قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار16%

قاعدة لا ضرر ولا ضرار مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 360

قاعدة لا ضرر ولا ضرار
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199475 / تحميل: 8057
الحجم الحجم الحجم
قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

نسبهما وضيعا ، لأن عبيد الله كان أيضا من جارية مشهورة بالزنا اسمها مرجانة ، وقد كان تسلّط شخص كابن زياد على رقاب الناس نكبة أصابت كرامة المسلمين والعرب ، فحينما شاهد زيد بن أرقم عبيد الله بن زياد في الكوفة وهو يضرب بالقضيب على شفتي الرأس المقطوع لابي عبد اللهعليه‌السلام انتخب باكيا ، ونهض من بين يديه ، ثمّ رفع صوته يبكي وخرج وهو يقول : ملك عبد حرا ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة(١) .

وكان آل زياد معروفون في تلك الايام بصفتهم فئة فاسدة شيطانية ، حتّى انّ أحد شهداء كربلاء وهو مالك بن أنس المالكي أو أنس بن الحارث الكاهلي ارتجز في الميدان ارجوزة كان أحد أبياتها هو :

آل علي شيعة الرحمن

آل زياد شيعة الشيطان(٢)

وعلى ضوء الروايات الواردة فإنّ آل زياد فئة ممسوخة سخط الله وغضب عليهم وعلى ذرّياتهم ، فقد كان مقتل أبي عبد الله يوم عاشوراء بالنسبة لهم يوم فرح وسرور(٣) .

كما ان «آل زياد» اسم سلالة من الخلفاء من ذرية زياد بن ابيه حكمت اليمن من عام ٢٠٤ إلى عام ٤٠٩ للهجرة بدأت حكومتهم منذ عهد هارون الرشيد ، وكانت مهمتهم القضاء على العلويين هناك.

ـ عبيد الله بن زياد ، آل أبي سفيان ، آل مروان

آل عقيل :

ثلّة من أبناء عقيل وأحفاده ، وكانوا من جملة شهداء كربلاء وصنّاع ملحمة

__________________

(١) بحار الانوار ٤٥ : ١١٧.

(٢) نفس المصدر : ٢٥.

(٣) نفس المصدر السابق : ٩٥.

٢١

النهضة الحسينية ، ضحّوا بأرواحهم في سبيل الإمام ، ومن قبلهم ضحّى مسلم بن عقيل بنفسه في سبيل دين الله وطريق الحسينعليه‌السلام واستشهد اثنان من أبنائه يوم الطفّ. وهؤلاء الابطال هم من ذريّة أبي طالب قضوا في نصرة ابن عمهم وهم : عبد الله بن مسلم ، محمد بن مسلم ، جعفر بن عقيل ، وعبد الرحمن بن عقيل ، محمد بن عقيل ، عبد الله الاكبر ، محمد بن أبي سعيد بن عقيل ، علي بن عقيل وعبد الله بن عقيل.

كان بعض هؤلاء التسعة فقهاء وعلماء كبار سجّل كل واحد منهم موقفا رائعا قبل استشهاده ، وقد أشار أحد الشعراء إلى انّ من استشهد من ذرّية عليعليه‌السلام في يوم الطف سبعة ، وعدد الذين استشهدوا من ذرّية عقيل تسعة ، فأنشأ يقول :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

سبعة كلّهم لصلب عليّ

قد اصيبوا وتسعة لعقيل(١)

وفي يوم عاشوراء حينما كان يبرز ابناء عقيل إلى الميدان كان الامام يدعو لهم ويلعن قاتليهم ويحثّ آل عقيل على الصمود ، ويبشّرهم بالجنّة : «اللهمّ اقتل قاتل آل عقيل صبرا آل عقيل إنّ موعدكم الجنّة».

ولاجل هذه التضحية كان الإمام زين العابدينعليه‌السلام من بعد عاشوراء يبدي مزيدا من الاهتمام والعطف على عائلتهم ويفضّلها على من سواها ، ولما سئل عن ذلك قال : اني لأتذكر موقفهم من أبي عبد الله يوم الطفّ وأرقّ لحالهم ، ولهذا السبب أيضا بنى الإمام السجادعليه‌السلام بالأموال التي جاءه بها المختار من بعد ثورته ، دورا لآل عقيل ، لكن الحكومة الأموية هدمتها(٢) .

ـ انصار الإمام الحسينعليه‌السلام ، احصاء عن ثورة كربلاء

__________________

(١) حياة الإمام الحسين ٣ : ٢٤٩.

(٢) حياة الإمام زين العابدين ١ : ١٨٦.

٢٢

آل محمد (ص) ـ أهل البيت :

آل مراد :

اسم قبيلة هانئ بن عروة ، وهو شيخها وزعيمها في الكوفة ، وكان اذا نادى أجابه أربعة آلاف فارس وثمانية آلاف راجل ، وحينما أخذ إلى سوق الكوفة ليضرب عنقه كان يصيح : يا آل مراد ، ولكنه لم يجد من يستجيب لندائه خوفا على حياتهم وخذلانا(١) وقد حلّ مسلم بن عقيل حين وجوده في الكوفة ضيفا على هانئ ، وقبض عليه قبل مسلم وقتل.

ـ هانئ بن عروة

آل مروان :

آل مروان بن الحكم من رهط بني اميّة ، تسلّموا الخلافة منذ عام ٦٤ للهجرة ، ابتدأت سلطتهم بوصول مروان إلى منصب الخلافة ، وكان شديد العداء لاهل البيت وللامام الحسينعليه‌السلام . وكان مطرودا وملعونا من النبي والناس.

حكم من بعده عبد الملك بن مروان ، والوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك ، وعمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام بن عبد الملك ، والوليد بن يزيد ، ويزيد بن الوليد ، ومروان بن محمد ودامت مدّة حكمهم سبعين سنة(٢) كانت من أشدّ العهود ضيقا على الشيعة ، ولقد اتّخذ بنو مروان أخبث وأقسى الاشخاص كولاة لهم على المدن ، والحجّاج واحد منهم.

في زيارة عاشوراء لعن «آل مروان» شأنهم شأن آل زياد وآل أبي سفيان وبني اميّة.

ـ مروان بن الحكم ، آل زياد

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٥٩.

(٢) انظر حوادث خلفاء آل مروان في مروج الذهب ٣ : ٩١ وما بعدها.

٢٣

آل يزيد :

وهم انصار يزيد والمرتبطين به فكرا أو عملا ، سواء في الماضي أم في الحاضر ، فكل من يشاكل يزيد ويعمل عمله ، فهو من «آل يزيد» وعليه لعنة الله وغضب الناس ، وقد وردت كلمة «آل يزيد» في بعض الزيارات أيضا ، كزيارة عاشوراء غير المعروفة التي جاء فيها : «اللهم العن يزيد وآل يزيد وبني مروان جميعا».

ونقرأ فيها أيضا : «هذا يوم تجدد فيه النقمة وتنزل فيه اللعنة على اللعين يزيد وعلى آل يزيد وعلى آل زياد وعمر بن سعد والشمر»(١) ، اضافة إلى لعن كل من يرضى بقول وفعل يزيد من الاولين والآخرين والتابعين لهم والمبايعين والمعاضدين لهم أو الراضين بعملهم ، ولعنة الله على كل من سمع بواقعة عاشوراء فرضي بها ، وهو من آل يزيد وعليه اللعنة : «اللهم والعن كل من بلغه ذلك فرضي به من الأوّلين والآخرين والخلائق اجمعين إلى يوم الدين»(٢) ، وهذا اللعن يعكس اتساع جبهة آل يزيد بحيث تستوعب كل زمان ومكان ، وان كل من يدافع عن هذه الفكرة ويعادي أهل البيت ، أو يكون ذا طبيعة يزيدية ويقمع كل دعاة الحق والحرية فهو من «آل يزيد» ، ومن مصاديق آل يزيد اليوم : الصهاينة وعملاء الاستكبار العالمي.

ـ اللعنة على يزيد ، بنو أميّة ، كل يوم عاشوراء

آية الكهف ـ تلاوة القرآن :

إبراهيم بن الحصين الأزدي :

من شهداء كربلاء ، وهو من جملة الصحابة الشجعان الذين يردد الحسين أسماءهم في خلواته ، ويناديهم الواحد تلو الآخر : ويا إبراهيم بن الحصين وكانت ارجوزته في ساحة المعركة :

__________________

(١) مفاتيح الجنان ، زيارة عاشوراء غير المعروفة : ٤٦٥.

(٢) نفس المصدر السابق : ٤٦٦.

٢٤

أضرب منكم مفصلا وساقا

ليهرق اليوم دمي اهراقا

ويرزق الموت أبو اسحاقا

اعني بني الفاجرة الفسّاقا

استشهد بعد ظهر العاشر من محرّم إلى جانب الإمام الحسينعليه‌السلام (١) .

ابن حوزة :

من جنود عمر بن سعد ، وقد أساء بالقول إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ، فدعا عليه الإمام الحسينعليه‌السلام ، فغضب وأقحم فرسه في نهر بينهما فتعلّقت قدمه بالركاب ، فجالت به ، بينما أخذ جسده يرتطم بالارض حتى هلك(٢) .

ابن الزرقاء ـ الوليد بن عتبة :

ابن زياد ـ عبيد الله بن زياد :

ابن سعد ـ عمر بن سعد :

ابن عبّاس ـ عبد الله بن عباس :

ابن ليلى ـ علي الأكبر :

ابن مرجانة ـ عبيد الله بن زياد :

أبو بكر بن الحسن بن علي (ع):

أحد شهداء كربلاء ، وهو ابن الإمام الحسنعليه‌السلام ، أمّة أمّ ولد ، رافق عمّه الإمام الحسين من المدينة إلى كربلاء ، وفي العاشر من محرّم ، تقدم بعد استشهاد القاسم بن الحسن ، إلى عمّه طالبا الاذن بالقتال ، فقاتل قتال الابطال حتّى قتل. قتله عبد الله بن عقبة. وقد ورد اسمه في زيارة الناحية المقدسة.

__________________

(١) دائرة المعارف تشيّع ١ : ٢٧١.

(٢) موسوعة العتبات المقدسة ٨ : ٦٣.

٢٥

أبو بكر المخزومي :

أحد الفقهاء السبعة. ومن الذين نصحوا الإمام الحسين بأن لا يسير إلى العراق ، وذكّره بما لقيه منهم أبوه وأخوه الحسن(١) . وهو من سادات قريش ، ولد في خلافة عمر وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته ، وكان مكفوفا ، توفي عام ٩٥ للهجرة.(٢)

أبو ثمامة الصائدي :

من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام ويسمّى بشهيد الصلاة ، استشهد يوم العاشر من محرّم. كان من وجهاء الكوفة ورجلا عارفا وشجاعا ، وله اطّلاع بأنواع السلاح. عيّنه مسلم بن عقيل حين أخذ البيعة من الناس للثورة الحسينية ، على استلام الاموال وشراء السلاح. اسمه عمر بن عبد الله(٣) . سار من الكوفة والتحق بالإمام الحسينعليه‌السلام قبل شروع القتال.

لما استشهد عدد كبير من أصحاب الحسين في يوم العاشر من محرّم ، وتناقص عددهم ، جاء أبو ثمامة الصيداوي وقال للامام الحسينعليه‌السلام : نفسي لك الفداء ، انّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، لا والله ، لا تقتل حتّى اقتل دونك ، وأحبّ أن القى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها ، فرفع الإمام رأسه الى السماء وقال : ذكّرت الصلاة جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم ، هذا أول وقتها.

ثم قال : سلوهم ان يكفّوا عنّا حتى نصلّي ، وصلّى أبو ثمامة مع آخرين صلاة الجماعة مع الإمام الحسين(٤) وكان واحدا من آخر ثلاثة بقوا على قيد الحياة حتى

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٦.

(٢) حياة الإمام الحسين ٣ : ٢٨ ، نقلا عن تهذيب التهذيب.

(٣) مقتل الحسين للمقرم : ١٧٧. وذكر البعض أيضا «عمرو بن عبد الله» ، كتنقيح المقال للمامقاني ٢ : ٣٣٣.

(٤) سفينة البحار ١ : ١٣٦. بحار الانوار ٤٥ : ٢١.

٢٦

عصر يوم العاشر من المحرم. وقال بعضهم انه سقط من اثر الجراح ، فحمله اقاربه من الميدان وتوفي بعد مدة.

ـ سعيد بن عبد الله الحنفي ، شهيد الصلاة

أبو الشهداء :

كنية تطلق على الإمام الحسينعليه‌السلام لكونه الملهم لشهداء طريق الحقّ. وقد اعتبرت ملحمته في كربلاء ولا زالت بأنّها مدرسة للشهادة ، فهو أبو الشهداء ، وأبو الأحرار ، وأبو المجاهدين.

وهذا أيضا اسم لكتاب يحلل فيه مؤلّفه الكاتب والأديب والشاعر المصري عباس محمود العقاد (م. ١٩٦٤) حادثة كربلاء باسلوب أدبي نثري بديع.

ـ أوصاف سيد الشهداء

أبو عبد الله

كنية الإمام الحسينعليه‌السلام التي كنّاه بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين ولادته ، وبسماعها تهتز القلوب وتسكب الدموع.

أبو عمرو النهشلي (الخثعمي):

من جملة شهداء كربلاء ، ويروى انّه قتل في الهجوم الأول ، أو خلال المبارزة الفردية على رواية اخرى كان من وجوه الكوفة ورجلا متهجّدا وعابدا(١) .

أبو فاضل ـ العباس بن علي (ع):

أبو الفضل ـ العباس بن علي (ع):

أبو مخنف :

كاتب المقتل المعروف عند المسلمين ، وهو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الكوفي ، له عدّة كتب منها : «مقتل الحسين» الذي يتناول فيه أحداث العاشر

__________________

(١) أنصار الحسين : ٩٨.

٢٧

من محرّم ، وقد نقل الطبري في تاريخه عنه وعن كتابه بكثرة ، توفّي عام ٧٥ للهجرة ، وهو من مؤرّخي الشيعة ومحدّثيهم ، وكتابه «مقتل الحسين» لم يعثر عليه ، وما ينقل حاليا تحت هذا العنوان انما يستقى من كتب التاريخ التي روت عنه.

ـ مقتل أبو مخنف

أبو هارون المكفوف :

من شعراء الشيعة ، واسمه موسى بن عمير ، وهو أهل الكوفة عاش في عصر الإمام الصادقعليه‌السلام ، أمره الصادق ان ينشد شعرا في رثاء الحسينعليه‌السلام ، فقرأ بين يديه :

امرر على جدث الحس

ين وقل لأعظمه الزكيّة(١)

الاثنان والسبعون :

من المعروف ان عدد أصحاب وانصار الحسين يوم عاشوراء وهم الذين استشهدوا بين يديه كان عددهم اثنان وسبعون شخصا إلّا ان المصادر المختلفة تذكر احصائيات عن القتلى وعن الرءوس التي وزعت بين القبائل وحملت إلى الكوفة أكثر من هذا العدد ، وحتّى ان العدد في بعض المصادر بلغ تسعين شخصا ، كما ويلاحظ وجود اختلاف فيما بين الاسماء الواردة فيها.

وعلى كل حال فان عدد الاثنين والسبعين هو رمز لأولئك الابطال الذين ضحوا بانفسهم بين يدي الحسين في سبيل الله ، وجاء على السنة الشعراء ان كربلاء هي منحر الفداء وقدّم فيها اثنين وسبعين قربانا إلى الباري جل شأنه ، وكان هو القربان الاكبر في ذلك المنحر.

ـ أصحاب الإمام الحسين ، القربان ، الشهادة

__________________

(١) بحار الانوار ٤٤ : ٢٨٨.

٢٨

اجفر :

بمعنى البئر الواسعة ، وهي منطقة تقع على أطراف الكوفة وفيها ماء واشجار ، كانت فيما مضى لبني يربوع ، وكان فيها قصر ومسجد ، توقف فيها الإمام الحسين عند مسيره نحو الكوفة وتبعد عن مكة مسافة ٣٦ فرسخا(١) .

احراق الخيام :

من جملة جرائم جيش عمر بن سعد احراق خيام الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيته يوم عاشوراء ، فبعد استشهاد الإمام شرع أهل الكوفة ينهبون الخيام ، واخرجوا منها النساء واضرموا فيها النيران ، فخرجن حواسر حافيات باكيات ثم اخذوهن سبايا(٢) .

يقول الإمام السجادعليه‌السلام في وصف ذلك المشهد : «والله ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلّا وخنقتني العبرة ، وتذكّرت فرارهنّ يوم الطفّ من خيمة إلى خيمة ، ومن خباء ، إلى خباء ، ومنادي القوم ينادي : احرقوا بيوت الظالمين»(٣) .

انّ هذه النيران هي امتداد لتلك التي اضرم بها بيت الزهراءعليها‌السلام من بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي نيران الحقد ضد بني هاشم وأهل البيت ، وتخليدا لذكرى هذه الحادثة ، تنصب في بعض المناطق خيام اثناء إقامة مراسم عاشوراء تشبيها بخيام أهل البيت ، وتضرم فيها النيران ظهر عاشوراء لتكون إحياء لذكرى ذلك الظلم الذي جرى على بيت الرسالة في يوم عاشوراء.

ـ الخيام

__________________

(١) الحسين في طريقه إلى الشهادة : ٦١.

(٢) بحار الانوار ٤٥ : ٥٨.

(٣) حياة الإمام الحسين ٣ : ٢٩٩.

٢٩

احصاء عن ثورة كربلاء :

لا يخفى ما للاحصاء من دور في ابراز معالم أوضح عن أي موضوع أو حادثة. ولكن نظرا لاختلاف النقل التاريخي والمصادر في حادثة كربلاء وما سبقها وما تلاها من أحداث ، لا يمكن الركون إلى احصاء دقيق ومتّفق عليه. وقد تجد أحيانا تفاوتا كبيرا فيما نقل عنها. ومع ذلك نرى انّ عرض بعض الاحصائيات يجعل ثورة كربلاء أكثر تجسيدا ووضوحا. ولهذا السبب ننقل فيما يلي بعض النماذج والارقام(١) .

١ ـ امتدت فترة قيام الإمام الحسينعليه‌السلام من يوم رفضه البيعة ليزيد وحتّى يوم عاشوراء ١٧٥ يوما ؛ ١٢ يوما منها في المدينة ، وأربعة أشهر وعشرة أيام في مكّة ، و ٢٣ يوما في الطريق من مكّة إلى كربلاء ، وثمانية أيّام في كربلاء (٢ إلى ١٠ محرّم.

٢ ـ عدد المنازل بين مكة والكوفة والتي قطعها الإمام الحسينعليه‌السلام حتّى بلغ كربلاء هي ١٨ منزلا. (معجم البلدان).

٣ ـ المسافة الفاصلة بين كل منزل وآخر ثلاثة فراسخ وأحيانا خمسة فراسخ.

٤ ـ عدد المنازل من الكوفة إلى الشام والتي مرّ بها أهل البيت وهم سبايا ١٤ منزلا.

٥ ـ عدد الكتب التي وصلت من الكوفة إلى الإمام الحسينعليه‌السلام في مكّة تدعوه فيها إلى القدوم هي ١٢٠٠٠ كتابا (وفقا لنقل الشيخ المفيد).

٦ ـ بلغ عدد من بايع مسلم بن عقيل في الكوفة ١٨٠٠٠ أو ٢٥٠٠٠ ؛ وقيل : ٤٠٠٠٠ شخص.

__________________

(١) القسم الاعظم من هذا الاحصاء منقول عن كتاب «حياة أبو عبد الله» ، عماد زاده. و «وسيلة الدارين في انصار الحسين» ، للسيد إبراهيم الموسوي. و «ابصار العين» ، للسماوي.

٣٠

٧ ـ عدد شهداء كربلاء من أبناء أبي طالب الذين وردت أسماؤهم في زيارة الناحية ١٧ شخصا. وعدد شهداء كربلاء من أبناء أبي طالب ممّن لم ترد أسماؤهم في زيارة الناحية هم ١٣ شخصا. كما واستشهد ثلاثة أطفال من بني هاشم ، فيكون بذلك مجموعهم ٣٣ شخصا ، وهم كما يلي :

الإمام الحسينعليه‌السلام .

أولاد الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣ أشخاص.

أولاد الإمام عليعليه‌السلام : ٩ أشخاص.

أولاد الإمام الحسنعليه‌السلام : ٤ أشخاص.

أولاد عقيل : ١٢ شخصا.

أولاد جعفر : ٤ اشخاص.

٨ ـ بلغ عدد الشهداء الذين وردت اسماؤهم في زيارة الناحية المقدّسة وبعض المصادر الاخرى ـ باستثناء الإمام الحسينعليه‌السلام وشهداء بني هاشم ـ ٨٢ شخصا. ووردت اسماء ٢٩ شخصا غيرهم في المصادر المتأخّرة.

٩ ـ بلغ مجموع شهداء الكوفة من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام ١٣٨ شخصا ، وكان ١٤ شخصا من هذا الركب الحسيني غلمانا (عبيدا).

١٠ ـ كان عدد رءوس الشهداء التي قسّمت على القبائل واخذت من كربلاء إلى الكوفة : ٧٨ رأسا مقسمة على النحو التالي :

قيس بن الاشعث رئيس بني كندة : ١٣ رأسا.

شمر ، رئيس هوازن : ١٢ رأسا.

قبيلة بني تميم : ١٧ رأسا.

قبيلة بني اسد : ١٧ رأسا.

قبيلة مذحج : ٦ رءوس

أشخاص من قبائل متفرقة : ١٣ رأسا.

٣١

١١ ـ كان عمر سيد الشهداء حين شهادته ٥٧ سنة.

١٢ ـ بلغت جراح الإمامعليه‌السلام بعد استشهاده : ٣٣ طعنة رمح و ٣٤ ضربة سيف وجراح اخرى من أثر النبال.

١٣ ـ كان عدد المشاركين في رضّ جسد الإمام الحسينعليه‌السلام بالخيل ١٠ أشخاص.

١٤ ـ بلغ عدد جيش الكوفة القادم لقتال الإمام الحسينعليه‌السلام ٣٣٠٠٠ شخص. وكان عددهم في المرة الاولى ٢٢٠٠٠ وعلى الشكل التالي :

عمر بن سعد ومعه : ٦٠٠٠

سنان ومعه : ٤٠٠٠

عروة بن قيس ومعه : ٤٠٠٠

شمر ومعه : ٤٠٠٠

شبث بن ربعي ومعه : ٤٠٠٠

ثم التحق بهم يزيد بن ركاب الكلبي ومعه ٢٠٠٠

والحصين بن نمير ومعه : ٤٠٠٠

والمازني ومعه : ٣٠٠٠

ونصر المازني ومعه : ٢٠٠٠

١٥ ـ نعى سيد الشهداء يوم العاشر من محرّم ، عشرة من أصحابه ، وخطب في شهادتهم ، ودعا لهم أو لعن أعداءهم ، واولئك الشهداء هم : علي الأكبر ، العبّاس ، القاسم ، عبد الله بن الحسن ، عبد الله الرضيع ، مسلم بن عوسجة ، حبيب بن مظاهر ، الحرّ بن يزيد الرياحي ، زهير بن القين ، وجون. وترحّم على اثنين منهما وهما : مسلم وهانئ.

١٦ ـ سار الإمام الحسين وجلس عند رءوس سبعة من الشهداء وهم : مسلم بن عوسجة ، الحرّ ، واضح الرومي ، جون ، العبّاس ، علي الاكبر ، والقاسم.

٣٢

(١) ١٧ ـ ألقي يوم العاشر من محرّم بثلاثة من رءوس الشهداء إلى جانب الإمام الحسينعليه‌السلام وهم : عبد الله بن عمير الكلبي ، عمرو بن جنادة ، وعابس بن أبي شبيب الشاكري.

١٨ ـ قطعت اجساد ثلاثة من الشهداء يوم عاشوراء ، وهم : علي الاكبر ، العباس ، وعبد الرحمن بن عمير.

١٩ ـ كانت امّهات تسعة من شهداء كربلاء حاضرات يوم عاشوراء ورأين استشهاد ابنائهن ، وهم : عبد الله بن الحسين وامّه رباب ، عون بن عبد الله بن جعفر ، وامّه زينب ، القاسم بن الحسن وامّه رملة ، عبد الله بن الحسن وامّه بنت شليل الجيلية ، عبد الله بن مسلم وامّه رقية بنت عليعليه‌السلام ، محمد بن أبي سعيد بن عقيل ، عمرو بن جنادة ، عبد الله بن وهب الكلبي وامّه أمّ وهب ، وعلي الاكبر (وامّه ليلى كما وردت في بعض الاخبار ولكن هذا غير ثابت).

٢٠ ـ استشهد في كربلاء خمسة صبيان غير بالغين وهم : عبد الله الرضيع ، عبد الله بن الحسن ، محمد بن أبي سعيد بن عقيل ، القاسم بن الحسن ، وعمرو بن جنادة الانصاري.

٢١ ـ خمسة من شهداء كربلاء كانوا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم : أنس بن حرث الكاهلي ، حبيب بن مظاهر ، مسلم بن عوسجة ، هانئ ابن عروة ، وعبد الله بن بقطر العميري.

٢٢ ـ استشهد بين يدي أبي عبد الله ١٥ غلاما وهم : نصر وسعد (من موالي عليعليه‌السلام ) ، منحج (مولى الإمام الحسنعليه‌السلام ) ، أسلم وقارب (من موالي الإمام الحسينعليه‌السلام ) ، الحرث (مولى حمزة) ، جون (مولى أبي ذر) ، رافع (مولى مسلم الأزدي) ، سعد (مولى عمر الصيداوي) ، سالم (مولى بني المدينة) ، سالم (مولى العبدي) ، شوذب (مولى شاكر) ، شيب (مولى الحرث الجابري) ، وواضح (مولى الحرث السلماني) ، هؤلاء الأربعة عشر استشهدوا في

٣٣

كربلاء ، أما سلمان (مولى الإمام الحسينعليه‌السلام ) فقد كان قد بعثه إلى البصرة واستشهد هناك.

٢٣ ـ أسر اثنان من أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ثم استشهدا ، وهما : سوار بن منعم ، وموقع بن ثمامة الصيداوي.

٢٤ ـ استشهد أربعة من أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام من بعد استشهاده وهم : سعد بن الحرث وأخوه أبو الحتوف ، وسويد بن أبي مطاع (وكان جريحا) ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل.

٢٥ ـ استشهد سبعة بحضور آبائهم وهم : علي الأكبر ، عبد الله بن الحسين ، عمرو بن جنادة ، عبد الله بن يزيد ، عبيد الله بن يزيد ، مجمع بن عائذ ، وعبد الرحمن ابن مسعود.

٢٦ ـ خرجت خمس نساء من خيام الإمام الحسينعليه‌السلام باتجاه العدو لغرض الهجوم أو الاحتجاج عليه وهنّ : أمة مسلم بن عوسجة ، أمّ وهب زوجة عبد الله الكلبي ، أمّ عبد الله الكلبي ، زينب الكبرى ، وأمّ عمرو بن جنادة.

٢٧ ـ المرأة التي استشهدت في كربلاء هي أمّ وهب (زوجة عبد الله بن عمير الكلبي).

٢٨ ـ النساء اللواتي كن في كربلاء ، هن : زينب ، أمّ كلثوم ، فاطمة ، صفيّة ، رقيّة ، وأمّ هانئ (هؤلاء الستّة من بنات أمير المؤمنين) ، وفاطمة وسكينة (بنتا الإمام الحسينعليه‌السلام ) ، ورباب ، وعاتكة ، وأمّ محسن بن الحسن ، وبنت مسلم بن عقيل ، وفضّة النوبية ، وجارية الإمام الحسين ، وأمّ وهب بن عبد الله.

ـ النساء في الثورة الحسينية ، أصحاب الإمام الحسين (ع)

أدب الطف :

بمعنى الأدب المكتوب بشأن عاشوراء. والطف اسم لكربلاء. و «أدب الطف» اسم كتاب من عشرة اجزاء باللغة العربية ، جمعه «جواد شبر» ، ذكر فيه الشعراء

٣٤

الذين كتبوا قصائد ومراثي عن الإمام الحسينعليه‌السلام وواقعة كربلاء وشهدائها ، وضمّت هذه المجموعة الشعراء ابتداء من القرن الاول وحتّى القرن الرابع عشر ، وقدّم فيه شرحا موجزا عن هؤلاء الشعراء مع ذكر أبيات مختارة من أشعارهم ، يتضمّن الكتاب آداب الشيعة ومعتقداتهم ومشاعرهم وتوجّهاتهم أيضا بشأن حادثة كربلاء الأليمة. والكتاب من نشر «دار المرتضى» في بيروت ، في عام ١٤٠٩(١) .

أدب عاشوراء :

مجموعة الآثار التي ظهرت بصيغ أدبيّة وفنيّة مختلفة تدور حول واقعة كربلاء وأبطالها على مدى أربعة عشر قرنا ، وتتضمّن الشعر ، والمراثي ، والعزاء ، والمقتل ، والصور ، ونصوص الأفلام والمسرحيات والقصص والأفلام ، واللوحات ، والسلائد ، والكتب ، والمقالات والنثر والأدبي ، وسيرة أبطال كربلاء ، وغيرها من النماذج الادبية والفنية.

انّ قضية العاشر من محرّم تنطوي على مضمون (ما الذي حدث؟) كما وتتضمّن نداء (ما يجب فعله؟) ومن مهمّة الفن والأدب الاهتمام بكلا هذين الجانبين. فقد تجد أحيانا لوحة أكثر تعبيرا من كتاب. ولوحات الخطاطين وشعاراتهم يمكن ان تكون ذات مضامين عميقة المغزى ، ويتسنّى لهم التفنّن بأساليب الخطّ والرسم لابراز أبعادها المعنوية. وبامكان الشعراء والكتاب ابتداع آثار خالدة حول تلك الواقعة وما تنطوي عليه من هدف ومفهوم تجسد في كربلاء.

يحبّذ إقامة متحف أو معرض كبير لكلّ ما يتعلّق بهذه الحادثة بشكل أو آخر ، ليكون مصدر إلهام لأيّ نمط من التحقيق بشأنها ، ولتمهيد الأرضية للتعريف

__________________

(١) في هذا المجال راجع كتاب (شعراء الغري أو الحائريات) لمؤلّفه علي الخاقاني ، ويتضمّن تعريفا ب ٨٤ شاعرا في هذه المدينة (الذريعة ١٤ : ١٩٤) وأيضا : «عاشوراء في الادب العاملي المعاصر» للسيد حسين نور الدين ، حول شعراء جبل عامل وأساليبهم في عرض واقعة كربلاء ونماذج من أشعارهم.

٣٥

بكل ما تتضمّنه تلك الواقعة من مضامين وأهداف. كما ويمكن الرجوع في هذا الصدد إلى كتب الزيارات والأدعية والمقاتل. ويجب الالتفات بدقّة إلى سبك وتعابير ومضمون الزيارة ، وكذا الحالة الروحية والمعنوية لقارئ الدعاء والزيارة(١) .

جمعت قصائد شعرية كثيرة لشعراء مختلفين تحت عنوان «آداب عاشوراء» يدور محورها الاساسي حول شهداء وواقعة كربلاء ، وقد نشر تلك المجموعة «قسم الفنون» بعد ان جمعها محمد على مرداني. وقد صدر منها حتّى عام ١٤١٤ ه‍ ستة اجزاء.

ـ شعر عاشوراء ، المدائح والمراثي ، أدب الطف

أدهم بن اميّة العبدي :

كان من شيعة البصرة ، وحضر أيضا في منزل «مارية بنت منقذ» ، استشهد يوم العاشر من محرّم في الهجوم الأول(٢) .

الأذان :

معناه الإعلام. وهو شعار دعوة المسلمين للصلاة ، شرّع في أوائل الهجرة وجاء ذكره في واقعة كربلاء في عدّة مواضع ، إحداها : حينما لقيت قافلة الحسينعليه‌السلام جيش الحر في «ذي جشم» ، ولما حلّت صلاة الظهر ، أمر الحسينعليه‌السلام الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ، وصلّى بهم الحسينعليه‌السلام وصلّى خلفه جيش الحر(٣) .

والموضع الآخر في الشام في بلاط يزيد حينما خطب الإمام السجادعليه‌السلام خطبته المشهورة التي فضح فيها آل اميّة ، وطفق يعدّد مآثر ومفاخر آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أبكى الحاضرين وقلب آراءهم. فخاف

__________________

(١) راجع كتاب عاشوراء في الادب العاملي المعاصر للسيد حسين نور الدين.

(٢) وسيلة الدارين في أنصار الحسين : ٩٩.

(٣) حياة الإمام زين العابدين ، باقر شريف القرشي : ١٧٧ ، نقلا عن مقتل الخوارزمي.

٣٦

يزيد وقوع ما لا يحمد عقباه ، فاشار إلى المؤذن ان يؤذن ليقطع على الإمام خطبته. فلما كبّر المؤذّن ، قالعليه‌السلام : الله أكبر من كلّ شيء ولا تحيط به الحواس. ولما قال المؤذن : أشهد أن لا إله إلّا الله. قالعليه‌السلام : شهد بها شعري وجلدي ولحمي ودمي وعظمي. ولما بلغ المؤذن قوله : أشهد أن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . قال السجاد ليزيد : يا يزيد هل محمد جدك أم جدّي؟ فان قلت جدك فقد كذبت ، وان قلت انه جدي فلم قتلت عترته؟

وهكذا افشل الإمام السجادعليه‌السلام اسلوب يزيد في استخدام الاذان لاخماد صوت الآذان الحقيقي واستثمر تلك الفرصة استثمارا سياسيا على افضل ما يمكن.

اذن الدخول :

وهو من آداب المعاشرة في الاسلام. إذ لا يجوز أن يدخل المرء دار أحد أو غرفته من غير إذن ، ويسمّى أيضا بالاستئذان أو الاستئناس. واشارت إليه الآيات ٢٦ ـ ٢٨ من سورة النور. وجاء أيضا في آداب زيارة الأضرحة الطاهرة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام وجميع البقاع المقدّسة لأجل رعاية الأدب إزاء حرمة أولياء الله ، وهذا ما يستلزم قراءة النصّ الخاص باذن الدخول إلى تلك الاضرحة.

وجاء في اذن الدخول إلى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهمّ إنّي وقفت على باب بيت من بيوت نبيّك وآل نبيّك بإذن الله واذن رسوله واذن خلفائه وإذنكم صلوات الله عليكم أجمعين أدخل هذا البيت ...»(١) .

ـ آداب الزيارة

__________________

(١) عوالم الإمام الحسين : ٢٥٨.

٣٧

إذن القتال :

وهو من تقاليد الحرب قديما حينما يكون القتال فرديّا يستأذن المقاتلون القائد في النزول إلى ساحة القتال ، وفي ملحمة كربلاء كان أصحاب سيّد الشهداء وأنصاره يستأذنونه في البروز للقتال ، وكان استئذانهم يقترن عادة بالسلام ؛ إذ كانوا يأتون إلى باب خيمته ويسلّمون عليه سلام الوداع : «السلام عليك يا ابن رسول الله».

فكان الإمام يرد على أحدهم بالقول : «وعليك السلام ونحن خلفك» ثم يقرأ الآية الشريفة :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ) (١) .

وكان الإمام أحيانا لا يأذن للشخص بالبروز إلى القتال (كأمّ أو زوجة بعض الأنصار) أو قد يتأخّر في إعطاء الإذن لبعضهم ، ولا يحصل الاذن إلّا من بعد إصرار شديد ، من قبيل استئذان القاسمعليه‌السلام ، وجون مولى أبي ذر ، وابناء مسلم بن عقيل و... الخ. وكان بعضهم يطلب الإذن احيانا للنزول إلى الميدان والتكلّم مع العدو واتمام الحجّة عليه من قبيل استئذان يزيد بن الحصين الهمداني(٢) ، ولم يأذن الإمام بنزول أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام إلى ساحة القتال إلّا متأخّرا ؛ لأنه ساقي الخيم والاطفال وحامل لواء جيش الإمام.

الأربعون ـ يوم الأربعين :

الأزد :

اسم احدى القبائل العربية الكبيرة والمعروفة ، كانت تقطن اليمن ، ثم هاجرت إلى بقاع مختلفة ، وسار بعضهم نحو العراق وكان يقال لهم «ازد العراق»(٣) وسكنوا الكوفة ، والانصار فرع منهم ، وبعض شهداء كربلاء هم من هذه القبيلة.

__________________

(١) الاحزاب : ٢٣.

(٢) بحار الانوار ٤٤ : ٣١٨.

(٣) مروج الذهب ٢ : ١٦١.

٣٨

الاسترجاع :

هو قول( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، يتلفّظ به من تدهمه مصيبة أو يسمع بموت أحد ، وذلك لغرض تسكين حرقته أو حرقة شخص آخر ، وردت أحاديث كثيرة تحثّ على الاسترجاع عند المصيبة ، منها قول الإمام الباقرعليه‌السلام : «ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته ويصبر حين تفجأه المصيبة إلّا غفر الله له ما مضى من ذنوبه إلّا الكبائر التي أوجب الله عليها النار»(١) .

وكان الإمام الحسينعليه‌السلام يكثر من الاسترجاع على طول الطريق إلى كربلاء ، من جملة ذلك حينما بلغه خبر استشهاد مسلم بن عقيل ، وهو في منزل يقال له «زرود» ، وفي الليلة التي نزل فيها في «قصر بني مقاتل» سمعه علي الأكبر يسترجع عدّة مرّات ، وحين سئل عن ذلك قال : إنّي خفقت برأسي فرأيت في المنام قائلا يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم(٢) ، وقبل هذا أيضا قالها عند كلامه مع مروان بن الحكم حين وصف خلافة يزيد بانها مصيبة على الامّة(٣) .

انّ الاعتقاد بكون مبدأ الانسان من الله ومصيره إليه يحرّر المرء من كلّ الرغبات والأهواء ، ويجعل الموت مستساغا ومقبولا لديه ، ويرغّب الانسان بالاشتياق إلى مثواه الأبدي. ولا شكّ انّ النفس المطمئنة هي وحدها القادرة على الصبر عند الشدائد والمصائب وفقدان الشهداء ، ولا ترى في الموت إلّا رحيلا نحو الحياة الأبدية ولقاء الله.

إسحاق بن حيوة الحضرمي :

أحد الاشقياء في جيش الكوفة ممن شارك في كربلاء ، وبعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام سلبه ثوبه ، وهو من جملة من تطوّع ـ بامر عمر بن سعد ـ لرضّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٨٩٨.

(٢) مقتل الإمام الحسين للمقرم : ٢٢٧.

(٣) عوالم الإمام الحسين : ١٧٥.

٣٩

جسده بالخيل ، ويسمّى أيضا باسحاق بن حوّية.

ـ رضّ جسد الحسين

أسد كربلاء :

نقل رجل من قبيلة بني أسد ان الحسين واصحابه بعد ما استشهدوا ، ورحل جيش الكوفة عن كربلاء ، كان يأتي في كل ليلة أسد من جهة القبلة عند موضع القتلى ويعود عند الصباح من حيث أتى ، وفي احدى الليالي بات الرجل هناك ليطّلع على الأمر ، فرأى انّ الاسد يقترب من جسد الإمام الحسينعليه‌السلام ويظهر حالة تشبه البكاء والنحيب ويمرّغ وجهه بالجسد(١) .

واستنادا إلى هذه الرواية يرتدي شخص اثناء اجراء «التشابيه» في أيّام العزاء ، جلد اسد ، ويقف في ساحة المعركة وبعد مقتل الإمام الحسين يأتي إليه ويبكي عنده ، وهذا المشهد يثير مشاعر الحزن والأسى لدى المتفرّجين.

ـ المواساة

الأسر :

ومعناه القبض على بعض أفراد الجيش المعادي أثناء الحروب وأخذهم أسرى واسترقاقهم. وحدث مثل هذا في صدر الاسلام أيضا ، اذ أخذ بعض الكفار أسرى ، أو انّ بعض المسلمين وقعوا في أسر المشركين.

وفي واقعة كربلاء ، سبي عيال الإمام الحسين من بعد مقتله يوم العاشر من محرّم وطافوا بهم البلدان(٢) وعرضوهم في الكوفة والشام ، وكان هذا العمل نقضا صريحا لأحكام الاسلام التي لا تجيز سبي المسلم وخاصّة النساء. مثلما فعل عليعليه‌السلام في حرب الجمل ولم يأذن بأسر المسلمين ، وأعاد عائشة إلى المدينة برفقة عدد من النساء.

__________________

(١) ناسخ التواريخ ٤ : ٢٣.

(٢) بحار الانوار ٤٥ : ٥٨.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ملاحظة اخف الوسائل وأنسبها.

نعم ان الوسائل الاجرائية المتخذة لحماية الحكم لا بُدّ من ان تكون جارية علىٰ وفق القوانين المجعولة في الشريعة المقدّسة في هذه المرحلة ، من قبيل كون ايقاع الضرر بالفاعل مالاً أو نفساً باذن من ولي الأَمر أو باشراف منه ـ كما ذكرناه في محلّه ـ.

٢ ـ الموضع الثاني : ان يكون مصب الحكم ماهية اعتبارية ذات آثار وضعية عقلائية ويؤتى بها عادة بداعي ترتيب تلك الآثار التي يحترمها القانون ويمضيها ويحميها في مرحلة الإجراء ـ وذلك كالعقود والايقاعات.

ومحتوى الصيغة في هذا الفرض هو عدم ترتب الأَثر المزبور علىٰ المتعلق في مورد النهي والنفي ك‍ ( لا بيع الا في ملك ) و ( لا طلاق إلا لمن اراد الطلاق ) أو علىٰ غير المتعلق في مورد الأَمر والاثبات ك‍( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (١) . ولذا يكون الحكم في ذلك حكماً ارشادياً.

والعامل العام الموجب لتعيّن هذا المعنىٰ كمحتوى للصيغة ، هو التناسب الطبيعي بين الهدف والوسيلة ، وتوضيح ذلك : ان مثل هذه الطبيعة اذا كانت ذا مفسدة بنظر المشرّع فانه يكفي في تحقّق هدف الشارع من الانزجار عنها فصلها عن اثارها القانونية ، فيستوجب ذلك انزجار المكلف عن الطبيعة ، وتحديد الداعي الموجب لايجادها ، لان الرغبة في الطبيعة ـ بحسب الفرض في هذا الموضع ـ ليس باعتبارجهة تكوينية فيها تنسجم مع قوة نفسية للانسان مثلاً ـ كما في المورد الأَوّل ـ وانما هي بلحاظ أثرها القانوني ، فاذا فصلت عن الأَثر القانوني انزاح الداعي إلىٰ تحقيقها. فالغاء الأَثر القانوني هو الوسيلة المناسبة لتحقيق الهدف المزبور عادة.

__________________

(١) سورة الطلاق ٦٥ / ١.

١٤١

( نعم ) ربما لا يكفي مجرد الغاء الاثر ، لقوة الداعي إلىٰ ايجادها أو لعدم الاحتياج البالغ إلىٰ الحماية القانونية في المورد ـ كما في مورد النهي عن بيع الخمر أو النهي عن الربا فان مورد الربا من المنقولات مثلاً ولا تحتاج المعاملة فيها إلىٰ حماية قانونية ـ فيجعل الحرمة التكليفية زيادة علىٰ الفساد الوضعي.

وعلى هذا : فالتناسب المذكور هو الموجب لتعيّن محتوى الكلام في الغاء الاثر القانوني.

فهذا هو العامل الاساسي العام في هذا الموضع ، الموجّه لمحتوى الصيغة.

وهناك عامل آخر أخصّ يتواجد في مورد تحديد الموضوع فحسب ـ دون مورد النهي عن الطبيعة مطلقاً ـ وهو تفاعل الصيغة مع العامل النفسي للمأمور ، وذلك لأن مرغوبية الطبيعة في هذا المورد إنما تكون في ضوء هدف مُسبق للمكلف ، وهو الوصول إلىٰ الأَثر المطلوب كانفصام العلقة الخاصة مثلاً ـ كما في الطلاق ـ او تحققها ـ كما في الزواج ـ.

فإذا كان الاعتبار الصادر يحدّد تأثير الطبيعة ، فان هذا يرجع إلىٰ تحديد الوسيلة لتحقق الهدف المفروض فيكون الهدف المفروض كموضوع مفترض لهذا الاعتبار ، فاذا قيل ( لا طلاق الا بشاهدين ) فهو في قوة ان يقال ( اذا اردت انفصال العلقة الزوجية فلا تطلق الا بشاهدين ) فيكون الأَثر المطلوب كشرط مقدر بالنسبة إلىٰ الخطاب ، فيكون مفاد الخطاب طبعاً ارتباط الغاية المفروضة بالحدّ الخاصّ.

وهذا العامل كما قلنا انما يكون في مورد تحديد الطبيعة لا في مورد الغاء اثرها مطلقاً ، لان الغاء اثرها يرجع إلىٰ اسقاط الغاية المسبقة لا تحديد وسيلتها كما هو واضح.

١٤٢

( ويلاحظ ) : ان استعمال صيغة الأمر والنهي في هذا الموضع ليس مجازاً بل هو استعمال حقيقي لان فصل العلقة بين الطبيعة وبين الأثر المرغوب منها ينسجم مع صيغة الزجر تمام الانسجام لأنّه يوجب انزجار المكلف عن ذلك بالامكان وكلما كان المحتوى المعنوي في اللفظ يحقق للعنصر الشكلي فيه التأثير المطلوب منه المسانخ اياه فإن الاستعمال يكون حينئذٍ حقيقياً بعد تمام المحتوىٰ المزبور إذ يتأتىٰ للمتكلم حينئذٍ ان يقصد المدلول الاستعمالي بالكلام جدّاً ، وفصل العلقة في المقام مستوجب لفاعلية الزجر الانشائي ، كما أن الوعيد في النهي المولوي مستوجب لفاعلية الزجر الانشائي. وهكذا في صيغة البعث في مورد الامر بالحصة ك‍( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (١) يكون الاستعمال حقيقياً ، فان تحديد الوسيلة بعد تعلق الغرض مسبقاً باثرها نوع من البعث للشخص نحو الوسيلة المشروعة.

وبذلك يظهر : انه لا يتجه ما في كلمات جماعة من الاصوليين من اعتبار الارشاد معنىٰ مجازياً للامر والنهي ، وكان منشأ ذلك عدم التنبّه لكيفيّة تفاعل الاعتبار مع الملابسات المحيطة به علىٰ ما أوضحنا ذلك.

واما صيغة الاثبات والنفي ك‍ ( لا طلاق الا ما اريد به الطلاق ) و ( لا سبق الا في خفّ أو حافر او نصل ) و ( لا بيع الا في ملك ) ، فانه يكون من قبيل اثبات الحكم بلسان اثبات موضوعه ، أو نفيه بلسان نفيه مبالغة في ذلك ، بلحاظ ان فصل الشيء عن اثره القانوني تسبيب إلىٰ انتفائه في الخارج علىٰ ما سبق توضيحه.

٣ ـ الموضع الثالث : ان يكون مصب الحكم موضوعاً لحكم شرعي خاص من دون رغبةٍ طبيعية نحوه ـ في مورد الزجر ـ أو انزجارطبيعي عنه ـ في

__________________

(١) سورة الطلاق ٦٥ / ١.

١٤٣

مورد البعث اليه ـ ك‍ ( لا شك لكثير الشك ) و ( لا سهو للامام مع حفظ المأموم ) فان الشك في الصلاة موضوع لجملة من الاحكام.

ومحتوى الصيغة في هذا الموضع ـ حيث تكون صيغة نفي ـ ليس هو التسبيب إلىٰ عدم تحقّق الموضوع إذ لا وجه لارادة ذلك ، وانما هو عدم ترتب ذلك الحكم الشرعي بالنسبة إلىٰ الحصة الخاصة ، فان ارتباط الطبيعة في ذهن المخاطب بتلك الأَحكام ، يوجب ان يكون محتوى الكلام ناظراً لهذا الارتباط بمقتضى التفاعل الطبيعي بين الكلام وبين التصورات الذهنية للمخاطب ، فيكون مؤداه تحديد هذا الارتباط وخروج المنفي عنه.

٤ ـ الموضع الرابع : أن يكون مصب الحكم حصة خاصة من ماهية مامور بها يظنّ سعتها لهذه الحصة فيكون الداعي لاتيانها تفريغ الذمة واداء الوظيفة كما في ( لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) و ( لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة ).

ومحتوى الصيغة في هذا الموضع هو عدم ترتب الاثر المذكور ـ وهو ـ فراغ الذمة علىٰ الاتيان بالحصة ، فيرجع إلىٰ اشتراط المتعلق بالقيد الخاصّ ، ولذا يكون الحكم حكماً ارشادياً إلىٰ الجزئية والشرطية.

وسرّ تعين هذا المعنىٰ كمحتوى للصيغة هنا عاملان ـ علىٰ غرار ما سبق في الموضع الثاني ـ :

الأَوّل : التناسب الطبيعي بين الهدف والوسيلة فانه يكفي في حصول هدف الشارع ـ وهو عدم تحقّق الحصة المذكورة تحديد الأمر بالطبيعي لتخرج هي عن المتعلق ، وذلك موجب لانزجار المكلف عنها ، لان الاتيان بها إنما يكون بقصد امتثال الأمر بالطبيعة وهو ينتفي مع تحديده بحصة خاصة.

الثاني : تفاعل الكلام مع الحالة النفسية للمخاطب ، وذلك لان باعث

١٤٤

المكلف علىٰ الاتيان بهذه الحصة هوتفريغ الذمة عن الطبيعي المأمور به ، فالنفي الملقى في هذه الحالة يتفاعل حسب التناسب مع هذا الباعث النفسي ويفيد تحديد العامل فيه وهو الأمر الشرعي بحصة معينة.

وكيفية استعمال صيغ الأمر والنهي والاثبات والنفي في هذا الموضع يماثل ما مضى في الموضع الثاني.

٥ ـ الموضع الخامس : ان يكون مصب الحكم حصة من ماهية منهي عنها يظن سعتها لهذه الحصة ، فيكون الرادع النفسي عنها هو قصد اطاعة الحكم المتعلق بالطبيعي كما في ( لا ربا بين الوالد والولد ).

ومحتوىٰ الصيغة في هذا الموضع نفي تعلق الحكم التحريمي بالحصة ، فيرجع إلىٰ تقييد متعلق الحرمة بالقيد الخاصّ ، وذلك لنظير ما تقدّم في الموضع الثالث فان ارتباط الطبيعي في ذهن المخاطب بالحكم التحريمي يوجب ان يكون محتوى الكلام ناظراً لهذا الارتباط وتحديداً للحكم التحريمي بتحديد متعلقه.

٦ ـ الموضع السادس : ان يكون مصّب الحكم طبيعة يرغب المكلف عنها أو يرغب إليها ، اما لانسجام المتعلق مع القوى النفسية والشهوية ، أو للأثر القانوني المترتب علىٰ الشيء عادة أو لاجل تفريغ الذمة وامتثال القانون ، لكنه معرض عنها لتصوّر ثبوت حكم مخالف لجهة رغبته وهذا هو الفارق بين هذا الموضع والموضع الأَوّل كما هو واضح ، سواء كان هناك حكم كذلك بالفعل ، او كان هذا التصوّر توهماً أو احتمالاً ، وقسم من هذا الموضع هو الذي يتعرض له في علم الأصول بعنوان ( الأَمر بعد الحظر ).

وفي هذا الموضع يتفاعل الكلام مع التصوّر الذهني المضاد ، فيكون محتواه نفي الحكم المتصور ، ، مع انه لولا التصور المذكور لافاد الحكم المولوي أو الحكم الارشادي ولا فرق في ذلك بين أن تكون صيغة الحكم

١٤٥

انشاءاً أو خبراً.

ففي الانشاء تتبدل الصيغة من اداة ايجابيّة بنَّاءة إلىٰ اداة هدم سلبيّة ـ حيث يكون محتواها سلب الحكم السابق فحسب ـ رغم ان عنصرها الشكلي يمثل معنىٰ ايجابياً من قبيل الطلب والزجر ، ولذلك يكون استعماله مجازياً يختلف فيه المراد التفهيمي عن المراد الاستعمالي.

لكن مصحح الاستعمال المذكور هو ان هدم الاعتبار السابق أو رفع توهمه ، يتيح المجال للعامل النفسي ويرفع العائق امام فاعليته ، فيخيل بذلك أن هذا الهدم أو الرفع هو العامل الفاعل للبعث والزجر ، وذلك من قبيل الامر بالاصطياد بعد تحريمه أوّلاً في حال الاحرام في قوله تعالىٰ :( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) (١) فانّ هذا الأَمر ليس محتواه الا رفع التحريم السابق ، دون بناء حكم ايجابي ـ كما هو مقتضىٰ مدلوله ـ الا انه صحّ استعمال صيغة البعث لان هدم التحريم السابق يستتبع الانبعاث نحو الاصطياد بفاعلية العامل الطبيعي عند الانسان نحو الصيد ، فيكون استعمال صيغة الأمر في ذلك بلحاظ استتباع محتواه الهادم للانبعاث نحوه حتىٰ كانه العامل لذلك.

واما استعمال صيغة الاخبار في هذا الموضع فهو أيضاً استعمال مجازي ، لان مفاد صيغة النفي مثلاً هو مجرد الاخبار عن نفي وجود الطبيعة خارجاً ، لا سلب وجود حكم موجب لتحقّقها خارجاً لولا هذا النفي ، لكن صحّح ذلك أن سلب الحكم وان كان في الواقع مجرد عدم تسبيب إلىٰ وجود الطبيعة ، لكن حيث تكون الطبيعة مرغوباً عنها لذاتها ـ أو غير مرغوب اليها ـ الا علىٰ تقدير ثبوت هذا الحكم كان نفي الحكم في هذا السياق بمثابة التسبيب إلىٰ عدم تحقّق الطبيعة ، وبذلك صح نفيها خارجاً نفياً تنزيلياً.

__________________

(١) سورة المائدة ٥ / ٢.

١٤٦

وذلك كما لو قيل ـ نفياً لمانعية بعض ما يحتمل مانعيته للصلاة ـ : ( لا اعادة للصلاة بكذا ) ، فان الاعادة لا يرغب اليها المكلّف بطبعه الا لطلب شرعي فحسب فلو دل الدليل علىٰ نفي الطلب الشرعي لزم من ذلك عدم تحققها عادة بفاعلية الرغبة الطبيعية عنها فصح نفيها تنزيلاً.

ثم ان هذا الموضع لا يختص بما لو كان متعلق الحكم نفسه مورداً لحكم منساق او متوهم ـ كما في مثال الاصطياد والصلاة ـ بل يعم ما لو كان متعلقه امراً مسبّباً عن الحكم السابق أو المتوهم ، وذلك كأن يقال في معرض توهم جعل الشارع لتكليف مؤدّ إلىٰ الحرج : ـ ( لا حرج في الدين ) أو ( لا تحرج نفسك ) فهنا أيضاً يتفاعل الكلام مع التوهم المذكور ويكون محتواه ومفاده ـ التفهيمي نفي جعل حكم مسبب إلىٰ الحرج. ومقطع ( لا ضرر ) من الحديث من هذا القبيل علىٰ ما يتضح قريباً.

فهذه مواضيع عامة يتغير بمقتضاها المحتوى الذي تستنبطه صيغ الحكم ومنها النفي ، وقد اتضح من خلال ذلك ان المحتويات المختلفة للنفي وغيره انما هي مرهونة بتناسبات مختلفة يتفاعل معها الكلام فترسم له علىٰ ضوئها معان مختلفة تكون محتوى له. هذا تمام الكلام عن المرحلة الأولى.

واما المرحلة الثانية : فهي من تطبيق الضابط المذكور علىٰ الحديث أو توضيح معنىٰ الحديث علىٰ ضوء ذلك :

اما المقطع الأَوّل : من الحديث وهو ( لا ضرر ) ، فهو يندرج في المورد السادس الذي ذكرناه فيفيد نفي جعل حكم ضرري وذلك علىٰ ضوء أمور ثلاثة :

١ ـ الأَوّل :

ان من الواضح جداً أن متعلق النفي في هذا المقطع ـ وهو الضرر ـ

١٤٧

ليس ماهية اعتبارية ذات آثار وضعية حتىٰ يرجع نفيها إلىٰ فصلها عن آثارها ويندرج في الموضع الثاني ، ولا هو حصة من موضوع ذي حكم شرعي. او متعلق للوجوب أو للحرمة حتىٰ يراد نفي الحكم المترتب علىٰ الطبيعي فيندرج في احد المواضع المتوسطة الباقية ، فلا محالة يدور الأَمر فيه بين احتمالين :

أ ـ ان يكون ماهية مرغوباً إليها لانسجامها مع القوى الشهوية أو الغضبية ـ من قبيل الموضع الأَوّل ـ فيكون مفاد نفيه حينئذٍ التسبيب إلىٰ عدم تحقّقه بتحريمه والمنع عن ايجاده خارجاً ، فيصح حمل النفي في الحديث حينئذٍ علىٰ النهي كما هو مؤدى بعض المسالك في المقام.

ب ـ ان يكون ماهية مرغوباً عنها ، لكن النفي لرفع توهم تسبيب الشارع اليه بالزامه به بما يوجب الضيق والضرر للمكلف ، فيندرج في المورد السادس ويكون مفاد نفيه نفي التسبيب إلىٰ الضرر ، بجعل حكم ضرري نظير ( لا حرج ) كما نسب إلىٰ المشهور.

٢ ـ الثاني : ان هذين الاحتمالين يتفرعان علىٰ كون معنىٰ هيئة ( الضرر ) معنىٰ مصدرياً محتوياً للنسبة الصدورية إلىٰ الفاعل ـ أي الضارّ ـ كالاضرار والضرار ، أو معنىٰ اسم مصدري خالٍ عن هذه النسبة كالضيق والحرج والمنقصة.

فعلى الأَوّل : يمثل الضرر كالاضرار طبيعة موافقة للقوى النفسية للانسان ـ كالغضب والحقد وحب الايذاء ونحوها ـ التي يلجأ اليها الانسان كثيراً ارضاءً لنفسه. وحينئذٍ يكون مفاد لا ضرر تحريمه وتشريع ما يمنعه خارجاً.

وعلى الثاني : يكون الضرر بمعنىٰ المنقصة الواردة علىٰ المتضرّر ، وهو امر لا يتحمله الانسان بطبعه بل هو مكروه له أشد الكراهة ، وانما يتحمله

١٤٨

لو ظنّ ان الشارع حمله اياه فنفي الضرر في هذا السياق النفسي يرجع إلىٰ نفي تسبيب الشارع له دفعاً لتوهم ايجابه علىٰ المكلف وتحميله عليه.

٣ ـ الثالث : ان الصحيح هو الاحتمال الثاني ، لان الحس اللغوي لمن عرف اللغة العربية يشهد بان الضرر انما يمثل المعنىٰ نازلاً بالمتضرر لا صادراً من الفاعل ، فهو معنىٰ اسم مصدري كالمضرة والمنقصة ، وليس معنىٰ مصدرياً كالاضرار ، كما تقدّم ذكر ذلك في البحث من معنىٰ الهيئة الافرادية للكلمة.

وعلى هذا فيكون مثل هذا التركيب مثل سائر الأَمثلة المماثلة له حالاً ك‍ ( لا حرج ) ما يكون المعنىٰ المنفي عنه عملاً مرغوباً عنه للمكلف بحسب طبعه وانما يتحمله بتصور تشريع يفرضه عليه فيكون المنساق من النفي قصد نفي التشريع المتوهم أو المترقب فحسب.

وبذلك يكون مفاد ( لا ضرر ) نفي التسبيب إلىٰ الضرر لجعل حكم ضرري كما هو مسلك المشهور.

واما المقطع الثانى : من الحديث ـ وهو ( لا ضرار ) ـ فانه يندرج في الموضع الأَوّل من المواضع السابقة علىٰ ما اتضح بما ذكرناه في مورد ( لا ضرر ) آنفاً ـ لان الضرار هو الاضرار المتكرر أو المستمر ، وقد ذكرنا ان الاضرار بالغير عمل يمارسه الانسان بطبعه لأجل ارضاء الدواعي الشهوية والغضبيّة ، فاذا نهي عنه كما في جملة من الآيات(١) فهو ظاهر في النهي التحريمي زجراً للمكلفين عن هذا العمل كما هو واضح.

__________________

(١) كقوله تعالىٰ( لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ) البقرة ٢ / ٢٣٣ و( وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) البقرة ٢ / ٢٨٢( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) الطلاق ٦٥ / ٦٧٦.

١٤٩

و اذا نفي كما في هذا الحديث فانه يدل علىٰ التسبيب إلىٰ عدم تحقّق هذا العمل وذلك من خلال ثلاثة امور.

الأَمر الأَوّل : جعل الحكم التكليفي الزاجر عن العمل وهو الحرمة.

وهذا الحكم يستبطن الوعيد علىٰ الفعل ويترتب عليه بحسب القانون الجزائي الشرعي :

أوّلاً : العذاب الاخروي في عالم الآخرة.

وثانياً : العقوبة الدنيوية بالتعزير ونحوه حسب رأىٰ وليّ الأَمر بالحدود المستفادة من الأدلة الشرعية.

وثالثاً : الضمان في موارد الاتلاف وكون الشيء المتلف ذا مالية لدىٰ العقلاء.

الأَمر الثاني : تشريع اتخاذ وسائل مانعة عن تحققه خارجاً ، وذلك من قبيل تجويز إزالة وسيلة الضرر وهدمها اذا لم يمكن منع ايقاعه إلا بذلك ، كالأمر باحراق مسجد ضرار(١) والحكم بقلع نخلة سمرة ونحو ذلك.

وهذا التشريع يرتكز علىٰ قوانين ثلاثة :

١ ـ قانون النهي عن المنكر فان للنهي مراتب متعذّدة ـ كما ذكر في الفقه ـ اخفّها النهي القولي وأقصاها الاضرار بالنفس ، وبينهما مراتب متوسطة ، ولا تصل النوبة إلىٰ مرحلة اشدّ الا بعد تعذر المرحلة السابقة عليها أو عدم تأثيرها في الكفّ عن المنكر.

٢ ـ قانون تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس. وهذا من شؤون الولاية في الأَمور العامة الثابتة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وائمة الهدى عليهم

__________________

(١) ورد ذكر في كتب التفسير في تفسير قوله تعالىٰ :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ) التوبة ٩ / ١٠٧ لاحظ مجمع البيان ط ٣ : ٧٢ ـ ٧٣.

١٥٠

السلام ، والفقهاء في عصر الغيبة إذ لا بُدّ من العدالة في حفظ النظام.

٣ ـ حماية الحكم القضائي فيما إذا كان منع الاضرار حكماً قضائياً من قبل الوالي بعد رجوع المتخاصمين اليه ـ كما في مورد قضية سمرة حيث شكا الأَنصاري دخوله في داره بلا استئذان فقضى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدم جواز دخوله كذلك ، وحيث أبىٰ سمرة عن العمل بالحكم ، أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقلع النخلة لتنفيذ الحكم بعدم الدخول عملاً.

( ويلاحظ ) : ان ولاية اتخاذ وسيلة اجرائية لمنع الاضرار ، انما هي للحاكم الشرعي دون عامة المسلمين ، أما علىٰ القانونين الاخيرين فالامر واضح لان تحقيق العدل وحماية القضاء انما هو من وظيفة الحاكم المتصدي للحكومة والقضاء وأما علىٰ القانون الاول : فلأَنَّ المختار أن ولاية النهي عن المنكر فيما كان بالاضرار بالفاعل نفساً أو مالاً تختصّ بالحاكم الشرعي خلافاً لما افتى به جمع من الفقهاء.

( ويلاحظ أيضاً ) أن هذا الجزء من مفاد ( لا ضرار ) هو مبنى تعليل الأَمر بقلع النخلة في قضية سمرة بهذه الكبرىٰ ، وهو أمر أشكل علىٰ جمع من الفقهاء حتىٰ استند إلىٰ ذلك بعض الاعاظم في جعل النهي في الحديث حكماً سلطانيّاً ، بتصور تبريره حينئذٍ للأَمر بالقلع وهو ضعيف. وسيأتي توضيح الموضوع في التنبيه الأَوّل من تنبيهات القاعدة.

الأَمر الثالث : تشريع احكام رافعة لموضوع الاضرار من قبيل جعل حق الشفعة لرفع الشركة ، التي هي موضوع لإضرار الشريك ، أو عدم جعل ارث للزوجة في العقار لعدم الاضرار بالورثة ـ كما في الحديث(١) .

فاتضح مما ذكرناه مجموعاً : أن الحديث بجملة ( لا ضرر ) يدل على

__________________

(١) الوسائل ـ كتاب الفرائض ـ أبواب ميراث الأزواج ـ الباب ٩ ج ٢٦ : ٢٠٨ / ٣٢٨٤٢.

١٥١

نفي جعل الحكم الضرري وبجملة ( لا ضرار ) يدل علىٰ تحريم الاضرار وتشريع الصد عنه خارجاً ورفعه في بعض الموارد موضوعاً.

( ويلاحظ ) : انه ربما يعترض علىٰ تفسير ( لا ضرر ) بنفي الحكم الضرري بعلة وجوه ذكرها العلامة شيخ الشريعة في ( رسالة لا ضرر ) ، ترجيحاً لمسلك النهي في تفسير الحديث ، وسوف يأتي استعراض تلك الوجوه ونقدها في البحث عن هذا المسلك بما يتضح به جملة من الجهات التي ترتبط بهذا التفسير.

ونذكر هنا كلاماً للشيخ الأنصاري (قده) من ترجيح هذا التفسير وما ذكره العلاّمة شيخ الشريعة في تعقيبه ونقده مع تحقيق القول في ذلك تكميلاً للقول في هذا المبنى.

قال الشيخ (قده) في الرسائل بعد ذكر المعاني المحتملة في الحديث : ( والاظهر بملاحظة نفس الفقرة ونظائرها وموارد ذكرها في الروايات وفهم العلماء هو المعنىٰ الأَوّل(١) يعني بذلك تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري.

وهذا الكلام ينحل إلىٰ دعاوٍ اربع وقعت جميعاً مورداً للانكار من قبل العلامة شيخ الشريعة فقال :

( والشواهد الأَربعة كلها منظورة فيها ممنوعة علىٰ مدعيها. اما نفس الفقرة فقد عرفت ظهورها في الحكم التكليفي. واما نظائرها فقد قدمنا عدم النظير لهذا المعنىٰ في هذا التركيب(٢) .

__________________

(١) المصدر ط رحمت الله ص ٣١٥ ، الرسائل ٢ : ٥٣٥.

(٢) قال في ص ٤١ من الرسالة ( ان المعنىٰ الثالث من نفي المسبّب وارادة السبب لم يعهد في مثل هذا التركيب ابداً وانما المعهود النهي أو نفي الكمال في ( لا صلاة لجار المسجد الا

١٥٢

واما موارد ذكرها في الروايات ففيه : انه قد اتضح عدم ذكرها في شيء من الروايات ، الا في قضية سمرة المناسب للتحريم وجداناً ، وان حديث الشفعة والناهي عن منع الفضل لا مساغ لما فيها إلا النهي التكليفي تحريماً أو تنزيهاً ، واما فهم العلماء فهو أيضاً ممنوع ، ولم نجد للمتقدمين والمتأخرين ما يعيّن انهم فهموا هذا المعنىٰ الا عن قليل نادر لا يكفي فهمهم في تعيين المعنىٰ ، وقد ذكر في حديث الدعائم تعليلاً لحرمة الترك )(١) .

ولتحقيق القول فيما ذكر ( ره ) لا بد من ملاحظة كل واحد من هذه الجهات :

اما الجهة الأولىٰ ـ من ظهور نفس الفقرة ـ فقد يشكل ما ذكره الشيخ من ظهورها في نفي الحكم الضرري وما ذكره هذا القائل من ظهورها في النهي عن الاضرار جميعاً ، بتقريب : ان نفس الفقرة بملاحظة عدم ارادة المعنىٰ الاستعمالي الظاهر منها ليس لها ظهور في حدّ ذاتها في المعنىٰ المجازي المقصود بها ، وانما ذلك رهين قرينة اخرى وذلك : لأنّه لا اشكال في ان المعنىٰ الاستعمالي الظاهر من الفقرة ـ وهو الاخبار عن نفي تحقّق الضرر خارجاً ـ ليس بمقصود بها علىٰ كل حال ، سواء فسّر المراد الجدي بنفي الحكم الضرري أو بالنهي عن الاضرار لاختلاف المدلول الاستعمالي مع هذين المعنيين بوضوح ، وحينئذٍ فيدور الأَمر بين أن يراد بها نفي التسبيب إلىٰ الضرر بجعل حكم موجب له ، أو يراد التسبيب إلىٰ عدم نفي الاضرار الذي ينتج النهي عنه ، ولا معين لشيء منهما في نفس الفقرة.

__________________

في المسجد ) ولا علم إلا مانفع و ( لا سفر إلا برفيق ) و لا كلام إلا ما أفاد وان أمكن ارجاع الثلائة إلىٰ جهة واحدة.

(١) رسالة ( لا ضرر ) ص ٤٢.

١٥٣

وبعبارة اخرى ان كلا المعنيين يشتركان في كون حمل الفقرة عليهما بحاجة إلىٰ تجوّز وعناية فالاول بحاجة إلىٰ التجوّز بارادة نفي السبب ـ وهو الحكم الضرري ـ من نفي المسبّب ـ وهو الضرر كما ان الثاني بحاجة إلىٰ التجوز في ارادة النهي الذي هو سنخ معنىٰ إنشائي من النفي الذي هو معنىٰ خبريّ. فليس ادعاء ظهور الفقرة بذاتها في احد الاحتمالين بأولى من ادعاء ظهوره في الآخر بل لا قضاء لذات الفقرة بعد عدم ارادة مدلولها الاستعمالي لشيء من المعنيين.

ولكن التحقيق : عدم ورود هذا الايراد علىٰ ما ادعاه الشيخ من ظهورها في نفي الحكم الضرري لما اوضحناه من ان طبيعة معنىٰ الضرر ـ حيث انه معنىٰ اسم مصدري ـ يجعل الفقرة ظاهرة في هذا المعنىٰ ، لأنّه يمثل معنىٰ مرغوباً عنه لا يتحمله أحد الا بتوهم تسبيب شرعي ، ومفاد النفي في مثل ذلك نفي التسبيب المتوهم ، فيكون ذلك قرينة داخلية علىٰ التجوز المذكور.

( نعم ) هذا الايراد يرد على القول بظهور الفقرة في النهي عن الاضرار مع عدم وجود قرينة عليه منها ، بل ما ذكرناه قرينة على خلافه ، فان ارادة النهي لا يناسب مع نوع الموضوع المنفي لعدم وجود علاقة بين نفي الضرر والنهي عن الاضرار شرعاً.

واما الجهة الثانية : وهي مدى تناسب معاني نظائر الفقرة مع ذلك التفسير ، فالبحث تارة في وجود مماثل لهذه الفقرة بنفس هذا المعنى. ( واخرى ) في وجود مماثل لها بخلاف هذا المعنى كمعنى النهي مثلاً.

اما الأَوّل : فقد جاء في رسالة لا ضرر للشيخ تنظير ذلك بقوله ( لا

١٥٤

حرج في الدين )(١) وذكرت هذه الجملة تنظيراً في كلام السيد الأستاذ أيضاً(٢) لكنا لم نطلع علىٰ مصدر لها ، والذي يوجد في القران الكريم هو قوله تعالىٰ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣) وقوله( مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ) (٤) وهما ليستا بنفس سياق الحديث ، فانهما كالصريح في نفي الحكم الحرجي حيث لا يحتمل فيهما ارادة النهي عن الاحراج كما هو ظاهر.

واما الثاني : فقد ذكر هذا القائل في كلام آخر له بعد ان ساق موارد كثيرة من استعمالات ( لا ) النافية للجنس من الكتاب والسنة : ( ان نظائر هذه الفقرة فيهما وفي استعمالات الفصحاء قد اريد بها النهي )(٥) وسيأتي نقل كلامه ونقده تفصيلاً في البحث عن مسلك النهي.

ونقتصر هنا علىٰ القول بأن في اعتبار تركيب آخر نظيراً لهذه الفقرة ينبغي عدم الاقتصار علىٰ ملاحظة تماثله معها في تركيب ( لا ) النافية للجنس ، لأَن التماثل بهذا المقدار تماثل شكلي محض ، وعدم وجود المماثل للفقرة شكلاً وبهذا المعنىٰ لا يكون نقطة ضعف في تفسيرها بذلك ، لأن الاختلاف بينهما في المعنىٰ ينشأ حينئذٍ عن اختلاف الخصوصيات المؤثرة في ترسيم محتوى الكلام ، فلا يقاس بعضها حينئذٍ ببعض.

بل ينبغي في مقام التنظير اعتبار توفر الخصوصيات الموجودة في هذه الفقرة فيما يدعى نظيراً لها ، بان يكون المنفي ماهية لا رغبة اليها لذاتها ،

__________________

(١) المكاسب للشيخ : ٣٧٢.

(٢) لاحظ الدراسات ص ٣٢٦ فانه قال ( كما في قضية لا حرج في الدين ).

(٣) الحج ٢٢ / ٧٨.

(٤) المائدة ٥ / ٦.

(٥) رسالة لا ضرر للعلامة شيخ الشريعة ص ٣٧ ـ ٣٩.

١٥٥

إلا بتصور تسبيب شرعي اليه ك‍ ( لا حرج في الدين ) لأَن هذه الجهة مؤثرة في تشكيل محتوى الكلام باعتبار تفاعل الكلام مع الحالة النفسية والذهنية للمخاطب.

فإذا اعتبر هذا المقياس في التماثل ، يعلم ان شيئاً من الموارد الكثيرة التي ذكرها هذا القائل مما يماثل هذه الفقرة ، انما تشترك معها في العنصر الشكلي فحسب حيث استخدمت في جميعها صيغة النفي.

واما الجهة الثالثة : ـ وهي مدى تناسب مواردها في الروايات مع هذا التفسير ـ : فلا بد في تحقيقها من استعراض المهم منها :

١ ـ أما قضية سمرة فما ذكر من مناسبتها مع التحريم وجداناً محل تأمّل ، وتوضيح ذلك : ان سمرة كان يرى دخوله في دار الانصاري عملاً سائغاً له باعتبار حقه في الاستطراق إلىٰ نخلته ، فان حق الاستطراق عرفاً يترتب عليه جواز الدخول مطلقاً ـ في كل زمان وحال ـ لا خصوص الدخول بالاستئذان ، فان اناطة الدخول بالاستئذان يناسب عدم الحقّ رأساً ، وقد احتج بذلك سمرة في حديثه مع الانصاري ومع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففي رواية ابن بكير بعد ذكر طلب الأَنصاري من سمرة ان يستاذن اذا جاء ( فقال : لا أفعل ، هو مالي أدخل عليه ولا استأذن ، فأتىٰ الأنصاري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكى اليه وأخبره فبعث إلىٰ سمرة فجاء ، فقال له استأذن ، فأبىٰ وقال له مثل ما قال للأنصاري ) ، وفي رواية ابن مسكان ، بعد ذلك : ( فقال : لا استأذن في طريقي وهو طريقي إلىٰ عذقي ، فقال : فشكا الأنصاري إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل اليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه فقال : فلان قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلىٰ اهله بغير اذنه فاستأذن عليه اذا اردت ان تدخل فقال : يا رسول الله استأذن في طريقي إلىٰ عذقي ؟ ).

١٥٦

وعلى هذا فلو كان المراد بالحديث مجرد النهي التكليفي لبقي استدلال سمرة بلا جواب ، لأنّه يتمسك بحقه في الاستطراق و ( لا ضرر ) يقول ( لا تضر بالانصاري ) ومن المعلوم ان النهي التكليفي عن ذلك ليس الا اعمال سلطة ، وليس جواباً عن وجه تفكيك الجواز المطلق عن حق الاستطراق.

وهذا بخلاف ما لو اريد به نفي التسبيب إلىٰ الضرر بجعل حكم ضرري ، فانه يرجع إلىٰ الجواب عن هذا الاستدلال بان الإسلام لم يمض الأَحكام العرفية متى استوجبت تفويت حقّ الآخرين والاضرار بهم ، فلا يترتب علىٰ حق الاستطراق جواز الدخول مطلقاً ولا يثبت حق الاستطراق مطلقاً بل ذلك مقيد بعدم كون الدخول ضرراً علىٰ الانصاري في حقه ـ من التعيش الحرّ في داره ـ.

وبذلك يظهر ان ( لا ضرر ) علىٰ هذا التفسير اكثر تناسباً وأوثق ارتباطاً بقضية سمرة منه علىٰ تفسيره بالنهي عن الاضرار.

٢ ـ وأما قضية الشفعة فلا شهادة فيها لأَحد المعنيين ، لا لما ذكره هذا القائل من عدم ثبوت تذييلها ب‍ ( لا ضرر ) اصلاً ، وإنما الجمع بينهما من قبل الراوي ، فانه غير تام كما سبق في الفصل الأَوّل ، وانما بملاحظة ما تقدّم هناك من أن ( لا ضرر ) فيها انما هو حكمة للتشريع فلا يرتبط بما هو مبحوث عنه من كونه بنفسه حكماً كليّاً.

وعلى اي تقدير فلا يتم ما ذكره هذا القائل من إنّه لا مساغ فيها الا للنهي التكليفي.

٣ ـ وأما قضية منع فضل الماء فهي تناسب التفسير المذكور ، لما ذكرناه في الفصل الأَوّل من انه لا يبعد ثبوت حق الشرب من الماء للآخرين سواء كان مباحاً أو مملوكاً ، فيمكن تطبيق ( لا ضرر ) فيها بعناية نفي جواز منع

١٥٧

الآخرين من الاستفادة من فضل الماء لأنّه ضرر بهم وتنقيص لحقهم وحاصله ( أن حق الحائزين علىٰ الماء ليس مطلقاً شاملاً لجواز منع الآخرين منه ).

وربما يشكل فيها أيضاً ـ كقضية الشفعة ـ بعدم ثبوت ( لا ضرر ) ذيلاً لها وقد سبق مناقشة ذلك.

٤ ـ واما حديث هدم الحائط : فلا يتعيّن كون ( لا ضرر ولا ضرار ) فيها تعليلاً لحرمة ترك الحائط بعد هدمه ، بل يمكن أن يكون بلحاظ وجود حقّ للجار في المورد ، بحيث يكون جواز هدم الجدار حكماً ضررياً بالنسبة إلىٰ الجار بملاحظة منافاته مع حقّه فيرتفع ب‍ ( لا ضرر ).

فظهر : ان ما ذكر من عدم تناسب ( لا ضرر ) بهذا التفسير مع موارد تطبيقه في الروايات ليس بتامّ بل هو بهذا التفسيرأنسب ببعضها منه بتفسيره بالنهي ـ كما في قضية سمرة ـ.

واما الجهة الرابعة : ـ وهي مدى ذهاب العلماء إلىٰ هذا الرأي في تفسير الحديث ـ فالمقصود بالعلماء اما علماء اللغة أو الفقهاء.

اما علماء اللغة : فقد ذكر هذا القائل اتفاقهم علىٰ تفسير الفقرة بالنهي ذاكراً في ذلك بعض كلماتهم وسيأتي مناقشة ذلك ، وتقييم آراء اللغويين في مثل هذا الموضوع مما يتعلق بالفقه والتشريع الإسلامي في تحقيق مسلك النهي ، حيث اعتبر هذه الجهة مؤيدة لهذا المسلك.

واما الفقهاء : فالظاهر أن اكثر فقهاء الفريقين قد فهموا من الحديث نفي الحكم الضرري كما ذكر الشيخ.

اما علماء العامة : فيكفي في تصديق ذلك عنهم ملاحظة ما نقله السيوطي في تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك عن ابي داود : من انه قال

١٥٨

( ان الفقه يدور على خمسة احاديث هذا احدها )(١) فإنه يبتني على تفسيره بهذا الوجه ، لأنّه حينئذٍ يكون محدّداً عاماً للادلة الدالة على الأَحكام الأولية في مختلف الأبواب وليس كذلك على تفسيره بالنهي ، كما أن تعبيره بأن الفقه يدور قد يدل على ان ذلك هو الرأي السائد لدى فقهائهم.

ويؤكد ذلك ما ذكره السيوطي في كتاب الأَشباه والنظائر حيث قال : ( اعلم أن هذه القاعدة ينبني عليها كثير من ابواب الفقه ، ومن ذلك الردّ بالعيب وجميع انواع الخيار من اختلاف الوصف المشروط والتعزير وافلاس المشتري وغير ذلك والحجر بأنواعه والشفعة لانها شرعت لدفع ضرر القسمة والقصاص والحدود والكفارات وضمان المتلف والقسمة ونصب الأئمة والقضاة ودفع العائل وقتال المشركين والبغاة وفسخ النكاح بالعيوب أو الإعسار أو غير ذلك ).

ثم قال : ( ويتعلق بهذه القاعدة قواعد : الاولى : الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها.

ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة واساغة اللقمة بالخمر والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه وكذا اتلاف المال الخ )(٢) .

فان الاستدلال بها لكثير من هذه المواضع متفرع على تفسيرها بنفي الحكم الضرري كما هو واضح.

واما علماء الخاصة : فيكفي في معرفة موقفهم ملاحظة ما ذكره صاحب العناوين فيها في ذكر المقامات التي استندوا فيها إلى هذه القاعدة قال : ( ويندرج تحته لزوم دية الترس المقتول على المجاهدين وسقوط النهي عن المنكر واقامة الحدود مع عدم الأَمن ، وعدم الإجبار على القسمة مع عدم

__________________

(١) ٢ / ١٢٢.

(٢) الاشباه والنظائر ط مصر دار احياء الكتب العربية ص ٩٢ ـ ٩٣.

١٥٩

تحقّق الضرر ، وعدم لزوم اداء الشهادة كذلك وحرمة السحر والغش والتدليس ، ومشروعية التقاصّ وجواز بيع امّ الولد في مواقع التسعير على المحتكر إن أجحف ، وحرمة الاحتكار مع حاجة الناس وتفريق الأُمّ عن الولد وجواز قلع البائع زرع المشتري بعد المدة وتخير المسلم في الفسخ مع انقطاع المسلم فيه عند الحلول وتخيّر الرابح عند الكذب والخديعة ، وفي خيار التأخير وما يفسد ليومه والرؤية والغبن وعدم سقوط خيار الغبن بالخروج عن الملك وخيار العيب والتدليس )(١) إلى آخر ما ذكره مما يطول نقله.

وكثير من هذه المواضيع أيضاً يتفرع على التفسير المذكور كما هو واضح.

البحث الثاني : في استعراض المسالك الاخرى في تفسير الحديث.

ويلاحظ : أن هذه المسالك غالباً فسرت ( لا ضرر ) و ( لا ضرار ) بمعنى واحد ولم تفرّق بين الجملتين من حيث المعنى التركيبي ـ كما تقدّم ـ وإن كان محل العناية والأَهمية في الجملة الاولى كما ذكر الشيخ الأنصاري (قده) في رسالة ( لا ضرر ) بعد البحث في معنى الضرار : ( فالتباس الفرق بين الضرر والضرار لا يخلّ بما هو المقصود من الاستدلال بنفي الضرر في المسائل الشرعيّة )(٢) .

و هي مسالك خمسة :

المسلك الأول : تفسير ( لا ضرر ) بنفي الحكم الضرري وذلك بتقريب ذكره المحقق النائيني ، وتبعه عليه غير واحد(٣) وهو أن الضرر المنفي

__________________

(١) العناوين : ٩٦.

(٢) ص ٤١٨ ( طبعت مع كتبه الفقهية سنة ١٣١٢ ه‍ ).

(٣) المكاسب ( رسالة في قاعدة نفي الضرر : ٣٧٢ ).

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360