الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر0%

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 109

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف: الصفحات: 109
المشاهدات: 11310
تحميل: 4382

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 109 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11310 / تحميل: 4382
الحجم الحجم الحجم
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سلطان جائر » (1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه ، فقتله » (2) .

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شُرِّع لمصلحة العموم ، وبه ردع للسفهاء لكي لا يتمادوا في سفاهتهم ، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي عن المنكر ردعا للسفهاء » (3) .

رابعا : الحفاظ على عزة المسلمين : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقرّر مدى تماسك المسلمين وتعاونهم على تكاليف الإيمان ، ويجعلهم يشعرون جميعا شعورا واحدا بضرورة القيام بأعباء الامانة المناطة بهم ، ويثبِّت بعضهم بعضا فلا يتخاذلون ، ويقوّي بعضهم بعضا فلا يتراجعون أمام المشاق والعقبات ، فيتآزرون على ثقل المسؤولية ، ومشقة الطريق ، منطلقين نحو الهدف السامي وراء وجودهم وكيانهم ، ويتناصرون لمواجهة الاخطار والتحديات المحدقة بهم ، ويستصغرون كل قوة ، وكل عقبة ، وكل كيد ، وهم يشعرون بأنّ اللّه تعالى معهم إن أدّوا مسؤوليتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «من أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين ، من نهى عن المنكر أرغم انوف الفاسقين » (4) .

__________________

1) سنن ابن ماجة 2 : 1329 / 4011.

2) الترغيب والترهيب 3 : 225.

3) نهج البلاغة : 512 ، الحكمة / 252.

4) تصنيف غرر الحكم : 332.

٤١

وبالتعاون على أداء المسؤولية تتحقق العزّة للمؤمنين ، بأن يكونوا أقوياء متماسكين متآزرين ، مرتبطين بمصدر القوة والعزّة وهو اللّه تعالى.

وإذا تخلّوا عن هذه المسؤولية ، فإنّهم سيعيشون في ذل مستسلمين لغيرهم لا يقوون على النهوض ، ويفقدون مصدر الاسناد كأمر طبيعي لمخالفة أوامره تعالى.

قال الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : «لتأمرّنَّ بالمعروف ، ولتنهنَّ عن المنكر ، أو ليستعملنَّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم (1) ».

ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدح اللّه تعالى في كتابه العزيز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ـ كما تقدّم ـ وجعله سببا للفلاح والصلاح.

ولأهميته أكّد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته على فضائله ، وعلى فضائل القائمين به ، وفيما يلي نستعرض جملة من هذه الفضائل :

فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

الإسلام ليس مجرد تفكير وتدبر ، وليس مجرد خشوع وتذلّل للّه تعالى ، وليس مجرد التوجه إلى اللّه تعالى للفوز بالجنان والنجاة من النيران ، بل هو ـ مع ذلك ـ العمل الايجابي الذي ينشأ عن هذا التفكير وعن هذا الخشوع وهذا التوجّه ، ليكون كلُّ ذلك واقعا حركيا ملموسا ، ولا يتحقق ذلك إلاّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي يهيئ الأجواء لتحويل النظرية والمفاهيم العقائدية والقيم التشريعية والسلوكية

__________________

1) الكافي 5 : 56.

٤٢

إلى واقع.

ومن هنا ففضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مساوقة للدور البارز والإيجابي المهم الذي يقوم به.

ففي وصية رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام قال : «يا عليّ لأن يهدي اللّه على يديك نسمة خير ممّا طلعت عليه الشمس » (1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفضل الأعمال بعد الصلاة المفروضة ، والزكاة الواجبة ، وحجة الإسلام ، وصوم شهر رمضان : الجهاد في سبيل اللّه ، والدعاء إلى دين اللّه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » (2) .

وبنحو ذلك قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «الأمر بالمعروف أفضل أعمال الخلق » (3) .

وبما انّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دورا كبيرا في خلق الأجواء لاقامة الفرائض والسنن بما في ذلك الجهاد ، فقد وصفه أمير المؤمنينعليه‌السلام بالقول : «وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل اللّه ، عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلاّ كنفثةٍ في بحر لُجِّيّ ، وإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرِّبان من أجلٍ ، ولا ينقصان من رزقٍ ، وأفضل من ذلك كلّه كلمة عدلٍ عند امام جائرٍ » (4) .

ومن أجل اثبات فضيلته نرى الإمام الحسينعليه‌السلام يتوجه إلى العراق تاركا

__________________

1) مجمع البيان في تفسير القرآن 3 : 75.

2) مسند الامام زيد : 314.

3) تصنيف غرر الحكم : 331.

4) نهج البلاغة : 542 ، الحكمة / 374.

٤٣

مراسيم الحج ، فيخرج في يوم التروية ؛ ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

وبما انّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أعمدة الإسلام ، جعله رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مساوقا للصلاة ، فقال : «أمرك بالمعروف ، ونهيك عن المنكر صلاة » (1) .

ومن الفضائل أنْ جعله رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله صدقة ، فعن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال : إنَّ اُناسا قالوا : يا رسول اللّه ذهب أهل الدثور ـ يعني المال الكثير ـ بالاُجور ، يصلّون كما نصلّي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوليس قد جعل اللّه لكم ما تصدّقون به؟ إنَّ بكلِّ تسبيحة صدقة ، وبكل تكبيرة صدقة ، وبكل تحميدة صدقة ، وبكلِّ تهليلة صدقة ، وأمرٌ بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة » (2) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما تصدّق مؤمن بصدقة أحبُّ إلى اللّه من موعظة يعظ بها قوما ؛ يتفرّقون وقد نفعهم اللّه بها ، وهي أفضل من عبادة سنة » (3) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أهدى المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة ؛ تزيده هدى ، أو تردّه عن ردى » (4) .

وتتجسد فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن جعله اللّه تعالى

__________________

1) الترغيب والترهيب 3 : 224.

2) الترغيب والترهيب 2 : 224.

3) ارشاد القلوب : 13.

4) ارشاد القلوب : 13.

٤٤

بابا إلى الرحمة والفلاح ، وجعل تركه سببا لنزول العقاب والعذاب في دار الدنيا ، وفي دار الآخرة.

فضائل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر :

تقدمت الآيات القرآنية الدالة على فضل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ـ ضمن أدلة الوجوب ـ فقد وصفتهم بالخيرية والفلاح ، والصلاح ، وأكّد القرآن الكريم على انّ لهم البشرى والرحمة وحسن الثواب.

والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر خليفة اللّه ورسوله وكتابه كما وصفه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، فهو خليفة اللّه في أرضه ، وخليفة رسول اللّه ، وخليفة كتابه » (1) .

ولا أعظم من مقام الخلافة بالنسبة للانسان ، فهو محور التكريم والرحمة.

وهو خير الناس لقيامه بحمل الدعوة والانطلاق بها في واقع الحياة من أجل تقريرها وتحكيمها في العقول والقلوب والارادة.

جاء رجل إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وهو على المنبر ـ فقال : يا رسول اللّه من خير الناس؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خير الناس أتقاهم للربِّ عزَّ وجلَّ ، وأوصلهم للرحم ، وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر » (2) .

وذُكر عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلان ، كان أحدهما يصلي المكتوبة ، ويجلس

__________________

1) الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 586.

2) الترغيب والترهيب 3 : 230.

٤٥

فيعلّم الناس الخير ، وكان الآخر يصوم النهار ، ويقوم الليل ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فضل الأول على الثاني كفضلي على الأنام » (1) .

وجعل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله الآمر بالمعروف كفاعل المعروف في الأجر فقال : «الآمر بالمعروف كفاعله » (2) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أمر بمعروف أو نهى عن منكر ، أو دلّ على خير ، أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء ، أو دلّ عليه ، أو أشار به ، فهو شريك » (3) .

وللناهين عن المنكر أجر الاوائل كعمّار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والمقداد ، وأبي ذر الغفاري ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ من أمتي قوما يعطون مثل أجور أولهم ينكرون المنكر » (4) .

وجعل أمير المؤمنينعليه‌السلام من يقوم بهذه المهمة في عداد الاتقياء الذين ذكرهم في احدى كلماته وعدد صفاتهم بقوله : «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لا يدخل في الباطل ، ولا يخرج من الحقّ »(5) .

وللآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر منازل ومقامات عالية في يوم القيامة تجعلهم موضع غبطة من قبل الأنبياء والشهداء ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألا أخبركم بأقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء؟ يغبطهم يوم

__________________

1) ارشاد القلوب : 13.

2) كنز العمّال 3 : 73.

3) الخصال 1 : 138.

4) مجمع الزوائد 7 : 271.

5) مكارم الاخلاق : 477.

٤٦

القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من اللّه ، على منابر من نور يعرفون ».

قالوا : من هم يا رسول اللّه؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الذين يحببون عباد اللّه إلى اللّه ، ويحببون اللّه إلى عباده ، ويمشون على الأرض نصحاء ».

ثم وضّحصلى‌الله‌عليه‌وآله كيفية تحبيب عباد اللّه إلى اللّه فقال : «يأمرونهم بما يحبّ اللّه ، وينهونهم عمّا يكره اللّه ، فإذا أطاعوهم أحبّهم اللّه عزَّ وجلَّ » (1) .

وجعلصلى‌الله‌عليه‌وآله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بمنزلة الشهيد فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد » (2) .

__________________

1) كنز العمال 3 : 685.

2) مسند الامام زيد : 316.

٤٧

٤٨

الفصل الثاني

وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ومراحلهما

المبحث الأول

وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وكما ذكرنا غير مرة فإنّ مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية عظيمة وشاقة لأنّها تصطدم بالاهواء والشهوات التي أصبحت جزءا من كيان الكثير من الناس ، وتصطدم بالاعتزاز بالقيم السائدة الموروثة والطارئة وما يتلبس بها من مصالح مادية ونفعية ، وتصطدم مع أعداء الإسلام الذين يرفضون الهداية ويكيدون لمن حمل لواءها ، وتصطدم مع ما يحمله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من رغبات في حب الراحة ، والخلود إلى الرخاء ؛ لذا فالاُسلوب الأفضل لانجاح هذه المسؤولية هو تكوين الكتلة الصالحة كما يعبّر عنها القرآن الكريم : «وَلتَكُن مِّنكُم أُمّةٌ يَدعُونَ إلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ

٤٩

وأُولئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ »(1) .

فالمسؤولية بحاجة إلى تجميع الطاقات وتكثيف الجهود ، وتنسيق الخطط والبرامج ، وتنظيم الأعمال ، وتوزيع المسؤوليات ، ولا يتم ذلك إلاّ عبر تكوين الاُمّة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر.

وبتكوين هذه الاُمّة أو الجماعة ، التي ينبغي أن تكون لافرادها الخبرة بأحوال المجتمع المراد اصلاحه وتغييره ، من حيث الافكار والعادات والتقاليد ، ومن حيث الاطلاع على الاشخاص والوجودات المؤثرة في حركة المجتمع، وعلى الحالة النفسية التي يعيشها المجتمع ازاء القضايا والأحداث.

وبهذه الخبرة يتم اختيار الوسائل المنسجمة مع الاوضاع، ومع الأشخاص، فيتخذ كل فرد من أفراد الاُمّة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر الوسيلة المناسبة المنسجمة مع طاقاته وامكانياته ، ومع المستويات المراد اصلاحها وتغييرها ، ويغيّر الوسائل من ظرف لآخر ، ومن محيط لآخر ، أو ينوع الوسائل مع المراد اصلاحهم وتغييرهم ، تبعا لاختلاف الامزجة ، واختلاف مستويات التلقي والقبول ، واختلاف الأجواء.

ولهذا تعددت وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن أهم هذه الوسائل :

أولاً : اُسلوب الخطاب :

إنّ آيات القرآن الكريم والسُنّة النبوية حافلة بالخطابات ، والبيانات التي تخاطب العقول ، وتخاطب المشاعر ، وتخاطب الارادة ، لتنفتح أمام

__________________

1) سورة آل عمران : 3 / 104.

٥٠

الحقائق وأنوار الهداية ، وتستجيش عناصر الخير والصلاح ، وتطارد عناصر الشر والانحراف ، وتستثير حالة الحذر من مزالق الشيطان والنفس الامارة بالسوء.

ففي بداية الدعوة الإسلامية جمع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشيرته الاقربين وكانوا يومئذٍ أربعين رجلاً وقال : «يا بني عبدالمطلب ، اني واللّه ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه » (1) .

ثم صدع بأمر الدعوة ، وكان يخاطب المشركين في أماكن تجمعهم ، وفي المسجد الحرام ، يدعوهم إلى التوحيد وإلى اصلاح نفوسهم وأعمالهم.

وكان يخاطب القبائل في منازلهم ، ونواديهم التي يجتمعون فيها ، وهكذا استمر في استخدام هذه الوسيلة بعد قيام الدولة الاسلامية.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلّمهم موارد المعروف وموارد المنكر ، ثم يحثّهم على الالتزام بالمعروف ، والانتهاء عن المنكر ، ويتابعهم في سيرتهم ، ويستطلع قربهم وبعدهم عمّا دعاهم إليه.

وكان للمنبر دور في تهيئة الأجواء لممارسة الخطابات النبوية ، ولا زال إلى يومنا هذا.

واستمر أهل البيتعليهم‌السلام على هذا النهج في استخدام الخطاب لتعليم الناس وارشادهم وحثهم على تبني المفاهيم السليمة وممارسة الاعمال

__________________

1) تاريخ الطبري 2 : 319.

٥١

الصالحة.

والخطاب أهم وسيلة لتحريك العقل الجمعي وتوجيهه الوجهة الصالحة ، وبه يتم اللقاء بأكبر عدد من الناس.

ويمكن عن طريقه ممارسة بقية الوسائل الاصلاحية الاُخرى ، فهو شامل لها جميعا ومتنوعا بتنوعها.

ثانيا : القصص :

القصص بطبيعتها تشد المستمع إليها وتجعله متعلقا بسمعه ووجدانه بفصولها ، متتبعا لاحداثها وتسلسلها المنتظم ، وتجعله دائم التأمل في مفاهيمها ومعانيها ، والتأثر بأبطالها وشخصياتها ، وتبقى عالقة في ذهنه ووجدانه ؛ لسهولة حفظها ونقلها.

وقد حفلت الآيات القرآنية باحسن القصص منذ النشأة الاولى للبشرية ، وتطرقت إلى قصص الانبياء والصالحين وخصومهم واعدائهم ، وإلى مواقفهم وممارساتهم العملية ، وما قدّموه للبشرية من أعمال في طريق هدايتها.

وللقصة دور كبير في تحريك العقول للتفكّر ، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في الواقع ، قال تعالى : «فَاقصُصِ القَصَصَ لَعلّهُم يَتَفكَّرُونَ »(1) .

ولكلِّ نبي ورسول قصصا في مسيرته إلى اللّه تعالى ، لها دور في ارشاد الناس واصلاحهم ، لما فيها من مفاهيم وقيم متنوعة في جميع مجالات

__________________

1) سورة الأعراف : 7 / 176.

٥٢

الحياة الفردية والاجتماعية ، وفي جميع مجالات النفس الانسانية في أفكارها وعواطفها وارادتها.

ولو تابعنا قصة يوسفعليه‌السلام ـ مثلاً ـ لوجدناها حياة واقعية كاملة ، ابتداءً بحسد اخوانه له ؛ لتفضيل أبيه له عليهم ، وتحوّل الحسد إلى حقد ثم تآمر على يوسف ، ثم الكذب على أبيهم ، وإلقائه في البئر. فيتوجه يوسف ـ وهو في هذه الحال ـ بكل كيانه إلى اللّه تعالى ، فينقذه مما هو فيه ، ويعيش الغربة والفراق صابرا ، ثم تتسلسل القصة وتصل إلى رفض الانسياق للشهوة ، والاعتصام من الانحراف ، وتحمّل السجن ، وفي داخل السجن يبقى متعلقا باللّه تعالى طالبا منه العون ، ثم تنفتح له الحياة فيصبح في مقام حكومي عالٍ ، ويعفو عن اخوانه ويجمع اللّه تعالى شمله مع والديه.

وهنالك قصص من سيرة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام في الاخلاص للّه تعالى ، والصبر على المصائب ، والعمل من أجل المصلحة الإسلامية الكبرى ، وحسن الخلق مع الموالين والمخالفين ، وهي بنفسها أمر بمعروف ونهي عن منكر.

ثالثا : الأمثال :

استخدم القرآن الكريم ضرب الأمثال كوسيلة من وسائل الدعوة إلى الهداية وإلى الاستقامة ، والحث على الالتزام بأوامر اللّه ونواهيه ، قال تعالى : «وَيَضربُ اللّه الأمثالَ لِلنّاسِ لَعلّهُم يَتَذكَّرُونَ »(1) .

فقد مثَّل القرآن الكريم الذين اتخذوا من دون اللّه أولياء في عقيدتهم

__________________

1) سورة إبراهيم : 14 / 25.

٥٣

ومنهجهم في الحياة «كَمَثَلِ العَنكبُوتِ اتَّخذَت بَيتا وإنَّ أوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ »(1) .

وضرب اللّه تعالى مثلاً للموحدين للّه تعالى ولغير الموحدين التائهين في التوجيهات المتناقضة «ضَرَبَ اللّه مَثلاً رَّجُلاً فيهِ شُركاءُ مُتَشاكِسُون وَرَجُلاً سَلَما لِرجُلٍ هَل يَستَويانِ مَثَلاً الحَمدُ للّه بَل أكثرُهُم لا يَعلمُونَ »(2) .

وضرب اللّه مثلاً في عبد أتاه اللّه الآيات فانسلخ منها واستسلم للشيطان : «وَلَو شِئنَا لَرَفعنَاهُ بِهَا وَلَكنَّهُ أخلَدَ إلى الأرضِ واتَّبعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إن تَحمِل عَليهِ يَلهَث أو تَترُكَهُ يَلهَث ذَلكَ مَثلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ... »(3) .

ومثَّل القرآن الكريم العلماء الذين لم يجسّدوا علومهم في سلوكهم العملي بالحمار يحمل اسفارا : «مَثَلُ الَّذينَ حُمّلوا التَوراةَ ثُم لَم يَحمِلُوها كَمَثلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أسفارا ... »(4) .

والقرآن الكريم مليء بالأمثال ، وكذا السيرة النبوية وسيرة أهل البيتعليهم‌السلام .

وضرب الأمثال يقرّب المعنى إلى الاذهان ويجعله متفاعلاً في الضمير والوجدان البشري ، وهو سهل الحفظ والنقل ، وله تأثير محسوس على جميع مقومات الشخصية ، لذا استخدم كوسيلة من وسائل الأمر

__________________

1) سورة العنكبوت : 29 / 41.

2) سورة الزمر : 39 / 29.

3) سورة الأعراف : 7 / 176.

4) سورة الجمعة : 62 / 5.

٥٤

بالمعروف والنهي عن المنكر.

رابعا : العبرة والموعظة :

المنهج الإسلامي يتّخذ من العبرة والموعظة مادة تنبيه وتوجيه وتنوير للعقل والقلب ، تُستلخص منها المفاهيم والقيم الكامنة وراء المواقف والحوادث التاريخية المتسلسلة ، فهو يستحضرها ليعمّقها في أغوار النفس الانسانية.

وبالعبرة والموعظة يعي الإنسان مداولة الأيام ، وتعاقب الشدة والرخاء ، وأسباب التقدم والتأخر للمجتمعات والحضارات وهي تربية للنفوس واعداد لها لشق طريقها متوجهة إلى اللّه تعالى.

وبالعبرة والموعظة يرتدع الإنسان عن الانحراف والرذيلة وانتهاك المقدسات ، وينطلق لاصلاح نفسه ومجتمعه ، حينما يرى مسيرة الاُمم السابقة ، فقد أغرق اللّه تعالى قوم نوح ونجّى المؤمنين ، وعذّب قوم لوط وأهلكهم ، وأهلك ملوكا واستخلف آخرين.

ومن مظاهر الموعظة التذكير بالموت والهلاك ، والتذكير بما يصيب الاُمم المتمردة على المنهج الالهي من قلق واضطراب عقلي ونفسي ومن نقص في الثمرات والانفس.

والقرآن الكريم والسُنّة النبوية وامتدادها في أهل البيتعليهم‌السلام مليئة بالعبر والمواعظ ، وقد ورد في نهج البلاغة كثير منها فكانعليه‌السلام يدعو للاعتبار بالانبياء والصالحين ، وبالاقوام السالفة ، ويحذّر المسلمين مما أصاب الاقوام المتمردة على طول التاريخ.

٥٥

خامسا : التمثيل العملي :

التمثيل العملي يوصل المفاهيم والافكار إلى العقول أو يقرّبها إليها ، ويوصل القيم كذلك ، والناس يتفاعلون مع المظاهر الحسيّة أكثر من المفاهيم النظرية ، اضافة إلى ذلك فان التمثيل العملي يستشري في المجتمع أكثر فأكثر عن طريق الانتقال من لسان إلى لسان ، ومن محفل لآخر.

ومن الأمثلة على ذلك قصة إبراهيمعليه‌السلام مع قومه ، فحينما كسَّر الاصنام وضع المعول في رقبة صنم كبير ، فلما جاء المشركون واجتمع الناس معهم : «قَالُوا أأنتَ فَعلتَ هَذا بآلِهَتِنا يَا إبراهيمُ * قَالَ بَل فَعلَهُ كَبِيرُهُم هَذا فاسألُوهُم إن كانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إلى أنفُسِهِم فَقَالوا إنّكُم أنتُمُ الظَّالِمُونَ »(1) .

وبهذه العملية استطاع إبراهيمعليه‌السلام ان يشككهم في معتقداتهم ، حينما أيقنوا أنّ الأصنام لا تنطق ولا تضرّ ولا تنفع.

وعن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل بأرض قرعاء ، فقال لأصحابه : ائتوا بحطب ، فقالوا : يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ، قال : فليأت كل إنسان بما قدر عليه ، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه ، بعضه على بعض ، فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : هكذا تجتمع الذنوب ، ثم قال : إيّاكم والمحقّرات من الذنوب ، فإنّ لكلِّ شيء طالبا ، ألا وإنّ طالبها يكتب ما قدّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين » (2) .

__________________

1) سورة الانبياء : 21 / 62 ـ 64.

2) الكافي 2 : 288.

٥٦

وقد يدخل الفن والتمثيل المسرحي والسينمائي في هذه الوسيلة ، لذا نجد ان أعداء الإسلام استخدموها للتشكيك في العقيدة الإسلامية واشاعة الفساد الاخلاقي في مجتمعاتنا.

سادسا : الحوار :

الحوار من الوسائل المفضلة في أداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فبه يتم إيقاظ العقول والقلوب ، وتحريك العواطف والمشاعر ، وخصوصا لمن يبحث عن الحقيقة ، فهو يساعد على معرفة مستويات المشاركين في الحوار ، وما يطرحونه من شبهات فكرية وسلوكية ، فيطالب المحاور غيره بالحجّة والدليل ، ويعلّمه في الوقت نفسه طريقة الاستدلال الصحيح ، ويأخذ عليه طريق الادعاء بلا بينة أو ببينة مضطربة.

وينبغي أن يكون الحوار في مفهوم أو موقف واقعي ، لا في الألفاظ والتعاريف ، وان يبدأ الحوار من القضايا المشتركة ثم إلى القضايا المختلف فيها.

والحوار وسيلة استخدمها جميع الانبياء والمرسلين في مسيرتهم ، كحوار نوحعليه‌السلام مع قومه ، وإبراهيمعليه‌السلام مع النمرود ، وموسىعليه‌السلام مع فرعون ، وعيسىعليه‌السلام مع بني اسرائيل ، ورسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المشركين من قريش ومن أهل الكتاب ، ومع المسلمين أنفسهم ، وأهل البيتعليهم‌السلام مع حكّام زمانهم ومع أئمة المذاهب الاُخرى.

وقد دعا القرآن الكريم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحوار مع الآخرين بطريقة

٥٧

«ادعُ إلى سَبِيلِ رَبّكَ بِالحِكمةِ والموعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالتي هِيَ أحسَنُ »(1) .

والحوار يختلف حسب اختلاف المعتقدات ، فهو يتركّز على المفاهيم والافكار مع غير المسلمين ، وعلى اثارة العواطف مع المسلمين الذين آمنوا بالاسلام فكرا وعاطفة وسلوكا.

فقد كان حوار رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المشركين حول التوحيد والنبوّة واليوم الآخر ، أمّا حواره مع المسلمين فقد كان حول الممارسات العملية باثارة عواطفهم اتجاه الافكار والمفاهيم الإسلامية لتجسيدها في الواقع العملي ، فحينما وزّعصلى‌الله‌عليه‌وآله الاموال على المؤلفة قلوبهم ، اعترض الانصار وكثر الكلام ، فحاورهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً : «أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال ، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار » ، فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا باللّه ربّا ورسوله قسما(2) .

سابعا : الاقتداء :

من الثوابت في حركة الناس أنّهم يقتدون بمن له القدرة على التأثير على عقولهم وقلوبهم وإراداتهم ، وأصحاب القدرة هم الشخصيات التي يحترمهم الناس ، ويكرمونهم ، ويبجّلونهم ، وهم الطبقة العليا في المجتمع ، كالرؤساء والقادة وجميع من يتصدر المناصب الحساسة السياسية والدينية والاجتماعية.

__________________

1) سورة النحل : 16 / 125.

2) صحيح البخاري 4 : 37 باب مناقب الأنصار.

٥٨

والاقتداء بالاسلاف أكثر من الاقتداء بالطبقة العليا ؛ لأنّ الناس يتأثرون بالتراث الفكري والسلوكي لأسلافهم.

وإذا كانت الشخصية المؤثرة تتصف بصفات فريدة ونادرة فإنّها تساعد على تشبّه الناس بها في جميع المقومات إلى أن يصل الأمر إلى التشبّه بها في المظاهر الخارجية كاللباس وطريقة العيش.

ويمكن للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقوم بواجبه من خلال دعوته الصامتة ليقتدي به المجتمع في أقواله وأفعاله ، إن كان يملك الموقع الذي يؤهله للتأثير.

فحينما يجد أفراد المجتمع القدوة الصالحة فإنّهم يقتبسون منه ما يمارسه من أعمال وأفعال ، ويتشبهون به ، ويحاكونه في سيرته ليصبح الاقتباس والتشبّه والمحاكاة تقليدا ؛ في علاقته باللّه تعالى ، وفي ارتباطه بالقرآن وولائه لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وفي زهده وتقواه وتواضعه وصدقه وايثاره.

قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : «من نصَّب نفسه للناس إماما ، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه » (1) .

وكلّما ازداد عدد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، حتى إذا كانوا أُمّة وجماعة ، فإنّ الاقتداء بهم سيكون آكد وأشدّ.

وخير أُسلوب لتعميق الاقتداء هو الترويج المتزايد والمستمر لسيرة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام والسلف الصالح من أتباعهم.

__________________

1) شرح نهج البلاغة 18 : 220.

٥٩

المبحث الثاني

مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

المرحلية سنّة تاريخية أودعها اللّه تعالى في الكون والحياة والمجتمع ، فكل أمر وظاهرة لا تتم إلاّ عن طريق المراحل ، والتدرج في النشوء ، والتكوين ، والترعرع ، والاستمرار في الوجود باتجاه السمو والارتقاء.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يخضع لهذه السُنّة ، فقد قام بادائه الأنبياء والمرسلون على مراحل من حيث اللين والشدّة ، والاندفاع والانكماش ، والاساليب والوسائل.

وتختلف مظاهر المرحلية باختلاف الظروف التي يعيشها المجتمع من حيث درجات القرب والبعد عن المفاهيم والقيم الإسلامية وباختلاف الامكانيات والطاقات التي تملكها الاُمّة والجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، وباختلاف المؤهلات التي يتصف بها المنضوون تحت لوائها ، وطبيعة الانحراف الذي تواجهه ، وخصائص المخالفين والمعارضين ـ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ كما ونوعا ، اضافة إلى الزمن المستغرق في اداء التكليف للوصول إلى الهدف.

وسنستعرض مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن مجموعتين هما :

أولاً : المراحل الوقائية :

ويتم العمل بها ابتداءً ، بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام ، أو دعوة المسلمين إلى التمسك بما آمنوا به من مفاهيم وقيم ، ومن خلالها يتم

٦٠