إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق13%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219769 / تحميل: 6908
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قال: والذي نفسي بيده لو دلى رجل بحبل حتى يبلغ أسفل الأرض السابعه لهبط على الله، ثم قال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.

- مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٥١:

عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام وعد سبع سماوات، ثم العرش، وبين أرضكم والأرض الأخرى سبعمائة عام فعد سبع أرضين، فإذا أدليتم حبلاً هبط على الله.

وقالوا إنّه تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان

- روى ابن ماجه في سننه ج ١ ص ٤٤٤

... عن عائشة قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، فقال يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت قد قلت: وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب. انتهى. وروى هذه الأحاديث أحمد في مسنده ج ١ ص ١٢٠ و ص٤٠٣ و٤٤٦ وفي ج ٦ ص ٢٣٨ والبيهقي في شعب الإيمان ج ٣ ص ٣٨٠ وفي ج ٥ ص٢٧٢ والبخاري في الأدب المفرد ص ٢٠٧ وأبو داود في سننه ج ١ جزء ١ ص ٤٤٧ وابن أبي شيبة في مصنفه ج ٧ ص ١٣٩ والديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ١٨٨ وص ٣٢١ وج ٥ ص٣٥٩ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٤٣١ وص ٤٤٩ ومعالم التنزيل ج ٤ ص ١٤٨ والمنذري في الترغيب والترهيب ج ٣ ص ٤٦٠ والعسقلاني في تهذيب التهذيب ج ٣ ص٣١٥ وعارضة الأحوذي شرح الترمذي ج ٢ جزء ٣ ص ٢٧٥ وجامع الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ٧٧ وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بإصبهان ج ١ ص ٢١٨ والهندي في كنز العمّال ج ٣ ص ٤٦٦ وج ١٢ ص ٣١٣ وابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٢٧٢ وفي لسان الميزان ج ٤ ص ٦٧ وص ٢٥٢ والمزي في تهذيب الكمال ج ٩ ص ٣٠٨.

١٢١

- وقال ابن باز في فتاوىه ج ١ ص ١٩٥:

وقد اغتر بهذا الحديث (في صلاة ليلة نصف شعبان) جماعة من الفقهاء كصاحب الإحياء وغيره، وكذا من المفسرين وقد رويت صلاة هذه الليلة أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم كلب، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة، على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع، كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة، على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه.

وقالوا إنّه تعالى ينزل يوم عرفة

- مصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ٢٥٤

- عن جابر (رض) أنه قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكه..

- ورواه المنذري في الترغيب والترهيب ج ٢ ص ١٨٧ وص ٢٠٠ وص ٢٠٤

- والديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص ١٦

الإمام الرضاعليه‌السلام يلعن الذين حرّفوا حديث النزول

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٧٦

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضاعليه‌السلام :

يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقالعليه‌السلام : لعن الله

١٢٢

المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم كذلك، إنما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تبارك وتعالى يُنْزِلُ مَلَكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأحاديث إخواننا تؤيّد ما قاله الإمام الرضا

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ٣٤٣ - ٣٤٤

وإنما المعنى الصحيح للحديث والتوجيه السديد أن النازل هو ملك من الملائكة يأمره الله تعالى بأن ينادي في السماء الدنيا في وقت السحر فيما يوازي كل جزء من الكرة الأرضية طوال الأربع والعشرين ساعة، ويصح في اللغة العربية أن ينسب الفعل إلى الأمر به فتقول العرب مثلاً: غزا الملك البلدة الفلانية أي أمر وأرسل قائد جيشه بذلك، مع أنه لم يفارق قصره، ولله المثل الأعلى.

والذي يثبت هذا المعنى وينفي ما تتوهمه المجسمة وتدعو إليه أنه ورد الحديث أيضاً بروايتين صحيحتين في الدلالة على ذلك. أما الرواية الأولى: فقد روى الإمام النسائي في السنن الكبرى ٦ - ١٢٤ بإسناد صحيح وهو في عمل اليوم والليلة له المطبوع ص ٣٤٠ برقم ٤٨٢ عن سيدنا أبي سعيد الخدري وسيدنا أبي هريرةرضي‌الله‌عنهما أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر منادياً ينادي يقول: هل من داع فيستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى.

وأما الرواية الثانية: فعن سيدنا عثمان بن أبي العاص الثقفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيستجاب

١٢٣

له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استحباب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها، أو عشاراً. رواه أحمد ٤ - ٢٢ و ٢١٧ والبزار ٤ - ٤٤ كشف الاستار والطبراني ٩ - ٥١ وغيرهم بأسانيد صحيحة والعشار: صاحب المكس.

فهذه الأحاديث الواضحة تقرر بلا شك ولا ريب بأن النازل إلى السماء الدنيا هو ملك من الملائكة يأمره الله تعالى أن ينادي بذلك، على أن الحافظ ابن حجر حكى في الفتح ٣ - ٣٠ في شرح الحديث الأول الذي في الصحيحين أن بعض المشايخ ضبط الحديث بضم الياء في (ينزل) فيكون اللفظ هكذا: ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، أي: ينزل ملكاً كما تقدم.

وتؤيّده أحاديث فيها اطلع الله بدل ينزل

- سنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٤٤

... عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن.

- مسند أحمد ج ٢ ص ١٧٦

عن عبد الله بن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا لاثنين: مشاحن وقاتل نفس.

- كنز العمّال ج ٣ ص ٤٦٤

إن الله تعالى يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم عليه. هب عن عائشة. إذا كان ليلة النصف من شعبان إطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه (هب. عن أبي ثعلبة الخشني).... تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر الله لكل عبد مؤمن، إلا عبد بينه وبين أخيه شحناء فيقال أتركوا هذين حتى يفيئا. حم عن أبي هريرة.

١٢٤

- كنز العمّال ج ٣ ص ٤٦٦

يطلع الله تعالى إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه الا‌لمشرك أو مشاحن. حب، طب، وابن شاهين في الترغيب، هب، وابن عساكر عن معاذ... يطلع الله تعالى على خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحناً أو قاتل نفس. حم ت عن ابن عمرو.

- كنز العمّال ج ١٢ ص ٣١٣

إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن. ه- عن أبي موسى.

وأحاديث خالية من ينزل ويصعد

- كنز العمّال ج ١٢ ص ٣١٣

إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى مناد: هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه، فلا يسأل أحد شيئاً إلا أعطاه، إلا زانية بفرجها أو مشرك. هب عن عثمان بن أبي العاص... إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله من الذنوب أكثر من عدد شعر غنم كلب. هب عن عائشة... إن الله تعالى يغفر ليلة النصف من شعبان للمسلمين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم. ابن قانع عن أبي ثعلبة الخشني.

وادّعوا أنّ رؤية الله تعالى في المنام تدل على الإيمان

- شرح مسلم للنووي ج ٨ جزء ١٥ ص ٢٥

قال القاضي: واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها وإن رآه الإنسان على صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام، لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى، إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالى التجسم، ولا اختلاف الأحوال، بخلاف رؤية النبي (ص). قال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات.

١٢٥

- تهذيب التهذيب لابن حجر ج ١١ ص ٤٣٢

يوسف الحماني عن أبيه عن يوسف بن ميمون عن ابن سيرين قال: من رأى ربه في المنام دخل الجنة!!

- تهذيب التهذيب لابن حجر ج ٣ ص ٤٥٨

عن عبد الله بن أحمد: سمعت سريح بن يونس يقول: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا سريح سل حاجتك، فقلت: رحمان سر بسر. انتهى. يعني رأساً برأس! قال البخاري: مات في ربيع الآخر منه ٢٢٥.

- صفة الصفوة لابن الجوزي جزء ١ و ٢ ص ٦١٨

عن إسحاق بن إبراهيم الجيلي قال: سمعت سريج بن يونس يقول: رأيت فيما يرى النائم كأن الناس وقوف بين يدي الله وأنا في أول صفه في آخره ونحن ننظر إلى رب العزة تعالى.. إذ قال: أي شيء تريدون؟ فسكت الناس.. وجزت الصف الأول فقال: أي شيء تريد؟ فقلت رحمان سر بسر... قال تعالى قد خلقتكم ولا أعذبكم! ثم غاب في السماء فذهب.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٧ ص ١٦٩

سريج بن يونس بن إبراهيم... وقال عبد الله بن أحمد: سمعت سريج بن يونس يقول رأيت رب العزة من المنام فقال سل حاجتك... له حكايات شبه الكراماترحمه‌الله . وكان إماماً في السنة.

- حياة الحيوان للدميري ج ١ ص ٥١

وروى الإمام أحمد بن حنبلرضي‌الله‌عنه : أنه رأى رب العزة في المنام تسعاً وتسعين مرة فقال: إن رأيته تمام المائة لأسألنه، فرآه تمام المائة فسأله وقال: يا رب بماذا ينجو العباد يوم القيامة؟

- وقال في سيره ج ١٩ ص ١١٤

- أبوالمظفر السمعاني الإمام العلامة مفتي خراسان شيخ الشافعية أبو المظفر منصور

١٢٦

ابن محمد بن عبدالجبار بن أحمد التميمي السمعاني المروزي الحنفي ثم الشافعي... ولد سنة ست وعشرين وأربع مئة... وسمعت شهردار بن شيرويه سمعت منصور بن أحمد وسأله أبي فقال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت حنفياً فبدا لي وحججت، فلما بلغت سميراء رأيت رب العزة في المنام فقال لي: عد إلينا يا أبا المظفر فانتبهت وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي فرجعت إليه!. انتهى. ورواه في تاريخ الإسلام ج ٣٣ ص ٣٢١ لكن فيه (عد يا أبا المظفر إلى الشافعية).

- شعب الإيمان للبيهقي ج ٣ ص ١٦٤

عن رقبة قال: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي لأكرمن مثوى سليمان التيمي.

- تاريخ الاسلام للذهبي ج ٩ ص ١٥٨

عن ابن مصقلة: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٠ ص ٤١٢

الفتح بن شخرف أبو نصر الكشي الزاهد نزيل بغداد ومن كبار مشايخ الصوفية قال ابن البربهاري: سمعت الفتح يقول: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا فتح احذر لا آخذك على غرة، توفي سنة ٢٧٣ هـ، وكذا في صفوة الصفوة لابن الجوزي ج ص ٦٤٣

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢١ ص ١٩٢

صالح بن يونس... ورد عنه أنه رأى الحق في المنام، وحج على قدميه سبعين حجة... والدعاء عند قبره مستجاب.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٥ ص ٣٥٠

عبد الله بن إبراهيم بن واضح.. يقال أنه رأى الحق في النوم مرتين.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٦ ص ٣١٦

يعلي بن موسى البربري الصوفي.. رأى رب العزة في المنام...

١٢٧

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٦ ص ٦٥٠

محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة... أبو سليمان بن القاضي بن محمد الربعي روى عنه أبو نصر بن الجبان أنه رأى رب العزة في المنام...

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٧ ص ١٣٤

عن جعفر الابهري قال سمعت أبا علي القومساني يقول: رأيت رب العزة في المنام فناولني كوزين شبه القوارير، فشربت منهما وأنا أتلو هذه الآية: وسقاهم ربهم شراباً طهوراً، ورأيت رب العزة في أيام القحط فقال: يا أبا علي لا تشغل خاطرك فإنك من عيالي وعيالك عيالي وأضيافك عيالي.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٩ ص ١٨٥

أحمد بن محمد بن إبراهيم.. الثعلبي صاحب التفسير... وقد جاء عن أبي القاسم القشيري قال: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه: أقبل الرجل الصالح، فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل. انتهى. ورواه في هامش معجم الأدباء للحموي ج ٣ جزء ٥ ص ٣٦، وفيه (الثعالبي).

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٩ ص ٣٨١

عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان... شيخ همدان... قال شيرويه رأيت بخط بن عبدان: رأيت رب العزة في المنام فقلت له: أنت خلقت الأرض وخلقت الخلق ثم أهلكتهم، ثم خلقت خلقاً بعدهم؟ وكأني أرى أنه ارتضى كلامي ومدحي له، فقال لي كلاماً يدل على أنه يخاف عليَّ الإفتخار.. وقبره يزار ويتبرك به..

- المستطرف للإبشيهي ج ١ ص ١٤٧

وحكي أن بعضهم كان ملاحاً ببحر النيل... فبينما أنا ذات يوم في الزورق إذا بشيخ مشرق الوجه عليه مهابة فقال.. إني أريد أن أحملك أمانة قلت ما هي قال: إذا كان غداً وقت الظهر تجدني عند تلك الشجرة ميتاً وستنسى، فإذا ألهمت فأتني

١٢٨

وغسلني وكفني في الكفن الذي تجده تحت رأسي... ثم نمت فرأيت رب العزة جل جلاله في النوم فقال: يا عبدي أثقل عليك أن مننت على عبد عاص بالرجوع.

- معجم الأدباء للحموي ج ٣ جزء ٥ ص ٧٠

أبا الحسن بن سالم البصري يقول... قال: سمعت أبا بكر محمد بن مجاهد المقرىَ يقول: رأيت رب العزة في المنام فختمت عليه ختمتين فلحنت في موضعين فاغتممت، فقال: يابن مجاهد الكمال لي الكمال لي!

- مختصر تاريخ دمشق ج ٣ جزء ٥ ص ٢٠٤

قال أبو عبد الرحمن... رفيق بشر بن الحارث: رأى صاحب لنا رب العزة في النوم قبل موت بشر بقليل فقال: قل لبشر بن الحارث: لو سجدت لي على الجمر ما كنت تكافئني بما نوهت اسمك في الناس...

- مختصر تاريخ دمشق ج ٣ جزء ٦ ص ٣٤٨

قال إسحاق الحربي: بلغني أن أبا حسان الزيادي رأى رب العزة تبارك وتعالى في النوم...

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٢١٤

عن رقبة قال سليمان بن طرخان: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في النوم.

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٣٥٥

قال علي بن المثنى سمعت عمي يقول: سمعت أبي يقول سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في المنام..

- الإعتصام للشاطبي ج ١ ص ٢٦٠

عن أبي يزيد السبطايي قال: رأيت ربي في المنام فقلت: كيف الطريق إليك؟ قال أترك نفسك وتعال. وشأن هذا الكلام من الشرع موجود...

١٢٩

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٣٥٦

عن جعفر بن علي الترمذي: أن أحمد بن خضرويه قال: رأيت رب العزة في منامي فقال لي: يا أحمد كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد البسطامي فإنه يطلبني.

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٣٨٨

قال إبراهيم بن عبد الله: فرأيت الله تعالى في النوم فوقفني بين يديه.

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٤٦٨

يوسف بن موسى القطان يحدث أن أبا عمرو الأوزاعي قال: رأيت رب العزة في المنام.

- المواعظ للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٥

عن رجل من صلحاء المصريين يقال له أبو هادون الخرقي قال: رأيت الله عز وجل في منامي فقلت: يا ربي أنت تراني وتسمع كلامي قال: نعم... انتهى.

ومما يلاحظ أن أكثر الذين رأوا ربهم فى المنام، من الفرس المشبهة والمجسمة!

أمّا درجة ابن عربي وأمثاله فهي أكبر من الرؤية في المنام

- مذاهب التفسير الإسلامي لجولد تسيهر ص ٢٣٩

وقد عرض ابن عربي تعاليمه.. بأنه استمد علمه لا من فم الرسول الذي ظهر له، ولا من الملائكة فحسب، بل من كلام الله المباشر الذي حظى به تكراراً. فهو يتحدث كثيراً عن لقائه مع الله سبحانه.. إني رأيت الحق في النوم مرتين وهو يقول لي: إنصح عبادي!! انتهى.

وقد ادعى ابن عربي لنفسه مقامات الأنبياء وأوصيائهم، ودوّن ذلك فى كتبه!!

- كرامات الأولياء للنبهاني ج ١ ص ٥٨٨

إسماعيل الأنبابي: كان يطلع على اللوح المحفوظ فيقول: يقع كذا، فلا يخطئ!

١٣٠

- مقالات الإسلاميين للأشعري ج ١ ص ٢٨٩

وفيهم (يعني النساك) من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، مُنَاوَلَةً.

- ونختم بما جاء في هامش تاريخ الإسلام للذهبي ج ٣٨ ص ١٣٥

قال أبو محمد العكبري رأيت رسول الله (ص) في المنام فقلت يا رسول الله إمسح بيدك عيني فإنها تؤلمني فقال: إذهب إلى نصر بن العطار يمسح عينك... هذا نصر قد صافحته يد الحق. انتهى.

لكن الإمام الصادق تشاءم من صاحب هذه الرؤية

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٢

عن إبراهيم الكرخي قال: قلت للصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام : إن رجلاً رأى ربه عز وجل في منامه فما يكون ذلك؟ فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تبارك وتعالى لا يرى في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

بيان: لعل المراد أنه كذب في تلك الرؤيا، أو أنه لما كان مجسماً تخيل له ذلك،

أو أن هذه الرؤيا من الشيطان، وذكرها يدل على كونه معتقداً للتجسيم.

- وقال النيشابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

وقيل لهعليه‌السلام : إن رجلاً رأى ربه في منامه فما يكون ذلك فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تعالى لا يرى في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

١٣١

الفصل الرابع

خلاصة اعتقادنا في التنزيه ونفي التشبيه

العقل والآيات والأحاديث تنفي إمكان رؤية الله تعالى بالعين

نعتقد نحن الشيعة بأن الله تعالى لا يمكن أن يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنه ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولا يحيطون به علماً.. إلى آخر الآيات الصريحة بأنه تعالى لا يمكن أن يرى بالعين، بل يرى بالعقل والقلب وهي أعمق وأصح من رؤية العين.

وقد استدل أئمتناعليهم‌السلام وعلماؤنارضي‌الله‌عنهم ، على نفي التجسيم والرؤية بالكتاب والسنة والعقل.. واعتبروا أن ذلك من أصول مذهبنا، بل هو كالبديهيات حتى عند عوامنا.

وستعرف أن القول برؤية الله تعالى جاءت من تأثر المسلمين باليهود والنصارى والمجوس، وأن أهل البيتعليهم‌السلام وجمهور الصحابة وقفوا في وجه ذلك، وكذبوا نسبة الرؤية بالعين إلى الإسلام، وكل ما تستلزمه من التشبيه والتجسيم، ولكن موجة التشبيه والتجسيم غلبت.. لأن دولة الخلافة تبنتها!

١٣٢

والدليل البسيط على نفي إمكان رؤية الله تعالى بالعين أن ما تراه العين لابد أن يكون موجوداً داخل المكان والزمان، والله تعالى وجود متعال على الزمان والمكان، لأنه خلقهما وبدأ شريطهما من الصفر والعدم، فكيف نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانينهما!

لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمكان، حتى ليصعب عليها أن تتصور موجوداً خارج قوانين الزمان والمكان، وحتى أننا نتصور خارج الفضاء والكون بأنه فضاء! وهذه هي طبيعة الإنسان قبل أن يكبر ويطلع، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها!

لكن مع ذلك فإن عقل الإنسان يدرك أن الوجود لا يجب أن يكون محصوراً بالمكان والزمان، وأن بإمكان الإنسان أن يرتقي في إدراكه الذهني فيدرك ما هو أعلى من الزمان والمكان ويؤمن به، وإن عرف أنه غير قابل للرؤية بالعين.

وهذا الإرتقاء الذهني هو المطلوب منا نحن المسلمين بالنسبة إلى وجود الله تعالى، لا أن نجره إلى محيط وجودنا ومألوف أذهاننا، كما فعل اليهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده في عزيرعليه‌السلام وغيره، وكما فعل النصارى فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسيحعليه‌السلام وغيره!!

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلّم الأُمّة التوحيد

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٠٧

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكلرحمه‌الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عن آبائهعليهم‌السلام قال: مر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو، فقال له رسول: غض بصرك، فإنك لن تراه.

١٣٣

وقال: ومر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو، فقال رسول الله: أقصر من يديك، فإنك لن تناله.

- الكافي ج ١ ص ٩٣

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن اليعقوبي، عن بعض أصحابنا، عن عبدالأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : قال إن يهودياً يقال له سبحت، جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله جئت أسألك عن ربك، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه، وإلا رجعت؟

قال: سل عما شئت.

قال: أين ربك؟

قال: هو في كل مكان، وليس في شيء من المكان المحدود.

قال: وكيف هو؟

قال: وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق، والله لا يوصف بخلقه.

قال: فمن أين يعلم أنك نبي الله؟

قال: فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين: يا سبحت إنه رسول الله!

فقال سبحت: ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا!

ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

ويعلّمنا أنّ أقصى ما يمكن أن يراه الإنسان نور عظمة الله

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٨

يد: أبي، عن محمد العطار، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن الرضاعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيلعليه‌السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكُشِفَ لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

١٣٤

عليعليه‌السلام يثبت مشاهدة القلوب وينفي مشاهدة العيان

- نهج البلاغة ج ٢ ص ٩٩

١٧٩ ومن كلام لهعليه‌السلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟

فقالعليه‌السلام :أفأعبد ما لا أرى !

فقال: وكيف تراه!

فقال:لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم لا بروية، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته .

- ورواه في بحار الأنوار ج ٤ ص ٢٧ عن:

يد، لي: القطان والدقاق والسناني، عن ابن زكريا القطان، عن محمد بن العباس، عن محمد بن أبي السري، عن أحمد بن عبد الله بن يونس، عن ابن طريف، عن الأصبغ في حديث قال: قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال:ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره . قال: فكيف رأيته صفه لنا. قال:ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعِظَم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كل شيء ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج .. فخر ذعلب مغشياً عليه.... الخبر.

١٣٥

لم يحلل في الأشياء.... ولم ينأ عنها

- نهج البلاغة ج ١ ص ١١٢

٦٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالاً. فيكون أولاً قبل أن يكون آخراً. ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً. كل مسمى بالوحدة غيره قليل، وكل عزيز غيره ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصمُّ عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام، وكل ظاهر غيره باطن، وكل باطن غيره غير ظاهر.

لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان، ولا تخوف من عواقب زمان، ولا استعانة على ند مثاور، ولا شريك مكاثر، ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون.

لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن.

لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر، بل قضاء متقن وعلم محكم، وأمر مبرم. المأمول مع النقم، والمرهوب مع النعم....

لا تقدّر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٦٠

٩١ ومن خطبة لهعليه‌السلام تعرف بخطبة الأشباح وهي من جلائل خطبهعليه‌السلام وكان سأله سائل أن يصف الله حتى كأنه يراه عياناً، فغضبعليه‌السلام لذلك:

الحمد لله الذي لا يَفِرُهُ المنع والجمود، ولا يكديه الإعطاء والجود، إذ كل معط منتقص سواه، وكل مانع مذموم ما خلاه، وهو المنان بفوائد النعم، وعوائد المزيد والقسم. عياله الخلق، ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم، ونهج سبيل الراغبين إليه، والطالبين ما لديه، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل.

١٣٦

الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده، والرادع أناسيَّ الأبصار عن أن تناله أو تدركه.

ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولا كان في مكان فيجوز عليه الإنتقال، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار، من فلز اللجين والعقيان، ونثارة الدر وحصيد المرجان، ما أثر ذلك في جوده، ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الأنعام ما لا تنفده مطالب الأنام، لأنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين، ولا يبخله إلحاح الملحين.

فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به، واستضيء بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله سبحانه، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.

واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً. فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين.

هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، دعاها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الإعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته.

الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذى عليه، من خالق معهود كان قبله. وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته،

١٣٧

واعتراف لحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قدرته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه، وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة.

فأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك، وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين.

كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزأوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم. وأشهد أن من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك. وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفاً، ولا في رويات خواطرها فتكون محدوداً مصرفاً.

- وروى هذه الخطبة الصدوق في التوحيد ص ٤٨ فقال:

١٣٩ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: بينما أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حباً وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنينعليه‌السلام ونادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله، ثم قام متغير اللون فقال.... كما في نهج البلاغة بتفاوت في بعض الكلمات.

١٣٨

لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٥

١٨٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :الحمد الله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده، وباشتباههم على أن لا شبه له.

الذي صدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه. مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه.

واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد. تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة. لم تحط به الأوهام بل تجلى لها، وبها امتنع منها، وإليها حاكمها.

ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيماً، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً. بل كبر شأناً، وعظم سلطاناً.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصفي، وأمينه الرضيصلى‌الله‌عليه‌وآله . أرسله بوجوب الحجج، وظهور الفلج، وإيضاح المنهج، فبلغ الرسالة صادعاً بها، وحمل على المحجة دالاً عليها، وأقام أعلام الإهتداء ومنار الضياء، وجعل أمراس الإسلام متينة، وعرى الإيمان وثيقة.

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٦

١٨٦ ومن خطبة لهعليه‌السلام في التوحيد، وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

ما وحّده من كيّفه، ولا حقيقته أصاب من مثّله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه.

١٣٩

فاعل لا باضطراب آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لا باستفادة، لا تصحبه الأوقات، ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والإبتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له. ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

لا يشمل بحد، ولا يحسب ببعد، وإنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها، منعتها منذ القدمية، وحمتها قد الأزلية، وجنبتها لولا التكملة. بها تجلى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون.

لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه، إذن لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذ وجد له أمام، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان. وإذا لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً عليه، وخرج بسلطان الإمتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره.

الذي لا يحول ولا يزول، ولا يجوز عليه الأفول، ولم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً. جل عن اتخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء. لا تناله الأوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه الأيدي فتمسه.

لا يتغير بحال، ولا يتبدل بالأحوال، ولا تبليه الليالي والأيام، ولا يغيره الضياء والظلام. ولا يوصف بشيء من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال له حد ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه، أو أن شيئاً يحمله فيميله أو يعدله.

ليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات. يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

والجواب عن تشبّث الرّازي بترك الجاحظ رواية حديث الغدير من وجوه:

١. الجاحظ من النواصب

إن الجاحظ يعدّ من كبار النواصب لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - ومن أنصار المروانية أعداء الامام، حتى أنه ألّف لهم كتاباً في تأييد مذهبهم شحنه كذباً وافتراءً على علي -عليه‌السلام -، وملأه تنقيصاً وتشكيكاً في فضائله ومناقبه وخصائصه، ومواقفه التي لم يشركه فيها أحد من المسلمين، في الدفاع عن الإسلام ونبي الاسلام محمد -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال ( الدهلوي ): « الجاحظ معتزلي وناصبي معاً، وله كتاب ذكر فيه نقائص أمير المؤمنين، وأكثر رواياته هي عن إبراهيم النظام »(١) .

ثم إن ( الدهلوي ) صرح في باب الامامة من كتابه بأن الطعن في أمير المؤمنين -عليه‌السلام - كفر.

هذا، وقد نص على تأليف الجاحظ الكتاب المشار اليه ابن تيمية الحراني حيث قال بعد كلام له حول مراتب الصحابة:

___________________

(١). حاشية التحفة الاثنا عشرية - مبحث الدلائل العقلية على إمامة أمير المؤمنين.

٢٦١

« فإذا كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وهم متفقون على تأخر معاوية وأمثاله من مسلمة الفتح، ممن أسلم بعد الحديبية، وعلم تأخر هؤلاء عن السابقين الأولين أهل الحديبية، وعلم أن البدريين أفضل من غير البدريين، وأن علياً أفضل من جماهير هؤلاء، لم يقدّم عليه أحداً غير الثلاثة، فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته بمعاوية أو تقديم معاوية عليه؟

نعم، مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم، كالذين قاتلوا معه وأتباعهم، يقولون إنه كان في قتاله على الحق مجتهداً مصيباً، وإنّ عليّاً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب المروانية الذي صنفه الجاحظ »(١) .

وقال ابن تيمية في موضع آخر من كتابه:

« والمروانية الذين قاتلوا علياً وإنْ كانوا لا يكفّرونه، فحجتهم أقوى من حجّة هؤلاء الرافضة، وقد صنف الجاحظ كتاباً للمروانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن للزيدية نقضه، دع الرافضة »(٢) .

فهذا هو حال الجاحظ الذي يتمسك الرازي بتركه رواية حديث الغدير.

٢. أضاليل الجاحظ وردود المفيد عليه

واعلم أن الجاحظ قد أورد في كتابه المذكور عن إبراهيم النظام مطاعن أمير المؤمنين -عليه‌السلام - والعياذ بالله -. وقد أجاب عن تلك المزاعم شيخ الامامية الشيخ المفيد - رحمة الله عليه - في كتابه ( العيون والمحاسن ) الذي اختصره تلميذه الشّريف المرتضى علم الهدى -رحمه‌الله - في كتابٍ أسماه بـ ( الفصول المختارة من

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ٢٠٧.

(٢). المصدر نفسه ٤ / ٧٠.

٢٦٢

العيون والمحاسن )، وقد اعتمد ( الدهلوي ) على تلك الأجوبة فأوردها في ( التحفة ) في الجواب عن الدليل السادس من الأدلة العقلية على إمامة أمير المؤمنين -عليه‌السلام - نقلاً عن النواصب.

ترجمة الشيخ المفيد

والشيخ المفيد من كبار أئمّة الإِمامية، وقد ترجم له علماء أهل السنة:

١ - الحافظ الذهبي: « والشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضاً بابن المعلّم، عالم الشيعة وإمام الرّافضة وصاحب التصانيف الكثيرة.

قال ابن أبي طي في تاريخ الامامية: هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام والفقه والجدل، يناظر أهل كلّ عقيدة، مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية، قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقال غيره: كان عضد الدّولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر، عاش ستاً وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها توفي عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية. قال ابن أبي طي »(٢) .

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٤١٣.

(٢). مرآة الجنان - حوادث سنة ٤١٣.

٢٦٣

٣ - الحافظ ابن حجر: « محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، عالم الرافضة أبو عبد الله ابن المعلم صاحب التصانيف البدعية وهي مائتا تصنيف، طعن فيها على السلف، له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيّعه ثمانون ألف رافضي مات سنة ٤١٣.

قال الخطيب: صنّف كتباً كثيرة في ضلالهم والذب عن اعتقادهم والطعن على الصحابة والتابعين وأئمّة المجتهدين، وهلك بها خلق، إلى أن أراح الله منه في شهر رمضان.

قلت: وكان كثير التقشف والتخشع والاكباب على العلم، تخرّج به جماعة وبرع في أفعاله الامامية حتى كان يقال: له على كل إمامي منة، وكان أبوه مقيماً بواسط وولد المفيد بها وقيل: بعكبرا. ويقال: إن عضد الدولة كان يزوره في داره ويعوده إذا مرض.

وقال الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان تزوج بنت المفيد -: ما كان المفيد ينام من الليل إلّا هجعة، ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يدرّس أو يتلو القرآن »(١) .

ردود الاسكافي على الجاحظ

كما أورد ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح نهج البلاغة ) طرفاً من تشكيكات الجاحظ في فضائل الامام -عليه‌السلام - ومناقبه وخصائصه التي انفرد بها من بين الصحابة، ككونه أول من أسلم، ومبيته على فراش النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وشجاعته ومواقفه في الغزوات، وغير ذلك، ونقل ردود شيخه أبي جعفر الاسكافي المعتزلي على أضاليله وأباطيله في كتابه ( نقض العثمانية ) فمن أراد الوقوف عليها فليراجع.

___________________

(١). لسان الميزان ٥ / ٣٦٨.

٢٦٤

ترجمة أبي جعفر الاسكافي

وقد ترجم لأبي جعفر الاسكافي - صاحب الرد على الجاحظ -:

١ - السمعاني: « أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي، أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين، له تصانيف معروفة، وكان الحسين بن علي الكرابيسي يتكلّم معه ويناظره. وبلغني أنه مات في سنة أربعين ومائتين »(١) .

٢ - ياقوت الحموي: « محمد بن عبد الله أبو جعفر الاسكافي، عداده في أهل بغداد، أحد المتكلّمين من المعتزلة، له تصانيف، وكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي ويتكلّم معه. مات في سنة أربع ومائتين »(٢) .

٣ - قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي * وهو صاحب كتاب ( المغني ) ترجم له الأسنوي في طبقاته، فقال: القاضي أبو الحسن عبد الجبار الاسترآبادي، إمام المعتزلة، كان مقلّدا للشافعي في الفروع، وعلى رأس المعتزلة في الأصول، وله في ذلك التصانيف المشهورة، تولى قضاء القضاة بالري، ورد بغداد حاجّاً وحدّث بها عن جماعة كثيرين، توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة، ذكره ابن الصلاح * إذ قال ابن أبي الحديد ما نصه:

« أبو جعفر الاسكافي، فهو شيخنا محمد بن عبد الله الاسكافي، عدّه قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة، مع عباد بن سليمان الصيمري ومع زرقان ومع عيسى بن الهيثم الصوفي، وجعل أول الطبقة ثمامة بن أشرس أبا معن، ثم أبا عثمان الجاحظ، ثمّ أبا موسى عيسى بن صبيح المرداد، ثم أبا عمران يونس بن عمران، ثم محمد بن شبيب، ثم محمد بن إسماعيل العسكري، ثم عبد الكريم بن روح العسكري، ثم أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحّام، ثم

___________________

(١). الأنساب - الاسكافي.

(٢). معجم البلدان ١ / ١٨١.

٢٦٥

أبا الحسين الصالح، ثم صالح قبة، ثم الجعفران جعفر بن جرير وجعفر بن ميسر، ثم أبا عمران بن النقاش، ثم أبا سعيد أحمد بن سعيد الأسدي، ثم عباد ابن سليمان ثم أبا جعفر الاسكافي هذا.

وقال: كان أبو جعفر فاضلاً عالماً، وصنّف سبعين كتاباً في علم الكلام وهو الذي نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته، ودخل الجاحظ سوق الورّاقين ببغداد، فقال: من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنه تعرّض لنقض كتابي - وأبو جعفر جالس -؟ فاختفى منه حتى لم يره، وكان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد يبالغ في ذلك، وكان علويّ الرأي، محققاً منصفاً، قليل العصبية ».

٣. قال الخطابي: الجاحظ ملحد

ولهذه الأمور وغيرها صرّح الحافظ الخطابي بأن الجاحظ رجل ملحد وهل يستند الى ترك رواية هذا الرجل حديث الغدير للطعن فيه؟

إنّه لا قيمة لكلام هكذا شخص ولا وزن له في معرفة الأحاديث النبوية الشريفة مطلقا

أما كلام الخطابي فقد أورده الشيخ محمد طاهر الكجراتي * المتوفى سنة ٩٨٦، ترجمه الشيخ العيدروس في ( النور السافر عن أخبار القرن العاشر ) في حوادث السنة المذكورة بقوله: « استشهد الرّجل الصّالح العلامة جمال الدين محمد طاهر الملقب بملك المحدثين الهندي – رحمه ‌الله آمين - على يدي المبتدعة من فرقتي الرافضة السّبابة والمهدوية القتّالة وهو الذي أشار إليه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالمزية في الرؤيا التي رآها الشيخ علي المتقي السابقة، وناهيك بها من منقبة علية، وكان على قدم من الصلاح والورع والتبحّر في العلم، كانت ولادته سنة ٩١٣، وحفظ القرآن وهو لم يبلغ الحنث، وجدّ في العلم ومكث كذلك نحو خمسة عشر سنة، وبرع في فنونٍ عديدة وفاق الأقران، حتى لم يعلم أن أحداً من

٢٦٦

علماء كجرات بلغ مبلغه في فن الحديث. كذا قال بعض مشايخنا. وله تصانيف نافعة » * في كتابه ( تذكرة الموضوعات ) حيث قال:

« في المقاصد: « اختلاف أمتي رحمة » للبيهقي، عن الضحاك، عن ابن عباس، رفعه في حديث طويل بلفظ: واختلاف أصحابي لكم رحمة، وكذا الطبراني والديلمي والضحاك عن ابن عباس منقطع، وقال العراقي: مرسل ضعيف، وقال شيخنا: إن هذا الحديث مشهور على الألسنة وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس، وكثر السؤال عنه، فزعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له. لكن ذكره الخطابي وقال: اعترض على هذا الحديث رجلان، أحدهما ما جن والآخر ملحد، وهما: إسحاق الموصلي والجاحظ، وقالا: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا، ثم رد الخطابي عليهما »(١) .

و قد نقله الشيخ نصر الله الكابلي أيضاً، حيث قال في ( صواعقه ):

« الثامن - ما رواه البيهقي في المدخل، عن ابن عباس -رضي‌الله‌عنه - انه قال -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إختلاف أمتى رحمة. قال شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر العسقلاني: هو حديث مشهور على الألسنة. وقال الخطابي في غريب الحديث: اعترض على هذا الحديث رجلان أحدهما ما جن والآخر ملحد وهما: إسحاق الموصلي وعمرو بن بحر الجاحظ وقالا جميعاً: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ».

وفي شرح حديث القرطاس من شرح مسلم للنووي عن الخطابي في الجاحظ إنه « مغموص عليه في دينه ».

ترجمة الخطابي

وقد ذكر الخطابي مترجموه بكل إطراء وثناء، فقد ترجم له:

___________________

(١). تذكرة الموضوعات / ٩٠ - ٩١.

٢٦٧

١ - السمعاني: « أبو سليمان أحمد(١) بن محمد بن ابراهيم بن الخطاب البستي الخطابي، إمام فاضل، كبير الشأن، جليل القدر، صاحب التصانيف الحسنة مثل: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، ومعالم السنن في شرح الأحاديث التي في السنن، وكتاب غريب الحديث، والعزلة، وغيرها. سمع أبا سعيد ابن الأعرابي بمكة، وأبا بكر محمد بن بكر بن داسة التمّار بالبصرة وإسماعيل ابن محمد الصفار ببغداد، وغيرهم. وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وجماعة كثيرة.

وذكره الحاكم أبو عبد الله في التاريخ فقال: الفقيه الأديب البستي أبو سليمان الخطابي، أقام عندنا بنيسابور سنين، وحدّث بها وكثرت الفوائد من علومه، وتوفي في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ببست »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « كان فقيهاً، أديباً محدثاً، له التصانيف البديعة وكان يشبّه في عصره بأبي عبيد القاسم علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريساً وتأليفاً »(٣) .

٣ - الذهبي ، ووصفه بـ « الفقيه الأديب » وقال: « كان علامة محققاً »(٤) .

٤ - اليافعي ، ووصفه بـ « الامام الكبير والحبر الشهير » قال: « كان فقيهاً أديباً، محدثاً »(٥) .

٥ - الصفدي ، وذكر عن السمعاني قوله: « كان الخطابي حجة صدوقاً » وعن الثعالبي: « كان يشبّه في زماننا بأبي عبيد القاسم بن سلام »(٦) .

___________________

(١). في بعض المصادر اسمه: حمد.

(٢). الأنساب - الخطابي.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٤٥٣.

(٤). العبر - حوادث سنة ٣٨٨.

(٥). مرآة الجنان - حوادث سنة ٣٨٨.

(٦). الوافي بالوفيات ٧ / ٣١٧.

٢٦٨

٦ - الأسنوي: « كان فقيهاً، رأساً في علم العربية والأدب وغير ذلك »(١) .

٧ - ابن قاضي شهبة الأسدي، وأضاف: « ومحلّه من العلم مطلقا ومن اللّغة خصوصاً، الغاية العليا »(٢) .

٨ - السيوطي: « الخطابي الامام العلامة المفيد المحدث الرحّال وكان ثقة ثبتاً [ متثبتاً ] من أوعية العلم »(٣) .

٩ - محمد بن محمد السنهوري الشافعي، وصفه بـ « العلامة الحافظ »(٤) .

١٠ - عبد الحق الدهلوي: « المشار إليه في عصره والعلامة فريد دهره في الفقه والحديث والأدب ومعرفة الغريب، له التصانيف المشهورة والتأليفات العجيبة »(٥) .

١١ - ( الدهلوي )، ذكر النووي البغوي والخطابي وقال: « إنّهم من علماء الشافعية وهم معتمدون جدّاً، وكلامهم متين مضبوط »(٦) .

١٢ - الفخر الرازي، حيث مدحه وأطراه بقوله: « والمتأخرون من المحدثين فأكثرهم علماً وأقواهم قوة وأشدّهم تحقيقاً في علم الحديث هؤلاء وهم:

أبو الحسن الدارقطني، والحاكم أبو عبد الله الحافظ، والشيخ أبو نعيم الاصفهاني، والحافظ أبو بكر البيهقي، والامام أبو بكر عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي صاحب كتاب المتفق، والامام الخطيب صاحب تاريخ بغداد. والامام أبو سليمان الخطابي الذي كان بحراً في علم الحديث واللغة، وقيل في وصفه: جعل الحديث لأبي سليمان كما جعل الحديد لأبي سليمان، يعنون داود النبي

___________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٤٦٧.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ١٥٩.

(٣). طبقات الحفاظ: ٤٠٣.

(٤). التعليق على فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي - مخطوط.

(٥). رجال المشكاة لعبد الحق الدهلوي: ٣٨٤.

(٦). أصول الحديث: ٢٣.

٢٦٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حيث قال تعالى فيه: وألنّا له الحديد.

فهؤلاء العلماء صدور هذا العلم بعد الشيخين، وهم بأسرهم متفقون على تعظيم الشافعي»(١) .

هذا، وقد اعتمد عليه نصر الله الكابلي في ( صواقعه ) في الجواب عن منع عمر المغالاة في المهر، واصفاً إيّاه بـ « الحافظ ». وكذا ( الدهلوي ) في ( التحفة ) في الجواب عن القضية المذكورة، وحيدر علي الفيض آبادي في كتابه ( منتهى الكلام )(٢) .

٤. آراء العلماء في الجاحظ

ومن المناسب أن نورد هنا طرفاً من كلمات أئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، الصريحة في سقوط الرجل عن درجة الاعتبار، وفي عدم وثوقهم به:

١ - الحافظ الذهبي: « عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم صاحب الكتب. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً »(٣) .

٢ - الذهبي أيضاً: « عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً. قلت: وكان من أئمّة البدع »(٤) .

٣ - الذهبي أيضاً: « الجاحظ العلّامة المتبحر، ذو الفنون، ابو عثمان عمرو ابن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، صاحب التصانيف، أخذ عن النظام وروى

___________________

(١). فضائل الشافعي للفخر الرازي: ٦٥.

(٢). وله ترجمة أيضاً في يتيمة الدهر ٤ / ٣٣٤، إنباه الرواة ١ / ١٢٥، معجم الأدباء ٤ / ٢٤٦، شذرات الذهب ٣ / ١٢٧ تذكرة الحفاظ ١٠١٨ المنتظم حوادث ٣٨٨، تاريخ ابن كثير والنجوم الزاهرة في حوادث السنة المذكورة.

(٣). المغني في الضعفاء ٢ / ٤٧١.

(٤). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٢٤٧.

٢٧٠

عن أبي يوسف القاضي وثمامة بن أشرس. روى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع ابن أخته. وكان أحد الأذكياء.

قال ثعلب: ما هو بثقة، وقال: قال يموت: كان جدّه جمالاً أسود. وعن الجاحظ: نسيت نسبي ثلاثة أيام حتى عرفني أهلي.

قلت: كان ماجناً قليل الدين، له نوادر

قلت: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق.

قال اسماعيل بن الصفار: أنا أبو العيناء، قال: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، فادخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي، فإنّه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله.

أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أحمد بن طارق، أنبأنا السلفي، أنبأ المبارك بن الطيوري، أنبأ محمد بن علي الصوري إملاء، أنبأ خلف بن محمد الحافظ بصور، أنبأ أبو سليمان بن زبر، ثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أتيت الجاحظ فاستأذنت عليه فاطلع عليَّ من كوّةٍ في داره، فقال: من أنت؟ فقلت رجل من أصحاب الحديث، فقال: أو ما علمت أني لا أقول بالحشوية! فقلت إني ابن أبي داود. فقال: مرحباً بك وأبيك، أدخل. فلما دخلت قال لي: ما تريد؟ فقلت تحدثني بحديثٍ واحد. فقال: أكتب: أنبأ حجاج بن المنهال أنبأ حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صلى على طنفسة فقلت: زدني حديثاً آخر، فقال: ما ينبغي لابن أبي داود أن يكذب.

قلت: كفانا الجاحظ المئونة، فما روى في الحديث إلّا النزر اليسير، ولا هو بمتّهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف، وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه أخباري علامة صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بين. عفا الله تعالى عنه »(١) .

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٢٦.

٢٧١

٤ - وقال ابن حجر العسقلاني بترجمته ما ملخصه:

« عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل: قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون. قلت: وكان من أئمّة البدع.

قلت: وروى الجاحظ عن حجاج الأعور وأبي يوسف القاضي وخلق كثير وروايته عنهم في أثناء كتابه في الحيوان.

وحكى ابن خزيمة أنه دخل عليه هو وإبراهيم بن محمود. وذكر قصة.

وحكى الخطيب بسند له: أنه كان لا يصلّي.

وقال الصولي: مات سنة خمسين ومائتين.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار: سمعت أبا العيناء، يقول: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك.

وقال الخطابي: هو مغموص في دينه.

وذكر أبو الفرج الاصبهاني أنه كان يرمى بالزندقة، وأنشد في ذلك أشعاراً.

وقد وقفت على رواية ابن أبي داود عنه، ذكرتها في غير الموضع، وهو في الطيوريات.

قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: ثم نصير إلى الجاحظ وهو أحسنهم للحجة استنارة، وأشدّهم تلطّفاً، لتعظيم الصغير حتى يعظم وتصغير العظيم حتى يصغر، ويكمل الشيء وينقصه، فتجده مرة يحتج للعثمانية على الرافضة، ومرة للزندقة على أهل السنة، ومرة يفضّل عليا ومرة يؤخّره، ويقول: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كذا، ويتبعه أقوال المجان، ويذكر في الفواحش ما يجل رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن يذكر في كتاب ذكر أحد منهم فيه، فكيف في ورقة أو بعد سطر أو سطرين؟ ويعمل كتابا يذكر حجج النصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الرد عليهم تجوز الحجة، فكأنّه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة، ويستهزء بالحديث إستهزاءً لا يخفى على أهل العلم، وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض فسوّده المشركون، قال: وقد كان يجب

٢٧٢

أن يبيّضه المسلمون حين استلموه، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب، وهو مع هذا أكذب الأمة، وأوضعهم للحديث، وأنصرهم للباطل.

وقال النديم: قال المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ وإسماعيل القاضي والفتح بن خاقان.

وقال النديم - لما حكى قول الجاحظ لما قرأ المأمون كتبي، قال هي كتب لا يحتاج إلى تحضير صاحبها -: إن الجاحظ حسّن هذا اللفظ تعظيماً لنفسه وتفخيماً لتآليفه. وإلّا فالمأمون لا يقول ذلك.

وقال ابن حزم في الملل والنحل: كان أحد المجّان الضلّال، غلب عليه قول الهزل، ومع ذلك فإنّا ما رأينا في كتبه تعمّد كذبة يوردها مثبتاً لها، وإنْ كان كثير الإِيراد لكذب غيره.

وقال أبو منصور الأزهري في مقدّمة تهذيب اللّغة: وممّن تكلّم في اللغات بما حصده لسانه وروى عن الثقات ما ليس من كلامهم الجاحظ. وكان أوتي بسطة في القول، وبياناً عذباً في الخطب ومجالاً في الفنون، غير أنّ أهل العلم ذمّوه، وعن الصدوق دفعوه.

وقال ثعلب: كان كذّاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس »(١) .

ترجمة أبي منصور الأزهري

والأزهري - الذي قال عن الجاحظ ما نقله الحافظ ابن حجر - هو: محمد ابن أحمد اللغوي من كبار علماء أهل السنة وأئمّتهم:

ترجم له ابن خلكان وقال: « الامام المشهور في اللغة، كان فقيهاً شافعي المذهب، غلبت عليه اللّغة فاشتهر بها، وكان متفقاً على فضله وثقته ودرايته وورعه »(٢) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٣٥٥.

(٢). وفيات الأعيان ٣ / ٤٥٨.

٢٧٣

وقال السبكي: « وكان إماماً في اللغة، بصيراً بالفقه، عارفاً بالمذهب، عالي الاسناد، كثير الورع، كثير العبادة والمراقبة، شديد الإِنتصار لألفاظ الشافعي متحرّياً في دينه »(١) .

وقال اليافعي: « وفيها الامام العلّامة اللغوي الشافعي »(٢) .

وذكره الذهبي في حوادث السنة المذكورة(٣) .

وقال السيوطي: « وكان عارفاً عالماً بالحديث، عالي الاسناد، كثير الورع »(٤) .

ترجمة ثعلب

واما ثعلب - الذي قال عن الجاحظ: « ليس ثقة ولا مأموناً » وقال: « كان كذاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس » - فهو أيضاً من كبار المحدّثين، ومن أساطين الفقه والأدب واللغة

قال السيوطي: « ثعلب الامام المحدث، شيخ اللغة والعربية أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني مولاهم البغدادي، المقدّم في نحو الكوفيين. ولد سنة ٢٠٠، وابتدأ الطلب سنة ١٦ حتى برع في علم الحديث.

وإنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من عبيد الله بن عمر القواريري ألف حديث.

وقال الخطيب: كان ثقة ثبتاً حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ. مات في جمادى الآخرة سنة ٢٩١»(٥) .

___________________

(١). طبقات الشافعية ٣ / ٦٣ - ٦٧.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٣٧٠.

(٣). العبر حوادث ٣٧٠.

(٤). بغية الوعاة: ١ / ١٩.

(٥). طبقات الحفاظ ٢٩٠.

٢٧٤

وترجم له السيوطي أيضاً ترجمة حافلة ووصفه فيها بـ « الامام » وأورد كلمات العلماء في حقه وقال: « قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي ثعلب: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واصحاب الحديث بالحديث ففازوا، وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما ذا يكون حالي. فانصرفت من عنده فرأيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في تلك الليلة فقال لي: إقرأ أبا العباس منّي السّلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل ».

قال السيوطي: « وذكره الداني في طبقات القراء »(١) .

وقال ابن خلكان: « كان إمام الكوفيين في النحو واللغة وكان ثقة حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة، والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم مقدماً عند الشيوخ منذ هو حدث. فكان ابن الأعرابي إذا شك في شيء قال له: ما تقول يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه...»(٢) .

وقال اليافعي: « وفي السنة المذكورة توفي الامام العلامة الأديب أبو العباس المشهور بثعلب صاحب التصانيف المفيدة، إنتهت اليه رئاسة الأدب في زمانه وكان ثقة صالحاً، مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة ...»(٣) .

وترجم له الحافظ الذهني، وذكر أنه سمع من عبيد الله القواريري وطائفة »(٤) .

وكذا ترجم له ابن الوردي في تاريخه(٥) .

وقال النووي بترجمته ما ملخصه:

« ثعلب مذكور في باب الوقف من المهذّب والوسيط، هو الامام المجمع على

___________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٣٩٦ - ٣٩٨.

(٢). وفيات الاعيان ١ / ١٠٢ - ١٠٤.

(٣). مرآة الجنان حوادث سنة ٢٩١.

(٤). العبر - حوادث سنة ٢٩١.

(٥). تتمة المختصر - حوادث سنة ٢٩١.

٢٧٥

إمامته، وكثرة علومه وجلالته، إمام الكوفيين في عصره لغةً ونحواً، وثعلب لقب له. قال الامام أبو منصور الأزهري في خطبة كتابه تهذيب اللغة: أجمع أهل هذه الصناعة من العراقيين أنه لم يكن في زمن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، وأبي العباس محمد بن يزيد المبرد مثلهما، وكان أحمد بن يحيى أعلم الرجلين وأورعهما وأرواهما للّغات والغريب، وأوجزهما كلاماً وأقلّهما فضولاً »(١) .

أقول: فهذا رأي علماء أهل السنّة وأئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، فهل يليق بالرازي أن يستند إلى ترك هكذا شخص رواية حديث الغدير، ويستدل بذلك على عدم صحته؟

٥. اتصاف الجاحظ بالصفات الذميمة

والجاحظ - بالاضافة إلى ما تقدم - متصف بصفات ذميمة وأعمال قبيحة تسقطه عن درجة الاعتبار، ولا تدع مجالاً للتوقف في عدم جواز الاعتماد على كلامه في رواية أو قدحه في حديث:

فمن ذلك: أنه كان لا يصلي وقد ذكر ذلك في ترجمته من كتاب ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: أنه كان كذّاباً وقد تقدم ذلك أيضاً في ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: انه كان مختلفاً وقد صرح بذلك الحافظ الذهبي.

بل ذكر جماعة من علمائهم وضعه - مع أبي العيناء - حديث فدك، وممن ذكر ذلك سبط ابن العجمي في ( الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ) والسيوطي في ( تدريب الراوي ) وابن الأثير في ( جامع الأصول ).

ومن ذلك: أنه كان كثير الهزل نص على ذلك ابن الوردي وغيره.

ومن ذلك: انه كان يستمع إلى الغناء ويجتمع بالمغنيات، وذكر ذلك ابن

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢ / ٢٧٥.

٢٧٦

خلكان واليافعي في تاريخيهما.

٦. الآثار المترتبة على الاعتماد على الجاحظ

وأخيراً، فإن الاعتماد على الجاحظ في الروايات والأخبار، والدفاع عنه ونفي عداوته للإمام أمير المؤمنين -عليه‌السلام ، وتنزيهه عمّا نسب اليه، يؤدّي إلى وقوع أهل السنة في إشكال قوي يصعب بل يستحيل التخلّص منه

وبيان ذلك: انه قد ثبت أن الجاحظ كان يتبع شيخه إبراهيم النظّام في جميع أقو اله وآرائه وما كان يدين به وقد ثبت أيضاً أن النّظام كان يعتقد بإسقاط عمر بن الخطاب جنين فاطمة الزهراء -عليها‌السلام - وبغير ذلك من الأمور التي لا يرتضيها أهل السنة عامة كما جاء في ترجمته من كتاب ( الوافي بالوفيات ).

وقد صرح باقتفاء الجاحظ أثر النّظام في جميع مقالاته جماعة من الأعلام كاليافعي وابن الوردي وابن خلكان.

فلو جاز للفخر الرازي أن يستدل بترك الجاحظ رواية حديث الغدير - أو قدحه فيه - جاز للامامية الاستدلال بكلام شيخه النظّام في باب الطعن في عمر ابن الخطاب وخلافته

ولقد اعتمد ( الدهلوي ) تبعاً لابن حزم على كلام النظّام في الطعن في مؤمن الطاق -رحمه‌الله تعالى - وهكذا استشهد الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان ) بأشعار النظّام التي أنشدها في ذمّ أبي يوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي - تلميذ أبي حنيفة - على قبره.

فإنْ قيل: ذمُّ النظام أبا يوسف القاضي غير مسموع، لذمّ العلماء النظّام وقدحههم فيه، كما في ( الأنساب ) و ( لسان الميزان ) و ( الوافي بالوفيات ) وغيرها

قلنا: إن هذا إنّما يتوجه فيما إذا لم يركن العلماء إلى أقواله، ولم يعتمد المحدّثون على مقالاته، ولم يبذلوا قصارى عهدهم في الدفاع عن تلميذه

٢٧٧

الجاحظ الأخذ بأقواله والمقتفي لآثاره، والناقل عنه وجوه المناقشة في فضائل مولانا أمير المؤمنين -عليه‌السلام -.

وإذا كان الجاحظ معتمداً عليه كما يدل عليه صنيع الرازي فقد ثبت ان الجاحظ قد انتقد أبا بكر وعمر على منعها ميراث فاطمة الزهراء من أبيها رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وظلمهما لها وتعدّيهما عليها في كلام طويل له في الموضوع، ذكره الشريف المرتضى -رحمه‌الله - حيث قال:

« فإنْ قيل: إذا كان أبو بكر قد حكم بخطأ في دفع فاطمة -عليها‌السلام - عن الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه، فما بال الأمّة أقرّته على هذا الحكم ولم تنكر عليه؟ وفي رضائها وإمساكها دليل على صوابه.

قلنا: قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا، إلّا في المواضع التي لا يكون له وجه سوى الرضا، وبيّنا في الكلام على إمامة أبي بكر هذا الموضع بياناً شافياً.

وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال، جواباً جيّد المعنى واللفظ، نحن نذكره على وجهه ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها.

قال: وقد زعم أناس أن الدليل على صدق خبرهما - يعني أبا بكر وعمر - في منع الميراث وبراءة ساحتهما: ترك أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النكير عليهما.

ثم قال: فيقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما، ليكوننّ ترك النكير على المتظلمين منهما والمحتجين عليهما والمطالبين لهما دليلاً على صدق دعوتهم واستحسان مقالتهم، لا سيّما وقد طالت به المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة، وظهرت الشكية واشتدّت المواجدة، و قد بلغ ذلك من فاطمة حتى أنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر، ولقد كانت قالت له حين أتته طالبة حقها ومحتجة برهطها:

٢٧٨

من يرثك يا أبا بكر إذا متَّ؟

قال: أهلي وولدي.

قالت: فما بالنا لا نرث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فلمّا منعها ميراثها وبخسها حقّها واعتلّ عليها وحلج في أمرها، وعاينت التهضم وأيست من النزوع، ووجدت من الضعف وقلة الناصر، قالت:

و الله لأدعونَّ الله عليك.

قالت: والله لأدعونَّ الله لك.

قالت: والله لا أكلمّك أبداً.

قال: والله لا أهجرك أبداً.

فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعه، إنّ في ترك النكير على فاطمة دليلاً على صواب طلبها، وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت، وتذكيرها ما نسيت، وصرفها على الخطأ، ورفع قدرها عن البذاء، وأن تقول هجراً وتجور عادلاً وتقطع واصلاً، فاذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعاً فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، أوجب علينا وعليكم.

وإنْ قالوا: كيف يظنّ بأبي بكر ظلمها والتعدي عليها، وكلّما ازدادت فاطمة عليه غلظة ازداد لها ليناً ورقة، حيث يقول: والله لا أهجرك أبداً ثم تقول: والله لأدعونَّ الله عليك، فيقول: والله لأدعونَّ الله لك!؟ ولو كان كذلك لم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة بحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والرفعة، وما يجب لها من التنزيه والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذراً ومتقرّباً بالكلام المعظّم لحقّها المكرّم لمقامها، والصائن لوجهها والمتحنّن عليها: ما أحد أعن به عليَّ منك فقراً، ولا أحب إليّ منك غنى، ولكني سمعت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: إنا معشر الأنبياء لا نرث ولا نورّث ما تركناه صدقة.

٢٧٩

قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من العمد، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصب وحدب الوامق ومقة المحق.

وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة، وقد زعمتم أن عمراً قال على منبره: « متعتان كانتا على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - متعة النّساء ومتعة الحج وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » فما وجدتم أحداً أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطّئه في معناه، ولا تعجّب منه ولا استفهمه؟

وكيف تقضون بترك النكير وقد شهد عمر يوم السّقيفة وبعد ذلك: أنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: « الأئمّة من قريش » ثمّ قال في شكاته: ولو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شك - حين أظهر الشك في استحقاق كلّ واحد من الستّة الذين جعلهم شورى - وسالم عبد لامرأةٍ من الأنصار، وهي أعتقته وحازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ولا قابل إنسان بين خبريه ولا تعجّب منه؟

وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة له ولا رهبة عنده، دليلاً على صدق قوله وصواب عمله، فأمّا ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي، والقتل والاستحياء، والحبس والاطلاق، فليس بحجّة نفي ولا دلالة ترضيّ.

قال: وقال آخرون: بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما، وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ المنصوص، ولو كانا كما يقولون وما يصفون ما كان سبيل الأمة فيهما إلّا كسبيلهم فيه، وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً وثروة وأقوى عدّة.

قلنا: إنّهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص، ولكنّهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة، إدّعيا رواية وتحدّثا بحديثٍ لم يكن مجال كذبه ولا يمتنع في حجج العقول مجيؤه، وشهد له عليه من علمه مثل علمهما فيه، ولعلّ بعضهما كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلاً في رهطه، مأموناً في

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434