قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار0%

قاعدة لا ضرر ولا ضرار مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 360

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

مؤلف: آية الله السيد علي الحسيني السيستاني
تصنيف:

الصفحات: 360
المشاهدات: 154770
تحميل: 4895

توضيحات:

قاعدة لا ضرر ولا ضرار
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154770 / تحميل: 4895
الحجم الحجم الحجم
قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

مؤلف:
العربية

وأمّا الجهة الثانية : فلاشتمال السند علىٰ علي بن الحسين السعدآبادي ومحمد بن موسىٰ بن المتوكل.

فأمّا علي بن الحسين السعدآبادي فهو ممّن لم يوثق وإن بنى جمع علىٰ وثاقته استناداً إلىٰ بعض الوجوه الضعيفة : ( منها ) كونه من مشايخ ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات بناءاً علىٰ استفادة توثيق جميع رواة هذا الكتاب أو خصوص مشايخ مؤلفه من الكلام المذكور في مقدمته(١) .

ولكن الصحيح ان العبارة المذكورة في المقدّمة لا تدل علىٰ هذا المعنىٰ بل مفادها انه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين ، لذا لم يكن قد اخرجها الرجال الثقات المشهورون بالحديث والعلم ، المعبر عنهم بنقّاد الاحاديث كمحمد بن الحسن بن الوليد وسعد بن عبد الله واضرابهما وأما لو كان قد اخرجها بعض هؤلاء سواءاً كانوا من مشايخه أو مشايخ مشايخه فهو يعتمدها ويوردها في كتابه ، فكأنّهقدس‌سره يكتفي في الاعتماد علىٰ روايات الشذاذ من الرجال ـ علىٰ حد تعبيره ـ بايرادها من قبل بعض هؤلاء الاعاظم من نقّاد الاحاديث.

وهذا المعنىٰ مضافاً إلىٰ كونه ظاهر عبارته المشار اليها ـ كما يتبين عند التأمل ـ مقرون ببعض الشواهد الخارجية المذكورة في محلها.

__________________

ولا يرسل إلا عن ثقة. ( وأمّا الحل ) فإن الشيخ قد تكفل في التهذيبين لحل ظاهرة التعارض بين الاخبار وذلك ممّا الجأه احياناً إلىٰ اتباع الاسلوب الاقناعي في البحث المتمثل في حمل جملة من الروايات علىٰ بعض المحامل البعيدة ، أو المناقشة في حجيتها ببعض الوجوه التي لا تنسجم مع مبانيه الرجالية والاصولية المذكورة في سائر كتبه. وهذا ظاهر لمن تتبع طريقتهقدس‌سره في الكتابين ، ولتوضيحه وذكر الشواهد عليه مجال آخر ، وعلىٰ هذا فلا يمكن الاستناد إلىٰ ما ذكره في التهذيبين خلافاً لما صرح به هو في كتاب العدة أو ذكره غيره من اعلام الرجاليين.

(١) كامل الزيارات : ٤.

٢١

فليس مراده وثاقة جميع من وقع في أسانيد رواياته فإن منهم من لا شائبة في ضعفه وليس مراده وثاقة عامة مشايخه فإن منهم من لا تنطبق عليهم الصفة التي وصفهم بهاقدس‌سره وهي كونهم مشهورين بالحديث والعلم.

و ( منها ) كونه ـ أي السعدآبادي ـ من شيوخ الاجازات الذين لا حاجة إلىٰ التنصيص علىٰ وثاقتهم بل لا يضر ضعفهم بعد تواتر الكتاب الذي اجازوا روايته ، ويرد عليه أنّه لم يثبت اقتصار الاصحاب علىٰ الاستجازة من الثقات فقط بل ثبت خلاف ذلك ـ كما يعلم بمراجعة كتب الرجال ـ. وأيضاً لم يعرف الكتاب الذي اخرج منه الصدوق رواية الصيقل ليقال إنّه متواتر فلا يقدح عدم وثاقة السعدآبادي في جواز الاعتماد علىٰ روايته.

و ( منها ) كونه أحد العدّة الذين يروي الكليني بواسطتهم عن البرقي وقد روى عنه أيضاً علي بن إبراهيم وعلي بن الحسين والد الصدوق وأبو غالب الزراري وغيرهم من الاجلاء ففي ذلك دلالة علىٰ وثاقته. وفيه إنّه لم يثبت اقتصار هؤلاء علىٰ الرواية عن الثقات كما سبقت الإشارة إليه.

هذا وقد حاول العلامة شيخ الشريعةقدس‌سره تصحيح سند الصدوق إلىٰ الحسن الصيقل حتىٰ علىٰ تقدير عدم ثبوت وثاقة السعدآبادي بدعوىٰ أنّ للصدوق طريقاً آخر إلىٰ البرقي وهو صحيح بالاتفاق فإنّه يروي عنه أيضاً بتوسط أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن البرقي وهذا السند صحيح اتفاقاً(١) . ويرد عليه أنّ هذا الطريق يختص بما يرويه الصدوق في الفقيه مبتدئاً باسم البرقي لا إلىٰ جميع الروايات التي وقع البرقي في طرقها وهذا واضح ، نعم يمكن تعميم الطريق المذكور لما نحن فيه ونظائره فيما إذا ثبت أمران :

__________________

(١) رسالة ( لا ضرر ولا ضرار ) : ٥٤ ـ ٥٥.

٢٢

الأول : إن الصدوق قد أخذ رواية الصيقل من كتاب البرقي بالرغم من انه لم يبتدأ باسمه.

الثاني : إنّ السند المذكور إلىٰ البرقي في المشيخة مسند إلىٰ كتبه لا إلىٰ خصوص رواياته المبدوءة باسمه في الفقيه ، ولكن لا يمكن اثبات شيء من الأمرين ؛ أما الأول : فواضح. وأمّا الثاني ، فلما أوضحناه في محله من انّ سند الصدوق إلىٰ شخص في المشيخه إنما هو سنده إلىٰ الروايات المبدوءة باسم ذلك الشخص في الفقيه ، ولا يمكن تعميمه إلىٰ كتبه إلا بدليل يوجب ذلك كأن يصرح الصدوق نفسه بذلك كما صرح به عند ذكر طريقه إلىٰ علي بن جعفر حيث قال : ( وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر فقد رويته بهذا الاسناد ) وكذلك صرّح به عند ذكر طريقه إلىٰ الكليني فقال : ( وكذلك جميع كتاب الكافي فقد رويته عنهم عنه عن رجاله ).

والحاصل انّ طريق الصدوق إلىٰ الحسن الصيقل ضعيف بعلي بن الحسين السعدآبادي ولا يمكن تصحيحه بشيء من الوجوه المذكورة.

وأمّا الخدشة فيه من ناحية محمّد بن موسى بن المتوكل ؛ الذي لم يوثق في كلمات الاعلام المتقدمين كالشيخ والنجاشي وإنما وثقه بعض المتأخرين كابن طاووس والعلامة ؛ ففي غير محلها ، إذ يرد عليها مضافاً إلىٰ ضعف التفريق بين توثيقات المتقدمين والمتأخرين أمثال ابن طاووس والعلامة ـ كما اوضحناه في محله(١) ـ إنّه قد وقع في اسناد رواية ادعى ابن طاووس في فلاح السائل الاجماع علىٰ وثاقة رواتها مما يكشف عن توثيق بعض المتقدمين له علىٰ أقل تقدير.

فتحصل مما ذكرناه ان رواية الحسن الصيقل ضعيفة سنداً وإن حاول

__________________

(١) باعتبار أنه لا فرق بينهما في احتمال الحدس ولا فرق بينهما في دعوىٰ الحس.

٢٣

بعض الأعاظم تصحيحها.

هذا ما في كتبنا من نقل قضية سمرة من دون جملة ( لا ضرر ).

وأمّا ما في ( كتب العامة ) فقد نقلت في جملة منها ـ مع اختلاف في كيفية طرح الشكوى والمخاصمة ـ ونشير إلىٰ بعضها :

( منها ) ما في سنن أبي داود ، فقد روى باسناده عن واصل مولى عيينة قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدّث عن سمرة بن جندب ، انّه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الانصار قال ومع الرجل أهله قال فكان سمرة يدخل إلىٰ نخله فيتأذى به ويشق عليه فطلب اليه أن يناقله فأبىٰ فأتىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر ذلك له فطلب اليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبيعه فأبىٰ فطلب اليه أن يناقله فأبىٰ ، قال فهبه له ولك كذا وكذا ـ مراراً رغبة فيه ـ فأبىٰ فقال أنت مضار ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للانصاري : اذهب فاقلع نخله(١) .

و ( منها ) ما في مصابيح السنة للبغوي(٢) .

و ( منها ) ما في الفائق للزمخشري(٣) ، والمروي فيهما لا يختلف عمّا في سنن أبي داود إلا يسيراً.

و ( منها ) ما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال روى واصل مولى ابن عيينة ، عن جعفر بن محمّد بن عليعليهم‌السلام ، عن آبائه قال كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الانصار فكان يؤذيه ، فشكا الانصاري ذلك إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعث إلىٰ سمرة فدعاه

__________________

(١) سنن ابي داود ٣ : ٣١٥ / ٣٦٣٦.

(٢) مصابيح السنة ٢ / ٣٧٢ / ٢٢٢٠.

(٣) الفائق في غريب الحديث ٢ / ٤٤٢.

٢٤

فقال له بع نخلك من هذا وخذ ثمنه قال : لا أفعل ، قال : فخذ نخلاً مكان نخلك قال لا أفعل. قال : فاشتر منه بستانه قال لا افعل قال فاترك لي هذا النخل ولك الجنة قال : لا افعل فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للانصاري : اذهب فاقطع نخله فإنّه لا حق له فيه(١) .

فظهر من مجموع ما تقدّم انّ قضية سمرة وإن نقلت في كتب الفريقين بطرق متعددة ، إلا انها لم تذكر مقرونة بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) إلا في كتبنا وبطريق واحد فقط ، فلا ينبغي الخلط بين ثبوت هذه القضية في نفسها وبين ثبوتها مقرونة بهذه الجملة ، فإنّه إن صحت دعوىٰ استفاضة أصل القضية فلا تصح دعوىٰ استفاضتها مقرونة بهذه الجملة كما يظهر من المحكي عن المحقق النائينيقدس‌سره .

هذا بعض ما يتعلق بقضية سمرة واقترانها بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) وللكلام في ذلك تتمة يأتي في البحث الثاني ان شاء الله تعالى.

٢ ـ حديث الشفعة .

وقد رواه المشايخ الثلاثة :

١ ـ رواه الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبد الله بن حلال ، عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قضىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الارضين والمساكن وقال : لا ضرر ولاضرار ، وقال : إذا رفّت الارف وحُدّت الحدود فلا شفعة(٢) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ / ٧٨.

(٢) الكافي ٥ / ٢٨٠ / ٤.

٢٥

٢ ـ ورواه الشيخ في التهذيب(١) باسناده عن محمّد بن يحيى ، والظاهر انه أخرجه عن الكافي لما أوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من انه كلّما ابتدأ الشيخ باسم بعض مشايخ الكليني كمحمد بن يحيى وعلي بن إبراهيم ونظرائهما ، فإنه قد أخذ الحديث من الكافي لا من كتبهم(٢) إلا مع التصريح بخلاف ذلك. وإن كان ظاهر كلامه في أول المشيخة يوهم انه لم يبتدئ ، إلا باسم من أخذ الحديث من كتابه أو اصله ، ولكن هذا وإن كان هو الغالب علىٰ أحاديث التهذيبين إلا أنّه لا كلية له كما تدل عليه القرائن الكثيرة ، وعلىٰ هذا فلا يمكن عدّ التهذيب في المقام مصدراً مستقلاً لهذا الحديث.

٣ ـ ورواه الصدوق(٣) باسناده عن عقبة بن خالد كما نقله الكليني ولكنه اسند الجملة الثالثة من الحديث إلىٰ الامام الصادقعليه‌السلام قال : ( وقال الصادقعليه‌السلام : إذا رفت الأُرُف ) ، قال صاحب الوسائل بعد نقل الحديث عن الكافي والتهذيب : ورواه الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد وزاد ( ولا شفعة إلا لشريك غير مقاسم )(٤) ولكن الظاهر ان هذه الجملة من كلام الصدوق نفسه وليست زيادة في الرواية علىٰ نقله ولذا لم ينقلها في الوافي(٥)

__________________

(١) التهذيب ٧ / ١٦٤ / ٧٢٧.

(٢) اقام مد ظله قرائن عديدة علىٰ هذا المدعى من نفس المشيخة وخارجها ومما يختص منها بالمقام أن المراجع لرجال الشيخ وفهرسته ، يجد انّهقدس‌سره لم يذكر محمّد بن يحيى العطار في الفهرست وإنّما ذكره في الرجال قائلاً ( روى الكليني عنه قمي كثير الرواية ) ، ولكن النجاشي عنونه وقال ( له كتب منها كتاب مقتل الحسين وكتاب النوادر ) فيستظهر من ذلك انّ كتب محمّد بن يحيى لم تصل إلىٰ الشيخقدس‌سره لينقل منها مباشرة وإلاّ فكيف لم يذكرها في الفهرست مع انّ غايته فيه الاستيفاء قدر الإمكان كما يعلم من مقدمته.

(٣) الفقيه ٣ / ٤٥ / ١٥٤.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٤٠٠ / ٣٢٢١٨.

(٥) الوافي مجلد ٣ جزء ١٠ / ١٠٣.

٢٦

عن الفقيه ، ومن راحع الفقيه يجد أنّ دأب الصدوققدس‌سره علىٰ تعقيب بعض الروايات بكلام لنفسه من دون فصل مشعر بالتغاير ـ كما ان الامر كذلك في التهذيب ـ ومن هنا قد يشتبه الامر علىٰ الناظر فيعد كلامه جزءاً من الرواية.

و كيف كان فتحقيق الكلام في هذه الرواية يقع في ضمن جهات :

( الجهة الأولىٰ ) في سندها ، وهو ضعيف لأن رواية الكليني والشيخ مخدوشة ب‍ ( محمّد بن عبد الله بن هلال ) و ( عقبة بن خالد ) فإن الأَول لم يوثق بل لم يذكره القدماء من أعلام الرجاليين ، وربما يوثق : لوقوعه في اسانيد كامل الزيارات أو لأنّه من شيوخ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب الذي هو من أجلاء الطبقة السابعة ، ولرواية جماعة أُخرى من الاجلاء عنه ولكن قد تقدّم ضعف هذه الوجوه ، وأما الثاني فهو وإن ذكره النجاشي والشيخ إلا أنهما لم يوثقاه ، نعم وثقه صاحب الوسائل (قده) لرواية الكشي مدحه ودعاء الصادق له ورواية الكليني في الجنائز مدحاً له ، ولأن له كتاباً ذكره الشيخ والنجاشي وربما يوثق لكونه من رجال الكامل وجميع ذلك ضعيف ايضاً.

وبما تقدّم يظهر ضعف رواية الصدوق أيضاً ؛ لأنها تنتهي إلىٰ عقبة بن خالد نفسه ، مضافاً إلىٰ أنها مرسلة حيث ان الصدوق (قده) لم يذكر طريقه إلىٰ عقبة في المشيخة ، وأمّا دفع الارسال عنها بأن للشيخ (قده) طريقاً معتبراً في الفهرست إلىٰ كتاب عقبة وقد توسطه الصدوق فيعلم بذلك سنده اليه فتخرج الروايات التي ابتدأ فيها باسمه في الفقيه عن الارسال ( فمخدوش ) إذ لم يثبت ان الصدوق التزم في الفقيه أن لا يبتدئ إلا باسم من أخذ الحديث من كتابه ، بل ثبت خلافه في جملة من الموارد كما سبقت الاشارة إلىٰ ذلك ، وعلىٰ ضوء ذلك فمن أين يعلم إنّه أخذ حديث عقبة هذا من كتابه مباشرة لا من كتب مشايخه أو مشايخ مشايخه مثلاً كي يجدي استكشاف طريقه الى

٢٧

كتاب عقبة في اخراج رواياته في الفقيه عن الارسال فتأمل.

والذي يهون الامر ان مورد الاشكال في سند الكليني والشيخ إلىٰ عقبة إنما هو محمّد بن عبد الله بن هلال ـ كما تقدّم ـ وهو مذكور أيضاً في السند المذكور في الفهرست إلىٰ كتاب عقبة ، فإن أمكن تصحيح طريق الكليني والشيخ بوجه فلا حاجة إلىٰ دفع شبهة الارسال عن رواية الصدوق بما ذكر.

الجهة الثانية : في انجبار ضعف سندها بعمل الأَصحاب وعدمه.

قد يقال إن رواية عقبة هذه وإن كانت ضعيفة سنداً إلا انّها منجبرة بعمل الاصحاب ، فقد أوردها المشايخ الثلاثة في كتبهم من غير ردّ ظاهر وكذا من بعدهم من المتأخرين فيستظهر من ذلك عملهم بها واعتمادهم عليها.

وفي مقابل ذلك قد يدعى وهنها باعراض الاصحاب عنها فيلزم طرحها حتىٰ وان امكن تصحيح سندها ببعض الوجوه المتقدمة ، وتقريب دعوىٰ الاعراض أن يقال إنَّ مقتضىٰ استخدام الجمع لا المثنىٰ في قولهعليه‌السلام ( قضىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء ) ثبوت الشفعة لازيد من شريك واحد ، وهذا خلاف المشهور ، فإنّ المشهور بينهم شهرة عظيمة كادت أن تكون اجماعاً عدم ثبوت حق الشفعة إلا مع وحدة الشريك ، فالشفعة مجعولة عندهم لازالة الشيوع في الأموال لا لتقليله ، ولم يخالف في ذلك غير ابن الجنيد حيث حكم بثبوتها للشركاء مطلقاً ، وغير الصدوق حيث قال بثبوتها للشركاء في خصوص العقار كما نقله عنهما السيد المرتضى في الانتصار(١) وردّ عليهما قائلاً : ( إن اجماع الإماميّة تقدّم الرجلين فلا اعتبار بخلافهما ) ونقل أيضاً : متن رواية عقبة هذه وعدّها من اخبار الاحاد التي لا توجب علماً وذكر وجهين في تأويلها.

__________________

(١) الانتصار : ٢١٧ ـ ٢١٨.

٢٨

وقال الشيخ في الخلاف(١) بعد اختيار المسلك المشهور : دليلنا علىٰ المسألة الأولىٰ إنّه إذا كان الشريك واحداً فلا خلاف في ثبوت الشفعة وإذا كانوا أكثر من ذلك فلا دليل علىٰ ثبوت الشفعة لهم ، واخبار اصحابنا التي يعتمدونها ذكرناها في الكتاب الكبير فنصرة القول الآخر اخبار رويت في هذا المعنىٰ والاقوى عندي الاول.

هذا ولكن يمكن أن يقال إنّه لا يظهر من الرواية ما يخالف المسلك المشهور ولذا لم يعتبرها الشيخ في التهذيبين من الاخبار المخالفة في الباب ، ففي التهذيب(٢) نقلها علىٰ انها من الاخبار الموافقة ولم يعلق عليها بشيء ، كما فعل ذلك بالنسبة إلىٰ بعض الاخبار الآخر ، وفي الاستبصار(٣) نقل عدّة اخبار تدل علىٰ ثبوت الشفعة في اكثر من شريكين وردها ولم يذكر هذه الرواية في ضمنها رغم إنّه أوردها في التهذيب.

والوجه في ذلك ان استخدام صيغة الجمع في الرواية إنّما هو باعتبار ذكر لفظتي ( الأرضين ) ( والمساكن ) فيها ، فهو من مقابلة الجمع بالجمع وظاهره الانحلال ، فلا دلالة في الرواية علىٰ ثبوت الشفعة للشركاء بلحاظ مورد واحد من ارض أو مسكن لتقتضي خلاف ما هو المشهور في المسألة حتىٰ يدعىٰ وهناً باعراض الاصحاب عنها. هذا بالنسبة لدعوى وهنها بإعراض الأَصحاب.

وأما دعوىٰ انجبارها بعمل الاصحاب فهي في غير محلها أيضاً ، لأن كبرى الانجبار غير مسلمة علىٰ اطلاقها بل للانجبار مواضع خاصة ليس المقام منها وتوضيح ذلك موكول إلىٰ محله.

الجهة الثالثة : وهي عمدة ما ركز عليه في كلماتهم : في انّه هل يظهر

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦ مسألة ١١.

(٢) التهذيب ٧ / ١٦٤ / ٧٢٧.

(٣) الاستبصار ٣ / ١١٦ ـ ١١٧ / ٤١٦ ـ ٤١٨.

٢٩

من الرواية ارتباط قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، بالحكم فيها بثبوت الشفعة للشركاء أم لا ؟ وعلىٰ التقدير الاول فهل هناك قرينة خارجيّة توجب رفع اليد عن هذا الظهور أم لا ؟

ووجه العناية بهذا البحث : انّه لو ارتبطت جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) بالحكم بثبوت الشفعة ، فإن ذلك يقتضي عدم إمكان تفسير هذه الجملة بما استظهره بعضهم منها من ارادة النهي التحريمي فقط ، ولذا أصر جماعة منهم علىٰ عدم الارتباط بينهما أوّلهم العلآمة شيخ الشريعة (قده) حيث قال في رسالته(١) وهو يشرح منشأ ميله النفسي إلىٰ ذلك : إن الراجح في نظري القاصر إرادة النهي التكليفي من حديث الضرر ، وكنت استظهر منه ـ عند البحث عنه في اوقات مختلفة ـ إرادة التحريم التكليفي فقط ، إلا إنّه يمنعني عن الجزم بذلك حديث الشفعة وحديث النهي عن منع فضل الماء ، حيث إن اللفظ واحد ولا مجال لارادة ما عدا الحكم الوضعي في حديث الشفعة ، ولا التحريم في منع فضل الماء بناءً علىٰ ما اشتهر عند الفريقين من حمل النهي علىٰ التنزيه ، فكنت أتشبث ببعض الأُمور في دفع الاشكال ، إلىٰ أن استرحت في هذه الاواخر وتبين عندي ان حديث الشفعة والناهي عن منع الفضل لم يكونا حال صدورهما من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مذيّلين بحديث الضرر ، وان الجمع بينهما وبينه جمع من الراوي بين روايتين صادرتين عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقتين مختلفين.

واضاف قده : وهذا المعنىٰ وإن كان دعوىٰ عظيمة وأمراً يثقل تحمله علىٰ كثيرين ويأبىٰ عن تصديقه كثير من الناظرين إلا انّه مجزوم به عندي.

وقد وافقه في هذا الادعاء جمع منهم المحقق النائيني والاصفهاني

__________________

(١) رسالة لا ضرر ولا ضرار : ٢٨.

٣٠

0 (١) وقد وافقاه في كيفية الاستدلال علىٰ ذلك أيضاً في الجملة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

و الكلام يقع تارة في تحقيق ظهور الرواية وأُخرى في ملاحظة القرائن الخارجية فهنا بحثان :

أمّا البحث الأَول : لا اشكال ظاهراً في ظهور سياق الحديث في الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة للشركاء وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار ، وقد اعترف بذلك جمع ممّن اصروا علىٰ عدم الارتباط بينهما بحكم القرائن الخارجية كالعلامة شيخ الشريعة والمحقق النائيني0 ، ولكن لتوضيح الامر لابد من ملاحظة نقطتين :

النقطة الأولىٰ : في تعيين فاعل ( قال ) في الجملة الثانية أي ( وقال لا ضرر ولا ضرار ) فإن المحتمل في ذلك ابتداءً وجهان :

١ ـ أن يكون هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكون قوله ( قال ) عطفاً علىٰ قوله ( قضىٰ رسول الله ).

٢ ـ ان يكون هو الامام الصادقعليه‌السلام ويكون قوله ( قال ) عطفاً علىٰ قوله ( قال قضىٰ رسول الله ) ويكون مقصودهعليه‌السلام من اضافة هذه الجملة علىٰ حكاية قضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجملة الأولىٰ بيان حكمة تشريع الشفعة ، كما أن مقصودهعليه‌السلام باضافة الجملة الثالثة توضيح معنىٰ الشركاء في الجملة الأولىٰ وبيان أن المراد به المالك للكسر المشاع كما ذهب اليه المحدّثون من العامة ، خلافاً لغيرهم ممّن ذهبوا إلىٰ ثبوت حق الشفعة للشريك المقاسم والجار ونحوهما.

__________________

(١) رسالة لا ضرر ولا ضرار تقريرات المحقق النائيني ص ١٩٤ ، نهاية الدراية للمحقق الاصفهاني ٢ / ٣٢٢.

٣١

والظاهر من الحديث هو الوجه الاول أمّا ( اولاً ) فلأن الظاهر من الرواية أن ( قال ) في الجملة الثانية معطوف علىٰ أقرب فعل سبقه مما يصبح أن يكون معطوفاً عليه وهو ( قضىٰ ) لا علىٰ ما قبله وهو ( قال ) في الجملة الأولىٰ ، وأما ( ثانياً ) فلمعروفية صدور هذه الجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدى الفريقين ممّا يوجب انصراف القول اليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يصرّح بخلافه.

ويقوى ظهور الحديث في هذا الوجه بناءً علىٰ رواية الفقيه من اسناد الجملة الثالثة إلىٰ الصادقعليه‌السلام ، فإنّه لو كان قائل الجملة الثانية هو الصادقعليه‌السلام أيضاً لما كان هناك وجه لتغيير سوق الكلام في الجملة الثالثة دون الثانية بل كان العكس هو الانسب ، فالتصريح في الجملة الثالثة بعد الاضمار في الجملة الثانية يعيّن كون القائل في الجملة الثانية هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إلا انّ الشأن في اثبات وقوع التصريح بالقائل في الجملة الثالثة من هذه الرواية بمجرد نسخة الفقيه إذ لم يرد في نقل الكافي والتهذيب ، ولا يمكن ترجيح نسخة الفقيه علىٰ نسختهما إلا بناءً علىٰ تقديم اصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة علىٰ اصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة ولكن هذا لم يثبت بدليل واضح كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

هذا مع ان الجملة الثالثة منقولة في كتب العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً فيقوى احتمال ان يكون اسنادها إلىٰ الصادقعليه‌السلام في نسخة الفقيه اجتهاداً من الصدوق (قده) أو بعض من تقدمه من الرواة.

وربما يرجح الاحتمال الثاني في الرواية ـ أي كون فاعل قال في الجملة الثانية هو الصادقعليه‌السلام ـ بأن الفيض الكاشاني نقل في

٣٢

الوافي(١) قوله ( قال ) من الجملة الثانية معقّباً بقولهعليه‌السلام ، وهذا يناسب كون القائل هو الامامعليه‌السلام لا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلا لقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو المعهود بالنسبة إلىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الروايات.

ولكن يرد عليه اولاً بأنّه لم يعلم وجود هذه الجملة أيعليه‌السلام في نقل عقبة بن خالد فربما كانت اضافة من النساخ أو من صاحب الوافي (قده) استظهاراً ، وثانياً إن استعمال جملةعليه‌السلام بالنسبة إلىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مذكور في بعض الموارد(٢) كما يظهر ذلك بالتتبع فلا ينبغي أن يعد ذلك مرجحاً للاحتمال الثاني.

فتلخص مما ذكرناه أنَّ الرواية ظاهرة في كون قائل الجملة الثانية ـ كالأولى ـ هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

النقطة الثانية : في انّه بعد ما ثبت أن الجملة الثانية كالأُولى من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينبغي أن يبحث هل ان الجمع بينهما من قبيل الجمع في الرواية أي أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين قضائه بثبوت الشفعة للشركاء وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، أو انّه من قبيل الجمع في المروي فيكون من قبل الامامعليه‌السلام أو الراوي ؟.

ففي المقام ثلاثة احتمالات :

١ ـ أن يكون الجمع من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ ـ أن يكون من قبل الامامعليه‌السلام .

٣ ـ أن يكون من قبل الراوي عنه.

__________________

(١) الوافي مجلد ٣ جزء ١٠ / ١٠٣.

(٢) الفقيه ٤ / ٢٥٨ وفي الوسائل ٣٠ : ١٥٠ واعلم انّه إذا أُطلق في الرواية لفظ ( قالعليه‌السلام ) فالمراد به النبي الخ.

٣٣

والفارق بين هذه الاحتمالات انّه علىٰ الاحتمال الأخير لا يجب فرض ترابط بين مضمون الجملتين فإنّهما ـ علىٰ هذا الاحتمال ـ روايتان مختلفتان جمع الراوي بينهما في النقل.

وأمّا علىٰ الاحتمالين الأَولين حيث يكون الجمع من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الامامعليه‌السلام فلا بد من فرض ترابط بينهما في المفاد كما هو واضح فإنّه إذا كان الجمع من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا بُدّ ان يفرض ان الجملة الثانية تتكفل لبيان حكمة تشريع الشفعة ، وكذا إذا كان الجمع من قبل الامامعليه‌السلام فإنّه لا بُدّ ان يفرض ان اضافة الجملة الثانية جاءت بياناً لحكمة التشريع أو بغرض تأييد ثبوت الجملة الأولىٰ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بانسجامها مع القول المعروف عنه من انّه ( لا ضرر ولا ضرار ) من باب التطبيق لقاعدة الأخذ بشواهد الكتاب والسنة في تقويم الأَحاديث كما صرحت بذلك الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام (١) .

هذه هي الاحتمالات المتصورة. وأمّا الترجيح بين هذه الاحتمالات : فالظاهر ان اضعفها الاحتمال الاخير أي احتمال كون الجمع بين الجملتين من قبل الراوي ، إذ لو كان كذلك لكرّر كلمة ( قال ) مرتين عند نقله الجملة الثانية حتىٰ يقع قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا مقولاً لقول آخر من الامامعليه‌السلام ، فظاهر عدم تكرار لفظة ( قال ) ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) وقد عقد في الكافي ١ / ٥٥ باباً لذكر هذه الروايات كما فعل من قبله البرقي في المحاسن ، وقد بحث السيّد الاستاذ مد ظله عن مفاد هذه الاخبار في ابحاثه الاصولية في بحث حجية الخبر الواحد وتعارض الادلة الشرعيّة وانتهى إلىٰ تفسيرها بتفسير مختلف عن التفسير المتعارف لدى المتأخرين وهو انها تنيط اعتبار الحديث ـ وإن كان صحيحاً سنداً ـ بانسجام محتواه مع المبادئ الشرعيّة الثابتة بالكتاب والسنة وسيأتي لهذا توضيح في الفصل الثالث من هذا الكتاب.

٣٤

وقضاءه معاً كانا مقولين لقول واحد من الامامعليه‌السلام ممّا يعني ان الجمع بينهما إنّما كان من قبلهعليه‌السلام إمّا ابتداءً أو تبعاً لجمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهما.

وبعد سقوط الاحتمال المزبور يدور الأَمر بين الاحتمالين الأَولين ولعل اقربهما هو الاحتمال الأَول أي كون الجمع بين قضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله إنّما جاء من قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه.

البحث الثاني : في أنه بعد أن ثبت ان مقتضىٰ ظاهر الحديث هو الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار فهل هناك قرائن خارجيّة توجب رفع اليد عن الظهور المذكور وتثبت أن الجمع بين الجملتين إنّما كان من قبل الراوي للحديث ـ وهو عقبة بن خالد ـ أم لا ؟ قولان :

ذهب إلىٰ الأَول العلامة شيخ الشريعة ووافقه فيه جمع ممّن تأخر عنه فقالوا ان هناك قرائن تشهد علىٰ ان الجمع بين الجملتين إنما جاء من قبل عقبة بن خالد ، وانّه لا ارتباط بين كبرى لا ضرر ولا ضرار والحكم بثبوت الشفعة للشركاء في الأرضين والمساكن.

و لكن الصحيح عندنا هو القول الثاني لعدم تمامية تلك الشواهد المدعاة بل هناك بعض القرائن المساندة لظهور الحديث في الارتباط بين الجملتين.

منها ان كون الجمع بينهما من قبل الراوي لا ينسجم مع تكرار ( لا ضرر ولا ضرار ) بعد حديث منع فضل الماء ـ كما سيأتي في القضية الثالثة ـ فإنّه لو كان عقبة بن خالد هو الذي اتبع ذكر قضائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بحديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) فلماذا كرّر ذكر هذا الحديث مرة أُخرى بعد حديث منع فضل الماء ؟ وأي

٣٥

مبرر لهذا التكرار ما دام يفترض عدم الارتباط بينه وبين ذينك الحديثين ـ أي حديث الشفعة وحديث منع فضل الماء ـ ، فالتكرار المذكور قرينة واضحة علىٰ ان تعقيب حديث الشفعة بحديث لا ضرر إنما كان لأجل الارتباط بينهما بملاحظة الجمع بينهما من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الامامعليه‌السلام .

و أمّا ما يمكن أن يستشهد به للقول الأول فوجوه :

الوجه الأَول : ما ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده) في رسالته(١) قائلاً : يظهر بعد التروي والتأمل التام في الروايات أن الحديث الجامع لأَقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما قضىٰ به في مواضع مختلفة وموارد متشتتة كان معروفاً ، عند الفريقين.

أما من طرقنا فبرواية عقبة بن خالد عن الصادقعليه‌السلام .

وأما من طرق أهل السنة فبرواية عبادة بن الصامت فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده الكبير الجامع لثلاثين الف عن عبادة بن الصامت(٢) قال إن من قضاء رسول الله أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار وقضى في الركاز الخمس ، وقضى إن ثمر النخل لمن أبرّها إلا أن يشترط المبتاع

وقد نقلقدس‌سره هذا الحديث بطوله وهو يشتمل علىٰ عشرين قضاءاً ، وجاء في السادس منها ( وقضى بالشفعة بين الشركاء في الارضين والدور ) ، وجاء في الخامس عشر منها ( وقضى أن لا ضرر ولا ضرار ) ، كما جاء في السابع عشر والثامن عشر منها ( وقضى بين أهل المدينة في النخل : لا

__________________

(١) رسالة لا ضرر ولا ضرار : ٢٨ ـ ٣٤.

(٢) روي حديث عبادة هذا في صحيح أبي عوانة والمعجم الكبير للطبراني أيضاً كما جاء في مختصر كنز العمال بهامش مسند احمد ٢ / ٢٠٣.

٣٦

يمنع نقع بئر وقضى بين أهل البادية إنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل الكلأ )(١) .

وقالرحمه‌الله بعد نقل الحديث ( وهذه الفقرات كلها أو جلّها مروية من طرقنا ، موزعة علىٰ الأبواب وغالبها برواية عقبة بن خالد وبعضها برواية غيره ، وجملة منها برواية السكوني ، والذي اعتقده انّها كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إلا ان أئمة الحديث فرقوها علىٰ الأبواب ).

ثم تعرض (قده) لتخريج هذه القضايا من طرقنا إلا إنّه لم يخرّج من القضايا العشرين التي وردت في خبر عبادة سوى اثني عشر ، منها سبعة عن عقبة بن خالد ـ وهي ثلاثة موارد مضافاً إلىٰ الموارد التي ذكرناها ممّا اختلف فيه النقلان ـ وخمسة لم يذكر الراوي لها.

ثم قال ره : قد عرفت بما نقلنا مطابقة ما روي في طرق القوم مع ما روي من طرقنا من غير زيادة ونقيصة ، بل بعنوان تلك الالفاظ غالباً إلا الحديثين الاخيرين المرويّين عندنا من غير زيادة قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) وتلك. المطابقة بين الفقرات ممّا يؤكد الوثوق بأن الاخيرين أيضاً كانا مطابقين لما رواه عبادة من عدم التذييل بحديث الضرر ، وأن غرض الراوي انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كذا وقال كذا ، لا انّه كان متصلاً به وفي ذيله مما يرجع إلىٰ انّه كان حديث الشفعة مذيلاً بحديث الضرر وكذلك الناهي عن منع فضل الماء واسقطهما عبادة بن الصامت في نقله وانّه روى جميع الفقرات مطابقة للواقع إلا الفقرتين من غير خصوصية فيهما ، ولا تصوّر نفع له أو ضرر عليه في النقل للذيل وتركه.

ثم قال قده : وبعد هذا كله : فظهور كون هذا الذيل متصلاً بحديث

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

٣٧

الشفعة حال صدوره ليس ظهوراً لفظياً وضعياً لا يرفع اليد عنه إلا بداع قوي وظهور أقوىٰ ، بل هو ظهور ضعيف يرتفع بالتأمل فيما نقلناه ، سيّما مع ما علم من استقراء رواياته ـ أي روايات عبادة ـ من اتقانه وضبطه وما صرّحوا به إنّه كان من اجلاء الشيعة.

ثم ذكر ( ره ) بعض ما يدل علىٰ جلالة عبادة وشهادته المشاهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجوعه بعده إلىٰ أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وملخص ما أفادهقدس‌سره انّه وإن كان ظاهر رواية عقبة ان كبرى لا ضرركانت ذيلاً لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء في مرحلة سابقة علىٰ نقل عقبة ، إلا انّه يجب رفع اليد عن هذا الظهور الذي هو ضعيف اساساً بملاحظة ان اقضية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رويت بطريق العامة عن عبادة بن الصامت ولم يذكر فيها هذه الكبرىٰ ذيلاً لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء بل جاء ذكرها قضاءاً مستقلاً ، وحيث ان عقبة بن خالد قد روى أيضاً اقضية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما يدل علىٰ ذلك وجود جملة منها منقولة عنه في الجوامع الحديثية الموجودة بأيدينا ـ والمظنون انّها كانت مجتمعة في روايته وإنّما فرّقها أصحاب الكتب ليلحقوا كل قضية ببابها فيستنتج من ضم هذا إلىٰ ذاك أن الجمع بين حديثي الشفعة ومنع فضل الماء وحديث لا ضرر في رواية عقبة إنما هو من قبيل الجمع في الرواية علىٰ حذو ذلك في حديث عبادة.

هذا ملخص كلامهقدس‌سره في هذا الوجه وقد وافقه عليه جمع من المحققين(١) .

ولتحقيق ما أفاده ( ره ) لا بُدّ من البحث :

__________________

(١) لاحظ رسالة لا ضرر ولا ضرار تقريرات المحقق النائيني : ١٩٤ ، ونهاية الدراية للمحقق الاصفهاني ٢ / ٣٢٢.

٣٨

اولاً عن مدى اعتبار أصل حديث عبادة بن الصامت.

و ثانياً عمّا يقتضيه الموقف في الحكم بينه وبين حديث عقبة بن خالد فهنا جهتان :

الجهة الأولىٰ : في اعتبار حديث عبادة وعدمه ، ويلاحظ بهذا الشأن أُمور :

الأَول : أنّه لو ثبتت وثاقة عبادة بن الصامت ـ كما ذكره العلامة شيخ الشريعة قده ـ فلا طريق لنا لاثبات وثاقة غيره من رجال سند الحديث المذكور ، لأنهم من رجال العامة غير المذكورين في كتبنا ، فلا تجدي وثاقة عبادة وحده في إمكان الاعتماد علىٰ حديثه هذا بعد عدم نقله بطريق معتبر عندنا.

الثاني : إن هذا الحديث لم تثبت صحته حتىٰ عند العامة الذين رووه واثبتوه في كتبهم فإنه حديث مرسل منقطع الاسناد كما تعرض لذلك جملة من علمائهم فإنّ إسحاق الراوي عن عبادة بن الصامت حديثه هذا لم يدركه ، كما نص علىٰ ذلك البخاري والترمذي وابن عدي وغيرهم(١) .

الثالث : إنّ ما ذكرهقدس‌سره من معروفية أقضية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجتمعة عند العامة برواية عبادة بن الصامت لم يقترن بشاهد أصلاً بل ربما كانت الشواهد علىٰ خلافه ، ويظهر ذلك بملاحظة سند الحديث ومصدره.

أمّا عن سند الحديث فلأنّه قد تفرّد بنقل هذه الاقضية مجتمعة عن

__________________

(١) كما في تهذيب التهذيب ١ / ٢٢٤ وتحفة الأشراف ٤ : ٢٣٩ وابن ماجة ٢ : ٧٨٤ ذيل الحديث ٢٣٤٠.

٣٩

عبادة : إسحاق بن يحيى وتفرد بروايتها عن إسحاق موسى بن عقبة ، فليس لها حظّ من الشهرة الروائية.

وأما عن مصدر الحديث فلأن هذا الحديث لم يوجد بطوله في مجاميعهم الحديثية المهمة كالصحاح الستة ـ بل لم ينقل في شيء من صحاحهم جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) إلا في سنن ابن ماجة(١) ـ كما أن كثيراً من فقراتها الاخرى غير مذكورة فيها ، فكيف يدّعى مع ذلك شهرته ومعروفيته عندهم.

نعم ورد ذكره في مسند احمد وصحيح أبي عوانة ومعجم الطبراني ولكن هذه الكتب الثلاثة ليست بتلك فسّر والاعتبار عندهم ، واشهرها مسند احمد الذي اطّلع العلامة شيخ الشريعة علىٰ تضمنه لهذا الحديث ، غير انّ المسند تدور حوله جملة من الشبهات :

( منها ) انّه بصورته المعروفة ليس من جمع احمد بن حنبل ولذا لم يروه عنه تلامذته من غير أهل بيته وإنّما نقله عنه أهل بيته خاصة سيّما ابنه عبد الله ، فعن شمس الدين الجزري : إن الامام احمد شرع في جمع المسند لكنه في أوراق متناثرة وفرقه في اجزاء منفردة علىٰ نحو ما تكون المسوّدة ثم توقّع حلول المنية قبل حصول الأمنية فبادر باسماعه لاولاده وأهل بيته ومات قبل تنقيحه وتهذيبه فبقي علىٰ حاله ثم جاء بعده ابنه عبد الله فألحق به ما يشاكله وضم اليه من مسموعاته ما يشابهه ويماثله(٢) .

ومنها : ان المسند الموجود بايدينا ليس جميعه من رواية احمد بل لابنه

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ / ٧٨٤ / ٢٣٤٠ و ١٤٣١.

(٢) تاربخ المذاهب الإسلامية محمود أبو زهرة ٢ / ٥٢٤ ـ ٥٢٥.

٤٠