كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 454

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 454
المشاهدات: 78518
تحميل: 5152


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 454 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78518 / تحميل: 5152
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

فلما اجتمع رأيهم على بيعته و استمالوا حسان بن بحدل إليها قام روح بن زنباع الجذامي فحمد الله و أثنى عليه فقال أيها الناس إنكم تذكرون لهذا الأمر عبد الله بن عمر بن الخطاب و تذكرون صحبته لرسول الله ص و قدمه في الإسلام و هو كما تذكرون لكنه رجل ضعيف و ليس صاحب أمة محمد بالضعيف و أما عبد الله بن الزبير و ما يذكر الناس من أمره و أن أباه حواري رسول الله ص و أمه أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين فهو لعمري كما تذكرون و لكنه منافق قد خلع خليفتين يزيد و أباه معاوية و سفك الدماء و شق عصا المسلمين و ليس صاحب أمة محمد ص بالمنافق و أما مروان بن الحكم فو الله ما كان في الإسلام صدع قط إلا كان مروان ممن يشعب ذلك الصدع و هو الذي قاتل عن عثمان بن عفان يوم الدار و الذي قاتل علي بن أبي طالب يوم الجمل و إنا نرى للناس أن يبايعوا الكبير و يستشبوا الصغير يعني بالكبير مروان و بالصغير خالد بن يزيد.فاجتمع رأي الناس على البيعة لمروان ثم لخالد بن يزيد من بعده ثم لعمرو بن سعيد بن العاص بعدهما على أن تكون في أيام خلافة مروان إمرة دمشق لعمرو بن سعيد و إمرة حمص لخالد بن يزيد فلما استقر الأمر على ذلك دعا حسان بن بحدل خالد بن يزيد فقال يا ابن أختي إن الناس قد أبوك لحداثة سنك و إني و الله ما أريد هذا الأمر إلا لك و لأهل بيتك و ما أبايع مروان إلا نظرا لكم فقال خالد بل عجزت عنا فقال لا و الله لم أعجز عنك و لكن الرأي لك ما رأيت.ثم إن حسان دعا مروان بن الحكم فقال له يا مروان إن الناس كلهم لا يرضون

١٦١

بك فما ترى فقال مروان إن يرد الله أن يعطينيها لم يمنعنها أحد من خلقه و إن يرد أن يمنعنيها لا يعطينيها أحد من خلقه فقال حسان صدقت.ثم صعد حسان المنبر فقال أيها الناس إني مستخلف في غد أحدكم إن شاء الله فاجتمع الناس بكرة الغد ينتظرون فصعد حسان المنبر و بايع لمروان و بايع الناس و سار من الجابية حتى نزل بمرج راهط حيث الضحاك بن قيس نازل فجعل مروان على ميمنته عمرو بن سعيد بن العاص و على ميسرته عبيد الله بن زياد و جعل الضحاك على ميمنته زياد بن عمرو بن معاوية العتكي و على ميسرته ثور بن معن السلمي و كان يزيد بن أبي النمس الغساني بدمشق لم يشهد الجابية و كان مريضا فلما حصل الضحاك بمرج راهط ثار بأهل دمشق في عبيده و أهله فغلب عليها و أخرج عامل الضحاك منها و غلب على الخزائن و بيت المال و بايع لمروان و أمده من دمشق بالرجال و المال و السلاح فكان ذلك أول فتح فتح لمروان.ثم وقعت الحرب بين مروان و الضحاك فاقتتلوا بمرج راهط عشرين ليلة فهزم أصحاب الضحاك و قتلوا و قتل أشراف الناس من أهل الشام و قتلت قيس مقتلة لم تقتل مثلها في موطن قط و قتل ثور بن معن السلمي الذي رد الضحاك عن رأيه.قال أبو جعفر و روي أن بشير بن مروان كان صاحب الراية ذلك اليوم و أنه كان ينشد

إن على الرئيس حقا حقا

أن يخضب الصعدة أو يندقا

و صرع ذلك اليوم عبد العزيز بن مروان ثم استنقذ.قال و مر مروان برجل من محارب و هو في نفر يسير من أصحاب مروان فقال له

١٦٢

لو انضممت إلى أصحابك رحمك الله فإني أراك في قلة فقال إن معنا يا أمير المؤمنين من الملائكة مددا أضعاف من تأمرنا بالانضمام إليهم قال فضحك مروان و سر بذلك و قال للناس ممن كان حوله أ لا تستمعون قال أبو جعفر و كان قاتل الضحاك رجلا من كلب يقال له زحنة بن عبد الله فلما قتله و أحضر الرأس إلى مروان ظهرت عليه كآبة و قال الآن حين كبرت سني و دق عظمي و صرت في مثل ظم‏ء الحمار أقبلت أضرب الكتائب بعضها ببعض.قال أبو جعفر و روي أن مروان أنشد لما بويع و دعا إلى نفسه

لما رأيت الأمر أمرا نهبا

سيرت غسان لهم و كلبا

و السكسكيين رجالا غلبا

و طيئا تأباه إلا ضربا

و القين تمشي في الحديد نكبا

و من تنوخ مشمخرا صعبا

لا يملكون الملك إلا غصبا

و إن دنت قيس فقل لا قربا

قال أبو جعفر و خرج الناس منهزمين بعد قتل الضحاك فانتهى أهل حمص إلى حمص و عليها النعمان بن بشير فلما عرف الخبر خرج هاربا و معه ثقله و ولده و تحير ليلته كلها و أصبح و هو بباب مدينة حمص فرآه أهل حمص فقتلوه و خرج زفر بن الحارث الكلابي من قنسرين هاربا فلحق بقرقيسياء و عليها عياض بن أسلم الجرشي فلم يمكنه من دخولها فحلف له زفر بالطلاق و العتاق أنه إذا دخل حمامها خرج منها و قال له إن لي حاجة إلى دخول الحمام فلما دخلها لم يدخل حمامها و أقام بها و أخرج عياضا

١٦٣

منها و تحصن فيها و ثابت إليه قيس عيلان و خرج ناتل بن قيس الجذامي من فلسطين هاربا فالتحق بابن الزبير بمكة و أطبق أهل الشام على مروان و استوثقوا له و استعمل عليهم عماله ففي ذلك يقول زفر بن الحارث

أريني سلاحي لا أبا لك إنني

أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا

أتاني عن مروان بالغيب أنه

مريق دمي أو قاطع من لسانيا

و في العيس منجاة و في الأرض مهرب

إذا نحن رفعنا لهن المبانيا

فقد ينبت المرعى على دمن الثرى

و تبقى حزازات النفوس كما هيا

أ تذهب كلب لم تنلها رماحنا

و تترك قتلى راهط هي ما هيا

لعمري لقد أبقت وقيعة راهط

لحسان صدعا بينا متنائيا

أ بعد ابن عمرو و ابن معن تتايعا

و مقتل همام أمنى الأمانيا

و لم تر مني نبوة قبل هذه

فراري و تركي صاحبي ورائيا

أ يذهب يوم واحد إن أسأته

بصالح أيامي و حسن بلائيا

فلا صلح حتى تنحط الخيل بالقنا

و تثأر من نسوان كلب نسائيا

و قال زفر بن الحارث أيضا و هو من شعر الحماسة

أ في الله أما بحدل و ابن بحدل

فيحيا و أما ابن الزبير فيقتل

كذبتم و بيت الله لا تقتلونه

و لما يكن يوم أغر محجل

١٦٤

و لما يكن للمشرفية فوقكم

شعاع كقرن الشمس حين ترجل

و أما وفاة مروان و السبب فيها أنه كان قد استقر الأمر بعده لخالد بن يزيد بن معاوية على ما قدمنا ذكره فلما استوثق له الأمر أحب أن يبايع لعبد الملك و عبد العزيز ابنيه فاستشار في ذلك فأشير عليه أن يتزوج أم خالد بن يزيد و هي ابنة أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة ليصغر شأنه فلا يرشح للخلافة فتزوجها ثم قال لخالد يوما في كلام دار بينهما و المجلس غاص بأهله اسكت يا ابن الرطبة فقال خالد أنت لعمري مؤتمن و خبير.ثم قام باكيا من مجلسه و كان غلاما حينئذ فدخل على أمه فأخبرها فقالت له لا يعرفن ذلك فيك و اسكت فأنا أكفيك أمره فلما دخل عليها مروان قال لها ما قال لك خالد قالت و ما عساه يقول قال أ لم يشكني إليك قالت إن خالدا أشد إعظاما لك من أن يشتكيك فصدقها ثم مكثت أياما فنام عندها و قد واعدت جواريها و قمن إليه فجعلن الوسائد و البراذع عليه و جلسن عليه حتى خنقه و ذلك بدمشق في شهر رمضان.و هو ابن ثلاث و ستين سنة في قول الواقدي.و أما هشام بن محمد الكلبي فقال ابن إحدى و ثمانين سنة و قال كان ابن إحدى و ثمانين عاش في الخلافة تسعة أشهر و قيل عشرة أشهر و كان في أيام كتابته لعثمان بن عفان أكثر حكما و أشد تلطفا و تسلطا منه في أيام خلافته و كان ذلك من أعظم الأسباب الداعية إلى خلع عثمان و قتله.و قد قال قوم إن الضحاك بن قيس لما نزل مرج راهط لم يدع إلى ابن الزبير و إنما دعا إلى نفسه و بويع بالخلافة و كان قرشيا و الأكثر الأشهر أنه كان يدعو إلى ابن الزبير

١٦٥

73 و من كلام له ع لما عزموا على بيعة عثمان

لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَ اَللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ اَلْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً اِلْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ نافست في الشي‏ء منافسة و نفاسا إذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم و تنافسوا فيه أي رغبوا.و الزخرف الذهب ثم شبه به كل مموه مزور قال تعالى( حَتَّى إِذا أَخَذَتِ اَلْأَرْضُ زُخْرُفَها ) و المزخرف المزين.و الزبرج الزينة من وشي أو جوهر و نحو ذلك و يقال الزبرج الذهب أيضا.يقول لأهل الشورى إنكم تعلمون أني أحق بالخلافة من غيري و تعدلون عني ثم أقسم ليسلمن و ليتركن المخالفة لهم إذا كان في تسليمه و نزوله عن حقه سلامة أمور المسلمين و لم يكن الجور و الحيف إلا عليه خاصة و هذا كلام مثله ع لأنه إذا علم أو غلب على ظنه أنه أن نازع و حارب دخل على الإسلام وهن و ثلم لم يختر له المنازعة و إن كان

١٦٦

يطلب بالمنازعة ما هو حق و إن علم أو غلب على ظنه بالإمساك عن طلب حقه إنما يدخل الثلم و الوهن عليه خاصة و يسلم الإسلام من الفتنة وجب عليه أن يغضي و يصبر على ما أتوا إليه من أخذ حقه و كف يده حراسة للإسلام من الفتنة.فإن قلت فهلا سلم إلى معاوية و إلى أصحاب الجمل و أغضى على اغتصاب حقه حفظا للإسلام من الفتنة.قلت إن الجور الداخل عليه من أصحاب الجمل و من معاوية و أهل الشام لم يكن مقصورا عليه خاصة بل كان يعم الإسلام و المسلمين جميعا لأنهم لم يكونوا عنده ممن يصلح لرئاسة الأمة و تحمل أعباء الخلافة فلم يكن الشرط الذي اشترطه متحققا و هو قوله و لم يكن فيه جور إلا علي خاصة.و هذا الكلام يدل على أنه ع لم يكن يذهب إلى أن خلافة عثمان كانت تتضمن جورا على المسلمين و الإسلام و إنما كانت تتضمن جورا عليه خاصة و أنها وقعت على جهة مخالفة الأولى لا على جهة الفساد الكلي و البطلان الأصلي و هذا محض مذهب أصحابنا

كلام لعلي قبل المبايعة لعثمان

و نحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدته أصحاب الشورى و تعديده فضائله و خصائصه التي بان بها منهم و من غيرهم قد روى الناس ذلك فأكثروا و الذي صح عندنا أنه لم يكن الأمر كما روي من تلك التعديدات الطويلة

و لكنه قال لهم بعد أن بايع عبد الرحمن و الحاضرون عثمان و تلكا هو ع عن البيعة إن لنا حقا إن نعطه نأخذه و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى في كلام قد ذكره أهل السيرة و قد أوردنا بعضه فيما تقدم

ثم قال لهم أنشدكم الله أ فيكم أحد آخى رسول الله ص بينه و بين نفسه حيث آخى بين بعض المسلمين و بعض غيري

١٦٧

فقالوا لا فقال أ فيكم أحد قال له رسول الله ص من كنت مولاه فهذا مولاه غيري فقالوا لا فقال أ فيكم أحد قال له رسول الله ص أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري قالوا لا قال أ فيكم من اؤتمن على سورة براءة و قال له رسول الله ص إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني غيري قالوا لا قال أ لا تعلمون أن أصحاب رسول الله ص فروا عنه في ماقط الحرب في غير موطن و ما فررت قط قالوا بلى قال أ لا تعلمون أني أول الناس إسلاما قالوا بلى قال فأينا أقرب إلى رسول الله ص نسبا قالوا أنت فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف كلامه و قال يا علي قد أبى الناس إلا على عثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا ثم قال يا أبا طلحة ما الذي أمرك به عمر قال أن أقتل من شق عصا الجماعة فقال عبد الرحمن لعلي بايع اذن و إلا كنت متبعا غير سبيل المؤمنين و أنفذنا فيك ما أمرنا به فقال لقد علمتم أني أحق بها من غيري و الله لأسلمن الفصل إلى آخره ثم مد يده فبايع

١٦٨

74 و من كلام له ع لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان

أَ وَ لَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفِي أَ وَ مَا وَزَعَ اَلْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي وَ لَمَا وَعَظَهُمُ اَللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَانِي أَنَا حَجِيجُ اَلْمَارِقِينَ وَ خَصِيمُ اَلنَّاكِثِينَ اَلْمُرْتَابِينَ وَ عَلَى كِتَابِ اَللَّه تُعْرَضُ اَلْأَمْثَالُ وَ بمَا في اَلصُّدُورِ تُجَازَى اَلْعِبَادُ القرف العيب قرفته بكذا أي عبته و وزع كف و ردع و منه قوله لا بد للناس من وزعة جمع وازع أي من رؤساء و أمراء و التهمة بفتح الهاء هي اللغة الفصيحة و أصل التاء فيه واو.و الحجيج كالخصيم ذو الحجاج و الخصومة يقول ع أ ما كان في علم بني أمية بحالي ما ينهاها عن قرفي بدم عثمان و حاله التي أشار إليها و ذكر أن علمهم بها يقتضي ألا يقرفوه بذلك هي منزلته في الدين التي لا منزلة أعلى منها و ما نطق به الكتاب الصادق من طهارته و طهارة بنيه و زوجته في قوله( إِنَّما يُرِيدُ اَللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

و قول النبي ص أنت مني بمنزلة هارون من موسى و ذلك يقتضي عصمته عن الدم الحرام

١٦٩

كما أن هارون معصوم عن مثل ذلك و ترادف الأقوال و الأفعال من رسول الله ص في أمره التي يضطر معها الحاضرون لها و المشاهدون إياها إلى أن مثله لا يجوز أن يسعى في إراقة دم أمير مسلم لم يحدث حدثا يستوجب به إحلال دمه.و هذا الكلام صحيح معقول و ذاك أنا نرى من يظهر ناموس الدين و يواظب على نوافل العبادات و نشاهد من ورعه و تقواه ما يتقرر معه في نفوسنا استشعاره الدين و اعتقاده إياه فيصرفنا ذلك عن قرفه بالعيوب الفاحشة و نستبعد مع ذلك طعن من يطعن فيه و ننكره و ناباه و نكذبه فكيف ساغ لأعداء أمير المؤمنين ع مع علمهم بمنزلته العالية في الدين التي لم يصل إليها أحد من المسلمين أن يطلقوا ألسنتهم فيه و ينسبوه إلى قتل عثمان أو الممالاة عليه لا سيما و قد اتصل بهم و ثبت عندهم أنه كان من أنصاره لا من المجلبين عليه و أنه كان أحسن الجماعة فيه قولا و فعلا.ثم قال أ لم تزع الجهال و تردعهم سابقتي عن تهمتي و هذا الكلام تأكيد للقول الأول.ثم قال إن الذي وعظهم الله تعالى به في القرآن من تحريم الغيبة و القذف و تشبيه ذلك بأكل لحم الميت أبلغ من وعظي لهم لأنه لا عظة أبلغ من عظة القرآن.ثم قال أنا حجيج المارقين و خصيم المرتابين يعني يوم القيامة؛روي عنه ع أنه قال أنا أول من يجثو للحكومة بين يدي الله تعالى،و قد روي عن النبي ص مثل ذلك مرفوعا في قوله تعالى( هذانِ خَصْمانِ اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) و أنه ص سئل عنها فقال علي و حمزة و عبيدة و عتبة و شيبة و الوليد و كانت حادثتهم أول حادثة وقعت فيها مبارزة أهل الإيمان لأهل الشرك و كان المقتول الأول بالمبارزة الوليد بن عتبة قتله علي ع ضربه على رأسه فبدرت عيناه على وجنته

١٧٠

فقال النبي ص فيه و في أصحابه ما قال و كان علي ع يكثر من قوله أنا حجيج المارقين و يشير إلى هذا المعنى.ثم أشار إلى ذلك بقوله على كتاب الله تعرض الأمثال يريد قوله تعالى( هذانِ خَصْمانِ اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) .ثم قال و بما في الصدور تجازى العباد إن كنت قتلت عثمان أو مالأت عليه فإن الله تعالى سيجازيني بذلك و إلا فسوف يجازي بالعقوبة و العذاب من اتهمني به و نسبه إلي.و هذا الكلام يدل على ما يقوله أصحابنا من تبرؤ أمير المؤمنين ع من دم عثمان و فيه رد و إبطال لما يزعمه الإمامية من كونه رضي به و أباحه و ليس يقول أصحابنا أنه ع لم يكن ساخطا أفعال عثمان و لكنهم يقولون إنه و إن سخطها و كرهها و أنكرها لم يكن مبيحا لدمه و لا ممالئا على قتله و لا يلزم من إنكار أفعال الإنسان إحلال دمه فقد لا يبلغ الفعل في القبح إلى أن يستحل به الدم كما في كثير من المناهي

١٧١

75 و من خطبة له ع

رَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً [ عَبْداً ] سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى وَ دُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا وَ أَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا رَاقَبَ رَبَّهُ وَ خَافَ ذَنْبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً وَ عَمِلَ صَالِحاً [ نَاصِحاً ] اِكْتَسَبَ مَذْخُوراً وَ اِجْتَنَبَ مَحْذُوراً رَمَى غَرَضاً وَ أَحْرَزَ عِوَضاً كَابَرَ هَوَاهُ وَ كَذَّبَ مُنَاهُ جَعَلَ اَلصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ وَ اَلتَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ رَكِبَ اَلطَّرِيقَةَ اَلْغَرَّاءَ لَزِمَ اَلْمَحَجَّةَ اَلْبَيْضَاءَ اِغْتَنَمَ اَلْمَهَلَ وَ بَادَرَ اَلْأَجَلَ وَ تَزَوَّدَ مِنَ اَلْعَمَلِ الحكم هاهنا الحكمة قال سبحانه( وَ آتَيْناهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا ) و وعى حفظ وعيت الحديث أعيه وعيا و أذن واعية أي حافظة و دنا قرب و الحجزة معقد الإزار و أخذ فلان بحجزة فلان إذا اعتصم به و لجأ إليه.ثم حذف ع الواو في اللفظات الأخر فلم يقل و راقب ربه و لا و قدم خالصا و كذلك إلى آخر اللفظات و هذا نوع من الفصاحة كثير في استعمالهم.و اكتسب بمعنى كسب يقال كسبت الشي‏ء و اكتسبته بمعنى.و الغرض ما يرمى بالسهام يقول رحم الله امرأ رمى غرضا أي قصد الحق كمن يرمي غرضا يقصده لا من يرمي في عمياء لا يقصد شيئا بعينه.

١٧٢

و العوض المحرز هاهنا هو الثواب.و قوله كابر هواه أي غالبه و روي كاثر بالثاء المنقوطة بالثلاث أي غالب هواه بكثرة عقله يقال كاثرناهم فكثرناهم أي غلبناهم بالكثرة.و قوله و كذب مناه أي أمنيته و الطريقة الغراء البيضاء و المهل النظر و التؤدة

١٧٣

76 و من كلام له ع

إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَيُفَوِّقُونَنِي تُرَاثَ مُحَمَّدِ ص تَفْوِيقاً وَ اَللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَهُمْ لَأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اَللَّحَّامِ اَلْوِذَامَ اَلتَّرِبَةَ قال الرضيرحمه‌الله و يروى التراب الوذمة و هو على القلب.و قوله ع ليفوقونني أي يعطونني من المال قليلا كفواق الناقة و هو الحلبة الواحدة من لبنها.و الوذام التربة جمع وذمة و هي الحزة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض اعلم أن أصل هذا الخبر قد رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب الأغاني بإسناد رفعه إلى الحارث بن حبيش قال بعثني سعيد بن العاص و هو يومئذ أمير الكوفة من قبل عثمان بهدايا إلى المدينة و بعث معي هدية إلى علي ع و كتب إليه أني لم أبعث إلى أحد أكثر مما بعثت به إليك إلا إلى أمير المؤمنين فلما أتيت عليا ع و قرأ كتابه

قال لشد ما يحظر علي بنو أمية تراث محمد ص أما و الله لئن وليتها لأنفضنها نفض القصاب التراب الوذمة.

١٧٤

قال أبو الفرج و هذا خطأ إنما هو الوذام التربة.قال و قد حدثني بذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أبي زيد عمر بن شبة بإسناد ذكره في الكتاب أن سعيد بن العاص حيث كان أمير الكوفة بعث مع ابن أبي عائشة مولاه إلى علي بن أبي طالب ع بصلة

فقال علي ع و الله لا يزال غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على رسوله بمثل قوت الأرملة و الله لئن بقيت لأنفضنها نفض القصاب الوذام التربة

١٧٥

77 و من كلمات كان ع يدعو بها

اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدِي اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ اَلْأَلْحَاظِ وَ سَقَطَاتِ اَلْأَلْفَاظِ وَ سَهَوَاتِ اَلْجَنَانِ وَ هَفَوَاتِ اَللِّسَانِ وأيت أي وعدت و الوأي الوعد و رمزات الألحاظ الإشارة بها و الألحاظ جمع لحظ بفتح اللام و هو مؤخر العين و سقطات الألفاظ لغوها و سهوات الجنان غفلاته و الجنان القلب و هفوات اللسان زلاته.و في هذا الموضع يقال ما فائدة الدعاء عندكم و القديم تعالى إنما يغفر الصغائر لأنها تقع مكفرة فلا حاجة إلى الدعاء بغفرانها و لا يؤثر الدعاء أيضا في أفعال الباري سبحانه لأنه إنما يفعل بحسب المصالح و يرزق المال و الولد و غير ذلك و يصرف المرض و الجدب و غيرهما بحسب ما يعلمه من المصلحة فلا تأثير للدعاء في شي‏ء من ذلك.و الجواب أنه لا يمتنع أن يحسن الدعاء بما يعلم أن القديم يفعله لا محالة و يكون وجه حسنه صدوره عن المكلف على سبيل الانقطاع إلى الخالق سبحانه.

١٧٦

و يجوز أيضا أن يكون في الدعاء نفسه مصلحة و لطف للمكلف لقد حسن منا الاستغفار للمؤمنين و الصلاة على الأنبياء و الملائكة.و أيضا فليس كل أفعال البارئ سبحانه واجبة عليه بل معظمها ما يصدر على وجه الإحسان و التفضل فيجوز أن يفعله و يجوز ألا يفعله.فإن قلت فهل يسمى فعل الواجب الذي لا بد للقديم تعالى من فعله إجابة لدعاء المكلف.قلت لا و إنما يسمى إجابة إذا فعل سبحانه ما يجوز أن يفعله و يجوز ألا يفعله كالتفضل و أيضا فإن اللطف و المصلحة قد يكون لطفا و مصلحة في كل حال و قد يكون لطفا عند الدعاء و لو لا الدعاء لم يكن لطفا و ليس بممتنع في القسم الثاني أن يسمى إجابة للدعاء لأن للدعاء على كل حال تأثيرا في فعله.فإن قيل أ يجوز أن يدعو النبي ص بدعاء فلا يستجاب له.قيل إن من شرط حسن الدعاء أن يعلم الداعي حسن ما طلبه بالدعاء و إنما يعلم حسنه بألا يكون فيه وجه قبح ظاهر و ما غاب عنه من وجوه القبح نحو كونه مفسدة يجب أن يشترطه في دعائه و يطلب ما يطلبه بشرط ألا يكون مفسدة و إن لم يظهر هذا الشرط في دعائه وجب أن يضمره في نفسه فمتى سأل النبي ربه تعالى أمرا فلم يفعله لم يجز أن يقال إنه ما أجيبت دعوته لأنه يكون قد سأل بشرط ألا يكون مفسدة فإذا لم يقع ما يطلبه فلأن المطلوب قد علم الله فيه من المفسدة ما لم يعلمه النبي ص فلا يقال إنه ما أجيب دعاؤه لأن دعاءه كان مشروطا و إنما يصدق قولنا ما أجيب دعاؤه على من طلب أمرا طلبا مطلقا غير مشروط فلم يقع و النبي ص لا يتحقق ذلك في حقه

١٧٧

من أدعية رسول الله المأثورة

و نحن نذكر في هذا الموضع جملة من الأدعية المأثورة طلبا لبركتها و لينتفع قارئ الكتاب بها

كان من دعاء رسول الله ص إذا أصبح أن يقول أصبحنا و أصبح الملك و الكبرياء و العظمة و الجلال و الخلق و الأمر و الليل و النهار و ما يسكن فيهما لله عز و جل وحده لا شريك له اللهم اجعل أول يومي هذا صلاحا و أوسطه فلاحا و آخره نجاحا اللهم إني أسألك خير الدنيا و الآخرة يا أرحم الراحمين اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا و بين معاصيك و من طاعتنا ما تبلغنا به رحمتك و من اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا اللهم متعنا بأسماعنا و أبصارنا و اجعلهما الوارث منا و انصرنا على من ظلمنا و لا تجعل مصيبتنا في ديننا و لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا و لا تسلط علينا من لا يرحمنا

من أدعية الصحيفة

و من دعاء أمير المؤمنين ع و كان يدعو به زين العابدين علي بن الحسين ع و هو من أدعية الصحيفة يا من يرحم من لا يرحمه العباد و يا من يقبل من لا تقبله البلاد و يا من لا يحتقر أهل الحاجة إليه يا من لا يجبه بالرد أهل الإلحاح إليه يا من لا يخفى عليه صغير ما يتحف به و لا يضيع يسير ما يعمل له يا من يشكر على القليل و يجازي بالجليل يا من يدنو إلى من دنا منه يا من يدعو إلى نفسه من أدبر عنه يا من لا يغير النعمة و لا يبادر بالنقمة يا من يثمر الحسنة حتى ينميها و يتجاوز عن السيئة حتى يعفيها انصرفت

١٧٨

دون مدى كرمك الحاجات و امتلأت ببعض جودك أوعية الطلبات و تفسخت دون بلوغ نعتك الصفات فلك العلو الأعلى فوق كل عال و الجلال الأمجد فوق كل جلال كل جليل عندك حقير و كل شريف في جنب شرفك صغير خاب الوافدون على غيرك و خسر المتعرضون إلا لك و ضاع الملمون إلا بك و أجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك لأنك ذو غاية قريبة من الراغبين و ذو مجد مباح للسائلين لا يخيب لديك الآملون و لا يخفق من عطائك المتعرضون و لا يشقى بنقمتك المستغفرون رزقك مبسوط لمن عصاك و حلمك معرض لمن ناواك و عادتك الإحسان إلى المسيئين و سنتك الإبقاء على المعتدين حتى لقد غرتهم أناتك عن النزوع و صدهم إمهالك عن الرجوع و إنما تأنيت بهم ليفيئوا إلى أمرك و أمهلتهم ثقة بدوام ملكك فمن كان من أهل السعادة ختمت له بها و من كان من أهل الشقاوة خذلته لها.كلهم صائر إلى رحمتك و أمورهم آئلة إلى أمرك لم يهن على طول مدتهم سلطانك و لم تدحض لترك معاجلتهم حججك حجتك قائمة و سلطانك ثابت فالويل الدائم لمن جنح عنك و الخيبة الخاذلة لمن خاب أمله منك و الشقاء الأشقى لمن اغتر بك ما أكثر تقلبه في عذابك و ما أعظم تردده في عقابك و ما أبعد غايته من الفرج و ما أثبطه من سهولة المخرج عدلا من قضائك لا تجور فيه و إنصافا من حكمك لا تحيف عليه قد ظاهرت الحجج و أزلت الأعذار و تقدمت بالوعيد و تلطفت في الترغيب و ضربت الأمثال و أطلت الإمهال و أخرت و أنت تستطيع المعاجلة و تأنيت و أنت ملي‏ء بالمبادرة لم تك أناتك عجزا و لا حلمك وهنا و لا إمساكك لعلة و لا انتظارك لمداراة بل لتكون حجتك الأبلغ و كرمك الأكمل و إحسانك الأوفى و نعمتك الأتم

١٧٩

كل ذلك كان و لم يزل و هو كائن لا يزول نعمتك أجل من أن توصف بكلها و مجدك أرفع من أن يحد بكنهه و إحسانك أكبر من أن يشكر على أقله فقد أقصرت ساكتا عن تحميدك و تهيبت ممسكا عن تمجيدك لا رغبة يا إلهي عنك بل عجزا و لا زهدا فيما عندك بل تقصيرا و ها أنا ذا يا إلهي أؤمل بالوفادة و أسألك حسن الرفادة فاسمع ندائي و استجب دعائي و لا تختم عملي بخيبتي و لا تجبهني بالرد في مسألتي و أكرم من عندك منصرفي إنك غير ضائق عما تريد و لا عاجز عما تشاء و أنت على كل شي‏ء قدير

و من أدعيته ع و هو من أدعية الصحيفة أيضا: اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون و يا من إلى إحسانه يفزع المضطرون و يا من لخيفته ينتحب الخاطئون يا أنس كل مستوحش غريب يا فرج كل مكروب حريب يا عون كل مخذول فريد يا عائذ كل محتاج طريد أنت الذي وسعت كل شي‏ء رحمة و علما و أنت الذي جعلت لكل مخلوق في نعمتك سهما و أنت الذي عفوه أعلى من عقابه و أنت الذي رحمته أمام غضبه و أنت الذي إعطاؤه أكبر من منعه و أنت الذي وسع الخلائق كلهم بعفوه و أنت الذي لا يرغب في غنى من أعطاه و أنت الذي لا يفرط في عقاب من عصاه.و أنا يا سيدي عبدك الذي أمرته بالدعاء فقال لبيك و سعديك و أنا يا سيدي عبدك الذي أوقرت الخطايا ظهره و أنا الذي أفنت الذنوب عمره و أنا الذي بجهله عصاك و لم يكن أهلا منه لذلك فهل أنت يا مولاي راحم من دعاك فاجتهد في الدعاء أم أنت غافر لمن بكى لك فأسرع في البكاء أم أنت متجاوز عمن عفر لك وجهه متذللا أم أنت مغن من شكا إليك فقره متوكلا

١٨٠