كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 454

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 454
المشاهدات: 78550
تحميل: 5157


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 454 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78550 / تحميل: 5157
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

البضاضة مصدر من بضضت يا رجل بضضت بالفتح و الكسر بضاضة و بضوضة و رجل بض أي ممتلئ البدن رقيق الجلد و امرأة بضة.و حواني الهرم جمع حانية و هي العلة التي تحني شطاط الجسد و تميله عن الاستقامة.و الهرم الكبر و الغضارة طيب العيش و منه المثل أباد الله غضراءهم أي خيرهم و خصبهم.و آونة الفناء جمع أوان و هو الحين كزمان و أزمنة و فلان يصنع ذلك الأمر آونة كقولك تارات أي يصنعه مرارا و يدعه مرارا.و الزيال مصدر زايله مزايلة و زيالا أي فارقه.و الأزوف مصدر أزف أي دنا.و العلز قلق و خفة و هلع يصيب الإنسان و قد علز بالكسر و بات علزا أي وجعا قلقا و المضض الوجع أمضني الجرح و مضني لغتان و قد مضضت يا رجل بالكسر.و الغصص جمع غصة و هي الشجا و الغصص بالفتح مصدر قولك غصصت يا رجل تغص بالطعام فأنت غاص و غصان و أغصصته أنا.و الجريض الريق يغص به جرض بريقه بالفتح يجرض بالكسر مثل كسر يكسر و هو أن يبلع ريقه على هم و حزن بالجهد و الجريض الغصة و في المثل حال

٢٦١

الجريض دون القريض و فلان يجرض بنفسه إذا كان يموت و أجرضه الله بريقه أغصه.و الحفدة الأعوان و الخدم و قيل ولد الولد واحدهم حافد و الباء في بنصرة الحفدة متعلق بالاستعانة يقول إن الميت عند نزول الأمر به يتلفت مستغيثا بنصرة أهله و ولده أي يستنصر يستصرخ بهم.و النواحب جمع ناحبة و هي الرافعة صوتها بالبكاء و يروى النوادب.و الهوام جمع هامة و هي ما يخاف ضرره من الأحناش كالعقارب و العناكب و نحوها و النواهك جمع ناهكة و هي ما ينهك البدن أي يبليه.و عفت درست و يروى بالتشديد و شحبة هالكة و الشحب الهلاك شحب الرجل بالكسر يشحب و جاء شحب بالفتح يشحب بالضم أي هلك و شحبة الله يشحبه يتعدى و لا يتعدى.و نخرة بالية و الأعباء الأثقال واحدها عب‏ء.و قال موقنة بغيب أنبائها لأن الميت يعلم بعد موته ما يصير إليه حاله من جنة أو نار.ثم قال إنها لا تكلف بعد ذلك زيادة في العمل الصالح و لا يطلب منها التوبة من العمل القبيح لأن التكليف قد بطل : أَ وَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ اَلْقَوْمِ وَ اَلآْبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ اَلْأَقْرِبَاءَ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَ تَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَ تَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا

٢٦٢

سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ اَلْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَ كَأَنَّ اَلرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا القدة بالدال المهملة و بكسر القاف الطريقة و يقال لكل فرقة من الناس إذا كانت ذات هوى على حدة قدة و منه قوله تعالى( كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً ) و من رواه و يركبون قذتهم بالذال المعجمة و ضم القاف أراد الواحدة من قذذ السهم و هي ريشة يقال حذو القذة بالقذة و يكون معنى و تركبون قذتهم تقتفون آثارهم و تشابهون بهم في أفعالهم.ثم قال و تطئون جادتهم و هذه لفظة فصيحة جدا.ثم ذكر قساوة القلوب و ضلالها عن رشدها و قال كأن المعني سواها

هذا مثل قول النبي ص كأن الموت فيها على غيرنا كتب و كأن الحق فيها على غيرنا وجب : وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى اَلصِّرَاطِ [ اَلسِّرَاطِ ] وَ مَزَالِقِ دَحْضِهِ وَ أَهَاوِيلِ زَلَلِهِ وَ تَارَاتِ أَهْوَالِهِ فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ اَلتَّفَكُّرُ قَلْبَهُ وَ أَنْصَبَ اَلْخَوْفُ بَدَنَهُ وَ أَسْهَرَ اَلتَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ وَ أَظْمَأَ اَلرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ وَ ظَلَفَ اَلزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ

٢٦٣

وَ أَوْجَفَ اَلذِّكْرُ بِلِسَانِهِ وَ قَدَّمَ اَلْخَوْفَ لِأَمَانِهِ [ أَبَانَهُ ] وَ تَنَكَّبَ اَلْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ اَلسَّبِيلِ وَ سَلَكَ أَقْصَدَ اَلْمَسَالِكِ إِلَى اَلنَّهْجِ اَلْمَطْلُوبِ وَ لَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ اَلْغُرُورِ وَ لَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ اَلْأُمُورِ ظَافِراً بِفَرْحَةِ اَلْبُشْرَى وَ رَاحَةِ اَلنُّعْمَى فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَ آمَنِ يَوْمِهِ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ اَلْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَ قَدَّمَ زَادَ [ ذَاتَ ] اَلآْجِلَةِ سَعِيداً وَ بَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَ أَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَ رَغِبَ فِي طَلَبٍ وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَ رَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ وَ رُبَّمَا نَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَ نَوَالاً وَ كَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالاً وَ كَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَ نَصِيراً وَ كَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَ خَصِيماً و قال أصحابنا رحمهم الله تعالى الصراط الوارد ذكره في الكتاب العزيز هو الطريق لأهل الجنة إلى الجنة و لأهل النار إلى النار بعد المحاسبة قالوا لأن أهل الجنة ممرهم على باب النار فمن كان من أهل النار عدل به إليها و قذف فيها و من كان من أهل الجنة مر بالنار مرورا نجا منها إلى الجنة و هو معنى قوله تعالى( وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها ) لأن ورودها هو القرب منها و الدنو إليها و قد دل القرآن على سور مضروب بين مكان النار و بين الموضع الذي يجتازون منه إلى الجنة في قوله( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ اَلرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ اَلْعَذابُ ) .

٢٦٤

قالوا و لا يصح ما روي في بعض الأخبار أن الصراط أدق من الشعر و أحد من السيف و أن المؤمن يقطعه كمرور البرق الخاطف و الكافر يمشي عليه حبوا و أنه ينتفض بالذين عليه حتى تتزايل مفاصلهم قالوا لأن مثل ذلك لا يكون طريقا للماشي و لا يتمكن من المشي عليه و لو أمكن لم يصح التكليف في الآخرة ليؤمر العقلاء بالمرور عليه على وجه التعبد.ثم سأل أصحابنا أنفسهم فقالوا أي فائدة في عمل هذا السور و أي فائدة في كون الطريق الذي هو الصراط منتهيا إلى باب النار منفرجا منها إلى الجنة أ لستم تعللون أفعال البارئ تعالى بالمصالح و الآخرة ليست دار تكليف ليفعل فيها هذه الأفعال للمصالح.و أجابوا بأن شعور المكلفين في الدنيا بهذه الأشياء مصالح لهم و ألطاف في الواجبات العقلية فإذا أعلم المكلفون بها وجب إيقاعها على حسب ما وعدوا و أخبروا به لأن الله صادق لا خلف في إخباره.و عندي أنه لا يمتنع أن يكون الصراط على ما وردت به الأخبار و لا مانع من ذلك قولهم لا يكون طريقا للماشي و لا يتمكن من المشي عليه مسلم و لكن لم لا يجوز أن يكون في جعله على هذا الوجه و الإخبار عن كيفيته هذه مصلحة للمكلفين في الدنيا و ليس عدم تمكن الإنسان من المشي عليه بمانع من إيقاعه على هذا الوجه لأن المراد من هذا و أمثاله هو التخويف و الزجر.و أما قولهم الآخرة ليست دار تكليف فلقائل أن يقول لهم لم قلتم إنه تكليف و لم لا يجوز أن يكون المكلفون مضطرين إلى سلوكه اضطرارا فالمؤمن يخلق الله فيه الثبات و السكينة و الحركة السريعة فينجو و يسلم و الكافر يخلق فيه ضد ذلك فيهوي و يعطب و لا مانع من ذلك.

٢٦٥

يقال مكان دحض و دحض بالتحريك أي زلق و أدحضته أنا أزلقته فدحض هو.و الأهاويل الأمور المفزعة و تارات أهواله كقوله دفعات أهواله و إنما جعل أهواله تارات لأن الأمور الهائلة إذا استمرت لم تكن في الإزعاج و الترويع كما تكون إذا طرأت تارة و سكنت تارة.و انصب الخوف بدنه أتعب و النصب التعب و التهجد هنا صلاة الليل و أصله السهر و قد جاء التهجد بمعنى النوم أيضا و هو من الأضداد.الغرار قلة النوم و أصله قلة لبن الناقة و يقال غارت الناقة تغار غرارا قل لبنها.فإن قلت كيف توصف قلة النوم بالسهر و إنما يوصف بالسهر الإنسان نفسه قلت هذا من مجازات كلامهم كقولهم ليل ساهر و ليل نائم.و الهواجر جمع هاجرة و هي نصف النهار عند اشتداد الحر يقال قد هجر النهار و أتينا أهلنا مهجرين أي سائرين في الهاجرة.و ظلف منع و ظلفت نفس فلان بالكسر عن كذا أي كفت.و أوجف أسرع كأنه جعل الذكر لشدة تحريكه اللسان موجفا به كما توجف الناقة براكبها و الوجيف ضرب من السير.ثم قال و قدم الخوف لأمانه اللام هاهنا لام التعليل أي قدم خوفه ليأمن و المخالج الأمور المختلجة أي الجاذبة خلجه و اختلجه أي جذبه.و أقصد المسالك أقومها و طريق قاصد أي مستقيم.و فتله عن كذا أي رده و صرفه و هو قلب لفت.و يروى قد عبر معبر العاجلة حميدا و قدم زاد الآجلة سعيدا.

٢٦٦

و أكمش أسرع و مثله انكمش و رجل كمش أي سريع و قد كمش بالضم كماشة فهو كمش و كميش و كمشته تكميشا أعجلته.قوله و رغب في طلب و ذهب عن هرب أي و رغب فيما يطلب مثله و فر عما يهرب من مثله فأقام المصدر مقام ذي المصدر.و نظر قدما أمامه أي و نظر ما بين يديه مقدما لم ينثن و لم يعرج و الدال مضمومة هاهنا.قال الشاعر يذم امرأة

تمضي إذا زجرت عن سوأة قدما

كأنها هدم في الجفر منقاض

و من رواه بالتسكين جاز أن يعنى به هذا و يكون قد خفف كما قالوا حلم و حلم.و جاز أن يجعله مصدرا من قدم الرجل بالفتح يقدم قدما أي تقدم قال الله تعالى( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ ) أي يتقدمهم إلى ورودها كأنه قال و نظر بين يديه متقدما لغيره و سابقا إياه إلى ذلك و الباء في بالجنة و بالنار و بالله و بالكتاب زائدة و التقدير كفى الله و كفى الكتاب

٢٦٧

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ اِحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي اَلصُّدُورِ خَفِيّاً وَ نَفَثَ فِي اَلآْذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى وَ وَعَدَ فَمَنَّى وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ [ اَلنِّيَاتِ ] اَلْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ اَلْعَظَائِمِ حَتَّى إِذَا اِسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَ اِسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَ اِسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ أعذر بما أنذر ما هاهنا مصدرية أي أعذر بإنذاره و يجوز أن تكون بمعنى الذي.و العدو المذكور الشيطان.و قوله نفذ في الصدور و نفث في الآذان كلام صحيح بديع و في قوله نفذ في الصدور مناسبة

لقوله ص الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم و النجي الذي يساره و الجمع الأنجية قال

إني إذا ما القوم كانوا أنجيه

و قد يكون النجي جماعة مثل الصديق قال الله تعالى( خَلَصُوا نَجِيًّا ) أي متناجين.القرينة هاهنا الإنسان الذي قارنه الشيطان و لفظه لفظ التأنيث و هو مذكر أراد القرين قال تعالى( فَبِئْسَ اَلْقَرِينُ ) و يجوز أن يكون أراد بالقرينة النفس و يكون

٢٦٨

الضمير عائدا إلى غير مذكور لفظا لما دل المعنى عليه لأن قوله فأضل و أردى و وعد فمنى معناه أضل الإنسان و أردى و وعده فمنى فالمفعول محذوف لفظا و إليه رجع الضمير على هذا الوجه و يقال غلق الرهن إذا لم يفتكه الراهن في الوقت المشروط فاستحقه المرتهن.و هذا الكلام مأخوذ من قوله تعالى( وَ قالَ اَلشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ اَلْأَمْرُ إِنَّ اَللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ اَلْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ) الآية : وَ مِنْهَا فِي صِفَةِ خَلْقِ اَلْإِنْسَانِ أَمْ هَذَا اَلَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ اَلْأَرْحَامِ وَ شُغُفِ اَلْأَسْتَارِ نُطْفَةً دِهَاقاً [ دِفَاقاً ذِهَاقاً ] وَ عَلَقَةً مِحَاقاً وَ جَنِيناً وَ رَاضِعاً وَ وَلِيداً وَ يَافِعاً ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَ لِسَاناً لاَفِظاً وَ بَصَراً لاَحِظاً لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً وَ يُقَصِّرَ مُزْدَجِراً حَتَّى إِذَا قَامَ اِعْتِدَالُهُ وَ اِسْتَوَى مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَ خَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَ بَدَوَاتِ أَرَبِهِ ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً وَ لاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً وَ عَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً [ أَسِيراً ] لَمْ يُفِدْ عِوَضاً [ غَرَضاً ] وَ لَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ اَلْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ [ غَبْرَةِ ] جِمَاحِهِ وَ سَنَنِ مِرَاحِهِ فَظَلَّ سَادِراً وَ بَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ اَلآْلاَمِ وَ طَوَارِقِ اَلْأَوْجَاعِ وَ اَلْأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَ وَالِدٍ شَفِيقٍ

٢٦٩

وَ دَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَ لاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً وَ اَلْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَ غَمْرَةٍ كَارِثَةٍ وَ أَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَ جَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَ سَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً [ مُلْبَساً ] وَ جُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى اَلْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَ نِضْوَ سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ اَلْوِلْدَانِ وَ حَشَدَةُ اَلْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَ مُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَ مُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّى إِذَا اِنْصَرَفَ اَلْمُشَيِّعُ وَ رَجَعَ اَلْمُتَفَجِّعُ [ مُفِجِّ ] أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ اَلسُّؤَالِ وَ عَثْرَةِ اَلاِمْتِحَانِ وَ أَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ اَلْحَمِيمِ وَ تَصْلِيَةُ اَلْجَحِيمِ وَ فَوْرَاتُ اَلسَّعِيرِ وَ سَوْرَاتُ اَلزَّفِيرِ [ اَلسَّعِيرِ ] لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ وَ لاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ وَ لاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ وَ لاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ وَ لاَ سِنَةٌ مُسْلِيَةٌ بَيْنَ أَطْوَارِ اَلْمَوْتَاتِ وَ عَذَابِ اَلسَّاعَاتِ إِنَّا بِاللَّهِ عَائِذُونَ أم هنا إما استفهامية على حقيقتها كأنه قال أعظكم و أذكركم بحال الشيطان و إغوائه أم بحال الإنسان منذ ابتدأ وجوده إلى حين مماته و إما أن تكون منقطعة بمعنى بل كأنه قال عادلا و تاركا لما وعظهم به بل أتلو عليكم نبأ هذا الإنسان الذي حاله كذا.الشغف بالغين المعجمة جمع شغاف بفتح الشين و أصله غلاف القلب يقال شغفه الحب أي بلغ شغافه و قرئ( قَدْ شَغَفَها حُبًّا ) .و الدهاق المملوءة و يروى دفاقا من دفقت الماء أي صببته.قال و علقة محاقا المحاق ثلاث ليال من آخر الشهر و سميت محاقا لأن القمر يمتحق فيهن أي يخفى و تبطل صورته و إنما جعل العلقة محاقا هاهنا لأنها لم تحصل لها الصورة الإنسانية بعد فكانت ممحوة ممحوة ممحوقة.

٢٧٠

و اليافع الغلام المرتفع أيفع و هو يافع و هذا من النوادر و غلام يفع و يفعة و غلمان أيفاع و يفعة أيضا.قوله و خبط سادرا خبط البعير إذا ضرب بيديه إلى الأرض و مشى لا يتوقى شيئا.و السادر المتحير و السادر أيضا الذي لا يهتم و لا يبالي ما صنع و الموضع يحتمل كلا التفسيرين.و الماتح الذي يستقي الماء من البئر و هو على رأسها و المائح الذي نزل البئر إذا قل ماؤها فيملأ الدلاء و سئل بعض أئمة اللغة عن الفرق بين الماتح و المائح فقال اعتبر نقطتي الإعجام فالأعلى للأعلى و الأدنى للأدنى و الغرب الدلو العظيمة و الكدح شدة السعي و الحركة قال تعالى( يا أَيُّهَا اَلْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً ) .قوله و بدوات أي ما يخطر له من آرائه التي تختلف فيها دواعيه فتقدم و تحجم و مات غريرا أي شابا و يمكن أن يراد به أنه غير مجرب للأمور.و الهفوة الزلة هفا يهفو لم يفد عوضا أي لم يكتسب.و غبر جماحة بقاياه قال أبو كبير الهذلي

و مبرإ من كل غبر حيضة

و فساد مرضعة و داء مغيل

و الجماح الشرة و ارتكاب الهوى و سنن مراحه السنن الطريقة و المراح شدة الفرج و النشاط.قوله فظل سادرا السادر هاهنا غير السادر الأول لأنه هاهنا المغمى عليه كأنه

٢٧١

سكران و أصله من سدر البعير من شدة الحر و كثرة الطلاء بالقطران فيكون كالنائم لا يحس و مراده ع هاهنا أنه بدأ به المرض و لادمة للصدر ضاربة له و التدام النساء ضربهن الصدور عند النياحة سكرة ملهثة تجعل الإنسان لاهثا لشدتها لهث يلهث لهثانا و لهاثا و يروى ملهية بالياء أي تلهي الإنسان و تشغله.و الكارثة فاعلة من كرثه الغم يكرثه بالضم أي اشتد عليه و بلغ منه غاية المشقة.الجذبة جذب الملك الروح من الجسد أو جذب الإنسان إذا احتضر ليسجى.و السوقة من سياق الروح عند الموت و المبلس الذي ييئس من رحمة الله و منه سمي إبليس و الإبلاس أيضا الانكسار و الحزن و السلس السهل المقادة و الأعواد خشب الجنازة و رجيع وصب الرجيع المعنى الكال و الوصب الوجع وصب الرجل يوصب فهو واصب و أوصبه الله فهو موصب و الموصب بالتشديد الكثير الأوجاع و النضو الهزيل و حشدة الإخوان جمع حاشد و هو المتأهب المستعد و دار غربته قبره و كذلك منقطع زورته لأن الزيارة تنقطع عنده.و مفرد وحشته نحو ذلك لانفراده بعمله و استيحاش الناس منه حتى إذا انصرف المشيع و هو الخارج مع جنازته أقعد في حفرته هذا تصريح بعذاب القبر و سنذكر ما يصلح ذكره في هذا الموضع.و النجي المناجي و نزول الحميم و تصلية الجحيم من الألفاظ الشريفة القرآنية.ثم نفى ع أن يكون في العذاب فتور يجد الإنسان معه راحة أو سكون يزيح عنه الألم أي يزيله أو أن الإنسان يجد في نفسه قوة تحجز بينه و بين الألم أي تمنع و يموت موتا ناجزا معجلا فيستريح أو ينام فيسلو وقت نومه عما أصابه من الألم في اليقظة كما في دار الدنيا.

٢٧٢

ثم قال بين أطوار الموتات و هذا في ظاهره متناقض لأنه نفى الموت مطلقا ثم قال بين أطوار الموتات و الجواب أنه أراد بالموتات الآلام العظيمة فسماها موتات لأن العرب تسمي المشقة العظيمة موتا كما قال

إنما الميت ميت الأحياء

و يقولون الفقر الموت الأحمر و استعمالهم مثل ذلك كثير جدا.ثم قال إنا بالله عائذون عذت بفلان و استعذت به أي التجأت إليه

فصل في ذكر القبر و سؤال منكر و نكير

و اعلم أن لقاضي القضاة في كتاب طبقات المعتزلة في باب القبر و سؤال منكر و نكير كلاما أنا أورد هاهنا بعضه قالرحمه‌الله تعالى إن عذاب القبر إنما أنكره ضرار بن عمرو و لما كان ضرار من أصحاب واصل بن عطاء ظن كثير من الناس أن ذلك مما أنكرته المعتزلة و ليس الأمر كذلك بل المعتزلة رجلان أحدهما يجوز عذاب القبر و لا يقطع به و هم الأقلون و الآخر يقطع على ذلك و هم أكثر أصحابنا لظهور الأخبار الواردة فيه و إنما تنكر المعتزلة قول طائفة من الجهلة إنهم يعذبون و هم موتى لأن العقل يمنع من ذلك و إذا كان الإنسان مع قرب العهد بموته و لما يدفن يعلمون أنه لا يسمع و لا يبصر و لا يدرك و لا يألم و لا يلتذ فكيف يجوز عليه ذلك و هو ميت في قبره و ما روي من أن الموتى يسمعون لا يصح إلا أن يراد به أن الله تعالى أحياهم و قوى حاسة سمعهم فسمعوا و هم أحياء.

٢٧٣

قالرحمه‌الله تعالى و أنكر أيضا مشايخنا أن يكون عذاب القبر دائما في كل حال لأن الأخبار إنما وردت بذلك في الجملة فالذي يقال به هو قدر ما تقتضيه الأخبار دون ما زاد عليه مما لا دليل عليه و لذلك لسنا نوقت في التعذيب وقتا و إن كان الأقرب في الأخبار أنها الأوقات المقارنة للدفن و إن كان لا نعنيها بأعيانها.هكذا قال قاضي القضاة و الذي أعرفه أنا من مذهب كثير من شيوخنا قبل قاضي القضاة أن الأغلب أن يكون عذاب القبر بين النفختين.ثم إن قاضي القضاة سأل نفسه فقال إذا كانت الآخرة هي وقت المجازاة فكيف يعذب في القبر في أيام الدنيا.و أجاب بأن القليل من العقاب المستحق قد يجوز أن يجعله الله في الدنيا لبعض المصالح كما فعل في تعجيل إقامة الحدود على من يستحقها فلا يمنع منه تعالى أن يفعل ذلك بالإنسان إذا كان من أهل النار.ثم سأل نفسه فقال إذا كان بالموت قد زال عنه التكليف فكيف يقولون يكون ذلك من مصالحه.و أجاب بأنا لم نقل إن ذلك من مصالحه و هو ميت و إنما نقول إنه مصلحة أن نعلم في الدنيا ذلك من حال الموتى لأنه إذا تصور أنه مات عوجل بضرب من العقاب في القبر كان أقرب إلى أن ينصرف عن كثير من المعاصي و قد يجوز أن يكون ذلك لطفا للملائكة الذين يتولون هذا التعذيب.فأما القول في منكر و نكير فإنه سأل نفسهرحمه‌الله تعالى و قال كيف يجوز أن يسموا بأسماء الذم و عندكم أن الملائكة أفضل من الأنبياء.

٢٧٤

و أجاب فقال إن التسمية إذا كانت لقبا لم يقع بها ذم لأن الذم إنما يقع لفائدة الاسم و الألقاب كالإشارات لا فائدة تحتها و لذا يلقب الرجل المسلم بظالم و كلب و نحو ذلك فيجوز أن يكون هذان الاسمان من باب الألقاب و يجوز أن يسميا بذلك من حيث يهجمان على الإنسان عند إكمال الله تعالى عقله على وجه ينكره و يرتاع منه فسميا منكرا و نكيرا.قال و قد روي في المساءلة في القبر أخبار كثيرة و كل ذلك مما لا قبح فيه بل يجوز أن يكون من مصالح المكلفين فلا يصح المنع عنه.و جملة الأمر أن كل ما ثبت من ذلك بالتواتر و الإجماع و ليس بمستحيل في القدرة و لا قبيح في الحكمة يجب القول به و ما عداه مما وردت به آثار و أخبار آحاد يجب أن يجوز و يقال إنه مظنون ليس بمعلوم إذا لم يمنع منه الدليل : عِبَادَ اَللَّهِ أَيْنَ اَلَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا وَ عُلِّمُوا فَفَهِمُوا وَ أُنْظِرُوا فَلَهَوْا وَ سُلِّمُوا فَنَسُوا أُمْهِلُوا طَوِيلاً وَ مُنِحُوا جَمِيلاً وَ حُذِّرُوا أَلِيماً وَ وُعِدُوا جَسِيماً اِحْذَرُوا اَلذُّنُوبَ اَلْمُوَرِّطَةَ وَ اَلْعُيُوبَ اَلْمُسْخِطَةَ أُولِي اَلْأَبْصَارِ وَ اَلْأَسْمَاعِ وَ اَلْعَافِيَةِ وَ اَلْمَتَاعِ هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ وَ إِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ ذَاتِ اَلطُّوْلِ وَ اَلْعَرْضِ قِيدُ قَدِّهِ مُنْعَفِراً مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ اَلآْنَ عِبَادَ اَللَّهِ وَ اَلْخِنَاقُ مُهْمَلٌ وَ اَلرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ اَلْإِرْشَادِ وَ رَاحَةِ

٢٧٥

اَلْأَجْسَادِ وَ بَاحَةِ اَلاِحْتِشَادِ وَ مَهَلِ اَلْبَقِيَّةِ وَ أَنْفِ اَلْمَشِيَّةِ وَ إِنْظَارَ اَلتَّوْبَةِ وَ اِنْفِسَاحِ اَلْحَوْبَةِ قَبْلَ اَلضَّنْكِ وَ اَلْمَضِيقِ وَ اَلرَّوْعِ وَ اَلزُّهُوقِ وَ قَبْلَ قُدُومِ اَلْغَائِبِ اَلْمُنْتَظَرِ وَ أَخْذَةِ اَلْعَزِيزِ اَلْمُقْتَدِرِ قال الرضيرحمه‌الله و في الخبر أنه ع لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود و بكت العيون و رجفت القلوب و من الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء نعم الرجل ينعم ضد قولك بئس و جاء شاذا نعم ينعم بالكسر و أنظروا أمهلوا و الذنوب المورطة التي تلقي أصحابها في الورطة و هي الهلاك قال رؤبة

فأصبحوا في ورطة الأوراط

و أصله أرض مطمئنة لا طريق فيها و قد أورطت زيدا و ورطته توريطا فتورط ثم قال ع أولي الأبصار و الأسماع ناداهم نداء ثانيا بعد النداء الذي في أول الفصل و هو قوله عباد الله فقال يا من منحهم الله أبصارا و أسماعا و أعطاهم عافية و متعهم متاعا هل من مناص و هو الملجأ و المفر يقال ناص عن قرنه مناصا أي فر و راوغ قال سبحانه( وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ ) .

٢٧٦

و المحار المرجع من حار يحور أي رجع قال تعالى( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) .و يؤفكون يقلبون أفكه يأفكه عن كذا قلبه عنه إلى غيره و مثله يصرفون.و قيد قده مقدار قده يقال قرب منه قيد رمح و قاد رمح و المراد هاهنا هو القبر لأنه بمقدار قامة الإنسان.و المنعفر الذي قد لامس العفر و هو التراب.ثم قال ع الآن و الخناق مهمل تقديره اعملوا الآن و أنتم مخلون متمكنون لم يعقد الحبل في أعناقكم و لم تقبض أرواحكم.و الروح يذكر و يؤنث و الفينة الوقت و يروى و فينة الارتياد و هو الطلب.و أنف المشية أول أوقات الإرادة و الاختيار.قوله و انفساح الحوبة أي سعة وقت الحاجة و الحوبة الحاجة و الأرب قال الفرزدق

فهب لي خنيسا و اتخذ فيه منة

لحوبة أم ما يسوغ شرابها

و الغائب المنتظر هو الموت.قال شيخنا أبو عثمانرحمه‌الله تعالى حدثني ثمامة قال سمعت جعفر بن يحيى و كان من أبلغ الناس و أفصحهم يقول الكتابة ضم اللفظة إلى أختها أ لم تسمعوا قول شاعر لشاعر و قد تفاخرا أنا أشعر منك لأني أقول البيت و أخاه و أنت تقول البيت و ابن عمه ثم قال و ناهيك حسنا بقول علي بن أبي طالب ع هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار.

٢٧٧

قال أبو عثمان و كان جعفر يعجب أيضا بقول علي ع أين من جد و اجتهد و جمع و احتشد و بنى فشيد و فرش فمهد و زخرف فنجد قال أ لا ترى أن كل لفظة منها آخذة بعنق قرينتها جاذبة إياها إلى نفسها دالة عليها بذاتها قال أبو عثمان فكان جعفر يسميه فصيح قريش.و اعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنه ع أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين و الآخرين إلا من كلام الله سبحانه و كلام رسول الله ص و ذلك لأن فضيلة الخطيب و الكاتب في خطابته و كتابته تعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ و مركباتها.أما المفردات فأن تكون سهلة سلسة غير وحشية و لا معقدة و ألفاظه ع كلها كذلك فأما المركبات فحسن المعنى و سرعة وصوله إلى الأفهام و اشتماله على الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض و تلك الصفات هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع من المقابلة و المطابقة و حسن التقسيم و رد آخر الكلام على صدره و الترصيع و التسهيم و التوشيح و المماثلة و الاستعارة و لطافة استعمال المجاز و الموازنة و التكافؤ و التسميط و المشاكلة.و لا شبهة أن هذه الصفات كلها موجودة في خطبه و كتبه مبثوثة متفرقة في فرش كلامه ع و ليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره فإن كان قد تعملها و أفكر فيها و أعمل رويته في رصفها و نثرها فلقد أتى بالعجب العجاب و وجب

٢٧٨

أن يكون إمام الناس كلهم في ذلك لأنه ابتكره و لم يعرف من قبله و إن كان اقتضبها ابتداء و فاضت على لسانه مرتجلة و جاش بها طبعه بديهة من غير روية و لا اعتمال فأعجب و أعجب.و على كلا الأمرين فلقد جاء مجليا و الفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره و بحق ما قال معاوية لمحقن الضبي لما قال له جئتك من عند أعيا الناس يا ابن اللخناء أ لعلي تقول هذا و هل سن الفصاحة لقريش غيره.و اعلم أن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب و صاحبه منسوب إلى السفه و ليس جاحد الأمور المعلومة علما ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظرية عليها

٢٧٩

83 و من كلام له ع في ذكر عمرو بن العاص

عَجَباً لاِبْنِ اَلنَّابِغَةِ يَزْعُمُ لِأَهْلِ اَلشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةٌ وَ أَنِّي اِمْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَ أُمَارِسُ لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً وَ نَطَقَ آثِماً أَمَا وَ شَرُّ اَلْقَوْلِ اَلْكَذِبُ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيِكْذِبُ وَ يَعِدُ فَيُخْلِفُ وَ يُسْأَلُ فَيَبْخَلُ وَ يَسْأَلُ فَيُلْحِفُ وَ يَخُونُ اَلْعَهْدَ وَ يَقْطَعُ اَلْإِلَّ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ اَلْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَ آمِرٍ هُوَ مَا لَمْ تَأْخُذِ اَلسُّيُوفُ مَآخِذَهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ [ أَكْبَرَ ] مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ اَلْقَوْمَ اَلْقِرْمَ [ اَلْقَوْمَ ] سَبَّتَهُ أَمَا وَ اَللَّهِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اَللَّعِبِ ذِكْرُ اَلْمَوْتِ وَ إِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ اَلْحَقِّ نِسْيَانُ اَلآْخِرَةِ وَ إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً وَ يَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ اَلدِّينِ رَضِيخَةً الدعابة المزاح دعب الرجل بالفتح و رجل تلعابة بكسر التاء كثير اللعب و التلعاب بالفتح مصدر لعب.و المعافسة المعالجة و المصارعة و منه الحديث عافسنا النساء و الممارسة نحوه.يقول ع إن عمرا يقدح في عند أهل الشام بالدعابة و اللعب و أني كثير

٢٨٠