قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار11%

قاعدة لا ضرر ولا ضرار مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 360

قاعدة لا ضرر ولا ضرار
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194041 / تحميل: 7761
الحجم الحجم الحجم
قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

مؤلف:
العربية

قاعدة

لا ضرر ولا ضرار

محاضرات آية الله العظمى

السيد علي الحسيني السيستاني

١
٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله علىٰ محمّد وآله الطاهرين

بين يديك ـ أيها القارئ العزيز ـ مجموعة من محاضرات سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله ، التي ألقاها قبل سنين في مهد العلم والمعرفة جامعة النجف الأشرف ، حول القاعدة الفقهية المعروفة ـ لا ضرر ولا ضرار ـ.

وإننا بعد مراجعتها واستئذان سماحته في طبعها نقدمها لأرباب الفضيلة وأساتذة الحوزة العلمية منهلاً زاخراً بالعطاء الفكري علىٰ صعيد علم الفقه والأصول والحديث والرجال.

نسال الله تعالىٰ أن يوفق الجميع للعلم والعمل الصالحين إنه جواد كريم.

مكتب

سماحة آية الله العظمى

السيد السيستاني دام ظله

ـ قم المقدّسة ـ ٢٠ رجب

١٤١٤ه‍

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علىٰ أشرف الانبياء والمرسلين محمّد وعلىٰ آله الهداة المهديين الغُر الميامين.

وبعد :

هذه بحوث حول قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) حررتها من محاضرات سيدي الاستاذ الوالد مد ظله الوارف.

أسال الله العلي القدير أن ينفعني بها ويوفقني لما يحب ويرضى إنّه حسبنا ونعم الوكيل.

٧
٨

( قاعدة لا ضرر ولا ضرار )

تمهيد :

من القواعد المعروفة بين فقهاء المسلمين قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) وعلىٰ المسلك المشهور في تفسيرها من أن مفادها نفي الحكم الضرري تترتب عليها آثار مهمة في الكثير من الفروع الفقهية ، حتىٰ ادّعى بعض العامة(١) ان الفقه يدور علىٰ خمسة احاديث احدها حديث لا ضرر ولا ضرار.

وقد أصبحت هذه القاعدة مورداً لاهتمام علمائنا لا سيّما في العصر الاخير حيث عُنيَ بها الشيخ الاعظم الانصاريقدس‌سره عناية خاصة ، وتطرّق إلىٰ البحث عنها في رسائله فانتظمت بذلك في سلك علم الأصول ، وأشبع البحث فيها لدى المتأخرين.

وحديثنا عن هذه القاعدة يقع في ضمن فصول ثلاثة :

الفصل الأَول : في تحقيق موارد ذكر حديث لا ضرر ولا ضرار في الروايات وتشخيص متنه.

الفصل الثاني : في تحقيق مفاده.

الفصل الثالث : في أُمور شاع التعرض لها بعنوان تنبيهات القاعدة ، وهي اما مكملة للبحث عنها أو متضمنة لبعض تطبيقاتها.

ويلاحظ انا قد تركنا البحث عن سند اصل الحديث لأنّه لا اشكال في

__________________

(١) نقله السيوطي في تنوير الحوالك ٢ / ٢١٨ عن أبي الفتوح الطائي في الأربعين عن أبي داود وفي أربعينه : ٤٠ وفيه : يدور علىٰ أربعة

٩

وروده بطريق معتبر(١) ، عن طريق زرارة كما سيأتي.

كما أنّ اسانيده ومصادره من كتب العامة والخاصة تظهر مما سنذكره في الفصل الاول ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) حكى الشيخ الانصاري عن فخر المحققين ( قدهما ) انّه ادعى تواتر حديث نفي الضرر في باب الرهن من الايضاح ، ويظهرمن الشيخ (ره) قبوله لذلك ، ولكنه غير واضح لأنّه لم يرد هذا الحديث من طرق الخاصة مسنداً إلا عن راويين في الطبقة الأولىٰ وهما زرارة وعقبة ، وفي سائر الطبقات ربما يكون عدد الرواة ثلاثة أو أربعة ، وهذا المقدار لا يكفي في عدّ الحديث مستفيضاً فضلاً عن أن يُعدّ متواتراً ، وربما يظن ان دعوىٰ التواتر تستند إلىٰ الاطلاع علىٰ اخبار اخرى لم تصل الينا لفقد اكثر كتب الحديث في عصرنا ولكنه ضعيف ، ولعل الأَوجه ان يقال : إن نظره (قده) إلىٰ مجموع أخبار الخاصة والعامة فان العامة كما سيأتي في الفصل الاول قد رووا هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ، فيمكن عدّ الحديث متواتراً بلحاظ ذلك وهو محل تأمل أيضاً.

١٠

الفصل الأول

وفيه بحثان :

البحث الأَول : في ذكر قضايا ( لا ضرر ) وتحقيقها.

وهي قضايا اشتملت علىٰ ذكر حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) تطبيقاً له ـ ولو علىٰ بعض الاقوال والاحتمالات ـ علىٰ مواردها ، ولهذا البحث أهمية كبرى ، لأن ملاحظة هذه الموارد والتعرف علىٰ مبنى تطبيق الحديث عليها يسلط بعض الضوء علىٰ معنىٰ الحديث نفسه ، ويبطل بعض الوجوه التي ذكرت في تفسيره كما سيتضح ذلك إن شاء الله تعالىٰ في الفصل الثاني.

والقضايا التي تضمنت ذكر حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) تبلغ ثماني قضايا ، وردت في مجموع كتب الفريقين : منها ثلاث قضايا وردت في كتب الإماميّة ، وواحدة وردت في دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري الاسماعيلي ، واربع قضايا وردت في كتب العامة ، ونحن نبحث عن الجميع مفصلاً.

١ ـ قضية سمرة بن جندب مع رجل من الانصار

وهي أشهر القضايا ، ولا ينبغي الاشكال في ثبوت هذه الجملة ـ أي لا ضرر ولا ضرار ـ في موردها(١) إلا أنّه قد يبالغ فيعدّ ذلك مستفيضاً بل فوق

__________________

(١) لكن قد يستشكل في ثبوتها من وجهين :

الأَول : إنّ قاعدة لا ضرر ولا ضرار لا يمكن تطبيقها علىٰ مورد قضية سمرة ، مما يثير الشكوك في اشتمالها علىٰ جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) ، لا سيّما أنها نقلت مجردة عنها أيضاً كما سيأتي ، وهذا الوجه سوف يجيء الكلام في تقريبه ودفعه في الفصل الثالث.

الثاني : إن هذه القضية ـ كما اشرنا ـ قد نقلت علىٰ نحوين مقرونة بهذه الجملة ومجردة عنها فيدور الأمر بين الزيادة والنقيصة ، ولا ترجيح لأَصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على

١١

حدّ الاستفاضة ، بادعاء ان هذه القضية مذكورة في كتب الفريقين بطرق متعددة(١) .

ولكن الصحيح : ان قضية سمرة وإن ذكرت في كتب الفريقين بطرق متعددة ، إلا إنها لم تذكر مقرونة بهذه الجملة في جميع طرقها ، بل ذكرت مقرونة بها تارة ومجردة عنها اخرى :

فأمّا النحو الأَول : فلم يرد في شيء من كتب العامة واحاديثهم ، وانما ورد في كتبنا ، وقد انفرد بنقله في الطبقة الأولىٰ من السند زرارة بن أعين ناقلاً

__________________

اصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة كما سيأتي تحقيقه في البحث الثاني من هذا الفصل ، فالنتيجة أنه لا يمكن اثبات اشتمال قضية سمرة علىٰ هذه الجملة.

ويرد عليه ( اولاً ) إن الروايات التي نقلت القضية مجردة عن هذه الجملة لم تصح بطريق معتبر ، فلا معارض لمعتبرة ابن بكير المشتملة عليها.

و ( ثانياً ) : إن مورد دوران الامر بين الزيادة والنقيصة هو ما إذا لم تكن الزيادة المحتملة جملة مستقلة بحيث لا يكون حذفها مؤثراً علىٰ معنىٰ الرواية لكنه مؤثر علىٰ عموم المعنىٰ وشموله كما في حذف العلّة وبقاء المعلل نحو لا تأكل الرمان لأنّه حامض. ـ معنىٰ الرواية ـ وإلا فما يتضمن الزيادة حجة علىٰ ثبوتها بلا معارض ، ومقامنا من هذا القبيل فان جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) جملة مستقلة وبمثابة العلّة للحكم المذكور في القضية فلا يكون حذفها مؤثراً علىٰ معنىٰ بقية الرواية ، لكنه مؤثر علىٰ عموم المعنىٰ المعلل بها. ومما تقدّم يظهر النظر فيما افاده العلامة شيخ الشريعة قدس سره في رسالة لا ضرر : ٦ : حيث بنى ثبوت الجملة المذكورة في قضية سمرة رغم خلو بعض رواياتها عنها علىٰ قاعدة الترجيح لاصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة عند دوران الامر بين الزيادة والنقيصة ، قال قده ( ومن جهة هذه القاعدة المطردة حكم الكلّ بوجود لا ضرر ولا ضرار في قضية سمرة مع أن رواية الفقيه بسنده الذي هو صحيح أو كالصحيح عن الصيقل عن الحذاء خالية عن نقل هذين اللفظين بالمرة كما عرفت.

ووجه النظر فيما أفاده أن ثبوت جملة ـ لا ضرر ـ في المقام ليس من باب ترجيح أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة ، فإننا لا نقول بها بل من باب أن ما تضمن الزيادة حجة في نفسه بلا معارض.

(١) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : ١٩٣.

١٢

ذلك عن أبي جعفرعليه‌السلام ، ونقله عنه اثنان من الرواة هما : عبد الله بن بكير وعبدالله بن مسكان.

و ( رواية ابن بكير ) عن زرارة نقلت بصورتين :

الصورة الأولىٰ : ما نقله الكليني في باب الضرار من كتاب المعيشة عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار ـ وكان منزل الانصاري بباب البستان ـ وكان يمرّ به إلىٰ نخلته ولا يستأذن ، فكلّمه الانصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبىٰ سمرة ، فلمّا تأبّى جاء الانصاري إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا إليه وخبّره الخبر ، فأرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخبّره بقول الانصاري وما شكا ، وقال : إن أردت الدخول فاستأذن ، فأبى. فلما أبىٰ ساومه حتىٰ بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبىٰ أن يبيع ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبىٰ أن يقبل ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للانصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار(١) .

وهذه الرواية معتبرة سنداً ، وقد اوردها الشيخ في التهذيب(٢) مبتدئاً فيها باسم ( أحمد بن محمّد بن خالد ) ، والظاهر انّه قد أخذها عن الكافي ـ فلا يمكن عدّه مصدراً مستقلاً لها ـ ، وذلك لما اوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من أن دأب الشيخقدس‌سره علىٰ الابتداء باسم البرقي بعنوان ( أحمد بن أبي عبد الله ) حينما ينقل الرواية عن كتاب البرقي نفسه والابتداء باسمه بعنوان ( أحمد بن محمّد بن خالد ) حينما ينقل الرواية عن الكافي دون

__________________

(١) الكافي ٥ / ٢٩٢.

(٢) التهذبب ٧ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ح ٦٥١.

١٣

كتابه(١) .

__________________

(١) توضيحاً لما اشار اليه مد ظله لا بأس بذكر امرين مستفادين مما ذكره دام ظله في شرح مشيخة التهذيبين :

الأَول : انّه ربما يتصور ـ ولعلّه هو التصور السائد ـ إن جميع من يكون للشيخ طرق إليهم في المشيخة إنّما يروى الاحاديث المبدوءة باسمائهم في التهذيبين من كتبهم مباشرة ، ـ ولعل الاصل في هذا التصور هو عبارة الشيخ نفسه في مقدمة المشيخة ـ ولكن هذا غير صحيح ، بل التحقيق انّ رجال المشيخة علىٰ ثلائة اقسام :

الأول : من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة ، وهم اكثر رجال المشيخة كمحمد بن الحسن الصفار ، ومحمد بن الحسن الوليد ، وعلي بن الحسن بن فضال وغيرهم.

الثاني : من اخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة ، وهو بعض مشايخ الكليني ومشايخ مشايخه كالحسين بن محمّد الاشعري ، وسهل بن زياد ، فهؤلاء إنما ينقل الشيخ رواياتهم بواسطة الكافي.

الثالث : من أخذ الشيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة وبعضه الآخر من كتابه مع الواسطة ، وهم جماعة منهم خمسة ذكرهم الشيخ تارة مستقلاً بصيغة ( وما ذكرته عن فلان ) ، وأُخرى تبعاً في ذيل ذكر اسانيده إلىٰ آخرين بصيغة ( ومن جملة ما ذكرته عن فلان ) وهؤلاء هم الحسن بن محبوب ، والحسين بن سعيد ، واحمد بن محمّد بن عيسى ، والفضل بن شاذان ، واحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، فإن هؤلاء وإن نقل الشيخ من كتبهم بلا واسطة ولكن نقل عنها أيضاً بتوسط غيرهم ممّن ذكرهم بعد ايراد اسانيده اليهم ، فالبرقي ـ مثلاً ـ قد ذكره الشيخ مرتين : تارة بعد ذكر اسانيده إلىٰ الكليني بقوله ( ومن جملة ما ذكرته عن احمد بن محمّد بن خالد ما رويته بهذه الاسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمّد بن خالد ) وذكره مرة أُخرى مستقلاً بقوله ( وأمّا ما ذكرته عن احمد بن أبي عبد الله البرقي فقد اخبرني ) فهذا يقتضي أنه (قده) قد اعتمد في نقل روايات البرقي علىٰ كتابه تارة ـ واليه ينتهي سنده الاخير ـ وعلىٰ الكافي تارة اخرى ـ واليه ينتهي سنده الاول ـ.

وعلى هذا فلا يمكن لنا بمجرد ابتداء الشيخ باسم البرقي واضرابه استكشاف ان الحديث مأخوذ من كتبهم مباشرة.

الثاني : انّ في القسم الثالث حيث ينقل الشيخ روايات الشخص من كتبه علىٰ نحوين : مباشرة تارة ومع الواسطة أُخرى ، هل يمكن تمييز احد النحوين عن الآخر أم لا ؟ ذكر مد ظله إن ذلك ممكن في بعض هؤلاء ومنهم البرقي فإنّه متى ابتدأ به بعنوان ( احمد بن محمّد بن

١٤

الصورة الثانية : ما نقله الصدوق في الفقيه(١) قال : روىٰ ابن بكير عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الأنصار ، وكان منزل الانصاري فيه الطريق إلىٰ الحائط فكان يأتيه فيدخل عليه ولا يستأذن ، فقال : إنك تجيء وتدخل ونحن في حال نكره أن ترانا عليه ، فإذا جئت فاستأذن حتىٰ نتحرّز ثم نـأذن لك وتدخل قال لا أفعل هو مالي أدخل عليه ولا استأذن ، فأتىٰ الانصاري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا إليه وأخبره فبعث إلىٰ سمرة فجاء فقال استأذن عليه فأبىٰ وقال له مثل ما قال الانصاري ، فعرض عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشتري منه بالثمن فأبىٰ عليه وجعل يزيده فيأبىٰ أن يبيع ، فلما رأىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : لك عذق في الجنّة فأبىٰ أن يقبل ذلك فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الانصاري أن يقلع النخلة فيلقيها إليه وقال : لا ضرر ولا ضرار.

__________________

خالد ) فالحديث مأخوذ من الكافي ، ومتى ابتدأ به بعنوان احمد بن أبي عبد الله فالحديث مأخوذ من كتبه مباشرة ، وهذا مضافاً إلىٰ أنه مقتضىٰ ظاهر عبارة المشيخة حيث فرق بين القسمين في التعبير كما تقدّم فهو مقرون ببعض الشواهد الخارجية منها إنّ الملاحظ أن كل رواية في التهذيبين ابتدأ فيها الشيخ بعنوان احمد بن محمّد بن خالد موجود في الكافي ـ كما تحققته بالتتبع ـ لاحظ ج ٣ ح ٩١٠ وج ٦ ح ٣٥٢ ، ٣٥٨ ، ٣٦٦ ، ٣٦٩ ، ٣٧٢ ، ٦٠٨ ، ٦٩٧ ، ٨٥٠ ، ٨٨٦ ، ١١٥٨. وج ٧ ح ٢٨ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٤٤ ، ٥ ٤ ، ٥٦ ، ٦٥١ ، ٧٠٩. وج ٩ ح ٣٨٣ ، ٤١٣ ، ٤١٥ ، ٤٦٥ ، ٤٦٧ ، ٤٧٠. وج ١٠ ح ٦٧ ، ١١٥ ، ٢٠٨ ، ٢٦٢ ، ٤٥٢ ، ٨٠٣ ، ٨٠٥ ، ٨٧٢ ، ٩٠١ ، ٩٠٣ ، ٩٣١ ، ٩٣٧ ، وليس كذلك ما ابتدء فيه بعنوان احمد بن أبي عبد الله فانه قد يوجد في الكافي وقد لا يوجد فيه كما في ج ١ ح ١٠٥٦ ، ١١٤٤. وج ٢ ح ٤١٥. وج ٣ ح ٢٩٥ ، ٤٨٦ ، ٧١١. وج ٦ ح ٢٥٨ ، ٣٢٩ ، ٨٧٨ ، ١٠٦٠.

وبهذا يتجلى صحة ما ذكرناه من انّه كلما ابتدأ الشيخ بعنوان ( أحمد بن محمّد بن خالد ) فإنه يكون قد اخذ الحديث من كتاب الكافي فلا يمكن عدّه مصدراً مستقلاً في مقابله.

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١٤٧ ، ٦٨٤.

١٥

ويلاحظ أن هذه الصورة أكثر تفصيلاً من الصورة الأُولىٰ لاشتمالها علىٰ بعض الخصوصيات التي لم تذكر في تلك ، وكيف كان فهذه الرواية معتبرة أيضاً ـ لصحة طريق الصدوق إلىٰ عبد الله بن بكير في المشيخة ـ بل يمكن عدّها أقوىٰ سنداً من رواية الكليني لأن في سند الكليني محمّد بن خالد البرقي وقد قال النجاشي ( إنّه ضعيف في الحديث وإن كان المعتمد وثاقته )(١) .

نعم يلاحظ أن مصدر الصدوق في نقل هذه الرواية غير معلوم عندنا وما قيل من انّه يبتدئ باسم من أخذ الحديث من كتابه أمرٌ لا قرينة عليه ، بل القرائن الواضحة تدل علىٰ خلافه كما ذكرناها في شرح مشيخة الفقيه.

هذا عن رواية ابن بكير عن زرارة.

وأمّا ( رواية ابن مسكان ) عنه فقد أوردها الكليني(٢) أيضاً في باب الضرار من كتاب المعيشة عن علي بن محمّد بن بندار ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق ، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الانصار فكان يجيء ويدخل إلىٰ عذقه بغير إذن من الانصاري. فقال له الانصاري : يا سمرة لا تزال تفاجئنا علىٰ حال لا نحب ان تفاجئنا عليها ، فاذا دخلت فاستأذن. فقال : لا استأذن في طريقي وهو طريقي إلىٰ عذقي ، قال فشكا الانصاري إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه فقال له إن فلاناً قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلىٰ أهله بغير إذنه ، فاستأذن عليه إذا أردت

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٣٥ / رقم ٨٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٤ / ٨.

١٦

أن تدخل ، فقال : يا رسول الله استأذن في طريقي إلىٰ عذقي ؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا فقال لا ، قال : فلك اثنان ، قال لا أُريد ، فلم يزل يزيده حتىٰ بلغ عشرة أعذاق فقال لا ، قال فلك عشرة في مكان كذا وكذا فأبىٰ ، فقال خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة ، قال لا أُريد ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار علىٰ مؤمن ، قال ثم أمر بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقُلِعَت ، ثم رمىٰ بها إليه وقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انطلق فاغرسها حيث شئت.

وهذه الرواية ضعيفة بالارسال ، ولا سيّما ان مرسلها هو محمّد بن خالد البرقي الذي طعن عليه بالرواية عن الضعفاء كثيراً كما ذكر ذلك ابن الغضائري(١) ، وربما يناقش في سندها أيضاً بعدم ثبوت وثاقة ( علي بن محمّد بن بندار ) ولكنه في غير محله ، لأنّه ـ كما احتمل ذلك الوحيد البهبهاني (قده)(٢) ـ هو علي بن محمّد بن أبي القاسم الذي وثقه النجاشي(٣) ، فإن بندار لقب أبي القاسم جده كما صرح بذلك النجاشي في ترجمة محمّد بن أبي القاسم(٤) .

هذا كل ما ورد في نقل قضية سمرة مقرونة بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ).

وأمّا النحو الثاني : في نقل قضية سمرة مجردة عن جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) فقد ورد في جملة من كتبنا وكتب العامة.

أمّا في ( كتبنا ) فقد ورد في الفقيه(٥) قال : روى الحسن الصيقل عن

__________________

(١) مجمع الرجال ٥ / ٢٠٥.

(٢) تنقيح المقال ٢ / ٣٠٣.

(٣) رجال النجاشي : ٢٦٨ / ٧٠٠.

(٤) رجال النجاشي : ٣٥٣ / ٩٤٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٩ / ٢٠٨.

١٧

أبي عبيدة الحذاء قال قال أبو جعفرعليه‌السلام : كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان إذا جاء إلىٰ نخلته نظر إلىٰ شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل ، قال فذهب الرجل إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكاه ، فقال : يا رسول الله إن سمرة يدخل عليَّ بغير إذني ، فلو أرسلت اليه فأمرته أن يستأذن حتىٰ تاخذ أهلي حذرها منه ، فأرسل اليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه فقال : يا سمرة استأذن انت إذا دخلت ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسرُّك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك ؟ قال : لا ، قال لك ثلاثة قال : لا ، قال : ما أراك يا سمرة إلا مضاراً ، اذهب يا فلان فاقطعها واضرب بها وجهه.

وسند الصدوق في المشيخة إلىٰ الحسن الصيقل هو : محمّد بن موسى المتوكل ، عن علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن ابي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن زياد الصيقل.

ويمكن أن يناقش في اعتبار هذه الرواية تارة من جهة الحسن الصيقل وأُخرى من جهة سند الصدوق اليه.

أمّا الجهة الأولىٰ : فلأن الحسن الصيقل لم يوثق وان استظهر المحدث النوري وثاقته من وجهين ذكرهما في خاتمة المستدرك(١) وفصَّلهما العلامة شيخ الشريعة (قده) في رسالته(٢) وهما :

١ ـ رواية خمسة من أصحاب الاجماع عنه وهم : عبد الله بن مسكان وحماد بن عثمان وابان بن عثمان من الستة الوسطى ، ويونس بن عبد الرحمن

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣ / ٥٨٨.

(٢) رسالة لا ضرر ولا ضرار : ٥٥ ـ ٥٦.

١٨

وفضالة بن أيوب من الستة الأخيرة علىٰ تردد في عدّ فضالة منهم(١) .

ويرد عليه إن استكشاف وثاقة الراوي من رواية هؤلاء عنه يبتني علىٰ احد أمرين :

الاول : ان يفسّر ما قاله الكشي في حق هؤلاء من الاجماع علىٰ تصحيح ما يصح عنهم بصحة ما رووه من الروايات ، ليكون ذلك في قوة توثيق رواتها ، ولكن هذا التفسير غير صحيح فإن المقصود بما ذكره ـ كما اوضحناه في محله ـ هو الاجماع علىٰ صحة نقل هؤلاء والثقة بهم في ذلك لا صحة الحديث الذي رووه ، مضافاً إلىٰ ان تصحيح أحاديثهم أعمّ من الحكم بوثاقة رواتها كما لا يخفى.

الثاني : ان بناء اجلاء الاصحاب وأعاظمهم ـ كهؤلاء ـ علىٰ عدم الرواية عن الضعفاء ، ولكن هذا أيضاً لم يثبت كقاعدة كلية ، نعم ثبت علىٰ المختار في حق ثلاثة منهم وهم محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى ومحمد بن أبي نصر البزنطي.

٢ ـ رواية جعفر بن بشير عنه(٢) ، وقد قال النجاشي في ترجمته ( روى عن الثقات ورووا عنه )(٣) وهو يقتضي وثاقة من يروي عنهم.

ويرد عليه انه لا وجه لاستظهار الحصر من العبارة المذكورة لان اثبات روايته عن الثقات لا ينفي روايته عن غيرهم.

( لا يقال ) إن الامر وإن كان كذلك إلا أن هذه العبارة لما كانت مسوقة في مقام المدح فلا محيص من ارادة الحصر منها ، لان أصل رواية الشخص عن الثقات ورواية الثقات عنه امر لا يستوجب المدح ولا تميز لجعفربن بشير

__________________

(١) لاحظ رجال الكشي : ٥٥٦ / رقم ١٠٥٠.

(٢) رسالة لا ضرر ولا ضرار : ٥٦.

(٣) رجال النجاشي : ١١٩ / ٣٠٤.

١٩

عن غيره في ذلك ، بل هو ثابت في حق كثير من الرواة حتىٰ الضعفاء منهم.

( فإنّه يقال ) المقصود بالعبارة المذكورة اكثاره الرواية عن الثقات وإكثار الثقات الرواية عنه ، ولا شك ان هذا أمر ممدوح وصفة عالية في الشخص في مقابل ما يذكر في شأن بعض الرواة كمحمد بن خالد البرقي من انّه يروي عن الضعفاء والمجاهيل ، فإنه يعد نوعاً من القدح والذم في حقه.

وبالجملة لا يستفاد من العبارة المذكورة انحصار رواية جعفر بن بشير بما يرويه عن الثقات مضافاً إلىٰ أن هذه الاستفادة لا تخلومن غرابة في ناحية الرواة عنه فإنا لم نجد أحداً مهما بلغ من الجلالة والعظمة لا يروي عنه إلاّ الثقات حتىٰ أن الائمة المعصومينعليهم‌السلام كثيراً ما روى عنهم الوضّاعون والكذّابون.

ويشهد لما ذكرناه ما قاله الشيخ في التهذيب فإنه بعد أن أورد روايتين لجعفر بن بشير ، الأولىٰ : عمن رواه عن أبي عبد الله والثانية عن عبد الله بن سنان أو غيره عنهعليه‌السلام (١) . قال بصدد النقاش في الخبر المحكي بهما ( أول ما فيه أنّه خبر مرسل منقطع الاسناد لأن جعفر بن بشير في الرواية الأولىٰ قال عمن رواه ، وهذا مجهول يجب اطراحه ، وفي الرواية الثانية قال عن عبد الله بن سنان أو غيره ، فأورده وهو شاك فيه وما يجري هذا المجرى لا يجب العمل به ). فيلاحظ انهقدس‌سره لم يبأ في إسقاط الرواية بالارسال بكون المرسل هو جعفر بن بشير ، وهذا لا وجه له لو كان جميع مشايخه ومن يروي عنهم من الثقات فتأمل(٢) .

__________________

(١) التهذيب ١ / ١٩٦ / ٥٦٧ و ٥٦٨.

(٢) وجهه أن الاستشهاد بكلام الشيخقدس‌سره مدفوع نقضاً وحلاً ( أما النقض ) فإن الشيخ قد ناقش في موضع من التهذيبين في بعض مراسيل ابن أبي عمير وردها بالارسال ( التهذيب ج ٨ ح ٩٣٢ ) مع أننا نرى حجية مراسيله اعتماداً علىٰ كلام الشيخ نفسه في العدة من انّه لا يروى

٢٠

وأمّا الجهة الثانية : فلاشتمال السند علىٰ علي بن الحسين السعدآبادي ومحمد بن موسىٰ بن المتوكل.

فأمّا علي بن الحسين السعدآبادي فهو ممّن لم يوثق وإن بنى جمع علىٰ وثاقته استناداً إلىٰ بعض الوجوه الضعيفة : ( منها ) كونه من مشايخ ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات بناءاً علىٰ استفادة توثيق جميع رواة هذا الكتاب أو خصوص مشايخ مؤلفه من الكلام المذكور في مقدمته(١) .

ولكن الصحيح ان العبارة المذكورة في المقدّمة لا تدل علىٰ هذا المعنىٰ بل مفادها انه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين ، لذا لم يكن قد اخرجها الرجال الثقات المشهورون بالحديث والعلم ، المعبر عنهم بنقّاد الاحاديث كمحمد بن الحسن بن الوليد وسعد بن عبد الله واضرابهما وأما لو كان قد اخرجها بعض هؤلاء سواءاً كانوا من مشايخه أو مشايخ مشايخه فهو يعتمدها ويوردها في كتابه ، فكأنّهقدس‌سره يكتفي في الاعتماد علىٰ روايات الشذاذ من الرجال ـ علىٰ حد تعبيره ـ بايرادها من قبل بعض هؤلاء الاعاظم من نقّاد الاحاديث.

وهذا المعنىٰ مضافاً إلىٰ كونه ظاهر عبارته المشار اليها ـ كما يتبين عند التأمل ـ مقرون ببعض الشواهد الخارجية المذكورة في محلها.

__________________

ولا يرسل إلا عن ثقة. ( وأمّا الحل ) فإن الشيخ قد تكفل في التهذيبين لحل ظاهرة التعارض بين الاخبار وذلك ممّا الجأه احياناً إلىٰ اتباع الاسلوب الاقناعي في البحث المتمثل في حمل جملة من الروايات علىٰ بعض المحامل البعيدة ، أو المناقشة في حجيتها ببعض الوجوه التي لا تنسجم مع مبانيه الرجالية والاصولية المذكورة في سائر كتبه. وهذا ظاهر لمن تتبع طريقتهقدس‌سره في الكتابين ، ولتوضيحه وذكر الشواهد عليه مجال آخر ، وعلىٰ هذا فلا يمكن الاستناد إلىٰ ما ذكره في التهذيبين خلافاً لما صرح به هو في كتاب العدة أو ذكره غيره من اعلام الرجاليين.

(١) كامل الزيارات : ٤.

٢١

فليس مراده وثاقة جميع من وقع في أسانيد رواياته فإن منهم من لا شائبة في ضعفه وليس مراده وثاقة عامة مشايخه فإن منهم من لا تنطبق عليهم الصفة التي وصفهم بهاقدس‌سره وهي كونهم مشهورين بالحديث والعلم.

و ( منها ) كونه ـ أي السعدآبادي ـ من شيوخ الاجازات الذين لا حاجة إلىٰ التنصيص علىٰ وثاقتهم بل لا يضر ضعفهم بعد تواتر الكتاب الذي اجازوا روايته ، ويرد عليه أنّه لم يثبت اقتصار الاصحاب علىٰ الاستجازة من الثقات فقط بل ثبت خلاف ذلك ـ كما يعلم بمراجعة كتب الرجال ـ. وأيضاً لم يعرف الكتاب الذي اخرج منه الصدوق رواية الصيقل ليقال إنّه متواتر فلا يقدح عدم وثاقة السعدآبادي في جواز الاعتماد علىٰ روايته.

و ( منها ) كونه أحد العدّة الذين يروي الكليني بواسطتهم عن البرقي وقد روى عنه أيضاً علي بن إبراهيم وعلي بن الحسين والد الصدوق وأبو غالب الزراري وغيرهم من الاجلاء ففي ذلك دلالة علىٰ وثاقته. وفيه إنّه لم يثبت اقتصار هؤلاء علىٰ الرواية عن الثقات كما سبقت الإشارة إليه.

هذا وقد حاول العلامة شيخ الشريعةقدس‌سره تصحيح سند الصدوق إلىٰ الحسن الصيقل حتىٰ علىٰ تقدير عدم ثبوت وثاقة السعدآبادي بدعوىٰ أنّ للصدوق طريقاً آخر إلىٰ البرقي وهو صحيح بالاتفاق فإنّه يروي عنه أيضاً بتوسط أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن البرقي وهذا السند صحيح اتفاقاً(١) . ويرد عليه أنّ هذا الطريق يختص بما يرويه الصدوق في الفقيه مبتدئاً باسم البرقي لا إلىٰ جميع الروايات التي وقع البرقي في طرقها وهذا واضح ، نعم يمكن تعميم الطريق المذكور لما نحن فيه ونظائره فيما إذا ثبت أمران :

__________________

(١) رسالة ( لا ضرر ولا ضرار ) : ٥٤ ـ ٥٥.

٢٢

الأول : إن الصدوق قد أخذ رواية الصيقل من كتاب البرقي بالرغم من انه لم يبتدأ باسمه.

الثاني : إنّ السند المذكور إلىٰ البرقي في المشيخة مسند إلىٰ كتبه لا إلىٰ خصوص رواياته المبدوءة باسمه في الفقيه ، ولكن لا يمكن اثبات شيء من الأمرين ؛ أما الأول : فواضح. وأمّا الثاني ، فلما أوضحناه في محله من انّ سند الصدوق إلىٰ شخص في المشيخه إنما هو سنده إلىٰ الروايات المبدوءة باسم ذلك الشخص في الفقيه ، ولا يمكن تعميمه إلىٰ كتبه إلا بدليل يوجب ذلك كأن يصرح الصدوق نفسه بذلك كما صرح به عند ذكر طريقه إلىٰ علي بن جعفر حيث قال : ( وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر فقد رويته بهذا الاسناد ) وكذلك صرّح به عند ذكر طريقه إلىٰ الكليني فقال : ( وكذلك جميع كتاب الكافي فقد رويته عنهم عنه عن رجاله ).

والحاصل انّ طريق الصدوق إلىٰ الحسن الصيقل ضعيف بعلي بن الحسين السعدآبادي ولا يمكن تصحيحه بشيء من الوجوه المذكورة.

وأمّا الخدشة فيه من ناحية محمّد بن موسى بن المتوكل ؛ الذي لم يوثق في كلمات الاعلام المتقدمين كالشيخ والنجاشي وإنما وثقه بعض المتأخرين كابن طاووس والعلامة ؛ ففي غير محلها ، إذ يرد عليها مضافاً إلىٰ ضعف التفريق بين توثيقات المتقدمين والمتأخرين أمثال ابن طاووس والعلامة ـ كما اوضحناه في محله(١) ـ إنّه قد وقع في اسناد رواية ادعى ابن طاووس في فلاح السائل الاجماع علىٰ وثاقة رواتها مما يكشف عن توثيق بعض المتقدمين له علىٰ أقل تقدير.

فتحصل مما ذكرناه ان رواية الحسن الصيقل ضعيفة سنداً وإن حاول

__________________

(١) باعتبار أنه لا فرق بينهما في احتمال الحدس ولا فرق بينهما في دعوىٰ الحس.

٢٣

بعض الأعاظم تصحيحها.

هذا ما في كتبنا من نقل قضية سمرة من دون جملة ( لا ضرر ).

وأمّا ما في ( كتب العامة ) فقد نقلت في جملة منها ـ مع اختلاف في كيفية طرح الشكوى والمخاصمة ـ ونشير إلىٰ بعضها :

( منها ) ما في سنن أبي داود ، فقد روى باسناده عن واصل مولى عيينة قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدّث عن سمرة بن جندب ، انّه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الانصار قال ومع الرجل أهله قال فكان سمرة يدخل إلىٰ نخله فيتأذى به ويشق عليه فطلب اليه أن يناقله فأبىٰ فأتىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر ذلك له فطلب اليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبيعه فأبىٰ فطلب اليه أن يناقله فأبىٰ ، قال فهبه له ولك كذا وكذا ـ مراراً رغبة فيه ـ فأبىٰ فقال أنت مضار ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للانصاري : اذهب فاقلع نخله(١) .

و ( منها ) ما في مصابيح السنة للبغوي(٢) .

و ( منها ) ما في الفائق للزمخشري(٣) ، والمروي فيهما لا يختلف عمّا في سنن أبي داود إلا يسيراً.

و ( منها ) ما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال روى واصل مولى ابن عيينة ، عن جعفر بن محمّد بن عليعليهم‌السلام ، عن آبائه قال كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الانصار فكان يؤذيه ، فشكا الانصاري ذلك إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعث إلىٰ سمرة فدعاه

__________________

(١) سنن ابي داود ٣ : ٣١٥ / ٣٦٣٦.

(٢) مصابيح السنة ٢ / ٣٧٢ / ٢٢٢٠.

(٣) الفائق في غريب الحديث ٢ / ٤٤٢.

٢٤

فقال له بع نخلك من هذا وخذ ثمنه قال : لا أفعل ، قال : فخذ نخلاً مكان نخلك قال لا أفعل. قال : فاشتر منه بستانه قال لا افعل قال فاترك لي هذا النخل ولك الجنة قال : لا افعل فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للانصاري : اذهب فاقطع نخله فإنّه لا حق له فيه(١) .

فظهر من مجموع ما تقدّم انّ قضية سمرة وإن نقلت في كتب الفريقين بطرق متعددة ، إلا انها لم تذكر مقرونة بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) إلا في كتبنا وبطريق واحد فقط ، فلا ينبغي الخلط بين ثبوت هذه القضية في نفسها وبين ثبوتها مقرونة بهذه الجملة ، فإنّه إن صحت دعوىٰ استفاضة أصل القضية فلا تصح دعوىٰ استفاضتها مقرونة بهذه الجملة كما يظهر من المحكي عن المحقق النائينيقدس‌سره .

هذا بعض ما يتعلق بقضية سمرة واقترانها بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) وللكلام في ذلك تتمة يأتي في البحث الثاني ان شاء الله تعالى.

٢ ـ حديث الشفعة .

وقد رواه المشايخ الثلاثة :

١ ـ رواه الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبد الله بن حلال ، عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قضىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الارضين والمساكن وقال : لا ضرر ولاضرار ، وقال : إذا رفّت الارف وحُدّت الحدود فلا شفعة(٢) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ / ٧٨.

(٢) الكافي ٥ / ٢٨٠ / ٤.

٢٥

٢ ـ ورواه الشيخ في التهذيب(١) باسناده عن محمّد بن يحيى ، والظاهر انه أخرجه عن الكافي لما أوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من انه كلّما ابتدأ الشيخ باسم بعض مشايخ الكليني كمحمد بن يحيى وعلي بن إبراهيم ونظرائهما ، فإنه قد أخذ الحديث من الكافي لا من كتبهم(٢) إلا مع التصريح بخلاف ذلك. وإن كان ظاهر كلامه في أول المشيخة يوهم انه لم يبتدئ ، إلا باسم من أخذ الحديث من كتابه أو اصله ، ولكن هذا وإن كان هو الغالب علىٰ أحاديث التهذيبين إلا أنّه لا كلية له كما تدل عليه القرائن الكثيرة ، وعلىٰ هذا فلا يمكن عدّ التهذيب في المقام مصدراً مستقلاً لهذا الحديث.

٣ ـ ورواه الصدوق(٣) باسناده عن عقبة بن خالد كما نقله الكليني ولكنه اسند الجملة الثالثة من الحديث إلىٰ الامام الصادقعليه‌السلام قال : ( وقال الصادقعليه‌السلام : إذا رفت الأُرُف ) ، قال صاحب الوسائل بعد نقل الحديث عن الكافي والتهذيب : ورواه الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد وزاد ( ولا شفعة إلا لشريك غير مقاسم )(٤) ولكن الظاهر ان هذه الجملة من كلام الصدوق نفسه وليست زيادة في الرواية علىٰ نقله ولذا لم ينقلها في الوافي(٥)

__________________

(١) التهذيب ٧ / ١٦٤ / ٧٢٧.

(٢) اقام مد ظله قرائن عديدة علىٰ هذا المدعى من نفس المشيخة وخارجها ومما يختص منها بالمقام أن المراجع لرجال الشيخ وفهرسته ، يجد انّهقدس‌سره لم يذكر محمّد بن يحيى العطار في الفهرست وإنّما ذكره في الرجال قائلاً ( روى الكليني عنه قمي كثير الرواية ) ، ولكن النجاشي عنونه وقال ( له كتب منها كتاب مقتل الحسين وكتاب النوادر ) فيستظهر من ذلك انّ كتب محمّد بن يحيى لم تصل إلىٰ الشيخقدس‌سره لينقل منها مباشرة وإلاّ فكيف لم يذكرها في الفهرست مع انّ غايته فيه الاستيفاء قدر الإمكان كما يعلم من مقدمته.

(٣) الفقيه ٣ / ٤٥ / ١٥٤.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٤٠٠ / ٣٢٢١٨.

(٥) الوافي مجلد ٣ جزء ١٠ / ١٠٣.

٢٦

عن الفقيه ، ومن راحع الفقيه يجد أنّ دأب الصدوققدس‌سره علىٰ تعقيب بعض الروايات بكلام لنفسه من دون فصل مشعر بالتغاير ـ كما ان الامر كذلك في التهذيب ـ ومن هنا قد يشتبه الامر علىٰ الناظر فيعد كلامه جزءاً من الرواية.

و كيف كان فتحقيق الكلام في هذه الرواية يقع في ضمن جهات :

( الجهة الأولىٰ ) في سندها ، وهو ضعيف لأن رواية الكليني والشيخ مخدوشة ب‍ ( محمّد بن عبد الله بن هلال ) و ( عقبة بن خالد ) فإن الأَول لم يوثق بل لم يذكره القدماء من أعلام الرجاليين ، وربما يوثق : لوقوعه في اسانيد كامل الزيارات أو لأنّه من شيوخ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب الذي هو من أجلاء الطبقة السابعة ، ولرواية جماعة أُخرى من الاجلاء عنه ولكن قد تقدّم ضعف هذه الوجوه ، وأما الثاني فهو وإن ذكره النجاشي والشيخ إلا أنهما لم يوثقاه ، نعم وثقه صاحب الوسائل (قده) لرواية الكشي مدحه ودعاء الصادق له ورواية الكليني في الجنائز مدحاً له ، ولأن له كتاباً ذكره الشيخ والنجاشي وربما يوثق لكونه من رجال الكامل وجميع ذلك ضعيف ايضاً.

وبما تقدّم يظهر ضعف رواية الصدوق أيضاً ؛ لأنها تنتهي إلىٰ عقبة بن خالد نفسه ، مضافاً إلىٰ أنها مرسلة حيث ان الصدوق (قده) لم يذكر طريقه إلىٰ عقبة في المشيخة ، وأمّا دفع الارسال عنها بأن للشيخ (قده) طريقاً معتبراً في الفهرست إلىٰ كتاب عقبة وقد توسطه الصدوق فيعلم بذلك سنده اليه فتخرج الروايات التي ابتدأ فيها باسمه في الفقيه عن الارسال ( فمخدوش ) إذ لم يثبت ان الصدوق التزم في الفقيه أن لا يبتدئ إلا باسم من أخذ الحديث من كتابه ، بل ثبت خلافه في جملة من الموارد كما سبقت الاشارة إلىٰ ذلك ، وعلىٰ ضوء ذلك فمن أين يعلم إنّه أخذ حديث عقبة هذا من كتابه مباشرة لا من كتب مشايخه أو مشايخ مشايخه مثلاً كي يجدي استكشاف طريقه الى

٢٧

كتاب عقبة في اخراج رواياته في الفقيه عن الارسال فتأمل.

والذي يهون الامر ان مورد الاشكال في سند الكليني والشيخ إلىٰ عقبة إنما هو محمّد بن عبد الله بن هلال ـ كما تقدّم ـ وهو مذكور أيضاً في السند المذكور في الفهرست إلىٰ كتاب عقبة ، فإن أمكن تصحيح طريق الكليني والشيخ بوجه فلا حاجة إلىٰ دفع شبهة الارسال عن رواية الصدوق بما ذكر.

الجهة الثانية : في انجبار ضعف سندها بعمل الأَصحاب وعدمه.

قد يقال إن رواية عقبة هذه وإن كانت ضعيفة سنداً إلا انّها منجبرة بعمل الاصحاب ، فقد أوردها المشايخ الثلاثة في كتبهم من غير ردّ ظاهر وكذا من بعدهم من المتأخرين فيستظهر من ذلك عملهم بها واعتمادهم عليها.

وفي مقابل ذلك قد يدعى وهنها باعراض الاصحاب عنها فيلزم طرحها حتىٰ وان امكن تصحيح سندها ببعض الوجوه المتقدمة ، وتقريب دعوىٰ الاعراض أن يقال إنَّ مقتضىٰ استخدام الجمع لا المثنىٰ في قولهعليه‌السلام ( قضىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء ) ثبوت الشفعة لازيد من شريك واحد ، وهذا خلاف المشهور ، فإنّ المشهور بينهم شهرة عظيمة كادت أن تكون اجماعاً عدم ثبوت حق الشفعة إلا مع وحدة الشريك ، فالشفعة مجعولة عندهم لازالة الشيوع في الأموال لا لتقليله ، ولم يخالف في ذلك غير ابن الجنيد حيث حكم بثبوتها للشركاء مطلقاً ، وغير الصدوق حيث قال بثبوتها للشركاء في خصوص العقار كما نقله عنهما السيد المرتضى في الانتصار(١) وردّ عليهما قائلاً : ( إن اجماع الإماميّة تقدّم الرجلين فلا اعتبار بخلافهما ) ونقل أيضاً : متن رواية عقبة هذه وعدّها من اخبار الاحاد التي لا توجب علماً وذكر وجهين في تأويلها.

__________________

(١) الانتصار : ٢١٧ ـ ٢١٨.

٢٨

وقال الشيخ في الخلاف(١) بعد اختيار المسلك المشهور : دليلنا علىٰ المسألة الأولىٰ إنّه إذا كان الشريك واحداً فلا خلاف في ثبوت الشفعة وإذا كانوا أكثر من ذلك فلا دليل علىٰ ثبوت الشفعة لهم ، واخبار اصحابنا التي يعتمدونها ذكرناها في الكتاب الكبير فنصرة القول الآخر اخبار رويت في هذا المعنىٰ والاقوى عندي الاول.

هذا ولكن يمكن أن يقال إنّه لا يظهر من الرواية ما يخالف المسلك المشهور ولذا لم يعتبرها الشيخ في التهذيبين من الاخبار المخالفة في الباب ، ففي التهذيب(٢) نقلها علىٰ انها من الاخبار الموافقة ولم يعلق عليها بشيء ، كما فعل ذلك بالنسبة إلىٰ بعض الاخبار الآخر ، وفي الاستبصار(٣) نقل عدّة اخبار تدل علىٰ ثبوت الشفعة في اكثر من شريكين وردها ولم يذكر هذه الرواية في ضمنها رغم إنّه أوردها في التهذيب.

والوجه في ذلك ان استخدام صيغة الجمع في الرواية إنّما هو باعتبار ذكر لفظتي ( الأرضين ) ( والمساكن ) فيها ، فهو من مقابلة الجمع بالجمع وظاهره الانحلال ، فلا دلالة في الرواية علىٰ ثبوت الشفعة للشركاء بلحاظ مورد واحد من ارض أو مسكن لتقتضي خلاف ما هو المشهور في المسألة حتىٰ يدعىٰ وهناً باعراض الاصحاب عنها. هذا بالنسبة لدعوى وهنها بإعراض الأَصحاب.

وأما دعوىٰ انجبارها بعمل الاصحاب فهي في غير محلها أيضاً ، لأن كبرى الانجبار غير مسلمة علىٰ اطلاقها بل للانجبار مواضع خاصة ليس المقام منها وتوضيح ذلك موكول إلىٰ محله.

الجهة الثالثة : وهي عمدة ما ركز عليه في كلماتهم : في انّه هل يظهر

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦ مسألة ١١.

(٢) التهذيب ٧ / ١٦٤ / ٧٢٧.

(٣) الاستبصار ٣ / ١١٦ ـ ١١٧ / ٤١٦ ـ ٤١٨.

٢٩

من الرواية ارتباط قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، بالحكم فيها بثبوت الشفعة للشركاء أم لا ؟ وعلىٰ التقدير الاول فهل هناك قرينة خارجيّة توجب رفع اليد عن هذا الظهور أم لا ؟

ووجه العناية بهذا البحث : انّه لو ارتبطت جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) بالحكم بثبوت الشفعة ، فإن ذلك يقتضي عدم إمكان تفسير هذه الجملة بما استظهره بعضهم منها من ارادة النهي التحريمي فقط ، ولذا أصر جماعة منهم علىٰ عدم الارتباط بينهما أوّلهم العلآمة شيخ الشريعة (قده) حيث قال في رسالته(١) وهو يشرح منشأ ميله النفسي إلىٰ ذلك : إن الراجح في نظري القاصر إرادة النهي التكليفي من حديث الضرر ، وكنت استظهر منه ـ عند البحث عنه في اوقات مختلفة ـ إرادة التحريم التكليفي فقط ، إلا إنّه يمنعني عن الجزم بذلك حديث الشفعة وحديث النهي عن منع فضل الماء ، حيث إن اللفظ واحد ولا مجال لارادة ما عدا الحكم الوضعي في حديث الشفعة ، ولا التحريم في منع فضل الماء بناءً علىٰ ما اشتهر عند الفريقين من حمل النهي علىٰ التنزيه ، فكنت أتشبث ببعض الأُمور في دفع الاشكال ، إلىٰ أن استرحت في هذه الاواخر وتبين عندي ان حديث الشفعة والناهي عن منع الفضل لم يكونا حال صدورهما من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مذيّلين بحديث الضرر ، وان الجمع بينهما وبينه جمع من الراوي بين روايتين صادرتين عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقتين مختلفين.

واضاف قده : وهذا المعنىٰ وإن كان دعوىٰ عظيمة وأمراً يثقل تحمله علىٰ كثيرين ويأبىٰ عن تصديقه كثير من الناظرين إلا انّه مجزوم به عندي.

وقد وافقه في هذا الادعاء جمع منهم المحقق النائيني والاصفهاني

__________________

(١) رسالة لا ضرر ولا ضرار : ٢٨.

٣٠

0 (١) وقد وافقاه في كيفية الاستدلال علىٰ ذلك أيضاً في الجملة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

و الكلام يقع تارة في تحقيق ظهور الرواية وأُخرى في ملاحظة القرائن الخارجية فهنا بحثان :

أمّا البحث الأَول : لا اشكال ظاهراً في ظهور سياق الحديث في الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة للشركاء وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار ، وقد اعترف بذلك جمع ممّن اصروا علىٰ عدم الارتباط بينهما بحكم القرائن الخارجية كالعلامة شيخ الشريعة والمحقق النائيني0 ، ولكن لتوضيح الامر لابد من ملاحظة نقطتين :

النقطة الأولىٰ : في تعيين فاعل ( قال ) في الجملة الثانية أي ( وقال لا ضرر ولا ضرار ) فإن المحتمل في ذلك ابتداءً وجهان :

١ ـ أن يكون هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكون قوله ( قال ) عطفاً علىٰ قوله ( قضىٰ رسول الله ).

٢ ـ ان يكون هو الامام الصادقعليه‌السلام ويكون قوله ( قال ) عطفاً علىٰ قوله ( قال قضىٰ رسول الله ) ويكون مقصودهعليه‌السلام من اضافة هذه الجملة علىٰ حكاية قضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجملة الأولىٰ بيان حكمة تشريع الشفعة ، كما أن مقصودهعليه‌السلام باضافة الجملة الثالثة توضيح معنىٰ الشركاء في الجملة الأولىٰ وبيان أن المراد به المالك للكسر المشاع كما ذهب اليه المحدّثون من العامة ، خلافاً لغيرهم ممّن ذهبوا إلىٰ ثبوت حق الشفعة للشريك المقاسم والجار ونحوهما.

__________________

(١) رسالة لا ضرر ولا ضرار تقريرات المحقق النائيني ص ١٩٤ ، نهاية الدراية للمحقق الاصفهاني ٢ / ٣٢٢.

٣١

والظاهر من الحديث هو الوجه الاول أمّا ( اولاً ) فلأن الظاهر من الرواية أن ( قال ) في الجملة الثانية معطوف علىٰ أقرب فعل سبقه مما يصبح أن يكون معطوفاً عليه وهو ( قضىٰ ) لا علىٰ ما قبله وهو ( قال ) في الجملة الأولىٰ ، وأما ( ثانياً ) فلمعروفية صدور هذه الجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدى الفريقين ممّا يوجب انصراف القول اليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يصرّح بخلافه.

ويقوى ظهور الحديث في هذا الوجه بناءً علىٰ رواية الفقيه من اسناد الجملة الثالثة إلىٰ الصادقعليه‌السلام ، فإنّه لو كان قائل الجملة الثانية هو الصادقعليه‌السلام أيضاً لما كان هناك وجه لتغيير سوق الكلام في الجملة الثالثة دون الثانية بل كان العكس هو الانسب ، فالتصريح في الجملة الثالثة بعد الاضمار في الجملة الثانية يعيّن كون القائل في الجملة الثانية هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إلا انّ الشأن في اثبات وقوع التصريح بالقائل في الجملة الثالثة من هذه الرواية بمجرد نسخة الفقيه إذ لم يرد في نقل الكافي والتهذيب ، ولا يمكن ترجيح نسخة الفقيه علىٰ نسختهما إلا بناءً علىٰ تقديم اصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة علىٰ اصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة ولكن هذا لم يثبت بدليل واضح كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

هذا مع ان الجملة الثالثة منقولة في كتب العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً فيقوى احتمال ان يكون اسنادها إلىٰ الصادقعليه‌السلام في نسخة الفقيه اجتهاداً من الصدوق (قده) أو بعض من تقدمه من الرواة.

وربما يرجح الاحتمال الثاني في الرواية ـ أي كون فاعل قال في الجملة الثانية هو الصادقعليه‌السلام ـ بأن الفيض الكاشاني نقل في

٣٢

الوافي(١) قوله ( قال ) من الجملة الثانية معقّباً بقولهعليه‌السلام ، وهذا يناسب كون القائل هو الامامعليه‌السلام لا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلا لقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو المعهود بالنسبة إلىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الروايات.

ولكن يرد عليه اولاً بأنّه لم يعلم وجود هذه الجملة أيعليه‌السلام في نقل عقبة بن خالد فربما كانت اضافة من النساخ أو من صاحب الوافي (قده) استظهاراً ، وثانياً إن استعمال جملةعليه‌السلام بالنسبة إلىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مذكور في بعض الموارد(٢) كما يظهر ذلك بالتتبع فلا ينبغي أن يعد ذلك مرجحاً للاحتمال الثاني.

فتلخص مما ذكرناه أنَّ الرواية ظاهرة في كون قائل الجملة الثانية ـ كالأولى ـ هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

النقطة الثانية : في انّه بعد ما ثبت أن الجملة الثانية كالأُولى من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينبغي أن يبحث هل ان الجمع بينهما من قبيل الجمع في الرواية أي أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين قضائه بثبوت الشفعة للشركاء وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، أو انّه من قبيل الجمع في المروي فيكون من قبل الامامعليه‌السلام أو الراوي ؟.

ففي المقام ثلاثة احتمالات :

١ ـ أن يكون الجمع من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ ـ أن يكون من قبل الامامعليه‌السلام .

٣ ـ أن يكون من قبل الراوي عنه.

__________________

(١) الوافي مجلد ٣ جزء ١٠ / ١٠٣.

(٢) الفقيه ٤ / ٢٥٨ وفي الوسائل ٣٠ : ١٥٠ واعلم انّه إذا أُطلق في الرواية لفظ ( قالعليه‌السلام ) فالمراد به النبي الخ.

٣٣

والفارق بين هذه الاحتمالات انّه علىٰ الاحتمال الأخير لا يجب فرض ترابط بين مضمون الجملتين فإنّهما ـ علىٰ هذا الاحتمال ـ روايتان مختلفتان جمع الراوي بينهما في النقل.

وأمّا علىٰ الاحتمالين الأَولين حيث يكون الجمع من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الامامعليه‌السلام فلا بد من فرض ترابط بينهما في المفاد كما هو واضح فإنّه إذا كان الجمع من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا بُدّ ان يفرض ان الجملة الثانية تتكفل لبيان حكمة تشريع الشفعة ، وكذا إذا كان الجمع من قبل الامامعليه‌السلام فإنّه لا بُدّ ان يفرض ان اضافة الجملة الثانية جاءت بياناً لحكمة التشريع أو بغرض تأييد ثبوت الجملة الأولىٰ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بانسجامها مع القول المعروف عنه من انّه ( لا ضرر ولا ضرار ) من باب التطبيق لقاعدة الأخذ بشواهد الكتاب والسنة في تقويم الأَحاديث كما صرحت بذلك الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام (١) .

هذه هي الاحتمالات المتصورة. وأمّا الترجيح بين هذه الاحتمالات : فالظاهر ان اضعفها الاحتمال الاخير أي احتمال كون الجمع بين الجملتين من قبل الراوي ، إذ لو كان كذلك لكرّر كلمة ( قال ) مرتين عند نقله الجملة الثانية حتىٰ يقع قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا مقولاً لقول آخر من الامامعليه‌السلام ، فظاهر عدم تكرار لفظة ( قال ) ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) وقد عقد في الكافي ١ / ٥٥ باباً لذكر هذه الروايات كما فعل من قبله البرقي في المحاسن ، وقد بحث السيّد الاستاذ مد ظله عن مفاد هذه الاخبار في ابحاثه الاصولية في بحث حجية الخبر الواحد وتعارض الادلة الشرعيّة وانتهى إلىٰ تفسيرها بتفسير مختلف عن التفسير المتعارف لدى المتأخرين وهو انها تنيط اعتبار الحديث ـ وإن كان صحيحاً سنداً ـ بانسجام محتواه مع المبادئ الشرعيّة الثابتة بالكتاب والسنة وسيأتي لهذا توضيح في الفصل الثالث من هذا الكتاب.

٣٤

وقضاءه معاً كانا مقولين لقول واحد من الامامعليه‌السلام ممّا يعني ان الجمع بينهما إنّما كان من قبلهعليه‌السلام إمّا ابتداءً أو تبعاً لجمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهما.

وبعد سقوط الاحتمال المزبور يدور الأَمر بين الاحتمالين الأَولين ولعل اقربهما هو الاحتمال الأَول أي كون الجمع بين قضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله إنّما جاء من قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه.

البحث الثاني : في أنه بعد أن ثبت ان مقتضىٰ ظاهر الحديث هو الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار فهل هناك قرائن خارجيّة توجب رفع اليد عن الظهور المذكور وتثبت أن الجمع بين الجملتين إنّما كان من قبل الراوي للحديث ـ وهو عقبة بن خالد ـ أم لا ؟ قولان :

ذهب إلىٰ الأَول العلامة شيخ الشريعة ووافقه فيه جمع ممّن تأخر عنه فقالوا ان هناك قرائن تشهد علىٰ ان الجمع بين الجملتين إنما جاء من قبل عقبة بن خالد ، وانّه لا ارتباط بين كبرى لا ضرر ولا ضرار والحكم بثبوت الشفعة للشركاء في الأرضين والمساكن.

و لكن الصحيح عندنا هو القول الثاني لعدم تمامية تلك الشواهد المدعاة بل هناك بعض القرائن المساندة لظهور الحديث في الارتباط بين الجملتين.

منها ان كون الجمع بينهما من قبل الراوي لا ينسجم مع تكرار ( لا ضرر ولا ضرار ) بعد حديث منع فضل الماء ـ كما سيأتي في القضية الثالثة ـ فإنّه لو كان عقبة بن خالد هو الذي اتبع ذكر قضائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بحديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) فلماذا كرّر ذكر هذا الحديث مرة أُخرى بعد حديث منع فضل الماء ؟ وأي

٣٥

مبرر لهذا التكرار ما دام يفترض عدم الارتباط بينه وبين ذينك الحديثين ـ أي حديث الشفعة وحديث منع فضل الماء ـ ، فالتكرار المذكور قرينة واضحة علىٰ ان تعقيب حديث الشفعة بحديث لا ضرر إنما كان لأجل الارتباط بينهما بملاحظة الجمع بينهما من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الامامعليه‌السلام .

و أمّا ما يمكن أن يستشهد به للقول الأول فوجوه :

الوجه الأَول : ما ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده) في رسالته(١) قائلاً : يظهر بعد التروي والتأمل التام في الروايات أن الحديث الجامع لأَقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما قضىٰ به في مواضع مختلفة وموارد متشتتة كان معروفاً ، عند الفريقين.

أما من طرقنا فبرواية عقبة بن خالد عن الصادقعليه‌السلام .

وأما من طرق أهل السنة فبرواية عبادة بن الصامت فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده الكبير الجامع لثلاثين الف عن عبادة بن الصامت(٢) قال إن من قضاء رسول الله أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار وقضى في الركاز الخمس ، وقضى إن ثمر النخل لمن أبرّها إلا أن يشترط المبتاع

وقد نقلقدس‌سره هذا الحديث بطوله وهو يشتمل علىٰ عشرين قضاءاً ، وجاء في السادس منها ( وقضى بالشفعة بين الشركاء في الارضين والدور ) ، وجاء في الخامس عشر منها ( وقضى أن لا ضرر ولا ضرار ) ، كما جاء في السابع عشر والثامن عشر منها ( وقضى بين أهل المدينة في النخل : لا

__________________

(١) رسالة لا ضرر ولا ضرار : ٢٨ ـ ٣٤.

(٢) روي حديث عبادة هذا في صحيح أبي عوانة والمعجم الكبير للطبراني أيضاً كما جاء في مختصر كنز العمال بهامش مسند احمد ٢ / ٢٠٣.

٣٦

يمنع نقع بئر وقضى بين أهل البادية إنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل الكلأ )(١) .

وقالرحمه‌الله بعد نقل الحديث ( وهذه الفقرات كلها أو جلّها مروية من طرقنا ، موزعة علىٰ الأبواب وغالبها برواية عقبة بن خالد وبعضها برواية غيره ، وجملة منها برواية السكوني ، والذي اعتقده انّها كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إلا ان أئمة الحديث فرقوها علىٰ الأبواب ).

ثم تعرض (قده) لتخريج هذه القضايا من طرقنا إلا إنّه لم يخرّج من القضايا العشرين التي وردت في خبر عبادة سوى اثني عشر ، منها سبعة عن عقبة بن خالد ـ وهي ثلاثة موارد مضافاً إلىٰ الموارد التي ذكرناها ممّا اختلف فيه النقلان ـ وخمسة لم يذكر الراوي لها.

ثم قال ره : قد عرفت بما نقلنا مطابقة ما روي في طرق القوم مع ما روي من طرقنا من غير زيادة ونقيصة ، بل بعنوان تلك الالفاظ غالباً إلا الحديثين الاخيرين المرويّين عندنا من غير زيادة قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) وتلك. المطابقة بين الفقرات ممّا يؤكد الوثوق بأن الاخيرين أيضاً كانا مطابقين لما رواه عبادة من عدم التذييل بحديث الضرر ، وأن غرض الراوي انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كذا وقال كذا ، لا انّه كان متصلاً به وفي ذيله مما يرجع إلىٰ انّه كان حديث الشفعة مذيلاً بحديث الضرر وكذلك الناهي عن منع فضل الماء واسقطهما عبادة بن الصامت في نقله وانّه روى جميع الفقرات مطابقة للواقع إلا الفقرتين من غير خصوصية فيهما ، ولا تصوّر نفع له أو ضرر عليه في النقل للذيل وتركه.

ثم قال قده : وبعد هذا كله : فظهور كون هذا الذيل متصلاً بحديث

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

٣٧

الشفعة حال صدوره ليس ظهوراً لفظياً وضعياً لا يرفع اليد عنه إلا بداع قوي وظهور أقوىٰ ، بل هو ظهور ضعيف يرتفع بالتأمل فيما نقلناه ، سيّما مع ما علم من استقراء رواياته ـ أي روايات عبادة ـ من اتقانه وضبطه وما صرّحوا به إنّه كان من اجلاء الشيعة.

ثم ذكر ( ره ) بعض ما يدل علىٰ جلالة عبادة وشهادته المشاهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجوعه بعده إلىٰ أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وملخص ما أفادهقدس‌سره انّه وإن كان ظاهر رواية عقبة ان كبرى لا ضرركانت ذيلاً لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء في مرحلة سابقة علىٰ نقل عقبة ، إلا انّه يجب رفع اليد عن هذا الظهور الذي هو ضعيف اساساً بملاحظة ان اقضية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رويت بطريق العامة عن عبادة بن الصامت ولم يذكر فيها هذه الكبرىٰ ذيلاً لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء بل جاء ذكرها قضاءاً مستقلاً ، وحيث ان عقبة بن خالد قد روى أيضاً اقضية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما يدل علىٰ ذلك وجود جملة منها منقولة عنه في الجوامع الحديثية الموجودة بأيدينا ـ والمظنون انّها كانت مجتمعة في روايته وإنّما فرّقها أصحاب الكتب ليلحقوا كل قضية ببابها فيستنتج من ضم هذا إلىٰ ذاك أن الجمع بين حديثي الشفعة ومنع فضل الماء وحديث لا ضرر في رواية عقبة إنما هو من قبيل الجمع في الرواية علىٰ حذو ذلك في حديث عبادة.

هذا ملخص كلامهقدس‌سره في هذا الوجه وقد وافقه عليه جمع من المحققين(١) .

ولتحقيق ما أفاده ( ره ) لا بُدّ من البحث :

__________________

(١) لاحظ رسالة لا ضرر ولا ضرار تقريرات المحقق النائيني : ١٩٤ ، ونهاية الدراية للمحقق الاصفهاني ٢ / ٣٢٢.

٣٨

اولاً عن مدى اعتبار أصل حديث عبادة بن الصامت.

و ثانياً عمّا يقتضيه الموقف في الحكم بينه وبين حديث عقبة بن خالد فهنا جهتان :

الجهة الأولىٰ : في اعتبار حديث عبادة وعدمه ، ويلاحظ بهذا الشأن أُمور :

الأَول : أنّه لو ثبتت وثاقة عبادة بن الصامت ـ كما ذكره العلامة شيخ الشريعة قده ـ فلا طريق لنا لاثبات وثاقة غيره من رجال سند الحديث المذكور ، لأنهم من رجال العامة غير المذكورين في كتبنا ، فلا تجدي وثاقة عبادة وحده في إمكان الاعتماد علىٰ حديثه هذا بعد عدم نقله بطريق معتبر عندنا.

الثاني : إن هذا الحديث لم تثبت صحته حتىٰ عند العامة الذين رووه واثبتوه في كتبهم فإنه حديث مرسل منقطع الاسناد كما تعرض لذلك جملة من علمائهم فإنّ إسحاق الراوي عن عبادة بن الصامت حديثه هذا لم يدركه ، كما نص علىٰ ذلك البخاري والترمذي وابن عدي وغيرهم(١) .

الثالث : إنّ ما ذكرهقدس‌سره من معروفية أقضية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجتمعة عند العامة برواية عبادة بن الصامت لم يقترن بشاهد أصلاً بل ربما كانت الشواهد علىٰ خلافه ، ويظهر ذلك بملاحظة سند الحديث ومصدره.

أمّا عن سند الحديث فلأنّه قد تفرّد بنقل هذه الاقضية مجتمعة عن

__________________

(١) كما في تهذيب التهذيب ١ / ٢٢٤ وتحفة الأشراف ٤ : ٢٣٩ وابن ماجة ٢ : ٧٨٤ ذيل الحديث ٢٣٤٠.

٣٩

عبادة : إسحاق بن يحيى وتفرد بروايتها عن إسحاق موسى بن عقبة ، فليس لها حظّ من الشهرة الروائية.

وأما عن مصدر الحديث فلأن هذا الحديث لم يوجد بطوله في مجاميعهم الحديثية المهمة كالصحاح الستة ـ بل لم ينقل في شيء من صحاحهم جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) إلا في سنن ابن ماجة(١) ـ كما أن كثيراً من فقراتها الاخرى غير مذكورة فيها ، فكيف يدّعى مع ذلك شهرته ومعروفيته عندهم.

نعم ورد ذكره في مسند احمد وصحيح أبي عوانة ومعجم الطبراني ولكن هذه الكتب الثلاثة ليست بتلك فسّر والاعتبار عندهم ، واشهرها مسند احمد الذي اطّلع العلامة شيخ الشريعة علىٰ تضمنه لهذا الحديث ، غير انّ المسند تدور حوله جملة من الشبهات :

( منها ) انّه بصورته المعروفة ليس من جمع احمد بن حنبل ولذا لم يروه عنه تلامذته من غير أهل بيته وإنّما نقله عنه أهل بيته خاصة سيّما ابنه عبد الله ، فعن شمس الدين الجزري : إن الامام احمد شرع في جمع المسند لكنه في أوراق متناثرة وفرقه في اجزاء منفردة علىٰ نحو ما تكون المسوّدة ثم توقّع حلول المنية قبل حصول الأمنية فبادر باسماعه لاولاده وأهل بيته ومات قبل تنقيحه وتهذيبه فبقي علىٰ حاله ثم جاء بعده ابنه عبد الله فألحق به ما يشاكله وضم اليه من مسموعاته ما يشابهه ويماثله(٢) .

ومنها : ان المسند الموجود بايدينا ليس جميعه من رواية احمد بل لابنه

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ / ٧٨٤ / ٢٣٤٠ و ١٤٣١.

(٢) تاربخ المذاهب الإسلامية محمود أبو زهرة ٢ / ٥٢٤ ـ ٥٢٥.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360