كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 454

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 454
المشاهدات: 78576
تحميل: 5158


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 454 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78576 / تحميل: 5158
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

فقال معاوية هل عندك شي‏ء غير هذا نعمله فيما بيننا و بينهم قبل هذا قال ما أعلمه.قال معاوية فإن رأيي غير هذا أرى أن نكاتب من كان بها من شيعتنا و من كان بها من عدونا فأما شيعتنا فنأمرهم بالثبات على أمرهم و نمنيهم قدومنا عليهم و أما من كان بها من عدونا فندعوهم إلى صلحنا و نمنيهم شكرنا و نخوفهم حربنا فإن صلح لنا ما قبلهم من غير حرب و لا قتال فذلك ما أحببنا و إلا فحربهم من وراء ذلك.إنك يا ابن العاص لامرؤ بورك لك في العجلة و بورك لي في التؤدة.قال عمرو فاعمل بما أراك الله فو الله ما أرى أمرك و أمرهم يصير إلا إلى الحرب.قال فكتب معاوية عند ذلك إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري و إلى معاوية بن حديج الكندي و كانا قد خالفا عليا أما بعد فإن الله عز و جل قد ابتعثكما لأمر عظيم أعظم به أجركما و رفع درجتكما و مرتبتكما في المسلمين طلبتما بدم الخليفة المظلوم و غضبتما لله إذ ترك حكم الكتاب و جاهدتما أهل الظلم و العدوان فأبشرا برضوان الله و عاجلا نصرة أولياء الله و المواساة لكما في دار الدنيا و سلطاننا حتى ينتهي ذلك إلى ما يرضيكما و يؤدى به حقكما فالزما أمركما و جاهدا عدوكما و ادعوا المدبرين منكما إلى هداكما فكان الجيش قد أظل عليكما فاندفع كل ما تكرهان و دام كل ما تهويان و السلام عليكما و رحمة الله.و بعث بالكتاب مع مولى له يقال له سبيع فخرج بكتابه حتى قدم به عليهما بمصر

٨١

و محمد بن أبي بكر يومئذ أميرها قد ناصبه هؤلاء النفر الحرب و هم هائبون الإقدام عليه فدفع الكتاب إلى مسلمة بن مخلد فقرأه فقال الق به معاوية بن حديج ثم القني به حتى أجيب عني و عنه فانطلق الرسول بكتاب معاوية فأقرأه إياه ثم قال له إن مسلمة قد أمرني أن أرد الكتاب إليه لكي يجيب عنك و عنه قال قل له فليفعل فأتى مسلمة بالكتاب فكتب الجواب عنه و عن معاوية بن حديج أما بعد فإن هذا الأمر الذي قد ندبنا له أنفسنا و ابتغيا الله به على عدونا أمر نرجو به ثواب ربنا و النصر على من خالفنا و تعجيل النقمة على من سعى على إمامنا و طأطأ الركض في مهادنا و نحن بهذه الأرض قد نفينا من كان بها من أهل البغي و أنهضنا من كان بها من أهل القسط و العدل و قد ذكرت موازرتك في سلطانك و ذات يدك و بالله إنه لا من أجل مال نهضنا و لا إياه أردنا فإن يجمع الله لنا ما نريد و نطلب أو يرينا ما تمنينا فإن الدنيا و الآخرة لله رب العالمين و قد يثوبهما الله جميعا عالما من خلقه كما قال في كتابه( فَآتاهُمُ اَللَّهُ ثَوابَ اَلدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ اَلْآخِرَةِ وَ اَللَّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ ) عجل لنا بخيلك و رجلك فإن عدونا قد كان علينا جريئا و كنا فيهم قليلا و قد أصبحوا لنا هائبين و أصبحنا لهم منابذين فإن يأتنا مدد من قبلك يفتح الله عليك و لا قوة إلا بالله و هو حسبنا و نعم الوكيل.قال فجاء هذا الكتاب معاوية و هو يومئذ بفلسطين فدعا النفر الذين سميناهم من قريش و غيرهم و أقرأهم الكتاب و قال لهم ما ذا ترون قالوا نرى أن تبعث إليهم جيشا من قبلك فأنت مفتتحها إن شاء الله بإذن الله.قال معاوية فتجهز إليها يا أبا عبد الله يعني عمرو بن العاص فبعثه في ستة آلاف

٨٢

فخرج يسير و خرج معه معاوية يودعه فقال له معاوية عند وداعه إياه أوصيك بتقوى الله يا عمرو و بالرفق فإنه يمن و بالتؤدة فإن العجلة من الشيطان و بأن تقبل من أقبل و تعفو عمن أدبر أنظره فإن تاب و أناب قبلت منه و إن أبى فإن السطوة بعد المعرفة أبلغ في الحجة و أحسن في العاقبة و ادع الناس إلى الصلح و الجماعة فإن أنت ظفرت فليكن أنصارك أبر الناس عندك و كل الناس فأول حسنا.قال فسار عمرو في الجيش حتى دنا من مصر فاجتمعت إليه العثمانية فأقام و كتب إلى محمد بن أبي بكر أما بعد فتنح عني بدمك يا ابن أبي بكر فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر و إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك و ندموا على اتباعك و هم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإني لك من الناصحين و السلام.قال و بعث عمرو إلى محمد مع هذا الكتاب كتاب معاوية إليه و هو أما بعد فإن غب الظلم و البغي عظيم الوبال و إن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا و التبعة الموبقة في الآخرة و ما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا و لا أسوأ له عيبا و لا أشد عليه خلافا منك سعيت عليه في الساعين و ساعدت عليه مع المساعدين و سفكت دمه مع السافكين ثم تظن أني نائم عنك فتأتي بلده فتأمن فيها و جل أهلها أنصاري يرون رأيي و يرفضون قولك و يستصرخونني عليك و قد بعثت إليك قوما حناقا عليك يسفكون دمك و يتقربون إلى الله عز و جل بجهادك و قد أعطوا الله عهدا ليقتلنك و لو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك الله بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه و أنا أحذرك و أنذرك فإن الله مقيد منك و مقتص لوليه و خليفته بظلمك له و بغيك عليه

٨٣

و وقيعتك فيه و عداوتك يوم الدار عليه تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه و أوداجه و مع هذا فإني أكره قتلك و لا أحب أن أتولى ذلك منك و لن يسلمك الله من النقمة أين كنت أبدا فتنح و انج بنفسك و السلام.قال فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما إلى علي ع و كتب إليه أما بعد يا أمير المؤمنين فإن العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر و اجتمع إليه من أهل البلد من كان يرى رأيهم و هو في جيش جرار و قد رأيت ممن قبلي بعض الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال و الرجال و السلام عليك و رحمة الله و بركاته.

قال فكتب إليه علي أما بعد فقد أتاني رسولك بكتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل في جيش جرار و أن من كان على مثل رأيه قد خرج إليه و خروج من كان يرى رأيه خير لك من إقامته عندك و ذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا فلا تفشل و إن فشلوا حصن قريتك و اضمم إليك شيعتك و أذك الحرس في عسكرك و اندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة و التجربة و البأس و أنا نادب إليك الناس على الصعب و الذلول فاصبر لعدوك و امض على بصيرتك و قاتلهم على نيتك و جاهدهم محتسبا لله سبحانه و إن كانت فئتك أقل الفئتين فإن الله تعالى يعين القليل و يخذل الكثير و قد قرأت كتابي الفاجرين المتحابين على المعصية و المتلائمين على الضلالة و المرتشيين على الحكومة و المتكبرين على أهل الدين الذين استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من

٨٤

قبلهم بخلاقهم فلا يضرنك إرعادهما و إبراقهما و أجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت و السلام قال فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه و تأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح و تخوفني بالحرب كأنك علي شفيق و أنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم و أن يهلككم الله في الوقعة و أن ينزل بكم الذل و أن تولوا الدبر فإن يكن لكم الأمر في الدنيا فكم و كم لعمري من ظالم قد نصرتم و كم من مؤمن قد قتلتم و مثلتم به و إلى الله المصير و إليه ترد الأمور و هو أرحم الراحمين و الله المستعان على ما تصفون.قال و كتب محمد بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص جواب كتابه أما بعد فهمت كتابك و علمت ما ذكرت زعمت أنك تكره أن يصيبني منك ظفر فأشهد بالله إنك لمن المبطلين و زعمت أنك ناصح لي و أقسم أنك عندي ظنين و قد زعمت أن أهل البلد قد رفضوني و ندموا على اتباعي فأولئك حزبك و حزب الشيطان الرجيم و حسبنا الله رب العالمين و نعم الوكيل و توكلت على الله العزيز الرحيم رب العرش العظيم.قال إبراهيم فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد يا معشر المؤمنين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة و يغشون الضلالة و يستطيلون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة و ساروا إليكم بالجنود فمن أراد الجنة و المغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله انتدبوا رحمكم الله مع

٨٥

كنانة بن بشر ثم ندب معه نحو ألفي رجل و تخلف محمد في ألفين و استقبل عمرو بن العاص كنانة و هو على مقدمة محمد فلما دنا عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة فلم تأته من كتائب الشام كتيبة إلا شد عليها بمن معه فيضربها حتى يلحقها بعمرو ففعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدهم فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه و نزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه و هو يقول( وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اَللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً ) .فلم يزل يضاربهم بالسيف حتى استشهدرحمه‌الله .قال إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني عن محمد بن يوسف أن عمرو بن العاص لما قتل كنانة أقبل نحو محمد بن أبي بكر و قد تفرق عنه أصحابه فخرج محمد متمهلا فمضى في طريقه حتى انتهى إلى خربة فآوى إليها و جاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط و خرج معاوية بن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج على قارعة الطريق فسألهم هل مر بهم أحد ينكرونه قالوا لا قال أحدهم إني دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل جالس قال ابن حديج هو هو و رب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى دخلوا على محمد فاستخرجوه و قد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط.قال و وثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص و كان في جنده فقال لا و الله لا يقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمد فقال معاوية أ قتلتم كنانة بن بشر ابن عمي و أخلي عن محمد.

٨٦

هيهات( أَ كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي اَلزُّبُرِ ) فقال محمد اسقوني قطرة من الماء فقال له معاوية بن حديج لا سقاني الله إن سقيتك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فسقاه الله من الرحيق المختوم و الله لأقتلنك يا ابن أبي بكر و أنت ظمآن و يسقيك الله من الحميم و الغسلين فقال له محمد يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك و لا إلى عثمان إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه و يظمئ أعداءه و هم أنت و قرناؤك و من تولاك و توليته و الله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم فقال له معاوية بن حديج أ تدري ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار قال إن فعلتم ذاك بي فطالما فعلتم ذاك بأولياء الله و ايم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها بردا و سلاما كما جعلها الله على إبراهيم خليله و أن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و أوليائه و إني لأرجو أن يحرقك الله و إمامك معاوية و هذا و أشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى كلما خبت زادها الله عليكم سعيرا فقال له معاوية بن حديج إني لا أقتلك ظلما إنما أقتلك بعثمان بن عفان قال محمد و ما أنت و عثمان رجل عمل بالجور و بدل حكم الله و القرآن و قد قال الله عز و جل( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْكافِرُونَ )( فَأُولئِكَ هُمُ اَلظَّالِمُونَ )( فَأُولئِكَ هُمُ اَلْفاسِقُونَ ) فنقمنا عليه أشياء عملها فأردنا أن يخلع من الخلافة علنا فلم يفعل فقتله من قتله من الناس.

٨٧

فغضب معاوية بن حديج فقدمه فضرب عنقه ثم ألقاه في جوف حمار و أحرقه بالنار.فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا و قنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج و قبضت عيال محمد أخيها و ولده إليها فكان القاسم بن محمد من عيالها.قال و كان ابن حديج ملعونا خبيثا يسب علي بن أبي طالب ع.

قال إبراهيم و حدثني عمرو بن حماد بن طلحة القناد عن علي بن هاشم عن أبيه عن داود بن أبي عوف قال دخل معاوية بن حديج على الحسن بن علي في مسجد المدينة فقال له الحسن ويلك يا معاوية أنت الذي تسب أمير المؤمنين عليا ع أما و الله لئن رأيته يوم القيامة و ما أظنك تراه لترينه كاشفا عن ساق يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرائب الإبل قال إبراهيم و حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان عن المدائني عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن شداد قال حلفت عائشة لا تأكل شواء أبدا بعد قتل محمد فلم تأكل شواء حتى لحقت بالله و ما عثرت قط إلا قالت تعس معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج.قال إبراهيم و قد روى هاشم أن أسماء بنت عميس لما جاءها نعي محمد ابنها و ما صنع به قامت إلى مسجدها و كظمت غيظها حتى تشخبت دما.قال إبراهيم و روى ابن عائشة التيمي عن رجاله عن كثير النواء أن أبا بكر خرج

٨٨

في حياة رسول الله ص في غزاة فرأت أسماء بنت عميس و هي تحته كأن أبا بكر مخضب بالحناء رأسه و لحيته و عليه ثياب بيض فجاءت إلى عائشة فأخبرتها فقالت إن صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر إن خضابه الدم و إن ثيابه أكفانه ثم بكت فدخل النبي ص و هي كذلك فقال ما أبكاها فقالوا يا رسول الله ما أبكاها أحد و لكن أسماء ذكرت رؤيا رأتها لأبي بكر فأخبر النبي ص

فقال ليس كما عبرت عائشة و لكن يرجع أبو بكر صالحا فيلقى أسماء فتحمل منه بغلام فتسميه محمدا يجعله الله غيظا على الكافرين و المنافقين.قال فكان كما أخبر ص.قال إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان عند قتل محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر أما بعد فإنا لقينا محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر في جموع من أهل مصر فدعوناهم إلى الكتاب و السنة فعصوا الحق فتهولوا في الضلال فجاهدناهم و استنصرنا الله جل و عز عليهم فضرب الله وجوههم و أدبارهم و منحنا أكتافهم فقتل محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر و الحمد لله رب العالمين.

قال إبراهيم و حدثني محمد بن عبد الله عن المدائني عن الحارث بن كعب بن عبد الله بن قعين عن حبيب بن عبد الله قال و الله إني لعند علي جالس إذ جاءه عبد الله بن معين و كعب بن عبد الله من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخانه قبل الوقعة فقام علي فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله و أثنى

٨٩

عليه و ذكر رسول الله ص فصلى عليه ثم قال أما بعد فهذا صريخ محمد بن أبي بكر و إخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله و عدو من والاه و ولي من عادى الله فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم و الركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا على باطلهم و ضلالتهم منكم على حقكم فكأنكم بهم و قد بدءوكم و إخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة و النصر عباد الله إن مصر أعظم من الشام و خير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم و كبت لعدوكم اخرجوا إلى الجرعة قال و الجرعة بين الحيرة و الكوفة لنتوافى هناك كلنا غدا إن شاء الله.قال فلما كان الغد خرج يمشى فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه مائة رجل فرجع فلما كان العشي بعث إلى الأشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر و هو كئيب حزين

فقال الحمد لله على ما قضى من أمر و قدر من فعل و ابتلاني بكم أيها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها و لا تجيب إذا دعوتها لا أبا لغيركم ما ذا تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقكم الموت خير من الذل في هذه الدنيا لغير الحق و الله إن جاءني الموت و ليأتيني لتجدنني لصحبتكم جدا قال أ لا دين يجمعكم أ لا حمية تغضبكم أ لا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم و يشن الغارة عليكم أ و ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة فيتبعونه على غير عطاء و لا معونة و يجيبونه في السنة المرة و المرتين و الثلاث إلى أي وجه شاء ثم أنا أدعوكم و أنتم أولو النهى و بقية الناس تختلفون و تفترقون عني و تعصونني و تخالفون علي

٩٠

فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي فقال يا أمير المؤمنين اندب الناس معي فإنه لا عطر بعد عروس و إن الأجر لا يأتي إلا بالكرة ثم التفت إلى الناس و قال اتقوا الله و أجيبوا دعوة إمامكم و انصروا دعوته و قاتلوا عدوكم إنا نسير إليهم يا أمير المؤمنين فأمر علي سعدا مولاه أن ينادي ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر و كان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب فعسكر بظاهر الكوفة و خرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو من ألفين فقال علي سيروا و الله ما أنتم ما إخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم.فخرج مالك بهم و سار خمس ليال و قدم الحجاج بن غزية الأنصاري على علي و قدم عليه عبد الرحمن بن المسيب الفزاري من الشام فأما الفزاري فكان عينا لعلي ع لا ينام و أما الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر فحدثه الأنصاري بما عاين و شاهد و أخبره بهلاك محمد و أخبره الفزاري أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضها بعضا بفتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر و حتى أذن معاوية بقتله على المنبر

و قال يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد بن أبي بكر فقال علي أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا.قال فسرح علي عبد الرحمن بن شريح إلى مالك بن كعب فرده من الطريق

قال و حزن علي على محمد بن أبي بكر حتى رئي ذلك فيه و تبين في وجهه و قام في الناس خطيبا فحمد الله و أثنى عليه ثم قال ألا و إن مصر قد افتتحها الفجرة

٩١

أولياء الجور و الظلم الذين صدوا عن سبيل الله و بغوا الإسلام عوجا ألا و إن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمة الله عليه و عند الله نحتسبه أما و الله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحب سمت المؤمن إني و الله لا ألوم نفسي على تقصير و لا عجز و إني بمقاساة الحرب لجد بصير إني لأقدم على الحرب و أعرف وجه الحزم و أقوم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا و أناديكم مستغيثا فلا تسمعون لي قولا و لا تطيعون إلى أمرا حتى تصير الأمور إلى عواقب المساءة و أنتم القوم لا يدرك بكم الثأر و لا تنقض بكم الأوتار دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع و خمسين ليلة فجرجرتم علي جرجرة الجمل الأسر و تثاقلتم إلى الأرض تثاقل من لا نية له في الجهاد و لا رأي له في الاكتساب للأجر ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون إلى الموت و هم ينظرون فأف لكم ثم نزل فدخل رحله

قال إبراهيم فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال كتب علي إلى عبد الله بن عباس و هو على البصرة من عبد الله علي أمير المؤمنين ع إلى عبد الله بن عباس سلام عليك و رحمة الله و بركاته أما بعد فإن مصر قد افتتحت و قد استشهد محمد بن أبي بكر فعند الله عز و جل تحتسبه و قد كنت كتبت إلى الناس و تقدمت إليهم في بدء الأمر و أمرتهم بإغاثته

٩٢

قبل الوقعة و دعوتهم سرا و جهرا و عودا و بدءا فمنهم الآتي كارها و منهم المتعلل كاذبا و منهم القاعد خاذلا أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا و أن يريحني منهم عاجلا فو الله لو لا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة و توطيني نفسي عند ذلك لأحببت ألا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا عزم الله لنا و لك على تقواه و هداه إنه على كل شي‏ء قدير و السلام عليك و رحمة الله و بركاته.قال فكتب إليه عبد الله بن عباس لعبد الله علي أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس سلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته.أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر و هلاك محمد بن أبي بكر و إنك سألت الله ربك أن يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا و مخرجا و أنا أسأل الله أن يعلى كلمتك و أن يغشيك بالملائكة عاجلا و اعلم أن الله صانع لك و معز دعوتك و كابت عدوك و أخبرك يا أمير المؤمنين أن الناس ربما تباطئوا ثم نشطوا فارفق بهم يا أمير المؤمنين و دارهم و منهم و استعن بالله عليهم كفاك الله الهم و السلام عليك و رحمة الله و بركاته.قال إبراهيم و روي عن المدائني أن عبد الله بن عباس قدم من البصرة على علي فعزاه عن محمد بن أبي بكر.

و روى المدائني أن عليا قال رحم الله محمدا كان غلاما حدثا لقد كنت أردت أن أولي المرقال هاشم بن عتبة مصر فإنه و الله لو وليها لما خلى لابن العاص و أعوانه العرصة و لا قتل إلا و سيفه في يده بلا ذم لمحمد فلقد أجهد نفسه فقضى ما عليه

٩٣

قال المدائني و قيل لعلي ع لقد جزعت على محمد بن أبي بكر يا أمير المؤمنين فقال و ما يمنعني أنه كان لي ربيبا و كان لبني أخا و كنت له والدا أعده ولدا

خطبة للإمام علي بعد مقتل محمد بن أبي بكر

و روى إبراهيم عن رجاله عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال خطب علي ع بعد فتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر فقال أما بعد فإن الله بعث محمدا نذيرا للعالمين و أمينا على التنزيل و شهيدا على هذه الأمة و أنتم معاشر العرب يومئذ على شر دين و في شر دار منيخون على حجارة خشن و حيات صم و شوك مبثوث في البلاد تشربون الماء الخبيث و تأكلون الطعام الخبيث تسفكون دماءكم و تقتلون أولادكم و تقطعون أرحامكم و تأكلون أموالكم بينكم بالباطل سبلكم خائفة و الأصنام فيكم منصوبة و لا يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون.فمن الله عز و جل عليكم بمحمد فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم فعلمكم الكتاب و الحكمة و الفرائض و السنن و أمركم بصلة أرحامكم و حقن دمائكم و صلاح ذات البين و أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و أن توفوا بالعهد و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها و أن تعاطفوا و تباروا و تراحموا و نهاكم عن التناهب و التظالم و التحاسد و التباغي و التقاذف و عن شرب الخمر و بخس المكيال و نقص الميزان و تقدم إليكم فيما يتلى عليكم ألا تزنوا و لا تربوا و لا تأكلوا أموال

٩٤

اليتامى ظلما و أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و لا تعثوا في الأرض مفسدين و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين و كل خير يدني إلى الجنة و يباعد عن النار أمركم به و كل شر يدني إلى النار و يباعد عن الجنة نهاكم عنه فلما استكمل مدته توفاه الله إليه سعيدا حميدا فيا لها مصيبة خصت الأقربين و عمت المسلمين ما أصيبوا قبلها بمثلها و لن يعاينوا بعدها أختها فلما مضى لسبيله ص تنازع المسلمون الأمر بعده فو الله ما كان يلقى في روعي و لا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته و لا أنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر و إجفالهم إليه ليبايعوه فأمسكت يدي و رأيت أني أحق بمقام محمد ص في الناس ممن تولى الأمر من بعده فلبثت بذاك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين الله و ملة محمد ص فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما و هدما يكون المصاب بهما علي أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب و كما يتقشع السحاب فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته و نهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل و زهق و كانت كلمة الله هي العليا و لو كره الكافرون فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر و سدد و قارب و اقتصد و صحبته مناصحا و أطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا و ما طمعت أن لو حدث به حادث و أنا حي أن يرد إلي الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن و لا يئست منه يأس من لا يرجوه و لو لا خاصة ما كان بينه و بين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا و أطعنا و ناصحنا

٩٥

و تولى عمر الأمر فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة حتى إذا احتضر فقلت في نفسي لن يعدلها عني ليس يدافعها عني فجعلني سادس ستة فما كانوا لولاية أحد منهم أشد كراهة لولايتي عليهم كانوا يسمعون عند وفاة رسول الله ص لجاج أبي بكر و أقول يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السنة و يدين بدين الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم ألا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا بها من قبلي ثم قالوا هلم فبايع و إلا جاهدناك فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا فقال قائلهم يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص فقلت أنتم أحرص مني و أبعد أينا أحرص أنا الذي طلبت ميراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله أولى به أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه فبهتوا و الله لا يهدي القوم الظالمين اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي و أضاعوا إياي و صغروا عظيم منزلتي و أجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثم قالوا ألا إن في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه فاصبر كمدا أو مت أسفا حنقا فنظرت فإذا ليس معي رافد و لا ذاب و لا ناصر و لا ساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية و أغضيت على القذى و تجرعت ريقي على الشجا و صبرت من كظم الغيظ علي أمر من العلقم و آلم للقلب من حز الشفار حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم و أمسكت يدي فنازعتموني و دافعتموني و بسطتم يدي فكففتها و مددتموها فقبضتها و ازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضكم أو أنكم قاتلي فقلتم بايعنا لا نجد غيرك و لا نرضى إلا بك بايعنا

٩٦

لا نفترق و لا تختلف كلمتنا فبايعتكم و دعوت الناس إلى بيعتي فمن بايع طوعا قبلته و من أبى لم أكرهه و تركته فبايعني فيمن بايعني طلحة و الزبير و لو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما فما لبثا إلا يسيرا حتى بلغني أنهما خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة و سمح لي بالبيعة فقدما على عاملي و خزان بيت مالي و على أهل مصري الذين كلهم على بيعتي و في طاعتي فشتتوا كلمتهم و أفسدوا جماعتهم ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا و طائفة صبرا و منهم طائفة غضبوا لله و لي فشهروا سيوفهم و ضربوا بها حتى لقوا الله عز و جل صادقين فو الله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم و قد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين ثم إني نظرت في أمر أهل الشام فإذا أعراب أحزاب و أهل طمع جفاة طغاة يجتمعون من كل أوب من كان ينبغي أن يؤدب و أن يولى عليه و يؤخذ على يده ليسوا من الأنصار و لا المهاجرين و لا التابعين بإحسان فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة و الجماعة فأبوا إلا شقاقا و فراقا و نهضوا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل و يشجرونهم بالرماح فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلما عضهم السلاح و وجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها فأنبأتكم أنهم ليسوا بأهل دين و لا قرآن و أنهم رفعوها مكيدة و خديعة و وهنا و ضعفا فامضوا على حقكم و قتالكم فأبيتم علي و قلتم اقبل منهم فإن أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من

٩٧

الحق و إن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم فقبلت منهم و كففت عنهم إذ ونيتم و أبيتم فكان الصلح بينكم و بينهم على رجلين يحييان ما أحيا القرآن و يميتان ما أمات القرآن فاختلف رأيهما و تفرق حكمهما و نبذا ما في القرآن و خالفا ما في الكتاب فجنبهما الله السداد و دلاهما في الضلالة فانحرفت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتى إذا عثوا في الأرض يقتلون و يفسدون أتيناهم فقلنا ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثم كتاب الله بيننا و بينكم قالوا كلنا قتلهم و كلنا استحل دماءهم و شدت علينا خيلهم و رجالهم فصرعهم الله مصارع الظالمين فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم كلت سيوفنا و نفدت نبالنا و نصلت أسنة رماحنا و عاد أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا فإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا و فارقنا فإن ذلك أقوى لنا على عدونا فأقبلت بكم حتى إذا أطللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة و أن تلزموا معسكركم و أن تضموا قواصيكم و أن توطنوا على الجهاد أنفسكم و لا تكثروا زيارة أبنائكم و نسائكم فإن أهل الحرب المصابروها و أهل التشمير فيها الذين لا ينقادون من سهر ليلهم و لا ظمإ نهارهم و لا خمص بطونهم و لا نصب أبدانهم فنزلت طائفة منكم معي معذرة و دخلت طائفة منكم المصر عاصية فلا من بقي منكم صبر و ثبت و لا من دخل المصر عاد و رجع فنظرت إلى معسكري و ليس فيه خمسون رجلا فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فلم أقدر على أن تخرجوا معي إلى يومنا هذا فما تنتظرون أ ما ترون أطرافكم قد انتقصت و إلى مصر قد فتحت و إلى شيعتي بها قد قتلت و إلى مسالحكم تعرى و إلى بلادكم تغزى و أنتم ذوو عدد كثير

٩٨

و شوكة و بأس شديد فما بالكم لله أنتم من أين تؤتون و ما لكم تؤفكون و أنى تسحرون و لو أنكم عزمتم و أجمعتم لم تراموا إلا أن القوم تراجعوا و تناشبوا و تناصحوا و أنتم قد ونيتم و تغاششتم و افترقتم ما إن أنتم إن ألممتم عندي على هذا بسعداء فانتهوا بأجمعكم و أجمعوا على حقكم و تجردوا لحرب عدوكم و قد أبدت الرغوة عن الصريح و بين الصبح لذي عينين إنما تقاتلون الطلقاء و أبناء الطلقاء و أولي الجفاء و من أسلم كرها و كان لرسول الله ص أنف الإسلام كله حربا أعداء الله و السنة و القرآن و أهل البدع و الأحداث و من كان بوائقه تتقى و كان عن الإسلام منحرفا أكلة الرشا و عبدة الدنيا لقد أنهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه و شرط له أن يؤتيه ما هي أعظم مما في يده من سلطانه ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا و خزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين و إن فيهم من قد شرب فيكم الخمر و جلد الحد يعرف بالفساد في الدين و الفعل السيئ و إن فيهم من لم يسلم حتى رضخ له رضيخه فهؤلاء قادة القوم و من تركت ذكر مساوئه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل هو شر و يود هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر و الفساد و الفجور و التسلط بجبرية و اتبعوا الهوى و حكموا بغير الحق و لأنتم على ما كان فيكم من تواكل و تخاذل خير منهم و أهدى سبيلا فيكم العلماء و الفقهاء و النجباء و الحكماء و حملة الكتاب و المتهجدون بالأسحار و عمار المساجد بتلاوة القرآن أ فلا تسخطون و تهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم و الأشرار الأراذل منكم

٩٩

فاسمعوا قولي و أطيعوا أمري فو الله لئن أطعتموني لا تغوون و إن عصيتموني لا ترشدون خذوا للحرب أهبتها و أعدوا لها عدتها فقد شبت نارها و علا سنانها و تجرد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله و يطفئوا نور الله ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع و المكر و الجفاء بأولى في الجد في غيهم و ضلالتهم من أهل البر و الزهادة و الإخبات في حقهم و طاعة ربهم إني و الله لو لقيتهم فردا و هم ملأ الأرض ما باليت و لا استوحشت و إني من ضلالتهم التي هم فيها و الهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة و بينة و يقين و بصيرة و إني إلى لقاء ربي لمشتاق و لحسن ثوابه لمنتظر و لكن أسفا يعتريني و حزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجارها فيتخذوا مال الله دولا و عباده خولا و الفاسقين حزبا و ايم الله لو لا ذلك لما أكثرت تأنيبكم و تحريضكم و لتركتكم إذ ونيتم و أبيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حم لي لقاؤهم فو الله إني لعلى الحق و إني للشهادة لمحب فانفروا خفافا و ثقالا و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون و لا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف و تبوءوا بالذل و يكن نصيبكم الخسران إن أخا الحرب اليقظان و من ضعف أودى و من ترك الجهاد كان كالمغبون المهين اللهم اجمعنا و إياهم على الهدى و زهدنا و إياهم في الدنيا و اجعل الآخرة خيرا لنا و لهم من الأولى

خبر مقتل محمد بن أبي حذيفة

قال إبراهيم و حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان عن المدائني أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أصيب لما فتح عمرو بن العاص مصر فبعث به

١٠٠