المؤونة ومرور سنة كاملة، ويتعلق بها الخمس.

(ط) الثروة الزراعية:

وهي كل ما يفضل للزارع عن مؤونة عياله سنة كاملة من أرباح الزراعة، ويتعلق بها الخمس.

(ي) الثروة الأرضية:

وهي الأراضي التي يشتريها المواطن الذمي من المواطن المسلم، سواءً كانت من الأراضي المفتوحة أو من الأراضي التي أسلم عليها أهلها، ويجب فيها الخمس.

(ك) الثروة المدخرة:

وهو المال المدخر في الأرض الذي يعثر عليه المسلم في دار الحرب أو في الوطن الإسلامي، من غير أن يعرف مالكه الشرعي، ويتعلق بها الخمس.

(ل) ضريبة الأموال المختلطة:

المال المختلط يفرز منه المال الحرام، ويرد إلى أصحابه الشرعيين إذا عرف قدره، ويفرز منه الخمس لحساب الدولة إذا لم يعرف قدره وصاحبه.

... ذلك كله في الضرائب التي تتعلق بالثروات والأموال.

٢٨

٢ - الضرائب المالية التي تتعلق بالرؤوس بغضّ النظر عن نوع الثروة وكمية الثروة التي يملكها أولئك:

وأهم هذه الضرائب هي:

(أ) زكاة الفطرة:

وتجب بحلول شهر شوّال على كل مكلف بالغ متمكن عن نفسه وعمن يعيله، وهي صاع من القوت الذي يتناوله عادة من الحنطة والشعير والأرز والتمر أو غير ذلك.

(ب) ضريبة الفداء:

وهي ضريبة مالية، تضرب على الأسرى المحاربين ليطلق سراحهم بعد انتهاء فترة الحرب.

(ج) ضريبة الجزية:

وهي ضريبة مالية يقررها الإمام حسب ما يراه من المصلحة على الرؤوس أو الأراضي على الذميين المسالمين، الذين يعيشون في الوطن الإسلامي أو في الأقطار المحمية من قبل الدولة الإسلامية عوضاً عما تقوم به الدولة الإسلامية في هذه الأقطار من الخدمات العامة.

(د) الأضحية التي تجب على كل حاجّ في منى من مكة وقد تتعدد الأضحية حسب ما يرتكبه الحاج من مخالفات في وقت الحج والاحرام.

ذلك كله فيما يخصّ الضرائب المالية المحددة وشبه المحددة.

٢٩

٣ - الضرائب المالية غير المحددة:

وقد تطرأ على الحياة الاجتماعية أوضاع طارئة غير عادية، أو تحدث ثغرات مالية كبيِرة، تتطلب نفقات كثيرة لا تغطيها الموارد المالية التي شرعت للحالات الاعتيادية، كما يحدث ذلك في أوقات الحرب... ففي مثل هذه الأحوال تلتجئ الدولة الإسلامية إلى فرض ضرائب مالية جديدة في حدود حاجة البلاد وإمكانيات الأُمة المادية، لملء هذه الثغرات.

ونجد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إشارات واضحة إلى تشريع هذا النوع من الضرائب:

قال - تعالى -:( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ... ) (١) .

وقال - تعالى -:( .. وَجاهِدوُا بِأَموالِكُمْ وَأَنفُسِكُم.. ) (٢) .

قال - تعالى -:( .. وَكرِهُوا أَنْ يُجاهِدوُا بِأموالِهِمْ وَأنفْسِهِمُ.. ) (٣) .

والآية الأُولى صريحة في الأمر بإعداد العدة الحربية الكافية، والآيتان الأخيرتان قرنتا الجهاد بالنفس بالجهاد بالمال، ولما كان الجهاد بالنفس لا حدّ له في الشريعة الإسلامية، كان الجهاد بالمال

____________________

(١) سورة الأنفال: ٦٢.

(٢) سورة التوبة: ٤١.

(٣) سورة التوبة: ٨٢.

٣٠

بحكمه لا يحده شيء غير الحاجة.

كل ذلك فيما إذا اقتضت الضرورة الحربية ذلك.

وهناك حقوق خاصة للفقراء والضعفاء والمساكين والمحرومين غير الزكاة والخمس، يقررها التشريع الإسلامي لصالح هؤلاء في حالات الضرورة المعاشية، ويندب إليه في غير حالات الضرورة.

يقول السيد الطباطبائي في «الميزان»:

«وسبيل الله، على ما يستفاد من كلامه - تعالى - هو ما توقف عليه قيام دين الله على ساقه، وأن يسلم من انهدام بنيانه، كالجهاد وجميع مصالح الدين الواجب حفظها، وشؤون مجتمع المسلمين التي ينفسخ عقد المجتمع لو انفسخت، والحقوق المالية الواجبة التي أقام الدين بها صلب المجتمع الديني. فمن كنز ذهباً أو فضة والحاجة قائمة والضرورة عاكفة فقد كنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله، فليبشر بعذاب أليم؛ فإنه آثر نفسه على ربّه، وقدم حاجة نفسه أو ولده الاحتمالية على حاجة المجتمع الديني القطعية...

ولا يتم هذا كله إلاّ بنشر المبراّت، وفتح باب الخيرات، والعمل بالواجبات على ما يليق بها، والمندوبات على ما يليق بها وأما القصر على القدر الواجب وترك الإنفاق المندوب من الرأس، فإن فيها هدماً لأساس الحياة الدينية، وإبطالاً لغرض الشارع،

٣١

وسيراً حثيثاً إلى نظام مختل، وهرج ومرج، وفساد عريق لا يصلحه شيء، كل ذلك عن المسامحة في إحياء غرض الدين والمداهنة مع الظالمين..( إلا تَفْعَلوُهُ تَكُنْ فِتنةٌ في الأرْضِ وَفَسادٌ كَبيرٌ ) (١) .

وفي الحديث عن الإمام الصادق -عليه‌السلام - : «ولكن الله - عزّ وجلّ - فرض في أموال الأغنياء حقوقاً غير الزكاة، فقال - عزّ من قائل -:( وَالَّذينَ في أموالهِم حقٌ معلوُمٌ، للسائِلِ وَالمحروَمُ ) . فالحق المعلوم غير الزكاة، وهو شيء يفرضه الرجلَ على نفسه في ماله، يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله، فيؤدي الذي فرض على نفسه»(٢) .

وعن سماعة قال: «سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، قلت: قوم عندهم فضول وبإخوانهم حاجة شديدة، وليس تسعهم الزكاة،أيسعهم أن يشبعوا ويجوع إخوانهم، فإن الزمان شديد؟».

فقالعليه‌السلام : «المسلم اخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحرمه؛ فيحق على المسلمين الاجتهاد فيه، والتواصل والتعاون والمواساة لأهل الحاجة، والعطف منكم... تكونون على ما أمر الله فيهم: رحماء بينكم، متراحمين»(٣) .

____________________

(١) الميزان في تفسير القرآن: ٩ / ٢٦١ - ٢٧٦.

(٢) وسائل الشيعة: ٦ / ٢٧٠.

(٣) رسائل الشيعة: ٢: ٦ / ٥٩٧.

٣٢

وعن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «أيّما مؤمن حبس مؤمناً عن ماله، وهو محتاج اليه، لم يذقه الله من طعام الجنة ولا يشرب من الرحيق المختوم»(١) .

وأخرج مسلم من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعاً: «من كان له فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له»(٢) .

____________________

(١) محاسن البرقي: ١٠٠.

(٢) سنن البيهقي: ٤ / ١٨٢.

٣٣

٢ - الدومين العقاري

ونعني به الدخل الذي يرد الدولة عن طريق وارداتها العقارية، والعقارات التي تملكها الدولة أو تملك التصرف فيها، هي: الأراضي الزراعية المحياة المفتوحة، والأراضي الموات، والغابات، والأجمات، والمعادن، ورؤوس الجبال، والبحار، وبطون الأودية، وسواحل البحار. بتفصيل ما يأتي.

ويرد الدولة عن طرق هذه العقارات وارد مالي كبير، تسدد به كثيراً من نفقاتها، وتغطي بها على كثير من مصارفها.

ملكية العقارات العامة:

العقارات العامة التي يملك الحاكم أمر التصرف فيها، ولا يجوز حيازتها وتملكها بصورة فردية ومن قبل الأفراد... على أقسام من حيث الملكية.

فقد تكون الأُمة بجميع فئاتها، حكاماً ورعايا، وبصفتها الجمعيّة، هي المالكة، وقد تكون هذه العقارات ملكاً للهيئة الحاكمة التي تمثل مجموعة الأُمة في الحكم.

وبناءاً على تسمية الأمة بمجموعة فئاتها حكاماً ورعاياً (بالدولة)(١) ، وتسمية الهيئة التي تمثل هذه المجموعة في الحكم

____________________

(١) تطلق الدولة على مجموعة من العناصر من أهمها العنصر البشري، وهو -

٣٤

ب (الحكومة) يمكن تصنيف ملكية العقارات العامة التي تشرف عليها السلطة الحاكمة في المجتمع الإسلامي إلى قسمين رئيسيين(٢) .

١ - ملكية الدولة:

وهي تشتمل على العقارات التي تملكها مجموعة الأُمة حكاماً ورعايا وتعتبر هذه العقارات وقفاً على المسلمين جميعاً، يجوز لهم الإنتفاع بها واستثمارها بإشراف من الحاكم الإسلامي في قبال بدل مالي خاص تحدده الحكومة، ولا يجوز تملك رقبة هذه العقارات ولا بيعها ولا شراؤها، ولا تخص جيلاً خاصاً من المسلمين، وإنما تعمهم جميعاً على امتداد العصور والأجيال، ومن أهم هذه العقارات أراضي الفتح الإسلامي فيما إذا كان الفتح بإذن الإمام الحاكم.

وطبيعي إن أمر الإشراف في هذه العقارات يكون للحاكم الإسلامي بصفته حاكماً على المسلمين وممثلاً عن مجموعة الأُمة ووالياً عليهم. ويعود ربح هذه الأراضي ووارداتها التي تستلمها السلطة

____________________

- مجموعة من الناس الذين يسكنون قطراً من الأرض. وقد تطلق (الدولة) على هذه المجموعة البشرية فحسب في قبال (الحكومة) التي تطلق على الهيئة الحاكمة فحسب من المجتمع، وهذه التسمية جديدة اقتبسناها من «ح هارولد لاسكي» في كتابه «الحرية» وإن كان واقع هذا التقسيم قديماً في التشريع الإسلامي.

(٢) تحدثت بتفصيل عن أقسام الملكية وأقسام العقارات في الإسلام في كتاب (ملكية الأرض في الإسلام).

٣٥

من المنتفعين بها إلى بيت المال الذي يصرف على حاجات المسلمين والمرافق الاجتماعية.

٢ - ملكية الحكومة:

وهي تشتمل على مجموعة العقارات التي تملكها السلطة الحاكمة أو الحاكم الشرعي بصفته حاكماً على المسلمين. وتعرف هذه العقارات عادة في الفقه الإسلامي ب (الأنفال)، وتشتمل على امهات الثروات العقارية والطبيعية.

ومن الواضح أن اعتبار هذه الثروات الطبيعية والعقارات من ملك السلطة الحاكمة يؤدي إلى تحديد الملكية الفردية وانعدام الملكيات الفردية الواسعة التي تنجم عن السيطرة غير المحدودة على المصادر الطبيعية للانتاج.

٣٦

عقارات الدولة

وفيما يلي نعرض على القارئ أهم العقارات العائدة إلى الدولة سواءً منها ما تملك السلطة رقبتها أم تملك أمر الإشراف عليها.

١ - الأراضي:

تعتبر الأراضي من أهم موارد الدولة الإسلامية.

وليس الغرض من استيلاء الدولة على الأراضي تغطية نفقاتها عن طريق الريع الذي تدره هذه الأراضي على الدولة وحسب.. بل الغرض من ذلك - قبل ذلك كله - المنع من حدوث أي توسع في ملكية الأراضي يؤدي إلى «الاقطاع» وثمّ توزيع هذه الأراضي بين الفلاحين والمنتفعين توزيعاً عادلاً، يتماشى مع حاجاتهم الخاصة وإمكانياتهم على الاحياء.

والأراضي التي تملكها الدولة الإسلامية، أو تملك الإشراف عليها هي كما يلي:

(أ) الأراضي التي استولى عليها المسلمون من بلاد الكفار من دون قتال، سواءً كانت أراضي محياة أو ممات، وهي من الأنفال(١) .

(ب) أراضي الفتح الإسلامي العامرة: وهي ملك للمسلمين

____________________

(١) راجع «مستمسك العروة الوثقى» ٩ / ٥٢٠.

٣٧

يشرف عليها الإمام، ويؤجرها أو يستثمرها، ويصرف حاصلها على المسلمين. وهي لا تخص جيلا دون جيل، وإنما هي للأجيال جميعاً(١) .

(ج) أراضي الفتح الإسلامي (البائرة): وهي ملك للإمام الممثل لجهاز الحكم يجعل عليها من يعمرها، أو يودعها من يعمرها؛ ويصرف طسقها على المرافق العامة.

(د) أراضي دار الإسلام (البائرة): الأراضي الموات ملك للإمام، يصرف طسقها في شؤون الأمة والحكومة، سواءً كانت مملوكة وباد أهلها، أم كانت غير مملوكة من أول الأمر كالمفاوز والصحاري النائية. فإذا أحياها أحد بإذن الإمام، جاز له أن يتصرف فيها إزاء خراج يدفعه للدولة عن الأرض، وإن كانت الأرض لغيره قبل ذلك؛ لقوله -عليه‌السلام -: «من احيى أرضاً ميتة فهي له»(٢) . وقد قال الإمام أمير المؤمنين -عليه‌السلام -: «إن الأرض لله، يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. أنا وأهل البيت الذين أُورثنا الأرض، ونحن المتقون، والأرض كلها لنا؛ فمن أحيى أرضاً ميتة من المسلمين فليعمرها، وليؤد خراجها إلى الإمام»(٣) .

____________________

(١) راجع «رياض المسائل» كتاب الجهاد. وتذكرة الفقهاء: كتاب الجهاد.

(٢) وسائل الشيعة: إحياء الموات.

(٣) وسائل الشيعة - ط ١: ٣ / ٣٢٦.

٣٨

وفي صحيحة عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام : «إن الأرض كلها لنا فما أخرج الله تعالى منها من شيء فهو لنا»(١) .

(ه) الأراضي الموقوفة، التي يتولى شأنها الإمام: ويكثر مثل هذه الأراضي في بلاد المسلمين. وقد حث الشارع الإسلامي المسلمين على الوقف وإخراج الأرض عن حيِّز الملكية الخاصة، واعتبارها وقفاً على المسلمين، واعتبر ذلك صدقة جارية لأصحابها ويتولى الإمام شؤونها فيما إذا لم يعّين الواقف عليها أحداً.

* * *

فالتشريع الإسلامي في الأراضي يذهب، بصورة مبدئية، إلى تجريد القطاع الخاص من ملكية الأرض تقريباً، وتمليك الأرض للقطاع العام والدولة.

وبذلك فالدولة(٢) تملك الكثرة الغالبة من الأراضي الموات والأراضي المحياة بصورة طبيعية، فتوزع هذه الأراضي بين المستثمرين والمنتفعين بصورة عادلة، وبشكل لا يؤدي إلى ظهور الملكيات الواسعة.

كما تسحب ملكية أصحاب الأرض عند إهمال إحيائها، وتدفع الأرض إلى غيرهم ممن يعملون في إحيائها.

____________________

(١) الحدائق الناضرة ٥: ٥٦.

(٢) نعود فتؤكد بأننا نقصد من الدولة الدولة الإسلامية التي تتسلم زمام السلطة بصورة مشروعة.

٣٩

فالتشريع الإسلامي إذن يحقق في هذا المجال مطلبين رئيسيين.

فهو من ناحية يحد من توسع الملكيات الأرضية، إذ أن الأراضي في حال الموات، ملك للحكومة ويتم توزيعها على الفلاحين والمنتفعين بإشراف من السلطة.

ومن ناحية أُخرى فإن حق السلطة في سحب ملكية أصحاب الأراضي الذين أهملوا إحياء أراضيهم وإعادة الأراضي إلى من يمارس إحياءها يضمن استمرار عملية الإحياء والإعمار في الأراضي في بلاد الإسلام.

هذا بالإضافة إلى ما تدر هذه الأراضي من وارد مالي كبير على بيت المال.

٢ - سواحل البحار:

وهي ملك الإمام (من الأنفال)، كما ذكره المحقق في «الشرايع»(١) .

وهي ذات أهمية كبرى في التجارة والصيد البحري والحروب والرحلات البحرية وغير ذلك.

٣ - الغابات والأحراش:

تعتبر الغابات من أهم موارد الثروة الطبيعية في البلاد، فهي

____________________

(١) راجع «شرايع الإسلام»: الأنفال.

٤٠