إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق18%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219714 / تحميل: 6907
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

مقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المحمود الله ، جلت آلاؤه ، والمصلى عليه محمد وآله.

وبعد : فإنا لنشاهد في عصرنا الحاضر ميل الناس إلى التزيد في الثقافة الدينية ، ولا سيما تفسير الكتاب الكريم والسنة النبوية ، وكثيرا ما سئلت أىّ التفاسير أسهل منالا ، وأجدى فائدة للقارئ في الزمن القليل؟ فكنت أقف واجما حائرا لا أجد جوابا عن سؤال السائل ، علما منى بأن كتب التفسير على ما فيها من فوائد جمة ، وأسرار دينية عظيمة وإيضاح لمغازى الكتاب الكريم ، قد حشيت بالكثير من مصطلحات الفنون :

من بلاغة ونحو وصرف وفقه وأصول وتوحيد إلى نحو أولئك مما كان عقبة كأداء أمام قارئيها ، إلى ما فيها من أقاصيص مجانفه ، لوجه الصواب متنكّبة عن حظيرة العقل ووجوه المعارف التي يصح تصديقها ، إلى تفسير للقضايا العلمية التي أشار إليها القرآن العزيز بحسب ما أيده العلم فى تلك العصور ، وقد أثبت العلم فى هذا العصر وأيد الدليل والبرهان أنه لا ينبغى التعويل على مثل ما كان معروفا حينئذ ، إلى أن هذه المؤلفات وضعت

٤

ـ فى عصور قد خلت ـ بأساليب تناسب أهلها ، وكان مؤلفوها يتباهون بإيجازها ويرون ذلك مفخرة لهم ، ولكن الزمان وهو الحوّل القلّب غيّر آراء الناس في الموسوعات العلمية ، فرأوا أن الكتاب الذي لا يناجيك معناه لدى قراءة لفظه ، أولى لك ألا تضيع وقتك في قراءته وكدّ الفكر فى الوصول إلى المعمّى من معناه.

ومن ثم نهج الناس فى التأليف منهج السهولة والسلاسة مع تحقيق المسائل العلمية حتى تعتز بمظاهرة الدليل والبرهان لها ، ونفى الزائف الذي لا يقوم على ساقين ، أو يستند إلى عضوين ، من تجربة واختبار ، وحجة وبرهان.

من جرّاء هذا رأينا مسيس الحاجة إلى وضع تفسير للكتاب العزيز يشاكل حاجة الناس فى عصرنا فى أسلوبه وطريق رصفه ووضعه ، ويكون دانى القطوف ، سهل المأخذ يحوى ما تطمئن إليه النفس من تحقيق علمى تدعمه الحجة والبرهان ، وتؤيده التجربة والاختبار ، ويضم إلى آراء مؤلفه آراء أهل الذكر من الباحثين فى مختلف الفنون التي ألمع إليها القرآن على نحو ما أثبته العلم فى عصرنا ، وتركنا الروايات التي أثبتت فى كتب التفسير ، وهى بعيدة عن وجه الحق مجانفة للصواب ، والله أسأل أن يوفقنا للرشاد ، ويهدينا إلى سواء السبيل؟

أول المحرم عام 1365 ه‍

أحمد مصطفى المراغي

٥

عناية المسلمين بتفسير الكتاب الكريم

كتاب الله هو دستور التشريع ، ومنبع الأحكام التي طلب إلى المسلمين أن يعملوا بها ، ففيه بيان الحلال والحرام والأمر والنهى ، هو معين الآداب والأخلاق التي أمروا أن يستمسكوا بها ، لتكون مصدر سعادتهم ، ومنبع هدايتهم ، ونيلهم الزّلفى عند ربهم في جنات النعيم ؛ فهى الوسيلة لإصلاح حال المجتمع الإسلامى إذا أخذوا بها ولم يحيدوا عن طريقها ، وينحرفوا عن سننها.

ومما ساعد على العمل بها أنه نزل منجّما بحسب الحوادث والوقائع في نيف وعشرين سنة ، وقد كانت تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم الآية أو الآيات فى واقعة بعينها فيتدارسها مع صحبه ، ويفصل لهم مجملها ، ويوضح لهم مبهمها ، ويفسر لهم مشكلها ، حتى لا تبقى فى النفس بقية من لبس ، وكان عليه الصلاة السلام الهادي لهم إلى سواء السبيل ، والفاتح لهم ما استغلق من أمر دينهم ، والمفسر لكتاب الله بسنته القولية وسنته الفعلية كما قال تعالى :( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) وظلّ دائبا هكذا حتى لحق بالرفيق الأعلى.

فلا غرو أن كان تفسيره وإيضاح ما أشكل عليهم فهمه منه ـ هجيراهم من بدء التنزيل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته ، وما زال الأمر كذلك في كل العصور حتى عصرنا ، وما طفقت التفاسير تترى وهى مختلفة المناجى والمناهج ، فما من عصر إلا جدّت فيه تفاسير تشاكل حاجة ذلك العصر ما بين مطوّل ومختصر كما نشاهد ذلك رأى العين ، وإن كتاب الله لفيه من الأسرار ما لم يقف على كنهه جهابذة المفسرين وسيفسره الزمن وتقدم العلوم والفنون ، ورقىّ الفكر الإنساني كما قال سبحانه وتعالى :( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) .

٦

طبقات المفسرين

1 ـ التفسير فى عصر الصحابة :

طفق المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يتدارسون القرآن ، ويتفهمون معناه بطريق الرواية عن صحبه الذين كانوا يجلسون فى حضرته كثيرا.

وقد اشتهر بالتفسير عشرة من الصحابة : الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ ، ثم عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وأبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن الزبير وأكثر من روى عنه التفسير من الخلفاء على بن أبي طالب ، والرواية عن الثلاثة الباقين نادرة ، وروى عن ابن مسعود المتوفى بالمدينة سنة 32 ه‍ أكثر مما روى عن علىّ رضى الله عنه.

أما عبد الله بن عباس المتوفى بالطائف سنة 68 ه‍ فهو ترجمان القرآن ، وحبر الأمة ، وشيخ المفسرين ، فقد روى عنه فى التفسير ما لا يحصى كثرة ، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهمّ فقّهه فى الدين وعلّمه التأويل.

قال صاحب كشف الظنون ما نصه :

وأصح الطرق فى الرواية عنه :

(1) طريق علىّ بن أبي طلحة الهاشمي المتوفى سنة 143 ه‍ ، وعليها اعتمد البخاري فى صحيحه.

(2) طريق قيس بن مسلم الكوفي المتوفى سنة 120 ه‍ عن عطاء بن السائب.

(3) طريق ابن إسحاق صاحب السيرة.

(4) طريق أبى النصر محمد بن السائب الكلبي المتوفى سنة 146 ه‍ وهى أوهى الطرق ، ولا سيما إذا وافقتها طريق محمد بن مروان السّدّى الصغير المتوفى سنة 186 ه‍.

٧

وقد طبع تفسير ينسب إلى ابن عباس برواية الفيروز بادى صاحب القاموس ، سماه (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس).

وروى عن أبيّ بن كعب المتوفى سنة 20 ه‍ تفسير كبير رواه عنه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبى العالية ، وهو أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أقرأ الصحابة وسيد القراء.

وزيد بن ثابت الأنصاري المتوفى سنة 45 ه‍ أحد كتاب الوحى ، وهو الذي جمع المصحف أولا في عهد أبى بكر ، ثم كان رئيس الجماعة الذين كتبوا المصحف فى عهد عثمان.

وأبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس الأشعري المتوفي سنة 44 ه‍.

2 ـ التفسير في عهد التابعين

أعلم الناس بالتفسير فى هذا العصر :

(ا) علماء مكة أصحاب عبد الله بن عباس ، وأشهرهم :

(1) مجاهد بن جبر المتوفى سنة 103 ه‍ وقد قال : عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة ، واعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري.

(2) سعيد بن جبير المتوفى سنة 94 ه‍.

(3) عكرمة مولى ابن عباس المتوفى بمكة سنة 105 ه‍.

(4) طاوس بن كيسان اليماني المتوفى بمكة سنة 106 ه‍.

(5) عطاء بن أبي رباح المكي المتوفى سنة 114 ه‍.

قال سفيان الثوري : خذوا التفسير عن أربعة : عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك. وقال قتادة : كان أعلم التابعين أربعة ، كان عطاء بن أبى رباح أعلمهم بالمناسك ، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير ، وكان عكرمة أعلمهم بالسير ، وكان الحسن(1) أعلمهم بالحلال والحرام.

__________________

(1) الحسن البصري.

٨

(ب) علماء الكوفة أصحاب ابن مسعود ، وأشهرهم :

(1) علقمة بن قيس المتوفى سنة 102 ه‍.

(2) الأسود بن يزيد المتوفى سنة 75 ه‍.

(3) إبراهيم النخعي المتوفى سنة 95 ه‍.

(4) الشعبي المتوفى سنة 105 ه‍.

(حـ) علماء المدينة أصحاب زيد بن أسلم العدوى المدني المتوفى سنة 136 ه‍ ، وله تفسير يعدّ من أمهات التفاسير ، ومن أشهرهم :

(1) ابنه عبد الرحمن بن زيد المتوفى سنة 182 ه‍.

(2) مالك بن أنس المتوفى سنة 179 ه‍.

(3) الحسن البصري المتوفى سنة 121 ه‍.

(4) عطاء بن أبى مسلم الخراسانى المتوفى سنة 135 ه‍.

(5) محمد بن كعب القرظي المتوفى سنة 117 ه‍.

(6) أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي المتوفى سنة 90 ه‍.

(7) الضحاك بن مزاحم المتوفى سنة 105 ه‍.

(8) عطية بن سعيد العوفى المتوفى سنة 111 ه‍.

(9) قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 117 ه‍.

(10) الربيع بن أنس المتوفي سنة 139 ه‍.

(11) إسماعيل بن عبد الرحمن السّدى الكبير المتوفى سنة 127 ه‍.

3 ـ طبقة ثالثة جمعت أقوال الصحابة والتابعين :

وأشهر هؤلاء :

(1) سفيان بن عيينة المتوفى سنة 198 ه‍.

(2) وكيع بن الجراح الكوفي المتوفى سنة 197 ه‍.

٩

(3) شعبة بن الحجاج المتوفى سنة 160 ه‍.

(4) يزيد بن هرون السّلمى.

(5) عبد الرازق المتوفى سنة 211 ه‍.

(6) آدم بن أبي إياس المتوفى سنة 221 ه‍.

(7) إسحاق بن راهويه الإمام الحافظ النيسابوري المتوفى سنة 238 ه‍.

(8) روح بن عبادة المتوفى سنة 205 ه‍.

(9) عبد الله بن حميد الجهني.

(10) أبو بكر بن أبى شيبة الإمام الحافظ الكوفي المتوفى سنة 335 ه‍.

4 ـ الطبقة الرابعة طبقة ابن جرير :

تلت هؤلاء طبقة أخرى ، منها :

(1) علىّ بن أبى طلحة المتوفى سنة 343 ه‍.

(2) ابن أبى حاتم عبد الرحمن بن محمد الرازي المتوفى سنة 327 ه‍.

(3) ابن ماجه الحافظ أبو عبد الله محمد القزويني المتوفى سنة 273 ه‍.

(4) ابن مردويه أبو بكر أحمد بن موسى الأصفهانى المتوفى سنة 410 ه‍.

(5) أبو الشيخ بن حبان البستي المتوفى سنة 354 ه‍.

(6) إبراهيم بن المنذر المتوفى سنة 236 ه‍.

(7) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه‍ وهو من أشهر مفسرى هذا العصر. قال السيوطي فى الإتقان : وكتابه أجل التفاسير وأعظمها ، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض وللإعراب ، والاستنباط ، فهو يفوق بذلك تفاسير الأقدمين ا ه. وقال النووي النيسابورى الشافعي في تهذيبه : كتاب ابن جرير فى التفسير لم يصنف أحد مثله ، وقال أبو إسحاق الاسفرائينى : لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيرا ، وروى أن ابن جرير قال لأصحابه :

١٠

أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا كم يكون قدره؟ قال : ثلاثين ألف ورقة. قالوا هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ، فاختصره فى نحو ثلاثة آلاف ورقة ، ذكر ذلك السبكى فى طبقاته.

5 ـ الطبقة الخامسة طبقة المفسرين بحذف الأسانيد :

ألف بعد هؤلاء جماعة من المفسرين لهم تفاسير مشحونة بالفوائد محذوفة الأسانيد ، من أشهرهم :

(1) أبو إسحاق الزجاج إبراهيم بن السرىّ النحوي المتوفي سنة 310 ه‍ وقد سمى تفسيره (معانى القرآن).

(2) أبو على الفارسي الحجة الثبت فى اللغة والبلاغة ، وصاحب المؤلفات الكثيرة فى مختلف الفنون ، توفى سنة 377 ه‍.

(3) أبو بكر محمد بن الحسن المعروف بالنقاش الموصلي المتوفى سنة 351 ه‍.

(4) أبو جعفر النحاس النحوي المصري المتوفى سنة 338 ه‍.

(5) مكىّ بن أبى طالب القيسي النحوي المغربي المتوفى سنة 437 ه‍.

(6) أبو العباس أحمد بن عمار المهدوى المتوفي سنة 430 ه‍ وله تفسير يسمى (التفصيل الجامع لعلوم التنزيل).

وقد دخل فى التفسير فى هذه الفترة الدخيل ، إذ نقلت الأقوال بترا محذوفة الأسانيد ، فالتبس الصحيح بالعليل ، وصار كل من سنح له قول يورده ، ومن خطر بباله شىء يعتمده ، غير ملتفت إلى ما روى عن السلف الصالح فى ذلك ، ومن هم القدوة فى هذا الباب.

6 ـ عصر المعرفة الإسلامية :

التقت فى البلاد الإسلامية تيارات العقل البشرى حاملة تراث المدنيات والحضارات

١١

اليونانية والفارسية والهندية ، ومرت بأهلها أعاصير من جدل أهل الكتاب يهودهم ونصاراهم ، فكان كل أولئك حافزا للعلماء على أن يؤلفوا موسوعات فى التفسير تجمع بين دفتيها فنونا من المعرفة لم يكن لهم بها سابقة عهد ، وسار الفكر الإسلامى حرّا طليقا فى معرفتها حينا ، ومقيدا حينا آخر ، يحكّم العقل مرة ، ويسلس قياده للنص أخرى ، ويميل إلى التقليد حين الضعف والانحلال والركود الفكرى.

ولما كان القرآن كتابا سماويا تنزل على قلب أكمل الأنبياء ، مشتملا على معارف عالية ومطالب سامية ، يجد المنقّب عنها من الهيبة والجلال ما يكاد يحول بينه وبين الوصول إليها ـ سهل سبحانه الأمر علينا ، فلم يطلب منا إلا الفهم والتدبر فى كلامه ، لأنه نزّله نورا وهدى للناس ، وجعله حاويا للشرائع والأحكام التي لا يمكن العمل بها إلا إذا فهمت حق الفهم ، واستوضحت مغازيها ، وكشفت أسرارها ومراميها ، من حيث هى دين إلهى ، وهدى سماوى ، ترشد الناس إلى ما فيه سعادتهم فى حياتيهم الدنيوية والأخروية ، وما سوى ذلك من وجوه النظر والبحث ، فتابع لذلك ، ووسيلة إليه فى التحصيل ، ولا يعنينا العناية التي نهتم لها اهتمامنا بالمطلب الأول ، لكنّ كثيرا من المفسرين ، جعلوا عنايتهم تكاد تكون وقفا على الوسائل دون المقاصد :

(1) فمنهم من وجه النظر إلى البحث فى أساليب الكتاب ومعانيه ، وبيان ما احتوى عليه من بلاغة وفصاحة ، وأطنب فى ذلك وجعل مقصده بيان ميزته عن غيره من الكلام وإظهار إعجازه للناس ، ليتبين لهم كيف أعجز مقاويل العرب وفصحاءهم ، وكيف استخذوا أمامه ووقفوا وأجمعين؟ وكيف لجئوا إلى السيف والسنان ، دون مقابلة البرهان بالبرهان؟ وكيف عمّى عليهم الأمر؟ فلم يجدوا لرد التحدي سبيلا.

وقد سلك هذا المسلك الزمخشري فى كشافه ، فألمّ بالكثير من مقاصد البلاغة ، وأبدع فيها أيّما إبداع ، ونحا نحوه خلق كثير.

(2) ومنهم من وجه النظر إلى إعرابه وتوسع فى بيان وجوهه ، حتى كأن القرآن

١٢

لهذا أنزل ، وممن سلك هذا المسلك الزجّاج فى تفسيره معانى القرآن ، والواحدي النيسابورى في تفسيره (البسيط) وأبو حيان محمد بن يوسف الأندلسى فى البحر المحيط (3) ومنهم من وجه النظر إلى القصص والأخبار عمن سلف ، وقد نحا هذا النحو أقوام زادوا فى قصص القرآن ما شاءوا من كتب التاريخ والإسرائيليات. وليتهم اقتصروا على النقل من التوراة والإنجيل والكتب المعتمدة لدى أهل الكتاب ، لكنهم أخذوا جميع ما سمعوه عنهم من غير تفريق بين غثّ وسمين ، ولا تنقيح لما يخالف الشرع ولا يطابق العقل ، ومن أشهر هؤلاء الثعلبي ، وصاحب الخازن علاء الدين بن محمد البغدادي المتوفى سنة 741 ه‍.

(4) ومنهم من وجّه همه إلى الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات وكيفية استنباطها من الآيات ، وربما استطردوا إلى إقامة الأدلة عليها ، والرد على المخالفين مما لا تعلق له بالتفسير كما فعل القرطبي فى تفسيره.

(5) ومنهم من عنى بالكلام فى أصول العقائد ومقارعة الزائغين ، ومحاجة المخالفين وللإمام الرازي المتوفى سنة 610 ه‍ فى ذلك القدح المعلّى فى تفسيره الكبير المسمى بمفاتيح الغيب ، فقد خرج فيه من باب إلى باب ، حتى ليقضى الناظر العجب من صنيعه. ومن ثمّ قال أبو حيان الأندلسى فى البحر المحيط : جمع الرازي فى تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة إليها فى علم التفسير ، ولذلك قال بعض العلماء : تفسيره فيه كل شىء إلا التفسير ا ه.

(6) ومنهم من اتجه إلى الوعظ والرقائق ممزوجة بحكايات المتصوفة والعبّاد ، وفى بعضها خروج عن حدود الفضائل والآداب التي جرى عليها القرآن.

(7) ومنهم من سلك طريق التفسير بالإشارة إلى دقائق لا تنكشف إلا لأرباب السلوك ، ويمكن إرادتها مع إرادة ظاهر المعنى ، وقال إن ذلك من كمال الإيمان ومحض العرفان.

١٣

ولقد نعلم أن الإكثار فى مقصد من هذه المقاصد يدخل النقص على الغرض الأصلى من تفسير الكتاب الكريم ، وهو فهم الكتاب من حيث هو دين وهداية للناس فى دنياهم وآخرتهم.

7 ـ طريق كتابة القرآن الكريم :

من المعروف أن لكتابة القرآن طريقا خاصة تخالف الطريق التي اتبعها العلماء فيما بعد ودرجوا عليها ، ودوّنوا فيها كتبا تعرف بعلم رسم الحروف ، أو علم الإملاء ، وبه كتبت جميع المؤلفات من القرن الثالث فما بعده إلى اليوم.

أما كتابة المصحف فهى تابعة للطريق التي كتب بها المصحف فى عهد عثمان ابن عفان الخليفة الثالث على يد جماعة من كبار الصحابة وتسمى (الرسم العثماني) وقد اتبع فيها نهج خاص يخالف ما اتبع فيما بعد فى كثير من المواضع ، ومن ثم قيل :

خطان لا يقاس عليهما : خط العروض ، وخط المصحف العثماني.

آراء العلماء فى التزام الرسم العثماني

فى كتابة المصاحف

الرأى الأول ـ عبر عنه الإمام أحمد بقوله : تحرم مخالفة خط عثمان في واو أو ألف أو ياء أو غير ذلك. وقال أبو عمرو الداني : لا مخالف لما حكى عن مالك من وجوب الكتابة على الكتبة الأولى من علماء الأمة.

الرأى الثاني : أن رسم المصاحف اصطلاحى لا توقيفى ، وعليه فتجوز مخالفته ، ومن جنح إلى هذا الرأى ابن خلدون فى مقدمته ، وممن تحمس له القاضي أبو بكر فى الانتصار ، إذ قال : وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا ، إذ لم يأخذ على كتّاب القرآن وخطاطى المصاحف رسما بعينه دون غيره أوجبه عليهم وترك ما عداه ،

١٤

إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف ، وليس فى نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص وحدّ محدود لا يجوز تجاوزه ، ولا فى نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه ، ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك ، ولا دلت عليه القياسات الشرعية ، بل السنة دلت على جواز رسمه بأى وجه سهل ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه ولم يبين لهم وجها معينا ، ولا نهى عن كتابته بغيره.

ولذلك اختلفت خطوط المصاحف ، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه أن ذلك اصطلاح ، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال ، ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية والخط الأول ، وأن يجعل اللام على صورة الكاف ، وأن تعوّج الألفات ، وأن يكتب على غير هذه الوجوه ، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين ، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة ، وجاز أن يكتب بين ذلك.

وإذا كانت خطوط المصاحف ، وكثير من حروفها مختلفة متغايرة الصورة ، وكان الناس قد أجازوا ذلك ، وأجازوا أن يكتب كل واحد منهم بما هو عادته ، وما هو أسهل وأشهر وأولى ، من غير تأثيم ولا تناكر ، علم أنه لم يؤخذ فى ذلك على الناس حدّ محدود مخصوص ، كما أخذ عليهم فى القراءة والأذان.

والسبب فى ذلك أن الخطوط إنما هى علامات ورسوم تجرى مجرى الإشارات والعقود والرموز ، فكل رسم دالّ على الكلمة مفيد لوجه قراءتها تجب صحته وتصويب الكتابة به على أىّ صورة كانت.

وبالجملة فكل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه ، وأنّى له ذنك؟ ا ه.

١٥

الرأى الثالث : يميل صاحب التبيان ومن قبله صاحب البرهان إلى ما يفهم من كلام العز بن عبد السلام ، من أنه يجوز بل يجب كتابة المصحف الآن لعامة الناس على الاصطلاحات المعروفة الشائعة عندهم ، ولا تجوز كتابته لهم بالرسم العثماني الأول ، لئلا يوقع في تغيير من الجهال ، ولكن يجب فى الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثماني كأثر من الآثار النفيسة الموروثة عن سلفنا الصالح ، فلا يهمل مراعاته لجهل الجاهلين ، بل يبقى فى أيدى العارفين الذين لا تخلو منهم الأرض. وهاك عبارة التبيان قال :

واما كتابته (المصحف) على ما أحدث الناس من الهجاء فقد جرى عليه أهل الشرق بناء على كونها أبعد من اللبس ، وثحاماه أهل المغرب بناء على قول الإمام مالك ، وقد سئل هل يكتب المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال : لا. إلا على الكتبة الأولى.

قال في البرهان : قلت وهذا كان فى الصدر الأول والعلم حىّ غض ، وأما الآن فقد يخشى الالتباس ، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسم الأول باصطلاح الأئمة ، لئلا يوقع في تغيير من الجهال ، ولكن لا ينبغى إجراء هذا على إطلاقه ، لئلا يؤدى إلى دروس العلم ، وشىء قد أحكمه القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين ، ولن تخلو الأرض من قائم لله بهجته ا ه.

وقد جرينا على الرأى الذي أوجبه العز بن عبد السلام فى كتابة الآيات أثناء التفسير العلة التي ذكرها ، وهى فى عصرنا أشد حاجة إليها من تلك العصور ، على أن الخلاف بينهم فى المصحف لا فى القرآن ولو أثناء التفسير كما فعلنا.

١٦

خدمتى للغة العربية والكتاب الكريم

لقد سعدت بخدمتي للغة العربية نحو نصف قرن درسا وتدريسا ، وتأليفا وتصنيفا ، أتتبع أساليبها فى آي القرآن الحكيم ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والشعر والنثر ، حتى وجدتني كلفا ، بأن أتوّج خدمتى لهذه اللغة بتفسير آي الذكر الحكيم مع تسميته «تفسير المراغي».

وقصاراى أن أسير فى قافلة الحاملين لمشعل المعرفة الإسلامية ، مؤديا بعض ما يجب علىّ نحو الكتاب الكريم من الكشف عن بعض أسراره ومغازيه.

نهجنا الذي سلكناه فى هذا التفسير

رأينا أن ندلى إليك أيها القارئ الكريم ، بالنهج الذي اتبعناه فى التأليف ، لتكون على بينة من أمره :

(1) ذكر الآيات فى صدر البحث :

صدّرنا كل بحث بآية أو آيتين أو آيات من الكتاب الكريم ، سيقت لتؤدى غرضا واحدا.

(2) شرح المفردات :

أردفنا ذلك تفسير مفرداتها اللغوية ، إن كان فيها بعض الخفاء على كثير من القارئين.

(3) المعنى الجملي للآيات :

أتبعنا ذلك بذكر المعنى الجملي لهذه الآية أو الآيات ليتجلّى للقارئ منها صورة مجملة حتى إذا جاء التفسير وضح ذاك المجمل.

١٧

(4) أسباب النزول :

أعقبنا ذلك بما ورد من أسباب النزول لهذه الآيات ، إن صح شىء من ذلك لدى المفسرين بالمأثور.

(5) الإعراض عن ذكر مصطلحات العلوم :

ضربنا صفحا عن ذكر مصطلحات العلوم : من نحو وصرف وبلاغة إلى أشباه ذلك ، مما أدخله المفسرون فى تفاسيرهم ، فكان من العوائق التي حالت بين جمهرة الناس وقراءة كتب التفسير ، فقد وجدوا طلّسمات وألغازا يصعب عليهم فهمها والسير قدما فى استيعاب قراءة التفسير ، لأنها من ألوان الصناعات التي يخصّ بها قوم من الناس ، وتكون عونا لهم على فهم الأساليب العربية فهم دراسة وتعمق ، كما يخصّ قوم من الأمة بالحياكة والنجارة والحدادة إلى أشباه ذلك.

(6) أسلوب المفسرين :

رأينا أن الأساليب التي كتبت بها كتب التفسير وضعت فى عهود سحيقة بأساليب تناسب أهل العصور التي ألفت فيها ويسهل عليهم فهمها ، وأن جمهرتهم أوجزوا فى القول وعدّوا ذلك مفخرة لهم.

ولما كان لكل عصر طابع خاص يمتاز به عن غيره فى آداب أهله وأخلاقهم وعاداتهم وطرائق تفكيرهم ـ وجب على الباحثين فى هذا العصر مجاراة أهله فى كل ما نقدّم ، فكان لزاما علينا أن نتلمس لونا من التفسير لكتاب الله بأسلوب عصرنا موافقا لأمزجة أهله ، فأساس التخاطب أن لكل مقام مقالا ، وأن الناس يخاطبون على قدر عقولهم ، وقد رأينا أن نشيد فيه بجهود السابقين معترفين بفضلهم ، مستندين إلى آرائهم.

١٨

وقد سلكنا فى الوصول إلى فهم الآيات التي أشارت إلى بعض نظريات فى مختلف الفنون استطلاع آراء العارفين بها ، فاستطلعنا آراء الطبيب النطاسي ، والفلكي العارف والمؤرخ الثّبت ، والحكيم البصير ليدلى كل برأيه فيما تمهّر فيه ، لنعلم ما أثبته العلم وأنتجه الفكر ، فيكون كلامنا معتزا بكرامة المعرفة التي تشرف بتفهم كتاب الله ، فرجل الدين حامل لوائها ، عليه أن يسأل العلم دائما ليستبصر بما ثبت لديه ، ويساير عصره ما وجد إلى ذلك سبيلا ، فإن قعدت به همته إلى الموروث من قضاياه لدى الماضين ركب شططا وازداد بعدا عن الحقيقة ، وتضاءل أمام نفسه وأمام قارئي بحوثه ومؤلفاته.

(7) ميزة العصر الحاضر في وسائل التفاهم :

يمتاز هذا العصر بميل أهله لسهولة الكلام ليفهم الغرض المراد منه حين التخاطب ، دون احتياج إلى النقاش وصنوف التأويل ، ومن ثم كان أهم ما عنيت به أن أقرأ فى الموضوع الواحد ما كتبه أعلام المفسرين على اختلاف نزعاتهم وتباين أزمنتهم حتى إذا اطمأننت إلى فهم ما قرأت وتمثلته وهضمته ، كتبته بأسلوب العصر الحاضر ، وهذا هو نهجى فى تأليف هذا التفسير.

وما حملنى على ركوب هذا المركب الخشن ، واقتحام هذه العقبات إلا انصراف القارئين عن قراءة كتب التفسير التي بين أيدينا ، بدعوى أنها صعبة المدخل مفعمة بكثير من المصطلحات التي لا يعلمها إلا من أتقن هذه الفنون ، واستبدلت بأساليب المؤلفين أسلوبا سهل المأخذ قليل الكلفة فى الفهم ، حتى يستطيع القارئ أن يلمّ بأسرار كتاب الله دون كدّ ولا نصب.

١٩

(8) تمحيص روايات كتب التفسير :

أشار الكتاب الكريم إلى كثير من تاريخ الأمم الغابرة التي حلّ بها العذاب على ما اجترحت من الآثام ، وإلى بدء الخلق وتكوين الأرض والسموات ، ولم يكن لدى العرب من المعرفة ما يستطيعون به شرح هذه المجملات التي أشار إليها الكتاب ، إذ كانوا أمة أمية في صحراء نائية عن مناهل العلم والمعرفة ، والإنسان بطبعه حريص على استكناه المجهول ، واستيضاح ما عزّت عليه معرفته ، فألجأتهم الحاجة إلى الاستفسار من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولا سيما مسلمتهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار ، ووهب بن منبّه ، فقصّوا عليهم من القصص ما ظنوه تفسيرا لما خفى عليهم فهمه من كتابهم ، ولكنهم كانوا فى ذلك كحاطب ليل ، يجمع بين الشذرة والبعرة ، والذهب والشبه ، إذ لم تكن علوم القصّاص ممحّصة ولا مهذبة ، بل كان ينقصها الميزان العلمي الذي به يتعرّف جيّد الرأى من بهرجه ، وصحيحه من سقيمه ، فساقوا إلى المسلمين من الآراء فى تفسير كتابهم ما ينبذه العقل ، وينافيه الدين ، وتكذبه المشاهدة ، ويبعده كل البعد ما أثبته العلم فى العصور اللاحقة.

وما كان مثلهم ومثل العرب الذين استوضحوهم بعض ما استعصى عليهم فهمه ، إلا مثل السائح الأوربى إذا جاء إلى سفح الأهرام بمصر ، وسأل العرب الضاربين خيامهم حولها. لم بنيت الأهرام؟ ومن بناها؟ ومتى بنيت؟ وكيف بنيت؟ فيجيبونه إجابات بعيدة عن الحقيقة ومجانفة وجه الصواب.

ومن ثمّ رأينا ألا نذكر رواية مأثورة إلا إذا تلقاها العلم بالقبول ، ولم نر فيها ما يتنافر مع قضايا الدين التي لا خلاف فيها بين أهله ، وقد وجدنا أن ذلك أسلم لصادق المعرفة ، وأشرف لتفسير كتاب الله ، وأجذب لقلوب المثقفين ثقافة علمية ، لا يقنعها إلا الدليل والبرهان ونور المعرفة الصادقة.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة. يقول لمن أراد كونه كن فيكون. لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.

لا يقال كان بعد أن لم يكن، فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدئ والبديع.

خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والإعوجاج، ومنعها من التهافت والإنفراج. أرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه.

هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شيء منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شيء منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه.

خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه.

هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها.

أوّل الدين معرفته.... وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس

١٤١

لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه..

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده.

أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا رَوِيَّةً أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها.

ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطماً تياره، متراكماً زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبهاً، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره، حتى عب عُبَابُه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوى منه سبع

١٤٢

سموات، جعل سفلاهن موجاً مكفوفاً، وعلياهن سقفاً محفوظاً، وسمكاً مرفوعاً، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها.

ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجاً مستطيراً، وقمراً منيراً، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر، ثم فتق ما بين السموات العلا، فملأهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

ثم جمع سبحانه من حَزْن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنَّها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وأمد معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والأذواق والمشام، والألوان والأجناس. معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم، في الإذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته....

١٤٣

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونها

- التوحيد للشيخ الصدوق ص ٣١

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل سماه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يوماً خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال أبو إسحاق فقلت للحارث: أو ما حفظتها قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:

الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن. الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلاً، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير. الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص، بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته، ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن هو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته.

الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله. الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا. ولله الفضل مبدئاً ومعيدا....

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من

١٤٤

تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، ولا يعدله شيء، الظاهر على كل شيء بالقهر له، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم. أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه، في خلق ما خلق .... إلى آخر الخطبة.

أمير المؤمنين يردّ على تجسيم اليهود

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٧٧

حدثنا أبوسعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال حدثنا علي ابن سلمة الليفي، قال حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم، قال حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال فقال له عليعليه‌السلام : إنما يقال: متى كان لشيء لم يكن فكان، وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غايه كل غاية.

أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال: حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظاً من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس عليعليه‌السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر

١٤٥

اللون كأنه من متهودة اليمن فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح عليعليه‌السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما، ليس بشبح فيرى، ولا بجسم فيتجزى، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى.

كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا ينقلب شاناً بعد شان.

البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالإلتزاق، ولم يبعد عنها بالإفتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد.

لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية،بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشيء منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود، فقد جهل الخالق المعبود .... والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.. انتهى.

وقد تقدم في الفصل الأول رده على كعب الأحبار فى مجلس الخليفة عمر.

١٤٦

ويوجّه المسلمين إلى التفكّر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

- نهج البلاغة ج ٢ ص ٧٠

١٦٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس:

ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، فأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته.

وما ذرأ من مختلف صور الأطيار، التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من ذات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة، مصرفة في زمان التسخير، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح، والفضاء المنفرج.

كَوَّنها بعد أن لم تكن، في عجائب صور ظاهرة، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة، ومنع بعضها بعبالة خلقة، أن يسمو في السماء خفوفاً، وجعله يدف دفيفاً، ونسقها على اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته، ودقيق صنعته، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، ونضد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، وذنب أطال مسحبه.

إذا درج إلى الأنثى نشره من طيه، وسما به مطلاً على رأسه، كأنه قلع داري عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يختال بألوانه، ويميس بزيفانه، يفضي كإفضاء الديكة، وَيُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب.

أحيلك من ذلك على معاينة، لا كمن يحيل على ضعيف إسناده، ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه، فتقف في ضفتي جفونه، وأن أنثاه تطعم ذلك، ثم تبيض لا من لقاح فحل، سوى الدمع المنبجس، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب.

تخال قصبه مداري من فضة، وما أنبت عليها من عجيب داراته، وشموسه

١٤٧

خالص العقيان، وفلذ الزبرجد، فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جني جني من زهرة كل ربيع، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشى الحلل، أو مونق عصب اليمن، وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل.

يمشي مشي المرح المختال، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله، وأصابيغ وشاحه، فإذا رمى ببصره إلى قوائمه، زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته، ويشهد بصادق توجعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية.

وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة، ومخرج عنقه كالإبريق، ومغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه متلفع بمعجر أسحم، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به، ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان، أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه، وبصيص ديباجه ورونقه، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع، ولا شموس قيظ، وقد يتحسر من ريشه، ويعرى من لباسه، فيسقط تترى، وينبت تباعاً، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق نامياً حتى يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه.

وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية.

فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه، والألسنة أن تصفه، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون، فأدركته محدوداً مكوناً، ومؤلفاً ملوناً، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقعد بها عن تأدية نعته.

وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة، إلى ما فوقهما من خلق الحيتان والأفيلة،

١٤٨

ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غايته...

ويصف النملة والجرادة

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٥

١٨٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :.... ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والبصائر مدخولة.

ألا تنظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوى له العظم والبشر. أنظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس.

ولو فكرت في مجاري أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعبا. فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر.

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كل شيء، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف، والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف، في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء. فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات.

١٤٩

فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر. زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجؤوا إلى حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق لما أوعوا. وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان.

وإن شئت قلت في الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة.

فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، ويعفرِّ له خداً ووجهاً، ويلقى إليه بالطاعة سلماً وضعفاً، ويعطى له القياد رهبة وخوفاً، فالطير مسخرة لأمره، أحصى عدد الريش منها والنفس، وأرسى قوائمها على الندى واليبس، وقدر أقواتها، وأحصى أجناسها، فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها، فبلَّ الأرض بعد جفوفها، وأخرج نبتها بعد جدوبها.

عليعليه‌السلام مؤسّس علم التوحيد

- أمالي المرتضى ج ١ ص ١٠٣

إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وخطبه، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول.

وروي عن الأئمة من أبناءهعليهم‌السلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة،

١٥٠

ونتاج للعقول العقيمة، ونحن نقدم على ما نريد ذكره شيئاً مما روي عنهم في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وهو يصف الله تعالى:

بمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والخشونة بالليل، واليبوسة بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

وروي عنهعليه‌السلام أنه سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني به. قيل: وكيف عرفك؟ قال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بقياس الناس.

وقيل لهعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق؟ قال: كما يرزقهم. فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال: كما يرزقهم ولا يرونه.

وسأله رجل فقال: أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال: أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.

الإمام زين العابدينعليه‌السلام ينظم زبور آل محمد

- قالعليه‌السلام في أدعيته المعروفة بالصحيفة السجادية، الدعاء الأول:

الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترعهم على مشيته اختراعاً، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً، ونصب له أمداً محدوداً، يتخطى إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتى إذا بلغ أقصى أثره، واستوعب حساب عمره، قبضه إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه، أو محذور عقابه، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، عدلاً منه تقدست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون....

١٥١

- الصحيفة السجادية الدعاء الثاني والثلاثون

وكان من دعائهعليه‌السلام بعد الفراغ من صلاة الليل: اللهم ياذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعز الباقي على مر الدهور وخوالي الاعوام، ومواضي الأزمان والأيام، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية، ولا منتهى له بآخرية، واستعلى ملكك علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، ولا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، وتفسخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام.

كذلك أنت الله الأول في أوليتك، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول.

وأنا العبد الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتك، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك، قلَّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء، فاعف عني.....

- الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢١

دعاؤهعليه‌السلام في التحميد لله عز وجل:الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة، واحتجت عن الأبصار بالعزة، واقتدر على الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيته، ولا الأوهام تبلغ كنه عظمته، تجبر بالعظمة والكبرياء، وتعطف بالعز والبر والجلال، وتقدس بالحسن والجمال، وتجمل بالفخر والبهاء، وتهلل بالمجد والآلاء، واستخلص بالنور والضياء. خالق لا نظير له، وواحد لاند له، وماجد لا ضد له، وصمد لا كفو له، وإله لا ثاني معه، وفاطر لا شريك له، ورازق لا معين له، الأول بلا زوال، والدائم بلا فناء، والقائم بلا عناء، والباقي بلا نهاية، والمبدئ بلا أمد، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك، والفاطر بلا كلفة، والفاعل بلا عجز.

ليس له حد في مكان، ولا غاية في زمان، لم يزل ولا يزول ولن يزال، كذلك أبداً هو الإله الحي القيوم، الدائم القديم، القادر الحكيم ....

١٥٢

الإمام محمد الباقرعليه‌السلام يجيب على سؤال متى وجد الله

- الكافي ج ٨ ص ١٢٠

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبي منصور، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفرعليه‌السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفرعليه‌السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي!

فقال: أشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله.

فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفرعليه‌السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال فرفع أبو جعفرعليه‌السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمد من سنة.

قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟

قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أما في قولي فخمسمائة سنة، وأما في قولك فستمائة سنة.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون. من الذي سأل محمد، وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة.

فقال: فتلا أبو جعفرعليه‌السلام هذه الآية: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا. فكان من الآيات التي

١٥٣

أراها الله تبارك وتعالى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيلعليه‌السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي على خير العمل، ثم تقدم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم: على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا.

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما.

قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله عز وجل على آدمعليه‌السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها.

قال نافع: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، أي أرض تبدل يومئذ.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب.

فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟

فقال نافع: بل إذ هم في النار.

قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم.

قال: صدقت يابن رسول الله، ولقد بقيت مسألة واحدة.

قال: وما هي.

قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟

١٥٤

قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان! سبحان من لم يزل ولا يزال، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه.

قال: وما هو.

قال: ما تقول في أصحاب النهروان، فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت.

قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقا، فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا، وهو ابن رسول الله حقاً، ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبياً!! انتهى.

والظاهر أن الإمام الباقرعليه‌السلام سأل نافعاً عن رأيه في الخوارج، لأن نافعاً كان ناصبياً مؤيداً لرأي الخوارج في تكفير عليعليه‌السلام .

ويركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه ولا تعطيل

- التوحيد للصدوق ص ١٠٤

أبي رحمه‌الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله الأشعري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى عمن ذكره قال: سئل أبو جعفرعليه‌السلام أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شيء قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.

الإمام الصادقعليه‌السلام : لا نفي ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٠٢

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبدالرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد،

١٥٥

فكتبعليه‌السلام بيد عبد الملك بن أعين:

سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه، المفترون على الله. واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البيان.

- توحيد الصدوق ص ١٠٣

حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان، وقال آخر إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبد الله ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به علم، لم يلد لأن الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالى عن صفة من سواه علواً كبيرا.

المؤمنون يرون الله بعقولهم وقلوبهم في الدنيا والآخرة

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣١

لي: الطالقاني، عن ابن عقدة، عن المنذر بن محمد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيرا. يا ابن الفضل، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

١٥٦

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٤

يد: الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة.

قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقلت: متى؟

قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كَفَر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

ضه: سأل محمد الحلبي الصادقعليه‌السلام فقال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدركه أبصار حدق الناظرين، ولا تحيط به أسماع السامعين.

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣

ج: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله: قد جاءكم بصائر من ربكم، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من أبصر بعينه، ومن عمي فعليها، ليس يعني عمى العيون، إنما عنى إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين.

الإمام الصادقعليه‌السلام يردّ على الحلول والثنائية بين الذات والصفات

- الكافي ج ١ ص ٨٢

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا

١٥٧

عبد اللهعليه‌السلام يقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

- الكافي ج ١ ص ٨٣

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال للزنديق حين سأله: ما هو قال: هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان، فقال له السائل: فتقول إنه سميع بصير قال: هو سميع بصير: سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول: إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع.

- الكافي ج ١ ص ٨٧

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي: يا هشام الله مشتق من أله، والإله يقتضي مألوهاً والإسم غير المسمى، فمن عبد الإسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الإسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الإسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً فلو كان الإسم هو المسمى لكان كل إسم منها إلهاً، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز إسم للمأكول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم.

١٥٨

قال فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

- علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال: فقال: إن من عبد الإسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء أن الأسماء صفات وصف بها نفسه.

- الكافي ج ١ ص ١٠٣

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى صار أيناً فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شيء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.

الإمام الكاظمعليه‌السلام يردّ على تجسيد النصارى

- وقال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٣٠

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام وهو يكلم راهباً من النصارى،

١٥٩

فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول. أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن، فكان خبراً كما أراد في اللوح.

ويبيّن أنّ الله تعالى غنيٌّ عن النزول والحركة

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٨٣

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطَّول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

الإمام الرضاعليه‌السلام يعلّم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

- توحيد الصدوق ص ١٠٧

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسى بن عبيد قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : ما تقول إذا قيل لك أخبرني عن الله عز وجل شيء هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434